الشيخ محمد باقر ملكيان(*)
قد يُقال ـ كما سمعناه غير مرّة عن سيّدنا الأستاذ المددي ـ بأنّ الشيخ لم يوفّق لتكميل الفهرست وتحريره النهائي.
ويمكن تأييد هذا المدّعى بشواهد وقرائن، فنذكر الآن جملة ممّا عثرنا عليه منها:
1ـ الشيخ قد وعد في مقدّمة الفهرست بأنّه يذكر ما قيل في الرواة من التوثيق والضعف، وهل أنّهم موافقون للحقّ أو أنّهم من الفرق المنحرفة، فقال: «إذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بُدَّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعوَّل على روايته أو لا؟ وأبيِّن عن اعتقاده وهل هو موافق للحقّ أم هو مخالف له؟ لأنّ كثيراً من مصنِّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإنْ كانت كتبهم معتمدة».
إلاّ أنّهلم يَفِ بوعده في كثيرٍ من الموارد.
2ـ إنّك إذا راجعت فهرست الشيخ والنجاشي تلاحظ أنّ الشيخ ذكر راوياً بعنوانٍ، وذكره النجاشي بعنوانٍ آخر، بل تجد راوياً بعنوانين في كتابٍ واحد.
ولعلّ السرّ في اختلاف العناوين اختلاف المصادر. فمثلاً: الشيخ ذكر العنوان من فهرست حميد، مع أنّ العنوان في فهرست النجاشيمأخوذٌ من فهرست عبد الله بن جعفر الحميري. وهكذا الحال حين تجد راوياً بعنوانين في كتابٍ واحد.
إلا أنّ هناك تكراراً في بعض العناوين مع اتّحاد المصدر، بل ومع اتحاد الكتاب في بعض الأحيان. فمثلاً:
أـ قال في ترجمة محمد بن بندار بن عاصم: له كتاب المثالب. أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الحسين بن محمد بن عامر، عنه([1]).
وقال في موضعٍ آخر: له كتاب المثالب. أخبرنا به ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن محمد بن بندار، عن رجاله([2]).
ب ـ وقال في محمد بن شُرَيْح: له كتاب. أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن حميد، عن ابن سَماعة، عن محمد بن شُرَيْح([3]).
وفيه: له كتابٌ. رويناه بهذا الإسناد، عن حميد، عن ابن سَماعة، عنه([4]).
وفيه أيضاً: له كتابٌ. رويناه بهذا الإسناد، عن ابن نَهِيك، عنه([5]).
ج. وقال في محمد بن إسماعيل بن بَزِيع: له كتابٌ في الحجّ. أخبرنا ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل([6]).
وفيه: له كتبٌ، منها: كتاب الحجّ. أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل([7]).
هـ ـ وقال في إسماعيل بن مهران: صنّف مصنّفات كثيرة، منها: كتاب الملاحم. أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري قراءةً عليه، قال: حدَّثني عمّ أبي عليّ بن سليمان، عن جدّ أبي محمد بن سليمان، عن أبي جعفر أحمد بن الحسن، عن إسماعيل.
وله أصلٌ. أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن محمد بن عليّ بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن الصفّار، عن محمد بن الحسين، عنه([8]).
وفيه: له كتاب الملاحم، وله أصلٌ. أخبرنا بهما عدّةٌ من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن أبي جعفر محمد بن جعفر بن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إسماعيل بن مهران([9]).
ويمكن أن يؤيَّد بموارد أخرى([10]).
وهذا، وإنْ صار سبب توهُّم جماعة، حيث زعموا تغاير العنوانين، إلا أنّه دليل على أنّ الشيخ لم يوفَّق لتكميل الفهرست وتحريره النهائي.
3ـ إنّ الشيخ قد عقد في بعض أبواب الحروف باباً بعنوان «باب الواحد». والمراد منه عدم عنوان اسم في هذا الباب مرّتين. فمثلاً: إذا جاء في هذا الباب «مَسْعَدة» نعلم أنّه لم يذكر في هذا الباب رجلاً آخر باسم «مَسْعَدة».
هذا، ولكن الشيخ قد ذكر بعض العناوين في هذا الباب أكثر من مرّةٍ:
أـ جاء في باب الواحد من باب الألف إدريس مرّتين([11]).
ب ـ جاء في باب الواحد من باب الحاء الحارث([12]) والحجّاج([13]) مرّتين.
ج ـ جاء في باب الواحد من باب السين سندي([14]) والسري([15]) وسهل([16]) مرّتين.
د ـ جاء في باب الواحد من باب الميم المفضَّل([17]) مرّتين.
4ـ عقد الشيخ باباً بعنوان «باب مَنْ عرف بكنيته ولم أقِفْ له على اسم».
ولكنْ تجد في هذا الباب بعض العناوين مثل: أبي الفرج الاصفهاني([18])، وهو وإنْ اشتهر بالكنية، إلا أنّ اسمه معلومٌ.
كما أنّ الشيخ قد صرَّح بأسماء بعض المذكورين في هذا الباب([19])، أو في أبواب أخرى([20]).
5ـ الشيخ قد أحال في مواضع من رجاله إلى الفهرست([21]).
ولكنْ هناك موردان لم نعثر عليهما في الفهرست؛ فإنّه قال في الرجال في ترجمة الحسين بن عبيد الله الغضائري: له تصانيف ذكرناها في الفهرست([22]).
وقال في الحسين بن عليّ بن سفيان البَزَوْفَري: له كتبٌ ذكرناها في الفهرست([23]).
وقد يبرَّر ذلك بأنّها سقطت منها، وكانت موجودةً في نسخة الأصل؛ فإنّ جلالة مقام الشيخ تأبى عن أن يخبر بشيءٍ لا أصل له([24]).
ولكنّ الظاهر أنّ ببال الشيخ ـ كما هو الحال في كثير من المصنِّفين ـ أن يذكرهما في الفهرست، إلا أنّه لم يوفَّق لذلك.
6ـ إنّ عند الشيخ بعض الكتب، وكذا له طرق إليها، إلا أنّه لم يذكر هذه الكتب في الفهرست.
فمن ذلك: كتاب ثواب الأعمال، لجعفر بن سليمان القمي، فإنّه كان عند الشيخ أيضاً، وهو يروي هذا الكتاب عن عليّ بن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن جعفر بن سليمان القمي([25]).
ولعلّ ذلك أيضاً قرينةٌ على أنّ الشيخ لم يوفَّق لإكمال الفهرست، خصوصاً مع قوله في المقدّمة: «أنّ عليّ الجهد في ذلك، والاستقصاء في ما أقدر عليه».
وكيفما كان فجميع ذلك إمّا غفلة من الشيخ، وكيف نلتزم به، وهو شيخ الطائفة، بل هو الشيخ على الإطلاق عند الإمامية، وهذا لا يليق بأصاغر الطلاب، فضلاً عن مثله؟!
وإمّا دليل على أنّ الشيخ لم يوفَّق لتكميل الفهرست وتحريره النهائي.
ولا بُعْدَ في ذلك، فكثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة، من الفقه والأصول وجمع الأحاديث والتفسير والكلام، من ناحيةٍ، واشتغاله بالتدريس والتعليم من ناحيةٍ أخرى، وابتلاؤه بالفتنة السلجوقية، وإحراق مكتبته، وهجرتُه من بغداد إلى النجف الأشرف، من ناحيةٍ ثالثة، وتأسيسُه جامعة كبرى في النجف الأشرف من ناحيةٍ رابعة، أدّت إلى القول بأنّه لو قسّمت مدّة حياته على تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلاّ ساعات معيَّنة محدودة([26]).
ثمّ إنّ هنا قرائن وشواهد على أنّ الشيخ وإنْ لم يوفَّق لتكميل الفهرست، إلاّ أنّه اشتغل بتكميلها طيلة سنين. فمن هذه الشواهد:
1ـ قد وجدنا بعد مقابلة نسخ الفهرست الاختلاف بينها. فمثلاً: قال في ترجمة السيّد المرتضى ـ على ما في بعض النسخ ـ: «طوّل الله عمره، وعضد الإسلام وأهله ببقائه، وامتداد أيّامه»، إلاّ أنّه جاء في بعض نسخ أخرى: «رضي الله عنه».
2ـ إنّ الشيخ ألّف الفهرست في بغداد، ولأجله ذكره النجاشي في عداد مصنّفات الشيخ([27]). إلاّ أنّ الشيخ بعد هجرته إلى النجف الأشرف اشتغل بتكميل الفهرست، ولأجله ذكر في عداد مصنَّفاته في ترجمة نفسه في الفهرست: كتاب اختيار الرجال، وكتاب المجالس في الأخبار([28])، والمراد بكتاب المجالس في الأخبار هو كتاب الأمالي، ولا شَكَّ أنّ تأليفهما كان في النجف الأشرف.
3ـ إنّ الشيخ عدَّ في الفهرست من كتبه كتاب الرجال([29]). وقال في ترجمة كثيرٍ من رجاله: له كتب أو تصانيف ذكرناها في الفهرست([30]).
كما أنّه عدّ من كتبه في الفهرست: التهذيب، مع أنّه أحال في مشيخة التهذيب إلى الفهرست([31]). وهذا دليلٌ على أنّ الشيخ أضاف إلى فهرسته شيئاً فشيئاً.
الهوامش
(*) باحثٌ ومحقِّق بارز في مجال إحياء التراث الرجاليّ والحديثيّ. حقَّق وصحَّح كتاب جامع الرواة، للأردبيلي، وكتاب رجال النجاشي، في عدّة مجلَّداتٍ ضخمة.
([10]) ولاحظ أيضاً: الفهرست، الرقم 178، وقارنه مع الرقم 184؛ 40، وقارنه مع الرقم 44؛ 47، وقارنه مع الرقم 48؛ 196، وقارنه مع الرقم 200؛ 402، وقارنه مع الرقم 411؛ 646، وقارنه مع الرقم 682؛ 648، وقارنه مع الرقم 681؛ 672، وقارنه مع الرقم 692؛ 617، وقارنه مع الرقم 643؛ 882، وقارنه مع الرقم 894؛ 889، وقارنه مع الرقم 986؛ 885، وقارنه مع الرقم 898؛ 881، وقارنه مع الرقم: 895
([11]) الفهرست، الرقم 120؛ 125.
([12]) الفهرست، الرقم 255؛ 265.
([13]) الفهرست، الرقم 260، 262.
([14]) الفهرست، الرقم 341؛ 343
([15]) الفهرست، الرقم 342؛ 348.
([16]) الفهرست، الرقم 339؛ 345.
([17]) الفهرست، الرقم 758؛ 765.
([19]) لاحظ: الفهرست، الرقم 830؛ 831؛ 840.
([20]) لاحظ: الفهرست، الرقم 894، وقارنه مع الرقم 517.
([21]) لاحظ: رجال الطوسي، الرقم 4994؛ 5949؛ 5953؛ 5963؛ 5990 ـ 5993؛ 6001؛ 6026؛ 6033؛ 6038؛ 6073؛ 6081؛ 6092؛ 6117؛ 6141؛ 6143؛ 6188؛ 6190؛ 6209؛ 6262؛ 6268؛ 6275؛ 6277؛ 6282؛ 6318.
([22]) رجال الطوسي، الرقم 6117.
([23]) رجال الطوسي، الرقم 6092.
([24]) معجم رجال الحديث 7: 22، الرقم 3490.
([25]) لاحظ: جمال الأسبوع: 418.
([27]) رجال النجاشي، الرقم 1068.
([28]) لاحظ: الفهرست، الرقم 714.
([30]) لاحظ: رجال الطوسي، الرقم 4994؛ 5949؛ 5953؛ 5963؛ 5990 ـ 5993؛ 6001؛ 6026؛ 6033؛ 6038؛ 6073؛ 6081؛ 6092؛ 6117؛ 6141؛ 6143؛ 6188؛ 6190ـ6190؛ 6209؛ 6262؛ 6268؛ 6275؛ 6277؛ 6282؛ 6318.