لا غبار على ما للجوارمن مسؤوليات ، فقد حفل النص الأسلامي موروثا ثريا بفضل الجوار. والجوار ليس حكرا مع من نجاوره بل اعظم الجوار هو جوار البلدان لما يترتب على حسن الجوار الوئام بين ابناء الدول المجاورة.
قد لا يتسنى مع كل جار الألفة ولكن الحد الأدنى في الجوار هو معرفة الشعوب الجارة لبعضها. فالعلاقات الطبيعية السياسية بين دول الجوار تتعزز بمعرفة الشعوب لبعضها والاطلاع على ما يدور فيها من حراك ثقافي واجتماعي واقتصادي لتصبح سند ودعم لتلك العلاقات للسير نحو المزيد من التعاون. ومعرفة الجار تتعاظم اهميتها لان الجار يفرض عليك لا تختاره فجار دولتك فرضته الجغرافيا السياسيه والطبيعيه. ولعل الجيرة التاريخية العريقه بين المملكة وايران يعكس انموذجا من ذلك الوجه الذي يستلزم فيه اهمية التبادل الثقافي و الفكري بين الشعبين لدورها في ازالة الكثير من الغموض السائد في حقول الثقافة والفكر والمعرفة. المؤسف المؤلم ان يسود بين الكثير من المثقفين و المفكرين في كل من ايران والمملكة الصور النمطية عن الآخر. ففي ايران يسود بين الكثير من هؤلاء صورة نمطية عن انسان المملكة تتمثل في كونه انسانا اصوليا متشددا بعيدا عن مجاري الفكر والثقافة. وتتشدد الصورة النمطية في هذا الوسط الأيراني في غفله عن كل ما تمر به المملكة من انفتاح وتحول حضاري ومدني. ويسود في الوسط السعودي صورة نمطية لذلك الايراني العنصري المتترس بالقومية الفارسية وبالنظرة الفوقية للعرب. لاشك ان هذه الأوهام التي تسود هنا وهناك ليست الا وليدة انعدام القنوات التي تسهم في تصحيح السائد والعمل باتجاه صورة واضحه ومفصله عن واقع ما يدور من التحولات الحضارية والمدنيه الرائدة في كل من ايران والمملكة.
ان سيادة الصوره النمطية المغلوطة بين المثقفين في ايران والمملكة ليست إلا وقودا يغذي القطيعة وذلك بلا شك ينعكس سلبا على أهمية معرفة كل شعب للآخر.
ان المؤلم ان ترى المثقف المتنور الأيراني غائب عن ذلك الحراك الثقافي الذي تحتدم به أروقة المؤسسات الثقافيه في المملكة. ومنقطع عن ذلك الحوار الجاد في التحولات الفكرية والأجتماعية الذي ينعكس جانب منه في صحافة المملكة والمطبوعات الثقافية المختلفة. والأسف في حرمان المثقف السعودي من القنوات الثقافيه التي منها يطل على ذلك النتاج الفكري والثقافي الثري الذي تعج به الساحة الثقافية والعلمية في ايران. ان الموضوعات الفكريه والثقافية والفنية الثريه خصوصا في ما له صلة بقضايا الأمة الراهنة يؤكد على اهميه الانفتاح على هذا السيل المنهدر من النتاج الفكري ليسهم في معالجة الصورة النمطية السائده في الوسط السعودي. لعل من أهم الأدوات الملحة في حركة الاطلاع على ما يدور في المملكة و ايران هو تبني ترجمة الانتاج الثقافي الفكري السعودي للغة الفارسية والتوجه نحو اصدار مجلة سعودية باللغة الفارسيه لعكس ذلك الحراك الثقافي الفكري المحتدم في المملكة كما تخدم الترجمه في اتجاهها الآخر نقل ما تنشره دور النشر في ايران كتلك القضايا المتعلقه بالحراك الثقافي في ايران للغة العربية. ولعل مطبوعات كالدورية العلمية الرائدة ((نصوص معاصره)) في نقل المعرفة الى القاريء العربي انموذجا مشجعا.
ان المملكة بعيون ايرانيه جديده و ايران بعيون سعودية جديده ضروره ملحة تقتضيها ظروف الساعة وتحدياتها والحق المبدئي للجيرة الجغرافيه والتاريخية بين المملكة وايران.