الشيخ يوسف الصانعي(*)
مقدمة
جاء في الحديث: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال»([1]).
لقد دعا الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى التدبّر في ما يحيط به من بديع الخلق وجميل الصنع؛ ذلك أنّ منشأ هذا الإبداع والجمال وهذا الصنع والنظم هو الله عزّ وجلّ، فهو تعالى مظهر الجمال وصاحب الجمال، بل ذاته.
إنّ الميول السامية من وجهة نظر المختصّين والخبراء في علم النفس على أربعة أنواع، والنوع الثاني منها عبارةٌ عن حبّ الجمال. فالإنسان بطبعه وفطرته ينجذب إلى الجمال، وتهتزّ عاطفته لإدراك كلّ ما هو جميل، فيحدث لديه انشراحٌ وابتهاج خاصّ بتأثير من شعوره بالجمال. كما تُثبت التنقيبات الأثرية التي قام بها علماء الآثار أنّ حبّ الجمال لدى الإنسان ضاربٌ بجذوره في أعماق التاريخ، وما قبل التاريخ أيضاً.
يقول الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري: «إنّ الذي يحتاج إلى بحث مُلِحٍّ أكثر من أيّ شيءٍ آخر هو ما إذا كان الإسلام قد اهتمّ بالبُعد الرابع من وجود الإنسان، ونعني بذلك استعداد الإنسان الفطريّ وحبّه للفنّ وانجذابه إلى الجمال، أم لا؟ هناك مَنْ يذهب به التصوّر إلى الاعتقاد بأنّ الإسلام جافّ وشديد الجمود والتخشُّب من هذه الناحية، وبعبارة أخرى: إنّ الإسلام يُميت الذائقة، ويقتل الشعور. وبطبيعة الحال فإنّ مستند الذين يذهب بهم التصوُّر إلى إصدار مثل هذه الدعوى هو أنّ الإسلام لم يتفاعل مع الموسيقى، ومنع من توظيف الأنثى، والعنصر النسويّ، والرقص، والنحت، وما إلى ذلك.
بيد أن إصدار الأحكام على هذه الشاكلة لا يبدو صائباً. وعلينا أن ندقِّق النظر في الأمور التي وقف الإسلام ضدّها وحاربها، لنرى ما إذا كان موقف الإسلام السلبيّ منها يعود إلى جمالها، أو إلى اقترانها بأمور أخرى تخالف الفطرة الفرديّة أو الاجتماعيّة للإنسان؟ ولنرى أيضاً ما إذا كان الإسلام ـ في غير هذه الموارد ـ قد عارض أو حارب فنّاً من الفنون الأخرى؟([2]).
وقال في موضع آخر: «إنّ الفنّ منبثقٌ عن فطرة الإنسان في حبّ الجمال. فالإنسان منجذب بطبعه نحو الجمال، سواء على مستوى الانجذاب فقط أو العمل على إبداع الجمال الذي نطلق عليه تسمية (الفنّ)»([3]).
إنّ التعاليم السماوية تتلاءم مع الخصائص الجسديّة والروحيّة للإنسان. وإنّ حبّ الجمال ـ بشهادة علماء النفس ـ يعدّ واحداً من الأبعاد الروحية الأربعة المودعة في الإنسان. والله ـ الذي هو مظهر الجمال ـ يحبّ الجمال، وهو الخالق لكلّ ما هو جميل، وقد أودع في وجودنا حبّ الجمال لنستدلّ به عليه. قال سبحانه وتعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي (الحجر: 29). وعليه فقد كان الإنسان يشاهد الجمال ويلاحظ حبّ هذا الجمال منذ بدء الخليقة، وكان يبدي ردّة فعل تلقائية بما يتناسب والجمال الذي يمثل أمامه، في أيّ مكان أو زمان أو موضوع. وبطبيعة الحال فإنّ حبّ الجمال ومعرفته من المشاعر الفطريّة التي لا تقبل الإنكار، وهي التي أودعها الله في وجود الإنسان؛ كي ينمّي عنده الشعور بالنزوع إلى التكامل.
من هنا يعدّ الاهتمام الخاصّ الذي يوليه أبناء البشر تجاه الجمال، بما يتناسب وطبيعتهم الفطرية، وتوظيفهم للجمال بوصفه مظهراً من مظاهر جمال الله، يُعدّ من الاحتياجات الأوّلية والفطرية لكلّ إنسان، والهدف منه إشباع الرغبة إلى الكمال، وهي رغبة مودعة في جبلّة كلّ فرد منّا.
إنّ «الغناء والموسيقى» هما من أبرز مصاديق الجمال ومظاهره وأكملها، بحيث إنك تجد تأثيرهما العميق على كلّ إنسان، أيّاً كان انتماؤه أو عقيدته، وأيّاً كان سنّه وثقافته وجنسه، وبشكل لا يمكن إنكاره أو توصيفه.
فمهما كان الوضع المادّي للإنسان ـ ثريّاً أو فقيراً أو من الطبقة المتوسّطة ـ فهو يتعاطى مع «الغناء والموسيقى» بنحوٍ من الأنحاء، خلافاً للتصوّر السائد. فالاستفادة منهما غير مقصورة على طبقة السلاطين والملوك والأمراء والخلفاء فقط، وإنْ كان المرح والقصف والصخب والمتعة والاستفادة من الغناء والموسيقى تبلغ ذروتها في إطار تحقيق أهداف الدول والسلاطين.
ونظراً إلى الوضع السائد حاليّاً في العالم المعاصر، ومع الأخذ بعين الاعتبار الإقبال الكبير من قبل مختلف طبقات المجتمعات، وخاصّة طبقة العامّة، على الغناء والموسيقى، فإنّهما باتا يعدّان من أهمّ وسائل استثمار السلطات؛ لبلوغ أهدافها التي تقف ضدّ القيَم الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
واليوم يتمّ إنفاق الجزء الأكبر ـ أو جزءٍ كبيرٍ في الحدّ الأدنى ـ من الدخل أو الوقت على هذا الموضوع. كما تعمد الدول إلى تخصيص جزء من نشاطها ووقتها وميزانيّتها لتأسيس المنظَّمات والمؤسَّسات في هذا السياق؛ من أجل الوصول إلى أهدافها المنشودة.
وكما تقدّم فقد كان «الغناء والموسيقى» منتشرين منذ بدء الخليقة، وبين جميع القبائل والأمم، بنحوٍ من الأنحاء. غاية ما هناك أن الاختلاف يكمن في مقدار تأثيرهما. ونحن في هذا المقال لا نسعى إلى البحث عن الجذور والمسار التاريخيّ لهما، كما أنّ هذا الجانب لا يحتوي على كبير أهمّية بالنسبة إلى بحثنا([4]). نعم، تعاطي الإسلام ـ منذ ظهوره وانتشاره، وبعد ذلك في عصر الأئمة المعصومين^ ـ مع هذه المقولة له تأثير كبير في استنباط الحكم الشرعيّ.
أما الروايات الواردة في مصادرنا فإنّ عدداً ليس بالقليل منها يحثّ على تلاوة القرآن بصوت حسن([5]).
وعلى الرغم من ذلك فإنّ سلاطين بني أمية وبني العبّاس في عصر الأئمّة^ قد عمدوا إلى توظيف «الغناء والموسيقى» في إطار اللهو ومجالس الخمور والفحشاء والفساد والهوى. إنّ هؤلاء السلاطين كانوا ينفقون في بعض الأحيان أموالاً طائلة على الموسيقيّين والمطربين، وكانت مجالسهم مصحوبةً في الغالب بشرب الخمور وغير ذلك من المحرَّمات والموبقات. وهذا ما يذكره الكثير من المؤرِّخين في كتبهم، وخاصّة أبو الفرج الإصفهاني في كتاب «الأغاني»، الذي يعدّ كتاباً خاصّاً بموضوع الغناء والعازفين والشعر والأدب، وقد تعرّض للكثير من القصص التي تعكس هذه الحقيقة([6]). بل إنّ بعض الروايات الواردة عن المعصومين^ في هذا المجال تشير بوضوح إلى هذه المجالس. وعلى أيّة حال فإنّ الغناء وإنْ أُسيء استغلالُه على هذا النحو من قبل هؤلاء الأمراء والسلاطين، إلاّ أنّ توظيفه لم يكن مقصوراً على هذا الصنف من السلاطين، وهذا النوع من المجالس.
وفي العصر الراهن ـ كما في العصور الغابرة ـ يتمّ التعاطي مع مقولة الموسيقى والغناء بمختلف الأشكال والأهداف. وبالتناسب مع هذه الأهداف والدوافع يتمّ عرض وإنتاج الكثير من أنواعهما، وتقديمها إلى المخاطبين.
إنّ هذه الأنواع المختلفة تؤدّي أحياناً إلى تخدير روح الإنسان، وجميع أعضائه وجوارحه، وتعمل على توظيفها واستخدامها في الأهواء والشهوات، والتشجيع على العنف، والدعوة إلى العنصريّة والكراهية وما إلى ذلك؛ بينما يعمل البعض الآخر على العكس من ذلك تماماً، حيث يدعو المخاطبين إلى المحبّة والتعاطف مع الإنسانية، والحثّ على الشجاعة، ومقارعة الظلم، ونصرة المظلومين، ومحاربة الظالمين، وتعزيز روح التضحية والاستشهاد، والإيثار، بل والدعوة إلى التوحيد، وإشاعة الأحكام، وما إلى ذلك([7]).
إنّ هذا التشتُّت والاختلاف في الأنواع المذكورة يترك المكلَّف في حيرة من أمره. أجل، يعلم الجميع جيّداً ودون أدنى تردّد بأنّ بعض أنواع الغناء والموسيقى هو بالوجدان من مصاديق «الغناء والموسيقى» المحرّمة من الناحية الشرعيّة، والتي تستوجب لذلك سخط الربّ. ولكن في الوقت نفسه هناك أنواع أخرى من الموسيقى والغناء ذات طابع مختلف تمام الاختلاف عن القسم الأوّل، بل إنّها ذات أهداف هي غاية في النبل والرفعة، وعليه لا يمكن أن تدخل في ما يوجب سخط الشارع المقدَّس وغضبه.
وحصيلة ما تقدّم: إنّ «الغناء والموسيقى» مثل سائر المقولات الأخرى ـ من قبيل: الحاسب الآلي، والراديو، والتلفاز، والأقمار الصناعيّة، وشبكة الإنترنت ـ لهما أبعاد وحدود مختلفة ومتعدّدة. فيمكن توظيفهما في إطار الأهداف الهدّامة والمضلّة، وتسفيه الأحلام، وإهدار الطاقات الشابّة والفاعلة في المجتمع، كما يمكن الاستفادة منهما في بلوغ الأهداف السامية، من قبيل: ترويج العلم والفكر، وخلق الحوافز والدوافع الروحيّة والعاطفيّة في المسار الصحيح، والتعريف بالمعصومين^ وسجاياهم ومناقبهم ومكارم أخلاقهم.
ويبدو في هذه اللحظة الراهنة ـ التي شمّر فيها أعداء الإسلام عن سواعدهم من أجل تشويه الدين الإسلامي الحنيف، وإظهار الإسلام المحمّدي الأصيل والناصع بوصفه ديناً رجعيّاً يخالف مظاهر الجمال ـ أنّ الواجب يدعونا إلى تقحُّم الاحتياط، وبذل جهود مضاعفة ودقيقة لاستنباط الأحكام الشرعيّة المتناسبة وحاجة المجتمعات المعاصرة، والنظر إلى النصوص والمصادر الدينيّة برؤية جديدة يتمّ فيها تجنّب ما يستجلب سخط الله على نحو القطع واليقين؛ إذ من غير المنطقيّ أن ندعو إلى نبذ ذلك القسم من «الموسيقى والغناء» الذي لا يشتمل على أيّ أثرٍ من الضلال والفساد، بل تترتَّب عليه أهداف سامية، من قبيل: الدعوة إلى الصلاح، والابتعاد عن القبائح؛ لمجرّد الشكّ والشبهة في حلّيتها وإباحتها.
والأهمّ من ذلك أنّ هذه هي الوسيلة التي يعمد أعداؤنا إلى توظيفها ضدّنا. وعليه يتعيّن علينا محاربتهم بنفس السلاح، وتوجيه الجانب الإيجابي منه إلى ذات المخاطبين، وبذلك نردّ كيد الأعداء إلى نحورهم.
واليوم، حيث ترتبط حياة جميع الناس بشكلٍ لا إراديّ بالأدوات والأجهزة الحديثة، ووسائل الإعلام والتواصل، ارتباطاً وثيقاً، فتطرح تساؤلات وشبهات متعدّدة من قبل العدو والصديق، وبشكل مقصود أو عفويّ، يجدر بنا من خلال نظرة واعية ومتعمّقة تتناسب وحاجة العصر والمجتمع أن نعمل على رفع الكثير من الغموض، والعثور على حلول جذريّة للمشاكل الدينيّة المستعصية من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وتقديم إجابات مناسبة وواضحة وعلميّة عن هذا النوع من التساؤلات، بحيث تقنع المكلَّفين والمتشرِّعة في ما يتعلق بهذا النوع من الشبهات. وإننا نجد نماذج من هذه الأسئلة من خلال نظرة عابرة نلقيها على ركام الاستفتاءات المرفوعة إلى العلماء الأعلام بشأن «الموسيقى والغناء». وهي أسئلة من قبيل:
1ـ ما هو مفهوم الغناء؟
2ـ ما هو مفهوم الموسيقى؟
3ـ ما هي نقاط الاشتراك والاختلاف بين الموسيقى والغناء؟
4ـ هل يمكن توظيف الغناء في تجويد القرآن الكريم، ورثاء الإمام الحسين× وسائر الأئمّة من أهل البيت^؟
5ـ هل الغناء حرامٌ بقولٍ مطلق؟
6ـ إذا لم يكن الغناء حراماً بقولٍ مطلق فما هي حدود المحرّم منه؟
7ـ ما هو الحكم عند الشكّ في مصاديق الحرمة ومواردها؟
8ـ إذا كان الملاك في حرمة «الموسيقى والغناء» هو اشتمالهما على اللهو واللعب والضلال فما هو حكم الغناء الذي لا يشتمل على شيء من ذلك؟
9ـ ما هو حكم الاستماع إلى الابتهالات والتواشيح والمراثي والقصائد الجميلة التي تقال في التوحيد ومناقب وفضائل النبيّ الأكرم وأهل بيته^؟
10ـ ما هو حكم الكثير من البرامج التعليميّة على جميع المستويات ـ الأعمّ من الصغار واليافعين والشباب، وحتى كبار السنّ ـ حيث تدخل «الموسيقى والغناء» فيها بدافع رفع المستوى الكيفيّ في عمليّة التعليم؟
11ـ هل يمكن لما يتمّ بثه من الإذاعة والتلفزة المحسوبة على الجمهورية الإسلامية أن يكون مناطاً وملاكاً لحلّية وإباحة هذا النوع من «الموسيقى والغناء» أم لا؟
وحيث إننا نجد الإجابة عن المسائل المستحدثة والمشاكل المعقَّدة التي تشغل بال المتديِّنين والمتشرّعين من أهمّ الواجبات الملقاة على عاتق الحوزة العلميّة نسعى في هذه السلسلة إلى العثور على إجابات متقنة ومستدلّة عن هذه التساؤلات والشبهات المطروحة.
وفي هذا الإطار فإنّ الأمر الواضح الذي لا يمكن إنكاره هو الحاجة الماسّة في الرجوع إلى مصادر الاستنباط الفقهيّ من القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، والنظر فيها نظرة مغايرة عن النظرة السابقة، والحصول على استنباطات عصريّة مستندة إلى آراء السلف الصالح في إطار الحفاظ على الفقه الجعفريّ وصيانته.
ومن الجدير بالذكر أنّنا رغم اعتبارنا المبالغة في الاحتياط والجمود على الآراء المتقدّمة منافياً للتفقُّه الحقيقي، وعلى الرغم من قولنا بأنّ الخشية من الجهر بالآراء الجديدة تؤدّي إلى الإحباط، والظنّ بعدم إمكان تطبيق الدين الإسلامي الحنيف على جميع الأزمنة والأمكنة، لا نسعى أبداً إلى تبرير ما يوجب وهن الدين ورموزه.
تعريف الموسيقى
تعرّض المغفور له الأستاذ «محمد علي تربيت» ـ في مقالٍ له تحت عنوان «الموسيقى وخبراء الموسيقى في إيران»([8]) ـ إلى ذكر مطالب قيّمة في شأن الجذور التاريخيّة للموسيقى، ومعانيها اللغويّة والعرفيّة، ننقل جوانب منها بتلخيصٍ شديد:
«الموسيقى مصطلح مركَّب من كلمتين، هما: «موسي»، و«قى». وكلمة «موسي» في اللغة اليونانية تعني النغمة والنشيد، وأما كلمة «قي» فتعني المنسجم والموزون والمتناغم. وهناك مَنْ قال بأنّ «الموسيقاقيا» عنوانٌ أطلقه علماء الإغريق على الفلك الأعظم، ونسبوا فنّ النغم إلى ذلك الفلك؛ لشرفه وعلوّ منزلته، فدعوه بـ «الموسيقى». وجاء في «مصطلحات بهار العجم»: تطلق كلمة «الموسيقى» في اللغة السريانيّة على فنّ الغناء.
وقد ذهب قدامى الفلاسفة إلى تصنيف فنّ الموسيقى ضمن أقسام الرياضيات، واعتبروه جزءاً من أجزاء الحكمة.
وبناءً على تعريف المتأخِّرين من العلماء تعدّ الموسيقى من الصناعات الجميلة والمستظرفة، بمعنى أنها من جملة الفنون المنسوبة إلى الظرافة واللطافة والجمال، والتي تنجذب النفوس والطبائع البشرية إلى سماعها ورؤيتها.
إنّ الواضع والمؤسِّس الحقيقيّ لفنّ الموسيقى ومبدأ ظهورها ـ كسائر الصناعات الأخرى ـ مجهولٌ، فبدايتُها التاريخية غيرُ معلومة، وتعمد كلّ أمة وطائفة إلى نسبة الموسيقى إلى أحد مشاهيرها، مختلقةً لذلك القصص والأساطير.
إنّ الموسيقى، مثل: الشعر، صنعةٌ ولدت بولادة نوع الإنسان، وتكاملت مع تكامله، حتّى وصلت إلى ما وصلت إليه في الوقت الراهن. فكما أنّ جميع لغات البشر مؤلّفة من الأصوات الطبيعيّة فإنّ صناعة الغناء والألحان قد تألّفت من الاستماع إلى أصوات الطبيعة.
قال أبو نصر الفارابي في كتاب «الموسيقى»: «كما أنّ الأصوات الطبيعيّة بمنزلة الأدوية والعقاقير التي تشفى بسبب سماعها أمزجة المستمعين فإنّ الأصوات الناشزة بمنزلة السموم الفتّاكة؛ إذ إنّها تصمّ آذان السامعين وتقرّبهم من حتوفهم، من قبيل: أصوات جلاجل المصريّين، وبعض آلات الروميّين، من قبيل: الأرغنون، والآلات المصوّتة لدى الإيرانيّين، التي لا تستعمل إلاّ في الحروب فقط»([9]).
هذا وقد تمّ تعريف الموسيقى بتعابير من قبيل: علم الأصوات، أو الأصوات المشتملة على الإيقاع واللحن أو النغم. إنّ الموسيقى تعريب لكلمة (Mousike) في اللغة اليونانية، ويعادلها في اللغة الإنجليزية (Music).
وقد تسرّب مصطلح الموسيقى إلى اللغة العربية بعد تأسيس «بيت الحكمة» في العصر العباسيّ، واتّساع رقعة الترجمة، فحلّت محلّ كلمة الغناء في اللغة العربيّة. كما جاء التعبير بمصطلح «الموسيقى» في مؤلّفات الفارابي وابن سينا والخوارزمي ورسائل إخوان الصفا، فقيل: «الموسيقى معناه تأليف الألحان واللغة اليونانيّة». والتأليف هو التركيب (Composition)، والألحان جمع لحن (Melody). وقيل أيضاً: «إنّ الموسيقى هي الغناء». وإنّ مصطلح الغناء في العربية يعني المفهوم الفعلي (Sing) والإسمي (Song) الناظر إلى الموسيقى المنغّمة.
«وفي العصر الراهن، يطلق مصطلح «الموسيقى» على الأصوات الصادرة عن الآلات الموسيقيّة، ويطلق الغناء على الإنشاد المصحوب بالموسيقى. ومن بين الكلمات المشتقّة من الموسيقى: الموسيقور والموسيقار، التي اعتبرها الخوارزمي «سميّ المطرب ومؤلِّف الألحان» أي الموسيقيّ (Musician) والملحِّن. كما ذهب إخوان الصفا في رسائلهم إلى تعريف أدوات الموسيقى وآلاتها بـ «الموسيقات هي آلة الغناء».
وقيل في تعريف الموسيقى أو اللحن: «تطلق الموسيقى على مجموعة من النغمات المتلاحقة والمتعاقبة بشكلٍ منتظم، وتطلق أحياناً على مجموعة من النُّوطَات الموازية للحروف والألفاظ والكلمات الشعريّة المؤلّفة لغاية بيان مفهوم ومعنى خاصّ. بيد أنّ المحقِّقين في الوقت الراهن يُطلِقون مصطلح الموسيقى على صوت الآلات، والغناء على الإنشاد المقترن باللحن. والإيقاع والضرب هو ما يُعبر عنه في اللغة الإنجليزية بـ (Rhythm). ويمكن اعتبار الموسيقى مزيجاً من الألحان والنغمات والنوطات المشتملة على الإيقاع الموزون والمنسجم.
إنّ العنصر الرئيس في الموسيقى هو الصوت وما يشتمل عليه الصوت من الحركات والسكنات وحروف المدّ، وهو ما يظهر بفعل النسب الرياضية. ومن جهة أخرى فإنّ جميع قواعد الموسيقى ترتبط بذوق وقريحة الموسيقار أيضاً، ومن هنا يطلق على الموسيقى عنوان الفنّ»([10]).
الجذور التاريخية لبحث الغناء في كتب الفقهاء
رغم أنّ مسألة الغناء تعتبر من أهمّ الفروع الفقهيّة الهامّة، ولكنها حتّى القرن الحادي عشر للهجرة، أي في نهاية المرحلة الصفويّة، كانت تُذكر بوصفها فرعاً غير مبتلىً به، وتُبيَّن على هامش سائر البحوث الفقهية بشكل غير مستقلّ. فتُعْرَض مثلاً في طيّات بحوث بيع وشراء آلات اللهو واللعب، والجارية المغنّية، أو في باب المكاسب المحرَّمة، أو في كتاب الشهادات، وكتاب الحدود، وكتاب النكاح([11]). ولكن يبدو أنه منذ ذلك الحين، حيث شاعت ثقافة الصوفيّة وانتشرت أدبيّاتهم ومفرداتهم، ومنها: مسألة السماع والغناء من جهة، وظهور النظريّات المعروفة للفيض الكاشانيّ والمحقِّق السبزواري في هذا الباب من جهة أخرى، فتح الباب أمام تدوين العديد من الرسائل المستقلّة في هذا الاتجاه([12]).
كما عمد بعض الفقهاء الكبار إلى معالجة هذا الموضوع برؤية مستقلّة في كتبهم، إلى جانب المسائل الأخرى، وبشكل تفصيليّ. ومن بين هؤلاء الفقهاء يمكن لنا أن نذكر الشيخ النراقي في كتابه «مستند الشيعة»، والسيد جواد العاملي في كتابه «مفتاح الكرامة»، والسيد عليّ الطباطبائي في كتابه «رياض المسائل»، والشيخ محمّد حسن النجفيّ في كتابه «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام»، والشيخ الأنصاريّ في كتاب «المكاسب».
ومع ذلك لا نتوصّل من خلال الرجوع إلى هذا الكمّ الكبير من الكتابات والرسائل إلى مفهوم واضح للغناء؛ إذ لم يتَّفق جميع علماء اللغة والفقهاء على معنى واحد واضح وملموس لمفهوم الغناء، وبذلك كان «مفهوم الغناء» أحد أبرز مصاديق المفاهيم المجمَلة.
وفي ما يلي سوف نعمد إلى استعراض بعض تعريفات الغناء المنقولة عن اللغويّين، وكذلك بعض كبار الفقهاء، ليقف القارئ بنفسه على الإجمال والغموض في هذا الشأن:
تعريف الغناء
1ـ الغناء لغةً
نرى من المناسب هنا أن نذكر تعريف بعض مشاهير اللغويّين أوّلاً، لنعمد بعد ذلك إلى البحث فيها.
قال فخر الدين الطريحي في «مجمع البحرين»: «الغِناء ككِساء: الصوت المشتمل على الترجيع، سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما»([13]).
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: «الغناء: ممدودٌ في الصوت»([14]).
وجاء في تعبير الفيّومي في «المصباح المنير»: «الغِناء مثل كِتاب: الصوت، وقياسه الضمّ؛ لأنّه صوت» ([15])، أي إنه طبقاً لقواعد الصرف مضموم الغين (غُناء)؛ لأنّ القياس والقاعدة في أسماء الصوت أن تأتي على وزن فُعال.
وقال الزبيدي في «تاج العروس»، والفيروزآبادي في «القاموس المحيط»: «غِناء ككِساء: من الصوت ما طرب به»([16]).
وقال الجوهري في «الصحاح»: «الغِناء بالكسر من السماع»([17]).
وقال الأزهري في «تهذيب اللغة»، في مادة (غني)، على هامش الحديث النبوي الشريف الذي أذن فيه بالتغنّي بالقرآن الكريم: عن أبي العبّاس أنّه قال: «التغنّي هنا على معنيين: الأوّل: الاستغناء وعدم الافتقار؛ والثاني: الغناء والطرب… ثمّ أضاف قائلاً: فمَنْ ذهب به إلى الاستغناء فهو من الغنى مقصورٌ، ومَنْ ذهب به إلى التطريب فهو من الغناء، الصوت الممدود»([18]).
وقال ابن الأثير في «النهاية»: «قال الشافعيّ: معناه تحسين القراءة وترقيقها، ويشهد له الحديث الآخر: «زيّنوا القرآن بأصواتكم»، وكلُّ مَنْ رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء»([19]).
وقال ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة»: «الغناء من الصوت»([20]).
وجاء في «أقرب الموارد»، بعد نقله عبارة «المصباح المنير»: «وقال في الكلّيات: الغُناء بالضمّ والمد: التغنّي، ولا يتحقَّق ذلك إلا بكون الألحان من الشعر وانضمام التصفيق لها، فهو من أنواع اللعب»([21]).
وهكذا الحال في ما ذكره ابن منظور الأفريقيّ في «لسان العرب»، فإنّه عين عبارات متقدّمي اللغويين؛ حيث ذكر عبارة الأزهري والجوهري وابن الأثير، ونقل كلام الأصمعي بالواسطة، وكأنه لم يتوصّل إلى مفهوم ومعنىً واضح من مجموع هذه الكلمات والنقول لمفردة الغناء، ولكنْ يُحتمل أنه يوافق ما ذهب إليه الجوهري في الصحاح، وذلك حيث يروي عن الأصمعي قائلاً: «الغِناء بالكسر من السماع» ([22]).
من مجموع ما ذكر عن أعمدة اللغة وأساطينها يتّضح للمتأمِّل عدم بيان معنى واحد لهذه الكلمة. وبالالتفات إلى أنّ أكثر هذه التعريفات تذكر كلمات من قبيل: «الطرب» و«الترجيع» يجدر بنا إيضاح هاتين المفردتين أيضاً.
قال الجوهري في شأن «الطرب»: «خفّةٌ تصيب الإنسان؛ لشدّة حزن أو سرور»([23])، ثمّ استطرد قائلاً: «التطريب في الصوت: مدّه وتحسينه»([24]).
وقال أيضاً في شأن الترجيع: «ترجيع الصوت: ترديده في الحلق»([25]).
يبدو أنّ أهل اللغة والفقهاء قد تمسّك كلّ واحدٍ منهم في تعريف الغناء بعباراتٍ أو كلمات خاصّة، وقد سعى الجميع إلى بيان معنىً واحد وواضح لتلك الكلمة، وإلاّ فإنّها بأجمعها تحكي عن حالةٍ واحدة في الشخص المكلَّف، كما التفت إلى ذلك المحقّق السبزواري([26])، وأشار إليه بشكل جيّد.
2ـ الغناء في كلمات الفقهاء
قال العلاّمة الحلّي في تعريف الغناء: «وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، وإنْ كان في القرآن»([27]). وذكر شبيه هذه العبارة في كتاب «التحرير»([28]). وقال في كتاب «القواعد»: «والغناء حرامٌ يفسق فاعله، وهو ترجيع الصوت ومدّه»([29]).
وأما الفاضل المقداد، فقال: «المراد بالغناء ما سمّي في العرف غناءً، وقيل: هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع مع الإطراب، والأوّل أولى»([30]).
وقال الشهيد الثاني: «وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما سمّي في العرف غناءً وإن لم يُطرب؛ سواءٌ كان في شعرٍ أم قرآنٍ أو غيرهما»([31]). وقد ذكر هذه العبارة عينها، من دون «أو غيرهما»، في كتابه «غاية المرام» أيضاً([32]).
واستعرض المحقِّق الحلّي في كتاب «الشهادات»([33]) ما يشبه هذا التعريف، في معرض تعداده الذنوب التي يرتكبها الفاسق.
وقد ارتضى المحقِّق الكركي في «جامع المقاصد» تعريف الشهيد الأوّل في «الدروس الشرعيّة»، وعمد إلى بيانه على النحو التالي: «والمراد به على ما في الدروس: مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب»([34]).
وقال السيد عليّ الطباطبائي في «رياض المسائل»: «وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يُسمّى في العرف غناءً وإنْ لم يُطرب، سواءٌ كان في شعر أو قرآن أو غيرهما»([35]). وهو عين التعريف الذي أورده الشهيد الثاني.
وقد عمد المحقِّق البحراني في تعريف الغناء الحرام إلى نقل الكلام التالي، الذي اختاره بعد نسبته إلى الشهيد الثاني في «المسالك»: «الغِناء بالمدّ ككِساء، قيل: هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فلا يحرم بدون الوصفين، أعني الترجيع والإطراب»([36]).
وقال صاحب الجواهر، بعد نقل كلمات اللغويّين وبعض الأصحاب في تعريف الغناء: «فيُعلم كون المراد كيفية خاصّة منها موكولة إلى العرف، كما هي العادة في بيان مثال ذلك»([37]).
وقال الإمام الخمينيّ& في «تحرير الوسيلة»: «وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي، ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ، من قراءة القرآن والدعاء والمرثيّة، وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله في ما يُطاع به الله تعالى»([38]).
وقال في «المكاسب المحرّمة» أيضاً: «فالأولى تعريف الغناء بأنه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسنٌ ذاتيٌّ، ولو في الجملة، وله شأنيّة إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس»([39]). ثم أشكل على تعريف المشهور قائلاً: «وبما ذكرناه تظهر الخدشة في الحدّ المنسوب إلى المشهور، وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فإنّ الغناء لا يتقوّم بالمدّ، ولا الترجيع، ففي كثير من أقسامه لا يكون مدٌّ ولا ترجيع»([40]).
وقال السيد الخوئيّ: «والتحقيق أنّ المستفاد من مجموع الروايات ـ بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ هو ما ذكره المصنِّف من حيث الكبرى. وتوضيح ذلك: إنّ الغناء المحرَّم عبارة عن الصوت المرجَّع فيه على سبيل اللهو والباطل والإضلال عن الحقّ، سواءٌ تحقّق في كلام باطل أم في كلام حقّ، وسمّاه في الصحاح بالسماع، ويعبّر عنه في لغة الفرس بكلمة: (دو بيت)، و(سرود)، و(بسته)، و(آواز خواندن)»([41]).
وقال الشيخ النراقي في كتاب «مستند الشيعة»: «إنّ كلمات العلماء من اللغويين والأدباء والفقهاء مختلفة في تفسير الغناء. ففسَّره بعضهم بالصوت المطرب؛ وآخر بالصوت المشتمل على الترجيع؛ وثالث بالصوت المشتمل على الترجيع والإطراب معاً؛ ورابع بالترجيع؛ وخامس بالتطريب؛ وسادس بالترجيع مع التطريب؛ وسابع برفع الصوت مع الترجيع؛ وثامن بمدّ الصوت؛ وتاسع بمدّه مع أحد الوصفين أو كلَيْهما؛ وعاشر بتحسين الصوت؛ وحادي عشر بمدّ الصوت وموالاته؛ وثاني عشر ـ وهو الغزالي ـ بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب. ولا دليل تامّاً على تعيين أحد هذه المعاني أصلاً. نعم، يكون القدر المتيقَّن من الجميع المتَّفق عليه في الصدق ـ وهو: مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، الأعمّ من السارّ والمحزن، المفهم لمعنى ـ غناءً قطعاً عند جميع أرباب هذه الأقوال، فلو لم يكن هنا قولٌ آخر يكون هذا القدر المتَّفق عليه غناءً قطعاً»([42]).
أما المحقِّق السبزواري في «كفاية الأحكام» فقد عمد ـ كما صنع الشيخ النراقي ـ إلى استعراض التعريفات المختلفة التي ذكرها العلماء لمفهوم الغناء([43]).
ممّا تقدَّم ذكره من تعريفات الفقهاء لمفهوم الغناء يثبت عدم إمكان تعيين مفهوم الغناء بشكلٍ محدَّد. ولكن يمكن القول بأنّ عناصره المكوِّنة له عند الفقهاء عبارة عن: الصوت، والصوت الممدود، والكلام الموزون والمنغَّم والجميل، والكلام المطرب، والمناسب لمجالس اللهو المقترن بالباطل والمحرَّمات الأخرى، وما يعتبره العرف من الغناء.
بيد أنّه من خلال التدقيق في التعريفات المطروحة من قبل الفقهاء يمكن القول بأنّهم انقسموا في تعريف مفهوم الغناء إلى قسمين، وهما:
1ـ المجموعة التي تدخل إحدى خصائص الصوت في تعريف الغناء، من قبيل: المدّ، وتدويره في الحلق، مع ذكر قيد الترجيع والإطراب. وهؤلاء هم: المحقِّق الحلّي في الشرائع، والعلاّمة الحلّي في إرشاد الأذهان والتحرير، والشهيد الأوّل في الدروس، والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، و….
2ـ المجموعة التي تركت تحديد مصداق الغناء وتعريفه إلى العرف، وهم: الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، وفي شرح اللمعة، والشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، والسيد عليّ الطباطبائي في الرياض، و….
وحيث إنّ الغناء ظاهرةٌ عرفيّة واجتماعيّة بالكامل ـ ويحتمل قوياً أنّ هذا هو السبب في عدم تصريح الروايات بتعريفه ـ يبدو أنّ حكمه يختلف باختلاف الشرائط والظروف، ومن بينها الزمان والمكان.
من هنا يمكن لنا أن ندرك بوضوحٍ سبب عدم إمكان العثور على تعريف مجمع عليه من قبل اللغويين، الذين يشكّلون المصدر الرئيس لكلمات الفقهاء في تعريف الغناء. ولهذا السبب أيضاً نجد بعض الفقهاء في تعريف الغناء قد أضاف الإحالة إلى العرف، وحتّى أولئك الذين لم يصرِّحوا بالإحالة إلى العرف كانوا في صدد تعريف الغناء عرفيّاً، وهذا هو السبب الرئيس في رجوعهم إلى اللغويين، والاختلاف في هذه التعريفات.
قال السيد جواد العاملي في «مفتاح الكرامة»: «إنّ ما ذكره الفقهاء في تعريف الغناء بـ (مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب) إنما هو من باب التعريف العرفيّ؛ لأنّ العرف لا يفهم من الغناء إلاّ ذلك. وعليه فإنّ التعريف الأوّل يعود إلى هذا التعريف الثاني، الذي ذكره الفاضل المقداد والشهيد الثاني، بل قد نقول: إنّ المعنى المشهور يحكم العرف بسواه، ويرشد إلى ذلك أنّ جماعة ممَّنْ عرَّفه، كالمحقِّق في شهادات الشرائع والمصنِّف في الكتاب والتحرير والإرشاد، لم يذكروا له إلاّ المعنى المشهور، وما ذلك إلاّ لأنّه هو الذي يحكم به العرف»([44]).
حكم الغناء
ينقسم الفقهاء في هذا المجال إلى قسمين، وهما:
1ـ الجماعة التي ذهبت إلى تحريم الغناء بقولٍ مطلق، كالشهيد الثاني، والمحقِّق الكركي؛ إذ تعتقد هذه المجموعة أنّ جميع أنواع الغناء حرامٌ، وأنّ الحكم واقع على الغناء في نفسه، سواء اقترن بشيء آخر أو كان على كيفيّة خاصّة أم لا. وهذا هو القول المعروف والمشهور، بل ادُّعي الإجماع عليه.
2ـ أما المجموعة الأخرى، كالمحقِّق السبزواري والفيض الكاشاني، فقد ذهبت إلى القول بالتفصيل، عبر تحريم قسمٍ منه، وإباحة قسمٍ آخر. ولم تذهب هذه المجموعة إلى القوم بحرمة الغناء لذاته، وإنّما لأمرٍ عارضٍ عليه، معتقدةً أنّ طريقة أداء الغناء واقترانه بالمحرّمات هي التي تؤدّي إلى حرمته.
ومن هنا إذا اقترن الغناء بما هو في مضمونه محرَّم أو اشتمل على حرامٍ كان حراماً، دون أن تكون حرمته ذاتيّةً.
وباعتقادنا فإنّ الصناعة الفقهيّة تقتضي الحرمة المضمونيّة، دون الذاتيّة.
الأصل العمليّ في المسألة
بالالتفات إلى قصور أدلّة الحرمة الذاتيّة للغناء ـ التي سنخوض في بحثها ـ فإنّنا في موارد الشكّ في الغناء الذي لا يحتوي على مضمون محرَّم، ولم يقترن بما هو محرَّم، نرى أنّ الأصل يقتضي القول بإباحته؛ لأنّ القدر المتيقَّن من دلالة أدلّة الحرمة هو أن يقترن بفعلٍ محرَّم، أو أن يكون مضمونه حراماً؛ لأن مقتضى الأدلة العقليّة، بل الإجماع والكتاب والسنّة، هو أصل البراءة في موارد الشبهات الحكميّة. وفي هذا المورد أيضاً ـ كما سنذكر ـ نجد الأدلّة التي تُساق لبيان حرمة أصل الغناء غير تامّة، وعليه يُحكم بالبراءة في الموارد التي لا يقترن فيها الغناء بفعل محرَّم.
وعلى هذا الأساس الذي اخترناه لو مارس المكلَّف الغناء المحرَّم يكون في الواقع قد أتى بفعلين محرَّمين، هما: 1ـ الغناء؛ و2ـ الفعل الحرام الذي اقترن بالغناء.
وقبل الدخول في بيان أدلّة الطرفين من الضروريّ التذكير بأنّ أدلّة القول المختار ـ وهو عدم حرمة الغناء لذاته ـ سوف ترِدُ تلقائيّاً في سياق ردِّنا على أدلّة القول الأوّل ـ وهو الحرمة الذاتيّة ـ.
أدلّة القائلين بالحرمة الذاتيّة للغناء
استند القائلون بحرمة الغناء لذاته في إثبات ادّعائهم إلى القرآن الكريم، والروايات الشريفة، والإجماع، والعقل، ذاكرين دليلاً من كلّ واحدٍ من هذه المصادر الأربعة.
وفي ما يلي نتعرّض إلى هذه الأدلة، وطريقة الاستدلال بها، وقصورها عن إثبات المدّعى. ومن ثم نبيّن كيفية دلالة هذه الأدلّة على القول المختار.
1ـ العقل
يمكن تقرير دليل العقل على الشكل التالي: حيث كان الفسق من الأمور المحرَّمة قطعاً فكلّ ما يستوجب الفسق يكون حراماً، من باب حرمة مقدّمة الحرام.
مناقشة الاستدلال
إنّ هذا الاستدلال غير تامّ؛ لأنّ ذا المقدّمة هنا هو (الفسق حرام)، وليس لدينا دليلٌ على حرمة المقدّمة لكونها مقدّمة؛ إذ لو كانت مقدّمة كلّ حرام حراماً لكان مرتكب كلّ فعل حرام مستحقّاً للعقاب بمقدار جميع مقدّمات ذلك الفعل، في حين أنّ الأمر ليس كذلك أبداً.
قال المحقِّق الخراساني في هذا الشأن: «وأمّا مقدّمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتّصف بالحرمة أو الكراهة؛ إذ منها ما يتمكّن معه من ترك الحرام أو المكروه اختياراً، كما كان متمكِّناً قبله، فلا دخل له أصلاً في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه، فلم يترشّح من طلبه طلب ترك مقدّمتهما»([45]).
2ـ الإجماع
ذكر صاحب الجواهر([46]) أنّ الإجماع بقسمَيْه: المنقول؛ والمحصَّل، يدلّ على حرمة الغناء.
مناقشة الاستدلال بالإجماع
لا يمكن اعتبار الإجماع هنا دليلاً كافياً أيضاً؛ وذلك لكون المسألة مصبّاً للاجتهاد واختلاف الآراء. نعم، قد يكون في الجملة وفي أحسن الحالات ـ أي في القدر المتيقَّن من الغناء ـ قابلاً للاعتماد. وعلاوةً على ذلك فإنّ هذا الإجماع مدركيّ؛ لاحتمال أن يكون مدركُه هو هذه الآيات والروايات مورد البحث. وهذا الاحتمال يبدو قريباً ـ بالرجوع إلى كتب الفقهاء ـ لكونهم قد استدلّوا بالروايات أيضاً إلى جانب ذكر هذا الإجماع. ومن باب المثال: نجد صاحب الجواهر يقول: «الرابع: ما هو محرّم في نفسه…»، ثم يستطرد قائلاً: «الغِناء بالكسر والمدّ، ككِساء، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، والسنّةُ متواترةٌ فيه، وفيها ما دلّ على أنّه من اللهو واللغو والزور المنهيّ عنها في كتاب الله»([47]).
وعليه فهذا الإجماع لا يمكن أن يكون حجّة؛ لأنّ الإجماع إنّما يكون حجّةً في مورد «ليس للنقل فيه دليل، ولا للعقل إليه سبيل».
3ـ الآيات الكريمة
استند القائلون بحرمة الغناء لذاته إلى آيات الكتاب الكريم. وحيث إنّ الروايات التفسيريّة في هذه الآيات هي التي تتمّ دراستها ومناقشتها أكثر من مناقشة الآيات نفسها فإننا سوف نتعرّض للبحث في الآيات، وكيفيّة الاستدلال بها، ضمن البحث عن الروايات المستدلّ بها.
4ـ الروايات الشريفة
تنقسم الروايات بدورها إلى عدّة أقسام:
أـ الروايات التفسيريّة
وردت الروايات التفسيريّة التي استدلّ بها على حرمة الغناء لذاته في سياق آيات ثلاثة من آيات القرآن الكريم، وهي:
أـ قوله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج: 30).
ونقتصر ـ من بين الروايات التي وردت في تفسير هذه الآية ـ على ثلاث روايات؛ لاعتبارها من الناحية السنديّة، وهي:
1ـ صحيحة زيد الشحّام، قال: «سألت أبا عبد الله× عن قول الله عزّ وجلّ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ؟ فقال: «الرجس من الأوثان: الشطرنج، وقول الزور: الغناء»([48]).
2ـ موثَّقة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله× عن قول الله عزّ وجلّ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ؟ فقال: «الغناء»([49]).
3ـ مرسلة ابن أبي عمير، قال: عن أبي عبد الله×، في قول الله تبارك وتعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: «الرجس من الأوثان هو الشطرنج، وقول الزور: الغناء»([50]).
إنّ التعبير بـ «اجتنبوا» يدلّ ـ بمادّته وهيئته ـ على وجوب الاجتناب، وإنّ «قول الزور» قد تمّ تفسيره بالغناء بشكلٍ صريح.
لكن لا شكّ في وضوح وصراحة دلالة هذه الروايات على حرمة الغناء، ولكنّ المشكلة تكمن في المصداق الذي حُمل عليه هذا الحكم الصريح والواضح. وبعبارة أخرى: إنّ موضوع هذا الحكم غير واضح. فهل المراد منه مطلق الغناء أم هو يُشير إلى موارد خاصّة؟
بالالتفات إلى أنّ الإمام× كان في كلّ واحدة من هذه الروايات الثلاثة في مقام الإجابة عن سؤال السائل، وكان «الغناء» في جميع هذه الموارد محلّى بـ «ال»، يفترض أن يكون معناه ومفهومه واضحاً حتّى للسائل نفسه، والدليل الذي يمكن افتراضه هنا هو رواج ذلك النوع الوحيد والمتعارف للغناء في فرض السؤال، والذي كان متداولاً في لسان الروايات في عصر صدورها، ومن هنا كان الإمام يستعمل الغناء معرفاً بـ «ال». ويحتمل أن يكون المراد من «ال» في هذه الموارد هي ما يستعمل للعهد الذهنيّ أو العهد الخارجيّ. وعليه يكون المراد هو ذلك النوع من الغناء المعهود في ذهن السائل.
وقد سبق أن ذكرنا أنّ الغناء الذي كان شائعاً في زمن صدور هذه الروايات هو إقامة مجالس الشرب واللهو واللعب وغناء الجواري وما إلى ذلك، والأماكن المعدّة لأمثال هذه الأمور، فتكون «ال» العهديّة ناظرةً إلى هذا النوع من المجالس والغناء السائد في ذلك الحين، وعليه لا يكون له إطلاق يشمل غير هذا النوع من الغناء. كما أنّه لو اعتبرنا المراد من «ال» هو استغراق الجنس يمكن القول: إنّ هذه الروايات كانت تعني هذا النوع من الغناء أيضاً، وعليه فإنها تنصرف انصرافاً كاملاً عن الغناء المجرَّد عن سائر المحرّمات.
وبعبارة أخرى: هناك دليلان على الدعوى القائلة بأنّ هذه الروايات في مقام بيان حرمة نوعٍ خاصّ من الغناء، وهما:
1ـ إنّ لفظ «الغناء» ناظرٌ إلى نوعٍ خاصّ، وهو الغناء المقرون بالمحرَّمات الأخرى.
2ـ إنّ لفظ «الغناء» منصرفٌ عن نوع خاصّ من الغناء المجرَّد عن سائر المحرَّمات.
فكيف يمكنك التخلّي عن هذا الاحتمال، وعدم اعتباره قويّاً أو مظنوناً وظاهراً عرفاً، في وقتٍ تعرّض له المحقِّقون الكبار، من أمثال: السبزواري والفيض الكاشاني، في كتبهم على أحسن وجهٍ؟!
قال المحقِّق السبزواري& في هذا الشأن: «المذكور في تلك الأخبار الغناء. والمفرد المعرَّف باللام لا يدلّ على العموم لغةً، وعمومه إنّما يستنبط من حيث إنه لا قرينة على إرادة الخاصّ، وإرادة بعض الأفراد من غير تعيين ينافي غرض الإفادة وسياق البيان والحكمة، فلابدّ من حمله على الاستغراق والعموم. وهاهنا ليس كذلك؛ لأنّ الشائع في ذلك الزمان الغناءُ على سبيل اللهو، من الجواري المغنّيات وغيرهنّ في مجالس الفجور والخمور، والعمل بالملاهي، والتكلّم بالباطل، وإسماعهنّ الرجال، وغيرها، فحملُ المفرد على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غيرُ بعيد»([51]).
وعلى أيّة حال فلبّ كلامه وجوهره هو أنّ استفادة العموم من اللفظ المحلّى بـ «ال» لم يكن من خلال الظهور اللفظيّ، وإنّما من مقدّمات الحكمة، وإنّ إحدى تلك المقدّمات عدم وجود قرينة على عدم إرادة بعض الأفراد. وفي موضوع بحثنا يشكّل شيوعُ قسم وفرد خاصّ من الغناء ـ أي الغناء اللهويّ ـ قرينةً حاليّةً على عدم العموم فيه، واختصاصه بالفرد الشائع والسائد؛ بسبب الانصراف.
وقال الفيض الكاشاني في «الوافي»: «والذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية وبني العباس، من دخول الرجال عليهنّ، وتكلّمهن بالأباطيل، ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرهما، دون ما سوى ذلك، كما يشعر به قوله×: ليست بالتي يدخل عليها الرجال»([52]).
ثمّ استطرد، بعد نقل كلام الشيخ وتفسيره، قائلاً: «وعلى هذا فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمِّنة ذكر الجنة والنار، والتشويق إلى دار القرار، ووصف نعم الله الملك الجبّار، وذكر العبادات والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات، ونحو ذلك». وهو شبيهٌ بما ذكره في «مفاتيح الشرائع»([53])، و«المحجّة البيضاء»([54]) أيضاً.
وقد اختار السيد مهدي الكشميري& رأيَ الفيض الكاشاني، معتبراً إيّاه أفضل الأقوال في المسألة، قائلاً: إنّ أحد الأدلّة على ذلك هو انصراف الروايات إلى الغناء المعهود في زمن سلاطين الجور. وإليك نصّ كلامه: «لانصراف أدلّة الغناء إلى ما كان متعارَفاً في زمن خلفاء الجور، من كونه مشتملاً على الملاهي، ومقترناً بالمعاصي. والظاهر أنّ هذا هو المنشأ لتفصيل المحدّث، ومن ساق مساقه في هذه المسألة، بين أفراد الغناء…، معترفاً بعدم دلالة دليل على حرمة الغناء على إطلاقه ومن حيث هو، بل من حيث عنوان آخر محرَّم من المحرَّمات المستقلّة الخارجية، متَّحد معه في مصداقه الخارجيّ»([55]).
وهناك من القائلين بعدم الحرمة الذاتيّة للغناء مَنْ استدلّ على وجود حقيقة عرفيّة للغناء في زمن الروايات، أي إنهم يدّعون شيوع الغناء اللهويّ في ذلك الزمن على شكل حقيقة عرفيّة، بحيث يكون للنهي الوارد في الروايات ظهورٌ في تلك الحقيقة العرفيّة. ومعه فلا يكون ما تمّ النهي عنه في هذه الروايات مطلقَ الغناء، بل خصوص الغناء اللهوي الذي تحوّل إلى حقيقة عرفيّة.
قال السيد ماجد البحراني& في هذا الشأن: «وبالجملة فإنّ شيوع التغنّي بالملهيات من الأصوات بلغ حدّاً حتى صار إطلاق الغناء على هذا الفرد حقيقة عرفيّة. وهذا يظهر لمَنْ تتبَّع التواريخ والسِّيَر. فالمراد من الغناء في الأحاديث التي وردت في ذمّه إنما هو الغناء العرفيّ، أعني الأصوات الملهية، التي يزيّنها ضرب آلات اللهو والتصدية والرقص»([56]).
إنّه& يسعى هنا في الحقيقة إلى لفت انتباه مخالفيه إلى أنّ الغناء المقترِن بسائر المحرّمات في عصر الأئمّة^ قد تحوّل إلى حقيقة عرفيّة، وبذلك فهو يدّعي أنّ ظهور الروايات إنّما هو في هذا النوع من الغناء. وهو بعد صفحات من ذلك يذكر أمراً في تأييد هذه العبارة المتقدّمة، الأمر الذي يعكس عمق اهتمامه الكبير بمدّعاه ومبناه الذي هو اختصاص الحرمة ـ من باب الحقيقة الثانويّة (العرفيّة) ـ بالغناء اللهويّ.
يقول&: «نحن معاشر القائلين بالتفصيل في هذا الغناء ندّعي أنّ الغناء المنهيّ عنه هو الأصوات الملهية، التي تتصدّاها الفتيات، وفسّاق الرجال، ويزيّنها ضرب الدفوف والعيدان. ولكثرة إطلاق الغناء على هذا الفرد الأخصّ صار حقيقة عرفيّة فيه»([57]).
إنّ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من القائلين بنفي الحرمة الذاتيّة، بل هو يرى أنّ أحكام الغناء على ثلاثة أقسام: فمنه المحرّم؛ ومنه المباح؛ ومنه المستحبّ أيضاً. فالحرام منه هو ما عبّر عنه الشرع في بعض النصوص بـ «ألحان أهل الفسق والكبائر»، قال: «والخلاصة أنّ مدّ الصوت وتحسينه وترجيعه هو الغناء مطلقاً. ولكنّ قسماً منه حرامٌ، وهو ما يوجب الخفّة والطيش وفقد التوازن العقليّ، وإليه الإشارة في الشرع بـ «لحون أهل الفسق والكبائر»؛ وقسمٌ مباحٌ أو مستحبٌّ، وهو كلّ ما لم يبلغ تلك المرتبة، وإن أوجب سروراً وارتياحاً، أو جلب حزناً وبكاءً وموعظةً وعبرةً، فإنّه مستحسن مطلقاً، ولا سيّما في القرآن والدعاء والشعر، كلُّ مقامٍ بحسب ما يناسبه.
وعلى هذا يُنزّل ما ورد من تقرير النبيّ| عبد الله بن رواحة على الحداء، وكان حسن الصوت؛ وما ورد من جواز غناء المغنّيات في الأعراس والأفراح. ولا يكون من باب الاستثناء من حرمة الغناء، كما ذكره الفقهاء. والمشكوك أنّه من الحرام أو المباح تجري فيه أصالة الإباحة»([58]).
ب ـ قوله تعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (الفرقان: 72).
فعلى الرغم من أنهم قد ذكروا العديد من المعاني لكلمة «الزور»، من قبيل: الكذب، والشرك، وأعياد أهل الذمّة([59])، فإنّ هناك من المفسِّرين ـ من أمثال: أبي الفضل الطبرسي([60])، والعلاّمة الطباطبائي([61]) ـ مَنْ ذهب إلى القول بأنّ معنى «الزور» هو مجالس الباطل، وأنّ من بين مصاديق الباطل مجالس الغناء. وقد جاء في رواية صحيحة السند تفسير «الزور» بالغناء. فعن محمد بن مسلم وأبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله×، في قول الله عزّ وجل: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال: «هو الغناء»([62]).
وعليه فمع الأخذ بعين الاعتبار المعنيين الأخيرين لكلمة «الزور» يمكن استنباط حرمة الغناء من هذه الآية.
لكن رغم أنّ دلالة هذه الرواية المعتَبَرة على حرمة الغناء تبدو قطعيةً فإنّه ترِدُ عليها نفس الوجوه التي وردت على الآية السابقة: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج: 30). مضافاً إلى أنّ هذه الآية في مقام بيان صفات المؤمنين وعباد الرحمن، ولا بدّ أن يتحلّى المؤمنون بصفات مستحبّة، لا ترقى إلى الوجوب. وعليه لا يمكن لنا أن نستفيد الوجوب من هذه الآية بالنسبة إلى مورد خاصٍّ من هذه الموارد.
ج ـ قوله تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (لقمان: 6).
وقد جاء في بعض الروايات تفسير «لهو الحديث» بالغناء. فعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر×، قال: سمعتُه يقول: «الغناء ممّا وعد الله عزّ وجل عليه النار، وتلا هذه الآية: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ»([63]).
كيفية الاستدلال، ومناقشته
نظراً لاشتمال الآية على الوعيد بالعذاب لمَنْ يرتكب لهو الحديث فإنّها تدلّ على حرمة الغناء. غير أنّ هذه الآية فيها دلالةٌ صريحةٌ على ما ندّعيه، وذلك حيث تقول: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فهذه الجملة تثبت أنّ العلة والسبب الحقيقيّ لحرمة الغناء هو الإضلال عن سبيل الله، وأنّ حرمة الغناء ليست ذاتيّة. فتكون هذه الرواية المفسِّرة في مقام بيان مصاديق الغناء الذي يُضلّ عن سبيل الله وموارده، وهو الغناء المعروف في زمن المعصومين^.
والإشكال الآخر الذي يرِدُ على دلالة هذه الآيات الثلاث هو أنّ «الغناء» من مقولة الصوت، فيما «الزور» و«لهو الحديث» من مقولة الكلام.
ب ـ روايات مجالس الغناء
استدلّ هنا بجملة روايات على الحرمة الذاتيّة للغناء، وهي:
1ـ مرسَلة إبراهيم بن محمد المديني، عمَّنْ ذكره، عن أبي عبد الله×، قال: سُئل عن الغناء وأنا حاضر، فقال: «لا تدخلوا بيوتاً اللهُ معرضٌ عنها»([64]).
2ـ رواية عليّ بن جعفر قال: سألتُه عن الرجل يتعمّد الغناء، يُجلَس إليه؟ قال: «لا»([65]).
3ـ صحيحة زيد الشحام: قال أبو عبد الله×: «بيتُ الغناء لا تؤمَن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله المَلَك»([66]).
طريقة الاستدلال
إنّ إعراض الله سبحانه وتعالى في مرسلة إبراهيم بن محمد دليلٌ على حرمة الغناء. وهكذا الأمر بالنسبة إلى العبارات النافية في الروايتين الأخيرتين؛ فإنّها تدلّ على حرمة الغناء حرمةً ذاتيّة.
مناقشة الاستدلال
يبدو أنّ كلمة «بيت الغناء» تركيبٌ مشابه لـ «بيت المال»، و«بيت الأحزان»، وأمثالهما، وأنه يستعمل في موضع ومكانٍ للمضاف إليه. وعليه فالمراد هنا هو المكان والموضع الذي خصّص لهذه الغاية، وليس كلّ موضع. وحتى لو كان مراد هذه الرواية كلّ بيتٍ يُغنّى فيه فإنّها لا تدلّ على أكثر من الكراهة، ولا يُستفاد منها الحرمة.
ففي ما يتعلَّق بالرواية الأولى ـ وهي مرسلة إبراهيم بن محمد ـ ليس في إعراض الله أيُّ ظهور في حرمة الغناء، وإنّما هي ظاهرةٌ في مرجوحيّته وكراهته.
وفي ما يتعلّق بالرواية الثانية والثالثة، اللتين ورد فيهما حكم المسألة بأجوبة خبريّة نافية، فلا يمكن أن نستفيد أكثر من الكراهة؛ لأنّ ظهور الجملة الخبريّة النافية في مقام الإنشاء في الحرمة موضع بحث وإشكال. والمحقِّق النراقي من بين الكبار الذين ذهبوا إلى القول بأنّ الجُمل الخبريّة لا ظهور لها في الوجوب والحرمة، ولا يمكن لنا أن نستفيد غير الاستحباب من الموجبة منها، والكراهة من السالبة كذلك، ناقلاً التصريح بهذا المعنى عن المقدَّس الأردبيلي، وصاحب المدارك، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار([67]).
ج ـ روايات الجواري المغنّيات (أجرتهنّ، وشراؤهنّ، وبيعهنّ)
طريقة الاستدلال ومناقشتها
إنّ هذه الطائفة من الروايات منعت من شراء وبيع الجواري المغنّيات، واعتبرت ثمنهنّ حراماً وسُحتاً. وحيث إنّ أصل شراء الجواري وبيعهنّ جائزٌ بلا إشكال لم يكن لهذه الحرمة من سبب آخر غير الغناء. وعليه يجب أن يكون الغناء حراماً حتّى يوجب حرمة هذه المعاملة.
ومن هذه الروايات:
1ـ رواية الحسن بن عليّ الوشّاء قال: سُئل أبو الحسن الرضا× عن شراء المغنّية؟ فقال: «قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلاّ ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار»([68]).
2ـ موثَّقة سعيد بن محمد الطاطري، عن أبيه، عن أبي عبد الله×، قال: سأله رجلٌ عن بيع الجواري المغنيات؟ فقال: «شراؤهنّ وبيعهنّ حرامٌ، وتعليمهنّ كفرٌ، واستماعهنّ نفاقٌ»([69]).
3ـ رواية معمر بن أبي خلاد، عن أبي الحسن الرضا×، قال: «خرجت وأنا أريد داوود بن عيسى بن عليّ، وكان ينزل بئر ميمون، وعليّ ثوبان غليظان، فرأيتُ امرأةً عجوزاً ومعها جاريتان؛ فقلت: يا عجوز، أتباع هاتان الجاريتان؟ فقالت: نعم، ولكن لا يشتريهما مثلك، قلتُ: ولِمَ؟ قالت: لأنّ إحداهما مغنّية، والأخرى زامرة»([70]).
وطبعاً فإنّ هذه الرواية إنّما تكون دليلاً على الحرمة إذا كانت العجوز البائعة قد تكلّمت بهذا الكلام عالمةً بحرمة عمل الجواري المغنّيات، وإلاّ فلو كان هذا الكلام منها ناظراً إلى علوّ شأن الإمام ومنزلته وترفُّعه عن مثل هذه الأمور لما كان في كلامها ما يدلّ على الحرمة.
4ـ رواية إبراهيم بن أبي البلاد قال:…فقلت له: إنّ مولى لك يقال له: إسحاق بن عمر قد أوصى عند موته ببيع جوارٍ له مغنّيات، وحمل الثمن إليك، وقد بعتهنّ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال×: «لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سُحتٌ، وتعليمهنّ كفرٌ، والاستماع منهنّ نفاقٌ، وثمنهنّ سُحتٌ»([71]).
إنّ هذه الرواية وإنْ اشتملت على حكمٍ صريحٍ وواضحٍ بحرمة الغناء، إلاّ أنّ الإنصاف يقتضي أنّ موضوع الغناء ومصداقه فيها غيرُ واضح أبداً، وأنّ ما ذكرناه في سائر الروايات يرِدُ هنا أيضاً.
هذا مضافاً إلى أنّ أسلوب مواجهة الأئمّة^ لمسألة شراء وبيع الجواري المغنّيات، واشتهارهم في النهي عن هذه المعاملة، وتشبيه ثمن المغنّيات بثمن الكلب، واعتبار تعليمهنّ كفراً، يحكي بأجمعه عن نوع من المواجهة المتكافئة من قِبَلهم لما كان سائداً في عصرهم، وهو الشيء الذي كان بنو العباس في صدد الترويج له وإشاعته من التحلُّل والفسق والفجور وما إلى ذلك.
ومن ثمّ فإنّنا إذا أخذنا بإطلاق الروايات الدالّة على الحرمة سيقع التعارض بينها وبين الروايات الدالّة على الحِلّ والإباحة. وعليه يجب الجمع بينهما. وخيرُ طريقة للجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات هو ما ذكرناه من حمل الروايات الناهية على الغناء والموسيقى المقترنة باللهو والشهوة وسائر المحرَّمات، وأما الطائفة الأخرى فتحمل على المصاديق الأخرى منهما، ولا يحكم بحرمتها.
ومن الجدير بالذكر أنّ الروايات الواردة في باب «الغناء» أكثر ممّا ذُكر، ولكنّنا اقتصرنا على أقواها من ناحية السند والدلالة.
الاستثناءات
طبقاً لما توصّلنا إليه من الروايات، أي انصراف أدلّة الحرمة إلى نوع خاصّ من أنواع الغناء، أو الغناء المقرون بسائر المحرَّمات، لا يبقى هناك معنى للاستثناء في الغناء؛ لأنّ ما ذكر من مصاديق المستثنيات في هذا الباب، من الحداء، والغناء في الأعراس، وساحات القتال، والعيدين، وتلاوة القرآن وتجويده، أو الرثاء الحسينيّ، إما أن يكون مقروناً بالمحرّمات أو لا، وفي كلتا الصورتين يكون الحكم واضحاً.
ولمزيد من الاطّلاع على موارد الاستثناء في باب «الغناء» نحيل القارئ الكريم إلى الموسوعات الفقهيّة، فكلُّ فقيه تعرّض لمسألة الغناء تحدّث عن مستثنياته أيضاً([72]).
النتيجة
جاء في الحديث الشريف: «إنّ الله جميلٌ يحبّ الجمال»([73]). وقد اهتمّ الإسلام بموضوع الجمال اهتماماً كبيراً، ولم يقتل الذائقة الجماليّة. وعليه يجب التدبُّر في محاربة الإسلام للغناء بشكلٍ دقيق. فهل كانت مخالفة النصوص الدينيّة الإسلاميّة لمقولة الغناء من ناحيته الجماليّة أم لاشتماله على أمور أخرى تقتل الطاقات الفرديّة والاجتماعيّة في الإنسان؟
إنّ «مفهوم الغناء» أحد أبرز مصاديق المفاهيم المجمَلة في الفقه الإسلاميّ. فإننا من خلال الرجوع إلى علماء اللغة، والتعريفات التي أبداها الفقهاء، لا نتوصّل إلى تعريف واضح وحاسم في هذا الشأن. بيد أنّ بعض الفقهاء الكبار أحال في تعريف الغناء إلى العرف. وإنّ الفقهاء إنّما يراجعون أصحاب اللغة؛ لفهم ما يريده العرف، باعتبارهم اللغويّين من أهل العرف أيضاً.
ومن بين المصادر الأربعة المذكورة لاستنباط الحكم الشرعيّ، أي الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، لا يمكن الاستناد في استنباط حكم مسألة الغناء إلى غير السنّة والروايات؛ لأنّ ماهيّة الغناء لا تبقي مجالاً للرجوع إلى العقل. والإجماعُ في المسألة هو في أفضل حالاته لا يدلّ إلاّ على القدر المتيقَّن؛ وذلك لأنّ المسألة محلّ نزاع واختلاف بين المجتهدين، فضلاً عن احتمال كونه مدركيّاً. أما القرآن الكريم فالبحث فيه في الحقيقة بحثٌ في الروايات المفسِّرة للآيات الدالّة على حكم الغناء. وعليه يعود البحث في شأنها إلى الروايات أيضاً.
وقد انقسم الفقهاء في استنباط الحكم بحرمة الغناء من هذه الروايات إلى طائفتين: فمنهم مَنْ ذهب إلى القول بحرمة مطلق الغناء؛ بينما ذهب آخرون إلى التفصيل، والقول بحرمة خصوص الغناء اللهويّ والشهويّ والمقترن بسائر المحرَّمات.
ويبدو أنّ جميع هذه الروايات ـ علاوةً على الإشكالات التي ترِدُ على كلّ واحدة منها في مقام استنباط الحرمة الذاتيّة ـ منصرفةٌ إلى نوع خاصّ من الغناء الرائج في زمن صدور الروايات. وإنّ النماذج الموجودة في الكتب التاريخية وكتب السِّيَر تشهد على هذه الحقيقة. وإنّ الروايات الدالّة على استثناء بعض مصاديق الغناء، من قبيل: الغناء في الأعراس، والحداء، والعيدين (الفطر والأضحى)، وقراءة القرآن، تدلّ على أنّ الغناء لم يحرّم لذاته، وبقولٍ مطلقٍ، وإنّما المحرَّم منه نوعٌ خاصّ؛ وذلك لاقترانه بأمور محرَّمة أخرى.
وقد ذهب كلٌّ من: المحقِّق السبزواري، والفيض الكاشاني، والسيد ماجد البحراني، والسيد مهدي الكشميري، إلى القول بأنّ الروايات الدالّة على الحرمة تشير إلى نوع خاصّ من الغناء كان سائداً في زمن صدور الروايات، وكان الغرض منه إشاعة الفساد والفحشاء والتهتُّك، أي الغناء اللهوي المقرون بالمحرَّمات الأخرى.
كما يمكن أن نتوصَّل ـ من خلال وقوع الغناء المحرّم مصداقاً لـ «الزور»، و«قول الزور»، و«لهو الحديث» في بعض الروايات ـ إلى القول باستنباط حرمة الغناء إذا اقترن بهذه الأمور، وذلك عن طريق التوسُّع في تنقيح المناط، وتوسيع دائرة الملاكات.
الهوامش
_______________________
(*) أحد مراجع التقليد في إيران اليوم، تلميذ الإمام الخميني والسيد البروجردي، عضو سابق في مجلس خبراء القيادة، له آراء فقهية مخالفة لمشهور العلماء، ولا سيما في فقه المرأة.
([1]) الكافي 6: 438، باب التجمّل وإظهار النعمة، ح1؛ وسائل الشيعة 5: 5، باب استحباب التجمّل، ح2.
([2]) تعليم وتربيت در إسلام (التربية والتعليم في الإسلام): 70.
([4]) لمزيد من الاطلاع انظر: كتاب ميراث فقهي 1 (التراث الفقهي 1)، فصل الغناء والموسيقى.
([5]) انظر: الكافي 2: 615، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح4، و616، ح11؛ وسائل الشيعة 6: 211، باب تحريم الغناء في القرآن واستحباب تحسين الصوت به، ح2، 3، 4، 5، 6.
([6]) المسعودي، مروج الذهب 3: 361؛ ابن الأثير، البداية والنهاية 10: 188؛ أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني 3: 50، 4: 280، 5: 49، 113، 115، 148.
([7]) ومن ذلك: التواشيح، والابتهالات، والمدائح النبوية، والأشعار الدينية في مدح المعصومين^ وذكر مناقبهم، وكذلك المراثي ومراسم التعزية لسيّد الشهداء× وسائر المعصومين.
([8]) عنوان المقال في اللغة الفارسية: موسيقى وموسيقى شناسان إيران.
([9]) ميراث فقهي 1 (التراث الفقهي 1): 50، فصل الغناء والموسيقى.
([10]) جستارى درباره موسيقى ومعيارهاي آن در إسلام، مجلّة هنرهاي زيبا، العدد 31.
([11]) انظر مثلاً: كتاب المقنع للشيخ الصدوق، والنهاية والخلاف للشيخ الطوسي، والمقنعة للشيخ المفيد، والغنية لابن زهرة، والسرائر لابن إدريس، وشرائع الإسلام للمحقِّق الحلّي.
([12]) من باب المثال: ألف الشيخ الحرّ العاملي رسالة بعنوان (رسالة في الغناء)، والسيد محمد هادي ابن السيد محمد الميرلوحي رسالة بعنوان (إعلام الأحبّاء)، والميرزا القمّي رسالة بعنوان (رسالة في تحقيق الغناء موضوعاً وحكماً)، والسيد مهدي الموسوي النجفي الكشميري رسالة بعنوان (رسالة مسألة الغناء)، والشريف الكاشاني رسالة بعنوان (ذريعة الاستغناء)، والشيخ محمد رضا النجفي الإصفهاني رسالة بعنوان (الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء)، في هذا الموضوع. ومن الجدير بالذكر أنّ جميع هذه الرسائل وغيرها قد تمّ جمعها وطبعها ضمن موسوعة من أربعة مجلّدات تحت عنوان (التراث الفقهي: الغناء والموسيقى). وقد عمد السيد الإمام& في كتاب المكاسب المحرّمة 1: 302 إلى ذكر خلاصة لرسالة الشيخ محمد رضا النجفيّ الإصفهاني& التي تحمل عنوان (الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء)، وقد وصفها بأنها (رسالة لطيفة)، ثمّ علق على ما نقله منها قائلاً: «وإنّ ما نقلناه بتفصيل، أداءً لبعض حقوقه، أحسن ما قيل في الباب، وأقرب بإصابة الواقع، وإن كان في بعض ما أفاده مجال للمناقشة».
([14]) العين 4: 450، مادة (غني).
([15]) المصباح المنير 2: 455، مادة (غنن).
([16]) تاج العروس 10: 372؛ القاموس المحيط: 1187، مادة (غني).
([17]) الصحاح 2: 1779، مادة (غني).
([18]) تهذيب اللغة 7: 175، مادة (غني).
([19]) النهاية 3: 391، مادة (غنا).
([20]) معجم مقاييس اللغة 4: 398، مادة (غني).
([21]) أقرب الموارد 2: 890، مادة (غنن).
([22]) لسان العرب 10: 135، مادة (غنا).
([23]) الصحاح 1: 184، مادة (طرب).
([25]) الصحاح 2: 944، مادة (رجع).
([26]) رسالة في تحريم الغناء، مطبوعة ضمن كتاب: ميراث فقهي 1 (التراث الفقهي 1): 40، فصل الغناء والموسيقى.
([28]) تحرير الأحكام الشرعية 2: 209.
([30]) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 11.
([36]) الحدائق الناضرة 18: 101.
([39]) المكاسب المحرّمة 1: 305.
([41]) مصباح الفقاهة 1: 311. قال الشيخ الصانعي: رغم أننا لم نفهم المعنى من العبارة الفارسيّة التي ختم بها السيد الخوئي كلامه بشكل واضح، ولم نجد ما يؤكِّدها في أيٍّ من المعاجم اللغويّة الفارسية وأمثالها، فإنّنا نذكرها رعايةً للأمانة فقط.
([48]) الكافي 6: 435، باب الزور والشطرنج، ح2؛ وسائل الشيعة 17: 318، باب تحريم اللعب…، ح1.
([49]) الكافي 6: 431، باب الغناء…، ح1؛ وسائل الشيعة 17: 305، باب تحريم الغناء…، ح9.
([50]) الكافي 6: 436، باب الزور والشطرنج، ح7؛ وسائل الشيعة 17: 310، باب تحريم الغناء…، ح26.
([54]) المحجّة البيضاء 5: 226.
([55]) ميراث فقهي 2 (التراث الفقهي 2): 890، فصل الغناء والموسيقى.
([56]) ميراث فقهي 1 (التراث الفقهي 1): 516، فصل الغناء والموسيقى.
([58]) ميراث فقهي 3 (التراث الفقهي 3): 1870، فصل الغناء والموسيقى.
([59]) مجمع البيان 7: 212، دار الأميرة، ط1، بيروت، 2009م.
([61]) الميزان في تفسير القرآن 15: 242.
([62]) الكافي 6: 433، باب الغناء…، ح13؛ وسائل الشيعة 17: 304، باب تحريم الغناء…، ح3. وفي سندٍ آخر يروي هذا الحديث محمد بن مسلم، عن أبي الصباح، عن الإمام الصادق×.
([63]) الكافي 6: 431، باب الغناء…، ح4؛ وسائل الشيعة 17: 304، باب تحريم الغناء…، ح6.
([64]) الكافي 6: 434، باب الغناء…، ح18؛ وسائل الشيعة 17: 306، باب تحريم الغناء…، ح12.
([65]) مسائل علي بن جعفر: 148، ح186؛ وسائل الشيعة 17: 312، باب تحريم الغناء…، ح32.
([66]) الكافي 6: 433، باب الغناء…، ح15؛ وسائل الشيعة 17: 303، باب تحريم الغناء…، ح1.
([68]) الكافي 5: 120، باب المغنية و…، ح4؛ وسائل الشيعة 17: 124، باب تحريم بيع المغنية، ح6.
([69]) الكافي 5: 120، باب الغناء، ح6؛ وسائل الشيعة 17: 124، باب تحريم بيع المغنية…، ح7.
([70]) الكافي 6: 478، باب النوادر، ح4؛ وسائل الشيعة 17: 304، باب تحريم الغناء…، ح4.
([71]) الكافي 5: 120، باب كسب المغنّية وشراؤها، ح7؛ وسائل الشيعة 17: 123، باب تحريم بيع المغنية…، ح5.
([72]) من باب المثال: راجع: جواهر الكلام 22: 51؛ مسالك الأفهام 1: 403 ـ 404؛ مستند الشيعة 2: 403 ـ 404؛ جامع المقاصد 4: 23؛ مجمع الفائدة والبرهان 8: 61.
([73]) الكافي 6: 438، باب التجمّل وإظهار النعمة، ح1؛ وسائل الشيعة 5: 5، باب استحباب التجمّل، ح2.