لمحة
إن الرؤية الکونيَّة التّي تحکم السلوک الاقتصادي هي فلسفة النظام الاقتصادي. والمقصود بهذا المصطلح، هو «مجموع النماذج العملية التي تربط العناصر المشارکة في هذا النظام بعضها ببعض من جهة، وبأموالهم ومواردهم من جهة أخرى، وتتحرّک صوب أهداف مرسومة على نحو متناسق، من أجل اکتساب أعلى درجات النجاح الاقتصادي». في فلسفة الاقتصاد تتجلى بوضوح العلاقة بين الله وعالم الطبيعة، في مسارات الخالقية والربوبية والملکية والإحاطة والهيمنة والقيّومية. کما تتجلّى علاقة الله تعالى بالإنسان في مساري الهداية والرازقية.
إنّ العالم لم يخلق عبثاً، أو بلا هدف، بحسب الرؤية الکونية للإمام عليْ، بل إنّ الوجود يسير في حرکته نحو الله. لقد سخّر الله للإنسان کلّ شيء، وهو مالک خزائن الغيب. والدنيا دار امتحان وابتلاء، أمّا الوجود فعبارة عن نظام سببي (علّة ومعلول)، وهذه الرؤية تستولد سلوکيات اقتصادية متباينة، وهي لا ترى حدوداً أو آفاقاً محدّدة للموارد، وتأخذ بنظر الاعتبار الأسباب الغيبية، ولا تختزل الربح في المنفعة الاقتصادية.
ينظر الإمام علي إلى الإنسان، فيرى أنّه مخلوق ثنائي الأبعاد، ينبغي أن تتّصف سلوکياته وتوجّهاته الاقتصادية بطابع إلهيّ. من هنا فإنّ هذه الرؤية لا تترک مساحة شاغرة لمبادئ من قبيل حرية النشاط الاقتصادي أو عدم التدخل أو الملکية الخاصة الواسعة.
بإمکاننا، من خلال دراسة الرؤية الاجتماعية للإمام عليْ، أن نستلهم نظرية محورية الفرد والمجتمع في آنٍ معاً، مع تأکيد مسألة حاکمية الشرائع والسنن الإلهية في المجتمعات البشرية.
ويؤثّر عدد من هذه السُّنن على السلوکيات الاقتصادية للناس تجاه المجتمع والدولة وحتى على السياسات الاقتصادية. ولا شکّ في أنّ بإمکان عنصري التقوى والإيمان أن يضمنا حيوية الاقتصاد ونضارته، کما يستفتح الشکر والتوبة أبواب الخزائن الإلهية أمام العباد. إنّ سنّة الاستدراج الإلهية تعني أنّ يستدرج الله تعالى، أحياناً، عبده العاصي بأن يغدق عليه النعم، لا بسبب جدارته وصلاحه بل لجهة امتحانه وعقابه في اليوم الموعود، ويمثّل هذا، بلا شک، تمايزاً أساسياً عن الاقتصاد الرأسمالي المعروف.
مقدمة
يتحقّق استقلالنا الفکري، على الصعيد الاقتصادي، عندما نتمکّن من تصميم نظام اقتصادي قائم على الفلسفة الکونية والقيم والأهداف النبيلة للإسلام. فعندما تنحصر الغاية القصوى للنشاطات الاقتصادية في تلبية الغرائز والرغبات المادية والشهوانية، فإنّ النماذج العملية التطبيقية ستکون، تالياً، متباينة إلى درجة بعيدة عن النماذج العملية التي تجعل من رضا الله تعالى هدفاً نهائياً لها.
حتى لو وضع المجتمع هدفه الاقتصادي، على المدى المتوسط، نشر العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فإنّ النماذج العملية ستکون أيضاً مختلفة عن ذلک المجتمع الذي لا يرى في النشاطات الاقتصادية سوى الجانب المادّي الذي يرضي طموحه وغاياته.
تأسّس النظام الاقتصادي السائد في العالم، في العصر الراهن، بالاستناد إلى قراءات خاصة عن «الله» و«الکون» و«الإنسان» و«المجتمع» تتبنّى فکرة محورية الإنسان، بوصفه مبدأً رئيسيّاً، يسود جميع النشاطات الاقتصادية لهذا النظام، وقد ولد من رحم هذه الفلسفة مشروع النظام الرأسمالي الليبرالي. في هذا النظام، تبنى النماذج العملية في مجال النشاطات الاقتصادية مفهوم الحقوق الاقتصادية الخاصة التي تشکّلت في إطار الأسس والمبادئ الإيديولوجية لنظامها الاقتصادي، ثمّ انتظمت هذه المبادئ الإيديولوجية في قالب رؤية خاصة تتعاطى مع مقولات من قبيل الله، الکون، الإنسان، المجتمع.
إذا کانت مقولات الإسلام الخاصة بالمبادئ الفلسفية ذات الصلة بالنظام الاقتصادي تتباين مع الأسس الفلسفية المتعلقة بالنظم الاقتصادية الأخرى – وهي کذلک بالفعل- علينا إذن القبول بأنّ الأسس والمبادئ الإيديولوجية والحقوق الاقتصادية والنماذج الاقتصادية، وتالياً النظام الاقتصادي الإسلامي برمّته يختلف عن النظم الاقتصادية الأخرى.
1. مفاهيم ومبادئ عامَّة(1 )
قبل الشروع في موضوع البحث، لا بدّ لنا من أن نشرح أولاً المفاهيم والمصطلحات التي وردت في هذا البحث، لنأخذ فکرة واضحة عنها.
النظام الاقتصادي: هذا المصطلح يعني، مجموع النماذج العملية التي تربط العناصر المشارکة في هذا النظام بعضها ببعض من جهة، وبأموالها ومواردها من جهة أخرى والتي تتحرّک صوب أهداف مرسومة على نحو متناسق، وذلک من أجل بلوغ أعلى درجات النجاح الاقتصادي.
المبادئ الفلسفية للنظام الاقتصادي: هي الرؤية الکونية التي تحکم السلوک الاقتصادي، والتي تشمل مقولات يتمّ توضيحها بکلمة موجود أو غير موجود، وتتناول موضوعات: الله، الإنسان، المجتمع، الدنيا، الآخرة.
المبادئ الإيديولوجية للنظام الاقتصادي: هي مجموعة من القضايا العامة الحکميَّة الملزمة التي تتميّز بالخصوصيات الآتية:
1. القاعدة الأساسية للنظام والحقوق الاقتصادية
2. مقتبسة من المبادئ الفلسفية
3. لها تأثير في تحديد عناصر النظام الاقتصادي وطبيعة العلاقة بينها
4. تمهّد للتحرّک نحو تحقيق الأهداف
أهداف النظام الاقتصادي: وهي الغايات أو المقاصد التي وضع النظام الاقتصادي بغية تحقيقها، وهي مقتبسة من الأسس والمبادئ الفلسفية للنظام الاقتصادي، وبطبيعة الحال يجب أن يکون ثمّة تساوق وتنسيق منطقيَّين بين أهداف النظام وأهداف المشترکين فيه.
رؤيتان إلى النظام الاقتصادي
هناک رؤيتان خاصّتان بالنظام الاقتصادي، ومتباينتان، إحداهما عن الأخرى، تماماً. الرؤية الأولى تقول: إنَّ النظام الاقتصادي الأمثل والأکثر فاعلية موجود بالفعل في العالم الخارجي. وأنّ وظيفة علماء الاقتصاد هي استيعابه واکتشافه والتواصل معه، وهذا الأمر يستلزم اجتناب أيّ تدخل غير مدروس يتسبّب في إحداث أيّ خلل في مسيره( 2).
أمّا الرؤية الثانية فتقول: إنَّ النظام الاقتصادي يتشکّل وفقاً للمعطيات والعوامل الطبيعية والغريزية، وعلى الحکومات وضع القوانين والتشريعات التي تنظّم نشاطات الأفراد والمنظمات وتطبيقها وصيانتها، وذلک من أجل توفير الظروف المؤاتية لتحقيق النظام الاقتصادي المنشود( 3). وبالنسبة لبحثنا هذا، فقد دوّن بالاستناد إلى الرؤية الثانية.
المبادئ الفلسفية للنُّظم الاقتصادية
في ضوء ما قدّمنا، نطرح، في ما يأتي، أهمّ المبادئ الفلسفية المؤثرة على النظم الاقتصادية (الثيولوجيا (الإلهيات)، الکوسمولوجيا (علم الکونيات)، الأنثروبولوجيا (الإناسة)، علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، مع الترکيز على آراء الإمام عليْ.
المبدأ الثيولوجي
من المبادئ والمفاهيم الفلسفية الرئيسية، في النظام الرأسمالي الربوبي (Deism)( *)، أنّ الله هو کصانع الساعة، خلق العالم وترک لشأنه، وهو تالياً ليس له أيّ دور أو أيّ هداية تکوينية أو تشريعية.
لقد خلق الله نظام الطبيعة في أحسن نظم وإتقان، ثمّ انزوى بعيداً بدوره، النظام الاقتصادي، يعدّ جزءاً من هذا النظام العام، الذي لا يتدخّل الله فيه قيد أنملة، وأنّ مساوقة الأفراد مع نظام الطبيعة يتحقّق على على أکمل وجه بوساطة «يد خفيّة» من طريق البحث عن المصالح المادية الشخصية. فلو کان هدف کل شخص من وراء نشاطاته الاقتصادية تحقيق أقصى متعة أو مصلحة مادية شخصية، فإنّ المصالح المادية الاجتماعية أيضاً ستتحقّق تلقائياً وبأعلى درجة. إذن، فالنظام الاقتصادي الذي يشکّل جزءاً من نظام الطبيعة في الکون، ليس بحاجة إلى تدخل أو هداية تکوينية أو تشريعية من لدن الله تعالى( 4).
على الجانب الآخر، تؤمن الفلسفة الکونية الإسلامية بدور فاعل لله تعالى في جميع مناحي الحياة، وترى أنّ دوره، في ما يتعلّق بأمر الخلق والهداية التکوينية والتشريعية، متواصل من دون انقطاع، وقد تمّ تفسير هذا الدور ضمن منظومة من العلاقات نفصّلها کما يأتي:
1. علاقة الله بعالم الطبيعة
أولاً. علاقة الخالقية
إنّ الله سبحانه وتعالى خلق عالم الطبيعة بکل تفاصيله، وأنّ الخلق مستمر ومتواصل:
السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، کلّها خلائق الله تعالى، ولا مانع يحول دون قدرته( 5).
نفهم من هذا الکلام أنَّ عالم الطبيعة هو خلق الله، وهو جلّ وعلا الخالق الوحيد والمستقل لکل موجودات الکون، ولا عائق أو مانع يقف بوجه قدرته في خلق الأشياء.
في کلام للإمام عليْ يصف فيه استمرار خلق الله يقول فيه:
«الحمد لله الذي لا يغشاه الموت، وکل يوم يخلق خلقاً جديداً»( 6).
ثانياً. علاقة الربوبية
تزخر خطب الإمام علي وكلماته بمقولات تدبير أمور الکون، حيث يؤکّد نسبتها إلى الله سبحانه وتعالى(7 ).
«الحمد لله … فعّال لما يشاء، عالم بشؤون الغيب، خالق الخلائق ومنزل قطرات المطر ومدبّر أمور الدنيا والآخرة»( 8).
إنّ التدبير الإلهي، بحسب رأي الإمامْ، نافذ في الوجود إلى الدرجة التي يفسخ فيها عزائم الخلق، فتنصرف لغير مطامحهم(9 ).
ثالثاً: علاقة الملکية
المراد بالملکية هي الملکية الحقيقية لا الاعتبارية، فالإمام عليْ يؤمن بأنّ الکون بأجمعه في قبضة الله وملک يمينه: «له ما في السموات والأرضين وما بينهما»( 10).
رابعاً: علاقة الإحاطة والهيمنة
لقد أشار الإمامْ في مواضع کثيرة إلى الإحاطة الوجودية والعلمية لله بجميع خلائق الکون. في بعضها ذکر الإحاطة الوجودية(11 )، وفي بعضها الآخر الإحاطة العلمية(12 )، وأحياناً جمع بين الإحاطتين: الوجودية والعلمية(13 ).
إنّ الله، تعالى، عالم بجميع أسرار الکون وما يدور في ضمائر البشر، وهو محيط بکل شيء وقادر على کلّ شيء.
خامساً: علاقة القيومية:
الله القيوم، بمعنى القائم بنفسه مطلقا لا بغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها ولا قوام لها من دونه، ومع ذلك يقوم به كل موجود، ولا وجود أو دوام وجود لشيء إلا به. وقد ورد هذا المعنى بشکل صريح وواضح في الکثير من خطب الإمام علي( 14).
کل شيء خاشع لله وقائم به، مغني کل فقير ومعزّ کل ذليل( 15).
ربّما کان بالإمکان عرض علاقات أکثر بين الله تعالى وبين عالم الوجود أکثر تأثيراً في حقل الاقتصاد نقلاً عن الإمام علي، لکنّا نکتفي بهذا المقدار لبيان ملامح النظام الاقتصادي من وجهة نظره، وتمايزها عن سائر النُظُم الاقتصادية.
2. علاقة الله بالإنسان
لعلّ العلاقات التي ذکرنا آنفاً تشمل أيضاً علاقة الله بالإنسان، إلاّ أنّ ثمّة علاقات خصوصية بين الله والإنسان تحظى بمکانة خاصة في مجال التحليل الاقتصادي نشير في ما يأتي إلى أهمّها:
أولاً. الهداية التکوينية للإنسان
المقصود بالهداية التکوينية لکل مخلوق هو تفعيل مواهبه واستعداداته والارتقاء بها إلى مدارج الکمال. على الرغم من أنّ الهداية التکوينية تغطّي جميع خلائق الکون، إلاّ أنّ هداية الإنسان باعتبار تأثير سلوکياته الاقتصادية في توجيه طبيعة النظام الاقتصادي، تحظى في بحثنا الحالي بمکانة خاصة. أقوال الإمام علي في هذا الشأن أيضاً کثيرة( 16)، نکتفي هنا بذکر قول واحد له:
«أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِیُّ، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِیُّ، فِی ظُلُمَاتِ الاَْرْحَامِ، وَمُضَاعَفَاتِ الاَْسْتَارِ. بُدِئْتَ (مِنْ سُلاَلَة مِنْ طِين)، وَوُضِعْتَ (فِی قَرَار مَکِين * إِلَى قَدَر مَعْلُوم) وَأَجَل مَقْسُوم. تَمُورُ فِی بَطْنِ أُمِّکَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ دُعَاءً، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً; ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّکَ إِلَى دَار لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا. فَمَنْ هَدَاکَ لاِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْیِ أُمِّکَ، وَعَرَّفَکَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِکَ وَإِرَادَتِکَ! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِی الْهَيْئَةِ وَالاَْدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْعَدُ! »(17 ).
إنّ الهداية التشريعية للإنسان تعني إرشاده إلى طريق الکمال والسعادة، وکما مرّ في سطور سابقة، فإنّ مذهب الربوبية (Deism) الذي يستند إلى النظرية الاقتصادية الليبرالية، يرى أن الإنسان في غنىً عن الهداية التشريعية، ويقول: إنَّ عقل الإنسان قادر بمفرده على تشخيص سعادته وکماله، ويمتلک الاستعداد والقدرة الکافيين لاکتشاف طريق الوصول إليهما. في حين أنّ تعاليم الإمام علي کما وردت في الکثير من خطبه في کتاب نهج البلاغة وسائر المصادر الروائية تقول عکس ذلک(18 ). فهو يؤکّد صراحةً حاجة الإنسان الماسّة إلى الهداية التشريعية من أجل أن يتعرّف طريق السعادة والکمال مبيّناً بوضوح سبيل الوصول إليهما:
«لقد بعث الله أنبياءه ليبيّنوا الحق، وليکونوا سفراء بين الخالق والمخلوق»( 19).
ثانياً: علاقة الرازقية
قال الإمام علي، في موضوع رازقية الله، الشيء الکثير، حيث بيّن مختلف جوانب هذه الصفة، وربّما أمکننا توضيح ذلک من خلال هذه النظرة السريعة:
«الرزق رزقان: رزق يرکض الإنسان وراءه، ورزق يرکض وراء الإنسان وإن لم يطلبه( 20)، الله يحب الإنسان لأنّه مخلوقه تبارک وتعالى، الله يحبهم(21 )، عياله الخلائق، ضمن أرزاقهم( 22)، بل ألزم نفسه بذلک، وأن يوسّع في رزق الناس(23 )، هو الذي يرزقهم بالعدل(24 )».
فالإمام يؤمن بأنّ الله جلّ وعلا هو الذي يقدّر أرزاق عباده(25 )، يوسّع عليهم ويضيّق كي يبتليهم ويمحّصهم(26 )، فيجزي المؤمنين من جزيل ثوابه، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون(27 ).
إلاّ أنّ تقدير الله لأرزاق العباد لا يتعارض بأيّ حال مع السعي والنشاط، بل إنّ الإمام علي يرى في السعي والنشاط والكسب الحلال من جملة الأسباب المؤثّرة في تقدير الرزق «لكلّ شيءٍ سبب»(28 )، فهو يبيّن ضمان الرزق ووجوب العمل وبذل الجهد كما يأتي:
«قد تكفل لكم بالرزق وأَتم بالعمل، فلا يكونّن المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله( 29)».
ومن المعلوم أنّ سيرة الإمام أمير المؤمنين علي كانت تجسيداً تامّاً لهذه الرؤية( 30).
نظرة سريعة
يقدّم الإمام علي صورة عن طبيعة العلاقة بين الله، سبحانه وتعالى، وبين عالم الوجود والإنسان تختلف بصورة جوهرية عن تلك الصورة التي يطرحها النظام الاقتصادي الليبرالي. من خلال دراسة کلام الإمام نتبيّن بما لا يقبل الشکّ أنّ الفيض الإلهي لا ينقطع عن عالم الوجود، في جميع حلقات الخلقة والطبيعة.
إنّ خالق الخلائق هو الحکيم المدبّر الذي اقتضت حکمته الإلهية تدبير عالم الوجود وتفاصيل الخلق وأجزائه، وأن يحيط بهدايته التکوينية جميع خلائق الوجود بما فيها الإنسان، وتتجلّى هذه الهداية بأبهى صورها في المناحي الاقتصادية وغير الاقتصادية.
کما أنّ الهداية التشريعية هي من القضايا المسلّم بها والضرورية في جميع سلوکيات الإنسان وتصرّفاته، وأنّ الله سبحانه وتعالى، من خلال إرساله الأنبياء والکتب السماوية، يفتح أمام الإنسان طرق الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة، ولا شکّ في أنّ الوحي الإلهي هو من جملة هذه الطرق، والذي يعدّ هو والشعور والعقل قضايا مسلّمات لا تقبل النقاش.
يقيناً إنّ هذه التعاليم تختلف اختلافاً جذرياً عن مذهب الربوبية الذي يرى أنَّ العالم آني ولحظي وأنّ خالقه أشبه بالمهندس المتقاعد مکبّل اليدين، صنع الکون والإنسان ثمّ ترکهما وشأنهما لتتکفّل البشرية، استناداً إلى العقل والتجربة، بتلمّس طريقها نحو السعادة والسير فيه. وينعکس هذا الاختلاف الجذري أيضاً في الميدان الاقتصادي کذلک.
الفلسفة الشمولية
يطرح المذهب الفلسفي للاقتصاد الرأسمالي الليبرالي فکرة أنّ النظام الذي يسود عالم الطبيعة يعمل طبقاً لفکرة السببية أو مبدأ (العلّة والمعلول). فالله تعالى هو العلّة المحدثة لهذا النظام، لکنّه ليس العلّة المبقية، فهو يعمل بشکل آلي. ودائماً يحتوي عالم التکوين على أکثر النظم فاعلية، وتتأتّى سعادة الإنسانية في جميع الأبعـاد نتيجةً للتناغم والتَّآلف مع نظام الطبيعة. إنّ الوظيفة الوحيدة التي تقع على عاتق الفلاسفة والعلماء هي التعرّف إلى نظام الطبيعة المذکور وکشفه، ثمّ الانقياد له والانسجام معه.
تأثيرات الفلسفة الشمولية الليبراليّة على الاقتصاد
تتمخّض عن النظرة السابقة، في مجال الفلسفة الشمولية، عدّة آثار في حقل الاقتصاد نستعرض بعضاً منها هنا:
1. يقع الاقتصاد والسلوکيات الاقتصادية للإنسان ضمن منظومة الطبيعة، لذلک، فإنّ قوانين نظام الطبيعة سارية في هذا المجال أيضاً، وأنّ الأسلوب الوحيد لتحقيق هذا النظام في الحقل الاقتصادي هو الحرية العامة والتنافس المطلق في شتى النشاطات الاقتصادية، بما يتيح تحقيق أعلى سقف من الربح والمنفعة الشخصية، للارتقاء في الوقت نفسه بمنافع المجتمع.
2. ليس لله، تبارک وتعالى، أي دور في عملية تنظيم الأوضاع الاقتصادية، وليست له أيّ أوامر أو تعاليم في أيّ مجال يخصّ الاقتصاد.
3. لا يحقّ لأيّ مؤسسة أو جهة، بما في ذلک الدولة، التدخل لتنظيم الأوضاع الاقتصادية(31 ).
هذا في الوقت الذي برهنت آلية السوق إخفاقها في معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، على سبيل المثال أثناء الحربين العالميتين، حيث أدّى ذلک إلى إدخال تعديلات على النظام الرأسمالي الليبرالي، ليتحوّل إلى نظام إرشادي مقرون بتدخل الدولة، وقد تمّ الاعتراف بهذا التدخّل، بوصفه حلاًّ طارئاً يتمّ اللجوء إليه بالمقدار الذي يسمح بإدخال الحدّ الأدنى من التعديلات من دون المساس بالخطوط العامة والمبادئ الرئيسية للاقتصاد الليبرالي، مثل الحريات الفردية، والملکية الخصوصية. وفي هذا السياق، لا يزال يصرّ الکلاسيکيون والکلاسيکيون الجدد وأنصار المذهب النقدي على فاعلية النظام الليبرالي وحيويَّته.
الفلسفة الشمولية عند الإمام علي
في الفقرة السابقة، شرحنا علاقة الله، سبحانه وتعالى، بالکون، وتبيّن أنّ الکون يُدار بفضل العناية والتدبير الإلهيّين، وأنّ نظامه مرتبط لحظياً بإرادته ومشيئته، وتقدّم لنا هذه الفلسفة الشمولية سلوکيات وخطوطاً عامة تتباين عن تلک التي يطرحها النظام الاقتصادي الليبرالي. ولعلّ من المناسب أن نعرّج على عدد من المواصفات والخصائص الأخرى التي يستعرضها الإمام علي للکون والتي لها تأثير على السلوکيات الاقتصادية للإنسان(32 ).
1. إنّ العالم المادّي المحسوس، وعالم الغيب يسيران بفضل العناية والتدبير الإلهيّين، وأنّ دوامهما وقيامهما معقودان بإرادته ومشيّته سبحانه.
2. لقد خُلق الکون لهدف، وهو يسير إليه، وکل الخلائق تسبّح لله من أجل التقرّب إليه.
3. إنّ رجعة عالم الخلق وجميع الکائنات إليه سبحانه.
4. الدنيا دار امتحان وزرع وتمرين وسباق للاستعداد، وعالم الآخرة دار جزاء، ودار ثواب وعقاب الإنسان.
5. يخضع العالم المادي والغيبي لمبدأ السببية (العلّية)، ويسير الفيض الإلهي طبقاً لأسباب ذلک المبدأ وعلله. إنّ السببية في عالم الوجود تسير تراتبياً حتى تنتهي إلى الله تعالى، وجميع الخلائق طوع أمره وفي قبضة يمينه.
6. لعالم الغيب خزائن ثابتة ومجرّدة لا تفنى.
الفلسفة الشمولية للإمام علي وآثارها على الاقتصاد
إنّ الآثار الطولية والعرضية لهذه الفلسفة على فکرة العالم واسعة للغاية، والتطرّق إليها جميعاً يتطلب بحثاً مستقلاً، وهو خارج عن وسعنا حالياً، لذا سنکتفي هنا بالإشارة إلى بعض تلک الآثار في المجال الاقتصادي من أجل تبيين تأثير هذا النمط من الفلسفة الشمولية.
1. أوضحنا، خلال تعريفنا للنظام الاقتصادي، أنَّه: «مجموع النماذج العملية التي تربط العناصر المشارکة في هذا النظام، بعضها ببعض، من جهة، وبأموالهم ومواردهم من جهة أخرى وتتحرّک صوب أهداف مرسومة على نحو متناسق، من أجل اکتساب أعلى درجات النجاح الاقتصادي».
حينما يقول الإنسان عن الدنيا: إنَّها دار امتحان، وأنّ جميع الخلائق مرجعها إلى الله تعالى، وأنّ في عالم الوجود أسباباً غير مادية تتسبّب في زيادة القدرة الاقتصادية بمشيئة الله وإرادته، فإنّه ستصدر، بلا شک، عن هذا الإنسان سلوکيات اقتصادية في حقل الإنتاج والتوزيع والاستهلاک متباينة جداً عن المذهب الاقتصادي الإنساني الذي يرى العالم من زاوية نظر مختلفة تماماً، وهي: إنّ العالم له نظام طبيعي، وأنّ المعيار الوحيد لتحديد طبيعة السلوک الاقتصادي المنشود يتلخّص في الانسجام والتواؤم مع هذا النظام. وبطبيعة الحال فإنّ التباين في الأوضاع سينعکس جليّاً على النظام الاقتصادي.
2. لله، سبحانه وتعالى، في عالم الغيب، خزائن، تقع المحسوسات والأمور المادية في مراتب أدنى منها، وما ينزل من تلک الخزائن إلى عالم المحسوسات لا ينقص منها شيء، وهذا يعني بأنّ الموارد و المنابع الاقتصادية للعالم غير محدودة، وإن کانت حالياً وظاهرياً (المواهب المادية النازلة) محدودة. بينما الأمر مختلف تماماً في المبادئ الفلسفية للاقتصاد الرأسمالي الليبرالي التي لا تسمح أبداً بأيّ مساحة للأمور الغيبية غير القابلة للتجربة. ويعدُّ هذا النظام أنّ الموارد الاقتصادية في الطبيعة محدودة غير قابلة للنماء، فهم يقولون في تعريف علم الاقتصاد: «الاقتصاد، التخصيص الأمثل للموارد والمنابع المحدودة لحاجات غير محدودة».
يرى الإمام علي أنّ الموارد غير محدودة ومتاحة في الوقت نفسه، وأنّ بإمکان الله سبحانه وتعالى متى شاء أن يمدّ في الموارد المادية ويزيدها من خزائن غيبه.
3. في الفلسفة الشمولية للإمام علي لا وجود للنظام الطبيعي المزعوم الذي يعرضه فلاسفة الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي، والخارج عن نطاق الإرادة والمشيئة الإلهية اللحظية، ولا وجود ليد "آدم سميث" غير المرئيَّة السحرية التي تخرج من أکمام نظام أسعار السوق والتنافس الحر لتطرح شعار الحرية العامة والتنافس التام البعيد عن التدخل التکويني والتشريعي لله تعالى. بلى، إنّ الأمور في مجال الاقتصاد، مثل سائر الأمور الأخرى في العالمين المادي وغير المادي تنهل من الفيض الإلهي المباشر، وتصبّ باتجاه تنظيم الشؤون الاقتصادية على النحو الذي يحقّق رضا الله تعالى، لذلک فهناک دوماً حاجة مباشرة إلى الإرادة والمشيئة التکوينية الإلهية التي تؤدِّي دوراً إلى جانب الإرادة التشريعية. من هذا المنطلق، فإنّ التدخل المباشر للدولة من أجل تنظيم قضايا الاقتصاد تتطابق مع الإرادة التکوينية والتشريعية لخالق الکون، وهي ضرورية ولازمة من أجل تحقيق سعادة الدارين(33 ).
4. إذا عدَّ الإنسان الدنيا مزرعة الآخرة، فإنّ ما يزرع في هذه الدار يحصده في الدار الأخرى، وأنّ عمله الصالح بذرة تنبت في الدنيا، ليحصد الجنّة في الآخرة، وهو ربحه الذي يحصل عليه، عند ذاک سيکون للربح والخسارة في نظره معنى ومفهوم آخر. فربما يخسر العبد المؤمن في حقل الفعاليات الاقتصادية، ليربح في المقابل المجتمع، وتتوافر أسباب السعادة لکل فرد فيه.
إلاّ أنّ ذلک العبد، وفي مراجعة سريعة لحسابات الربح الأخروي والخسارة الدنيوية، سيجد نفسه بالنتيجة قد کسب کثيراً، والإنسان في ظلّ هذه المعتقدات، وبقليل من التضحية والإيثار سيصرف اهتمامه عن الملذات المادية الزائلة، ليؤثر مصالح المجتمع على مصالحه الفردية الضيّقة.
إنّ الرکض وراء جني الحدّ الأعلى للأرباح الشخصيَّة، في النشاطات الاقتصادية، ناتج عن خصيصة حبّ الذات المتأصلة في النفس الإنسانية. والحقيقة أنّ تفسير الرِّبح بالرِّبح المادي الاقتصادي يخلق اليوم معضلة کبيرة في طريق الاقتصاد العالمي، ذلک لأنّه في العديد من المواقع يکون الجمع بين المصالح المادية للأفراد والمجتمع أمر مشکل، وحتى اليد السحرية لآدم سميث المتمثلة في نظام الأسعار لا تقوى على حلّ هذه المعضلة، لأنّ الفرد غير مستعدّ أن يتخلّى عن مصالحه في مقابل تحقيق المصالح العامة للجماعة. ونتيجة لذلک، يبرز تناقض وتنافر شديدان بين المصالح الفردية والمصالح العامة، فتتزايد القدرات والإمکانات الفردية يوماً بعد آخر، في حين يکون مصير الضعفاء والمحرومين المزيد من الفقر والحرمان والضعف، وهو تناقض لا يوجد حلّ له إلاّ بما طرحه الإمام أمير المؤمنين علي.
5. بحسب نظرة الإمام، يوجد في هذا العالم، نوعان من الأسباب (مادية وغيبية) وخصوصاً في المجال الاقتصادي. وهذه الأسباب بنوعيها تنهل فيض علّيتها من الله في کلّ لحظة، وبإمکانه عزّ وجلّ أن يزيل أيّ علّة في أيّ لحظة شاء.
الأنثروبولوجيا (الإناسة)
يزعم الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي أنّه لا حاجة لتأسيس نظام اقتصادي، وأنّ أهمّ نظام اقتصادي يتشکّل عندما نعطي الإنسان کامل الحرية لإنجاز نشاطاته الاقتصادية، تستمدّ هذه الفکرة جذورها من مباحث الأنثروبولوجيا (الإناسة)، وهي متأثّرة بصورة خاصة بثلاثة مبادئ رئيسية هي:
1. الملکية الذاتية:
ترى الفلسفة الليبرالية أنّ الإنسان هو المالک المطلق لعمله وثروته الخاصة، وبإمکانه أن ينفق أمواله کيفما ارتأى وفي أيّ مجال شاء. يعدُّ هذا المبدأ أحد الأصول الرئيسية في العقيدة التي تؤمن بحرية الفرد في المجال الاقتصادي والملکية الخصوصية في النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي.
2. إشباع الرغبات والطموحات الخاصة: الدافع والهدف الاقتصاديّان
إنّ الهدف من الجهود التي يبذلها الإنسان، في المجال الاقتصادي، نابع من الرغبات والأهواء النفسانية التي تتملّکه، لذلک، فإنّ أيّ إنسان يختار أيّ شيء يجد فيه مصلحة ويسلک أيّ طريق يجني من ورائه فائدة. إنّها الأهواء النفسانية التي جُبلت عليها النفس البشرية.
هذه القراءة المطروحة عن الإنسان کانت السبب في أن يجعل النظام الاقتصادي للرأسمالية الليبرالية من الحدّ الأعلى للمنفعة المادية الشخصية الهدف الوحيد من ممارسة الفرد للنشاطات الاقتصادية، بل إنّه، ومن خلال هذه القراءة، أراد أن يدفع الفرد الذي يمارس النشاط الاقتصادي نحو هذا الهدف فقط.
3. عقل الإنسان في خدمة شهواته
لقد تمّ توظيف عقل الإنسان لخدمة شهواته وتحقيق غاياته ورغباته الغريزية، لذلک فإنّ الأعقل والأذکى، بحسب معايير هذا النظام، هو من يستطيع استغلال عقله في هذا المجال أقصى استغلال.
لمّا کان الهدف من النشاطات الاقتصادية هو تحقيق أعلى نسبة من الأرباح الشخصية، وأنّ هذا الهدف يستمدّ وجوده من الأهواء النفسانية، وأنّ العقل في خدمة أهواء الإنسان لتحقيق هدفه، فمن الضروري، إذن، القبول بأنّ «جميع النماذج العلمية، من قبيل نموذج الاستهلاک والاستثمار والإنتاج والنفقات والسوق … إلخ، هي أمور متأثرة بهذه العوامل آنفة الذکر(34 )»( 35).
الإنسان من منظار الإمام علي
إنّ المواصفات الخاصة بالإنسان الإلهي، والهدف من الخلقة، بالإضافة إلى بعض المواصفات الأخرى المؤثرة في بلورة السلوکيات الاقتصادية، من منظار الإمام علي هي کما يأتي:
1. الحکمة من خلق الإنسان
تقول هذه الحکمة: إنَّ الإنسان لم يخلق لهذه الدنيا، بل للآخرة: «انما خُلِقتَ لِلآخرة لا للدنيا»(36 )، لأنّه سيقف في الآخرة أمام ميزان أعماله، فيحاسب على کل صغيرة وکبيرة من أعماله ونياته. الإنسان المؤمن يجب أن يبتغي من کل فعل بل من کل قصد غاية سابقة. وتالياً، فإنّ هذا النمط الإنساني لن يکون هدفه من النشاطات الاقتصادية مجرّد الرفاهية المادية الخالصة التي تتعارض مع التعاليم الإلهية، وبصورة عامة، يجب أن يتأسّس النظام الاقتصادي بطريقة تقرّب الإنسان من الهدف الغائي من الخلق، ألا وهو «العبودية الخالصة لله تعالى». إذن، ينبغي له، عند وضعه الاستراتيجيات الاقتصادية العامة للمجتمع، أن يهتمّ بصورة جدية وأکيدة بالهدف الغائي العام. في النظام الاقتصادي الإسلامي، تعدُّ العدالة الاقتصادية بمثابة الهدف السياسي الذي يمکن في کلّ الأحوال أن يکون أداةً في سبيل تحقيق الهدف الغائي المذکور آنفاً، وبالنتيجة، أن يلقى اهتماماً من واضعي السياسة الاقتصادية العامة. تأسيساً على هذا، فإنّ متابعة الهدف من خلق الإنسان، في حقل النشاطات الاقتصادية، في کلا الاقتصادين الجزئي والکلي، يعدّ السبب الرئيسي لبروز التباين في طبيعة السلوکيات الاقتصادية للأفراد والنظام الاقتصادي لدى کل من العقيدة الليبرالية ومدرسة الإمام علي.
2. الإنسان مخلوق ثنائي الأبعاد
يقول الإمام علي: إنَّ الإنسان مخلوق ذو بعدين مادي وروحي، «نصفه من تراب ونصفه الآخر من روح( 37)».
وتنبثق ضرورة الغرائز والأهواء النفسانية وأهميَّتها، في الإسلام، بوصفها أمور تساعد على تکامل الإنسان وتکيّفه مع العالم المادي، لهذا السبب لا يجوز قمعها، ولکن في المقابل، لا ينبغي أيضاً أن يطلق لها العنان، فتنفلت من عقالها، بل يُسمح بها ضمن الحدود الطبيعية المجازة، وتحت إشراف العقل، وبهذا يضمن الإنسان سلوک طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
إنّ العقل الإنساني هو من جنود الرحمن، في حين أنّ الشهوات والأهواء النفسية هي التي تقود جند الشيطان. إنّ نفس الإنسان تقف على مفترق هذين الطريقين، فکلّ منهما يدعو النفس إليه، ومن ينتصر منهما، يأخذ بزمام نفس الإنسان وتصبح منقادة لأوامره( 38).
أمّا في المذهب الإنساني الليبرالي، فالعقل إنّما هو في خدمة تحقيق الأهواء النفسية، وأداة للوصول إليها.
ويقيناً، أنّ هاتين النظرتين تجاه الإنسان هما السبب وراء ظهور الفوارق الواضحة في أهداف الفاعليات الاقتصادية. فالنظرة الليبرالية للإنسان تتبنّى أيديولوجية الحرية والتنافس الکامل وعدم تدخّل الدولة في الاقتصاد. بينما لا تتعهّد رؤية الإمام علي للإنسان بمثل هذا الطرح.
3. ملکية الله: استخلاف الإنسان ومسؤوليته
الکون وما فيه من خلائق ملک مطلق لله تعالى، بحسب رأي الإمام علي، فالإنسان وجميع قواه الروحية والجسمية ملک لله وحده، ولقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وأناط به مسؤولية الطاعة الاختيارية( 39).
من الناحية المنطقية، يترتّب على خصيصة ملکية الله للکون والإنسان من جهة واختياره للإنسان، بوصفه خليفة مختاراً، من جهة أخرى، أمران:
1. إنّ التصرّف في الأموال والقوى الجسمية والفکرية للإنسان محددة بالحدود التي عيّنها الله تعالى له.
2. مسؤولية الإنسان أمام الله، بمعنى أنّه سيؤاخَذ على تجاوزه لتلک الحدود الإلهية.
وفي هذا السياق، ستشکّل الأصول المعرفة الإسلامية کذلک البنية الأيديولوجية للأصول الاقتصادية المتعدّدة مثل الملکية المختلطة، الحرية في نطاق محدّد، تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية(40 ).
المبدأ الاجتماعي (السوسيولوجي)
يدافع المنظّرون، في المذهب الليبرالي، عن محورية الفرد، التي تعني أنّ الفرد هو الحقيقة الوحيدة الموجودة في هذا العالم، والأفراد في هوياتهم وتأثيرهم مستقلون، بعضهم عن بعض، وأنّ المجتمع أمر اعتباري ليس له وجود واقعي على الأرض، وأنّ الإنسان في جميع نشاطاته يأخذ بنظر الاعتبار مصالحه الفردية فقط، وتالياً، فهو لا يسعى وراء أمر اعتباري.
إذن، يجب أن تنتظم جهود الأفراد في مضمار تحقيق رغباتهم وطموحاتهم الشخصية، وأنّ مصالح المجتمع اعتبارية غير حقيقية، وهي تتحقّق تلقائياً عندما يتمّ تأمين مصالح الأفراد. بناء على هذه الفکرة، يجب تحديد المفاهيم الاجتماعية في ضوء المفاهيم الدالة على الأفراد وعلاقاتهم، وکذلک الحال مع الأنظمة الاجتماعية التي ينبغي أن تتبلور في إطار دوافع الأفراد ومعتقداتهم وإمکاناتهم. ولا شکّ في أنّ هذه الرؤية قد ترکت تأثيراً کبيراً على النماذج الاقتصادية في النظام الرأسمالي.
أمّا في الجهة المقابلة، فتقف نظرية محورية المجتمع التي تبنّتها المجتمعات الإشتراکية، والتي تعدّ الهوية والروح الجمعية هي الأصل، لأنّه عندما ينصهر الفرد في کيان المجتمع، تتّخذ هويّته طابع الروح الجمعية في المجتمع، وفي هذا الإطار تتبلور مشاعره وعواطفه ورغباته وأفکاره( 41).
المجتمع في فکر الإمام علي
يقسم البحث في رأي الإمام علي، في المجتمع، إلى قسمين هما:
1. الفرد والمجتمع من منظار الإمام علي
لو رجعنا إلى خطب الإمام أمير المؤمنين وكلماته سنتبيّن أنّه في بعض خطبه يرکّز على محورية الفرد، وفي بعضها الآخر ينشد محورية المجتمع. في المجموعة الثانية، يخاطب الناس والمجتمع، حيث يعدُّ المجتمع مجرى الفيض الإلهي حينما يکون مؤتلفاً ومنسجماً ومتعاضداً يسير صوب أهداف مشترکة: «إنّ يد الله مع الجماعة»(42 ).
يعرض الإمام، في بعض خطبه، بعض المواصفات للمجتمع، بحيث لو رضي أحدهم عن عمل المجتمع، فکأنّما کان شريکهم في ذلک العمل، ومن کان مع جماعة الباطل، فقد حمل إثمين: الأول إثم العمل الذي ارتکبه، والثاني إثم رضاه وموافقته على ذلک العمل. وفي بعض خطبه يعرض مواصفات المجتمع بقوله:
«الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْم كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ، وَعَلَى كُلِّ دَاخِل فِي بَاطِل إِثْمَانِ: إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ( )».
وکذلک محورية الفرد، فقد وردت في المصادر الإسلامية وفي خطب الإمام:
«من أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه، ومن ضيّع شرفه وحسبه، لم ينفعه حسب أجداده(43 )».
نستخلص ممّا عرضنا من آراء أنَّ الإمام علي ينادي بالمحورية للفرد والمجتمع معاً، فکما أنّ للفرد هوية حقيقية وشخصية، فللمجتمع أيضاً هوية جمعية تتشکّل من اجتماع هويّات أفراده والوجه الغالب فيها، بمعنى أنّ لأفراد المجتمع شخصيات مستقلة، وهم في الوقت نفسه يتأثّرون بعضهم ببعض.
إنّ المسألة التي تنطوي على أهمية کبيرة في البحث الذي نحن بصدده هي طبيعة القراءة المطروحة عن مصالح الفرد والمجتمع. فالمعنى الذي تطرحه المدرسة الليبرالية للمصالح الفردية هو المصالح المادية للفرد، والتي هي عبارة عن الرغبات والأهواء النفسانية، بينما مراد الإمام علي من مصطلح مصالح الفرد هو الاهتمام بالأهداف الإنسانية العليا والمتمثّلة في الوصول إلى ذرى العبودية لله.
في المجتمع الإسلامي، إذا ما أغمض الأفراد أعينهم عن مصالحهم المادية من أجل تحقيق المصالح المعنوية العليا، فإنّنا من النادر أن نشهد تعارضاً بين المصالح الفردية والمصالح الجمعية، وإذا ما حدث ذلک، فسيتمّ حلّ المشکل لصالح المجتمع الإسلامي من خلال اتّخاذ بعض السياسات.
2. السنن والشرائع الإلهية الحاکمة في المجتمعات البشرية، من منظار الإمام علي:
المقصود بالسنن والشرائع الإلهية سلسلة القضايا الشرطية التي في حال وجود الشرط أو السبب، فإنّ الجزاء أو المسبّب أيضاً سيحصل، وتستخرج هذه القضايا الشرطية من طبيعة الإنسان وسلوکه مع العالم من حوله.
إنّ الإمام علي، علاوة على تبيينه للسنن والشرائع على نحو عام وشامل، يقوم بعرض نماذج وأمثلة کثيرة منها ليدرک الناس والمجتمعات الإنسانية بشکل صحيح الموضوع وأمثلته، ويميّزوا طريق السعادة عن طريق الشقاوة، وکذلک ليعلموا بأنّ السنن الإلهية ليست هي أمور من قبيل المصادفة ينقصها القانون أو برنامج محدّد، وهي لا تتعارض مع اختيار الإنسان وحريّته، بل إنّ باستطاعة البشر من خلال معرفتهم للسنن الإلهية، أن يطمحوا في مستقبل أفضل، وأن يحولوا دون السقوط في هاوية الفناء. وفي ما يأتي نشير إلى عدد من هذه السنن الإلهية الواردة في کلام الإمام علي والتي لها تأثير في السلوکيات الاقتصادية للناس والمجتمع أو الدولة والسياسات الاقتصادية(44 ):
التقوى والإيمان
لا شکّ في أنّ المدد الغيبي سيفيض على المجتمع الذي يتحلّى بالتقوى، وسوف تنجلي عنه الصعاب، وتحلّ عليه البرکات الإلهية.
«فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى… وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا، وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا، وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا، وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا( 45)».
إنّ الإيمان والتقوى هما بمثابة الاعتقاد بالحضور الدائم للذات الإلهية المقدسة في جميع شؤون المجتمع، وحصيلة الإيمان والتقوى هي الأخلاق العملية الصحيحة، والمعاملات السليمة، والإنتاج المفيد والفاعل، واجتناب الإسراف والتبذير، وتطبيق العدالة في النشاطات الاقتصادية، وهذا بدوره يؤدّي إلى تأسيس اقتصاد حيوي ونابض وقوي، وإزالة مظاهر عدم الاستقرار الداخلي في الاقتصاد( 46).
العدل والقسط
يعدُّ تطبيق مبدأ العدالة من أهم الحاجات الضرورية للمجتمع، ذلك أنّ أساس عالم الخلق هو العدل والحق. يصف الإمام علي العدل بقوله: «بالعدل تتضاعف البرکات( 47)… فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ(48 )».
نصرة الله
لقد ورد، في القرآن الکريم وروايات المعصومين، بما في ذلک خطب الإمام علي هذا الموضوع بوفرة، وهو أنّ من ينصر الله، فإنّ الله تعالى ناصره، ولا شکّ في أنَّ نصرة الله ليست سوى امتثال لأوامره في المجالين الفردي والاجتماعي. يقول الإمام أمير المؤمنين علي:
«من جعل طاعة الله تعالى رأسماله، ربح کثيراً بدون تجارة(49 )».
شکر الله
تحدّثت روايات کثيرة، وخصوصاً خطب الإمام علي وكلماته عن علاقة الشکر بالنعم الإلهية، وکذلک تحدّث القرآن الکريم عن ذلک في مواضع متعدّدة. وأشارت معظم هذه الروايات إلى زيادة النعم في مقابل الشکر، وأنّ الجحود وعدم الشکر هو سبب زوالها(50 ).
من جملة النعم الظاهرة لله تعالى مال الدنيا، فإذا شکر العبد ربّه على هذه النعمة، وأنفقها في مصارفها المناسبة، منّ الله على أمواله وأموال المجتمع بالزيادة والوفرة، أمّا إذا ترک الشکر وجحد النعمة الإلهية، أو أنفقها في غير مصارفها، فقد آذن بزوالها وهيّأ الأسباب لذلک.
التوبة
تعدُّ التوبة أحد الأسباب والوسائل المعنوية التي تنتج آثاراً مادية ومعنوية جمّة، فالاستغفار يفتح أمام عباد الله خزائن الأرض والسماء، وينجّي المجتمع من مهالک الفقر والبؤس، ويأخذ بيدهم إلى السعادة والرفاهية المادية.
الاستدراج
يُقصد بالاستدراج: إذا حصل المرء على نعم کثيرة، فلا يعني، بالضرورة، أنّها تنطوي على خيره وصلاحه، بل ربّما تعني، أحياناً، إمهال العبد المذنب، فيجد أنّه کلما أوغل بارتکاب الذنوب، زادت نعمه، وفي ذلک عبرة له ليرعوي ويعود عن طريق المعصية، فيکله الله إلى نفسه، ليذيقه مرّ العذاب في الدنيا أو في الآخرة، وربّما في کلا الدارين(51 ). يقول الإمام علي في هذا المضمار:
«إذا رأيت الله يغدق عليک من نعمه وأنت تعصيه فاحذره لأنه يستدرجک(52 )».
کثيرة هي السنن الإلهية في کلام الإمام علي، وإنّ بسط الحديث فيها وتحليل کل واحدة منها يتطلّب فسحة هي خارج هذه العجالة، لذلک فإنّنا سوف نکتفي بما قيل في هذه الورقة.
____________________________________________________________
الهوامش:
( 1) من أجل التعرّف أکثر إلى هذا البحث، انظر: السيد حسين ميرمعزي: نظام اقتصادي اسلام (مباني فلسفي) (النظام الاقتصادي في الإسلام: المبادئ الفلسفية)، ط. الأولى، مرکز الفکر الشباب، طهران، 1999، ص 14 – 27.
(2 ) جيد، شارل و جيست، شارل: تاريخ عقايد اقتصادي (تاريخ العقائد الاقتصادية)، ترجمة: كريم سنجابي، ج 1، ص 125.
(3 ) المصدر نفسه، ج 2، ص 62 و67 .
(*) الربوبية (Deism): وهو مذهب الإيمان بالله بغير اعتقاد بديانات منزلة، وبخاصة: مذهب فکري يدعو إلى الإيمان بدين طبيعي مبني على العقل لا الوحي، ويشدِّد على المناقبية أو الأخلاقية منکراً تدخّل الخالق في نواميس الکون .
( 4) انظر: فريدون تفضلي: تاريخ عقائد اقتصادي (تاريخ العقائد الاقتصادية)، ط. الثانية، نشر ني، طهران، 1996، ص 87؛ جيد، شارل و جيست، شارل: تاريخ عقائد اقتصادي (تاريخ العقائد الاقتصادية)، ترجمة: كريم سنجابي، ط. الثانية، جامعة طهران، ج 1، ص 83.
( 5) الأصول منالكافي، ج 1، ص 141، الحديث 7.
( 6) المصدر نفسه.
(7 ) بحارالانوار، ج 77، ص 308، ح 13؛ ج 57، ص 166، ح 104، ص 107، ح 90؛ ج 3، ص 272، ح 9؛ ج 94، ص 96، ح 12؛ ج 4، ص 319، ح 45، ص 317، ح 41 و ص 253، ح 7؛ ج 84، ص 132، ح 24.
( 8) کتاب من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 427، الحديث: 1263؛ مصباح المتهجد، ص 380، الحديث 508.
( 9) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي: التوحيد، ص 288، العدد 6، كتابالخصال، تصحيح وتعليق: علي اكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة، الطبعة الرابعة، ص 33، العدد 1.
( 10) الحافظ ابن نعيم احمد بن عبدا الاصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، لبنان، 409 هـ / 1988 م، ج 1، ص 73؛ كنز العمال، ج 1، ص 409، الحديث 1737.
( ) حلية الاولياء، ج 1، ص 72 و73، نهج البلاغة، الخطبة 82 و151؛ بحارالانوار، ج 4، ص 266، ح 14، ص 269، ح 15، ص 266، ح 14.
( 11) عبدالواحد محمد التميمي الآمدي: غرر الحكم ودرر الكلم، شرح: جمال الدين محمد خونساري، مقدمة وتصحيح: مير جلال الدين حسيني ارموي، چهارم، منشورات جامعة طهران، 1994، ج 2، ص 444، العدد 5053، ص 503، العدد 3447؛ ج 4، ص 538، العدد 6891؛ نهج البلاغة، الخطبة 128.
(12 ) نهج البلاغة، ترجمة: محمد دشتي، ط. الثالثة، منشورات مشرقين، 2000، الخطبة 186.
(13 ) نهج البلاغة، الخطبة 89، 108، 159؛ بحارالانوار، ج 4، ص 317، ح 43، ص 310، ح 38، ص 269، ح 15، وص 221، ح 2.
(14 ) نهج البلاغة، الخطبة 108؛ بحار الانوار، ج 4، ص 317، ح 43.
(15 ) بحار الانوار، ج 58، ص 10، ح 8؛ ج 60، ص 347، ح 34؛ نهج البلاغة، الخطبة 162.
( 16) نهج البلاغة، الخطبة 163.
( 17) المصدر نفسه، الخطبة 1، 20، 26، 72، 81، 83، 91، 94، 95، 98، 144، 183.
( 18) غرر الحكم و درر الكلم، ج 4، ص 99، الحديث 5433.
(19 ) انظر: نهج البلاغة، الحكمة 371.
(20 ) بحار الانوار، ج 77، ص 340، الحديث 28؛ ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 19، ص 141.
(21 ) انظر: نهج البلاغة، الخطبة 108.
(22 ) التوحيد، ص 232، العدد 5؛ بحار الانوار، ج 57، ص 107، ح 90.
( 23) انظر: نهج البلاغة، الخطبة 89.
(24 ) غرر الحكم و درر الكلم، ج 4، ص 95، الحديث 5423؛ نهج البلاغة، الخطبة 90.
( 25) انظر: نهج البلاغة، الخطبة 90.
( 26) غرر الحكم و درر الكلم، ج 2، ص 539، الحديث 3533.
(27 ) محمد ري شهري: ميزان الحكمة، ط. الأولى، منشورات دار الحديث، 1416 هـ، ج 2، ص 1232، الحديث 8168.
( 28) نهج البلاغة، الخطبة 113.
( 29) دانشنامه امام علي (موسوعة الإمام علي)، ج 7، مقالة «النهج الاقتصادي للإمام علي»، بقلم: السيد رضا حسيني، ص 235.
( 30) انظر: تفضلي، فريدون: تاريخ عقائد اقتصادي (تاريخ العقائد الاقتصادية)، ص 70 و 86؛ شارل جيد – جيست: تاريخ عقائد اقتصادي (تاريخ العقائد الاقتصادية)، ج 1، ص 14، 83 – 135.
( 31) انظر: نهج البلاغة، الخطب 23، 62، 63، 64، 81، 82، 83، 90، 143، 153، 181، 182؛ بحارالانوار، ج 77، ص 310، ح 14، ص 401، ح 38؛ ج 78، ص 5، ح 55؛ غررالحكم، ج 6، ص 80، الحديث 9606، ج 5، ص 103، الحديث 7561.
(32 ) من أجل معلومات أکثر عن فلسفة وضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد من منظار الإمام علي انظر: مقالة «دولت وسياست هاي اقتصادي از ديدگاه امام علي» (الدولة والسياسات الاقتصادية من منظار الإمام علي) بقلم: الدکتور گيلك، في موسوعة الإمام علي%، ج 7، ص 315.
( 33) انظر: السيد حسين ميرمعزي: نظام اقتصادي اسلام (مباني فلسفي) (النظام الاقتصادي في الإسلام: المبادئ الفلسفية)، ص 48 .
( 34) ملاحظات هذه الفقرة تمّت تهيئتها من المصادر الآتية: انطوني آربلاستر: ظهور وسقوط ليبراليسم غرب (ظهور وسقوط الليبرالية الغربية)، ترجمة: عباس مخبر، نشر مركز، ط. الأولى، 1997، ص 1 – 126؛ عبد الله نصري: آزادي در خاك (الحرية في التراب)، مجلة: قبسات، السنة الثانية، العدد 5 و 6، ص 64 فما بعد؛ السيد حسين ميرمعزي: نظام اقتصادي اسلام (مباني فلسفي) (النظام الاقتصادي في الإسلام (المبادئ الفلسفية)، ص 43 – 49 .
( ) نهج البلاغة، الرسالة 31 .
( ) بحارالانوار، ج 11، ص 122، ح 56 و 122؛ جواهر المطالب، ج 2، ص 161، الحديث 137؛ نهج البلاغة، الخطبة 1 .
( 35) ميزان الحكمة، ج 3، ص 2038، الحديث 13379.
( 36) حلية الاولياء، ج 1، ص 73؛ كنز العمال، ج 1، ص 409، الحديث 1737.
( 37) تجدر الإشارة إلى أنّ هذه النتائج الثلاث لا تستنبط بصورة مباشرة من خصوصية خلافة الإنسان لله ومسؤوليته، بل هاتان الخصوصيتان تقتضيان أن يکتشف الإنسان هذه الملاحظات الثلاث من التعاليم الإلهية، وذلک من خلال مراجعته لهذه التعاليم.
(38 ) في تهيئة هذه الملاحظات تمّت الاستفادة من المصادر الآتية:
دانيال ليتل: تبيين در علوم اجتماعي (التبيين في العلوم الاجتماعية)، ترجمة: عبدالكريم سروش، ط. الأولى، مؤسسة فرهنگي صراط، 1994، ص 311 فما بعد؛ السيد حسين ميرمعزي: نظام اقتصادي اسلام (مباني فلسفي) (النظام الاقتصادي في الإسلام: المبادئ الفلسفية)، ص 49 – 55؛ ظهور و سقوط ليبرالسيم (ظهور وسقوط الليبرالية الغربية)، ص 55 – 80.
(39 ) نهج البلاغة، الخطبة 127.
( 40) المصدر نفسه، الحكمة، 146.
( 41) المصدر نفسه، الحکمة، 378.
(42 ) هذه الأمور غير متباينة من الناحية المنطقية، بل من الممکن أن تکون العام والخاص المطلقين أو من وجهين أيضاً. وذلک لأنّ کلّاً منها ينطوي على أهمية خاصة، ولذلک يستلزم ذکرها.
( 43) نهج البلاغة، ترجمة: محمد دشتي، الخطبة 198، ص 414.
( 44) انظر: عباس مير آخور: «ويژگيهاي نظام اقتصاد اسلامي،» (خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي) مقالات في الاقتصاد الإسلامي، ص 83.
( 45) ميزان الحكمة، ج 1، ص 256، الحديث 1702.
( 46) نهج البلاغة، الخطبة 15 .
( 47) غرر الحكم ودرر الكلم، ج 5، ص 385، الحديث 8864.
( 48) المصدر نفسه.
(49 ) انظر: غرر الحكم ودرر الكلم، ج 4، ص 68، الحديث 5318 و ص 550، العدد 6943؛ ج 3، ص 132 و133، الحديث 4047.
( 50) المصدر نفسه، ج 3، ص 132، الحديث 4047.