الوجود الإنساني وفق الفهم الفلسفي للإنسان ليس محصورًا في هذا الجسد المادّي الحِسّي، بل هو وجودٌ مُمْتدٌ إلى أبعادٍ قد تكون ميتافيزيقية لحواس الإنسان، لكنها شهودية لعقله إذا ما استخدمها وفق منطق سليم.
فالروح هي البعد الممتد في وجود الإنسان، وهي البعد الأصيل في مصيره، وإن كان الجسد وسيلة الوصول للسعادة الأبدية أو للشقاء الأبدي، إلا أنه لا يعدو عن كونه وسيلة تشكل بعده المادي الضروري في سيره التكاملي.
ويمكن أن تتلاشى قوى الإنسان المنطقية المرتكزة على عقله ليس فقط بأدوات قطعيّة الفساد، وإنما أيضا التلاشي قد يتم بعناوين صالحة الظاهر وفاسدة المقاصد والمآلات.
بمعنى أن الإنسانَ تارةً لديه مقاصد فاسدة يريد أن يحققها كأهداف، بالتالي قد يستخدم لذلك أدوات فاسدة واضحة الفساد، وقد يستخدم أدوات صالحة لكن فساد الأهداف يجعل تجلي الفساد قطعي الدلالة في أذهان الناس المحيطين به، فينجذب إليه من يماثله ويبتعد عنه من ليس على شاكلته.
ولكن تارة يكون للإنسان مقاصد صالحة خاصة في جنبتها المعنوية، وهي قطعيّة الصلاح كدلالات في أذهان المحيطين، لكن استلاب المعنى الحقيقي لهذه المقاصد من خلال سوء فهمها، أو سوء تطبيقها، أو استخدام طرق وأدوات غير صالحة في تظهيرها، يؤدي في نهاية المطاف إلى فسادها.
والأخطر على وعي الإنسان ومسار التشريع والشريعة هو الثاني، فالأول قطعي الفساد في ظهوره ودلالاته، أي هو باطل لا تشوبه شبهة في بطلانه، فلا يختلط فهمه على الإنسان، لكن الثاني يربك ذهن الإنسان في فهم الحقيقة، والتمييز بين الباطل والحق، ويوقع عامة الناس في تشوهّات معرفية لسوء فهم الدلالات أو سوء تطبيق المفاهيم، فهو إما أدرك المفهوم بشكل ملتبس، بالتالي طبّقه بطريقة خاطئة، أو أنه أدرك المفهوم بشكل سليم لكنه استخدم أدوات وطرق غير صحيحة ولا تتناسب مع ما أدركه، ليؤدي ذلك إلى تشويه المعنى والتطبيقات، وانحراف المعاني عن مرادات المتكلم أو إرادة المصطلح وغايته المعنوية والمادية.
وتخدير المعنى بسوء التطبيق أو اشتباه الفهم يؤدي بالتبع ومع التقادم إلى استلاب الإرادة، وقد نقدم لذلك مثالا يقرب المراد.
الحياء
الحياء حياءان: حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل([1]).
مفهوم الحياء من المفاهيم المحورية المرتبطة في كثير من الروايات بالإيمان، لكنه مفهومًا فطريًّا بمعنى أنه قيمة ذاتية في كل إنسان، إلا أن الإيمان يعززه ويضبط مقاييسه وفق مبدأ العدالة، بمعنى أن هذه القيمة حينما تتجلى من القوة إلى الفعل تحتاج منهجا لضبطها وفق مبدأ لا إفراط ولا تفريط وإنما أمر بين الأمرين، حتى تؤدي الغاية والغرض منها كقيمة معنوية لها أبعاد مادية ومعنوية في حياة الإنسان، سواء على مستواه الفردي أو الاجتماعي، وفي فضاءاته التداوليّة كافة.
فالحياء يقع في عدة أبعاد:
ـ النفس، ويمكن وصفه بالحياء النفسي أو على مستوى الذات، وهو المنطلق.
ـ في السلوك، وهو الحياء السلوكي أو التطبيقي.
ـ في القول، وهو الحياء على مستوى الكلام باعتباره وسيلة تواصلية سواء مع الخالق أو مع خلقه.
هذه التقسيمات لتظهير الأبعاد، ولكنها في ذات الإنسان ونفسه في طول بعضها البعض، بمعنى أن الحياء ما إن يتحقق في النفس تحقّقا حقيقيّا، فإن ذلك سيظهر بالضرورة على جوارح الإنسان وفي سلوكه. فهذا ترتيب منطقيًّا يسمّى أسبقيّة رُتبيّة.
والحياء وفق التقسيم النبوي الشريف في الرواية السابقة هو على نوعين:
1ـ حياء عقل، وهو العلم.
2ـ حياء حمق، وهو الجهل.
والحماقة ضعف في الفهم والفكر والإدراك، ينتج عنه سوء تقدير وبالتالي سلوك يشوبه الجهل. واقتران العقل بالعلم في النوع الأول من الحياء، يؤكد على ضرورة إدراك هذا المفهوم ووعي أبعاده ودلالاته على مستوي الفرد والمجتمع، ووعي الزمان والمكان وآليات التطبيق، لأن أي خلل في تسييل المفهوم على الواقع الخارجي، خاصة فيما يتعلق بمسألة الحق والحقوق، فإن ذلك يورط الإنسان بالوقوع في الظلم، والخروج من مسار التّقوى التي هي أحد أهم ثمرات الحياء وأهدافها. فحياء العقل مقرون بالعلم كمقدمة مهمة للفهم والتطبيق.
وتحقق الحياء تحت مظلة العدالة في البعد النفسي هو منطلقا لتحققه في القول والسلوك، إلا أن اعتدال هذا المفهوم على مستوى الذات ليس بالضرورة يؤدي إلى اعتداله على مستوى القول والسلوك، والسبب هو الخلل الذي يقع فيه أكثرنا في تشخيص الواقع الخارجي والبناء على الشيء مقتضاه.
إن فهم الحياء على هذه المستويات يتطلب مقدمة معرفية ومن ثم إدراكيّة، فعلى مستوى المعرفة لابد من فهم كل مجال وفهم متطلباته ومنهجه وتطبيقاته، وفهم حجم التداخلات بين المجالات، هذا الفهم أيضا يتطلب إدراكا عميقا، فلا يكفي أن تعرف، بل عليك أن تدرك أنك تعرف، وهذا الإدراك متعلق بكيفية تسييل هذه المعرفة على واقعك النفسي الداخلي والخارجي، السلوكي والكلامي، وهنا تكمن المشكلة.
فنحن قد نعرف كيف يتحقق الحياء على مستوى النفس والسلوك والكلام، ولكننا نفتقر إلى إدراك هذه المعرفة، وكيفية تسييل معارفنا إلى خطط واستراتيجيات فعّالة، تحقق آثار الحياء ودلالاته على مستوانا الفردي والاجتماعي. وبمعنى آخر تشخيص الواقع الخارجي تشخيصا محاكيا للزمان والمكان ومدركا لمناسبة الآليات مع الهدف.
“وإلى هذا يذهب البعض إلى تعريف العقل بمعنى الحكمة في وضع الشيء موضعه، والموازنة السليمة بين الاحتمال والمحتمل والكُلفة، والقدرة على إنزال القيم والمبادئ على أرض الواقع بطريقة مناسبة، ومن مؤشراته أنه يتحدث بالزمان والمكان المناسب وبالكيفية المناسبة، وكذلك يفعل الفعل بالزمان والمكان المناسب والكيفية المناسبة. ومن مؤشراته الرفق والمداراة والوسطية، لذا لا ترى الجاهل إلا مُفرِطًا أو مُفَرّطًا. وربما إلى هذا المعنى أشار قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ) (البقرة ٢٦٩)”([2]).
وكما تعلمون فإن للحياء جنبة سلبية وجنبه إيجابية، والجنبة السّلبية عنوانها الإفراط والتفريط، وهي منقصة بحق الإنسان كونها تؤدي به إلى الجهل، والجبن، وإضاعة الحقوق، والظلم واستلاب الإرادة، بينما الجنبة الإيجابية المطلوبة أخلاقيا وإنسانيا ودينيا يحكمها مبدأ العدالة والوسطية، سواء العدالة النفسية الإدراكية، أو العدالة التنفيذية والإجرائية، وفق مبدأ لا إفراط ولا تفريط.
وقد تكون المرأة الأكثر ابتلاء في التشوهات الإدراكيّة لمفهوم الحياء، فغالبا ما تقع بين إفراط وتفريط، ويدعم غالبا هذه التشوهات الإدراكية عدة عوامل:
ـ العادات والتقاليد الاجتماعية التي غالبا ما يتم ترجيحها على الفهم المعتدل للشرع والشريعة.
ـ فهم متطرف للنصوص الدينية حول الحياء وخاصة المتعلق بالمرأة، وهو فهم غالبا متأثر بالبيئة المحيطة، أو بالفهم الفردي للنص، الذي يخدر المعنى ويسلب الإرادة غالبًا.
ـ الكسل العلمي الذي يصيب كثير من النساء في البحث الذاتي عن المعرفة وإدراكها من مظانها ومشاربها الصحيحة، والاعتماد الكلي على الآخر خاصة الديني، في رسم معالم المفاهيم وحدودها ودلالاتها.
ـ الاستسلام للواقع نتيجة تخدير المعنى، بالتالي سلب إرادتها نحو السؤال والتغيير.
إن تخدير معنى الحياء وسلب مراداته ودلالاته الحقيقية، سواء بتقويضه من الوجود الإنساني لتصبح المرأة بالذات سلعة، أو بفهمه بشكل متشدد متطرف بالتالي تعطل المرأة من وظيفتها الاستخلافية الصحيحة، يؤدي إلى سلب الإرادة، وبالتالي إفساد الفرد والمجتمع.
فالحياء يتطلب توازن كبير على مستوى النفس والفهم والإدراك، ويحتاج إلى استراتيجيات تطبيقية تدرك الزمان والمكان وتربط بين النص والواقع، ليس بشكل براغماتي سلبي، وإنما بشكل براغماتي إيجابي يحافظ على الثوابت، ولكنه يُسَيّل المعاني والمرادات وفق المتطلبات الزمانية والمكانية، لتحقيق الهدف من قيمة الحياء على مستوي الفرد والمجتمع.
فالحياء لا يعني العزلة، ولا يعني الجهل، ولا يعني الانكماش، ولا يعني الانهزام، ولا يعني الانغلاق في برادايم معرفي أوحدي، بل الحياء الأكبر الذي يجب عليه أن يدير كل هذه المستويات هو الحياء من الله وحده عز وجل، وليس الحياء من عياله وعباده، وهو ما يتطلب عزم وإرادة من الفرد لفهم الحقيقة ومواجهة الانحرافات لتعديل الواقع وتصحيحه بالقدر المتمكن، ووفق الطاقة والاستطاعة والقدرة التي تعني بذل أقصاها لهدف التصحيح والنهوض بإرادات المجتمع، وإحياء حقيقة المفاهيم ومراداتها لإعادة التوازن للأدوار والوظائف لمواجهة ظلال الشيطان وأتباعه.
فالحياء في إظهار الحق هو حياء حمق وجهل، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) (الأحزاب: 53).
لأن تصحيح المفاهيم ودلالاتها في الذهن البشري مقدمة مهمة لتعديل الواقع الخارجي، وهذا يتطلب عُدّة معرفية وعلمية، وإرادة نفسية وعقلية وسلوكية في مواجهة هذه التشوهّات المعرفية وإدراكاتها.
فالمرأة على سبيل المثال مطالبة ببذل أقصى جهدها لفهم قيمة الحياء وإدراك مساراتها العملية والتطبيقية بشكل آني واستراتيجي، ومن ثم تعديل مسار مفهوم الحياء لتفعيل دورها بشكل معتدل على مستواها الفردي والاجتماعي، وفي بعدها الحقوقي والحقيقي، لتدرك موقعها في الشبكة الإنسانية، وبالتالي تدرك وظيفتها مستظلة بمظلة الحياء من الله تعالى، وقد تواجه في ذلك المجتمع والأسرة والمحيط، وتواجه العادات والتقاليد المخالفة لشرع الخالق، وقد تواجه قبل كل ذلك مسلّماتها التي اعتادتها، واطمئنانها التسالمي المستمد من المحيط والفهم التقليدي غير المعتدل للدين، ومن العادة والاعتياد الذي غالبا ما تخلق شخصية نمطية، رتيبة في الفهم والإدراك.
ولقد قدم لنا الله تعالي في القرآن لنا نموذجين: مريم عليها السلام التي واجهت غلو المؤسسة الدينية اليهوديّة بحق المرأة، وفق تشريعات ليست ذات مصدر إلهي وإنما ذات فهم بشري يغلب عليها طابع البيئة الاجتماعية من عادات وتقاليد، تمنع من دخول المرأة إلي معبد الرّب، إلا أن مريم عليها السلام واجهت هذا الانحراف واختبرت في أقصى ما يمكن أن تُختَبر فيخ امرأة غير متزوجة وهي عفتها وحياءها، ورغم ذلك صمدت وصبرت وكانت مصداقًا جليًّا للعبودية لله تعالى، والنموذج الآخر آسيا بنت مزاحم التي آمنت ووحدت الله تعالى، وهي زوجة فرعون أعلى سلطة سياسية في الحكم آنذاك، وبالرّغم من ذلك فقد واجهت هذه السّلطة بالحق والحقيقة وقدمت لذلك حياتها في سبيل الله تعالى.
إن الفهم التعطيلي للحياء سواء كان بسلب قيمة الحياء كليّـًا من الإنسان، ليصبح مجرد جسدٍ لا يزداد بسيره إلا بعدا عن هدف خِلقته من خلال مبدأ التّفريط، أو بتعطيل وظيفته بمبدأ الإفراط في الحياء بشكل لا يؤدي من خلال ذلك وظيفته كما أرادها له الله تعالى شأنه ولا يكون في الموضع الذي يجب أن يكون فيه كذلك لا يزداد بسيره إلا بعدًا، ولكن هنا بعد عن إرادة المستخلِف من مفهوم الحياء، فكلاهما تعطيل للإنسان واستلاب لإرادته.
بين الله والإنسان
ولقد رسم الله من خلال التشريعات والقوانين الحدود التي على الإنسان التزامها، واعتبرها حدودًا من يتعدّاها يهلك، (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 229) فالظلم هو تعدّي حدود الله، والتعدّي قد يتم بعدم الالتزام بها وتضييعها، أو بالمبالغة بها، أو إضافة هوى الإنسان ورغباته إليها من خلال تأثّره بالبيئة المحيطة، أو وقوعه في الإفراط تحت عنوان العبادة والطاعة، رغم أن الله يريد أن نعبده كما يريد هو من خلال ما رسم وسن لنا من شرائع وقوانين، لا من خلال ما نحب ونهوى.
ولعل قصة إبليس خير نموذج قرآني في توضيح موضوع عبادة الله وعبادة الهوى، فرغم أن إبليس عبد الله مئات السنين، إلا أنه لم يسجد لآدم كما أمره الله، وقد أشار له الله أنه لو كان يعبد الله لكان امتثل لأمره، لكنه عبد الله كما يريد هو لا كما يريد منه الله أن يعبده.
وفي مثالنا حول الحياء قد تبتلى النساء في موضوع التنطّع في الدين، وهو المبالغة والتّكلّف الزّائد في أقوال وأفعال الدين، وهو مجاوزة للحدود الشرعيّة والتخطّي إلي ما لا يلزم من الأمور، وهو من مظاهر الغلو والتشدّد في الدين.
ويظهر ذلك جليّا في الحدود الشرعيّة للسّتر الشّرعي، فكثير من النساء تعتبر نفسها المرجعيّة في تشخيص اللباس الشّرعي، بينما المرجعيّة الحقيقية هي لله وما حدده من حدود ومعايير في تحقق السّتر الشّرعي، وهذه الحدود هي الواجبة على المرأة، والنقصان فيها معصية، والزيادة في الستر رغبة شخصية في السعي نحو الكمال لا يمكن تعميمها كفرض على الجميع، فالله لم يحدد زِيًّا رسميًّا للستر، وإنما وضع له معايير وحدود وشروط ما إن تحققت تحقق بها السّتر الشّرعي.
وأيضا وضع لها ضوابط في التعامل مع الآخر من غير المحارم، هذه الضوابط مع تحقق الستر الشرعي تمكنها من أداء وظيفتها خارج نطاق الأسرة، وهو ما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يندرج تحته كعنوان كلي من مصاديق كثيرة، تقوم بها كل امرأة وفق قابليتها وقدرتها وطاقتها، في حال كانت تريد أداء هذه الوظيفة في المجتمع، وهي أهل لها وكفؤ وتمتلك القابلية لذلك. فليس بالضرورة أن كل امرأة لها القدرة والقابلية لهذه الوظيفة خارج نطاق الأسرة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يبدأ من النفس ويمتد إلى الأسرة ومنها إلى المجتمع، فالبعض قد يكتفي بدائرته الخاصة المتعلقة بالنفس والأسرة، والبعض له قابلية للامتداد إلى المجتمع.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71).
فإن المركز الذي أحل الإسلام فيه المرأة بموازاة الرجل في كل ما تشترك فيه طباعهما ومؤهلاتهما، يخولها أن تشارك في العمل في حدود احترام التكاليف الشرعية التي تختص بها المرأة في زيها، ونمط علاقتها بالرجال الأجانب، وفي مسئولياتها الزوجية والعائلية.
فلا ريب في أن المرأة المسلمة تتحمل مع الرجل المسلم في المجتمع المسلم مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسئولية الاهتمام بأمور المسلمين. فلم يجعلها الشارع محايدة إزاء ما يجري في المجتمع. وما ورد في الكتاب والسنة المؤكدة في هذا الشأن شامل الرجال والنساء وليس مختصا بالرجال.
وجاء في تفسير هذه الآية للعلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” ليدل بذلك على أنهم مع كثرتهم وتفرقهم من حيث العدد ومن الذكورة والأنوثة ذوو كينونة واحدة متفقة لا تشعب فيها ولذلك يتولى بعضهم أمر بعض ويدبره.
ولذلك كان يأمر بعضهم بعضا بالمعروف وينهى بعضهم بعضا عن المنكر، فولاية بعض المجتمع على بعض ولاية سارية في جميع الأبعاض دخل في تصديهم الأمر بالمعروفة والنهي عن المنكر فيما بينهم أنفسهم.” انتهى
فهنا ولاية طرفانية بين المؤمنون والمؤمنات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشروطة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأهم طاعة الله ورسوله، وهذه الطاعة مرتبطة بالالتزام بالقوانين والتشريعات التي جاءت بها النبوة الهادية على يد نبي الرحمة محمد ص، بالتالي يلتزم كلاهما بهذه الشروط لتحقيق الوظيفة المنشودة في هذه الآية، لا أن يقوموا هم بإضافة شروط تخضع لاستمزاجاتهم وللأعراف والتقاليد التي لم يقرها العقل والشرع، وكأنهم أحرص على عباد الله من خالقهم.
وعدم الالتزام بالضوابط وشروط السّتر الشرعي لا يعني المنع والقمع، بل يعني السعي لترشيد المجتمع نحو كماله، وخلق بيئة تحكمها قيم العفة والعفاف والحياء، وهذا يتطلب مراس عقلي وتطبيقي، وخبروية شرعية واجتماعية، وفهم للزمان والمكان، ومتى وأين وكيف.
بالتالي من المهمّ جدًّا للإنسان الخليفة لكي يؤدّي وظيفته الاستخلافيّة أن يدرك ويفهم مُراد المُستَخلِف، ويؤدي دوره وفق هذه الإرادة دون نقصان أو زيادة، وإلا وقع في شباك الهوى والسير وفق إرادته هو ورغبته، وهو في نهاية المطاف يؤدي إلى تخدير المعنى واستلاب الإرادة الجدّية في تحقيق الهدف المنشود.
الهوامش
([1]) رسول الله صلى الله عليه وآله، أصول الكافي، ج ٢، باب الحياء، حديث رقم ٦، ص ١٠٦.
([2]) قصة آدم عليه السلام، د. مرتضى فرج، ص ٣٣٢، دار روافد، ط ١، ٢٠٢٥.