في حوار مع وكالة تسنيم الدولية للأنباء اكدت شمس الدين أن الأمية والفقر هما من البيئات الأسهل انجذابا للتطرف، ومن أهم خطوات مواجهة التطرف مواجهة الأمية بالتعليم والفقر بالرفاهية، فيما اشارت الى أن الإعلام تحول لوسيلة حرب وتدمير منهجي وتزوير تاريخي ، ولم يعد الاعلام وسيلة وعي وتقريب وبناء ثقافات وشراكات.
وفيما يلي نص الحوار:
سؤال: هل ترين أن التطرف مرض معدٍ، وهل يمكن أن يؤدي التطرف الذي يضرب سوريا والعراق اليوم الى تطرف آخرين حول العالم؟
شمس الدين: تماثل الظروف التي ينشأ فيها التطرف، وانخفاض مستوى الوعي والتعليم، مع وجود وسائل التكنولوجيا العابرة للحدود والزمن التواصلي، يجعل سريان الأفكار والإيديولوجيات سهلا، خاصة مع تراجع سقف الحريات وتقدم القبضة الأمنية، وقسوة الظروف الاقتصادية وهي كلها ظروف تسهل سريان التطرف، وتجعل منه متنفسا يُعبّر من خلاله المتطرفون عن ذواتهم وعن القهر الذي يشعرونه.
لذلك يمكن اعتباره مرضا معديا لتشابه الظروف التي نشأ بها في الدول العربية والإسلامية خاصة المذكورة في السؤال.
سؤال: كيف ساهم الاعلام في تعزيز التطرف ونشره او الحرب عليه؟ وما دور حسابات تويتر وخاصة الشخصيات المعروفة في هذا المجال؟
شمس الدين: بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قال أحد استراتيجيي أمريكا “بريجينسكي” أن الاعلام أصبح العنصر الأساسي في الحروب الحديثة .
قال بريجنسكي: “أن تقنيات ووسائل الاتصال أصبحت تشكل الجيل الثالث من وسائل الهيمنة على العالم”، تكون الهيمنة بالسيطرة على الدول أو إسقاطها.
ويعتمد الاستعمار على توجيه الإعلام وفق قواعد علمية بهدف السيطرة على الوعي وتتركز القواعد على عامليين أساسيين:
* نفسي عاطفي
* عقلي مزيف
وتابعت شمس الدين: ليصل الاستعمار لغاياته فهو لا يتوانى عن مزج العاملين العاطفي والنفسي “الموضوعي” ولتحقيق ذلك فهو يوظف كافة المنابر لتسويق بضاعته إلينا.
العامل النفسي: قام الإعلام ببث كم هائل من القصص المفبركة حول عمليات اغتصاب لبنات وأولاد واعتداء على آمنين وتقطيع أوصال وغيرها من الفبركات التي تلعب على البعد النفسي.
العامل العقلي : مارس الإعلام كل ممنوع مهنيا وأخلاقيا من اختلاق شهود عيان واعترافات تبث من أشخاص دون التثبت والتحقق من الموضوع”
إضافة لتزوير حقائق وتقديم فرعيات وثانويات على أنها أولويات، واستجلاب الماضي بخلافاته وعثراته ليصنع حاضرًا مأزوما قادرا من خلاله على قيادة الأزمات التي يفتعلها إلى أهدافه، بطرق مهنية دقيقة وتقنيات عالية تلعب على خريطة ذهن المتلقي لتهيمن على وعيه.
فللاعلام المسيس دورا هاما في صناعة الوعي ورفد الثقافة العامة، وتشكيل شبكة تصورات وتصنيفات قادرة إما على تمزيق المجتمعات أو على توحيدها والنهوض بها . ومعالجة إشكالية تسييس الاعلام تتطلب تقنين حقيقي يضبط الانفلات لكنه في ذات الوقت لا يقمع الحريات، وقادر على وضع ثوابت تصون لحمة الأمة وتمنع تفكك المجتمعات.
فاليوم الإعلام تحول لوسيلة حرب وتدمير منهجي وتزوير تاريخي ، ولم يعد الاعلام وسيلة وعي وتقريب وبناء ثقافات وشراكات .
سؤال: أطفال العراق وسوريا حرموا من التعليم المناسب اثر الحرب المفروضة على البلدين، وبعض أطفال المخيمات لم يتلقَ أي تعليم او اضطر لترك مقاعد الدراسة لإعانة عائلته، كيف سنمنع تطرف هؤلاء؟ وكيف يمكن معالجة سنوات من غياب الأطفال عن المدرسة وتلقيهم المعارف من مصادر متنوعة بعضها متشددة وبعضها له مآرب أخرى؟
شمس الدين: بالطبع الأمية والفقر هما من البيئات الأسهل انجذابا للتطرف، ومن أهم خطوات مواجهة التطرف مواجهة الأمية بالتعليم والفقر بالرفاهية.
وهنا يأتي دور الجمعيات الأهلية، حيث تقع عليها مسؤولية كبيرة في النهوض بالمستوى التعليمي للأطفال.
ويكون ذلك من خلال برامج تعليمية مدعومة، قادرة على أن تسد حاجة الأطفال التربوية والعلمية، بما يحصنهم من الاختراق، أو محاولة غسل الدماغ والاستغلال تحت وقع الحاجة.
وهناك تجربة في الكويت قامت بها مجموعة ناشطات في حقوق الإنسان لتعليم إطفال الأسر المتعففة وكانت تجربة ناجحة وجديرة بالاهتمام والنقل.
تم خلالها تعليم الأطفال القراءة والكتابة وبعض المواد اللغوية والعلمية، ومن ثم حصة نشاط يفسح فيها المجال للأطفال للتعبير عن ذاتهم وإبداعاتهم، وما يتم إنتاجه في هذه الحصة بعد ذلك يتم بيعه ويعود ريعه للطفل نفسه.
ففي ظل إهمال كثير من الأنظمة لفئات كثيرة من الأسر المتعففة أو عجزها عن مواكبة الأطفال بالتعليم خاصة النازحين واللاجئين، فتقع المسؤولية على المؤسسات الأهلية بالنهوض بالعملية التعليمية، وتجنيب الأطفال أمية تخلق بيئة حاضنة للتطرف.
سؤال: الدين الإسلامي دين مودة ورحمة، فكيف يفرز هكذا دين تيارات متطرفة تقتل وتذبح وتمثل بالجثث ولا تفرق بين كبير او صغير؟ من الذي يقف وراء ذلك؟ وما هو السبيل لاعادة صورة الدين الحنيف البهية؟
شمس الدين: المشكلة ليست في الدين وإنما في أتباعه، وكثير من العلماء السلف الذين أسسوا للتطرف والتفكير من خلال قراءتهم السلفية لنصوص الدين، قراءة دوغمائية لا تأخذ بالحسبان الزمان والمكان.
هذا فضلا عن المزاوجة الغير شرعية بين كثير من الفقهاء والحكام، فبات لدينا فقيه سلطة كما لدينا مثقف سلطة، هؤلاء يُطَوّعون النصوص بما يخدم الحاكم، وللأسف تلعب الفتاوى دورا كبير جدا في توجيه السلوك الفردي والاجتماعي.
إضافةً لاستصحاب التاريخ وأحداثه وقراءته بمنهجية تطبيقية سلفية، لا للعبرة ولا لاستلهام سنن التاريخ، بل لاستحضاره كما هو بشخوصه وتفاصيله ومطابقته مع واقعنا المختلف بطروفه وزمانه عن ذاك التاريخ.
وقد قال الله تعالى:
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يعملون
البقرة / ١٣٤
ومن يقف وراء ذلك عدة جهات:
علماء السلطة ونخبها، والبترودولار ، وجهل الناس وفهمهم الخاطيء لوظيفة العالم ولدور العقل.
والحل يكون بتظافر جهود المخلصين من كل الأديان والمذاهب، للنهوض بقراءة للدين معتدلة، ووضع مشروع عمل حقيقي قادر
على مواجهة القراءات المتطرفة بشجاعة، والدفع بالقراءات المعتدلة من كل الأطياف.
تتكفل مؤسسات المجتمع الأهلي بالنهوض بهذه المشاريع وترجمتها ميدانيا في المجتمع.
هذا فضلا عن حاجتنا لإعادة قراءة التراث وغربلة الموروث، قراءة لا تتعارض مع القرآن الكريم.