أ. أحمد مرتاضي(*)
د. علي مظهر قراملكي(**)
د. علي أصغر موسوي ركني(***)
د. محسن ملك أفضلي(****)
ترجمة: حسن علي مطر
مقدّمة
بالالتفات إلى اتّساع الدائرة المفهومية للفساد الاقتصادي والمالي ـ على ما سيأتي تفصيله وإثباته ـ ليس هناك من شكٍّ في أن هذه الظاهرة قد نشأت منذ باكورة الحياة الاجتماعية لأفراد البشر، حيث أخذت يد البغي والعدوان تطال أموال الناس وممتلكاتهم. إلاّ أن هذه الظاهرة مع ذلك لم تستحوِذْ على انتباه المجتمعات المختلفة بالشكل الذي ساد أوساط العصر الراهن. ولذلك لم يتمّ التعرُّض في الكتب العلمية القديمة، بما فيها الكتب الفقهية والدساتير العريقة، لهذه الظاهرة بشكلٍ تفصيليّ جامع، ولم يتمّ تناول الأسس والأطر التي تحدِّد التعريف الدقيق لهذه الظاهرة.
هذا في حين نجد العلماء والمفكِّرين المعاصرين في كلّ فرعٍ من الفروع العلمية يعمدون ـ بما يتناسب وأبعاد العلم الذي يبحثون فيه ـ إلى إبداء تعريف «الفساد الاقتصادي»، وبيان ماهيته، وقد تركوا لنا الكثير من المؤلَّفات الهامّة في هذا المجال.
وعلى الرغم من ذلك، ورغم القرار الصادر من قبل قائد الثورة بتاريخ: 10/2/1380هـ.ش، والمتضمِّن لثمانية بنود، محورها مكافحة «الفساد الاقتصادي»، لا يزال هذا المصطلح مفتقِراً إلى تعريف فقهي ـ قانوني.
وفي المادّة (124) من قانون الخطة الرابعة للتنمية الاقتصادية تمّ التصريح بجملة (الجرائم الاقتصادية العامّة)، وتمّ اعتبار وزارة الاستخبارات الضابط في تلك الجرائم، دون أن يتمّ إيضاح المراد من الجرم الاقتصادي، أو تحديد مصاديقه.
ليس هناك من شكٍّ في أنّ غياب التعريف الصحيح لموضوعٍ ما، وعدم تحديد ماهيّته، سيؤدي إلى الوقوع في الكثير من الأخطاء عند تحديد الأحكام المترتِّبة عليه. هذا في حين نشاهد في بعض الكتابات تصريحاً باعتبار «الاختلاس» مصداقاً من مصاديق «الفساد المالي»، مع أنّ «اختلاس» الأموال هو المصداق البارز لـ «الفساد المالي والاقتصادي».
وفي ما يتعلَّق بخصوص تعريف «الفساد الاقتصادي والمالي» من الزاوية الفقهية والتشريعية ـ وهو السؤال الرئيس والمحوري في هذا المقال ـ يجب القول: إنّ هذه المسألة لم تطرح ـ تحت هذا العنوان ـ إلاّ في عددٍ محدود من الكتب التي تمّ تأليفها من قبل بعض فقهاء أهل السنّة. ولكنْ يمكن ـ بعد ملاحظة أربعة مبانٍ ونقطة هامّة ـ اعتبار المصطلح الفقهي «أكل المال بالباطل» مرادفاً لـ «الفساد الاقتصادي».
كما تجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء والخبراء في مجال القانون قلَّما بادروا إلى تعريف مصطلح «أكل المال بالباطل» بوصفه مرادفاً للفساد الاقتصادي، مكتفين من ذلك بمجرَّد ذكر بعض المصاديق عند بيان الفروع الفقهية، وذلك بما يتناسب مع البحث الماثل بين أيديهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام الرضا× قد اعتبر «الربا» مصداقاً من مصاديق «الفساد المالي»؛ إذ يقول: «فحرَّم الله عزَّ وجلَّ على العباد الربا؛ لعلّة فساد الأموال…»([1]).
هذا في حين نجد الإمام الباقر× في بعض الروايات التي سُئل فيها عن قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (النساء: 29؛ وانظر أيضاً: البقرة: 188)، يقول: إنّ الربا من مصاديق أكل المال بالباطل([2]). بمعنى أنّه عندما أراد أن يفسِّر الباطل، ويذكر مصداقاً له، ذكر الربا بوصفه مصداقاً للباطل.
وفي رواية عن الإمام الرضا× فسّر «الغصب» و«السرقة» بـ «أكل المال بالباطل»، وأخذه من غير حلّه. فعن سنان، عن الرضا×، في ما كتب إليه من العلل، وعلّة قطع اليمين من السارق؛ لأنه يباشر الأشياء بيمينه، وهي أفضل أعضائه وأنفعها له؛ فجعل قطعها نكالاً وعبرةً للخلق؛ لئلا يبتغوا أخذ الأموال من غير حلِّها؛ ولأنه أكثر ما يباشر بيمينه. وحرّم غصب الأموال وأخذها من غير حلّها؛ لما فيه من أنواع الفساد، والفساد محرَّمٌ؛ لما فيه من الفناء، وغير ذلك من وجوه الفساد. وحرَّم السرقة؛ لما فيها من فساد الأموال([3]).
ومن الجدير ذكره بطبيعة الحال أنّ مفردة (الأكل) قد تأتي بمعنى الفساد، كما في قوله تعالى في وصف أصحاب الفيل: ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ (الفيل: 5)، بمعنى أنّهم بعد إصابتهم بحجارة السجيل أصبحوا مثل أوراق الشجر التي يعتريها الفساد والذبول. ولذلك نجد الأدب العربي يعبِّر عن الفساد في بعض الأشياء بمصطلح التآكل، كما في تآكل الأسنان، أو تآكل الحديد عند الصدأ.
وعليه يمكن تفسير قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (النساء: 29؛ وانظر أيضاً: البقرة: 188) بمعنى: لا تفسدوا أموالكم باقتراف الأعمال الباطلة. وبذلك يثبت ترادف مصطلح «أكل المال بالباطل» ومصطلح «الفساد والفساد المالي والاقتصادي» بشكلٍ واضح.
وعليه فبالالتفات إلى هاتين المسألتين يمكن القول: إنّ مصطلح «أكل المال بالباطل» يرادف المصطلح الراهن والمعبَّر عنه بـ «الفساد المالي»([4])، ويمكن تعريف ماهيّته بـ «الفساد المالي والاقتصادي».
ومن البديهي إذا تحوَّل الفساد الاقتصادي إلى شبكةٍ واسعة، وأضحى من وجهة نظر العُرْف والشرع مصداقاً لـ «الفساد في الأرض»، فإنّ حدّ الحرابة والإفساد في الأرض هو الذي سيطبَّق على مرتكبه.
ولا شكّ في أنّ المراد من «الأكل» في هذه القاعدة المستنبطة من الآيات القرآنيّة هو مطلق التصرُّف وأنواعه الكثيرة، والتي تعني بشكلٍ عامّ مطلق الاستيلاء والاستحواذ على الأموال. فمثلاً: عندما يقال: إنّ فلاناً أكل مالي كأنّ المراد أنّه استولى عليه بالقوّة والقهر والغلبة. وليس المراد هو الأكل في مقابل الشرب؛ لأنّ هذا ما لا يصدق على الكثير من الأموال المغتصَبة، فلا يمكن أكل الدار المغصوبة مثلاً([5]).
وباختصار: يمكن لي القول: إنّ المراد من «أكل المال بالباطل» «جميع أنواع التصرُّف المحسوس وغير المحسوس في الأموال الخاصّة أو المملوكة للآخرين على نحوٍ غير شرعيّ أو غير عقلائي». ويقع ذلك في الحقول الثلاثة التالية: «الموارد»؛ و«الإنفاق»؛ و«الادّخار»([6]). كما أنّ «الفساد المالي والاقتصادي» يطلق على هذا المعنى أيضاً، ويمكن تحقُّقه في هذه الحقول الثلاثة أيضاً، وهو ما سيأتي الكلام عنه، ونثبته بالتفصيل إنْ شاء الله.
وبعد هذه المقدّمة المقتضبة ندخل في تفصيل بيان «ماهيّة الفساد المالي والاقتصادي في ضوء الفقه والقانون»، وتقديم تعريف فقهيّ ـ قانونيّ لـ «الفساد المالي»؛ كي لا نقع في الخطأ عند تحديد الحكم والعقوبة المترتِّبة على هذا الموضوع؛ إذ لا شكّ في أنّ الحكم إنّما يدور مدار الموضوع، فهو بالنسبة له بمنزلة العلّة من المعلول، والموضوع في بحثنا هو «الفساد المالي».
بحثٌ وتحقيق
إنّ كلمة «الفساد» مأخوذةٌ من مادة «فَسَدَ»، بمعنى الاضمحلال والزوال([7])؛ وأخذ مال الغير ظلماً وبالقوّة، ومنع الغير من القيام بالأعمال الصحيحة والصالحة([8])؛ والفتنة، والضرر، والإساءة، وضدّ الصلاح([9]).
وأمّا «المال» لغةً فكان يطلق أوّل الأمر على النقدَيْن «من الذهب والفضة»، ثم اتَّسع معناه ليشمل «كلّ عين يتملَّكها الناس»([10]).
ويطلق على الفساد المالي في اللغة الإنجليزية مفردة (Corruption)، والتي تعني النقض والكسر، والذي يُنقَض أو يُكسَر في الفساد الاقتصادي هو القوانين والقرارات([11]). وعليه فإنّ «الفساد» يعني «كلّ ظاهرة تحول دون تحقيق مجموعةٍ ما لأهدافها ومعطياتها». والمرادف الإنجليزي الدقيق لمصطلح «الفساد المالي» هو (Financial Corruption).
ومن الجدير بالذكر أنّ ما شاع استعمالُه في الأعوام الأخيرة تحت عنوان «الفساد المالي والاقتصادي» يشمل حتّى أنواعاً من الفساد الأعمّ من الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي (بمعناه الأصلي)([12]). وأحياناً يتمّ اعتبار الفساد المالي فرعاً من فروع الفساد الإداري([13])([14]).
وهذه التعبيرات بأجمعها مجانبةٌ للصواب تماماً، ويجب أن لا تستعمل إلاّ في معانيها الأصليّة والحقيقيّة الخاصّة بها؛ لأنّ الفساد الإداري أمرٌ آخر عامّ، ولا يشمل الفساد الاقتصادي إلاّ في بعض موارده. بمعنى أنّ الفساد الإداري لو مارسه الموظَّفون في الحكومة أمكن من هذه الناحية اعتباره فساداً إداريّاً، بيد أنّ هذا الفساد الحاصل هو ـ على كلّ حال ـ فسادٌ اقتصادي تحقَّق في دائرة الموظَّفين في الدولة، إلاّ أنّ هذا غير ما نقوله من اعتبار الفساد الإداري مرادفاً للفساد المالي والاقتصادي بشكلٍ كامل. والشاهد على ذلك هو قانون متابعة المخالفات الإداريّة الوارد في الفصل الثاني تحت عنوان «المخالفات الإداريّة»، وقد ذكر في المادة الثامنة منه 38 مورداً من موارد الفساد الإداري، ولكنّنا بعد قليل من التأمُّل ندرك أنّ ما يدخل في الفساد المالي والاقتصادي من هذه الموارد لا يتعدّى الموردين أو الثلاثة في الحدّ الأقصى. وهذه هي القائمة التي تعدِّد هذه المخالفات الإدارية:
1ـ الممارسات المخالفة لماهيّة المهنة، أو المخالفة للشؤون الإداريّة.
2ـ نقض القوانين والقرارات ذات الصلة.
3ـ عدم إرضاء المراجع، أو عدم القيام بخدمته، أو التباطؤ في القيام بالأعمال القانونيّة دون سببٍ أو عذرٍ وجيه.
4ـ الاتّهام والافتراء وهتك الأعراض وتشويه السمعة.
5ـ الابتزاز.
6ـ الاختلاس.
7ـ التمييز أو المحاباة أو إقامة العلاقات غير الإداريّة، أو تطبيق القوانين على بعض الأشخاص وعدم تطبيقها على الأشخاص الآخرين.
8 ـ عدم القيام بخدمة المراجعين أثناء فترة العمل الإداريّ.
9ـ تكرار التأخُّر في المجيء إلى الإدارة، والخروج منها قبل انتهاء فترة العمل، دون الحصول على إذنٍ رسميّ من مدير الدائرة.
10ـ التهاون في الحفاظ على الأموال والوثائق والمستندات الحكوميّة، أو الإضرار بأموال الدولة.
11ـ كشف الأسرار الإداريّة الخاصّة.
12ـ إقامة العلاقات المشبوهة مع الجهات الأجنبيّة.
13ـ التمرُّد على القوانين الصادرة من الجهات العليا في ما يتعلَّق بحدود المسؤوليّات الإداريّة.
14ـ التطفيف أو التسامح في أداء المسؤوليّات الداخلة ضمن الخدمة.
15ـ تهاون المسؤول أو المدير في رفع تقرير بمخالفة الموظَّف العامل تحت إمرته.
16ـ تقديم تقرير كاذب ومخالف للواقع في ما يتعلَّق بالأمور الإداريّة.
17ـ استلام الأموال من غير الطرق القانونيّة والقرارات المحدَّدة، أو أخذ كلّ مالٍ يُعدُّ من الناحية العرفيّة رشوةً.
18ـ تسليم الوثائق لغير أصحابها من الذين لا يبيح لهم القانون استلامها أو الاطّلاع عليها، أو عدم تسليم الوثائق لأصحابها الذين يحقّ لهم الحصول عليها بحكم القانون.
19ـ تعطيل الخدمة في الأوقات الإداريّة المقرَّرة.
20ـ عدم الالتزام بالحجاب الإسلامي.
21ـ عدم رعاية الشعائر والتعاليم الإسلاميّة.
22ـ إخفاء أو حفظ أو حمل أو توزيع أو بيع أو شراء المخدّرات.
23ـ تعاطي المخدّرات أو إدمانها.
24ـ ممارسة مهنة حكوميّة أخرى غير ما كان له طابع تعليميّ أو تحقيقيّ.
25ـ كلّ نوعٍ من أنواع إساءة الاستغلال للمنصب أو الإمكانات أو أموال الدولة بشكلٍ غير شرعي.
26ـ تزوير أو تغيير الوثائق أو العبث في الأوراق الرسميّة أو الحكومية.
27ـ التلاعب في الشهادات أو الأسئلة والدفاتر الامتحانيّة، أو تسريب الأسئلة أو تغييرها.
28ـ إعطاء درجة أو امتياز خارج الأطر والضوابط القانونيّة.
29ـ تكرار الغَيْبة بشكل متوالٍ أو متعاقب على نحو غير مبرر.
30ـ إساءة استغلال المنصب والموقع الإداري.
31ـ إيقاف أو إخفاء أو فتح الطرود البريدية أو إتلافها أو الاطّلاع على محتوياتها دون إذنٍ قانوني.
32ـ التمرُّد وبثّ الشائعات وإجبار الآخرين وإثارتهم على التمرُّد أو التظاهر خارج الأطر القانونية، أو التشجيع على الإضراب والتحصُّن والخروج في المسيرات غير المرخَّصة، وممارسة الضغط الجماعي للحصول على أهداف غير مشروعة.
33ـ الانتساب إلى عضويّة إحدى الفرق الضالّة والمنحرفة التي لا تحظى باعتراف من قبل الدين الإسلامي الحنيف.
34ـ التعاون مع جهاز السافاك المنحلّ تحت عنوان عنصر ناشط، أو مصدر معلومات، وممارسة النشاط أو رفع التقارير المعادية للشعب.
35ـ الانتساب إلى مؤسَّسة يقوم نظامها الداخلي على مناهضة الأديان السماوية، أو النشاط والعمل لصالح معارضة الأديان ونبذها.
36ـ الانتساب إلى الجماعات المحاربة، أو العمل وممارسة الأنشطة التي تصبّ في مصلحة هذه الجماعات.
37ـ الانتساب إلى المنظَّمات الماسونية([15]).
وهكذا الأمر بالنسبة إلى الفساد السياسي([16])؛ لأنّ دائرة الفساد السياسي من السعة بحيث قد تشمل حتّى الفساد الاقتصادي في بعض جوانبها. بمعنى أنّ الفساد المالي إذا صدر عن المسؤولين في الدولة، وكانت مناصبهم السياسية تشكِّل أرضية لارتكاب مثل هذا الفساد، أمكن تسميته من هذه الناحية فساداً سياسياً. وفي المجموع يجب الالتفات إلى أنّ المهمّ هو صدق الفساد السياسي والمالي على أمرٍ ما، سواء أكان هذا الفساد المالي يقع ضمن دائرة المسؤولين في الدولة أو ضمن دائرة الموظَّفين فيها، أم ضمن المؤسسات الخاصة، أم ضمن الحياة الشخصية لفردٍ أو مجموعةٍ من الأفراد؛ وذلك لأنّ المنظور لنا في هذا البحث، والذي أثبتناه، هو الفساد الاقتصادي، يمكن وقوعه وتحقُّقه ضمن واحد من الأطر الثلاثة التي تقدَّم ذكرها، وهي: «الموارد»؛ و«الإنفاق»؛ و«الاكتناز»، دون أن تكون هناك أهمّية للأرضيّة أو الفرصة التي يقع فيها هذا الفساد، ولا يمكن لها أن تغيِّر عنوانه. وهذه نقطةٌ هامّة لا بدّ من الالتفات إليها حتماً عند بيان التعريف الصحيح والجامع والمانع لـ «الفساد الاقتصادي»، وخاصّة تبيين ماهيّته في ضوء الفقه والقوانين.
وبعد هذه المقدّمة، وقبل كل شيءٍ آخر، نستعرض في ما يلي تعاريف بعض الفقهاء أو علماء الاقتصاد من غير المسلمين أو المسلمين ـ الذين أخذوا تعريفاتهم من مصادر الفقه الإسلامي ـ حول الفساد الاقتصادي؛ لنقوم بدراستها وانتقادها. وسوف نبادر بعد ذلك إلى تقديم تعريفٍ جامع ومانع للفساد الاقتصادي، بحيث يشمل معنى عامّاً يحتوي على جميع مصاديقه. وعليه نقول:
1ـ عمد البنك العالمي إلى تعريف الفساد المالي على النحو التالي: «إساءة استغلال السلطة والإمكانات الحكوميّة من أجل تحقيق المصالح الشخصيّة»([17]).
2ـ جاء في تعريف (المنظمة العالميّة للشفافية) في تعريف الفساد الاقتصادي قولها: «إنّ المراد من الفساد المالي هو استغلال السلطة والقدرة من أجل الحصول على المصلحة الخاصّة»([18]).
3ـ عمد قانون الارتقاء والسلامة في النظام الإداري، ومكافحة الفساد، المصادق عليه بتاريخ: 29/2/1387هـ.ش، والإعلان عنه بتاريخ: 7/8/1390هـ.ش، في الفقرة (أ) من المادّة الأولى من الفصل الأوّل (التعاريف ومصاديقها من الأشخاص)، عند بيان التعريف إلى الخلط بين الفساد والفساد الإداري من جهةٍ والفساد المالي من جهةٍ أخرى، حيث جاء فيه: «إنّ الفساد في هذا القانون يشمل كلّ فعلٍ أو ترك فعلي يقوم به شخصٌ أو جهة بشكلٍ فردي أو جماعي، أو منظّمة تهدف عن قصد إلى الحصول على منفعةٍ أو امتياز مباشر أو غير مباشر، لنفسه أو غيره، من خلال نقض القوانين والقرارات المصادَق عليها في البلاد، أو الإضرار بالأموال والمصالح والمصادر، أو السلامة العامّة والأمن العامّ، أو ضد جماعة من الناس، من قبيل: إعطاء الرشوة والارتشاء والاختلاس والتواطؤ وسوء الاستغلال للمناصب أو المكانة الإداريّة والسياسيّة والإمكانات والمعلومات، أو التدول بشأن المصالح العامّة بشكلٍ غير قانوني، وحيازة هذه المصالح إلى أنواع التخصُّصات غير المشروعة، والقيام بأعمال التزوير والتشويه أو إخفاء الوثائق والمستندات والسوابق الإداريّة والماليّة».
4ـ عرّف المجلس التشريعي الفلسطيني الفساد المالي عام 1997م قائلاً: «إنّه خروجٌ عن أحكام القانون أو الأنظمة الصادرة بموجبه، أو مخالفة السياسات العامّة المعتمدة من قبل الموظَّف العامّ؛ بهدف جني مكاسب له أو لآخرين ذوي علاقة، أو استغلال غياب القانون بشكلٍ واعٍ للحصول على هذه المنافع»([19]).
5ـ وقد عمد السيد علي الخامنئي، في كلمته التي ألقاها وسط حشد من أهالي قم، بتاريخ: 19/10/1380هـ.ش، إلى بيان «الفساد الاقتصادي» قائلاً: «إنّ الفساد الاقتصادي يعني أن يعمد أشخاص، من خلال التذاكي والالتفاف على القانون أو التمّلق، إلى الاستحواذ على بيت المال، وملء جيوبهم من موارده».
6ـ وقال الدكتور الجابري ـ أستاذ الفقه والاقتصاد الإسلامي في جامعة أمّ القرى بمكّة المكرَّمة ـ في تعريف الفساد الاقتصادي: «هو سوء استخدام الوظيفة أو المنصب عموماً؛ لتحقيق منفعة خاصّة»([20]).
7ـ وقال الدكتور محمد عبد الحليم عمر ـ مدير مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر ـ في تعريف الفساد الاقتصادي: «الفساد الاقتصادي هو كلُّ تصرّف يمثِّل اعتداءً على الأموال على وجه غير شرعي، بإتلافها أو سوء استخدامها أو كسبها بدون وجه حقّ»([21]).
8 ـ وقال الدكتور حسين حسين شحاتة ـ الأستاذ في جامعة الأزهر ـ في بيان ماهيّة الفساد المالي: «الفساد الاقتصادي معناه ضياع الحقوق والمصالح بسبب مخالفة ما أمر به الله ورسوله، وأجمع عليه الفقهاء، أي الاعتداء على حقوق الأفراد والمجتمعات، وعدم الالتزام بما أمرنا الله به ورسوله»([22]).
9ـ وأمّا عبّاس حميد التميمي فقد مازج بين الفساد المالي والإداري، وقال في تعريفهما: «الفساد المالي والإداري هو التغيير غير المرغوب فيه في المعاملة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ، الذي يمثِّل تقويضاً للثقة العامّة، أو خرقاً للقوانين والسياسات والإجراءات التي توضع موضع التنفيذ للصالح العامّ؛ لغرض تحقيق المنافع الشخصية على حساب المجتمع، وذلك بإعطاء أو أخذ الرشاوى أو الامتيازات؛ وذلك بإساءة استعمال السلطة والنفوذ في المؤسَّسات الرسميّة»([23]).
10ـ وقالت مؤلِّفة كتاب (الفساد الإداري وعلاجه من منظور إسلامي) في هذا الشأن: «هو سوء استغلال السلطة العامّة؛ لتحقيق مكاسب خاصّة»([24]).
11ـ وقال الدكتور يحيى غني النجّار ـ الخبير في الاقتصاد الإسلامي ـ في بيان ماهيّة الفساد المالي: «هو السلوك الذي يسلكه صاحب الخدمة العامّة أو الخاصّة والذي يفضي إلى إحداث ضررٍ في البناء الاقتصادي للبلد، من خلال هدر الموارد الاقتصادية، أو زيادة الأعباء على الموازنة العامّة، أو خفض كفاءة الأداء الاقتصادي، أو سوء توزيع الموارد؛ بقصد تحقيق منافع شخصية، مادّية أو غير مادية، عينيّة كانت أو مادّية، على حساب المصلحة العامّة»([25]).
12ـ وجاء في بعض تعاريف الفساد المالي أنّه: «إساءة استغلال السلطة والإمكانات والصلاحيّات والمناصب الحكومية (العامّة)؛ لضمان المصالح الشخصية أو الفئوية أو الحزبية أو الأسرية أو أيّ طبقة خاصّة».
وبعبارة أوضح: إنّ الفساد المالي عبارةٌ عن تعمُّد عدم رعاية القوانين وأصول الحياد من قبل المسؤولين في الدولة؛ بهدف الاستفادة من المزايا لشخصه أو لأتباعه.
ويمكن للفساد المالي أن يتحقَّق من خلال جماعتين، أو بين شخصين يتعاطيان الفساد المالي في وقتٍ واحد، كما في مثال الرشوة والابتزاز، أو أن يتحقَّق من طرفٍ واحد فقط، كأنْ يقوم مسؤولٌ في الدولة بمفرده باختلاس الأموال العامّة.
ولا ينبغي أن يؤدّي بنا هذا التعريف إلى القول بحصر الفساد المالي بالقطاع الحكوميّ، بل قد يتحقَّق الفساد المالي في أنشطة القطاع الخاصّ أيضاً([26]).
13ـ ويرى آخرون أنّ مصطلح الفساد الاقتصادي يطلق على «جميع أنواع التصرُّف غير القانوني في أموال الدولة، وسوء استغلال المناصب، والاستفادة غير القانونية للصلاحيّات والسلطة في إطار توظيف الإمكانات الماليّة». ومصاديق ذلك تظهر في أمورٍ من قبيل: الاختلاس، والرشوة، والابتزاز، والربا، والتصرُّف غير القانوني في الأموال، وتوظيف الامتيازات الماليّة، وما إلى ذلك من أشكال الفساد المالي المختلفة. وبعبارة مختصرة: «الفساد المالي هو إساءة استغلال المناصب والمواقع الحكومية (العامّة)؛ للحصول على المنافع الشخصية»([27]).
14ـ وأمّا من وجهة نظر الدكتور يوسف مِحْنَتْ فَرْ فإنّ الفساد المالي عبارة عن: «نقض القوانين؛ من أجل الحصول على المصالح والمنافع الشخصية»([28]).
15ـ وقال مؤلِّف كتاب (حقوق كيفري اقتصادي): «إنّ المراد من الفساد المالي هو الفساد الذي يقترفه الموظَّفون في الدولة تجاه أموالها أو الأموال المؤتَمنة عليها، أو الجرائم التي يرتكبها الموظَّفون والعمّال في إطار وظائفهم القانونيّة، وتكون لها صبغة ماليّة، من قبيل: الاختلاس، والارتشاء، والتصرُّف غير القانوني، والتدليس في المعاملات الحكوميّة، وأخذ النسبة على المعاملات، وما إلى ذلك»([29]).
16ـ وهناك مَنْ يعرِّف الفساد المالي على النحو التالي: «إنّ الفساد المالي يعني تحصيل الثروة من الطرق المحرَّمة في الشريعة الإسلامية المقدَّسة. وإذا شاعت هذه الظاهرة بين الناس والمسؤولين في النظام فإنّها ستشكِّل معضلةً اجتماعية وسياسية»([30]).
17ـ إنّنا إذا تصفَّحنا القوانين المناهضة للفساد في مختلف بلدان العالم سنواجه بعض أوجه الشبه في القوانين؛ وفي الوقت نفسه هناك بعض الاختلافات الأساسية والجوهرية في اتّجاهات الدول.
أمّا المتشابه من القوانين فواضحٌ. وإنّ أهمّ هذه المتشابهات تكمن في العناصر الأساسيّة المؤلّفة لجريمة الفساد المالي.
وهناك تفاوتٌ ماهوي يسيرٌ بين هذه العناصر في البلدان المختلفة؛ فإنّ القوانين المناهضة للفساد في أكثر البلدان النامية مقتبسة من قوانين الدول الأكثر نموّاً وتقدُّماً، ومن هنا يبدو أنّ أكثر الأنظمة الدستورية متَّفقة على تعريف جوهري للفساد المالي، حيث تجمع هذه البلدان على تعريف الفساد المالي قائلةً: «إنّ الفساد المالي إنّما يتحقَّق عندما يقوم الموظَّف الحكومي أو أيّ صاحب مسؤولية عامّة، بالمطالبة برشوة، أو يتقبَّلها إذا عرضت عليه، أو أن يقوم شخصٌ آخر بدفع الرشوة لهذا الموظَّف أو المسؤول في الدولة، أو يعده بها، شريطة أن تكون هذه الرشوة متَّصفة بعنوان مكافأة أو أجر بإزاء فعل أو ترك يقوم به الموظَّف في إطار ممارسته لوظيفته الرسميّة»([31]).
نقد ومناقشة التعريفات المتقدِّمة
بعد الاعتراف بأنّ أكمل تعريف لـ «الفساد المالي» من بين التعاريف المتقدِّمة، من ناحية الإطلاق والشمولية، هو التعريف الذي طرحه المجلس التشريعي الإيراني في (قانون الرقيّ وسلامة النظام الإداريّ ومكافحة الفساد)، يجب القول: إنّ الإشكال الجوهري على أغلب هذه التعريفات المطروحة من قبل المفكِّرين يكمن في أنّها بأجمعها ذات بُعْدٍ واحد فقط، فإنّها تقتصر في معالجتها على بُعْد الفساد الاقتصادي لا غير، أي «دائرة الأموال الحكوميّة والعامّة»؛ وإنّ الفقرة الثالثة من المادة 188 من قانون المحاكم العامّة ومحاكم الثورة، الموسوم بـ «قانون التشهير»، يبيِّن طريقة العقوبة التي ينالها المرتكبون لهذا النوع من الفساد المالي والاقتصادي.
يُضاف إلى ذلك أنّ بعض هذه التعاريف قد اكتفى بمجرَّد الإشارة إلى واحدٍ من العقوبات وأرضيّات ظهور الفساد الاقتصادي، من قبيل: «الكسب والربح» مثلاً، وأهمل الأبعاد الأخرى لظهور مثل هذا الفساد. هذا في حين أنّ الفساد الاقتصادي ـ كما سنثبت لاحقاً ـ لا يقتصر على الأموال الحكوميّة والعامّة فقط، بل يشمل حتّى أموال المؤسَّسات غير الحكومية، والأموال الشخصيّة للأفراد.
كما يرى كاتب هذه السطور أنّ «الفساد الاقتصادي» قد يقع حتّى بالنسبة إلى «الأرباح»، وفي دائرة «الاستهلاك»، من قبيل: الإسراف والتبذير، ودفع الرشوة، واستهلاك المال في موارد الحرام([32])، وكذلك موارد «الاكتناز»، من قبيل: الاحتكار([33]) أيضاً.
قال الشيخ الطنطاوي في بيان سعة مفهوم أكل المال بالباطل، أو ما يعبّر عنه بالفساد المالي: «والمعنى: يا أيُّها المؤمنون، لا يحلّ لكم أن يأكل بعضُكم مالَ غيره بطريقةٍ باطلة لا يقرّها الشرع، ولا يرتضيها الدِّين، كما أنّه لا يحلّ لكم أن تتصرَّفوا في الأموال التي تملكونها تصرُّفاً منهيّاً عنه؛ بأنْ تنفقوها في وجوه المعاصي التي نهى الله عنها؛ فإنّ ذلك يتنافى مع طبيعة هذا الدِّين الذي آمنتم به»([34]).
التعريف الفقهي ـ القانوني لـ «الفساد الاقتصادي»
تقدَّم أنْ أشرنا إلى أنّ مصطلح «الفساد الاقتصادي» بهذه الصيغة لم يَرِدْ في الكتب الفقهية والقانونية، ولم يُبحَث من قبل علماء هذين العِلْمين. ولكنْ يمكن من خلال ملاحظة عددٍ من المباني العلمية أنْ نعتبر مصطلح «أكل المال بالباطل» مرادفاً فقهياً وقانونياً لهذا العنوان. وعلى هذا الأساس؛ ولبيان الماهية والتعريف الفقهي ـ القانوني لـ «الفساد المالي والاقتصادي»، وبتبع ذلك العقوبة المناسبة التي يستحقّها مرتكب هذه المخالفات، يتعيَّن علينا التدقيق في التعاريف التي ذكرها العلماء المتخصِّصون في هذا المجال لمصطلح «أكل المال بالباطل»، فنقول:
إنّ قاعدة «حرمة أكل المال بالباطل» الفقهيّة ـ التشريعيّة مستنبطةٌ ومقتبسة من الآيات القرآنيّة، وخاصّة قوله تبارك وتعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء: 29).
ولكنّها من الآيات المتشابهات([35])؛ ولذلك أشكل فهم المراد منها، وخاصّة أنّ هناك النزر القليل من الروايات الواردة في شأن نزولها ونزول مثيلاتها من الآيات الأخرى([36])، مكتفية بذكر عددٍ من المصاديق التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد. ولم يتمّ تعريف هذه القاعدة والمعنى المراد منها. ومن هنا بادر العلماء المختصُّون في علم تفسير القرآن، وكذلك الفقهاء والحقوقيّون، إلى بيان المفهوم والمعنى المراد من هذه القاعدة القرآنيّة العامّة والكلّية. وبطبيعة الحال كان لكلّ واحدٍ منهم رأيه الخاصّ والمختلف عن غيره، بالنظر إلى فهمه لهذه القاعدة العامّة. وهذه الآراء هي:
الرأي الأوّل
ذهب جماعة من المفسِّرين والفقهاء وعلماء التشريع الإسلامي إلى الاعتقاد بأنّ المراد من حرمة أكل المال بالباطل هو «حرمة التصرُّف غير المشروع في أموال الآخرين»، من قبيل: الاختلاس والاحتيال والربا والغصب والسرقة والقمار والارتشاء والخيانة والغبن والغش، وغير ذلك من المعاملات الغررية، والمعاملات المشتملة على جهالةٍ؛ بسبب عدم تحديد حدودها بشكلٍ كامل، وشراء وبيع البضائع التي لا يستفاد منها فائدة منطقية وعقلائية، وبيع وشراء آلات الفساد والمعاصي، وما إلى ذلك من الأمور([37]).
وهناك من الباحثين في حقل التشريع مَنْ ذهب إلى حدّ التصريح بأنّ «أكل المال بالباطل» هو «الإثراء بالطرق غير المشروعة»، أو «استيفاء الأموال دون سبب وجيه»، أو «استيفاء الأموال من غير عدل»([38])، معتبرين إيّاه مرادفاً لهذه القاعدة الفقهية ـ التشريعية([39]).
قال الدكتور إمامي في هذا الشأن: «طبقاً لقاعدة (الإثراء غير العادل) لا يمكن لشخصٍ أن يصل إلى الثراء من دون سببٍ وجيه، وعلى حساب الإضرار بالآخرين.
وقد اعتبر بومبونيوس ـ القانوني الرومي الشهير ـ القاعدة المذكورة قائمةً على الإنصاف القضائي، وأنها من الحقوق الطبيعية، ولا تتجاوز كونها دستوراً أخلاقيّاً.
وقد وردت هذه القاعدة في القرآن الكريم بصيغةٍ أبلغ، وعلى هيئة دستور تشريعي؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء: 29). وبذلك تكون هذه الآية قد بيَّنت كلَّ ما ينبغي ذكره من وجهة نظر التحليل القانوني في ما تعلَّق بالقاعدة المذكور، نفياً وإثباتاً، بأبلغ عبارة وأقصرها.
إنّ هذه القاعدة على الرغم من كونها قاعدة مستقلّة في التشريعات المدنية، إلاّ أنّها أقامت دعائمها على أساس نظريّة سبب التعهُّد، القائلة بعدم إمكان شخص الإضرار بالآخر دون سببٍ قانونيّ وجيه.
ويقول الدكتور إمامي في إيضاح هذه القاعدة: «إنّ زيادة ممتلكات شخص إنّما هي نتيجة مباشرة لنقصان ممتلكات شخصٍ آخر؛ إذ هناك علاقة بين الزيادة هنا والنقصان هناك، تقوم على قاعدة العلّيّة والمعلوليّة، وعليه يكون هناك تناسبٌ عكسي بين الزيادة هنا والنقصان هناك، وبنفس النسبة. وعلى هذا الأساس إذا كانت الزيادة في هذا الطرف لا تقوم على الإضرار بالطرف الآخر فإنّها لن تكون مشمولةً لهذه القاعدة»([40]).
وإنّ موارد الإثراء من دون سببٍ وجيه عبارة عن:
أـ الحصول على الأموال من طريق الخطأ، أو الاحتيال، أو الإكراه.
ب ـ الحصول على الأموال نتيجة لعقد مبادلةٍ باطلة.
ج ـ استيفاء المنافع من مجهود أو مال الآخر([41]).
ومن الواضح أنّه طبقاً لرأي هذه الفئة من المفكِّرين فإنّ قاعدة «أكل المال بالباطل» المرادف لـ «الفساد المالي» تشمل الموارد التالية:
أوّلاً: إنّها تقتصر على «الاكتساب» وتحصيل الأموال والأرباح فقط، ولا تشمل حقل «الاستهلاك»، ولا حقل «الاكتناز».
ثانياً: إنّ تحديد الفساد من غيره إنّما يكون من قبل «الشارع»، بمعنى أنّ الموارد التي تكون مشمولة لعنوان «الفساد الاقتصادي» هي تلك التي يحكم الشارع بفسادها وبطلانها. وبعبارة أخرى: إنّ المراد من الباطل في هذه الآية ـ من وجهة نظرهم ـ هو «الباطل الشرعي».
قال المحقِّق النائيني في هذا الشأن: «يكون مفادها [الآية الكريمة] لا تتصرَّفوا في أموالكم بنحوٍ من الأنحاء فإنّه باطلٌ، إلاّ بالتكسُّب عن الرضا. فبدون رضا المالك لا يمكن التصرُّف في ماله، إلاّ في الموارد التي رخَّص الشارع التصرُّف فيها»([42]).
ثالثاً: إنّ الفساد الاقتصادي إنّما يتحقَّق بالنسبة إلى «أموال الآخرين»، الأعمّ من أن يكون هذا الآخر «مؤسّسة حكوميّة أو غير حكوميّة» ـ بمعنى أنّها تشمل الأفراد والجهات ـ، ولا تتحقَّق بالنسبة إلى الأموال الداخلة في ملك الفرد الذي يقدم على ارتكاب الفساد المالي.
ذهب السيد البجنوردي، في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 29)، إلى القول بأنّ المراد من «أكل المال بالباطل» هو «كلُّ تصرُّف غير مشروع في أموال الآخرين». وقد اتّخذ من عبارتي: «بينكم»، و«تجارة عن تراض»، مستنداً للقول بعدم شمول هذه القاعدة لـ «التصرُّف غير المشروع بأموال النفس»؛ إذ يقول: «فظاهر الآية هو النهي وتحريم التصرُّفات الباطلة، أي على وجهٍ لم يشرَّع، في أموال الناس؛ إذ لا شكّ في جواز جميع التصرُّفات في أموال نفسه، إلاّ أن يكون ذلك السنخ من التصرُّف حراماً، كالإسراف والتبذير وغيرهما من التصرُّفات المحرَّمة الكثيرة. ولا يمكن أن يكون المراد من الباطل في الآية هذا القسم من التصرُّفات؛ أوّلاً: بقرينة «بينكم»؛ لأنّ أمثال هذه التصرُّفات محرّمة وإنْ لم يكن غيره في البين فهذه الكلمة، خصوصاً مع قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾، تكون قرينة على أنّ المراد من الأكل بالباطل هو التصرُّف في مال الغير من غير وجهٍ شرعي، وبغير استحقاق، كالغصب والخيانة والسرقة والربا، وبشهادة الزور أو باليمين الكاذبة أو بالرشوة أو بالبيوع الفاسدة، كالبيع الغرري أو سائر المعاملات الفاسدة الباطلة في الشَّرْع، مثل: أنواع القمار، إلى غير ذلك من العقود والمعاملات الفاسدة، كالمعاملات التي تقع عن إكراه الطرف»([43]).
الرأي الثاني
وهناك طائفةٌ أخرى منهم تذهب إلى القول بأنّ المراد من أكل المال بالباطل هو «أن يكون للفرد ربحٌ من دون سببٍ شرعيّ أو عقليّ». وبعبارة أخرى: إنّ أكل المال بالباطل هو الحصول على الأموال بشكلٍ اعتباطي. فـ «القمار» ـ مثلاً ـ أكلٌ للمال بالباطل؛ لأنّه ربح من غير سببٍ منطقيّ أو شرعيّ؛ و«بيع المسكر» والربح الحاصل منه أكلٌ للمال بالباطل؛ إذ ليس فيه منفعةٌ، لا للفرد، ولا للمجتمع، بل هو فساد يؤدّي إلى هلاك الفرد والمجتمع. وهذا قانونٌ عام يسري في جميع أبواب المعاملات الإسلاميّة([44]). وقال في موضعٍ آخر: «لو أخذ شخص مالاً في مقابل عملٍ ضمن وظيفته الإدارية أو الحكوميّة لا يسمى ذلك رشوةً، لكنّه مع ذلك حرامٌ على الآخذ؛ لأنّ أخذ النقود بإزاء عمل إداريّ يعدّ أكلاً للمال بالباطل»([45]).
وقال أيضاً: «لا يمكن لشخصٍ أن يتقاضى أجراً على امتثال حكمٍ شرعي. فمثلاً: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكمٌ شرعيّ، ولا يمكن لمَنْ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يأخذ أجراً على ذلك، وإنْ أخذه كان داخلاً في قاعدة «أكل المال بالباطل»»([46]).
إنّ أصحاب هذه الرؤية من الذين يرَوْن الملاك في تحديد الفساد والبطلان في الموضوعات الاقتصاديّة هو «العقل» و«الشرع»، مستندين في ذلك إلى القول: «إنّ للباطل في مقابل الحقّ مفهوماً واسعاً، ويشمل كلّ ما كان خارجاً عن نطاق الحقّ، ولم يكن له هدفٌ أو أساس»([47]).
ومن الجدير بالذكر أنّ جميع المنظِّرين متَّفقون على أنّ المراد من الأكل هنا معنى واسعٌ، يشمل جميع أنواع التصرُّفات المرتبطة باكتساب الأموال، الأعمّ من الأكل واللبس والسكن. فهو في حقيقة الأمر كناية عن جميع أنواع التصرُّفات، والأكل هو المصداق الأوضح([48]). كما هناك علاقةٌ مصحِّحة لاستعمال مفردة «الأكل» للدلالة على مطلق الاكتساب؛ وذلك لأنّ الأكل مسبَّب عن الاكتساب، فكان ذلك هو المصحِّح لاستعمال المسبَّب للدلالة على السبب([49]).
هذا وإنّهم على المستوى العملي اعتبروا بالآيات الدالّة على محور البحث والقاعدة المستنبطة منها. كما استندوا إلى أخبار الآحاد الدالّة على حرمة التصرُّف في مال الغير من دون رضاه، كالرواية الواردة في تحف العقول، عن النبيّ الأكرم| أنّه قال: «أيّها الناس، إنما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لمؤمنٍ مالُ أخيه، إلاّ عن طيب نفس منه»([50]). ورُوي عن النبيّ الأكرم| أيضاً أنّه قال: «المسلم أخو المسلم، لا يحلّ ماله، إلاّ عن طيب نفسٍ منه»([51]).
الرأي الثالث
هناك من المفسِّرين والفقهاء والمشرِّعين مَنْ ذهبوا ـ خلافاً للرأيين السابقين ـ إلى تسرية قاعدة «أكل المال بالباطل» و«الفساد المالي» إلى دائرة «الاستهلاك» أيضاً، وذهبوا إلى الاعتقاد بأنّ المراد: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بشكلٍ غير مناسب، من قبيل: السرقة والخيانة والغصب والقمار والرشوة والعقود الفاسدة وما إلى ذلك؛ أو لا تستهلكوا أموالكم بشكلٍ غير مشروع، كما في حالة استهلاك المال في شرب المسكر، أو ارتكاب الزنا، أو أنواع الفسق، والإسراف والتبذير، ودفع الرشوة وما إلى ذلك»([52]). وقال الطنطاوي في هذا الشأن: «والمعنى: يا أيّها المؤمنون، لا يحلّ لكم أن يأكل بعضكم مال غيره بطريقةٍ باطلة لا يقرّها الشرع، ولا يرتضيها الدين. كما أنه لا يحلّ لكم أن تتصرَّفوا في الأموال التي تملكونها تصرُّفاً منهيّاً عنه؛ بأنْ تنفقوها في وجوه المعاصي التي نهى الله عنها؛ فإنّ ذلك يتنافى مع طبيعة هذا الدين الذي آمنتم به»([53]).
إنّ هذه الطائفة من المنظِّرين، ورغم توسعتها لدائرة حرمة «أكل المال بالباطل» و«الفساد المالي» لتشمل دائرة «الاستهلاك» إلى جانب «تحصيل المال واكتسابه»، واصلت اعتبار «الشرع» وحدَه هو الملاك في تحديد موارد الفساد، دون أن تدخل «العقل» في هذا المجال.
الرأي المختار
يبدو أنّنا لكي نقدِّم تعريفاً جامعاً ودقيقاً لمفهوم «أكل المال بالباطل»، الذي اعتبرناه؛ للأدلّة السابقة، مرادفاً لـ «الفساد الاقتصادي» في النصوص الفقهية ـ التشريعية، يجدر بنا، مضافاً إلى التدقيق في مفاهيم المفردات الرئيسة المستعملة في عبارات هذه القاعدة الفقهية ـ التشريعية القرآنية، أن نلتفت إلى المصاديق المذكورة لها في نصّ الروايات أيضاً. وبالإضافة إلى هذين الأمرين يجب علينا أن ندقِّق في المرادف الفقهي المذكور في الروايات لـ «أكل المال بالباطل»، ونعني بذلك مفهوم «أكل السُّحْت»، والمصاديق الكثيرة المذكورة له في الروايات أيضاً.
وتوضيح ذلك أنّ النصوص الإسلامية قد استعملت في الكثير من الموارد التعبير بـ «أكل السحت»؛ للدلالة على «أكل المال بالباطل»([54]). ويطلق «أكل السحت» على موارد من قبيل: أكل مال اليتيم، والمكاسب الحاصلة من طريق ممارسة السحر، واللهو واللعب، والرشوة، والقمار، والغصب، وبيع وشراء الأعيان النجسة (كالميتة)، وأخذ الأجرة على ممارسة الفجور والدعارة، وثمن المسكرات، وكلّ شيء آخر لا يُبيح الشرع امتلاكه، والربا، ومال السرقة أو الخيانة([55]).
ورغم أنّ «السحت» لغة يعني «الاستئصال» و«القطع»، وهو بذلك يختلف عن مفهوم الباطل([56])، ولكنّه حيث يحصل من خلال التكسُّب الحرام والأموال التي يتمّ الحصول عليها من الطرق المخالفة للشرع وبأساليب غير عادلة يُسمّى «سحتاً»؛ باعتباره شبيهاً بالباطل. وأمّا اصطلاحاً فقيل: إنّ «كلّ كسب لا يحلّ فهو السحت»([57]). وإنّ السحت مثل الباطل في عمومه وشموله. ورغم اقتصار بعض الآيات والروايات على تطبيقه وتفسيره ببعض المصاديق الخاصّة فإنّ الظاهر أنّه لا يختصّ بتلك الموارد فقط، وإنّما يشمل كلّ نوعٍ من أنواع أكل الحرام والاكتساب الباطل أيضاً.
وفي معرض تحليلنا للمسائل نقول: إنّ الآيات التي استعملت عبارة «أكل المال بالباطل»، وأضحت هي مادّة استحداث هذا المصطلح الفقهيّ، هي:
1ـ ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 188).
2ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء: 29).
3ـ ﴿وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ (النساء: 161).
4ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (التوبة: 34).
ومن هذه الآيات الأربعة نجد الآية التاسعة والعشرين من سورة النساء تجعل أكل المال بالباطل في مقابل التجارة التي تكون عن تراضٍ، وبذلك يكون المفهوم الظاهر منها أنّ كلّ ما لم يكن تجارةً عن تراضٍ من الطرفين فهو مصداقٌ لـ «أكل المال بالباطل». ومن هنا يجدر بنا تحليل ودراسة هذه الآية؛ لكونها أشمل من الآيات الأخرى التي تتضمَّن ما يشبه المفهوم الوارد فيها. ولذلك سوف نتعرَّض إلى أربع مسائل في هذه الآية، ونقول:
المسألة الأولى: لو اعتبرنا الاستثناء الوارد في هذه الآية من نوع الاستثناء المنقطع سنحصل من هذه الاية على ضابطين عامّين ومستقلّين عن بعضهما: أحدهما: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل»؛ والآخر: إذا أردتم القيام بمعاملة تجاريّة فيجب أن تكون «تجارة عن تراضٍ». بمعنى أنّ هذه الآية (النساء: 29) قد اشتملت على قاعدتين عامّتين مستقلّتين، لا ربط لإحداهما بالأخرى، وذلك بأنْ يكون قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ الواردة في هذه الآية على غرار العبارة ذاتها الواردة في الآيات الثلاثة الأخرى (البقرة: 188؛ النساء: 161؛ التوبة: 34)، وهذه الآيات بأجمعها تحكي عن قاعدة فقهية ـ تشريعيّة هامّة، تحت عنوان «حرمة أكل المال بالباطل».
وأمّا إذا اعتبرنا الاستثناء هنا من النوع «المتّصل» فسوف يشتمل الدليل المتقدِّم على مفهوم سلبيّ، ويكون معنى الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم إلاّ إذا كان من خلال تجارةٍ عن تراض منكم؛ وذلك لأنّ ما كان مثل هذا الأكل باطلٌ، بمعنى أنّ جميع التصرّفات في أموال الناس محرَّمة وباطلة، ولا يحلّ ولا يصحّ إلاّ تصرّفٌ واحد، وهو «التجارة عن تراضٍ».
وقد اختار الميرزا النائيني القول بأنّ الاستثناء هنا هو من نوع الاستثناء المتّصل المفيد للحصر؛ إذ يقول: «وقوله تعالى: ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ كأنّه جيء به لمكان التعليل لنهي الأكل في ما عدا مورد التجارة عن التراضي، فكأنّه قال تعالى: ما عدا مورد التجارة عن تراضٍ أكلٌ للمال بالباطل، وهذا ظاهرٌ في حصر حِلِّ الأكل بمورد التجارة عن تراضٍ؛ لدلالته على كون ما عداه أكلاً للمال بالباطل، ويصير الاستثناء متّصلاً، كما هو ظاهر»([58]).
وفي المقابل ذهب الزمخشري في الكشّاف إلى التصريح بأنّ الاستثناء في هذه الآية منقطعٌ([59]). كما ذهب الآلوسي في روح المعاني إلى اعتبار الاستثناء هنا منقطعاً أيضاً([60]). وإلى ذلك ذهب القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، حيث قال: «إي ولكن تجارة عن تراض»، بمعنى أنّه فسَّر كلمة «إلاّ» بمعنى «لكنْ»، معتبراً الاستثناء منقطعاً([61]). كما ذهب ابن حجر إلى ادّعاء الإجماع بين فقهاء العامّة على اعتبار الاستثناء في هذه الآية منقطعاً([62]).
وأما من المفسِّرين الشيعة فقد ذهب الشيخ الطوسي في التبيان إلى اعتبار الاستثناء في هذه الآية منقطعاً([63]). وإلى ذلك ذهب العلاّمة الطباطبائي في الميزان أيضاً، فقال: «وعلى هذا فالاستثناء الواقع في قوله: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ استثناءٌ منقطع، جيء به لدفع الدخل؛ فإنّه لما نهى عن أكل المال بالباطل ـ ونوع المعاملات الدائرة في المجتمع الفاسد التي يتحقَّق بها النقل والانتقال المالي، كالربويات والغرريات والقمار وأضرابها باطلةٌ بنظر الشرع ـ كان من الجائز أن يُتوهَّم أنّ ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع، وتلاشي أجزائه، وفيه هلاكُ الناس، فأُجيب عن ذلك بذكرِ نوع معاملة في وُسْعها أن تنظِّم شتات المجتمع، وتقيم صلبه، فقال: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾. وإنّ أداة الاستثناء هنا «إلاّ» لا تريد أن تستثني ما ذكر سابقاً، وإنّما هو استثناءٌ منقطع، وإنّ المستثنى غير داخلٍ في المستثنى منه، وإنّما هو لرفع دَخْلٍ مقدَّر([64]).
والحقُّ هو أن نعتبر الاستثناء الوارد في هذه الآية منقطعاً؛ وذلك لدليلين:
الأوّل: إنّ الاستثناء المنقطع هو الذي لا يكون فيه المستثنى والمستثنى منه من جنسٍ واحد. وفي هذه الآية لا يمكن لـ «التجارة عن تراضٍ» أن تكون من جنس «أكل المال بالباطل».
الثاني: إنّ القول بـ «الاستثناء المتّصل»، وبعبارة أخرى: إنّ القول بـ «الحصر» إمّا أن يستلزم «النسخ»؛ أو «كثرة التخصيص»([65]). بمعنى أنّنا إمّا أن نلتزم بجواز التصرّف في موارد من قبيل: الوقف والهبة والصدقة وأرش الجناية والمباحات الأوّلية ـ التي أباحها الله لكلِّ شخص ـ، حيث يمكن للموقوف عليه والموهوب ومَنْ يستحق أرش الجناية أن يتصرَّف بهذه الأموال، في حين أنّه لا شيء من هذه الأمور داخلٌ في عنوان «التجارة عن تراضٍ»، بل لا ينطبق عليها عنوان التجارة أصلاً؛ أو أن نلتزم بأنّ هذه الموارد من الوقف والوصيّة والهبة وأرش الجناية والمباحات الأوّلية قد نُسخت بعد نزول هذه الآية الشريفة، وعليه إذا حصل الإنسان بسبب واحدٍ من هذه الأسباب على مالٍ كان أكله باطلاً، وكان التصرّف فيه باطلاً أيضاً. وإذا لم نقُلْ بالنسخ وجب المصير إلى القول بـ «كثرة التخصيص»، ولا شكّ في أنّ كثرة التخصيص في كلام الشارع قبيحةٌ، ولم يثبت أيُّ نسخ في هذه الموارد. وعليه يجب القول بأنّ الاستثناء في هذه الآية الشريفة منقطعٌ؛ كي لا يفيد الحصر.
ومن خلال إثباتنا لهذه المسألة الأولى نصل إلى نتيجة مفادها أنّ جميع هذه الآيات الأربعة تحكي عن قاعدةٍ واحدة عامّة تحت عنوان «حرمة أكل المال بالباطل»؛ وفي الوقت نفسه نتوصَّل إلى بطلان الادّعاء القائل بأنّ كلّ شيء لا يدخل ضمن عنوان «التجارة عن تراضٍ» فهو مصداقٌ لأكل المال بالباطل، بل إنّ أكل المال بالباطل يمكن تصوُّره على كلّ حال، حتّى في حقل التجارة.
المسألة الثانية: لو أنّنا اعتبرنا كلمة «بينكم» ظرفاً ومفعولاً فيه لقوله: ﴿لاَ تَأْكُلُوا﴾([66]) فإن حرمة أكل المال بالباطل ستقتصر على خصوص الأموال التي تتمّ مبادلتها بين الناس؛ لأنّ معنى هذا المقطع من الآية: «لا تأكلوا أموالكم التي تبادلونها بينكم بالباطل»؛ وأمّا إذا اعتبرناها «وصفاً»([67]) أو «حالاً» لـ «أموالكم» فإنّها ستشمل «جميع الأموال الموجودة في حقل التداول»، سواء تلك الأموال التي يتمّ تبادلها أم غيرها؛ إذ سيكون معنى الآية: «إنّ الأموال الموجودة في أيديكم، وتمتلكونها، لا يحلّ لكم أن تأكلوها بالباطل». ويرى المفكِّرون أنّ كلا هذين الاحتمالين واردٌ([68]).
أمّا الدليل الثاني على أنّ المراد من «بينكم» هو الأعمّ من الأموال التي يتمّ تبادلها والتي لا يتمّ تبادلها، وأنّها تشمل حتّى أموال الأفراد الخاصّة، والتصرُّف فيها بالباطل، فهو أنّ بعض المفسِّرين([69]) يذهبون إلى القول بأنّه عندما نزل قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ تصوَّر الناس أنّ حرمة أكل المال لا تقتصر على أموال الأصدقاء والأقارب والمعارف من دون إذنهم، بل لا يحلّ لهم أن يأكلوا حتّى أموالهم، سواء أكلوها على انفرادٍ أم بحضور الآخرين، ولذلك كانوا يجتنبون الأكل ونحوه، واستمرّ الوضع على هذه الحالة حتّى نزل قوله تبارك وتعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (النور: 61).
قال السيد الطالقاني في بيان المراد من هذه الآية: «إنّ الأموال التي تعود إليكم جميعاً (وتكون بينكم)، لا تأكلوها (بالباطل) أو بسبب الباطل». وأضاف قائلاً: يستفاد من هذا التعبير المقتضب أصلان اقتصاديّان قرآنيّان، وهما:
1ـ إنّ أصل المال في حالته الأولى هو ملكٌ للجميع، ويجب أن يكون في متناول الجميع، وأن لا يكون حِكْراً على طبقة بعينها.
2ـ وحيث كان الأمر كذلك إذن يجب أن يكون لأيِّ نوعٍ من أنواع التصرّف الخاص وحيازته لجهةٍ محدَّدة من منشأ تعلُّق، حقّاً كان هذا المنشأ أو باطلاً. ومنشأ التعلُّق والتصرُّف بحقٍّ هو الذي يقتصر على حدود الضرورة والحاجة، أو بسبب إيجاد ربح أو تبادل منفعة أو خدمة متبادلة تقوم بين الأجير وصاحب المال. وقد بيَّنت الشريعة الإسلامية حدودها، وما سوى ذلك هو أكلٌ بالباطل، وتصرُّف منهيٌّ عنه بقوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ ممّا لا يوجد حقّاً، أو يكون تصرُّفاً مضرّاً بالفرد أو المجتمع، من قبيل: الربا، والاحتيال، والقمار، والاحتكار، والسرقة([70]).
ويلاحظ أنّه يعتبر المراد من «بينكم» هي الأموال الموجودة في المجتمع وبين الناس، وليس خصوص الأموال التي يتمّ تداولها، والتي تقع طرفاً في المبادلات التي يقوم بها الناس يوميّاً فيما بينهم.
وعليه يمكن لأكل المال بالباطل أن يتحقَّق في دائرة الأموال الخاصّة، والتي يمتلكها الفرد، ومن قِبَل الفرد نفسه أيضاً، وذلك من خلال الإسراف والتبذير أو الاحتكار وما إلى ذلك([71]).
المسألة الثالثة: إذا اعتبرنا الباء في قوله «بالباطل» سببيّةً([72]) فإنّ هذه الآية ستشمل «الاكتساب والربح بواسطة الأسباب الباطلة» فقط؛ وأمّا إذا ذهبنا إلى ما قاله البعض من اعتبار كلمة «بالباطل» حالاً من فاعل (تأكلوا)، مع الحفاظ على سببيّة الباء، فعندها ستكون حرمة أكل المال بالباطل شاملةً لموارد «الاستهلاك أيضاً؛ إذ سيكون معنى الآية: «لا تأكلوا أموالكم حال إبطالها، والتصرُّف فيها بشكلٍ غير معقول، ولا مشروع».
قال العكبري في هذا الشأن: «وبالباطل: في موضع نصب بـ (تأكلوا)، أي: لا تأخذوها بالسبب الباطل. ويجوز أن يكون حالاً من الأموال أيضاً، وأن يكون حالاً من الفاعل في (تأكلوا)، أي مبطلين»([73]).
وبذلك تثبت عموميّة قاعدة «حرمة أكل المال بالباطل»، بحيث يمكن القول: إنّ هذه القاعدة ومفادها يشمل جميع أقسام التصرُّف في الأموال، حتّى ما كان داخلاً في دائرة «الاستهلاك»، و«الاكتناز» أيضاً.
المسألة الرابعة: يذهب عددٌ كبير من المفسِّرين ـ من العامّة والخاصّة ـ إلى القول بأنّ كلمة «الباطل» في قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ وأمثالها هو «الباطل الشرعي»، باستثناء الآلوسي حيث يقول: إنّ كلمة بالباطل تعني (بغير حقّ)، وهي بذلك أقرب إلى مفهوم (الباطل العُرْفي) إلى حدٍّ ما. فمثلاً: قال الزمخشري في الكشّاف: «الباطل ما لم تُبِحْه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا»([74]). وقال الآلوسي في روح المعاني: «الباطل ما يخالف الشرع، كالربا والقمار والظلم»، ثم نسب هذا القول إلى أحد المفسِّرين. وقال أيضاً: «وهو المرويّ عن الباقر»، ثم قال: «وعن الحسن: هو ما كان بغير استحقاق»([75]). ومن تفاسير الخاصّة قال الفيض الكاشاني في تفسير الصافي: «الباطل ما لم يُبِحْه الشرع»([76]).
إذن «الباطل الشرعي» هو المعاملة وأكل المال الذي أُبْطِل من قبل الشَّرْع، مثل: الربا والقمار وسائر المعاملات المنهيّ عنها من قبل الشارع. فإذا اعتبرنا الباطل هو الباطل الشرعي كان معنى قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ هو لا تأكلوا الأموال الباطلة شَرْعاً، من قبيل: القمار والخيانة والسرقة، وأمثال ذلك، ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾، فيجب أن يكون هناك تراضٍ من الطرفين.
وفي بعض الروايات المرويّة عن الإمام الباقر× في تفسير هذه الآية اعتبار الربا أحد مصاديق الباطل، بمعنى أنّه إذ أراد تفسير الباطل، وأراد أن يذكر بعض مصاديقه، ذكر الربا. وإنّ الذين فسَّروا «الباطل» في هذه الآية الشريفة والآيات الشبيهة بها بـ «الباطل الشرعي» قد استندوا في الغالب إلى هذه الرواية.
وفي مقابل ذلك «الباطل العُرْفي»، وهو عبارة عن «ما لا يترتَّب عليه الأثر المطلوب»([77]). وهناك مَنْ عبّر عن الباطل العُرْفي بقوله: «ما لا يشتمل على غرضٍ صحيح عقلائي»([78]). بيد أنّ الأدقّ في بيان «الباطل العُرْفي» أن يُقال: «ما لا يترتَّب عليه الأثر المطلوب».
وقد ذهب مشهور فقهاء الإمامية، ومنهم الشيخ الأنصاري، إلى أنّ المراد منه هو «الباطل العُرْفي»([79]).
وهذا ما ذهب إليه الإمام الخميني أيضاً، حيث قال بأنّ المراد هو «الباطل العُرْفي»، وقال بأنّ احتمال أن يكون المراد هو الباطل الشرعي ضعيفاً جدّاً([80]).
وقد ذهب شيخ الشريعة الإصفهاني إلى أنّ المراد هنا هو «الباطل العُرْفي»، وقال في توضيح ذلك: «إنه يدلّ على حرمة الأكل بالباطل في أموال الناس في ما يُسمّى باطلاً عند العُرْف، وأمّا الموارد التي يراها العُرْف من قبيل: الأكل بالباطل، ومع ذلك رخَّص الشارع فيها بالأكل، كما في حقّ المارّة، وحقّ الشفعة مثلاً، فهي تكون ممّا خطّأ الشارع فيه العُرْف في فهم البطلان، وإنّ ترخيصه يكشف عن عدم بطلانه، وإنّما هي ممّا تخيَّله العُرْف كذلك»([81]).
والذي يبدو لنا أنّ المراد من الباطل في هذه القاعدة القرآنيّة هو «الباطل العُرْفي»؛ وذلك للدليلين التاليين:
1ـ القاعدة الكلّية القائلة بأنّ «ظاهر جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام هي العناوين العُرْفية»، بمعنى أنّ الألفاظ المستعملة في الكتاب والسنّة محمولةٌ على المعاني العُرْفية، دون غيرها([82]). وقال الإمام الخميني: «لقد بُني الكتاب والسنّة على قواعد المفاهيم العُرْفيّة السائدة والمتداولة»([83]). بمعنى أنّ الشارع عندما يقول ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ فهو يعني البيع العُرْفي؛ وعندما يقول: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ فهو يعني العقود العُرْفية.
وإنّ هذه القاعدة العامّة والهامّة تثبت أنّ العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام لها ظهورٌ في المعنى العُرْفي.
وهكذا الأمر في ما نحن فيه، بمعنى أنّ المراد من قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ هو الباطل العُرْفي. وما جاء في الروايات ـ من ذكر الظلم والربا والقمار والغرر ـ ما هو إلاّ بيانٌ للمصاديق. وفي المقابل ليست هناك من خصوصية لقوله: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾، فهو يشمل كلّ ما يراه العقلاء «سبباً للحقّ».
2ـ الشاهد الثاني على هذا المدَّعى هو ما رواه زرارة، عن الإمام الصادق×، أنّه سُئل عن الشطرنج، وعن لعبة شبيب التي يُقال لها: لعبة الأمير، وعن لعبة الثلث؟ فقال: أرأيت إذا ميَّز الله بين الحقّ والباطل، مع أيِّهما يكون؟ فقلت: مع الباطل، فقال: فلا خير فيه([84]).
بداهة أنّ سؤال الإمام الراوي للحديث بشأن دخول أيّ واحد من موارد السؤال في دائرة الحقّ أو الباطل يحكي عن أنّ تقسيم هذين القسمين قد أُوكِل إلى فطرة ألهمها الله معرفة الحقّ من الباطل؛ إذ يقول تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (الشمس: 8)، وهذا يعني أنّ تمييز الحقّ من الباطل، والفصل بين مصاديقهما، قد أوكله الشارع إلى العُرْف وفهمه.
استنتاج
بعد الالتفات إلى هذه القواعد والمسائل الأربعة يتّضح لنا، بالإضافة إلى خطأ التعاريف المتقدِّمة لبيان المفهوم الفقهي ـ التشريعي لـ «الفساد المالي»، أي «أكل المال بالباطل»، إمكانيّة أن نقدِّم تعريفاً فقهياً ـ تشريعياً جامعاً ومانعاً لـ «الفساد الاقتصادي»، وذلك على النحو التالي: إنّ «الفساد المالي والاقتصادي» من الزاوية الصحيحة ورؤية الفقه والتشريع عبارة عن «جميع أنواع التصرُّف المحسوس وغير المحسوس في الأموال الخاصّة أو المملوكة للآخرين على نحوٍ غير شرعيّ أو غير عقلائيّ». ويقع ذلك في الحقول الثلاثة: «الموارد»؛ و«الإنفاق»؛ و«الادّخار»([85])، من قبل الأفراد أو الجهات.
ويمكن لنا أن نذكر للفساد المالي في حقل «الاكتساب والربح» أمثلةً من الآيات والروايات والمصادر الإسلامية، من قبيل: الثروة الناتجة عن «الاختلاس» و«الرشوة»، و«الربا»، و«الغصب»، و«السرقة»، و«القمار»، و«المعاملات الغررية»، و«الفوائد النسبيّة وأخذ نسبة مئوية على المعاملات الحكوميّة (الداخليّة والخارجية)»، وتهريب البضائع والعملة الصعبة، وغسيل الأموال، وتزوير العملات، وقراءة الحظّ، والسحر، والشعوذة، والغناء، والقوادة، وقطع الطرق، والابتزاز، وأكل مال اليتيم، والاقتراض بنيّة عدم السداد، وما إلى ذلك من الأمثلة الأخرى.
كما يمكن لنا أن نذكر بعض الأمثلة في ما يتعلَّق بحقل الاستهلاك، من قبيل: الإسراف والتبذير، وإنفاق المال على أمورٍ ليست لها قيمة ماليّة، ودفع الرشوة، واستئمان المال عند شخص معروفٍ بالخيانة، وما إلى ذلك.
وأمّا أمثلة ومصاديق الفساد المالي في حقل «الاكتناز» فيمكن لنا أن نذكر الادّخار وما إليه.
وعليه تتّضح هذه النقطة المحوريّة أيضاً، وهي أنّه بالالتفات إلى اتّساع مفهوم ومصاديق «الفساد المالي» لا يمكن لهذا العنوان العامّ والواسع أن يقع موضوعاً للحكم والعقوبة الثابتة، فلا يمكن معاقبة مَنْ أُدين بـ «الفساد المالي» بمفهومه العامّ، بل لا بدّ أوّلاً من تحديد نوع الفساد المالي الذي قد ارتكبه، وما إذا كان ابتزازاً مثلاً أو غيره من المصاديق الأخرى، وتحديد نوع العقوبة التي يستحقّها نتيجة لارتكاب ذلك النوع من الفساد المالي. يضاف إلى ذلك أنّ بعض المفاسد الماليّة والاقتصاديّة ليست لها عقوبة دنيويّة أبداً، وإنّما تترتَّب عليها عقوبةٌ أخرويّة فقط، من قبيل: الإسراف والتبذير أو الادّخار والاكتناز. ولكنّ ذلك لا يحول دون إدراجها ضمن مصاديق «الفساد المالي».
الهوامش:
(*) طالبٌ على مستوى الدكتوراه في الفقه ومباني القوانين الإسلامية في جامعة قم.
(**) أستاذٌ مساعد في كلّية الفقه والقوانين الإسلاميّة في جامعة طهران.
(***) أستاذٌ مساعد في جامعة قم.
(****) أستاذٌ مساعد في جامعة قم.
([1]) الكليني، أصول الكافي 5: 18، 121؛ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 565؛ المجلسي، بحار الأنوار 100: 11.
([2]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 59، ط3، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1994؛ قطب الدين الرواندي، فقه القرآن 2: 40.
([3]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 241، مؤسَّسة آل البيت^، ط1، قم، 1409؛ المجلسي، بحار الأنوار 6: 102؛ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 96.
([4]) انظر: محسن قراءتي، تفسير نور 5: 55.
([5]) انظر: عبد الأعلى السبزاوري، مواهب الرحمن في تفسير القرآن 8: 104؛ الطنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم 3: 125.
([6]) ويتمّ التعبير عن الموردين الأوّلين، أعني: الموارد والنفقات، بـ (التصرُّف المحسوس [أو الفعل])، وعن المورد الثالث، أي الادّخار بـ (التصرُّف غير المحسوس [أو ترك الفعل]). (انظر: المروّج الجزائري، هدى الطالب في شرح المكاسب 1: 523).
([7]) انظر: الصاحب بن عبّاد، المحيط في اللغة 8: 288.
([8]) انظر: دهخدا، لغت نامه 11: مدخل، (فساد).
([9]) انظر: فرهنگ معين فارسي 2: حرف الفاء.
([10]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 8: 344.
([11]) انظر: فيتو تانزي، مسأله فساد «فعاليتهاي دولتي وبازار آزاد» (Corruption, governmental activities and markets)، ترجمة: بهمن آقائي، مجلة اطّلاعات سياسي ـ اقتصادي، العدد 149: 182 ـ 183.
([12]) أبو الفضل همدمي، فساد مالي (علل وزمينه ها وراهبردهاي مبارزه با آن): 35.
([13]) Bureaucratic Corruption.
([14]) انظر: إبراهيم رئيسي وآخرون، فساد مالي در حاكميت: 114.
([15]) انظر: محمود عباسي، قانون رسيدگي به تخلُّفات إداري بانضمام آئين نامه إجرائي آن: 32.
([17]) انظر: علي ربيعي، زنده باد فساد (جامعه شناسي فساد در دولت هاي جهان سوم: 28 ـ 29؛ فرهاد رهبر؛ وفضل الله ميرزاوند؛ غلام رضا جال پور، بازشناسي عارضه فساد مالي 1: 102.
([18]) انظر: أكرمان سوزان روز، الفساد والاقتصاد العالمي (Corruption and the Global Economy): 50، ترجمه إلى العربية: محمد جمال إمام، مركز الإهرام للترجمة والنشر، القاهرة.
([19]) أحمد أودية، الفساد أسبابه وطرق مكافحته: 2، منشورات الائتلاف من أجل النـزاهة والمساءلة، الطبعة الأولى، فلسطين ـ رام الله، 2004.
([20]) عبد الله بن حاسن الجابري، الفساد الاقتصادي، أنواعه أسبابه آثاره وعلاجه، مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 21: 15، جامعة الأزهر، 1424.
([21]) محمد عبد الحليم عمر، الإجراءات العملية الإسلامية لعلاج الفساد الاقتصادي، ندوة «الفساد الاقتصادي: الواقع المعاصر ـ العلاج الإسلامي»، القاهرة، 2000.
([22]) حسين حسين شحاتة، الفساد الاقتصادي والإصلاح الإسلامي، مجلة المؤتمر الإسلامي الثالث: 2، جامعة أمّ القرى، 1420.
([23]) عباس حميد التميمي، آليات الحكومة ودورها في الحدّ من الفساد المالي والإداري في الشركات المملوكة للدولة 1: 2، 2001.
([24]) هناء اليماني، الفساد الإداري وعلاجه من منظور إسلامي: 4، 2002.
([25]) د. يحيى غني النجار، الآثار الاقتصادية للفساد، مجلة كلّية الإدارة والاقتصاد، العدد 1: 3، السنة الثالثة، جامعة بغداد، 2007.
([26]) فرهاد رهبر؛ فضل الله ميرزاوند؛ غلام رضا جال پور، بازشناسي عارضه فساد مالي 1: 102، مؤسسة نشر جهاد، طهران، 2003.
([27]) حسن دادگر؛ غلام علي معصومي نيا، ، فساد مالي: 16، كانون أنديشه جوان، طهران، 2005.
([28]) يوسف محنت فر، فساد اقتصادي وچگونگي مبارزة با آن در فرآيند توسعه اقتصادي، مجلة اقتصادي، العدد 27 ـ 28: 3.
([29]) محمد رضا ساكي، حقوق كيفري اقتصادي: 26، انتشارات جنگل، طهران، 2011.
([30]) حسين عبد المحمدي، تأثير فساد مالي بر أمنيّت ملّي، فصلية معرفت، العدد 52: 21، 2003.
([31]) با آتي أفوسو دبليو؛ راج سوبرأمانين آماه، كيشور آبرتي، جارجوبهاي حقوقي مقابلة با فساد (مالي): 101، ترجمه إلى الفارسية: أحمد رنجبر، مركز بجوهشهاي مجلس شوراي إسلامي، طهران.
([32]) انظر: السبزواري، مواهب الرحمن في تفسير القرآن 3: 101، مؤسَّسة أهل البيت^، بيروت، 1409؛ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 4: 289، دار المعرفة، بيروت، 1379.
([33]) انظر: سيد قطب، في ظلال القرآن 2: 639، ط17، دار الشروق، بيروت ـ القاهرة، 1412؛ محمود بن عبد الرحيم الصافي، الجدول في إعراب القرآن 5: 19، ط4، دار الرشيد، بيروت ـ دمشق، 1418؛ السيد محمود الطالقاني، برتوي أز قرآن 2: 75، ط4، شركت سهامي انتشار، طهران، 1984.
([34]) الطنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم 3: 125.
([35]) انظر: ابن شهرآشوب المازندراني، متشابه القرآن ومختلفه 2: 21، ط1، انتشارات بيدار، قم، 1410.
([36]) انظر: البقرة: 188؛ النساء: 161.
([37]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 225؛ 5: 114؛ 1: 245، 587؛ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 2: 138، جامعة مدرسين حوزة علمية قم، قم، 1413؛ المقداد السيوري، كنـز العرفان في فقه القرآن 2: 33، انتشارات مرتضوي، ط2، قم، 1425؛ أحمد الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن: 427، المكتبة الجعفرية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران؛ فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير 2: 50، بنياد معارف إسلامي، ط1، قم، 1423؛ الكاشاني، منهج الصادقين في إلزام المخالفين 3: 9، كتابفروشي محمد حسن علمي، ط1، طهران، 1958؛ حسين بن علي الكاشفي السبزواري، مواهب عليّة: 59، سازمان چاپ وانتشارات إقبال، ط1، طهران، 1991؛ محمد رضا الكلبايكاني، بلغة الطالب في التعليق على بيع المكاسب: 107، چاپخانه خيام، ط1، قم، 1399؛ سيد قطب، في ظلال القرآن 2: 639؛ الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 1: 502، دار الكتاب العربي، ط3، بيروت، 1407؛ الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن 5: 20، دار المعرفة، ط1، بيروت، 1412؛ وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط 1: 92، دار الفكر، ط1، دمشق، 1422.
([39]) انظر: حسن إمامي، حقوق مدني 1: 353؛ ناصر كاتوزيان، إلزامهاي خارج أز قرار داد: 194 ـ 195؛ عبد الحميد مرتضوي، قاعده دارا شدن غير عادلانه در حقوق إيران وكامن لا: 5؛ پرويز عامري، استيفاي نا مشروع، مجلة مطالعات حقوقي دانشگاه شيراز، العدد 3: 106.
([40]) انظر: إمامي، حقوق مدني: 353.
([41]) انظر: المصدر السابق: 355.
([42]) انظر: النائيني، منية الطالب في حاشية المكاسب 1: 63، المكتبة المحمدية، طهران، 1995.
([43]) انظر: البجنوردي، القواعد الفقهية 5: 215، نشر الهادي، ط1، قم، 1422.
([44]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، ربا وبانكداري إسلامي: 32، ط2، انتشارات مدرسه إمام علي بن أبي طالب×، قم، 1998؛ مكارم الشيرازي، استفتاءات جديد 3: 255، ط2، قم، 1427هـ.
([45]) مكارم الشيرازي، استفتاءات جديد 2: 216.
([46]) انظر: مكارم الشيرازي، كتاب النكاح 6: 48، ط1، انتشارات مدرسه إمام علي بن أبي طالب×، قم، 1424هـ.
([47]) انظر: المصدر السابق 3: 355.
([48]) انظر: السبزواري، مواهب الرحمن في تفسير القرآن 3: 97؛ مكارم الشيرازي، المصدر السابق: 2، 3، 355.
([49]) انظر: محمود بن عبد الرحيم الصافي، الجدول في إعراب القرآن 5: 19.
([50]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 5.
([51]) انظر: ابن أبي جمهور الإحسائي، عوالي اللآلئ العزيزية 3: 47، دار سيد الشهداء، ط1، قم، 1405.
([52]) انظر: السبزواري، مواهب الرحمن في تفسير القرآن 3: 101؛ الكاشفي السبزواري، مواهب عليّة: 59؛ الغروي (بانوي إصفهاني، نهلة (سيدة نصرت أمين)، مخزن العرفان در تفسير قرآن 2: 227: 227، ط1، نهضت زنان مسلمان، طهران، 1983؛ سلطان محمد الكنابادي، تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة 4: 44، مؤسسة الأعلمي، ط2، بيروت، 1408؛ غلام رضا خسروي حسيني، ترجمة وتحقيق مفردات ألفاظ قرآن 1: 181، انتشارات مرتضوي، ط2، طهران، 1987؛ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 4: 289، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ؛ الماوردي، الحاوي الكبير 5: 8، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1419هـ؛ محمد صديق خان البخاري القنوجي، نيل المرام في شرح آيات الأحكام: 158، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003؛ ابن الجوزي، نواسخ القرآن: 125، مؤسَّسة الرسالة، ط1، لبنان، 1405؛ محمد علي السايس، تفسير آيات الأحكام: 271، دار ابن كثير ـ دار القارئ، ط1، دمشق ـ بيروت، 1422؛ الطنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم 3: 125.
([54]) انظر: محمد الحسيني الشيرازي، فقه العولمة: 277، مؤسسة الفكر الإسلامي، ط1، بيروت، 1423.
([55]) الكليني، الكافي 5: 127، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1987؛ الراوندي، فقه القرآن 2: 26، انتشارات مكتبة السيد المرعشي النجفي، ط2، قم، 1405.
([56]) ولكنْ لا يقتصر إطلاق السُّحْت على هذين المعنيين فقط، بل يطلق السُّحْت أيضاً على الحرام أو ما خبث من المكاسب، فلزم عنه العار. (انظر: الفيروزآبادي، معجم القاموس المحيط، مدخل: «سحت»؛ وغيره من كتب اللغة) [المعرِّب].
([57]) انظر: أحمد بن محمد ميبدي، كشف الأسرار وعدّة الأبرار 6: 119. ولكنْ تقدَّم أنّ هذا واحدٌ من المعاني اللغوية للسُّحْت، وليس من المعاني الاصطلاحية [المعرّب].
([58]) النائيني، فوائد الأصول 1: 462؛ وأيضاً: منية الطالب في حاشية المكاسب 1: 199.
([59]) انظر: الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 1: 492.
([60]) انظر: الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 3: 15، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1415.
([61]) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 5: 150؛ وكذلك: البخاري القنوجي، نيل المرام في شرح آيات الأحكام: 165.
([62]) انظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 4: 289.
([63]) انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 3: 179.
([64]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 4: 317، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط5، قم، 1417؛ الخميني، كتاب البيع 1: 177، مؤسَّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1، قم، 1421؛ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب 2: 104، منشورات الشريف الرضي، ط1، قم، 1412.
([65]) انظر: الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 10: 57، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1420.
([66]) انظر: أمير أبو الفتوح الحسيني الجرجاني، آيات الأحكام 2: 13، ط1، انتشارات نويد، طهران، 1404.
([67]) انظر: سلطان محمد الكنابادي، تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة 1: 177.
([68]) انظر: الطالقاني، برتوي أز قرآن 2: 75.
([69]) انظر: محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف 5: 44، دار الكتب الإسلامية، ط1، طهران، 1424؛ الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل 3: 25؛ أبو جعفر النحّاس، معاني القرآن 4: 558، جامعة أم القرى، ط1، مكّة المكرّمة، 1409.
([70]) انظر: الطالقاني، برتوي أز قرآن 2: 75.
([71]) انظر: محمد بن إدريس الشافعي، أحكام القرآن 1: 267، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1400؛ أبو بكر الجصّاص، أحكام القرآن 4: 344، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1405.
([72]) انظر: محيي الدين درويش، إعراب القرآن وبيانه 1: 276، دار الإرشاد، ط4، سوريا، 1415.
([73]) انظر: عبد الله بن الحسين العكبري، التبيان في إعراب القرآن: 50، دار الجيل، بيروت، 1407.
([74]) انظر: الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 1: 502.
([75]) انظر: الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 3: 15؛ ابن حزم الأندلسي، علي بن محمد 7: 936؛ السيد سابق، فقه السنّة 2: 610، دار الفكر، ط2، بيروت، 1403؛ البخاري القنوجي، نيل المرام في شرح آيات الأحكام 1: 158.
([76]) الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 1: 44، انتشارات صدر، ط2، طهران، 1415؛ وكذلك انظر: الكاشفي السبزواري، مواهب عليّة: 59؛ الحسيني الجرجاني، آيات الأحكام 2: 13؛ محمد إمامي الخوانساري، الحاشية الأولى على المكاسب: 61، 1332؛ محمد رضا الكلبايكاني، بلغة الطالب في التعليق على بيع المكاسب: 110.
([77]) انظر: النائيني، منية الطالب في حاشية المكاسب 2: 457؛ انظر: البجنوردي، القواعد الفقهية 1: 412؛ محمد مجاهد الطباطبائي، مفاتيح الأصول: 297، دار الطباعة لمالكها الكربلائي محمد حسين الطهراني، (الطبعة الحجريّة)، طهران، 1293.
([78]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 4: 317.
([79]) انظر: مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب 5: 20، شرح: محمد كلانتر، المؤتمر العالمي للشيخ الأنصاري، ط1، قم، 1415؛ محمد صادق الصدر، ما وراء الفقه 3: 15، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 1420؛ مير عبد الفتاح بن علي المراغي، العناوين الفقهية 2: 371، دفتر انتشارات إسلامي، قم، 1417؛ محمد كاظم اليزدي، حاشية المكاسب 1: 74، مؤسسة إسماعيليان، قم، ، 1421؛ علي بن عبد الحسين النجفي الإيرواني، حاشية المكاسب 1: 113، وزارت فرهنگ وإرشاد إسلامي، ط1، طهران، 1406.
([80]) انظر: الخميني، كتاب البيع 1: 171.
([81]) انظر: شيخ الشريعة الإصفهاني، نخبة الأزهار في أحكام الخيار: 42، دار الكتاب، ط1، قم، 1398.
([82]) انظر: حسين علي منتظري، مباني فقهي حكومت إسلامي 8: 58، ترجمة: محمد صلواتي وأبو آل شكوري، مؤسسة كيهان، ط1، قم، 1409.
([83]) انظر: الخميني، الرسائل العشرة 2: 97، مؤسَّسة تنظيم ونشر آثار إمام خميني، ط1، قم، 1420.
([84]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 238.
([85]) ويتمّ التعبير عن الموردين الأوّلين، أعني: الموارد والنفقات، بـ (التصرُّف المحسوس [أو الفعل])، وعن المورد الثالث، أي الادّخار، بـ (التصرُّف غير المحسوس [أو ترك الفعل]). (انظر: المروّج الجزائري، هدى الطالب في شرح المكاسب 1: 523). وقد تقدَّم هذا الهامش بعينه، وأعدناه ـ كما أعاده صاحب المقال ـ؛ رعاية للأمانة [المعرّب].