العزاء، سنّة دينية أم فعل اجتماعي ؟
القسم الأوّل
السيد حسن إسلامي
السيد حسن إسلامي(*)
ترجمة: حيدر حب الله
مدخل لإثارة الموضوع
يمكن – من جهةٍ من الجهات – اعتبار تاريخ الفكر الشيعي في القرن الأخير جهداً يعمل على إعادة بناء المفاهيم الشيعية وإعادة شرح وتفسير المعتقدات والتعاليم الإماميّة بلغة عصرية معاصرة، وقد شمل هذا الجهد الكبير مساحات فكرية مختلفة، فمن المسائل الفقهية الحقوقية إلى القضايا الكلامية، ومن موضوعات التاريخ إلى الشؤون الثقافية، وتعدّ بعض النتاجات التي قدّمها أكبر وأقوى مفكري الشيعة في العقود الأخيرة، مثل كاشف الغطاء، وشرف الدين، والبلاغي، والعلامة الطباطبائي، والمطهري، وشريعتي (الأب والابن)، مساجلات محكمة تهدف الدفاعَ عن التعاليم الشيعية، أو محاولات لاستبعاد سوء الفهم السائد في هذا المجال.
ولكي نقدّم مثالاً على هذه النتاجات، يمكن ذكر كتاب «النص والاجتهاد» لعبد الحسين شرف الدين، و «الشيعة في الإسلام» للطباطبائي، و«نظام حقوق المرأة في الإسلام» للمطهري، فبعض هذه الأعمال يحوي إطلالةً على الماضي ويسعى لإعادة قراءة الملفات الجديدة بعين عصرية، مثل مجادلات شرف الدين مع شيخ الأزهر، أما بعضها الآخر فيستهدف تقديم صورة مقبولة ومرضية لبعض الأحكام التقليدية في الفقه الشيعي، مثل كتاب «نظام حقوق المرأة في الإسلام» أو «مسألة الحجاب» للمطهري، وبعضها يحمل صبغةً فقهية فيما بعضها الآخر تطفو عليه الصبغة الفلسفية والكلامية، إلا أنه وفي هذا الوسط كانت – وما تزال – هناك مسألتان تقعان في قلب هذه الجهود وهما: فلسفة الثورة الحسينية، والاعتراف بالعزاء ومراسمه.
إنّ هاتين المسألتين مرتبطتان ببعضهما البعض، كما تختلفان اختلافاً جذرياً عن سائر القضايا الأخرى، فهنا لا يوجد النقض والإبرام الموجودان في القضايا الكلامية أو الفقهية، كي يتسنّى عبر العينية النسبية أن نسير مع خطّ استدلالي معها والوصول عبر ذلك إلى نتيجة، أيّ نتيجةٍ كانت، وهنا تكون الكلمة لأقوى العواطف، وأولئك الذين ولجوا هذا البحث، تعلّقوا بموضوعهم بشدّة، وأبدوه جلياً.
من حيث الأساس، إن تصوّر المذهب الشيعي دون الأخذ بعين الاعتبار قيام سيّد الشهداء وما يتعلّق بذلك، غير ممكن، فالشيعي من أيّ نوعٍ كان، وإلى أي ميول فقهية وغير فقهية انتمى، يجعل – في نهاية المطاف – ثورة عاشوراء جزءاً من أسس أفكاره وعقائده الدينية، ولا يمكنه التفكير خارجها، فيما قد يتسنّى لأكثر الشيعة أن لا يملكوا صورةً واضحة عن عقائدهم، بل قد لا يمكنهم ممارسة التأمل فيها، ولو بقدرٍ ضئيل، فهذه المسألة تعدّ جزءاً من أساسيات معتقداتهم وكل واحدٍ منهم له تصوّره عنها طبقاً لحالته وطاقته.
إنّ هذه الخصوصية هي التي جعلت موضوع الثورة الحسينية منفصلاً عن سائر الموضوعات الفكرية الأخرى، فسائر المسائل لها جانب مدرسي في الغالب، تطرح وتتداول في أوساط خاصّة، أما مسألة الثورة الحسينية وتقديرها وتعظيمها فهي أمر خارج عن مجالات البحث العلمي، لتتحوّل إلى قضية عامة ويومية وعصرية. إن نظرةً إلى الكتب التي صنّفت حول الثورة الحسينية تدلّل على هذا الأمر بوضوح؛ حيث نجد بين الكتّاب الذين ساهموا في التدوين حول هذه الثورة تنوّعاً ملفتاً؛ فهم بين فقيه ومؤرّخ، ومفسّر وحقوقي، وعلى سبيل المثال، ومع عدم حسبان أهميّة المؤلفين أو ترتيبهم وتصنيفهم، نجد أنّ كل واحد منهم ينتمي إلى دائرة فكرية مختلفة، ولديه اختصاصات متنوّعة، مثل: محمّد تقي شريعتي، وإبراهيم آيتي، ولطف الله الصافي، ومرتضى مطهري، وعلي شريعتي، وفضل الله الكمباني، وحسن الصدر، ونعمة الله صالحي، والسيد حسن الشيرازي، وهاشم رسول محلاتي، ومحمد حسين فضل الله.
إنّ هذا الأمر، قد يكون بركةً وخيراً من جهة؛ ذلك أنه يحوّل الأمر إلى همّ شيعي وقضية شيعية عامة، إلا أنه – من جهة ثانية – يفتح المجال لممارسة تضليل للعوام محتمل؛ ولذلك نجد أن كل من اشتغل بهذا البحث وقدّم رؤيةً مختلفة – ولو قليلاً – عما هو رائج وتقليدي، وعن الصورة الأرثوذوكسية للثورة الحسينية.. اتّهم تلقائياً بالتأثر بالوهابية، وأنه صنيعة الاستعمار، وعدوّ التشيع، وفي النهاية، صعوبة إجراء دراسات ممنهجة وعلمية في هذا المجال من جانب الباحثين عن الحقيقة.
1 – معضلة «الشهيد الخالد»
إن المساجلات التي وقعت في العقود الثلاثة الأخيرة حول فلسفة قيام سيّد الشهداء تعدّ شاهداً واضحاً على ما نقول، ففي مقابل النظرية المهيمنة التي ترى أن الإمام الحسين (ع) إنما ثار لكي يستشهد عالماً بنهايته ونهاية أهل بيته.. نشر صالحي نجف آبادي، وهو من فضلاء الحوزة العلمية في مدينة قم، نتيجةَ بحثه وتتبعه لسبع سنوات في كتاب حمل عنوان «الشهيد الخالد، الحسين بن علي (ع)»، وذلك في أواخر عام 1349هـ.ش/1970م مقدّماً فيه تفسيراً آخر عن علّة الثورة الحسينية، وقد حذّر في مطلع كتابه قرّاءَه من ممارسة أي أحكام مسبقة، وذلك في مدخل حمل عنوان «العقدة المحلولة» مشيراً إلى أنه عقب ذلك توصّل إلى تفسير جديد لهذه الحركة التاريخية العظيمة والمقدّسة، إنه يقول: «مضت سنوات أسمعهم يقولون: لقد خرج الحسين كي يسيل دمه وتسبى نساؤه، وكنت دوماً ارتعش من هذا الكلام، وانزعج منه، وأقول في نفسي: لماذا يقوم إمامٌ يجب أن تغلي الدماء المقدّسة الحارة في عروقه، ويمنح المجتمع الإنساني حرارةً ودفئاً، ويتحرك، وينير، ويكون دعماً للإسلام والمسلمين.. لماذا يسفك بيده دمه الطاهر الحارّ على التراب، ويحرم العالم الإسلامي من مثل هذا القائد العظيم؟!»([1]).
وقد عمد صالحي نجف آبادي في مقدّمة الكتاب إلى تشريح النظريات المختلفة التي تتحدّث عن ثورة الإمام الحسين، وقد كانت هناك نظريّتان إفراطيتان هما: النظرية التي طرحها بعض أهل السنّة، وادعى على أساسها أن ثورة الحسين لم تكن ثورةً محكمة ومدروسة، وأن الإمام الحسين(ع) قد أخطأ في حساباته، وتقابل هذه النظرية نظريةٌ أخرى طرحها جمعٌ من الكتّاب الشيعة وأبانوا عن معالمها، وهي تقوم على مبدأ يقول: إن قيام الحسين(ع) لم يكن تابعاً لمحاسبات ودراسات سائدة ومتعارفة وعقلانية، وإنما تصدّى لذلك اتباعاً لأمرٍ إلهي، وليس لأحد في هذا المجال النقاش والسؤال.
ويستنتج صالحي نجف آبادي من ذلك، فيقول: «طبقاً لهذا المنطق، كانت للحسين (ع) أوامر إلهية أن يقتل نفسه، فيصل بذلك إلى نيل الثواب العظيم، وليس لأحد الحقّ في أن يقوم بأيّ دراسات أو حوارات حول هذا الموضوع»([2]).
ولكي يؤيّد هذا الأمر نقل نجف آبادي عن السيّد ابن طاووس قوله: «وإنما التعبّد به (أي القتل) من أبلغ درجات السعادة»([3]).
إلا أنّ أياً من هذين التفسيرين – سيما الثاني – لم يحظ بقبول صالحي نجف آبادي، وقد سعى عبر هذا الكتاب مفصّلاً وعبر تحليل النصوص التاريخية والخدش في بعض المفروضات المسبقة، لكي يقدّم نظريةً بديلة في هذا المضمار. وقد توصّل – عبر سلسلة من المقدمات التي طرحها – إلى أنه قد توفرت بعد وفاة معاوية، فرصة ومناخ ملائمان لتشكيل حكومة إسلامية «وهنا أحسّ الإمام (ع) بالمسؤولية أكثر، ورأى واجباً عليه أن يُقدم على ذلك بهدف إحياء الإسلام ويُغيّر – عبر إقامة دولة قويّة – الوضعَ القائم، فيحرّر الإسلام والمسلمين من قبضة الاستبداد الأسود»([4]).
وقد طبع هذا الكتاب مع تقريظين لعالمين دينيّين بارزين، دافعا عن محتواه دفاعاً شديداً، وإن تراجع أحدهما – حسب الظاهر – عن تقريظه فيما بعد.
إنّ هذا التفسير – وبعيداً عن النتائج السياسية له والمسؤوليات التي ألقيت على عاتق أنصار الحسين – يتعارض بشكل رئيس مع التفسير التقليدي السائد في الأوساط الشيعية، لسببين:
أحدهما: لاجرم أنّ هذا التفسير يضطرّ الباحث لملامسة مسألة كلامية، فمن وجهة نظر الشيعة، للإمام علمٌ لدنّي، وهو يعرف عبر هذا العلم غير الكسبي المستقبلَ كما يعرف الماضي، ونتيجة ذلك فإذا ادّعينا أن الإمام الحسين كان يقصد بحركته إقامة دولة دينية، فإنّ هذا يستبطن أنه لم يكن على علم بنتائج تلك الحركة وما ينتظره فيها، وهذا ما يؤدّي إلى نفي علم الإمام.
ثانيهما: إنّ هناك روايات متعدّدة في هذا المجال تحتوي على مضمون رئيس لها، وهي تقضي بأنّه كان من المقرّر أن يستشهد الحسين (ع) في كربلاء، والمؤيد لهذه الروايات، ما قاله النبي (ص) للإمام الحسين في الرؤيا: «إن الله شاء أن يراك قتيلاً».
ردود الأفعال على كتاب «الشهيد الخالد»
لهذا السبب، أدّى هذا الكتاب – وبسرعة – إلى ظهور ردود أفعال ما تزال متواصلة إلى عصرنا الحاضر، فمعارضو هذه النظرية، اتجهوا تارةً إلى النصوص التاريخيّة للكشف عن نقصٍ أو عيب فيها، فيما اتجهوا تارةً أخرى إلى مسألة علم الإمام، وثالثة إلى إبداء تناقض داخلي في النظرية نفسها.
لقد ألّف آية الله الصافي الكلبايكاني في ردّ كتاب «الشهيد الخالد» كتاباً حمل عنوان «حسين (ع) شهيد آكاه ورهبر نجات بخش إسلام» يحوي على ما يقرب من خمسمائة صفحة، وادّعى فيه أن «أساس كتاب الشهيد الخالد باطل»([5])، وبعد استعراضه الروايات ذات الصلة توصّل إلى نتيجة تقول: «إنّ صريح الأخبار على أنّ الإمام الحسين (ع) لم يكن في مخطّطه الثورة لإقامة دولة إسلامية، وإنما كان هدفه الثورة والشهادة، وقد كان عالماً بهذا الأمر»([6])، ومن وجهة نظره «إنّ البحث في مساجلات حول كتاب الشهيد الخالد مما لا يؤدي سوى إلى إلقاء الحطب على النار؛ فما هي فائدة ونتيجته؟ وما هو الداء الذي تعالجه؟»([7])، لكن مع ذلك، يرى أن هناك مبررات لذلك وهي: «أن موضوع سيّد الشهداء (ع) فيه علاقة عشق ومحبّة عند الجميع، وإن ثورته تقع محلّ اهتمام عامة الشيعة على مدار العام، ومن ثم لا يمكن لأي شخص أن يظل ساكتاً محايداً أمام هذا الكتاب (الشهيد الخالد) ويلتزم الصمت وعدم الكلام»([8]).
بدوره كتب علي بناه الاشتهاري في ردّ الشهيد الخالد كتاباً أسماه «هفت ساله جرا صدا در آورد»، في أكثر من أربعمائة صفحة على أساس «أنه لو أن مؤلّف كتاب الشهيد الخالد، وبدل أن يصرف من عمره الشريف سبعة أعوام، صرف سبع ساعات، بل سبع دقائق بالتأمل والتفكير فيما يكتبه.. لم يؤدّ نشره للكتاب لهذا التنفّر العام عند العلماء»([9])، وعلى حدّ قول الاشتهاردي: إن هدفه من كتابه ليس إثبات علم الإمام بالغيب وما اتصل بذلك وإنما: «لفت النظر إلى أن استنتاجات صاحب كتاب الشهيد الخالد، إضافةً إلى أنها لم تكن صحيحةً، كانت تحوي أخطاءً فادحة أيضاً»([10])، مثل: «المذمّات التي لم يكن لها أساس، والتوهينات غير المناسبة، ومدح الأعداء مدحاً مخالفاً للواقع، واختلاق الأعذار التي لا موقع لها لقاتلي مظلوم كربلاء، وممارسة الخيانة في نقل الأحاديث والتواريخ، وذكر جملة من الأمور التي تقع على خلاف صريح مذهب الشيعة»([11]).
بدوره، حاول السيد محمد مهدي المرتضوي كشف التناقضات الداخلية لكتاب الشهيد الخالد؛ من هنا صنّف كتاباً أسماه «جواب أو أز كتاب أو يا شبهات شهيد جاويد در موضوع قيام حسين بن على (ع)/جوابه على كتابه أو شبهات الشهيد الخالد في موضوع ثورة الحسين بن علي (ع)»، وذلك في 284 صفحة. هذا الكتاب إضافةً إلى محتواه ولحن كلامه، ثمة تعريضان واضحان فيه بكتاب الشهيد الخالد؛ فقد كتب صالحي نجف آبادي على كتابه عبارة: «بحث عميق»، وفي مقابله وللإجابة عنه، كتب مرتضوي جملةً مقابلة على كتابه هي: «بحث أكثر عمقاً»، كما أن صالحي نجف آبادي دعم كتابه بتقريظين ممتازين، وفي مقابله عقد مرتضوي تحت عنوان «حول التقريظ» كلاماً قال فيه: «كان بإمكاننا أن نأخذ حول هذا الكتاب تقاريظ من بعض المراجع الكبار الشيعة، إلا أننا لم نفعل ذلك، ستقول: لماذا؟ والجواب هو: المهم أن يحكي العطر عن نفسه لا أن يتكلّم عنه العطار»([12]). إنه يعتبر أن التقريظ يغدو ذا معنى عندما يكون الكتاب تقريراً لدروس الأستاذ من قبل التلميذ؛ فيكتب الأستاذ تقريظاً ليشهد على صحّة المضمون، ويؤيد ما يذكره التلميذ في الكتاب و «في غير هذه الحالة، يمثل التقريظ علامةً على عدم الرغبة في الكتاب، تماماً مثل شخص لا يقدر على فعل عملٍ ما، فإذا أراد فعل شيء، احتاج إلى وسيط وشفيع.. وتماماً مثل الأعمى الذي لا يتمكّن من السير إلا بالعصا، وعليه، فالتقريظ يعني: الشفاعة.. والعصا، بالنسبة لكتابٍ غير مطلوب»([13]).
لقد لعن مرتضوي القرّاء العجولين لكتابه؛ فقال: «فليبتعد عن رحمة الله من يحكم على هذا الكتاب قبل أن ينهيه مطالعةً وقراءة»([14]).
بدوره ألّف محمد علي الأنصاري كتاب «دفاع عن الحسين الشهيد في الرد على كتاب الشهيد الخالد» (دفاع از حسين شهيد ردّ بر كتاب شهيد جاويد)، فيما يقرب من خمسمائة صفحة، ولهذا الكتاب مقدّمة في أكثر من مائة صفحة، وفيها دراسة للأرضية والخلفية التي جاءت بكتاب الشهيد الخالد ودوافع قراءته([15])، وعلى حدّ قول الكاتب، فإن ناشر الكتاب بث خبراً وبياناً قبل نشره ينبئ فيه عن قرب صدور الكتاب، ويذكر في البيان – عبر عشر نقاط – المحتوى الإجمالي العام له، إلا أن «هذه النقاط العشر تتناقض مع ما جاء في الكتب الشيعية حول ثورة الحسين(ع) مقابل الظلم والجور» وفي النهاية: «أدّى ذلك إلى ظهور موجات من الغليان والرفض وعدم الرضا في المحافل الدينية والعلمائية، وفي مجالس الخطباء العظام»([16]).
ويقول الكاتب: إن ثلاثةً من مراجع التقليد، قرؤوا كتاب الشهيد الخالد وأوصوا الكاتب بعدم نشره، إلا أن «نار الباطن وعقيدة القلب»([17]) طغت على توجيهاتهم، فنشر الكتاب غير مبالٍ، ويذكر الكاتب «نعم، بالنسبة إلى شخص معتقد بأفكار النواصب ومناهض للأفكار الشيعية، يقدّم نفسه في كتابه كرئيس محكمة يجلس خلف طاولة الحكم، ويحاكم ابن النبي وابن فاطمة الطاهرة بكل قسوةٍ وعنف وصلافة، ويسجّل مئات الإشكالات عليه.. بالنسبة لهذا الإنسان، أيّ خوف أو وجلٍ عنده أن يتغاضى عن مصالح علماء الإسلام، ويرفضها، إنّ من يتعامل مع الحسين المظلوم بهذه الطريقة ويتهم العلماء الكبار ورؤساء المذهب، مثل العلامة المجلسي والسيّد ابن طاووس، بالسطحية والسذاجة وعدم التقوى والإيمان بالقيامة، من الواضح كم يقيم للعلماء الحاليين من وزن ومن احترامٍ وتقدير»([18]).
بعد ذلك، يعمد المؤلّف إلى دراسة مقولات صالحي نجف آبادي، فينقلها ويمارس نقداً لها؛ وذلك «كي يعرفه الناس ويطلعون على أفكاره، ولا يظنّوا أننا – والعياذ بالله – نذكر ما نذكر عن أغراض شخصية أو أمور أخرى»([19]).
على خطّ آخر، تصدّى ثلاثة من فضلاء الحوزة العلمية في مدينة قم، وهم السادة: محمد حسين أشعري، وحسين كرمي، وحسن آل طه، لتأليف كتاب نقدي آخر، تحت عنوان «دراسة مختصرة حول الثورة المقدّسة للشهيد الخالد الحسين بن على(ع)»، وذلك في 120 صفحة، وقد أدرجت مع هذه الدراسة النقدية مقالةٌ للعلامة الطباطبائي حول علم الإمام(ع)، وقصّتها في الحقيقة أنّ شخصاً يدعى الحاج الميرزا عباس الأنصاري الإصفهاني من تجار (بازار إصفهان)، وجّه سؤالاً حول علم الإمام المعصوم طالباً الجواب من العلامة الطباطبائي، وقد كتب العلامة جواباً عن السؤال في حوالى أربع صفحات، وقد أدرج السؤال والجواب ملحقَين في هذا الكتاب.
ولم يكن هدف المؤلّفين الثلاثة من الكتاب، بيان أخطاء «الشهيد الخالد»، وإنما – كما يقولون – : «إثبات أن الإمام(ع) مطّلع في هذا السفر، وأنه تحّرك من المدينة إلى مكّة، ثم من مكة إلى العراق، وهو عالم بتمام هذه الأمور، ومنطلق من المصالح الاجتماعية»([20]).
وهناك آخرون أيضاً تصدّوا للكتابة رداً على صالحي نجف آبادي، ومن ذلك كتاب (برتو حقيقت/شعاع الحقيقة) للسيد محمد النوري الموسوي، وكتاب (حسين وبذيرش دعوت/الحسين وقبول الدعوة)، لمحمد تقي صديقين، و (راه سوّم در موضوع قيام مقدّس شهيد جاويد حسين بن علي/ الطريق الثالث في موضوع الثورة المقدّسة للشهيد الخالد الحسين بن علي)، لعلي الكاظمي، و (مقصد الحسين) لآية الله الميرزا أبو الفضل الزاهدي القمي، و (سالار شهيدان حسين بن علي/سيد الشهداء الحسين بن علي)، للسيد أحمد الفهري، و (باسداران وحي/حرّاس الوحي)، لشهاب الدين إشراقي، وآية الله محمد فاضل اللنكراني، وآية الله رضا أستادي، إلى غيرها من الكتب والرسائل التي ذكر أنها بلغت تسعة عشر([21]).
إقحام المرجعيات الدينية في أزمة «الشهيد الخالد»
ولم يقف الأمر عند حدود المساجلات الكتابية، بل بُذلت جهودٌ لزجّ مراجع التقليد آنذاك في الموضوع، بغية الحكم بضلال هذا الكتاب؛ فقد أرسل جماعة من المحصّلين، رسالةً إلى آية الله المشكيني، سألوه فيها: «هل أن تمام ما جاء في كتاب الشهيد الخالد الذي كتبتَ تقريظاً له، مما تصدّقونه وتأخذون به؟»([22])، فأجاب المشكيني بأن كتابة التقريظ لا تعني في الغالب سوى الإشارة إلى حُسن اختيار الموضوع، وجودة الكتابة والبيان و.. «ليس مستلزماً أبداً تصديق الكتاب في تمام مطالبه»([23])، ثم أكّد المشكيني أنّ ما جاء في الكتاب مجرّد إظهار نظر وعرض فرضية.
أما آية الله رفيعي القزويني، فقد أجاب عن سؤال وجّهه إليه جماعة من أهل المنبر (الحسيني)، بالقول: «إن العبد الحقير (يقصد نفسه) قد طالع الكتاب بدقّة، وقد كانت هناك مسامحتان في موضعين»([24])، هذان الموضوع هما: ما يرجع إلى علم الإمام، وما يتصل بعدم التمييز بين الإرادة التشريعية والتكوينية([25]).
من جهةٍ أخرى، اعتبر آية الله محمد تقي البروجردي أنّ هذا الكتاب: «مضرّ بالعالَم الشيعي، ومضلّ، ومشتمل على نسبة أشياء غير صحيحة ولا لائقة»([26]).
بدوره آية الله السيد محمد رضا الكلبايكاني، كتب جواباً عاماً على استفتاء وجّه إليه، لكن حيث أعيد استفتاؤه مرّةً أخرى، كتب: «إن حكم كتب الضلال معلوم، لا تطالعوا هذا الكتاب»([27])، وعلى المنوال عينه آية الله المرعشي النجفي، حيث انتقد بعض مصادر كتاب الشهيد الخالد، مثل الطبري، وابن سعد، والزبير بن بكار، مستنتجاً: «كلّ إنسان، وكلّ كاتب، يعتذر أو يعتمد على أشخاص من هذا النوع يبتعد بذلك عن جادة الصواب (…) ([28])، ويكون كتابه على خلاف الأصول الاعتقادية لأهل التشيّع، وعلى الإخوة في الدين أن يتكرّموا بعدم مراجعة مثل هذه الكتابات»([29]).
موقف مدرسة علي شريعتي من أزمة «الشهيد الخالد»
لكنّ صالحي نجف آبادي لم يسكت، فانبرى للدفاع عن نظرياته وأفكاره، فمارس نقداً لخصومه ومنافسيه، فألّف كتاب «عصا موسى»، وشيئاً فشيئاً خرجت القضية عن إطار المباحثات العلمية، لتنجرّ – بشكل غالب – إلى موقف سياسي، فالدكتور علي شريعتي – بوصفه مراقباً من خارج الحوزة العلمية – كتب حول هذا الكتاب يقول: «في أحد الكتب المنشورة مؤخراً، والتي غدت مشهورةً جداً، وحمل عليها الكثيرون، حتى أنّ قيمة هذا الكتاب صارت – بشكل أكبر – نتاجاً لتلك الحملات عليه، وإنني بدوري أعرب عن اعتقادي بأنه الكتاب الوحيد الذي رأيته – من بين كمٍّ متراكم من الكتب التي ألّفها الفضلاء – كتاباً تحقيقياً بحثياً علمياً، لقد ذكر تمام الوثائق والمستندات، الموافقة والمخالفة، ثم قام بتحليلها وتفكيكها ونقدها، حتى أنه قام وبكل جرأة وقحة بدراسة شواهد الإثبات والنفي، وأقصد بالجرأة الوقحة تقديم نظر علمي جديد (وشجاع)، وحصوله على مطالعة واسعة للأمر، وكثرة مصادره، بكلمة واحدة: إنه جهد بحثي علمي، إن هذا التقييم الذي أقدّم لهذا الكتاب ولمؤلّفه رغم أنني لا أعرفه، إنما هو لشخص عرفته رجل علم وتحقيق جادّين، وممارسة تحليل وابتكار واستقلال فكري، إنّه من الأقلام القيّمة في محيطٍ من الغوغاء، وتضليل العوام، والتقليد، وتكرار المكرّرات، إلا أنني – مع ذلك – أختلف معه من وجهة نظر علمية، ومع الأسف فاختلافي معه اختلافٌ جذري..»([30]).
ثم عمد الدكتور شريعتي لنقد نظرية صالحي نجف آبادي من زاوية أخرى، مؤكداً على نظرية قيام الحسين لأجل الشهادة بوصفها الوسيلة الوحيدة لحفظ الدين، وقد تعرّضت هذه النظرية لنقد أنصار صالحي نجف آبادي، فكتبوا كراساً تحت عنوان «بيرامون نظر دكتر على شريعتي دانشمند مجاهد درباره كتاب شهيد جاويد/حول رأي الدكتور علي شريعتي، العالم المجاهد، فيما يتعلّق بكتاب الشهيد الخالد»؛ وقد جاء في هذا الكرّاس: «حيث إنّ رأي الدكتور علي شريعتي حول ثورة الإمام الحسين(ع) يتلخّص في قصد الشهادة، لا إسقاط حكومة يزيد وتشكيل دولة إسلامية.. فإننا نقوم هنا بممارسة نقد وتفكيك وتحليل لكلمات المعلّم الكبير الدكتور شريعتي»([31]).
إنفجار الموقف وتدخل السافاك الإيراني في قضية «الشهيد الخالد»
وشيئاً فشيئاً، امتدّت القضية إلى سائر المحافظات الإيرانية، حتى وصل الحديث إلى لُبس الأكفان ضدّ كتاب الشهيد الخالد([32])، وقد امتدّ الأمر إلى أن بلغ حدّاً يقال فيه: إن مؤسسة الأمن والمخابرات الإيرانية لنظام الشاه ساهمت في ترويج القضية، واستفادت منها بقوّة، وقد ادّعى ذلك كلّ من الموافقين للكتاب والمعارضين له، كلٌّ جعل القضية تهمةً لخصمه؛ فقد قال صالحي نجف آبادي: «لقد هيّجوا أفكار الناس بأسلوب غير إنساني، وخلقوا مناخاً متشنّجاً وجواً صاخباً، وكمثال على هذا الفريق، مؤلّف كتاب «هفت ساله..»، ومؤلّف كتاب «دفاع از حسين» فقد ساهم هذان الشخصان أكثر من غيرهما في خلق جوّ من الفتنة، وصيّروا الجوّ الديني موبوءاً مسموماً، ولا ننسى أنّ الأيادي الخفية كانت تعمل هنا أيضاً، وكانت تغذّي الخلاف والفرقة»([33]).
وكتب في الهامش يقول: «إن الوثائق الواصلة إلينا تشير إلى أن معركة الشهيد الخالد، ظهرت على يد (السافاك) لتضعيف جبهة الإمام الخميني، وهذه الوثائق سوف تُنشر»([34]).
كما أنّ المعارضين لهذا الكتاب ادّعوا في المقابل الأمرَ عينه، مستندين إلى وثائق السافاك، حيث كتبوا: «..بتاريخ 30/9/1350هـ.ش/1971م، واعتماداً على أوامر السافاك، تمّت طباعة ونشر عشرين ألف نسخة من كتاب الشهيد الخالد، بهدف إيجاد الفرقة»([35]).
والظاهر أن للسافاك يداً في طباعة الكتاب ونشره، وكذلك طبع الردود عليه ونشرها ([36])، ويضع الشيخ الأستادي يده على نقطة هامة هنا ناقلاً مثل هذه الوثائق ومسألة سوء الاستفادة من الجهتين، فيقول: «تتخذ كل مسألة علمية لوناً سياسياً، فتغدو ضحيةً لمثل هذا اللون من المشكلات وعدم الإنصاف وقول خلاف الواقع»([37]).
أين كان موقف مرتضى مطهري من الأزمة ؟
أما الشهيد مرتضى مطهري، الذي كانت تجمعه علاقة رفقة وصداقة بمؤلّف كتاب الشهيد الخالد، فلم يوافقه في تحليلاته واستنتاجاته حول أحداث الثورة الحسينية، وقد نقل له – شفاهاً – هذا الرأي([38])، فمن وجهة نظره يكمن الإشكال الحقيقي في كتاب الشهيد الخالد في تحليل دور أهل الكوفة، حيث أعطاهم حساباً أكبر من الحجم الطبيعي، وكأنه إذا لم تكن هناك دعوة منهم للحسين لم تكن هناك ثورة حسينية، مع أن خطب الحسين (ع) التي خطبها بعد يأسه من دعم أهل الكوفة كانت أكثر هيجاناً وحماسة، ويعتمد المطهّري – في النهاية – على عنصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحليل الحدث، ويرى أن «الإمام الحسين كان مناهضاً للدولة الفاسدة في زمانه، فهو ثائر، وثوري»([39]).
ومع ذلك، لم يكتب مطهري نقداً مستقلاً على الشهيد الخالد، وإنما جاءت انتقاداته وردوده في مطاوي محاضراته، وأحياناً في بعض مذكّراته التي كتبها، وعندما نشر فيما بعد كتاب «الملحمة الحسينية» وأدرجت انتقادات الأستاذ مطهري فيه، عمد صاحب كتاب الشهيد الخالد للردّ على أفكار المطهري عبر حواراته التي أجريت معه، وقد أدى ذلك باللجنة المشرفة على نشر أعمال الأستاذ الشهيد مطهري للقيام بنشر انتقادات المطهري في كتاب واحد مجموعةً، وأصدرتها في كراس في 94 صفحة من القطع الجيبي، وفي مقدّمة هذا الكتيّب جاء أن انتقادات الأستاذ مطهري أغضبت مؤلّف «الشهيد الخالد» وهيّجت شياطين استهدفت ضرب الشهيد مطهري والإمام الخميني، ومنذ صدور كتاب «الملحمة الحسينية» هيّجت هذا العجوز الساذج (صالحي نجف آبادي) لإجراء حوارات في الصحف وكتابة مطالب ما([40]).
وفي نهاية المطاف، عمدت هذه اللجنة – لتجلية الأفكار العامّة – إلى نشر نظرية الأستاذ مطهري بشكل مستقل، إلا أن هذه الخطوة يبدو لنا أنها لم تقع مؤثرةً، بل دفعت صالحي نجف آبادي لنشر كتاب «نكاه به حماسه حسيني استاد مطهري/نظرة في الملحمة الحسينية للأستاذ المطهري» في 460 صفحة، جعله على أربعة أقسام وخاتمة، ومن وجهة نظره: لقد بحث في «الاستنتاجات الأوّلية»، و «التناقضات»، و«الاشتباهات التاريخية» و«الاعتماد على المصادر غير المعتبرة» التي وقع فيها المطهري.
وفي عام 1380ش/2001م نشر صالحي نجف آبادي كتاب «عصاى موسى يا درمان بيمارى غلو/عصا موسى أو معالجة مرض الغلو»، ناقداً مخالفي نظريته، وفي هذا الكتاب المؤلّف من 238 صفحة استعرض بالنقد والتحليل آراء: رفيعي قزويني، والعلامة الطباطبائي، وزاهدي القمي، ومحمد فاضل، وشهاب إشراقي، والسيد أحمد الفهري الزنجاني، والسيد محمد مهدي المرتضوي، ورضا أستادي، وصافي الكلبايكاني.
وفي مقدّمة هذا الكتاب، يشير المؤلف إلى أنّ أصل هذا الكتاب كان قد كتب ونشر في أوائل السبعينيات في القرن العشرين، باسم مستعار وهو «عبدالله المظلوم»، إلا أنّ عناصر السافاك «أخذت المادة المطبوعة من المطبعة مستخدمةً الأسلحة»([41]).
والذي يبدو أنّ هذا الموضوع واصل تداعياته، ولم يقفل هذا الملفّ بعدُ، فآية الله رضا استادي – وهو ممّن كتب قسماً من الرد على الشهيد الخالد في 107 صفحات في العقد السابع من القرن العشرين([42])ـ كتب تقريراً مفصّلاً عن تاريخ الكتاب وأحداثه في 608 صفحات، وذلك في كتاب «كزارش كتاب شهيد جاويد»، وقد ذكر فيه مقاطع من كتب مختلفة، يمكن الرجوع إليها لمزيد من التفصيل.
وقد تعرّض هذا الكتاب نفسه لنقد صالحي نجف آبادي، فقد سجّل سبع نقاط ضعف عليه في مقالةٍ من ثماني صفحات، حملت عنوان: «نقدي كم بر كتابي بر حجم/نقدٌ قليل على كتاب حجيم»، ومما نقده عليه صالحي نجف آبادي كيفية استناده إلى موقف الإمام الخميني حول فلسفة قيام سيد الشهداء([43]).
هل تدخّل الإمام الخميني في معركة «الشهيد الخالد»؟
والجديد ذكره أن الشيخ أستادي في كتابه هذا خصّص فصلاً لرأي الإمام الخميني حول فلسفة الثورة الحسينية، وسعى جاهداً كي يؤكّد أنّ رأيه معارض لكتاب الشهيد الخالد، إلا أن صالحي نجف آبادي، قدّم تفسيراً آخر لنظرية الإمام الخميني مستنداً لكلامٍ له يعود لعام 1350ش/1971م([44]).
لم يدخل الإمام الخميني في هذا النـزاع أبداً، فقد كان معارضاً لهذه القضية كلّها وما ترتّب عليها من أحداث، وقد أبدى موقفه هذا في مناسبات مختلفة، وكمثال على ذلك ما جاء في رسالته إلى ابنه السيد أحمد، حيث قال: «لا تحاول الدخول في اختلافات المشايخ وأهل المنبر حول هذا الكتاب أو حول أي موضوع آخر»([45]). كما كتب رسالةً إلى آية الله محمد اليزدي، جاء فيها: «ما أوجب أسفي مؤخراً هو تلك الخلافات التي لا أعرف بأيّ يدٍ وقعت في الحوزة العلمية في قم وبين أهل المنبر، بل المحراب، كما وقعت على المنوال عينه بين أهل العلم وأهل المنبر في طهران أيضاً.. اليوم حيث تتعرّض أصول الأحكام لتلاعب الأجانب وعملائهم، يؤسفني جداً بدل أن نرى وحدة الكلمة، أن نرى هذا الشكل من الفرقة والتوهين المتبادل، والتكفير كذلك، وهو ما يكشف عن عدم وصول المجتمع إلى مرحلة الرشد»([46]).
إن الإمام الخميني كان يرى أنه لم يكن في هذا الوضع كلّه سوى صرف الطاقات الشيعية وهدرها في الفراغ، إنه يقول: «أيّ خطّة حبكوها لكتاب الشهيد الخالد؟ تلك الاختلافات الداخلية، بين أهل المنبر وأهل المحراب وأصحاب الأسواق وأهل.. واحدٌ يشدّ لهذا الطرف والآخر لتلك الناحية.. لقد صرفت الطاقات جميعاً على كتاب الشهيد الخالد»([47]). ويشير الخميني إلى هذه المسألة في موضعٍ آخر، كما يلي: «فهذه مدينة قم صرفت تمام وقتها على كتاب الشهيد الخالد حتى أفرغته»([48]). وبجمع كلماته يظهر أنه ) كان يرى أنّ ما يحدث هو لعبة لا يربح فيها إلا نظام الشاه، وأنها أوجبت إتلاف الوقت، وهدر طاقة الشعب الإيراني([49]).
والشيء الجدير بالنظر في هذه الردود والردود المقابلة استخدام الطرفين في حقّ بعضهما صفاتٍ من نوع: الغضب، والانفعال, وعدم التحلّي بالروح العلمية، فنرى في مكان أنّ انتقادات الأستاذ مطهري «أغضبت» صالحي نجف آبادي([50])، فيما نرى في المقابل صالحي نجف آبادي نفسه في كتاب «نقد كتاب سركذشت شهيد جاويد»([51]) يقول: «إن جناب (الشيخ) أستادي قد بات غاضباً من كتاب الشهيد الخالد»([52]).
كانت هذه أكثر الأوصاف والكلمات أدباً فيما نسبوه لبعضهم البعض، ولا نشير هنا إلى التعابير القاسية وغير الأخلاقية التي تلاحظ في هذه الكتب والكتابات.
تحليل مقتضب لقصّة «الشهيد الخالد»:
والذي يمكننا استنتاجه من هذه الجولة المفصّلة نسبياً حول تاريخ كتاب الشهيد الخالد، نقاط عديدة أبرزها:
أولاً: حتى الآن لم تنظّم أدبيات النقد عندنا بعدُ، فبدل ممارسة نقد علمي لنتاجات المفكّرين، سرعان ما تأخذ القضية لنفسها لوناً آخر، ثم تسير في مسار مختلف.
ثانياً: لا وجه يبرّر في مثل هذا المباحثات العلمية بين أصحاب الرأي في الوسط الشيعي – وهم جميعاً عشاق علي والحسين – الانجرار نحو التكفير والتفسيق وقراءة الدوافع والنوايا، ولسنا بحاجة أيضاً إلى استفتاءات شرعية حول إتلاف مثل هذه الكتب.
ثالثاً: إنّ الحقيقة تبدو من بين هذه المناقشات العلمية والمساجلات التي يخوضها أهل العلم، ولابدّ لنا هنا من اتّباع عين تلك السنّة التي سار عليها السلف الصالح([53]). إنّ هذه المصاعب في تحليل فلسفة الثورة الحسينية تتبدّى أكثر فأكثر، وتقف مانعاً عن ممارسة أبحاث علمية أو السعي لتحرّي الحقيقة؛ ولهذا السبب، يرجّح الكثيرون أن لا نخوض في هذه المباحث من رأس، كما يفضلون الحياد والتنحّي بدل خوض عباب المحيطات وكسب المنافع([54]).
إنّ هذا المناخ غير العلمي هو كما قالوا: «مع الأسف، سعي جماعة في العقود الأخيرة كي تنظر إلى واقعة كربلاء نظرةً أكثر واقعية، وقد اتهموا أنهم لم يتمكّنوا من النظر للمشهد بعين شيعية؛ لهذا اتّهموا بفساد العقيدة»([55]).
2ـ مسألة العزاء والمراسم الحسينية:
إن البحث حول مسألة التعزية والعزاء، إن لم نقل: إنه أصعب وأعقد من البحث عن فلسفة الثورة الحسينية؛ فلا أقلّ من أنه يوازيه في الصعوبة والتعقيد، فهذان البحثان يشبهان بعضهما من عدّة جهات، كما يختلفان عن بعضهما في جهات أخرى، فعنصر الشبه الرئيس بينهما أنهما وجهان لعملة واحدة، فأيّ فلسفة للثورة الحسينية نتبنّاها أو أيّ تفسير لها نرتئيه، لابد أن يضيء تلقائياً على مسألة العزاء الحسيني، لنحصل على تفسيرٍ لها ينسجم مع تلك النظرية، لكن مع ذلك تمتاز هذه المسألة هنا عن المسألة السابقة بعض الامتياز؛ ففي البحث السابق ثمّة طابع مدرسي، كما أن المنشغلين به مضطرّون للرجوع إلى المصادر التاريخية وتقديم منهج لدراسة الموضوع كي يتسنّى لهم الخروج باستنتاج في تحليل الثورة الحسينية يقبل التبرير و.. أما مسألة العزاء هنا فتخرج عن الطابع النخبوي لتغدو أكثر عموميةً، ولتلتقي مع مصالح عدد أكبر من الناس، وفي نهاية المطاف، سيؤدي ذلك إلى مضاعفة الحساسية تجاهها مما يجعل إثارة القضايا الجادّة فيها أكثر صعوبةً وعُسراً.
ولهذا السبب، كانت هناك مخاطر خاصّة للخوض في هذه القضية، لكن مع ذلك نجد – من جانب آخر – أن مسألة فلسفة الثورة الحسينية تتموضع في اتجاهات محدودة واضحة، بحيث يمكننا فيها الحديث عن معسكرين متمايزين واضحين، أما في مسألتنا هنا فيغلب عليها مساهمة طيف واسع، يصعب معه الحديث ببساطة عن اتجاهين أو نمطين أو نظريّتين.
وفيما نجد في المسألة السابقة – وبسبب الطابع العلمي والنظري فيها – حضوراً للمفكّرين وأهل القلم والرأي، نرى أن مسألة العزاء – وبسبب البُعد العملي فيها – تجد لها حضوراً عند المفكّرين وأصحاب الفتوى أيضاً، وكل فريق يحاول توظيف الاستفتاءات لصالحه؛ كي يحصل على فتاوى تدعمه.
وعلى المنوال عينه، نرى أنّ المسألة السابقة قد شهدت ركوداً بسيطاً في السنوات الأخيرة الماضية أو أنها دخلت في سياق أكثر علميةً وأكاديمية، حتى وجدنا في هذا المجال دراسات متعدّدة، وبعضها يقرأ الموضوع من زاوية علم اجتماعية وأمثالها، أما مسألة العزاء فقد غدت أكثر جديّة، تثير قلق المعنيين ومحبّي أهل البيت(.
وجوهر هذه المسألة هنا: هل أن العزاء – كما بات سائداً ورائجاً اليوم في أوساط الشيعة – مقبول ومرضي من الناحية الشرعية أم لا؟
أنواع الجهود في دراسة قضية العزاء:
لقد كتبت – في القرن الأخير – نتاجات متعدّدة، تهدف للجواب عن هذا السؤال؛ فقد سعى بعضهم لإثبات شرعية هذه العادات، فيما جهد بعضٌ آخر لكشف مفاسد هذه الطرق أو نقدها، وقد كانت هذه الجهود متمركزةً على مستويين:
الأول: سعى جماعة لإعطاء العزاء وجهاً مقبولاً وشرعياً أمام الموقف غير الشيعي، لا سيما أمام المفكّرين الدينيين الجُدد عند أهل السنّة، أو حتى الوهابيين.
الثاني: وسعت جماعة أخرى لتناول هذه القضية في الداخل الشيعي.
كما أن النتاجات التي انبثقت عن هاتين الجهتين كانت فيها بعض الاختلافات الجوهرية أيضاً، ففي أعمال الفريق الأول كان التركيز على شرعية أصل مثل هذه الأعمال، وقد تبلور البحث حول بعض المراسم العزائية التي اعتبروها شرعيةً وحاولوا الدفاع عنها، أما أعمال الفريق الثاني، فقد سعى جماعة لشرح آفات وسلبيات هذا العمل في مقابل دفاع مستميت من طرف جماعةٍ أخرى عن مطلق أنواع العزاء والتعزية، وفي الحقيقة فإنّ الجميع في المستويين معاً كانوا يبحثون عن جواب للسؤالين التاليين: هل العزاء مشروع؟ وأيّ من الأعمال التي تقام باسم العزاء مشروعة؟
تجربة عبد الحسين شرف الدين في دراسة شرعية العزاء الحسيني:
سعى الفريق الأول كي يثبت أن مراسم العزاء ليست بدعةً، وذلك في مقابل من اعتبر أن مجموعة الأعمال الخاصّة التي يمارسها الشيعة في أيّام خاصة باسم أئمة الشيعة ويطلق عليها اسم العزاء.. بدعةٌ، ومن أبرز الأسماء على هذا الصعيد كان العلامة السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي (1873 – 1957م)، وهو من الرادة الأوائل السابقين للحوار بين الشيعة والسنّة، لقد عمل شرف الدين – وهو من علماء لبنان وخرّيجي النجف الأشرف – على مواجهة من جعل أصل ظاهرة العزاء على سيّد الشهداء وسائر المعصومين بدعةً غير مشروعة، فألّف عملاً لم يكتمل وإنما بقيت مقدّمته وفصلٌ من المجلّد الأول منه، لقد كان هدفه من تأليف كتاب «المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة» تدوين تقرير صحيح عن وقائع عاشوراء وسائر المناسبات الدينية، لكنه قبل الورود في أصل البحث كتب مقدّمةً مفصّلة ما تزال موجودة، تحمل عنوان «مقدّمة المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة».
ويعود تأليف هذا الأثر إلى عام 1914م، ويشكّل أنموذجاً دقيقاً وممنهجاً من النوع الأول من النتاجات، ففي هذه الرسالة مارس شرف الدين بحثاً دقيقاً كفقيهٍ من الفقهاء، مستنداً إلى المصادر الشيعية والسنّية، وبعيداً عن المساجلات والصخب غير العلمي، فجعل بحثه في خمسة مطالب وفصلين.
في البداية، حاول شرف الدين تأسيس الأصل، فذكر أن الأصل العملي يقتضي الجواز والإباحة، أي إباحة البكاء على الموتى وإنشاد الأشعار في رثائهم، وتعداد حسناتهم، والتذكير بمصيبتهم، والإنفاق باسمهم في سبيل الخير، وعقد مجالس العزاء لهم، وليس فقط لا يوجد أيّ دليل على خلاف الأصل المذكور، بل إنّ السيرة القطعية والأدلّة اللفظية قائمة على الجواز، بل يستفاد من بعض الموارد الاستحباب أيضاً([56]).
بعد ذلك، يذكر شرف الدين خمسة مطالب بالترتيب التالي:
المطلب الأول: حول البكاء، وقد ذكر فيه عدة روايات تتحدّث عن بكاء النبي الأكرم في بعض المواضع، من بينها عند رؤيته جسد حمزة الشهيد([57]), وهذه الروايات تحكي عن جواز أصل البكاء على الميّت.
المطلب الثاني: في باب رثاء الميت، وقد ذكر فيه شرف الدين عدداً من القصص والروايات التي تدلّل على أنه بعد وفاة النبي الأكرم (ص) رثاه عددٌ من الصحابة منهم: صفيّة عمّة النبي، حيث أنشدت أشعاراً في رثائه([58]).
المطلب الثالث: وكان في بيان أحاديث مشتملة على مناقب الميّت ومصائبه، وقد اعتمد فيه المؤلف على التاريخ، فنقل عدّة موارد من النقل يزور فيها أقرباء الميت مزاره وقبره، كما يتناقلون ذكراه ويعدّدون حسناته ومناقبه، مبدين الحزن على فقدانه([59]).
المطلب الرابع: وهو بابٌ في الجلوس للعزاء على الموتى، وفيه نقلَ المصنّف عن صحيح البخاري أنه بعد شهادة زيد بن الحارثة وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة في معركة مؤتة جلس النبي (ص) في المسجد وهو مغموم باديةٌ عليه آثار الهمّ على فقدهم([60]).
المطلب الخامس: وسعى فيه شرف الدين إلى إثبات أن الإنفاق من جانب الميّت وباسمه، في سبيل الخير وطرقه، جائز؛ وإضافةً إلى الأدلّة العامة هنا كاستحباب مطلق أنواع الإنفاق، فإن سلوك النبي (ص) كان يؤيّد ذلك، ثم ينقل شرف الدين هنا عن صحيحي: البخاري ومسلم، أن رسول الله (ص) كان يذبح شاةً أحياناً بعد وفاة خديجة، ويقطعها قطعةً قطعة، ثم يتصدّق بها باسم خديجة([61]).
وبعد هذه المقدّمات العامة، يبذل شرف الدين جهداً للاستدلال على شرعية العزاء على الإمام الحسين(ع) ويؤكد بأن من يقف على ما تقدّم يستنتج أنه لا يوجد مبرّر للإنكار على الشيعة فيما يفعلونه من المجالس الخاصة بسيد الشهداء، مع الالتفات إلى أنّ ما يقومون به لا يخرج عن هذه الخمسة ([62]).
وبعد إثباته الشرعية العامة لهذه الأعمال الخمسة: البكاء على الميت، رثاء الميت، ذكر محاسنه وذكره بالخير، الجلوس للعزاء عليه، والإنفاق باسمه.. يستنتج أنه لا يوجد في العزاء على سيّد الشهداء سوى هذه الأعمال الخمسة المباحة والمشروعة، ويفصّل في هذا الفصل هذا الموضوع، ويستعرض أدلّته واحداً بعد الآخر، ثم يقول: «فهل بعد هذا كلّه تقول: إنّ البكاء على مصائب أهل البيت بدعة؟» ([63]).
في الفصل اللاحق، وعلى المنوال والمنطق عينه، يسعى شرف الدين لإثبات شرعية العزاء لسائر المعصومين.. إنّ هذا العمل رغم قصره يشكل أنموذجاً دالاً على المنهج والتحليل الدقيق للمسألة، والتفكيك الممتاز لموضوع النـزاع ومادّة الاختلاف، فشرف الدين هنا كانت لديه أهداف تتمركز في إثبات شرعية أصل العزاء ونفي وصف البدعة عنه، والمنهج الذي استخدمه قائمٌ على معايير أصول الفقه ومناهج التحليل الفقهي، فيواصل بحثه فيتحدّث – بعد ذلك – عن حدود العزاء فيعيّنها بالأعمال الخمسة السابقة، وهو منهج لا نراه في الأعمال التي اتخذت طابع النوع الثاني.
تجربة الشيخ علي البحراني الستري في الدفاع عن العزاء الحسيني
الكتاب الثاني الذي يتمحور حول النقطة عينها هو كتاب (قامعة أهل الباطل بدفع شبهات المجادل في جواز البكاء والرثاء على سيدنا ومولانا الإمام الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)) من تأليفات الشيخ علي بن محمد بن عبدالله البحراني الستري (1319هـ) الذي كان يسكن في مسقط.
إنّ لحن هذا الكتاب وأسلوبه يكشف عنه عنوانُه واسمه.. قاس شديد، وفي بعض المواضع جارح، إنه يكتب في مقدّمة كتابه أنّ أحد أصدقائه أرسل إليه كتاباً من الهند من مؤلّفات شيخٍ حنفي ونقشبندي اسمه الشيخ نور الدين محمد بن عبدالصمد، وكانت له أسئلةٌ صحيحة وغير صحيحة فيه، ويدور بعضها حول العزاء على سيّد الشهداء وبيان حرمة ذلك، وقد طلب الصديق من المؤلّف الناقد أن يرفع هذه الشبهات، ورغم أن البحراني يدّعي أنّه لا يستهدف الدخول في مجادلةٍ وسجال مع أهل المذاهب والمعاندين والنواصب، إلا أنه مضطرّ للجواب عن هذه الشبهات.
لقد سعى البحراني في كتابه كي يُثبت شرعية البكاء على الإمام الحسين، وإنشاد الشعر في رثاء أهل البيت، وقد أجاب أيضاً عن بعض دعاوي الشيخ الحنفي مما هو خارج عن بحثنا هنا، والشيء الملفت هنا أنّ المؤلف لم ير أنّ دائرة الرخصة تتعدّى البكاء وما أسلفناه سابقاً عند شرف الدين، حيث يرى غيرها محرّماً، مما يجعله يوافق الشيخ الحنفي فيها، ففي أوّل الكتاب يشير إلى حرمة صناعة نعش وتابوت وشبيه للحسين (ع)، ويرى أن الكاتب الحنفي شرع في تحريم التابوت وإقامة الشبيه وهو ما يقوم به الجهال المدّعون للتشيّع وأتباع أهل بيت الرسول (ص) وما اعتادوا عليه واستحسنوه، ولا شك في أن هذين العملين محرّمان عندنا، وأنهما من البدع الشنيعة عند أفاضل الإمامية والصالحين الورعين؛ إذ لم يرد أمرٌ بهما في الشرع، فيكونان من الملاهي واعتبارهما عبادة يجعلهما – كصلاة الضحى – بدعة.. ([64]).
ويضيف: إنّ هناك أفعالاً قبيحةً أخرى من استخدام آلات اللهو واللعب وخروج النساء كاشفات الرؤوس واختلاطهنّ بالرجال من غير المحارم، وقيام الرجال بأدوار النساء في التعزية، وسائر الأمور التي ذكرها أو لم يذكرها (الحنفي)، كلّها أفعال محرّمة، وحرمة بعضها مستندةٌ إلى النص، فيما تستند حرمة بعضها الآخر إلى العمومات والظواهر([65]).
ويواصل البحراني طعنه بأن خروج النساء في مثل هذه المراسم ليس بأشنع ولا بأقبح من خروج أمّ المؤمنين لمحاربة أمير المؤمنين، شانّاً في الجانب الآخر هجوماً عنيفاً على غلاة الشيعة، مصرّحاً بأنهم عند الشيعة كفارٌ قذرون ومشركون أنجاس، وأنّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس، فلا هم من الشيعة ولا الشيعة منهم([66]).
وإذا كان في أعمال علماء الشيعة التي تنتمي إلى هذا النوع الأول اتفاق في وجهات النظر، فإنّ الأمر لم يكن كذلك في النوع الثاني، فهناك ربما وصل الحال أحياناً إلى إفتاء فريق بحرمة شيء فيما يرى فريقٌ آخر وجوبَه الكفائي، وهذه الفتاوى المتعارضة لوّثت المناخ العام بدل أن تكون مفتاحَ حلولٍ له، وهنا – على خلاف الإجماع المقابل لأهل السنّة والقاضي بأصل شرعية العزاء – نشاهد انفتاحاً لجبهة داخلية تجعل الوصول إلى الحقيقة أمراً عسيراً.
القضية الرئيسة هنا أنه مع الاعتراف بمبدأ شرعية العزاء، أيّ عملٍ يشكّل مصداقاً لهذا المفهوم؟ وهل أن دائرة العزاء وسيعةٌ بحيث تستوعب مختلف الأشكال أم أنها تضمّ في داخلها شكلاً خاصاً محدّداً؟
لقد دخلت إلى العزاء، سيما في القرن الأخير، مظاهر كثيرة وأعمال عديدة تعنونت باسمه وصارت تدريجياً من مراسم العزاء الحسيني، وهذا ما جعل هذا الملفّ أكثر جدّيةً، وكمثال على ذلك ظهور أشكال للتعزية، والتمثيل، واللطم، وثقب البدن، ولفّ الجسد بالقفل، وحمل العلم، وضرب الزناجير.. في الأوساط الشيعية، وقد كانت هذه المسائل عينها هي التي جرّت لتناول هذا الموضوع وشرعية هذه التصرّفات.
ـ يتبع ـ
من مجلة نصوص معاصرة العدد الثامن
الهوامش
(*) باحث في الفكر الديني، متخصّص في مباحث الاستنساخ، وأحد نقاد المدرسة التفكيكية في إيران.
[1] ــــ شهيد جاويد، حسين بن علي(ع): 8.
[2] ــــ المصدر نفسه: 10.
[3] ــــ المصدر نفسه (الهامش).
[4] ــــ المصدر نفسه: 43.
[5] ــــ حسين(ع) شهيد آگاه ورهبر نجات بخش إسلام: 80.
[6] ــــ المصدر نفسه: 80 ـ 81.
[7] ــــ المصدر نفسه، مقدّمة الكتاب «مع القارئ»، بدون رقم صفحة.
[8] ــــ المصدر نفسه.
[9] ــــ كتاب هفت ساله چرا صدا در آورد؟: 6.
[10] ــــ المصدر نفسه: 2.
[11] ــــ المصدر نفسه.
[12] ــــ جواب أو أز كتاب أو يا شبهات شهيد جاويد در موضوع قيام حسين به علي(ع): 6.
[13] ــــ المصدر نفسه.
[14] ــــ المصدر نفسه، صفحة عنوان الكتاب.
[15] ــــ حول الخطأ الديني وعدم الإنتاجية العلمية لدوافع القراءة راجع: أخلاق نقد: 45 ـ 48.
[16] ــــ دفاع از حسين شهيد ردّ بر كتاب شهيد جاويد: 3، ويحتمل أن هذا الكتاب نشر عام 1350هـ.ش (1971م) من قبل (كتاب فروش إسلامية).
[17] ــــ المصدر نفسه: 7.
[18] ــــ المصدر نفسه: 7 ـ 8.
[19] ــــ المصدر نفسه: 8.
[20] ــــ سركذشت كتاب شهيد جاويد به ضميمه رساله در علم إمام از علامة طباطبائي: 282.
[21] ــــ المصدر نفسه: 181.
[22] ــــ المصدر نفسه.
[23] ــــ المصدر نفسه: 183.
[24] ــــ المصدر نفسه: 183 ـ 184.
[25] ــــ المصدر نفسه: 189.
[26] ــــ يك بررسي مختصر در پيرامون قيام مقدّس شهيد جاويد حسين بن علي(ع) از نظر روايات: 4.
[27] ــــ المصدر نفسه: 190.
[28] ــــ هذه العلامة (…) موجودة في النص الأصلي.
[29] ــــ المصدر نفسه: 192.
[30] ــــ الشهادة: 35 ـ 36.
[31] ــــ پيرامون نظر دكتر علي شريعتي دانشمند مجاهد درباره كتاب شهيد جاويد: 4.
[32] ــــ الشيخ رسول جعفريان، جريان ها وسازمان هاي مذهبي ـ سياسي إيران سال هاي 1320ـ 1357: 375.
[33] ــــ المصدر نفسه: 78.
[34] ــــ المصدر نفسه.
[35] ــــ سركذشت كتاب شهيد جاويد: 70.
[36] ــــ هفت هزار روز تاريخ إيران 1: 429، 551؛ نقلاً عن جريان ها وسازمان هاى مذهبى ـ سياسي ايران: 372.
[37] ــــ المصدر نفسه.
[38] ــــ حماسه حسيني 1: 273.
[39] ــــ المصدر نفسه 2: 278.
[40] ــــ نقدهاى استاد مطهري بر كتاب شهيد جاويد: 6.
[41] ــــ عصاى موسى يا درمان بيمارى غلو: 16.
[42] ــــ سركذشت كتاب شهيد جاويد: 284، وصفحات أخرى جرى الأخذ منها هنا.
[43] ــــ نقدي كم حجم بر كتابي پرحجم، في «قضاوت زن در فقه إسلامي» مع عدة مقالات أخرى: 302.
[44] ــــ حول نظرية الإمام الخميني هنا، راجع: عاشورا در فقه: 81 وما بعد.
[45] ــــ صحيفه إمام 3: 18.
[46] ــــ المصدر نفسه 2: 341.
[47] ــــ المصدر نفسه 4: 236.
[48] ــــ المصدر نفسه 8: 533.
[49] ــــ كمثال انظر: صحيفه إمام 7: 409؛ و8: 460.
[50] ــــ نقدهاى استاد مطهري بركتاب شهيد جاويد: 5.
[51] ــــ لقد أثبت أن اسم هذا الكتاب هو شرح قصّة ومسيرة كتاب الشهيد الخالد.
[52] ــــ «نقدى كم حجم بركتابي پرحجم» في «قضاوت زن در فقه إسلامي» مع مقالات أخرى: 295.
[53] ــــ راجع في هذا الأمر: موانع نظري توليد علم در حوزهاي علميه، مجموعة مقالات: در آمدي بر آزاد انديش ونظريه پردازي در علوم ديني: 4.
[54] ــــ في البحر منافع لا تُحصى، وإذا أردت السلامة فتنحّ جانباً، وانظر: كلستان سعدي الشيرازي: 71.
[55] ــــ حسين بن علي(ع) قدّيس، قهرمان أخلاقي، عاشورا دركذار به عصر سكولار، مجموعة مقالات: 228.
[56] ــــ مقدمة المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة: 19 ـ 20.
[57] ــــ المصدر نفسه: 23.
[58] ــــ المصدر نفسه: 35.
[59] ــــ المصدر نفسه: 40.
[60] ــــ المصدر نفسه: 45.
[61] ــــ المصدر نفسه: 51.
[62] ــــ المصدر نفسه: 55.
[63] ــــ المصدر نفسه: 78.
[64] ــــ قامعة أهل الباطل: 13.
[65] ــــ المصدر نفسه.
[66] ــــ المصدر نفسه: 31.