ثمّة سؤال أساسي جداً كان طرح من قبل في الأوساط الغربية عموماً والفرنسية خصوصاً، يقول: هل يجب على المثقف أن يكون ملتزماً أم لا؟ وسأسال السؤال بلغة بلداننا العربية والإسلامية: هل يجب على عالم الدين والمثقف المسلم أو العربي أن يكون معنيّاً بالقضايا الكبرى للأمّة والقضايا التي تمثل الهموم اليومية للشعوب العربية والمسلمة منتمياً في اهتمامه هذا، أم أنّ الدخول في هذه القضايا يُبعِد المثقف والعالم والمفكّر عن مجالات الفكر والمعرفة التي هي ساحة عمله الحقيقي؟
هناك نظريّتان أساسيّتان تتجاذبان هذا الموضوع:
تقول هذه النظرية: إنّ المفروض بالمفكّر والعالم والمثقف و.. أن يتعالى عن مثل هذه الأمور؛ لعدّة أسباب:
1 ـ إنّ الدخول في مثل هذه القضايا يقلّص من فرص تركيز الباحثين على دراساتهم في المجالات المختلفة، ومن ثم يُفقدنا بعض المختصّين حيث تذوب الجهود في قضايا يومية بعيدة عن الأطر الفكرية الكبرى ويتقلّص الإنتاج المعرفي.
2 ـ إن استغراق المفكّر المسلم في مثل هذه القضايا وتعقيدات السياسة وأمثالها يُبعده عن الموضوعية والحياد؛ لأنّ العمل السياسي عملٌ منحاز بطبيعته؛ فإذا دخل المثقّف هذا المجال صار انحيازياً بعيداً عن الموضوعية التي تتطلّبها الدراسات العلمية.
3 ـ إن الذوبان في المجالات السياسية وأمثالها يغرق الباحثين في التطبيقات ويبعدهم عن النظريات، وإذا أرادوا إنتاج نظرية فسوف تكون أسيرةً لطبيعة المعاينة المصداقية التي عاشوها، وهذا ما يترك أثراً سلبيّاً على الطابع القانوني والمرجعي العام للنظريات، حيث تولد النظريات من رحم أحداث جزئية وليس من دراسات شاملة تستوعب جملة نماذج تطبيقية.
4 ـ إنّ استهلاك العالم والمثقف في الانتماءات السياسية يجعله عرضةً لتحكّم السلطة به بحيث يكون تابعاً لها الأمر الذي يجعله مجرّد بوق خادم لها؛ فإذا رأى الزعيم السياسي أن نصالح صارت وظيفة المثقف والعالم أن ينتج الفكر التصالحي، وإذا رأى الزعيم أن نحارب ونجاهد أنتجت العُدد المعرفية لمفكّرنا وعالمنا نظريةً نضالية متكاملة مستقاة من التراث ومن الكتاب والسنّة مثلاً، وهكذا على غير صعيد، فالمثقف والعالم لا يبدأ بمشروع إصلاح هنا أو هناك إلا بعد أن يأخذ الإذن من السلطة السياسية وهي التي تقرّر المصلحة، وعليه أن ينفذ حتى لو لم يكن لهذه السلطة السياسية أو الحزبية أيّة خبرة بمجال العمل الفكري والثقافي!!
ويشتدّ الأمر سوءاً عندما يكون عالمنا ومثقفنا تحت الرحمة المالية لهذه السلطة أو تلك، فعليه هنا ـ من حيث شعر أو لم يشعر ـ أن يستجيب لما يرضيها ويأتي بما يُسعدها، وإلا فشلت مشاريعه وضاعت جهوده، بل قد يصل الأمر إلى حدّ ضيق حياته اليومية. وهذا كلّه يجعل سلطة المعرفة تحت سلطة المصالح، الأمر الذي يعيق تقدّم الأمّة.
ربما لهذه المحاذير وغيرها يرغب بعض المفكّرين والعلماء والباحثين بالنأي بأنفسهم عن مجال العمل السياسي أو الالتزام بالقضايا التي تعني الأمة والوطن، ويرون أنفسهم أكبر من ذلك، حتى أنّ بعض الفقهاء المعاصرين لمّا سئل عن العمليات الاستشهادية وحكمها الفقهي أجاب بالاعتذار وعدم التدخّل في الأمور السياسية اليومية ().
ترى هذه النظرية أنّ المفكر والعالم والمثقف و.. يجب أن يظلّ حاضراً في خضم الأحداث الجزئية في الحياة، سيما الجوانب الأكثر تحوّلاً فيها مثل السياسة والاقتصاد، وأنّ العزلة عن الواقع الميداني يفقد المثقف رساليّته في الحياة، بل ويضرّ بعمله الفكري والثقافي و..
ويبرّر أنصار هذه النظرية فكرتهم بعدد من المبرّرات مثل:
1 ـ الاستعانة بمبدأ أن المعرفة للتغيير وليست للمعرفة فقط، فلم يعد مهماً أن أعرف أشياء لم يكن يعرفها الإنسان من قبل، وفقط لأجل المعرفة، وإنّما المهم أن أعرف ما ينفع ويترك أثراً إيجابياً على حياة البشر والإنسان عموماً، فلا شأن لي ـ كما يقال ـ بحجرية الحجر أو شجرية الشجر، واكتشاف الحقائق ذات الطابع الميتافيزيقي، وإنّما المهم أن أحدّد إمكان الاستفادة من هذا الحجر لبناء البيوت والمساكن التي تؤوي الفقراء أو الناس عموماً، وإمكان الاهتمام بهذه الشجرة أو تلك لاستخراج المنفعة منها لبني آدم فيما يأكلون وما يشربون؛ فالعزلة في النظريات لا تنتج سوى نظريات معزولة عن واقع الإنسان، توهم صاحبها أنّه اكتشف الحقائق فيما لا يكون قد فعل شيئاً على أرض الواقع.
2 ـ نحن نشكّك في دقّة الاستنتاجات الفكرية التي يقوم بها أصحابها وهم في عزلة عن واقع الحياة ولا يلتزمون بقضايا الواقع ويهتمّون بها؛ لأن الكثير جداً من الأفكار والتصوّرات في مجال العلوم الإنسانية والطبيعية بفروعها لا يمكن أن تنتج ـ فقط ـ بمنطق تجريدي؛ وذلك أنّ مثل هذه العلوم تخضع للتجربة والاختبار، فما لم يكن المنظّرون على تماس مع الواقع التجريبي فقد لا يتمكّنون من إنتاج أفكار محاكية للواقع الميداني، ومن ثم ستظل نظريّاتهم كالرجل المعلّق في الفضاء.
بل أكثر من ذلك، إنّ خبرة المفكّر والمثقف بالواقع الخارجي الذي يقع على تماس مع مجال عمله وبحثه، سوف يختصر له المسافات الطويلة؛ لأنّه سيقلّل من الأخطاء الناجمة عن ثنائية النظرية والتطبيق، أو ثنائية المفهوم والمصداق، أو ثنائية التجريد والتماهي، ما شئت فعبّر؛ فبدل أن ننتج أفكاراً في الهواء ثم نختبرها على أرض الواقع، ننتج أفكاراً ونحن على أرض الواقع، فنقلّص حجم الأخطاء الناتجة عن التجافي المشار إليه.
3 ـ إنّ قرب الباحثين من التجربة الميدانية يساعدهم على تكوين جهاز نفسي معرفي في أعماقهم يضبط إيقاع التنامي أو التراكم المعرفي بشكل واقعي؛ وأمثل على ذلك بالفكرة التي طرحها السيد محمد باقر الصدر (1400هـ)؛ فقد ذكر لدى دراسته موضوع التواتر الذي يفيد اليقين أنّ الإنسان الساذج الذي لا خبرة له بالحياة وتعقيداتها يتصوّر أن مجيء ثلاثة أشخاص بخبرٍ قد يؤدّي إلى يقين به؛ لأنه لا يعرف حجم الكذب والتحايل الموجود بين الناس؛ لهذا قد يُستغفل في التجارة نتيجة سذاجته هذه، أمّا لو كان يعيش واقع الحياة بتفاصيلها الجزئية فإنّه سيكتسب خبرةً غير عادية ستجعل مقياس تنامي المعرفة عنده أكثر واقعيةً، وسيعرف أنّ الكذب يمكن أن يتمّ ولو مع عشرين شخصاً؛ لوجود عناصر مشتركة ومصالح متفقة بينهم جميعاً، وهذا لا يُعرف إلا بالخبرة الميدانية()؛ من هنا نجد ابن خلدون (808هـ) عندما يبيّن حقيقة علم التاريخ، وهو العلم الذي يعيدنا بحسب طبيعته المفترضة إلى الماضي ويُبعدنا عن الحاضر والمستقبل، يضع ـ فيما يضع من معايير ـ قوله: mلأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرّد النقل ولم تحكّم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس منها الغائب بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلّة القدم والحيد عن جادة الصدق..n ()؛ فابن خلدون هنا يضع معيار قياس الغائب بالشاهد، فإنّك تضع خبرتك في الحياة بمثابة شاهد رأيته بأمّ العين يساعدك على تحديد وضع الزمن الماضي انطلاقاً من عناصر التشابه البشري ـ التاريخي، ولهذا تميّزت مقدّمة ابن خلدون بإبداع قلّ نظيره، حيث كان رجلاً منغمساً في واقع الحياة السياسية وغيرها في زمانه، لهذا أنتج لنا أفكاراً هامّة في هذا المجال، تماماً كتجربة أبي علي مسكويه الرازي (421هـ) من قبل.
4 ـ إنّ المفكّر والعالم والمثقف المسلم، هو في نهاية المطاف إنسانٌ مطالبٌ بأداء وظيفته الإنسانية تجاه نفسه وتجاه بني جنسه، وليس مستثنى من هذا القانون الأخلاقي والطبيعي، من هنا فكما يطالب الآخرون بأداء وظائفهم الاجتماعية والسياسية و.. كذلك هو الآخر مطالب ـ إزاء قضايا المجتمع ـ أن يقدّم مساهمته فيها، وربما تكون واجباته أكثر من غيره؛ لأنّ قدراته الفكرية والعلمية تجعل من المحتّم عليه أن يوظّفها في سبيل الخروج من التكاليف الدينية والإنسانية التي يطالبه بها العقل العملي السليم والفطرة الأخلاقية الصافية، فما معنى الحياد في مواقع تطالب الأمة بكلّ أفرادها أن يكون لها موقف فيها؟! وإذا كان ذلك تنزّهاً فليس في واقعه سوى تطهّر وهمي يمارسه المثقف الفاشل في الحياة الاجتماعية فيعوّض عقدة الفشل عنده بخلق مفهوم التعالي والتنزّه والتسامي وعدم الانشغال بالسفاسف والجزئيات والأمور اليومية وما شابه ذلك.
قد تكون هذه بعض مبرّرات الفريقين هنا، حيث أوضحنا عبر طريقة عرضها الملاحظات التي تسجّل على كل واحد من الطرفين، والذي يبدو لنا بعد نقد ما نقدناه من الفريقين عبر بيان مبرّراتهما، أنّ الهمّ الرئيس الذي ينطلق منه الفريق الأوّل يكمن في أمرين:
أ ـ همّ معرفي صرف، يتمثل في الخوف من تلاشي الفكر بعد توريطه في الجزئيات التافهة، وأعتقد أنّ هذه الملاحظة جيدة في بعض تطبيقاتها، لكنّها ليست كذلك من حيث المبدأ وفقاً لما أشرنا له سابقاً، بل العكس هو الصحيح؛ فإن المعرفة تتنامى في ظلّ الحضور لا في ظل غيبوبة المثقف عن الواقع، مع الاعتراف بوجود بعض التمايزات في هذه النقطة بين العلوم؛ فبعضها أقرب إلى الواقعية من بعض.
ب ـ همّ وجودي ـ معرفي، وهو المتمثل في العلاقة مع السلطة، وفي هذا الصدد نحن نوافق هذا الفريق بدرجة أكبر؛ لأنّ واقعنا الإسلامي المزري على هذا الصعيد أثبت لنا أنّ الثقافة والإعلام الثقافي صارا تبعاً لرؤوس الأموال وللسلطات السياسية الكبرى عند العرب والمسلمين؛ من هنا لم يتحرّر المثقف؛ لأنّ اقتصاده الشخصي لم يتحرّر؛ ظلّ رهين رأي هذا السياسي أو ذاك، أو هذا المموّل أو ذاك، ولم يتحرّر المثقف؛ لأنّه سيفقد وجوده وكينونته عندما يعارض السلطة؛ إذ لو لم يغتل جسدياً فسوف يتمّ ذلك بالنسبة إليه اجتماعياً وسياسياً وفكرياً أيضاً، ونحن لا نتحدّث هنا عن السلطة السياسية فقط، بل عن مطلق العلاقة مع السلطة، فمشكلة كثير من الذين تحدّثوا في العلاقة بين المثقف والسلطة، أنّهم كانوا يستحضرون السلطة السياسية، فيما هناك سلطات أخرى نافذة تمارس عين ما تمارسه السلطة السياسية من أساليب القمع والترويع والاغتيال للعقل وللإنسان، فهناك سلطة المال، وهناك سلطة الدين، وهناك سلطة التركيبة الاجتماعية في بعض بلداننا المتمثلة بالنظم العشائرية والقبلية التي ما تزال تهيمن على العديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهناك سلطة الإعلام ـ السلطة الرابعة ـ بل هناك سلطة المثقفين أنفسهم الذين صاروا يمارسون فعل السلطة في تعاملهم مع بعضهم ومع غيرهم حينما يتسنّى لهم ذلك بواسطة الإقصاء والتهميش والتقزيم والتحقير والبخس والتطفيف، وهناك سلطة الأغلبية والأكثرية التي يخشاها أكثر المفكّرين والعلماء والمثقفين؛ لأنّها تجعلهم يسبحون عكس التيار، وليس كل مفكّر بقادر على هذه السباحة، ولا كل سبّاح بمفكّر، وإلا فلماذا وجدنا عبر التاريخ البشري ـ الإسلامي وغير الإسلامي ـ وعّاظ سلاطين؟ فليس وعاظ السلاطين هم الفقهاء فقط، بل كثيرٌ من المؤرّخين والأدباء والشعراء و.. أيضاً، وإذا صوّرت لنا ذاكرتنا الفقهاء وحدهم وعّاظاً للسلاطين فهذا مقولٌ خاطئ لا يحاكي الواقع التاريخي، فهل هؤلاء كلّهم خبثاء ولم تكن عندهم نظريات في تبرير واقعهم الذي اختاروه لأنفسهم؟!
نعم، إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة أمر مهم جداً يجب وعيه، ويجب تحرير المثقف من هذه السلطة عبر تقويته من جهة، وخلق نظم اجتماعية واقتصادية تعطيه التوازن في الواقع البشري من جهة أُخرى، وبهذه الطريقة سينطلق المثقف في حركته النقدية والبنائية معاً، وسيتحرّر الفكر من أخطر القيود التي يعاني منها، ولا يعني ذلك أنّه يجب أن يكون المثقف معارضاً للسلطة، أو أن يُلزم نفسه ـ حتى يكون مثقفاً ويشعر بهويته ـ أن يبقى ناقداً، كأنّه لا همّ له سوى التعليق والتحشية والتهميش على فعل الآخرين أو قولهم؛ كما نجده عند بعض المثقفين في عالمنا الإسلامي، إنّما المقصود أن يتمكّن هذا المثقف من الإدلاء بالنقد البنّاء لواقعه أو المساهمة في تكوين بناء جديد لهذا الواقع، لا التقوقع داخل عقدة النقد نفسها، أو السعي لتكوين طبقة اجتماعية لها سلطة تسمّى بطبقة المعرفة أو العلم، فأيديولوجيا العلم لا تفترق عن سائر الأيديولوجيات التي ما فتئ هذا المثقف ينتقدها ويصرخ ويئنّ من وطأتها.
من هنا، نعرف أنّه لا مانع من أن يوالي المثقف هذه السلطة أو تلك، أو يؤيّدها في هذه النقطة أو تلك، أو يكون ملتزماً بهذه القضية أو تلك حتى لو التزمت بها هذه السلطة أو تلك، ولا يوجد ما يفرض على المثقف أن يكتسب هوية المعارضة وفقط المعارضة، ومن أين أتت هذه المقولة حتى ندخلها في تعريف المثقف أو تحديد مفهومه؟ فالمثقف هو الذي يملك أدوات المعرفة ويملك معها فعل التفكير وحريّته، والتفكير لا يساوي النقد كما لا يساوي الدفاع، وهذا ما لا يفرض موقفاً عدائياً من أيّ سلطة، تماماً كما لا يفرض موقفاً موالياً، فليخرج المثقف من عقدة السلطة، وليفكر بحرية تتعالى حتى على مقولات النقد والمعارضة نفسها، ولا يقتل نفسه في هذه الشرنقة؛ وبهذه الطريقة يتمكّن المثقف ـ فيما نخمّن ـ من الجمع بين الالتزام والحرية والواقعية والحضور والعمق والإنتاج والجودة.
المشكلة الأساس أنّ الانتماء في مفهومه العالم ـ ثالثي يعني التسليم المطلق؛ فالانتماء لهذا المذهب الديني يعني أنّي غدوت ملزماً بالأخذ والدفاع عن كلّ المقولات التي طرحت عبر التاريخ لتمثل هذا المذهب أو ذاك، وهذا ما ألمح العلامة الطباطبائي إلى خطورته، حينما ذهب إلى أنّ عملية الربط هذه ـ وكأنّ الانتساب إلى مذهب ديني يعني عدم وجود مجال للمناقشة الداخلية في بعض التفاصيل وكأنه كلٌّ لا يتجزّاً! ـ ألمح إلى أنّها خطأ تاريخي ارتُكب وأحيط بمقولات أضفيت عليها صبغة دينية مثل الإجماع، وهكذا عندما ننتمي إلى تيار سياسي نصبح وكأننا غير قادرين على إبداء وجهة نظرنا النقدية في هذا التفصيل هنا أو هناك، كأنّ الانتماء تعطيلٌ للعقل، فيما يفترض أن يكون تكميلاً لشخصية الإنسان السويّ؛ إنّ إعادة تكوين ظاهرة الانتماء في عالمنا الثالث تلعب دوراً كبيراً في السماح للمثقف أنّ ينتمي ويلتزم وينتسب ويوالي وفي الوقت عينه يفكّر وينتقد ويصوّب ويعارض، وما لم يتمّ تحديد هذا المفهوم الجديد فسيظلّ المثقف مشلولاً عن الحركة عند أوّل انتماء يمارسه في حياته؛ لأنّه بهذه الطريقة سوف يصبح منحازاً وغير موضوعي، فالعقل العربي والمسلم يرى أنّ كل نقد هو معارضة وكل مدح هو موالاة، والحال أنّه ليس كذلك إطلاقاً لو صوّبنا الأمور وصحّحنا المفاهيم المغلوطة.
أظنّ أنّه بهذه الطريقة قد نرفع هواجس الفريق الأوّل، ونحقّق مطالب الفريق الثاني، فنتجاوز الإشكاليّات المحقة عند الفريقين، دون التعليق التفصيلي على تمام الملاحظات السابقة.
المصدر: مقدمة كتاب نصوص معاصرة (الكتاب الرابع): مطارحات في الفكر السياسي الإسلامي
() أنظر: مجلّة الحياة الطيبة، العدد 10: 379، صيف 2002م، آراء ومواقف فقهية في الجهاد والاستشهاد، رأي الشيخ يعسوب الدين جويباري.
() محمد باقر الصدر، محاضرات في التأسيس للمنطق الذاتي، القسم الثالث، مجلة المنهاج، العدد 43: 13، خريف 2006م.