تعريفه والمسؤولية تجاهه
الشيخ حسين علي منتظري(*)
بعد التحية والسلام
فقد اخترت بحث الغلو لمؤتمر درس المعارف. وكما تعلمون فإن الغلو بعد أن كان مقصوراً على العامة فقد أخذنا نسمعه حالياً من أفواه الخاصة، مما يدعونا إلى الدهشة والعجب، ولذلك أتقدم إليكم بوصفكم أستاذاً لي أن تتفضلوا عليّ بتوجيهي ومساعدتي في هذا الاتجاه.
مع الشكر الجزيل
باسمه تعالى
بعد السلام والتحية
إن الإجابة التفصيلية ليست مقدورةً لنا، ولكننا نقول إجمالاً:
يستفاد من الروايات والتاريخ أن (الغلاة) هم الذين يشركون الأئمة^ مع الله في العبودية والخلق والرزق، أو يعتقدون أن الله تعالى قد فوّض إليهم أمر تدبير العالم، أو أنه تعالى قد حلّ في وجود الأئمة أو أحدهم، أو أنهم يعلمون الغيب من غير طريق الإلهام، أو أن الأئمة^ أنبياء، أو تناسخ أرواح بعضهم إلى البعض الآخر، أو أن معرفتهم^ تغني العارف عن جميع التكاليف. وللمزيد يمكن الرجوع إلى بحار الأنوار 25: 261، باب نفي الغلو في النبي والأئمة صلوات الله عليهم.
وهذا ما اضطر الأئمة الأطهار^ إلى التصدّي لهذا الانحراف. ومن ذلك قولهم: «احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم.. الغلاة شرّ خلق الله.. يصغِّرون عظمة الله.. يدّعون الربوبية لعباد الله.. والله إن الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا»([1]).
كان الغلاة يسعون عالمين أو جاهلين إلى تشويه الوجه الناصع للأئمة الأطهار^ والشيعة الأبرار، والقضاء عليهم داخلياً، حيث أدت أفكار الغلاة إلى أن تذهب الفرق الإسلامية الأخرى إلى تصوير الشيعة بوصفهم متهاونين في فروع الدين وأحكامه، حتى أمر أبو حنيفة أصحابه بعدم رواية حديث الغدير، فقال له هيثم بن حبيب الصيرفي: ألم يُرْوَ لك حديث الغدير؟! فقال أبو حنيفة: «بلى، ولكنك تعلم أن الناس قد غلا منهم قوم».
ولكن لحسن الحظ فقد عالج الأئمة الأطهار، وخصوصاً الإمام الصادق^ والإمام الحسن العسكري^، الموقف بشكل صحيح، وصانوا الشيعة الحقيقيين من الوقوع في خطر الغلو والانحراف. وطبعاً لابد من الالتفات إلى أن الأئمة الأطهار^ يتمتعون بمراتب ومقامات عالية من العلم والإيمان لا يسع عامّة الناس إدراكها، ولذلك نجد بعض كبار الأصحاب في عهد الأئمة وبعدهم بقليل كثيراً ما يتهمون بالغلو؛ بسبب القول بتلك المراتب والدرجات للأئمة^.
قال السيد البروجردي: «كان السبب في ذلك يعود إلى القصور الفكري والعقائدي لبعض الشيعة، فكانوا لذلك ينسبون ذوي المعرفة الكاملة والعقائد الصحيحة من الشيعة إلى الغلو والإفراط»([2]).
وقال العلامة المامقاني بشأن محمد بن سنان، الذي ضعّفه أغلب الرجاليين، متهمين إياه بالغلو: «وقد بيّنا مراراً عديدة أنه لا وثوق لنا برميهم رجلاً بالغلو؛ لأنّ ما هو الآن من الضروري عند الشيعة في مراتب الأئمة^ كان يومئذٍ غلوّاً، حتى أن مثل الصدوق عدّ نفي السهو عنهم غلواً، مع أن نفي السهو عنهم اليوم من ضروريات مذهبنا»([3]).
وفي الختام أذكر بمسؤولية المتمكنين علمياً ومادياً في بذل الجهود الشاملة في مجال العقائد؛ بغية إظهار الوجه الناصع والمشرق لمذهب أهل البيت^ وعرضه لأهل العلم والثقافة وسائر الأمم والمذاهب، ليكونوا بذلك مصداقاً لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً} (الأحزاب: 39).
أسأل الله لكم التوفيق والنجاح، والسلام عليكم وحمة الله وبركاته.
الهوامش
_____________________________
(*) أحد مراجع التقليد في إيران، ويعدّ من أبرز فقهاء الحركة الإصلاحية الدينية، له مساهمات في الفقه الإسلامي، توفي عام 1431هـ.