أحدث المقالات

الشيخ نجف علي ميرزائي

يصعب على المرء أن يغرق في تفاصيل التنظير والفلسفة في ما يخص "حقوق الإنسان"، وأن يُرجع أساب تردّي الإنسانية وانحطاط حقوق الإنسان وكرامته إلى إشكاليات فكرية وأزمات عقلية نظرية محضة، وهو يشهد بوضوح ودون أي شكّ أنّ حالات الاعتداء على هذه الحقوق وخرقها المستمر والواسع على المستوى الفردي والاجتاعي، داخل المجتمعات والدول أو على الساحة الدولية والعالمية، تعود إلى أسباب واقعية تتعلق بالممارسة والتطبيق وتنشأ من سيادة الفساد والانحطاط، ومن سقوط القيم الإنسانية في السلوك الفردي أو الاجتماعي ضدَّ الآخر المنضوي تحت سيادة البلد أو خارجه.

إدراك هذه الحقيقة الواضحة يثبت أن المشكلة هي أخلاقية في أكثر الأحيان، وليست نظرية علمية أو نتيجة إشكاليات فكرية حول مفاهيم حقوق الإنسان. ويبدو لي أنّ الدوائر الخارقة لها والتي تكتسب الصالح وتجني الثمار من حركة تسخين المناخ عبر نشاطات إعلامية وغير إعلامية حول اعتبار دول العالم الثالث هي المارقة والخارقة، تفرح كثيراً عندما ترى ترحيباً مطلقاً من جهتنا بهذه الشعارات الزائفة والمدعيات الكاذبة، وترتاح وقتما ترانا غارقين في التفاصيل النظرية حول حقوق الإنسان في الدوائر العلمية والأكاديمية والتسابق على بذل الجهود في تعليق ما لا يتوافق مع الادعاءات الغربية حولها في الدوائر السياسية والرسمية من أحكام وقوانين يروق لهم وصفها بالمتضادّة مع حقوق الإنسان.
وأحسب أن الانتباه إلى هذا التوجه ومعرفة الأسباب الواقعية التطبيقية للاعتداء على حقوق الإنسان في الغرب، وفي مجتمعاتنا، يساعدنا على سلوك متوازن فكراً وعقلاً وعملاً لحظة معالجتنا لها ومحاولتنا الرامية إلى دعمها وتحسينها. ولا نريد في أي حال الحط من قيمة الجهد العلمي والنظري حول الموضوع، وبخاصةً حينما نشهد أن هناك ارتباكاً شديداً، واضطراباً واسعاً قد يطرأ على هذا الأمر من الناحية النظرية والعلمية ما يدعونا إلى ضرورة إعطاء النظر والفكر المتعلقين بحقوق الإنسان ما يستحقانه من جهد علمي وبحث أكاديمي نظري.

ما نثيره الآن ضمن محاور كلّية وشاملة يثبت وجود حاجة ملحَّة إلى الاهتمام الفكري بجانب الانتباه الكامل إلى الجذور الحقيقية ولأسباب الواقعية للأوضاع السيئة في مجال حقوق الإنسان.

 

حقوق الإنسان بين الشريعتين

إنّ البحث عن حقوق الإنسان وصياغة أية نظرية وتوجه تجاهها أو دراسة النظريات الفلسفية المتعلقة بها دون تأصيلها أو تبيين العلاقة بينها وبين الأسس والركائز والخلفيات الأصيلة لها، قد يشوّه النتيجة، ويعيق حركة البحث الهادفة للوصول إلى اعتبارات صحيحة وموضوعية.

وإنَّ تنوع الحضارات والأيديولوجيات والرسالات الدينية والمدارس الفكرية سبب لوجود تنوع تنظيري حول حقوق الإنسان. ويبدو أنَّ اختلاف هذه المدارس الفكرية في نظرتها إلى "الإنسان" من كلّ أبعاده المتعلقة بالخلق والخُلق والطبيعة من ناحية، وبالعلاقة بينه وبين الله والكون والإنسان الآخر من ناحية ثانية له التأثير الأوفر في هذه التشكيلة المتنوعة من أفكار وعقائد ونظريات حول القضية.

وإن نظرة عابرة إلى المرجعيات الدينية، ومصادر الفكر الإسلامي خصوصاً تومئ إلى اعتبار "الكرامة" الإنسانية هي المدخل الأساس لحقوق الإنسان ومفتاحها. وإنَّ الكرامة التي منحها الله للإنسان( )، هي على مرتبة من الرقي والقيمية، تفوق به مصطلح حقوق الإنسان، كما أنَّ خرق كرامة الإنسان والعمل على المسّ بها سواء كان هذا الخرق والمسّ والتعدّي مرتبطاً بالناحية الجسدية، أو الروحية والمعنوية، أو الاجتماعية في علاقته بالآخرين، فإنّه يمثِّل جريمة وذنباً كبيراً في الخطاب الديني.

وإنّ الرؤية الإلهية تجاه الإنسان وكرامته تتسم بخصوصيات ومواصفات وميّزات كثيرة تجعلها ضامنة لحق الإنسان أكثر من التوجهات الأخرى هذه الخصوصيات هي:

‌أ-     الشمولية والاستيعاب: لأنّ الشريعة الإلهية موحاة من الخالق الذي هو الأدرى والأعرف بها في داخله من فطرة وطبيعة تطلب قوانين وحقوقاً وواجبات متناسقة وشاملة ومتوزعة على أبعاد الإنسان كافة. فإننا نجد، مثلاً، أنَّ الله تعالى فيما يتصل بالجانب الروحي والنفسي للإنسان يربط الحلول والأوامر الأخلاقية الإلهية المتعلقة بالنفس الإنسانية، يربطها بأنه تعالى هو الخالق له فهو العالم به: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾، و﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾، وهي تنص على أنّ الذي يخلق أولى بالهداية ووضع قوانينها وشرائعها وضوابطها، واللاّفت في الأمر هو أنَّ مبدأ "التوحيد" يدفعها نحو فهم متكامل وشمولي ومستوعب للشريعة والكون والإنسان في علاقتها المتبادلة، وأيضاً في ارتباطها بالله وتعالى. وهو؛ أي مبدأ الإيمان التوحيدي به تعالى، يمانع من وجود أي تفاوت وتباين أو فساد في شبكة العلاقات والقوانين والحقوق ما يرتقي بها إلى مستوى هو أعلى من التوجهات الوضعية البشرية التي تعاني من التفرق والتشتت والتباين في مفردات قوانينها وشرائعها الأرضية والسبب في ذلك راجع إلى أنَّ الإنسان المنقطع عن الوحي والسماء مهما سعى وعمل فإنَّ فهمه وعلمه سيكون محدوداً، وغير كافٍ لوضع "نظام"، شامل للإنسان في حياته الفردية والاجتماعية مع نفسه، ومع الكون، ومع الإنسان الآخر، ومع الله في لحظة واحدة.
وإنَّ هذه الشمولية في الجانب المتعلق بجسد الإنسان أيضاً حاضرة ومتحققة. فلجسد الإنسان بكلّ أبعاده وأشكاله حقوق وقوانين يجب أن يحترمها الإنسان في علاقته مع نفسه ومع الآخر جسداً.

‌ب-وبهذه المناسبة، فإننا نلاحظ نصوصاً دينية تؤكّد مسؤولية الإنسان تجاه "الخدش" في الجسد الذي يحدثه الإنسان له أو للآخر، بأنّ الشريعة قد حدّدّت "أرش" أو غرامة مثل هذا الخدش الذي يمثّل أثراً سطحياً جداً على الجلد من جرّاء ضرب خفيف أو إعمال ضغط عليه ليسبِّب حالة من التضرر البسيط، فما بالك بالمتعلق بالقوانين والحقوق الأكثر أهمية وجسامة في جسد الأمة، وفي علاقة الإنسان بقضايا هي أهم من هذه الحالة الجزئية نسبياً؟ ومن جهة ثانية فإنَّ هذه الشمولية قد أعطت لحقوق الإنسان بعداً عالمياً إنسانياً يتجاوز كلَّ حدود الانتماءات والمدارس الفكرية، وكذلك الحدود الديموغرافية، وسيكون الحديث عن هذا الموضوع جزءاً من مناقشة حقوق الإنسان ومشكلة العالمية لاحقاً.

‌ج-  الترابط الكلّي في الحياة واطّراد الحقوق والقوانين: هذه الخصوصية هي للشريعة الإلهية وحدها وأمّا القوانين الوضعية والدساتير البشرية فإنها غير قادرة على تقديم نظام للتكامل ومنظومة حقوق وقوانين مترابطة بشكل كلّي ومطّرد. في الحقيقة، إن الميزة الأولى للنظم الشرعية الإلهية المرتبطة بمصدر الفطرة والخلقة الإنسانية أي الرؤية التوحيدية الشاملة هي التي تمنح فرصة إيجاد هذا الترابط الكلّي والتناسق العجيب بين بنود ومواد وتفاصيل حركة الإنسان في مجموعة علاقاته مع الله، ومع الإنسان، ومع الكون. وأما القوانين الوضعية فإنها قد علمت شيئاً يتعلق بجسم الإنسان مثلاً وغابت عنها أشياء ترتبط بروحه ونفسه، أو عرفت شيئاً مرتبطاً بدنياه، ونسيت ما يتعلق بعقباه وآخرته، وما إلى ذلك من نظرة تجزيئية سطحية إلى الإنسان وفصله عن سائر مكوّنات سعادته. وإن نظرةً عابرة إلى واقع الإنسان في الحضارة الغربية بشمولية وموضوعية ولا أقصد هنا ما نعم به على مستوى المشاركة السياسية – وما يعيشه من عذاب ومعاناة من الناحية الروحية والتربوية والتيه والحية التي تنغص عليه كلّ راحة في الحياة بفعل الابتعاد عن عناصر الهدوء النفسي والاطمئنان الروحي وتفكك الأسرة وتمزّق القيم الإنسانية في إطار واسع جداً، تمثل خير دليل على فشل الطروحات الوضعية في تأمين الراحة والسعادة للإنسان بمفهوم واسع يغطّي كلّ ساحات وجوده. ولقد حضّت الرسالات السماوية على هذه الحقوق وكرّست مصطلح الكرامة الإنسانية على نواحٍ شاملة وجامعة في نفس الوقت بشكل مترابط ومتكامل. وإنَّ النظرة غير المتكاملة والقراءة الجزئية الناقصة للشريعة وأحكامها، قد تسبب خللاً كبيراً في فهمها وتجعل بعض الناس متحمِّسين لاعتبار قسم من الحدود الشرعية مما يجب تعليقها أو إلغاؤها؛ وذلك لعدم معالجة الموضوع بشكل شامل ومترابط في علاقة أجزائه.
إن الله الذي ﴿قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، والذي ﴿َأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾، والذي قد ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾. إنه وحده يوحي إلى الإنسان كيفية توظيف إمكاناته وقدراته وكذلك الكون المسخَّر له لأجل تحقيق السعادة والوصول إلى إليها.

‌د-    الغائية والهدفية في الحركة: إنّ الأنظمة الوضعية قد رسمت خارطة مادّية وصورة محدودة للإنسان وحقوقه وحاجاته ومتطلباته، ما لا ينسجم مع مستوى طاقاته وقدراته المكنونة فيه، وتسبّب ذلك في عدم تحقيق الأهداف الظاهرية نفسها؛ لأجل انعدام العلاقة بينها وبين الجوانب الأخرى من كيانه.

إنَّ الوحي يرسم لحركة الإنسان خطّاً آخر غير منحصر في السير المادّي والحركة الدنيوية وإنّما يهدف إلى تحقق أعلى مراتب الخلافة الإلهية، وتجسيد مراتب عالية من الصفات والأسماء الإلهية عبر هذا الاستخلاف على الأرض، هذا هو الذي يصوغ من المنظار الشرعي نظاماً قانونياً وحقوقياً هو أرحب بكثيرٍ مما هو من صنع الإنسان البعيد عن الوحي والسماء.

إنّ مفاهيم: المعاد، التوحيد، العبودية، الإيثار، والفداء، الجهاد، المسؤولية الإنسانية الواسعة والشاملة وغيرها مما هو داخل منظومة الشريعة، كل ذلك لا يشكّل جزءاً من إطار حقوق الإنسان الوضعية دوماً. وهذا يقيّد حدودها ويمنع من توفرها على الصلاحيات التي تسمح لها بأن تكون برنامج الحياة ودستورها الشامل. وإنَّ الخطاب القرآني للإنسان يحدّد له غايات أخرى تختلف في جوهرها عن تلك التي تمثِّل الخلفية للأنظمة الأرضية في الأنظمة والمدارس الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والروحية (النفسية) والتربوية:

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ وغيرها، عشرات من الآيات القرآنية ترسم خطّاً آخراً، ومسيراً ومصيراً مختلفين للإنسان عمّا رسمت له الأنظمة المادية المنقطعة عن الوحي، وبالتالي فإنَّ النتيجة العملية لهذا الاختلاف في الغايات والأهداف بين النظريات، تسبّب اختلافاً في طبيعة هذه الحقوق والتكاليف وكذلك النتائج العملية في الحياة ومعها عاقبة الإنسان.

حقوق الإنسان في ضوء تجليات العولمة:

من الواضح تماماً، أنّ حقوق الإنسان بلحاظ طبيعتها الإنسانية، لا يمكن أن تتغيَّر من زمن إلى زمن أو من منطقة إلى منطقة، وذلك أنَّ مستوى حقوق الإنسان، من الناحية القانونية هي أرفع من مستوى القوانين التي تتحرّك من زمنٍ إلى زمنٍ أو مكان إلى آخر؛ حيث إن حقوق الإنسان هي الأساس لها وليس العكس.
هذا فيما إذا كانت هذه الحقوق والقوانين تتعلق بعناوين محدودةٍ وكلّيةٍ جداً، وأمّا الدخول في تفاصيل هذه الحقوق فإنه يفقدها إمكانية التعميم والشمولية على مجتمع واحد أحياناً فما بالك بالمجتمع الدولي؛ ذلك لأنّ الأنظمة المتعددة في أرجاء العالم حول التربية، الاقتصاد، السياسة، الثقافة، وغيرها من أسس المجتمعات، هي تشكّل بأشكال وأنماط مختلفة، وتبعاً لها تتأطر حقوق الإنسان بأطرٍ وأنساقٍ متفاوتة، ما يجعل من الصعب جداً أن تنجح المحاولة الرامية إلى فرضها على الآخر المختلف، فكراً وثقافة وسياسة واجتماعاً و… وإنَّ هذا الموضوع بالذات يعدّ إشكالية كبيرة جداً على مستوى العلاقات الدولية ومعضلة بهذا الحجم، وخاصةً عندما تحدث إرباكاً على مستوى الثقافة والقيم، لا يمكن أن تمرَّ بسهولة، ولا تكفي القدرة السياسية أو السلطة الدولية حتى، لأجل تجاوز مشكلة بهذا الحجم.

إنَّ السعي المطرّد من قبل المؤسّسات الدولية التي تحاول تصدير قيم وحقوق خاصة، طبقاً لفهم خاص منسجم مع رؤية إنسانية وكونية خاصة، بفرض القوة على الآخرين مستغلّةً ضعفهم وتخلفهم الاقتصادي والاجتماعي، قد أربك الساحة الدولية وهو ينذر بنشوب صراعات بل وصدامات أشدّ وأشرس بكثير مما هو جار الآن.

وإنّ المعايير المعتمدة في الغرب في رسم حدود القيم الإنسانية ومفاهيم الحضارة تصطدم في أكثر الأحيان بتركبية المجتمعات الإسلامية بل غير الغربية كافة وتصعّد حركة المقاومة والممانعة في وجه هذا الغزو والهجوم الهادف إلى هيمنة وسيطرة ثقافية وإعلامية وسياسية عليها، هذا لأن الموازين والمعايير الغربية لا تصلح لتكون الأساس في صياغة حقوق الإنسان العالمية من جهة، ولأنَّ ما يروِّج له الإعلام الغربي وتسعى السلطة الدولية لفرضه على دول العالم الثالث غير مدعوم بنوايا حسنة وأهداف نظيفة، وإنّما لأجل بسط السيطرة، واستعمار الثروات، ونهب الخيرات، وفتح الأسواق، وفرض المنتجات الغربية. وحقوق الإنسان ليست أكثر من أداة ووسيلة أو ذريعة لتحقيق ذلك. وإن الواقع العالمي لا يثبت صدقية هذه المحاولة الدولية بل العكس هو الثابت، ومن هنا صارت الشعوب المستضعفة تعاني من مشكلتين في آنٍ واحد: تسلط حكام الجور، وتعسف الدول الكبرى في فرض مفاهيمها وقيمها.

ويبدو لي أنّ الميزان المعتمد لدى المؤسسات الاقتصادية الدولية في اختيار المنتجات الصالحة والمتميّزة أو التي تقوم برصد مكافآت كبيرة للأعمال الفنية والأدبية والمنتجات السينمائية، وغير ذلك كلّها تقوم بذلك في إطار قيم ومعايير غربية بحتة، ولأجل ترويج وتسويق ما لديهم وضرب الاقتصاد والثقافة غير الغربية… والغريب في الأمر هو الولع الشديد والحرص الغريب الذي تبديه الدول غير الغربية وخصوصاً العربية منها في محاولة الإلتحاق بركب المؤسسات التجارية القائدة لحركة العولمة!!

تسييس حقوق الإنسان وازدواجية المعايير:

مقاربة تاريخية لحركة حقوق الإنسان أو المحاولات الرامية إلى تحقيقها ورعايتها والدعوة إلى تطبيقها تكشف عن ازدواجية في المعايير منذ البداية، أي من وقت كان الحديث عنها يجري في أروقة منظمة الأمم سنة 1948، أي سنة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كانت في الانطلاقة الخاطئة لها. دول وأمم وشعوب تعاني من الاستعمار والنهب دون أن يتطرق لها هذا الإعلان لا من قريب ولا من بعيد! ومن المعلوم اليوم أنَّ الدول العظمى والقوى الفاعلة على الصعيد العالمي تستعمل المصطلح والمفهوم وفقاً لمعطيات ومصالح محددة لها، فأين الدول المدافعة عن حقوق الإنسان مما يحدث للأطفال الصغار المدنيين الأبرياء من النساء والرجال والشيوخ في فلسطين الذين تلطخت الشوارع بدماءهم وأين هؤلاء مما يحدث هناك من تدمير وتخريب كلّ ما يواجه الجيش الإسرائيلي ومما تزرعه آلة الحرب الصهيونية أو ما يزرعه التحالف الحربي في العراق من موت وخراب وقتل للأطفال وتدمير كامل لبنية الحياة والمجتمع؟
إنَّ منطقة الشرق الأوسط خير دليل على أكذوبة حقوق الإنسان ولعبة الدعوة إلى تطبيقها والحال أنّ الدول الصديقة لها تمارس أشنع أنواع وأنماط الإرهاب ضدّ البشرية والطبيعة على السواء.

من أين لنا أن نوفِّق بين الدعوة الكاذبة والزائفة إلى الديموقراطية وقتل النساء والأطفال بقنابل تزن أطناناً من المتفجّرات؟ وهل في ذلك شيء يدل على مصداقية الدعوة إلى حقوق الإنسان؟ عن أي حقّ أو أي إنسان يتحدث هؤلاء؟

هل الردود الدولية التي تقودها الدول العظمى تحت غطاء شرعية دولية ودون غطاءها، هل هي عادلة ومنصفة في ما يتعلَّق بالدم الإسلامي والدم الصهيوني؟ أو فيما يتعلق بين الإنسان الغربي وغيره ممن يعيش في البلاد الغربية؟

لاشك في أن دول الشمال قد نعمت بكثير من حقوق ولا إشكال في ذلك، وإنّما الأزمة بدأت عندما حاولوا فرض هذه الحقوق بعينها على غيرهم من جهة، وزرع كلّ عناصر منع تحقّقها وتطبيقها من أنظمة محافظة وراعية لمصالحها وإيجاد معايير وموازين متباينة تخدم سياساتهم وقيمهم من جهة ثانية.
خطورة قضية حقوق الإنسان وما يتعلق بها من آثار عملية وواقعية على ساحة الواقع الإسلامي والعربي وتعقيدات نظرية وعقلية تخصّ قراءة النصوص الشرعية وكذلك مدارس وتيّارات فكرية فيها، دفعتنا نحو تخصيص هذا العدد لها وحاولنا استقطاب مشاركة متنوعة من أصحاب الطروحات الإسلامية في الموضوع، أملاً منّا بأن تساهم هذه الحركة العلمية في تجلية الصورة وبلورة أبعاد أخرى لحقوق الإنسان.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً