الشيخ محمد الخراساني (*)
المقدّمة
قاعدة (غسل الإمام) من القضايا المشهورة التي نشاهدها كثيراً هنا وهناك في ثنايا الكتب الإمامية، ومفادها: «إن غسل الإمام السابق لا بُدَّ أن يكون بيد الإمام التالي فقط». وقد بلغ أمرها إلى مستوى قاعدة واضحة عند كثيرٍ من علماء الإمامية، حتى أنهم يطرحون أو يؤوِّلون بعضَ الروايات الصحيحة في الفقه؛ بسبب منافاتها لهذه القاعدة([1]). ومن جهةٍ أخرى يبدو أنهم كانوا يتصوّرون القضية كعلامةٍ من علامات الإمامة، فحينئذٍ يجب أن نقدِّم جواباً في إثبات إمامة بعض الأئمّة^، كالإمامين الرضا والجواد’، حيث إنهما كانا في المدينة حينما استشهد الإمام السابق، وكانا على مسافةٍ شاسعة من بغداد وطوس، ولم يكونا حاضرَيْن في التغسيل (بحَسَب الظاهر على أقلّ تقدير). فمن أجل ذلك رأيتُ أن أخوض في البحث حول القاعدة. وفي هذا الإطار بذلتُ جهداً في البحث والتتبُّع لأعثر على كلّ الأدلة والروايات حول القاعدة، وجمعتُ كلّ ما خطر ببالي أنه يدلّ عليها، ولو بالإشارة. وفي هذه المقالة أخوض في دراسة ستّةٍ من هذه الأدلّة، سنداً ودلالة وتعارضاً. وسأقوم بدارسة باقي المدارك في مقالةٍ أخرى مستقلّة إنْ شاء الله تعالى.
منهجي في التحقيق
أتعرّض في هذه المقالة للبحث الدلالي في كلّ رواية، وأحاول أن أبيّن بعض الفقرات الغامضة فيها. ومن جهةٍ أخرى أتعرّض للبحث الرجالي في كلّ سندٍ أيضاً([2]). ومع ذلك لا أترك الرواية بمجرّد ضعف أحد رُواتها، بل أحاول توظيفها كقرينةٍ إلى جانب سائر القرائن ـ ولو كانت قرينة ضعيفة ـ؛ ليكون تحليلي أقرب إلى الواقع([3]).
وأقول أحياناً: إن الراوي «متّصف بالوثاقة». وهذا لأجل الإشارة إلى بعض المباني في علم الرجال يقول بعدم كفاية نصّ النجاشي وغيره في إثبات الوثاقة، بل يعتبره إحدى القرائن التي لا بُدَّ من إضافتها إلى قرائن أخرى. وحيث إني لا أرى هذا المبنى بعيداً عن أرض الواقع حاولت أن أعبِّر بـ «المتَّصف بالوثاقة» بدل «الثقة».
وهناك مبانٍ مختلفة في علم الرجال، ولا أريد الخوض فيها أبداً، وإنما أريد أن أشير هنا إلى القرائن الدالّة على ضعف الراوي أو وثاقته وفقاً للمباني المختلفة. وأتعرّض أحياناً للإشكال على كيفية تطبيق القاعدة على الراوي فقط([4]).
وإلى جانب كل هذه المباحث أذكر ما وصلتُ إليه من القرائن المختلفة التي لم تَرِدْ في المصادر الرجالية، لكنها مذكورةٌ في ثنايا المصادر المختلفة، كالتاريخ و…([5]).
وفي هذا الإطار لم أكتَفْ بالتتبُّع في المصادر الإمامية فقط، وحاولتُ أن أعثر على إشاراتٍ إلى أدلّة القاعدة في كتب الملل والنحل ومصادر الفِرَق الأخرى. وهناك فرقةٌ بين فِرَق الشيعة كانت لها علاقة وثيقة بهذه القاعدة، وهي الواقفية. لكنّهم انقرضوا وبادت مصادرهم برمّتها، ولم يصِلْ إلينا شيءٌ منها، سوى منقولات ضئيلة جدّاً، فلا تتوفَّر لدينا نصوصٌ منهم في هذه القاعدة، حتّى نستطيع أن نقوم بتحليلها.
مدارك القاعدة
الرواية الأولى: تقرير القاعدة من قِبَل الإمام الرضا×
«قلتُ له: إنهم يحاجّونا، يقولون: إن الإمام لا يغسِّله إلاّ الإمام، قال: فقال: «ما يدريهم مَنْ غسَّله؟! فما قلتَ لهم؟»، قال: قلتُ: جُعلت فداك، قلتُ لهم: إنْ قال مولاي: إنه غسَّله تحت عرش ربّي فقد صدق، وإنْ قال: غسّله في تخوم الأرض فقد صدق، قال: «لا [تقُلْ] هكذا»، قال: فقلتُ: فما أقول لهم؟ قال: «قُلْ لهم: إنّي غسَّلتُه». فقلتُ: أقول لهم: إنك غسَّلته؟ فقال: «نعم»»([6]).
البحث الدلالي
حينما يقول الراوي: إنهم يحتجّون علينا بهذه القضية لا يورد الإمام أيّ إشكال على أصل وجودها، وإنما يتعرّض لمصداقها، يعني الشخص الذي غسَّل الإمام الكاظم×، فكأنه يقول: إن القاعدة صحيحة، لكنهم لا يَدْرون أنّي غسَّلتُه. فهذا تقريرٌ من الإمام الرضا× ودليلٌ على وجود القاعدة.
والظاهر أن الراوي يسأل عن القاعدة كعلامةٍ من علامات الإمامة أو شيء قريب منه؛ لأن المقصود من «إنهم يحاجّونا» هو الواقفة. لكنّ العلاّمة المجلسي يطرح هذا الاحتمال أيضاً، وهو أن يكون المقصود هو العامّة، أي إنهم حاولوا أن يُشْكِلوا بهذا الشكل على إمامة أحد الإمامين، وأرادوا أن يلزمونا بما نعتقده([7]). لكنّ الظاهر أن المراد هو الواقفة؛ لقرائن سأشير إليها في الهامش([8]).
ويبدو من «ما يدريهم مَنْ غسَّله؟!» أن الإمام الرضا× يريد أن يقول: إن الأمر اشتبه على الناس في غاسل الإمام الكاظم×، ولا يدرون أنّي غسَّلتُه في الباطن([9]).
وتبقى نقطةٌ، وهي: ما هي العلّة من وراء عبارة: «لا هكذا»؟ قال بعضهم: إن الراوي كان يجيب متردّداً، فأراد الإمام الرضا× أن يجيب بتاتاً وعلى الأكيد، من دون طرح حالات مختلفة([10]). ولا يبعد هذا الاحتمال([11]).
البحث السندي
سند الحديث: «الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عمر الحلاّل أو غيره، عن الرضا×». وأترك البحث حول الرجال الآخرين في السند؛ فإنهم متَّصفون بالوثاقة في كتب الرجال([12])، كالحسين بن محمد بن عامر([13]) والوشّاء([14]) والحلاّل([15])، وأكتفي بمعلّى بن محمد البصري؛ حيث إنه ورد في كلّ أسانيد روايات الكافي في هذا الباب، فتكون معرفته هامّةً بالنسبة إلينا في دراسة القاعدة:
القرائن على ضعفه: تضعيف النجاشي([16]) وابن الغضائري([17]).
والقرائن على اعتبار الحديث من جهته:
1ـ رواية الأجلاّء والثقات عنه([18]).
واعتبره الشيخُ الصدوق صاحبَ كتابٍ معتمد في مشيخته([19]).
2ـ سياق كلام النجاشي وابن الغضائري: رغم أن النجاشي ضعَّفه لكنّه قال: «كُتُبه قريبة»، فيمكن أن نعتبره قرينةً على أن تضعيفه ناشئٌ من ضعف مذهبه. وكذلك ابن الغضائري؛ لأنه اكتفى في تقويم حديثه بأن يقول: «يُعْرَف ويُنْكَر»، فهذا دليلٌ على أن ضعفه في رؤيته يرجع إلى محتوى أحاديثه وعدم انسجامه مع العقيدة الصحيحة.
ومن جهةٍ أخرى اتّهمه ابن الغضائري بالنقل عن الضعفاء، لكنّ هذا الاتهام لا يدلّ على مشكلةٍ في نفس الرجل. وقال أيضاً: «يجوز أن يخرج شاهداً»، فهذا قرينةٌ أخرى على أن الرجل ليس ضعيفاً في رؤيته بمثابة الضعفاء الآخرين، فإن ابن الغضائري قام بتضعيف فريقٍ من الرواة بلهجةٍ عنيفة، بحيث لا يرضى بالنقل عنهم ولو كـ «شاهدٍ» فقط.
3ـ إنه من مشايخ الإجازة، فإنْ لم تثبت وثاقته فهذا لا يضرّ بالسند شيئاً؛ لأن ذِكْرَه كان لمجرّد الاتصال في الطريق إلى كتب الأصحاب، وخصوصاً لورود الوشّاء في هذا السند، فإن المعلّى كان في طريق كتب الوشّاء غالباً([20]). لكنّ هذا الوجه لا يفيد هنا أيضاً؛ لوجود كُتُبٍ لنفس المعلّى([21])، فيُحتَمَل أن تكون الرواية من نفس كُتُبه، ولم يكن المعلّى مجرّد راوٍ لكتب الآخرين. ويؤيِّده أن الراوي لكتب المعلّى هو الحسين بن عامر الأشعري غالباً([22])، وهو موجودٌ في هذا السند أيضاً. وخصوصاً أن السند في كلّ هذه الروايات الثلاث المتوالية في هذا الباب من الكافي يبدأ من ابن عامر عن المعلّى، ويختلف الرواة بعد المعلّى؛ فإنه قرينةٌ قوية على أن هذه الروايات من نفس كتاب المعلّى([23]).
4ـ وروده في أسناد كامل الزيارات([24]) وتفسير القمّي([25]). لكنّ السند في التفسير يبدأ من ابن عامر الأشعري، ومن الواضح أن عليّ بن إبراهيم لا ينقل عنه([26]).
هذا، وإنْ لم نقبل بوثاقة المعلّى فإننا نواجه مشكلةً كبيرة في هذه القاعدة؛ لأن الرجل وقع في سند كلّ الروايات في هذا الباب من الكافي ـ كما تقدَّم ـ. وحيث إن روايات الكافي من أهمّ أدلّة القاعدة فمع عدم الوثوق بها يحتمل أن نفقد وثوقنا بأصل القاعدة أيضاً، إلاّ أن نعثر على رواياتٍ أخرى معتبرة.
لكنْ في خصوص هذه الرواية حتّى لو قَبلْنا بوثاقة المعلّى تبقى مشكلة الإرسال في الرواية على حالها؛ لأن الراوي الأخير مردّدٌ بين أحمد بن عمر وغيره. لكنْ يمكن أن نقول: إن رجال السند كلهم متَّصفون بالوثاقة([27]) ـ بعد التسليم بوثاقة المعلّى ـ، ويبقى التردُّد في الراوي الأخير فقط، وهذا الترديد أيضاً إنما هو بين رجُلَيْن، أحدهما منصوصٌ على وثاقته، فتحظى الرواية بقوّةٍ في حساب الاحتمالات، رغم أنها ضعيفة. وإضافةً إلى ذلك يبدو من كلام الراوي عدم وجود شائبة من الوقف والشكّ فيه. فيمكن أن نستفيد من الرواية كقرينةٍ إلى جانب سائر القرائن، وإنْ كانت وحدها غير مُجْدية.
الرواية الثانية: إنها سنّة موسى بن عمران×
«سألتُ الرضا× عن الإمام يغسِّله الإمام؟ قال: سنّة موسى بن عمران×».
البحث الدلالي
يتَّضح من الرواية أن الإمام الرضا× يؤيِّد أصل القاعدة. نعم، لا يتّضح معنى القاعدة التي يؤيِّدها الإمام، إلاّ أن نقول ـ كما تقدّم في الرواية السابقة ـ: إن ذهنية طرح هذا السؤال في تلك الفترة كانت متأثِّرة من شبهات الواقفة، فهي بمعنى علامة الإمام، أو قريبة منه. وعليه فالمعنى الذي يقرِّره الإمام الرضا× أيضاً هو هذا المعنى.
لكنّ هذه الرواية رُبَما تنافي روايةً أخرى في الإمامية تقول: «يغسّل كلَّ نبيٍّ وصيُّه»([28])، فمعناها أن هذه السنّة ليست سنّة موسى بن عمران، بل هي سنّةٌ معمولٌ بها قبله، عبر القرون السابقة في كلّ نبيٍّ([29]). ويؤيِّده ما ورد من تغسيل آدم× بيد وصيِّه شيث النبيّ×([30]). بل ورد أن آدم أوصاه بذلك([31]).
ويمكن أيضاً أن نقول: إن «السنّة» هنا ليست بمعنى الطريقة التي أسّسها النبيّ موسى×؛ لأن «سنّة فلان» ليست بمعنى تأسيس الطريقة بالضرورة، بل رُبَما تنسب «السنّة» إلى شخصٍ قام بإحيائها بعدما ضعُفَتْ بمرور الأيام، ففي مثل هذه الحال رُبَما كانت السنّة موجودةً قبل ذلك الشخص أيضاً، لكنّها تُنسب إليه. لكنّ هذا الاحتمال رُبَما لا ينسجم مع حديث «يغسّل كلَّ نبيٍّ وصيُّه»، فيبدو منه أن هذه السنّة كان يُعْمَل بها دائماً وفي كل نبيٍّ، ولم تكن متروكةً في فترة من الأيام([32]).
ويمكن أن نقول أيضاً: إن «سنّة فلان» قد تُستعمَل في الأحاديث بمعنى الواقعة التي حدثت في ذلك الشخص، ولم تكن ضرورةً بمعنى الطريقة التي وظَّفها ذلك الشخصُ، كما ورد أن «خفاء المولد» سنَة موسى بن عمران([33]). فإذا كان بهذا المعنى فالأنسب أن يكون بمعنى تغسيل موسى بيد وصيّه يوشع. لكنّ هذا المعنى أيضاً ينافي روايةً أخرى في الإمامية ـ وهي مذكورةٌ في مصادر أهل السنّة أيضاً ـ في كيفية وفاة موسى×([34])، فإنها تقول بأن موسى ودَّع وصيَّه يوشع، ثمّ خرج وتوفي، ودفنته الملائكة، فيبدو منه أن يوشع لم يكن حاضراً عند غسله أصلاً([35]).
وطرح العلاّمة المجلسي هنا عدّة احتمالاتٍ، منها: «أي غسله وصيُّه في التيه وحضر حين موته، أو المراد أن الملائكة غسَّلوه، كما هو المشهور في الكليم وظاهر الخبر [رواية كيفية وفاة موسى×]… ويحتمل أن يكون المراد بسنّة موسى× أنه غسَّله معصومٌ، فلا بُدَّ أن يغسِّل الإمام معصومٌ»([36]). إذا تصوّرنا الاحتمال الثاني الذي ذكره مستقلاًّ عن الاحتمال الثالث فلا يفيد في إثبات القاعدة شيئاً؛ إذ ما هي العلاقة بين غسل الملائكة وبين قاعدة غسل الإمام؟! وإذا تصوّرناه منضمّاً إلى الاحتمال الثالث فهو دليلٌ على القاعدة يقول: إن الملائكة قاموا بتغسيله، وهم معصومون، فالسنّة أن يقوم معصومٌ بالتغسيل. لكنْ لا أظنّ أن يكون وعيٌ واستدلالٌ من هذا القبيل معروفاً في أواخر القرن الثاني الهجري. ومن جهةٍ أخرى الظاهر أن المجلسي يطرح الاحتمال الثالث كاحتمالٍ مستقلّ، لكنه نفس الاحتمال الأوّل، وليس هناك فرقٌ بينهما. ومضافاً إلى ما تقدَّم هو معارَضٌ برواية كيفية وفاة موسى×.
وهناك احتمالاتٌ أخرى أيضاً مطروحة في بعض الشروح، ككون المراد أن موسى قام بتغسيل هارون([37])، أو أنه غَسَّل شعيباً([38]). لكنّها أيضاً تنافي رواية وفاة موسى بن عمران؛ لأن وفاة هارون وشعيب كانت قبل وفاة موسى، فلا بُدَّ من إجراء هذه السُنّة في نفس تغسيل موسى× أيضاً. إلاّ أن نقول: إن السنّة ليست بمعنى الطريقة المستمرّة ضرورة، ورُبَما استُعملت أحياناً بمعنى واقعة في الحياة، كما تقدَّم.
فيبدو أن الوجوه التي ذكرها الشارحون هنا ليست عُرْفيّة، فإذا لم يكن بإمكاننا أن نجمع بين هذه الرواية والقرائن العكسية في مقابلها تنخفض قيمة الاستدلال بهذه الرواية.
البحث السندي
سند الحديث: «الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن جمهور قال: حدَّثنا أبو معمر».
محمد بن جمهور: صرَّح النجاشي وابن الغضائري بضعفه في الحديث والمذهب معاً([39]). وفي المقابل هناك قرائن رُبَما يستدلّ بها على وثاقة الرجل:
1ـ رواية كتبه من قِبَل الأجلاّء([40]).
2ـ إن أغلب التضعيفات ناشئة من الاتّهام بالغلوّ، كما هو واضحٌ هنا من سياق كلام ابن الغضائري([41]). ومن المحتمل أن يكون النجاشي أيضاً متأثِّراً بابن الغضائري في تضعيفه. ورُبَما كان قولهم: «ضعيف في الحديث» مشيراً إلى محتوى رواياته، ولا يدلّ على عدم وثاقته في نفسه بالضرورة، كما تحقَّق في محلّه.
3ـ ذكر ابن النديم أن الرجل «يُعَدّ في خاصّة أصحاب الرضا×»([42]).
4ـ ورود مدحٍ له في بعض أسناد الرسالة الذهبيّة([43]).
5ـ ومدحه القاضي التنوخي([44]).
والنتيجة أن مَنْ يقتنع بهذه القرائن، خصوصاً القرينتين الأولى والثانية([45])، يستطيع أن يعتبر الحديث صحيحاً من جهة ابن جمهور.
مَنْ هو «أبو معمر» في هذا السند؟
لم أجِدْ مَنْ عرَّف أبا معمر في هذا السند. ويحتمل ـ في ظنّي ـ أن يكون لفظ «أبو معمر» هنا تصحيفاً من كلمة «معمر». والظاهر أنه معمر بن خلاّد. والقرينة عليه وجود حديث آخر بسندٍ مثل سند هذا الحديث تماماً([46])، ويروي فيه ابن جمهور، عن معمر بن خلاّد، عن الرضا×. فرواية ابن جمهور عن ابن خلاّد ثابتة بذاك السند. ورواية معمر بن خلاّد عن الرضا× أيضاً ثابتة؛ لوجود عدّة روايات عنه، عن الرضا×.
ومن جهةٍ أخرى تتبَّعتُ في كثير من التراث الرجالي والحديثي في الكتب الإمامية وأهل السنّة أيضاً، وبحثتُ عن كُنى الرواة عن الرضا×، ولم أجِدْ مَنْ تكنّى بهذه الكنية وهو يروي عنه×.
ومن جهةٍ أخرى ليس من الغريب أن يضاف «أب» و«ابن» في استنساخ الكتب.
فإنْ كان «أبو معمر» مصحّفاً من «معمر» فيمكن اعتبار الرواية من جهته صحيحةً، لورود توثيق معمر بن خلاّد([47]).
لكنْ هناك قرائن عكسية في المقابل: هناك عدّة أشخاص يروي عنهم ابن جمهور أحاديث قليلة، وهم أيضاً مجهولون([48]). فليس كلّ مَنْ يروي عنه ابن جمهور أشخاصاً معلومي الحال حتّى نتمسّك بالقرينة التي ذكرتُ. بل رُبَما كان «أبو معمر» كنيةً لهؤلاء المجهولين. وإضافةً إلى ذلك يبعد وقوع مثل هذا التصحيف في كلّ المخطوطات الكثيرة المتنوّعة للكافي([49]). ومن جهةٍ أخرى إن السند الذي ذكرتُه إنما يساعدنا في طرح الاحتمال، وإذا أردنا إثبات هذا الاحتمال فإن ذلك السند وحده لا يكفي، ونحتاج إلى ضمّ قرائن أخرى إليه، لكنّي لم أعثَرْ على شيءٍ آخر في هذا المجال. فإذن لا بُدَّ من التوقُّف في أبي معمر.
ونستخلص من جميع ما تقدَّم أن الرواية ضعيفة؛ بسبب جهالة أبي معمر. وفي ابن جمهور أيضاً تأمُّلٌ ونظر. وهذا كلّه مع غضّ النظر عن وجود المعلّى بن محمد في السند، وقد تقدَّم ذكره.
الرواية الثالثة: إشارة إلى حضور الملائكة في التغسيل
«قلتُ للرضا×: إن الإمام لايغسِّله إلاّ الإمام؟ فقال: «أما تدرون مَنْ حضر؟ لعلّه قد حضره خيرٌ ممَّنْ غاب عنه، الذين حضروا يوسف في الجبّ حين غاب عنه أبواه وأهل بيته»»([50]).
البحث الدلالي
إن جواب الإمام الرضا× يحتمل عدّة وجوه، ولا يبدو منه أنه قد قَبِل بهذه القاعدة. بل رُبَما نفهم عدم صحّة القاعدة من هذا الجواب، بأن نقول: إن الإمام لا يقول شيئاً في تقرير القاعدة، وإنما يُشير إلى حضور الملائكة ـ كاحتمالٍ ـ في غسل الكاظم×. ولا أدري كيف ذكر الشيخ الكليني& هذه الرواية في هذا الباب؛ لإثبات القاعدة؟! كما أن كلّ الوجوه التي ذكرها الشارحون حول الرواية إنما هي تأويلاتٌ في حلّ التنافي بينها وبين القاعدة، فيبدو أن الرواية لم تكُنْ في رؤيتهم دالّةً على القاعدة.
مَنْ هو الحاضر في الجبّ عند يوسف×؟
في البداية لا بُدَّ أن نعرف مَنْ كان حاضراً عند يوسف× في الجبّ. وبحَسَب تتبُّعي هناك رواياتٌ في مصادر الإمامية، وأيضاً عند أهل السنّة، تدلّ على حضور جبرئيل×([51]) أو مَلَكٍ([52])، وأيضاً حضور جنّي([53]). ولم أجِدْ إشارةً إلى حضور الأئمة^ في الجبّ في مصادر الإمامية، فضلاً عن أهل السنّة. ويؤيِّده أن عدداً من الشارحين أيضاً ذكروا أن الحاضر في الجبّ هو جبرئيل أو الملائكة، ولم يشيروا إلى حضور الأئمّة حتّى بصورة الاحتمال، مع أنهم كانوا بصدد الجمع بين الرواية والقاعدة، وحاولوا كثيراً رفع التنافي بينهما([54]). وعليه لا يمكن أن نقول: رُبَما كان المراد من «الذين حضروا» هم الأئمّة^ حتّى نستطيع أن نقول: لا تنافي بين الرواية والقاعدة.
دراسة مفردات الحديث
ولا بُدَّ أيضاً أن نبحث حول بعض المفردات في الحديث:
«لعلّه»: تدلّ هذه الكلمة على عدم الجزم، لكنْ ما هي العلّة من وراء استعمال هذه الكلمة في الرواية؟ رُبَما يمكن أن نستفيد من هذا الترديد في طرح احتمالات أخرى في الرواية، كالتقية و…، حتّى نقول بأن الإمام الرضا× كان في ظروف خاصّة، ولم يكن بإمكانه أن يصرِّح بالحقيقة، وبالتالي نقول: إن الرواية لا تُعارِض الرواية الأولى التي صرَّح فيه الإمام بحضوره، مع الجزم ومن دون أيّ ترديدٍ.
في هذا الإطار خطر ببالي احتمالٌ آخر في معنى «لعلّ» في هذا السياق، بأن نقول: إن الكلمة ليست هنا بمعنى الترديد، وإنما هي بمعنى الإثبات، كأنّ الإمام يريد أن يقول: لماذا لا تلتفتون إلى هذا الوجه أيضاً؟ وفي توضيح الفكرة أذكر مثالاً: حينما يقول شخصٌ: «لماذا جئتَ مؤخَّراً؟!»، ويوبِّخنا بذلك، نقول في جوابه: «لا تدري، لعلّ التأخير كان لأجل عُذْرٍ». في هذا الجواب ليس هناك ترديدٌ في وجود العُذْر، بل نريد أن نقول: لماذا لا تلتفت إلى هذا الوجه أيضاً، وهو أني كنتُ معذوراً. وفي هذه الرواية أيضاً رُبَما نستطيع أن نقول: ليس هناك ترديدٌ في جواب الإمام الرضا×، وإنما يريد أن ينبِّه المخاطب أن هناك وجهاً آخر ولا تلتفت إليه. ولا يبعد هذا الاحتمال هنا. ويؤيِّده ما ورد في بعض الروايات بأن كلمة الترجّي في سياقٍ خاصّ بمعنى الإيجاب([55]). ويؤيِّده أيضاً ما ورد في بعض نُسَخ الكافي من وجود «لِغُسله» بدل «لعلّه»([56]).
وعليه ليس هناك ترديدٌ في العبارة.
ومن جهةٍ أخرى إن احتمال التقية من السلطان ينافي روايات أخرى تقول بأن الإمام الرضا× لم يكن يوظِّف التقية في إبراز إمامته في زمن هارون الرشيد، بل كان يُعلنها بشكلٍ صريح، بل كان يعتبرها كعلامةٍ لإمامته أن هارون لا يستطيع أن يصل إليه بمكروهٍ أبداً([57]). وبعد موت الرشيد أيضاً انتشرت دعوى إمامته، فلم يكن معنىً للتقية فيه. واحتمل بعضهم أن التقية هنا من ضعفاء العقول من الشيعة([58]).
«أما تدرون»: توجد الألف في هذه الكلمة في كلّ مخطوطات الكافي في طبعة دار الحديث. لكنْ ورد في شرح المازندراني: «وفي بعضها: «ما تدرون» بدون الهمزة، وهو الأظهر»([59]). فإذا كانت الألف من نفس كلام الإمام× يبدو أن الجملة استفهامية إنكارية، ومعناها: أحقّاً لا تدرون الحقيقة؟! وعليه يبدو أنه كان يليق بهم أن يدروا هذا الأمر، وإلاّ فلا معنى لهذا الاستفهام. فإنْ كان الأمر كذلك فهل هو بمعنى أن القضية كانت واضحةً وجليّة؟ وهل هو بمعنى علوّ مقام الكاظم×، حيث إن حضور الملائكة في غسله واضحٌ، فلماذا لا تدرون؟ أو بمعنى آخر؟ ومن ذلك رُبَما يبدو أنا نواجه إبهاماً في فهم معنى الحديث. لكنْ على أيّ حال ليست زيادة حرف واحد وسقوطه في المخطوطات شيئاً غريباً، فلا يمكن أن نبني عليه هذه الاستنباطات الدقيقة. لكنّ الظاهر أن الملاّ المازندراني كان يفهم من الألف مثل ما ذكرنا، ولأجل ذلك قال: «هو الأظهر».
«الذين حضروا…»: إن «الذين» هنا بدل عن «خير»، والمراد بهم الملائكة. والمراد ممَّنْ غاب نفس الإمام الرضا×، كما يبدو من السياق. والظاهر أن المراد من «مَنْ حضر في الجبّ» هو الملائكة. فإذن هناك دلالةٌ في الجملة على أن مَنْ حضر غسل الإمام الكاظم× هو الملائكة، لا الإمام الرضا×، وخصوصاً بقرينة «غاب عنه أبواه وأهل بيته». ويبدو منه أن الملائكة أفضل من الإمام الرضا×.
لكنّ هذا الفهم من الرواية يعاني من عدّة مشاكل:
إن هذا الجواب لا يفيد في مقابل الواقفية؛ لعدم وجود إشارة إلى حضور الإمام في الغسل، إلاّ أن نقول: أن إلامام كان بصدد الإشكال على أصل هذه القاعدة. لكنْ لا أرى أن يكون هذا السياق مناسباً للإشكال على كبرى القاعدة أيضاً.
ومن جهةٍ أخرى إن الرواية تنافي الروايات الأخرى للإمام الرضا× في تقرير القاعدة وتأييدها، وخصوصاً الرواية الأولى التي تقدَّم ذكرها([60]).
ومن جهةٍ أخرى إن أفضلية الملائكة على الإمام المعصوم، وأيضاً على النبيّ يعقوب×، معارضة للروايات الأخرى الدالّة على أفضليتهم على الملائكة([61])، وهو بحثٌ طويل، ولا أخوض فيه. وحاول بعض الشرّاح رفع هذا التنافي بالقول: «يمكن دفعه بأن المراد خيرٌ منه بزعمكم، أو خير منه من حيث إنه بشرٌ»([62]).
وقال بعضهم: إن الحضور لا يدلّ على الغسل ضرورة، يعني يحتمل أن يكون المراد أن الملائكة كانوا حاضرين عند الغسل، لكنهم لم يغسِّلوه([63]). وهذا الاحتمال جيدٌ؛ فإن لفظ الحضور لا يدلّ على الغسل بدلالته اللغوية، بل وجدتُ في بعض الاستعمالات إطلاقَ لفظ الحضور على مَنْ لم يتولَّ من الغسل شيئاً([64]). لكنّ «الحضور» في سياق الجواب عن هذا السؤال بمعنى الغسل، فإنه استُعمل بحيث لا يَدَع للمخاطب أيّ ترديدٍ في إرادة هذا المعنى منه. ومن جهةٍ أخرى إن هذا الاحتمال لا ينفع شيئاً هنا؛ لأن حضور الملائكة في هذا الحديث في مقابل غياب أهل بيت الكاظم× في غسله، والإمام الرضا× منهم، فإذن ليس هناك فرقٌ بين دلالة الحضور على الغسل أو لا، فإن الحديث على أيّ حال يدلّ على عدم حضور الرضا×.
ويحتمل ـ كما يبدو من وجود نوعٍ من الغموض في العبارة ـ أن الإمام الرضا× لم يكن في ظروفٍ تسمح له بأن يجيب بصراحة؛ لأجل ملاحظاتٍ لا تتّضح لدينا، وخصوصاً أن الراوي شخصٌ مجهول لا نعرف شيئاً حول اتجاهاته، فرُبَما كان عامّياً أو واقفياً أو…. لكنّ هذا الاحتمال بعيدٌ عن أرض الواقع؛ فما هي تلك الملاحظات؟! وكان الإمام الرضا× لا يوظِّف التقيّة من هارون في إبراز إمامته، فكيف يوظِّفها في مقابل شبهات الواقفية؟! مع أن المفروض وجود جولةٍ هائلة للواقفية وشبهاتهم في أذهان الشيعة في تلك الظروف المعقَّدة في بدايات إمامة الرضا×. إذن يبعد أن الإمام× لا يجيب هنا بصراحةٍ؛ لاقتلاع شبهاتهم. وهذا من الأسباب التي رُبَما تشكِّكنا في الوثوق بأصل هذه الرواية([65]). ومن جهةٍ أخرى إن الراوي عن طلحة هنا هو يونس بن عبد الرحمن، وهو من أعظم علماء الإمامية القدماء، وورد أنه كان متشدِّداً في أخذ الحديث([66])، ويبعد منه أن يروي مثل هذه الرواية عن عامّي أو واقفي…، فهناك دَوْرٌ كبير لمذهب الراوي واتجاهاته في الوثوق بمثل هذا الخبر الذي له علاقةٌ وثيقة بأصل إمامة الإمام الرضا×.
وقال العلاّمة المجلسي: «ظاهره تقيّة… وباطنه حقّ؛ إذ كان× حاضراً، وهو خيرٌ ممَّنْ غاب، وحضرت الملائكة أيضاً»([67]). فإذن لا نواجه الإشكالات السابقة، لكنّه مخالفٌ لنفس سياق الرواية، حيث إن فاعلَ «قد حضره» هو «خير»، وقد فُسِّر بـ «الذين»، وهو بمعنى الملائكة. بل إن نفس كون «الذين» جمعاً مؤيِّدةٌ لكون المراد هو الملائكة، حيث إنه لا تناسب الإمامَ الرضا×؛ لأنه مفرد، إلاّ أن نقول بأن المراد من «الذين» هو الإمام الرضا× والملائكة معاً. وعليه يجب أن نقول بحضور الأئمة في الجبّ، وقد تقدَّم عدم وجود إشارة إلى حضورهم في رواياتنا. كما أن نفس المجلسي أيضاً ذكر أن الحاضر في الجبّ هو جبرئيل بحَسَب الروايات، ولم يُشِرْ إلى حضور الأئمّة([68]).
وعلى أيّ حال الظاهر أن الرواية على خلاف القاعدة، ولذلك حاول بعض العلماء ذكر وجوهٍ في رفع هذا التنافي، فإنْ لم تكن على خلافها فلا أقلّ من القول بإجمالها، فليست هذه الرواية من أدلّة القاعدة أبداً.
البحث السندي
«عنه، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن يونس، عن طلحة».
طلحة مجهول، ولم أعثر على ترجمةٍ له. نعم، ذكر بعضهم أنه عامّي([69]). وليس صحيحاً لقرائن أشَرْتُ إليها في الهامش. لكنّ يونس من أصحاب الإجماع([70])؛ فإذا قلنا بالقاعدة الرجالية أن كلّ مَنْ يروي عنه أصحابُ الإجماع ثقةٌ، أو بالقاعدة الحديثية أن روايتهم معتبرةٌ وإنْ لم تثبت وثاقة المرويّ عنه، فيمكن تصحيح الرواية في طلحة.
الرواية الرابعة: تصريح الإمام الرضا× بصحّة القاعدة
«كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا×: إنا قد روينا عن أبي عبد الله×: إن الإمام لا يغسِّله إلاّ الإمام، وقد بلغنا هذا الحديث، فما تقول فيه؟ فكتب إليَّ: إن الذي بلغك هو الحقّّ. قال: فدخلتُ عليه بعد ذلك، فقلتُ له: أبوك مَنْ غسَّله، ومَنْ وَلِيَه؟ فقال: لعلّ الذين حضروه أفضل من الذين تخلَّفوا عنه، قلتُ: ومَنْ هم؟ قال: حضره الذين حضروا يوسف×، ملائكة الله ورحمته»([71]).
البحث الدلالي
يصرِّح الإمام الرضا× هنا في الجواب الأول بأن القاعدة صحيحة.
وإن الجواب الثاني للإمام هنا شبيهٌ بسياق الرواية السابقة، ويمكن أن يبيِّن لنا بعض الغوامض الموجودة فيها. كما ورد هنا تصريحٌ بأن فاعلَ «حضره» هو الملائكة، بخلاف الرواية السابقة. وكلّ ما تقدم فيها يأتي هنا أيضاً، كمعارضة الرواية الأولى في الكافي، حيث صرَّح الرضا× بأنه غسَّل الإمام الكاظم، و…، فلا أكرِّره.
هناك فرقٌ بين هذه الرواية والسابقة، أن «لعلّ» في الرواية السابقة كانت تدلّ ـ بحَسَب العبارة ـ على ترديدٍ في حضور الملائكة، لكنّها هنا تدلّ على الترديد في أفضلية الملائكة على الأئمّة^.
والظاهر أن المراد بـ «رحمته» هو ملائكة الرحمة، فإن هذا التعبير موجودٌ في الأحاديث([72]). فيبدو أن عطفَ «رحمته» على «ملائكة الله» عطفٌ تفسيري([73])، والمعنى: «ملائكةُ الله يعني ملائكةُ رحمتِه». لكنْ يمكن أن يخطر بالبال أن الرحمة هنا بمعنى الأئمّة^، فليس هناك منافاةٌ بين الرواية والقاعدة. كما أن المجلسي فسَّره بهذا المعنى([74]). ويمكن أن أذكر في تأييد هذا الاحتمال أن هذا اللفظ ورد في بعض الأحاديث تعبيراً عن الأئمّة^([75]). لكنها قرينةٌ ضعيفة، كما بيَّنتُه في الهامش. ومن جهةٍ أخرى تقدَّم مراراً أن الحاضر في الجبّ عند يوسف× هو الملائكة، ولا إشارة في المصادر إلى حضور الأئمّة هناك. فهذا الاحتمال ضعيفٌ هنا. نعم، لا أريد إنكار احتمال حضور الأئمّة^ في الجبّ، فرُبَما حضروا بشكلٍ باطني، وليس بعيداً عن القدرة الإلهية أن يرسلهم إلى يوسف×، وإنما أقول: ليس هناك رواية عن أهل البيت^ تدلّ عليه، فإنه مجرّد احتمال.
ويمكن أن نقول: إن الجواب الأوّل من الإمام كان واضحاً وصريحاً في تأييد القاعدة، لكن الجواب الثاني فيه شيءٌ من الغموض والإجمال، فلا يدلّ على شيء. ولا دليل على سراية إجماله إلى الجواب الأوّل. فالنتيجة أن الرواية تثبت القاعدة. لكنْ لا أظنّ أن يكون هذا المنهج في تفسير الرواية مطابقاً لأرض الواقع، فإن العُرْف حينما يرى المنافاة بين الجوابين رُبَما يشكّ في فهمه من الجواب الأوّل أيضاً، فيمكن أن يسري الإبهام من الجواب الثاني إلى الجواب الأوّل، بأن نقول: المعنى الذي أراده الإمام الرضا من القاعدة شيءٌ آخر.
ويمكن أن نقول أيضاً: إن الإمام الرضا× يؤيِّد وجود أصل القاعدة في الجواب الأول، لكنْ لا ندري أيّ معنى وتفسير من القاعدة كان مراداً له×. وبقرينة الجواب الثاني نعرف أن الإمام منذ البداية لم يقصد أن القاعدة علامةٌ من علامات الإمامة، بل رُبَما قصده بمعنىً آخر. وسأتعرّض بالاحتمالات المختلفة في معنى القاعدة في المقالة التالية إنْ شاء الله تعالى.
البحث السندي
الحديث في كتاب مختصر البصائر، للحسن بن سليمان الحلّي، وهو متَّخذٌ من كتاب بصائر الدرجات، لسعد بن عبد الله الأشعري([76]). وهناك إبهامات في هذا الكتاب، وكيفية اتصال الحلّي بالأشعري، الأمر الذي يؤثِّر مباشرة في وثوقنا بهذه الرواية أيضاً، أكتفي بذكرها في الهامش؛ خوفاً من الإطالة([77]).
السند: «حدَّثنا معاوية بن حكيم، عن إبراهيم بن أبي سمال».
معاوية بن حكيم من الأجلاّء([78]). وإبراهيم أيضاً متّصف بالوثاقة([79]). وإضافة إلى ذلك روى كتابَه بنو فضّال([80]). لكنّ اللافت للنظر أنه اعتبر من الواقفة في بعض المصادر([81]). وهناك دَوْرٌ هامّ لمعرفة مذهب الراوي في حصول الوثوق لنا بالرواية في مثل هذه القضية المرتبطة بأصل المذهب([82]). فهذا الاتّهام يواجهنا مع مشكلةٍ في الوثوق بالرواية. بل يمكن أن أضيف قرينةً أخرى على كون الرجل من الواقفية وهي أنه رُبَما يكون سببُ شكِّ إبراهيم في إمامة الرضا× هو نفس هذه الرواية، فهناك تنافٍ بين الجواب الأوّل والثاني. لكنّ هذا الإشكال يمكن دفعه بعدم وثوقنا بالرواية بمجرّد ذكرها في كتاب مختصر البصائر، كما تقدَّم.
وفي المقابل يبدو من بعض الروايات أن الرجل لم يكن واقفياً متعصّباً حتى نقولَ بأنه قام بجعل هذه الرواية بسبب عداوته وعناده للرضا×، بل الظاهر أنه كان في الحيرة بين الوقف وقبول إمامة الرضا×([83])، بل كان يتكلَّم بكلّ أدبٍ واحترام مع الإمام الرضا([84]) ـ بخلاف البطائني وابن المكاري ـ، مع أنه صرَّح بأنه ما زال على شكِّه في نهاية لقائه مع الإمام([85])، بل الظاهر من ترحُّم النجاشي عليه أنه رجع عن الوقف في رؤيته([86]). لكنّ نفس النجاشي قال في ترجمته وأخيه: «كانا من الواقفة، وذكر الكشّي عنهما في كتاب الرجال حديثاً: شكّا ووقفا عن القول بالوقف»([87]). وقد راجعتُ رجال الكشّي الموجود، وليس فيه ما يدلّ على ما ذكره النجاشي في رجوعهما معاً عن الوقف([88]). ومن جهةٍ أخرى إن الشيخ الطوسي اعتبره من الواقفة في باب أصحاب الكاظم×، وهناك ملاحظات في الاتّهام بالوقف في هذا الباب من رجاله([89]). وعلى أيّ حالٍ الظاهر عدم كون إبراهيم واقفياً معانداً، ولا يبعد أن يكون ثقةً أيضاً. وعلى فرض التسليم بعدم وثاقته أيضاً يجب أن لا نطرح هذه الرواية برُمَّتها؛ لما تقدَّم من القرائن المختلفة على عدم عناد الرجل، وتوصيفه بالوثاقة في المصادر.
هذا، لكنّ الإشكالات في كتاب مختصر البصائر لا تزال باقيةً، وتُضعِّف وثوقنا بكتابه.
الرواية الخامسة: الصدِّيق لا يغسِّله إلاّ صدِّيق
«قلتُ لأبي عبد الله×: مَنْ غسَّل فاطمة÷؟ قال: «ذاك أمير المؤمنين×». وكأنّي استعظَمْتُ ذلك من قوله، فقال: «كأنّك ضقْتَ بما أخبرتُك به؟»، قال: فقلتُ: قد كان ذاك، جُعلت فداك، قال: فقال: «لا تضيقنّ؛ فإنها صدِّيقةٌ، ولم يكُنْ يغسِّلها إلاّ صدِّيق، أما علمْتَ أن مريم لم يغسِّلها إلاّ عيسى؟»»([90]).
البحث الدلالي
هذه الرواية وإنْ لم يكن لها اختصاص بغسل الإمام، لكنْ يمكن توظيفها في إثبات القاعدة أيضاً، بأن نقول: إن الإمام المعصوم لا بُدَّ أن يكون صدِّيقاً وفقاً لمعتقدات الإمامية، بل هو في أعلى درجات الصدِّيقين، فنتيجة تطبيق الحديث على الإمام هي أن الإمام لا بُدَّ أن يغسِّله الإمام.
لكنّ الإشكال الذي يمكن طرحه هنا أن الحديث لا يقدِّم تعريفاً دقيقاً من الصدّيق، فبالإمكان أن يكون المراد منه مطلق الصدّيق، ولو كان في درجة أسفل من رتبة الإمام، مثلاً: إذا كان تغسيل الكاظم× بيد رجلٍ صدّيق في رتبةٍ أسفل من الإمام الرضا× فهذا كافٍ في صدق الرواية، فلا تدلّ ضرورة على أن الذي يغسِّل الإمام لا بُدَّ أن يكون إماماً، بل يمكن أن يكون صدّيقاً آخر. خصوصاً بعدما رأيتُ في بعض الروايات إطلاق «الصدّيق» على غير الأئمّة^، كأبي ذرٍّ أو غيره([91]).
لكنْ رُبَما يبدو من سياق الرواية عدمُ وجود صدّيقٍ آخر غير أمير المؤمنين× حين غسَّل السيدة الزهراء÷، فهذا دليلٌ على أن المقصود من الصدّيق ما يساوي رتبة المعصومين^.
لكنْ رُبَما يُجاب عنه بأن الحسنين’ كانا موجودَيْن في ذاك العصر، ولم يُعتبرا من الصدِّيقين في الرواية، مع عدم وجود شكٍّ في إمامتهما. فهذا دليلٌ على وجود مانعٍ من الغسل فيهما، وهو صِغَر السنّ والطفولية. فحينئذٍ يمكن أن نقول: إن سلمان و… أيضاً كانوا من الصدِّيقين ـ ولو في رتبةٍ أسفل من المعصومين^ ـ، لكنْ كان مانعٌ فيهم أيضاً، وهو عدم محرميّتهم للسيدة الزهراء، فلأجل ذلك لم يُذْكَروا في الرواية.
لكنْ يمكن القول بأن تعبير: «لم يكن يغسِّلها إلاّ…» يبيِّن لنا أن الإمام عليّاً× هو الشخص الوحيد الذي كانت له هذه الصلاحية، وأنها لم تكن موجودة في غيره أبداً، وأن الحسنين’ أيضاً لم يبلغا الإمامة في تلك الفترة. فالمقصود من الصدّيق في الرواية رتبة تساوي الإمامة والنبوّة في رؤية الإمامية.
ومن وجهة نظر تاريخية أيضاً بحثتُ في المصادر الإسلامية لمعرفة تأريخ وفاة السيدة مريم÷، هل كانت قبل عروج المسيح× أو بعده؟ ووجدتُ أن القضية محلّ خلافٍ([92]). ورد في بعض المصادر أنها توفِّيت بعد عروج المسيح×([93]). لكنّه ليس رواية عن النبيّ أو أهل البيت^، بل صرّح في بعض هذه المصادر بأن هذه رؤية النصارى. ومن جهةٍ أخرى ورد في بعض روايات الإمامية أنها توفِّيت قبل عروجه([94]). فالظاهر عدم وجود شواهد تاريخية قويّة في هذا الإطار تضعِّف وثوقنا بالرواية.
وجديرٌ بالذكر أن أطرح هذا السؤال أيضاً: لماذا اندهش الراوي ممّا ذكره الإمام الصادق×؟ هل كانت هناك رواياتٌ أخرى في تلك الفترة تحكي كيفية غسل السيدة الزهراء بشكلٍ آخر؟ بحَسَب ما رأيتُ من المصادر أظنّ أن العلّة هي وجود روايات ترفض أن الرجل يغسِّل المرأة([95])، وليست العلة وجود روايات تاريخية تدلّ على خلاف ما تحكيه هذه الرواية في تغسيلها بِيَد أمير المؤمنين×.
البحث السندي
«عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم، عن المفضَّل، عن أبي عبد الله×»([96]).
والرجلان الأوّلان في هذا السند من الأجلاّء، ولا شَكَّ في وثاقتهم([97]).
ويبقى الكلام في الرجلين الآخرين:
عبد الرحمن بن سالم: ضعَّفه ابن الغضائري([98]). لكنّ المشايخ الثلاثة([99]) رووا عنه، كالبزنطي([100]) وابن أبي عمير([101]). كما أن الراوي عنه هنا أيضاً هو البزنطي. ومن جهةٍ أخرى هناك إشكالات في الاكتفاء بتضعيف ابن الغضائري، كعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه، ونشوء تضعيفاته من تحليل المتن.
المفضَّل بن عمر: ضعَّفه النجاشي([102]) وابن الغضائري([103]). وهناك عددٌ من الروايات في ذمّه في رجال الكشي([104])، وبعضها صحيحة السند. وفي المقابل روى عنه بعض المشايخ الثلاثة([105]). وروى عنه جعفر بن بشير الذي يروي عن الثقات([106]). وهناك روايات في مدحه، وبعضها صحيحة السند. وعدّه المفيد أيضاً من الفقهاء الصالحين ومن خاصّة أبي عبد الله×([107]). فمَنْ يقتنع بهذه القرائن فالرجل عنده ثقةٌ، والأمر في تضعيفه من قِبَل النجاشي و… سهلٌ؛ فإن أغلب تضعيفاتهم مبنيّةٌ على الرمي بالغلوّ بحَسَب رؤيتهم، كما تقدَّم.
وبنظر السيد الخوئي& إن كتابه المعروف بـ (توحيد المفضَّل) يكفي في إثبات جلالته([108]). وإنه رجَّح جانب جلالة الرجل بدليل ضعف الروايات الذامّة كلّها، باستثناء ثلاث روايات صحيحة، وهذه الثلاثة أيضاً «لا بُدَّ من ردّ علمها إلى أهلها، فإنها لا تقاوم ما تقدَّم من الروايات الكثيرة المتضافرة» في مدحه. ويؤيِّده أن الروايات المتعارضة كلّها عن الصادق×، لكنّ الروايات المادحة مرويّة عن الكاظم والرضا’ أيضاً، الأمر الذي يبيِّن لنا أن ذمّ الصادق× كان لأجل علّةٍ ما([109])، وخصوصاً مع وجود تصريحٍ برجوعه في إحدى الروايات الذامّة. والبحث حوله طويلٌ، وأكتفي بهذا المقدار، فمَنْ يقتنع بهذه القرائن فالرواية من جهته أيضاً صحيحة.
فالخلاصة أن الرواية صحيحة إذا عَبَرنا من الإشكالات في وثاقة عبد الرحمن بن سالم والمفضَّل بن عمر.
الرواية السادسة: تصريح الصادق× بأن الإمام لا يغسِّله إلاّ إمام
الوصيّة المروية عن الإمام الصادق× لابنه الإمام الكاظم×: «سمعتُ العبد الصالح، يعني موسى بن جعفر×، يقول: لمّا وقع أبو عبد الله× في مرضه الذي مضى فيه قال لي: يا بنيّ، لا يلي غُسْلي غيرك؛ فإني غسَّلت أبي، والأئمة يغسِّل بعضهم بعضاً»([110]). وفي الدلائل: «فإني غسَّلت أبي، وغسَّل أبي أباه، والحجّة يغسِّل الحجّة»([111]). وفي المناقب: «يا بنيّ، إذا أنا مِتُّ فلا يغسِّلني أحدٌ غيرك، فإن الإمام لا يغسِّله إلاّ إمام»([112]).
البحث الدلالي
والدلالة فيها واضحةٌ. لكنْ حيث إن المخاطب في هذا الحديث هو الإمام الكاظم×، لا جمهور الشيعة، فيحتمل أنه لم يكن بمعنى علامة الإمامة([113]). وورد مثل هذا الكلام في بعض الروايات عن الإمام الباقر×([114]). لكنّ الصحيح أنه عن الصادق×؛ لوجود قرائن، منها: اتّحاد متنهما؛ واتحاد الراوي فيهما، وهو أبو بصير؛ وذكرُ عبد الله في كلَيْهما، مع أنه لا يوجد أخٌ للإمام الصادق بهذا الاسم يدّعي الإمامة.
البحث السندي
وفي دلائل الإمامة: «وروى الحسن قال: أخبرنا أحمد قال: حدَّثنا محمد بن عليّ الصيرفي، عن عليّ بن محمد، عن الحسن، عن أبيه، عن أبي بصير».
يحتمل أن يكون الحسن في بداية السند هو ابن متيل، من وجوه الأصحاب([115]). وعلى أيّ حال هو يروي عن أحمد بن محمد البرقي، فيبدو أنه توفي في بداية القرن الرابع، لكنّ الطبري ـ مؤلِّف دلائل الإمامة ـ توفي بعد سنة 411هـ، فالرواية مرسلةٌ، ولم يُذكر فيها عددٌ من الوسائط بين المؤلِّف والراوي الأوّل في هذا السند.
والصيرفي هو أبو سمينة([116]). وقد ضُعِّف في المصادر الرجالية([117]). واستثناه ابن الوليد أيضاً من رواة نوادر الحكمة([118]). وروى كُتُبَه بعضُ الأجلاّء، لكنهم استثنوا من روايتها «ما كان فيها من تخليطٍ أو غلوّ أو تدليس أو ينفرد به ولا يعرف من غير طريقه»([119])، الأمر الذي يبيِّن عدمَ اعتمادهم على الرجل بشكلٍ صريح، وخصوصاً بقرينة القيد الأخير. ويحتمل أن يكون اتّهامه بالكذب ناشئاً من الرمي بالغلوّ، كما يبدو من سياق كلمات النجاشي وابن الغضائري. وفي رؤية بعض المحقِّقين أنه كان في طريق كتب الأصحاب فلم تكن وثاقته هامّة لديهم؛ لأن الكتب كانت معروفة ـ كما تقدَّم مثلها في المعلّى ـ، وقد تقدم وجود كُتُبٍ للرجل، بل كانت كُتُبه كثيرةً([120])، فرُبَما كان الحديث هنا من نفس كُتُبه، ولم يكن الرجل في هذا الحديث مجرّد طريق إلى كتب الآخرين. ومن جهةٍ أخرى لو كان الراوي للحديث هنا هو نفس ابن الوليد وأمثاله لأمكن أن نقول: إنهم رووه مع القيود التي ذكروها، وبالتالي لأمكن أن نقول: إن الحديث ليس من أحاديثه المنفردة المبتلية بالمشاكل. لكنّ الأمر ليس كذلك، فإن الراوي عنه هنا شخصٌ آخر، وهو البرقي المتَّهم بالأخذ عن الضعفاء واعتماد المراسيل.
والحسن الثاني في السند هو الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، وهو أيضاً من رؤوس الواقفة، مثل أبيه. وقد ورد ذمُّه وتضعيفه أيضاً في لسان كثيرين، مثل: علي بن الحسن بن فضّال([121])، والحسن بن فضّال([122])، وحمدويه([123])، والكشّي([124]).
وفي المقابل هناك قرائن عكسية رُبَما يستدلّ بها على وثاقته: روى عنه البزنطيُّ، وهو من المشايخ الثلاثة([125]). وهو موجودٌ في أسناد كامل الزيارات([126]) وتفسير القمّي([127]). وذكره الصدوق من جملة أصحاب الأصول المعتمدة([128]). ومن جهة أخرى رُبَما كانت هذه التضعيفات لأجل مذهبه([129]). ورُبَما يقال: إن أخذ المشايخ عن الحسن أيضاً كان قبل وقفه. ولا أدري وجود فترة قبل الوقف للحَسَن. ورُبَما نقول بوجود تلك الفترة بقرينة رواية بعض الأجلاّء عنه، كالبزنطي([130])، وخصوصاً مع القطيعة الشديدة التي حصلت بين الإمامية والواقفية بعد ظهور الوقف، كما تقدّم. لكنه أيضاً لا يفيد هنا ـ تماماً مثل ما تقدّم في أبيه ـ؛ لأن الراوي عنه هنا هو علي بن محمد، وهو مجهولٌ، وليس من أولئك المشايخ أيضاً.
والراوي عن أبي بصير هو عليّ بن أبي حمزة البطائني، من رؤوس الواقفة([131])، وقد ذكر كثيرٌ من القدماء ما يدلّ على قدحه في كتبهم، كالصدوق([132]) والكشّي([133]) والطوسي([134]). لكنّ بعض الرجاليين قائلون بأن أخذ المشايخ عنه كان قبل وقفه؛ بقرينه رواية بعض الأجلاّء عنه، كالمشايخ الثلاثة([135])، وخصوصاً مع القطيعة الشديدة التي حصلت بين الإمامية والواقفية بعد ظهور الوقف، وبطبيعة الحال يبعد أخذ هؤلاء عنه بعد الوقف. لكنّ هذا المبنى لا يفيد هنا؛ لأن الراوي عنه هنا هو ابنه الحسن، وهو واقفيٌّ، وليس من أولئك المشايخ.
وفي سند إثبات الوصية: «ورُوي عن عليّ بن أبي حمزة الثمالي، عن أبي بصير». فالرواية مرسلةٌ إلى ابن أبي حمزة، و«الثمالي» أيضاً مصحَّف من «البطائني»([136]).
والرواية مرسلةٌ في مناقب ابن شهرآشوب أيضاً.
ويبدو من جميع ما تقدَّم أن الحديث مرويٌّ من قِبَل رؤوس الواقفية، فلا بُدَّ من أن نكون على حَذَرٍ في الأخذ به؛ لأنه لصالحهم.
وهذا كلّه بصرف النظر عن بعض الإشكالات في كتابي (إثبات الوصية) و(دلائل الإمامة)، ومؤلِّفيهما.
فالنتيجة أن هذه الرواية محلّ نظرٍ وتأمُّلٍ من جهاتٍ مختلفة، كوجود رؤوس الواقفية في سنده، واتّهام أبي سمينة بالكذب، وجهالة عليّ بن محمد، فلا يمكن أن يستدلّ بها على المطلوب، وخصوصاً في مثل هذا الموضوع الخطير، فإن دواعي الجعل في القضايا المرتبطة بالمذهب قويّة جدّاً.
هذا، وهناك قرينةٌ خارجية، وهي: رواية إبراهيم بن أبي السمال التي تقدَّم ذكرها، فإن تلك الرواية تؤيِّد وجود هذه الرواية عن الصادق×، حيث إن إبراهيم يصرِّح في تلك الرواية بأن هذه القاعدة قد وصلت إليهم بروايةٍ عن الصادق×، كما أن هذه الرواية هنا أيضاً عن الصادق×([137]). نعم، يحتمل أن إبراهيم سمع الرواية من نفس البطائني، لكنّ إبراهيم يصرِّح بأن الإمام الرضا× قام بتأييد وتقرير وجود هذه القاعدة. فيمكن أن القضية التي أيَّدها الرضا× هي نفس الرواية التي يرويها أبو بصير هنا. وبالتالي رُبَما نقول بحصول وثوقٍ مع ضمّ رواية أبي بصير إلى رواية ابن أبي السمال. وعليه فلا بُدَّ أن ننظر إلى المعنى الذي وراءها، هل هو نفس المعنى الذي أراده الواقفة أو لها معنى آخر وأخطأ الواقفية في فهمها؟ وسأتعرض لذلك كلّه إنْ شاء الله في المقالة التالية.
ـ يتبع ـ
الهوامش
(*) باحثٌ في الحوزة العلميّة في قم. من مدينة بيرجند.
([1]) مواردها كثيرة. انظر على سبيل المثال: الحدائق (البحراني) 3: 391، قم، جماعة المدرّسين، ط1، 1405هـ؛ مستمسك العروة (الحكيم) 4: 89، قم، دار التفسير، ط1، 1416هـ؛ موسوعة الإمام الخوئي 8: 354، قم، إحياء آثار الإمام الخوئي، ط1، 1418هـ.
([2]) مع أنني لا أريد الخوض في البحث حول الأشخاص هنا.
([3]) وحينما أقول: إن الراوي «ضعيف» ألتفت إلى هذه النقطة، وهي أن كثيراً من التضعيفات في مصادرنا كانت مبنيةً على الرمي بالغلوّ، حتّى أن بعض المحقِّقين قائلون بأن تضعيفاتٍ من هذا القبيل لا تدلّ على شيء. فلأجل ذلك إذا قلتُ: «ضعَّفه النجاشي و… ولا يوجد دليل على وثاقته أيضاً» أريد أن أعترف أن تضعيفهم يحتمل أن يكون ناشئاً من أسباب كلامية غير مرتبطة بوثاقة الراوي، وبالتالي لا يثبت ضعفه، لكنّني أريد أن أشير بذلك إلى عدم وجود دليلٍ على وثاقته أيضاً.
([4]) مثلاً: حينما أذكر أن الراوي موجودٌ في أسناد تفسير القمّي أقول: إن السند في هذا التفسير بشكلٍ لا يمكن أن يروي عليّ بن إبراهيم عن هذا الراوي أبداً. ولا أتعرَّض للإشكال على أصل هذا المبنى كبروياً. ويجب أن أشير هنا إلى هذه النقطة أيضاً، وهي أن المباني الرجالية التي أشرتُ إليها في هذه المقالة ليست كلّ المباني الموجودة في علم الرجال، كما هو واضحٌ. مثلاً: إني لم أُشِرْ إلى مبنى صحّة كلّ الروايات في الكافي أو الكتب الأربعة و….
([5]) حاولتُ أيضاً أن ألتفت إلى الاختلافات بين النُّسَخ في عبارة الحديث، فإن لها دَوْراً كبيراً في الاستدلال بالنصوص.
([6]) الكافي 2: 285، 286؛ ولم تَرِدْ الجملة الأخيرة من الرواية «قال: نعم» في بحار الأنوار 27: 290، بيروت، دار إحياء التراث، ط2، 1403هـ. وعليه فإن الجملة الأخيرة للراوي إخبارية، لا استفهامية، لكنّه لا يؤثر في الاستدلال بالرواية.
([7]) مرآة العقول (المجلسي) 4: 256، طهران، ط2، 1404هـ؛ ويبدو مثله من كلمات الملا صالح المازندراني أيضاً. شرح الكافي 6: 353، طهران، ط1، 1382هـ.
([8]) مع مشاهدة سائر الروايات المتشابهة، وسائر الأسئلة حول هذه القضية، ومواجهات الواقفية والشاكّين مع الرضا×، وأن هذه القضية كانت من شبهاتهم الرئيسية، يظهر لنا أن المراد هنا هو الواقفية، وإنْ كان من الممكن أيضاً أن يكون المراد أهل السنّة، ولا أريد إنكاره. والأمر سهلٌ على أيّ حال. ولا يختلف الأمر كثيراً حتّى لو قبلنا بأن المراد هو العامّة؛ لأن المعنى المقصود عندهما من القاعدة واحدٌ، وهو علامة الإمام.
([9]) ويؤيده أن «ما يدريهم» في بعض الروايات الأخرى أيضاً بمعنى أنهم لا يطلعون على أمرٍ مختفٍ. انظر: الكافي 1: 593، 594، 595.
([11]) وجديرٌ بالذكر أيضاً أن الفيض الكاشاني قال: إن معنى «إني غسَّلته» أن الرضا× قام بغسل الكاظم× حيّاً في المدينة قبل خروجه إلى بغداد. الوافي 3: 665، إصفهان، ط1، 1406هـ؛ كما وردت بذلك روايةٌ سأتعرَّض لها إنْ شاء الله في المقالة التالية. لكنّ المجلسي لم يوافق، مع اعترافه بوجود بعض الروايات الدالّة على أن الرضا× قام بالتغسيل في بغداد في بادئ الأمر. مرآة العقول 4: 256.
([12]) وإن ذكرنا أن مجرد تنصيص عالم رجالي دون ضمّ قرينة أخرى لا يكفي لإثبات الوثاقة، وفقاً لبعض المباني في علم الرجال.
([13]) رجال النجاشي: 66؛ قم، جماعة المدرّسين، ط6، 1365هـ.ش.
([15]) رجال الطوسي: 352؛ وإنْ كان هناك بحث في الرجل الأخير، فإن الشيخ الطوسي قال فيه: «رديء الأصل».
([16]) «مضطرب الحديث والمذهب، وكُتُبه قريبة». رجال النجاشي: 418.
([17]) «يعرف حديثه وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرج شاهداً». رجال ابن الغضائري: 96، قم، دار الحديث، ط1، 1364هـ.ش.
([18]) روى كُتُبَه كبار علماء الإمامية، كابن قولويه والشيخ المفيد و…، من دون استثناء محتوياتها. رجال النجاشي: 418. بل قال الشيخ الطوسي: إن الراوي لكتابه جماعةٌ. فهرست كتب الشيعة: 460، قم، مكتبة المحقِّق الطباطبائي، ط1، 1420هـ. واعتمد الشيخ الكليني عليه، حيث أورد كثيراً من رواياته برواية الثقة الحسين بن عامر الأشعري. وروى عنه مع الواسطة أحمد بن إدريس. التوحيد (الصدوق): 459، قم، جماعة المدرّسين، ط1، 1398هـ.
([19]) مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 537، قم، جماعة المدرّسين، ط1، 1413هـ.
([20]) «مِن مشايخ الإجازة لكتاب الوشّاء غالباً، ولغيره قليلاً». روضة المتقين (المجلسي) 14: 280، قم، كوشانپور، ط2، 1406هـ.
([21]) رجال النجاشي: 418؛ فهرست كتب الشيعة: 460.
([22]) انظر طريق القدماء إلى كُتُب المعلّى. فالأشعري موجودٌ في طريق الشيخ الصدوق في مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 537؛ والشيخ الطوسي في فهرست كتب الشيعة: 460؛ والنجاشي في رجال النجاشي: 418؛ وإن الكليني أيضاً في أغلب الموارد روى عن المعلّى بواسطة الأشعري.
([23]) نعم، يحتمل أيضاً أن تكون الروايات هنا من نفس كتاب ابن عامر الأشعري، بل يمكن أن يكون هذا الاحتمال أقوى؛ لأن الكليني مذكورٌ في الطرق إلى كتاب ابن عامر، لكنه لم يُذْكَر في الطرق إلى المعلّى. رجال النجاشي: 66؛ تهذيب الأحكام (الطوسي): 36 (المشيخة)، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407هـ، كما أن كثرة روايات الكليني عن ابن عامر في الكافي تبيّن استفادته من كُتبه. لكنْ يبدو من سند هذه الروايات الثلاث المتتالية في الكافي أن ابن عامر أخذها من كُتُب المعلى.
([24]) كامل الزيارات (ابن قولويه): 135، 140، النجف، دار المرتضوية، ط1، 1356هـ.ش.
([25]) تفسير القمّي 2: 256، 301، 417، قم، دار الكتاب، ط3، 1403هـ.
([26]) أكتفي بهذا المقدار هنا. ولمزيدٍ من القرائن والتوضيحات في إثبات وثاقته انظر: مستدرك الوسائل (الميرزا النوري) 5: 322؛ 9: 131 (الخاتمة)، قم، مؤسّسة آل البيت^، ط1، 1408هـ.
([27]) مع غضّ النظر عن الإشكال في أحمد بن عمر، كما تقدَّم.
([28]) كمال الدين وتمام النعمة (الصدوق) 1: 27، طهران، إسلاميه، ط2، 1395هـ.
([29]) فلا يمكن أن نقول: إنها سنّة أحياها النبيّ موسى× ومن أجل ذلك نُسِبَتْ إليه.
([30]) قصص الأنبياء (الراوندي): 56، مشهد، معهد البحوث الإسلامية للعتبة الرضوية، ط1، 1409هـ؛ الخرائج والجرائح (الراوندي) 2: 923، قم، مؤسّسة الإمام المهديّ#، ط1، 1409هـ.
([31]) تفسير العياشي 1: 307، طهران، المطبعة العلمية، ط1، 1380هـ؛ قصص الأنبياء (الراوندي): 63؛ إثبات الوصية (المسعودي): 22، قم، أنصاريان، 1426هـ.
([32]) إلاّ أن نقول باحتمال وجود فترةٍ قبل موسى× خالية عن وجود الأنبياء ظاهرين، أو أن السنّة نُسبت إليه لمكانته العظيمة بين الأنبياء، أو غيرهما من الاحتمالات.
([33]) «وما سنّة موسى بن عمران؟ فقال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه». كمال الدين (الصدوق) 2: 340.
([34]) الأمالي (الصدوق): 232، طهران، كتابجي، ط6، 1376هـ.ش؛ كمال الدين 1: 153؛ المستدرك على الصحيحين (النيسابوري) 2: 580، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1؛ تاريخ الطبري 1: 433، بيروت، دار التراث، ط2، 1387هـ؛ المنتظم (ابن الجوزي) 1: 375، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ، عن وهب بن منبه.
([35]) كما أن المجلسي أيضاً شعر بهذه التنافي، حيث قال: «لعلّه أيضاً محمولٌ على المصلحة؛ فإن الظاهر من الأخبار أن موسى× غسَّلته الملائكة». بحار الأنوار 27: 291.
([37]) شرح الكافي (صالح المازندراني) 6: 353.
([39]) رجال النجاشي: 337؛ رجال ابن الغضائري: 92؛ ويمكن أن أضيف إليه قرينة أخرى: نقَلَ القاضي التنوخي حكايةً من كتابٍ لابن جمهور رُبَما يدلّ على مدح جعفر بن يحيى البرمكي. الفرج بعد الشدّة 4: 336، تحقيق الشالجي، بيروت، دار صادر. مع أن البرمكي عدوّ الإمام الكاظم×، بل يحتمل أنه كان سبب استشهاده. لكنها قرينةٌ ضعيفة، فرُبَما لم تكن عداوته للكاظم واضحة عند عموم الشيعة في تلك الفترة.
([40]) ذكر الشيخ الطوسي أن جماعة رووا كتابه عن الشيخ الصدوق. الفهرست: 146. والجدير بالذكر أن ابن الوليد في طريق هؤلاء إلى الكتاب، ورواه باستثناء ما ورد فيه من الغلوّ والتخليط ـ بحَسَب رؤيته ـ، ولم يقيِّده بعدم انفراده في النقل. وإن سعد بن عبدالله الأشعري أيضاً روى بعض كتبه. رجال النجاشي: 337. وروى ابن عامر الأشعري كتابَه «الملاحم» بواسطة معلّى بن محمد. فهرست كتب الشيعة: 460. لكنّ ابن عامر رُبَما لا يعتبر من الأجلاّء.
([41]) يبدو من سياق كلامه: «غالٍ، فاسد الحديث، لا يكتب حديثه. رأيت له شعراً يحلِّل فيه محرَّمات الله عزَّ وجلَّ». رجال ابن الغضائري: 92. ومن جهةٍ أخرى قد اتّضح أن تضعيفات ابن الغضائري مبنية على تحليل المتن.
([42]) الفهرست (ابن النديم): 312، بيروت، دار المعرفة، ط1.
([43]) حكى العلاّمة المجلسي في ذكر السند للرسالة الذهبية: «…قال: حدَّثنا الحسن بن محمد بن جمهور قال: حدَّثني أبي، وكان عالماً بأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا×، خاصّة به، ملازماً لخدمته، وكان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان، واستشهد عليه الصلاة والسلام بطوس…». بحار الأنوار 59: 307. وهذا الكلام منقولٌ عن ابنه، وهو مصرِّحٌ بتوثيقه. رجال النجاشي: 62. لكنّ المجلسي قال في بداية هذا النقل: «وجدتُ في تأليف بعض الأفاضل»، فيبدو أن روايته بطريقة الوجادة، وصاحب التأليف أيضاً مجهول. لكنّه قرينةٌ ـ ولو كانت ضعيفةً ـ، وبضمّها إلى قرائن أخرى رُبَما نستطيع أن نَصِل إلى نتيجةٍ.
([44]) «من شيوخ أهل الأدب بالبصرة، وكثير الملازمة لأبي، وحرّر لي خطّي لما قويت على الكتابة؛ لأنّه كان جيّد الخطّ، حسن الترسّل، كثير المصنّفات لكتب الأدب، فكثرت ملازمتي له». نشوار المحاضرة (التنوخي) 4: ۱۰۹، تحقيق الشالجي، 1391هـ؛ معجم الأدباء (ياقوت الحموي) 6: 2502، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1993م. لكن ليس في كلامه ما يدلّ على وثاقة الرجل بالضرورة.
([45]) أركّز على هاتين القرينتين، حيث إنه من أهم المباني في علم الرجال، كما أن بعض المحقِّقين ـ ومنهم: السيد موسى الشبيري الزنجاني ونجله السيد جواد الشبيري ـ قد استفادوا منهما في إثبات وثاقة بعض الرواة. انظر: كتاب نكاح (الزنجاني) 17: 5580 وقد أشار غيرُ واحدٍ إلى اعتبار القرينة الأولى، مثل: الأسترآبادي في منهج المقال 1: 144؛ والميرزا النوري في مستدرك الوسائل 5: 82 (الخاتمة).
([46]) «الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن معمر بن خلاد قال: سمعتُ إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا×…». الكافي 2: 103.
([48]) كأحمد بن أبي هراسة، أحمد بن الفضل، الحسن بن المثنّى، إبراهيم الأوسي، إدريس بن يوسف، عليّ بن الصلت، عليّ بن داود الحدّاد، موسى بن بشّار الوشّاء.
([49]) مقصودي هو المخطوطات الكثيرة التي استفاد منها المحقِّقون في طبعة دار الحديث، فإنهم لم يذكروا اختلافاً بين النُّسَخ هنا.
([51]) رواية في الكافي 4: 499؛ تفسير القمّي 1: 354؛ تفسير العيّاشي 2: 170؛ ورواية أخرى في تفسير القمّي 1: 340؛ ورواية أخرى في البرهان في تفسير القرآن 3: 158، قم، مؤسّسة البعثة، ط1، 1374هـ.ش؛ الدرّ المنثور (السيوطي) 4: 9، قم، مكتبة المرعشي، ط1، 1404هـ.
([52]) تفسير مقاتل بن سليمان 2: 321، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1423هـ؛ الكامل (ابن الأثير) 1: 140، بيروت، 1385هـ. وربما كان هو جبرائيل×، لكن المذكور في الرواية «ملكٌ».
([53]) بصائر الدرجات 1: 98، قم، مكتبة المرعشي، ط2، 1404هـ؛ الروضة في فضائل أمير المؤمنين× (ابن شاذان القمّي): 219، قم، مكتبة الأمين، ط1، 1423هـ؛ وفي أهل السنّة: تاريخ مدينة دمشق 73: 344، دار الفكر، ط1، 1415هـ؛ أسد الغابة 4: 604، دار الفكر، ط1، 1409هـ.
([54]) انظر الوجوه المختلفة التي ذكروها في المقام: شرح الكافي (صالح المازندراني) 6: 354؛ الوافي 3: 666؛ مرآة العقول 4: 258؛ بحار الأنوار 27: 289؛ 48: 247؛ ومع كلّ اعترافي بمكانة هؤلاء العلماء الأبرار، لكنّ الوجوه التي ذكروها هنا لا تخلو من التكلُّف الشديد، بحيث يأبى عنه العُرْف. والظاهر أن منشأ كلّ هذه التكلُّفات هو الاعتقاد التامّ بهذه القاعدة، وكانوا بصدد الدفاع عنه بكلّ ما يمكن لهم.
([55]) مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 393، وإنْ كان المذكور فيه لفظ «عسى»، لكنّ معنى الترديد مشترك بين «لعلّ» و«عسى».
([56]) انظر هامش الكافي 2: 287؛ لكنْ يمكن أن نقول: بقرينة ورود «لعلّه» في رواية ابن أبي السمال أيضاً ـ وهي الرواية التالية في هذه المقالة ـ، واتحاد سياقها مع هذه الرواية، أن الأرجح هو «لعلّه»، خصوصا أن «لغُسله» لم يَرِدْ في أغلب مخطوطات الكافي. لكنّها قرينةٌ ضعيفة؛ لأن مخطوطات مختصر البصائر ليست في رتبة مخطوطات الكافي، كما هو واضحٌ.
([57]) «ليجهد جهدَه، فلا سبيل له عليّ». الكافي 2: 568؛ «إنْ خدشني هارون خدشاً فلستُ بإمام» رجال الكشّي: 463، مشهد، ط1، 1409؛ إلاّ أن نقول: إن ما ورد أن هارون لم يكن باستطاعته أن يصل بسوءٍ إلى الرضا× لا ينافي أن الإمام يجب عليه أن يؤدّي واجبه من حفظ النفس. لكنّه جواب ضعيف، فإنْ كان حفظ النفس والتقية واجباً على الإمام فلماذا لم يوظِّف التقية في تلك الروايات أيضاً؟! يعني حيث يقول: «إنْ خدشني هارون…». هذا، لكنّ احتمال التقية هنا موافقٌ لروايةٍ أخرى: «ليس له أن يتكلَّم إلاّ بعد هارون بأربع سنين». عيون أخبار الرضا× 1: 26، طهران، نشر جهان، ط1، 1378هـ. فرُبَما كان هذا الحديث في عصر هارون، لكنها ضعيفةٌ جدّاً، وسيأتي بحثها في المقالة التالية إنْ شاء الله.
([58]) مرآة العقول 4: 258؛ ولا أدري ما الدليل عليه سوى الإصرار على صحّة القاعدة! وهذا الإصرار ناشئ عن أدلّةٍ ستأتي مناقشتها. نعم، لو ثبتت القاعدة حقّاً بدليلٍ قطعي فحينئذٍ نستطيع أن نلتفت إلى هذه الاحتمالات.
([60]) ولافتٌ للنظر أن الكليني ذكر الرواية الأولى وهذه الرواية قريبتين من بعضهما، مع وجود التنافي الظاهر بينهما. إلا أن نقول: إن فهم الكليني من الرواية يختلف عن فهمنا.
([61]) على سبيل المثال: «والفضل بعدي لك يا عليّ، وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدّامنا وخدّام محبينا». عيون أخبار الرضا× 1: 262؛ وقد جمع العلاّمة المجلسي كثيراً من هذه الروايات في باب مفرد. بحار الأنوار 26: 335. وذكر فريقٌ من القدماء أن المسألة من عقائد الطائفة الإمامية. انظر: اعتقادات الإمامية (الصدوق): 89، قم، مؤتمر الشيخ المفيد، ط2، 1414ق؛ الأمالي (المرتضى) 2: 333، القاهرة، دار الفكر العربي، ط1، 1998م؛ متشابه القرآن ومختلفه (ابن شهرآشوب) 1: 202، قم، بيدار، 1369هـ.
([62]) شرح الكافي 6: 354؛ ولا يخفى ما في هذه الوجوه من التكلُّف.
([63]) شرح الكافي (صالح المازندراني) 6: 354.
([64]) «فحضرَ غسْلَ رسولِ الله|، ولم يَلِ من غُسلِه شيئاً». مسند أحمد بن حنبل 3: 74، القاهرة، دار الحديث، ط1، 1416هـ؛ وهناك استعمالاتٌ أخرى، انظر: الطبقات الكبرى (ابن سعد) 4: 24؛ 3: 330، بيروت، دار الكتب، ط1، 1410هـ؛ تاريخ مدينة دمشق 58: 175.
([65]) وذكر بعض المحقِّقين أن هذه القضية كانت لأجل حفظ الشيعة وعدم إثارة التفرقة بينهم، وهذا الاحتمال بحاجةٍ إلى بحثٍ وتحقيقٍ مستقلّ.
([66]) كما اعترض عليه بعض الإمامية، وقالوا له: «ما أشدّك في الحديث، وأكثَرَ إنكارَك لما يرويه أصحابنا! فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث…». رجال الكشّي: 224.
([68]) «يظهر منه أن غاسله× كان جبرئيل مع الملائكة؛ لما ورد أنه الذي حضر يوسف في الجبّ». مرآة العقول 4: 258؛ نعم، فرّق المجلسي هنا بين ظاهر الرواية وباطنها، فيبدو منه أنه قَبِل بعدم انسجام الرواية مع القاعدة، فلأجل ذلك قال: «ظاهره تقية، وباطنه حقّ». لكنّي أريد أن أقول: إن الباطن الذي ذكره أيضاً معارض بعدم وجود إشارة إلى حضور الأئمّة في الجبّ.
([69]) كما ورد في مرآة العقول 4: 258؛ بحار الأنوار 48: 247؛ وقال المازندراني: إنه «بتريّ عامي». شرح الكافي 6: 354 وأظنّ أنهم ـ رضوان الله عليهم ـ تصوّروا أنه هو طلحة بن زيد البتري العامي من رجال الباقر والصادق’. رجال الطوسي: 138، 228؛ رجال البرقي: 45، تحقيق: حسن المصطفوي، طهران، جامعة طهران، ط1، 1342هـ.ش؛ رجال النجاشي: 207؛ لكنّه كما ترى يبعد أن يروي عن الإمام الرضا×، مع أني لم أجد رواية يونس بن عبد الرحمن عنه في موضعٍ آخر. وفي ظني يحتمل أن يكون منشأ هذا الاشتباه أنهم رأوا في بعض الأسناد: «منصور بن يونس، عن طلحة بن زيد» (الكافي 1: 100؛ رجال النجاشي: 207)، وكان في نسختهم: «منصور، عن يونس»، فتصوّروا أن الراوي عن طلحة هو يونس بن عبد الرحمن. وبالتالي تصوَّروا أن طلحة هنا أيضاً هو طلحة بن زيد.
([71]) مختصر البصائر: 76، قم، النشر الإسلامي، ط1، 1421هـ.
([72]) الكافي 1: 102؛ 11: 161؛ كامل الزيارات: 143؛ الأمالي (الصدوق): 18.
([73]) كما ورد مثل هذا العطف في روايات أخرى، مثل: «أفضل العبادة إدمان التفكُّر في الله، وفي قدرته». الكافي 3: 141.
([74]) «الرحمة في الخبر الأوّل إشارة إلى الإمام». بحار الأنوار 27: 289.
([75]) «الرحمة الموصولة». مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 613. لكنّ استعمال هذه الكلمة هنا ليس كاسمٍ ولقبٍ يدلّ على أهل البيت^، وإنما هي في توصيفهم.
([76]) يقال: إنه قام باختيار في هذا الكتاب، وأضاف إليه بعض الروايات أيضاً. وفي رؤية بعضهم أن كتاب مختصر البصائر هو لسعد بن عبدالله الأشعري، الذي قام باختصار كتاب بصائر الدرجات، للصفّار، وأخذ الحلّي كتابَ المختصر، واختار منه بعض الروايات. لكنّه قد نوقش في رؤية الآخرين. وبحثه طويل. انظر: مقدّمة طبعة مختصر البصائر: 30.
([77]) لا أظنّ أن يكون كتاب سعد بن عبد الله مشهوراً في عصر الحلّي، فلا يمكن أن نقول: لا حاجة إلى وثاقة الرجال المذكورين في الطريق. ولم أجِدْ إشارة إلى كتاب سعد في كتاب الإجازات في البحار، فهو قرينة على عدم شهرتها في القرون التالية. وفي رؤية بعض المحقِّقين إن نُسَخ كتاب سعد كانت موجودة حتّى القرن السادس. وعلى أيّ حال هناك بحث في هوية كتاب الحلّي، انظر: مقالة «تفكيك وتعيين هويت پنج كتاب أز حسن بن سليمان حلّي»، للدكتور حسن الأنصاري:
http://ansari.kateban.com/post/1294
ومن جملة ما ذكره في مقالته أن الكتاب الموجود للحلّي متّخذ من عدّة كُتُب، منها: كتاب مختصر البصائر، وهو نُسخة ناقصة من البصائر، لسعد الأشعري، التي لا ندري مَنْ قام باختياره.
([78]) رجال الكشّي: 563؛ رجال النجاشي: 412؛ وهناك روايات لسعد بن عبد الله عنه، فيثبت اتصاله بسعد.
([80]) فهرست كتب الشيعة: 23. وهذا دليلٌ على اعتبار حديثه وفقاً لبعض المباني.
([81]) رجال النجاشي: 21؛ رجال الطوسي: 332.
([82]) فما أخوض فيه، من أن الرجل هل هو إمامي أو واقفي؟، كلّه لأجل ذلك، وليس لأجل أن نعرف هل كان الحديث صحيحاً بمصطلح المتأخِّرين؛ لأن هذه الرواية ليست صحيحة على أيّ حال، فإن إبراهيم هنا في زمن هذه الرواية كان شاكّاً في الإمامة، فلا يُعَدّ إماميّاً، وبالتالي ليس الحديث صحيحاً، إلا أن نقول: رُبَما روى هذه الرواية بعد رجوعه عن الوقف و….
([85]) فمع وجود هذا التصريح منه لا يمكن أن نقول: إن سياق كلامه يدلّ على أنه رجع عن الوقف، ولأجل ذلك كان يحترم الرضا×.
([86]) رجال النجاشي: 159. وربما كان ترحُّمه عليه ناشئاً من رؤيته فيه أنه رجع عن الوقف، وسيأتي ذكره آنفاً.
([88]) هناك رواية في رجال الكشّي تدلّ على حيرة إبراهيم في الوقف، لكنْ ليست هناك رواية تدلّ على توقُّف أخيه إسماعيل عن الوقف، بخلاف ما ذكره النجاشي. نعم، يحتمل أن تكون هذه الرواية موجودةً في أصل رجال الكشّي، لكن الشيخ الطوسي لم يذكرها في اختياره من رجاله.
([89]) مثل ما ذكره المحقِّق البارع السيد جواد الشبيري، حيث يقول في بعض دروسه: إن كثيراً من المتَّهمين بالوقف هنا لم يَرِدْ اتّهامهم في سائر المصادر. والظاهر أن الشيخ الطوسي ذكر كلّ مَنْ كان متّهماً بالوقف وإنْ رجع عن الوقف (باستثناء بعض الموارد). فلا يستطيع أن يعارض قرائن أخرى على صحّة مذهبهم. وتفصيله في محلّه.
([90]) الكافي 2: 494، 495؛ 5: 420 ـ 422؛ علل الشرائع 1: 184، قم، مكتبة داوري، ط1، 1385هـ؛ تهذيب الأحكام 1: 440؛ وليس هناك اختلافٌ معتنى به في النُّسَخ، وورد في بعض نسخ الكافي «استفظعت» بدل «استعظمت»، والمعنى واحد. ورواه الصدوق ملخّصاً في مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 142؛ وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3: 364، نقلاً عن: أبي الحسن الخزاز القمّي في الأحكام الشرعية.
([91]) الكافي 3: 764؛ 15: 805؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 411؛ عيون أخبار الرضا× 2: 65؛ كامل الزيارات: 172؛ تحف العقول: 124؛ دعائم الإسلام 1: 343.
([92]) كما ذكره ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير 1: 287، بيروت، دار الكتاب العربي، ط1، 1422هـ.
([93]) جامع البيان، الطبري 6: 10، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1412هـ، أخرجه عن وهب بن منبه؛ تاريخ الطبري 1: 585؛ المستدرك على الصحيحين 2: 596، ذكرا اعتقاد النصارى فيه. تفسير القرآن العظيم (الطبراني) 2: 58، الأردن، دار الكتاب الثقافي، ط1، 2008م؛ الكشف والبيان (الثعلبي) 3: 80، دار إحياء التراث، ط1، 1422هـ، ذكراه عن أهل التواريخ؛ المنتظم 2: 42.
([94]) «أنّ عيسى× نادى أمّه مريم بعد وفاتها، فقال: يا أمّاه كلِّميني، هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا…». مستدرك الوسائل 6: 338، نقلاً عن: الرواندي في لبّ اللباب؛ ورواية أخرى في قصص الأنبياء (الراوندي): 264. ولا يخفى ما فيهما من الضعف والإرسال و…. وما ذكرته هنا ناظرٌ إلى ما ورد في المصادر الإسلامية، بصرف النظر عمّا ورد في مصادر المسيحية.
([95]) مثل ما ورد: «لا يغسِّل الرجل المرأة إلاّ أن لا توجد امرأة». انظر: الاستبصار (الطوسي) 1: 199،، طهران، الإسلامية، ط1، 1390هـ.
([96]) ونقله الكليني في موضعٍ آخر أيضاً بنفس هذا السند، لكن البزنطي سقط منه. الكافي 5: 420. فالحديث بسندٍ واحد في الموضعين.
([97]) انظر: رجال النجاشي: 75، 82؛ رجال الطوسي: 332، 351، قم، جماعة المدرّسين، ط3، 1373هـ.ش.
([99]) قد يطلق مصطلح المشايخ الثلاثة على أرباب الكتب الأربعة عند الإمامية. لكنّ مقصودي هنا من المشايخ الثلاثة هو الذين «لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمَّنْ يوثق به». العدة في أصول الفقه (الطوسي) 1: 155، تحقيق: علاقبنديان، قم، ط1، 1417هـ؛ وإضافة إلى ذلك قال النجاشي في ابن أبي عمير: «أصحابنا يسكنون إلى مراسيله». رجال النجاشي: 326.
([100]) في موارد قليلة منها: الكافي 6: 58. وفي سند هذه الرواية في المقالة أيضاً.
([101]) في مورد واحد: الكافي 11: 138.
([103]) الرجال، ابن الغضائري: 87.
([104]) انظر رجال الكشّي: 321 ـ 329، منها: الروايات رقم 586، 587، 588، 589.
([105]) الأمالي (الصدوق): 396؛ السرائر والمستطرفات (ابن إدريس الحلّي) 3: 554، قم، جماعة المدرّسين، ط2، 1410هـ، لكن هناك مناقشة في رواية البزنطي عنه هنا في السرائر.
([106]) هذه الصفة مذكورةٌ لابن بشير في رجال النجاشي: 119؛ وروايته عن المفضَّل موجودةٌ في الكافي 3: 599.
([107]) الإرشاد (المفيد) 2: 216، قم، مؤسّسة آل البيت^، ط1، 1413هـ.
([108]) معجم رجال الحديث (الخوئي) 19: 328، 329، ط5، 1413هـ.
([109]) معجم رجال الحديث 19: 328،
([111]) دلائل الإمامة (الطبري): 328، قم، مؤسّسة البعثة، ط1، 1413هـ.
([112]) مناقب آل أبي طالب (ابن شهرآشوب) 4: 224، قم، انتشارات علاّمه، ط1، 1379هـ.
([113]) أشير إلى مثل هذا في مقالة «بازشناسي حديث: «الإمام لا يغسِّله إلاّ الإمام» در گفتمان واقفيه وإماميه»، مجلّة علوم حديث، العدد 4، سنة 22، وهي مقالةٌ جيِّدة، وسأتعرض لنقد ما ورد فيها في المقالة التالية إنْ شاء الله.
([114]) مناقب آل أبي طالب 4: 224؛ الخرائج والجرائح 1: 264؛ كشف الغمّة 2: 138، تبريز، بني هاشمي، ط1، 1381هـ.
([115]) فهرست كتب الشيعة: 137؛ رجال النجاشي: 49. ويحتمل أيضاً أن يكون الحسن بن عليّ بن عبد الكريم الزعفراني، وهو مجهولٌ، لكنه احتمالٌ ضعيف.
([116]) هناك بحثٌ في اتحاد أبي سمينة مع محمد بن عليّ الهمداني، ناشئٌ من ذكرهما مستقلاًّ في بعض المواضع، كفهرست الشيخ واستثناء ابن الوليد في نوادر الحكمة و… وقال ابن بطّة: إنهما متحدان. انظر: قاموس الرجال 9: 474، قم، جماعة المدرّسين، ط2، 1410هـ، وكلّ ما ذكرته هنا مبنيٌّ على اتحادهما.
([117]) قال النجاشي: «ضعيفٌ جدّاً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء. وكان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ…، ثم تشهر بالغلوّ، فجفي، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم». رجال النجاشي: 332؛ وقال ابن الغضائري: «كذّاب، غالٍ… وكان شهيراً في الارتفاع، لا يلتفت إليه، ولا يكتب حديثه». رجال ابن الغضائري: 94؛ واعتبره الشيخ الطوسي من الضعفاء. رجال الطوسي: 438.
([118]) فهرست كتب الشيعة: 408؛ رجال النجاشي: 348.
([119]) فهرست كتب الشيعة: 412 والراوي هو عليّ بن بابويه وابن الوليد وماجيلويه.
([120]) ولم تكن كتباً قليلة، كما يبدو من عبارتهم: «له كتب، وقيل: إنها مثل كتب الحسين بن سعيد». فهرست كتب الشيعة: 412 فلم يكن له كتابٌ واحد حتّى ينخفض احتمال الأخذ من كتابه في حساب الاحتمالات.
([121]) «كذّاب ملعون». رجال الكشّي: 552. وذكر النجاشي أيضاً، نقلاً عن الكشّي، أن ابن فضّال قد طعن عليه. رجال النجاشي: 36.
([122]) «إني لأستحيي من الله أن أروي عن الحسن بن عليّ، وحديث الرضا× فيه مشهور». رجال ابن الغضائري: 51. لكن ذكر كثير من الكتب الرجالية أن الحديث المشهور عن الرضا× هو في عليّ بن أبي حمزة، لا في ابنه الحسن. انظر: قاموس الرجال 3: 288.
([123]) «وحكى لي أبو الحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه أنه قال: الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء». رجال الكشّي: 552.
([124]) «قال أبو عمرو: …الحسن بن عليّ بن أبي حمزة كذّاب غالٍ». رجال الكشّي: 443. واعتباره من الغلاة مع أنه كان من الواقفة محلّ تأمّلٍ ونظر، فإنْ لم يكن سهواً من الكشي فهو جديرٌ بالبحث؛ لكشف الارتباط بين مصطلح «الغالي» و«الواقفي».
([125]) تهذيب الأحكام 8: 310. لكنّ روايته عنه لا تثبت؛ لأن السند هكذا: عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن أبي عبدالله الرازي، عن البزنطي، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة. وحيث إن الراوي عن البزنطي هو الرازي، الذي ضُعِّف في المصادر، ولم يَرِدْ توثيقه، فلا يمكن إثبات رواية البزنطي عن الحسن البطائني بهذه الرواية.
([126]) كامل الزيارات: 49، 98، 100، 153، 205، 208، 251.
([127]) تفسير القمّي 2: 46، 55، 360، 370، 408، 422، 423، 434. وفي بعض هذه الموارد يبعد أن تكون من رواية عليّ بن ابراهيم.
([128]) انظر: مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 3، بضميمة ملاحظة نفس المصدر 4: 518.
([129]) كما ذكر العلاّمة المجلسي الأوّل في الجمع بين القرائن المتعارضة: «الظاهر أن الطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولهذا روى عنه مشايخنا؛ لثقته في النقل». روضة المتقين 14: 94.
([130]) تهذيب الأحكام 8: 262، لكنْ إذا كانت رواية البزنطي عنه منحصرةً بهذه الرواية فرُبَما يمكن التشكيك فيه؛ بقرينة رواية البزنطي عن الحسن بن عليّ بن يقطين أيضاً، بل ورد في بعض الأسناد «البزنطي، عن الحسن بن عليّ»، وتردّد الأمر فيها بين البطائني وابن يقطين، فلا يبعد أن يكون المذكور هنا أيضاً في الأصل هو «الحسن بن عليّ»، وأضيف في ما بعد «بن أبي حمزة» للتوضيح؛ بسبب وروده من هامش مخطوط إلى متنه.
([131]) «ثم وقف، وهو أحد عمد الواقفة». رجال النجاشي: 249؛ وانظر: الغَيْبة (الطوسي): 63، قم، دار المعارف، ط1، 1411هـ.
([132]) عيون أخبار الرضا× (الصدوق) 1: 113؛ علل الشرائع (الصدوق) 1: 235.
([133]) ذكر الكشّي عدداً من الروايات في قدحه. رجال الكشّي: 404 ـ 406.
([134]) الغَيْبة (الطوسي): 63.
([135]) كالبزنطي، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 488؛ وصفوان بن يحيى، فهرست كتب الشيعة: 283؛ وابن أبي عمير، رجال النجاشي: 250؛ فهرست كتب الشيعة: 283.
([136]) كما هو الظاهر؛ بقرينة روايته هنا عن أبي بصير، ويروي البطائني عنه كثيرة جدّاً، ولا توجد رواية الثمالي عنه؛ وبقرينة مقارنة السند مع سند دلائل الإمامة، وفيه أيضاً يروي عن أبي بصير.
([137]) نعم، إن أبا بصير يروي هنا عن الإمام الكاظم×. لكن الكاظم× يروي عن أبيه الصادق×. والجملة الرئيسية، وهي أصل القاعدة، من كلام الصادق×، فمن الطبيعي أن تُنسب القاعدة إلى الصادق×.