السيدة زينب جعفر نيا(*)
د. السيدة وحيدة رحيمي(**)
مقدّمةٌ
إن مسألة سهو النبيّ الأكرم| من المسائل التي خضعَتْ للتدقيق في الكتب الروائية المتقدّمة لدى الشيعة وأهل السنّة.
وقد عمد المتكلِّمون والمحدِّثون، من أمثال: الشيخ الصدوق والشيخ المفيد، إلى البحث في هذه المسألة، رغم إمكان القول بأنهم قد اتخذوا ـ على أساس الروايات ـ موقفين مختلفين في هذا الشأن.
وقد أشار المصنّف الشيعي الكبير الآغا بزرگ الطهراني، في كتاب الذريعة، إلى مؤلَّفاتٍ في هذا الشأن([1]). ويمكن الإشارة من بين هذه المؤلَّفات للمتقدِّمين، إلى رسالة الشيخ الحرّ العاملي، بعنوان: «التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان». كما صار الميرزا جواد التبريزي في هذه المسألة إلى القول بنفي السهو عن النبيّ الأكرم| أيضاً. وقد فتح العلاّمة المجلسي بدَوْره، في المجلَّد السابع عشر من بحار الأنوار، باباً بعنوان: «سهو النبيّ الأكرم|». وكذلك فقد كتبت في هذا المجال مقالة بعنوان: «ثقة الإسلام الكليني وروايات سهو النبيّ|»([2])؛ إذ تمّت الإشارة في هذه المقالة إلى روايات سهو النبيّ الأكرم| المذكورة في كتاب الكافي، وتمّ تحليل الجوانب المختلفة لها.
إلاّ أن الغاية من مقالتنا هذه هي التأكيد على استنباط رأي العلاّمة المجلسي في هذه المسألة. إن الأجزاء من 15 إلى 22 من كتاب بحار الأنوار تحت عنوان: «كتاب تاريخ نبيّنا| وأحواله» قد تناولَتْ سيرة النبيّ الأكرم|، من ولادته إلى رحيله إلى الرفيق الأعلى. وفي أحد هذه الأجزاء (الجزء رقم 17) فتح العلاّمة المجلسي باباً بعنوان: «سهو النبيّ| ونومه عن الصلاة»، وتعرّض فيه إلى ذكر روايات في باب سهو النبيّ الأكرم|، ثم عمد إلى نقد ومناقشة هذه الروايات ضمن بيانٍ تفصيلي، وتعرَّض فيه إلى ذكر آراء كبار العلماء في هذا الشأن. ومن الجدير ذكره أننا قد رجعنا أيضاً في هذا المسار إلى بعض الأعمال الأخرى للعلاّمة المجلسي، ومنها: مرآة العقول، وبحثنا رأيه في هذه الآثار أيضاً.
روايات سهو النبيّ(صلى الله عليه وآله) في بحار الأنوار
لقد أشار العلاّمة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، ج 17، إلى 17 رواية في سهو النبيّ الأكرم|، حيث يمكن تقسيمها إلى أربع طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات الدالة على سهو النبيّ الأكرم| في عدد ركعات الصلاة. وتشتمل هذه الطائفة على إحدى عشرة رواية؛ وهي عبارة عن سبع روايات من التهذيب (من الرواية 1 إلى الرواية 7)، وثلاث روايات من الكافي (من الرواية 11 إلى الرواية 13)، ورواية واحدة من عيون أخبار الرضا× (الرواية 14).
الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على عدم سهو النبيّ الأكرم| في الصلاة. وتحتوي هذه الطائفة روايتين، وهما: الرواية رقم 8 من التهذيب، والرواية رقم 16 من بصائر الدرجات. وبطبيعة الحال سوف تأتي الإشارة إلى أن العلاّمة، بالإضافة إلى هاتين الروايتين اللتين تمّ إدراجهما ضمن الروايات السبعة عشرة في هذا الباب، في البيان المذكور على هامش الروايات، تشيران إلى روايتين أخريين في هذا الشأن أيضاً، ومن هنا فإن هاتين الروايتين تندرجان ضمن هذه الطائفة من الروايات أيضاً.
الطائفة الثالثة: الروايات الدالة على سهو النبيّ الأكرم| في قراءة الصلاة. ولم ترِدْ في هذا الشأن سوى روايةٍ واحدة من كتاب المحاسن (الرواية 15).
الطائفة الرابعة: الروايات الدالة على نوم النبيّ الأكرم| عن صلاة الفجر في السفر. وهذه الطائفة تشتمل على ثلاث روايات، وهي الروايتان 9 و10 من كتاب الكافي، والرواية 17 من كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه.
وفيما يلي سوف نعمل على بحث هذه الطوائف الأربعة من الروايات، مع التأكيد على رأي العلاّمة المجلسي، ومقارنته برأي العلماء الآخرين.
وقبل الدخول في البحث، لا بُدَّ من تقديم توضيحٍ بشأن روايات الطائفة الأولى. إن العلاّمة المجلسي في الروايات السبعة عشرة التي ذكرها، قد اقتصر على مجرّد بيان روايات الشيعة بشأن سهو النبيّ الأكرم|؛ بَيْدَ أنه في نهاية القسم الروائي، وفي مقام نقد ومناقشة وردّ روايات سهو النبيّ الأكرم|، أشار إلى عددٍ من روايات أهل السنّة أيضاً، وذكر نقد العلماء، وكذلك أدلّتهم على ردّ هذه الروايات أيضاً، مع بيان بعض النقاط في البحث السندي والمدلولي لها. ومن هنا فإننا في بداية البحث سوف نتعرّض إجمالاً إلى روايات أهل السنّة في هذا الشأن أيضاً؛ لكي يتبيَّن نقد العلاّمة والآخرين في هذا الشأن.
مطالعات المجلسيّ النقديّة
1ـ في الروايات الدالّة على سهو النبيّ(صلى الله عليه وآله)
أـ روايات الشيعة
كما سبق أن ذكَرْنا فإن هذه الطائفة من الروايات تشتمل على ما يدلّ على سهو ونسيان النبيّ الأكرم| في الصلاة. ومن مجموع الروايات السبعة عشرة، التي نقل العلاّمة أكثرها من كتابَيْ التهذيب والكافي، تندرج إحدى عشرة رواية ضمن هذه الطائفة.
وطبقاً لرأي السيد جعفر مرتضى العاملي، لا يصحّ من روايات الشيعة في باب سهو النبيّ الأكرم| سوى خمس روايات فقط، وأما سائر الروايات الأخرى فهي تعاني من ضعف السند([3]). وذهب بعض المحقِّقين الآخرين بدَوْرهم إلى القول بصحة سند ستٍّ من هذه الروايات، وأما سائر الروايات الأخرى فهي ضعيفة عندهم؛ بسبب وجود أشخاص ـ من أمثال: المفضَّل بن صالح أبي جميلة، وموسى بن عمرو بن يزيد، ومحمد بن سنان، ومنصور بن عباس، وتميم القرشي ـ في سلسلة أسانيدها([4]). ومن هنا سوف نكتفي هنا بالإشارة إلى هذه الروايات الستّة فقط؛ حيث هي صحيحة السند طبقاً لما قاله المحقِّقون، وقد ذكرها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار أيضاً.
1ـ في الكافي: روى سماعة بن مهران([5])، عن الإمام الصادق× أنه قال: «إن رسول الله| صلى بالناس الظهر ركعتين، ثمّ سها فسلَّم، فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله، أَنَزَل في الصلاة شيءٌ؟! فقال: وما ذلك؟ فقال: إنما صلَّيْتَ ركعتين، فقال رسول الله| [لغيره من المصلِّين]: أتقولون مثل قوله؟ قالوا: نعم، فقام رسول الله| فأتمّ بهم الصلاة، وسجد بهم سجدتَيْ السهو»([6]).
2ـ في روايةٍ أخرى من الكافي: روى سعيد الأعرج([7])، عن الإمام جعفر الصادق× أنه قال: «صلّى رسول الله| ثمّ سلّم في ركعتين، فسأله مَنْ خلفه: يا رسول الله، أَحَدَث في الصلاة شيءٌ؟! قال: وما ذاك؟ قالوا: إنما صلَّيْتَ ركعتين، فقال: أكذاك يا ذا اليدين ـ وكان يُدْعى ذا الشمالين ـ؟ فقال: نعم، فبنى على صلاته، فأتمّ الصلاة أربعاً. وقال [الإمام×]: إن الله هو الذي أنساه رحمةً للأمّة»([8]).
3ـ في التهذيب: عن أبي بصير([9]) قال: «سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ صلّى ركعتين، ثمّ قام فذهب في حاجته؟ قال: يستقبل الصلاة، قلتُ: فما بالُ رسول الله| لم يستقبل حين صلّى ركعتين؟ فقال: إن رسول الله| لم ينفتِلْ من موضعه»([10]).
4ـ هذه الرواية بدَوْرها ـ وهي من التهذيب أيضاً ـ مثل الرواية السابقة؛ حيث ينقلها عن الإمام الصادق× رجلٌ اسمه «جميل»([11]).
5/6ـ الروايتان الخامسة والسادسة، من التهذيب أيضاً؛ إذ ينقل إحداهما أبو بكر الحضرمي([12])، والأخرى الحارث بن المغيرة([13])، عن الإمام الصادق×. ومضمون هاتين الروايتين نظير الروايات المذكورة آنفاً([14]).
وجديرٌ بالذكر أن الشيخ الطوسي، بعد بيان هذه الروايات في التهذيب([15])، ذكر روايةً أخرى بسندٍ صحيح عن زرارة، عن الإمام الصادق×، وهي تدلّ على بطلان سهو النبيّ|، ثم أشار إلى تعارض هذه الرواية مع الروايات الدالة على سهو النبيّ الأكرم|، وقال: «الذي أفتي به ما تضمَّنه هذا الخبر [خبر زرارة]؛ فأما الأخبار التي قدّمناها من أن النبيّ| سها فسجد فإنها [وإنْ صحَّتْ سنداً] موافقةٌ للعامّة»([16]). كما أنه، مضافاً إلى ذلك، ذكر أدلّةً عقلية ونقلية في بطلان سهو النبيّ الأكرم|. وقد ذكر العلاّمة المجلسي بدَوْره رواية زرارة مقرونةً بكلام الشيخ الطوسي على هامشها في تتمّة روايات هذا الباب، حيث سنتعرَّض إلى بيانها ضمن روايات الطائفة الثانية.
والنقطة الأخرى هي أن بعض روايات الشيعة أو أهل السنّة الواردة في سهو النبي|، بغضّ النظر عن بحث السند، مرفوضةٌ من قبل العلماء؛ بسبب مخالفتها للأحكام الفقهيّة المسلَّمة والثابتة؛ كما أشار الشيخ الطوسي في التهذيب (كتاب الصلاة، باب أحكام السهو) إلى هذه الرواية: «عن عليٍّ× قال: صلّى بنا رسول الله| الظهر خمس ركعات، ثمّ انفتل، فقال له بعض القوم: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيءٌ؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صلَّيْتَ بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة وكبَّر وهو جالسٌ، ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءةٌ، ولا ركوع، ثمّ سلّم…»([17]).
وقال الشيخ الطوسي بعد هذه الرواية: «هذا خبرٌ شاذّ([18]) لا يُعْمَل عليه؛ لأنا قد بيَّنا أن مَنْ زاد في الصلاة وعلم ذلك يجب عليه استيناف الصلاة، وإذا شكّ في الزيادة فإنه يسجد السجدتين المرغمتين. ويجوز أن يكون× إنما فعل ذلك لأن قول واحدٍ له لم يكن ممّا يقطع به، ويجوز أن يكون كان غَلَطاً منه، وإنما سجد السجدتين احتياطاً»([19]).
ب ـ روايات أهل السنّة
كما سبق أن ذكَرْنا في بداية البحث، فإن العلاّمة المجلسي في الروايات السبعة عشرة المذكورة في بحار الأنوار قد اكتفى ببيان روايات الشيعة في باب سهو النبي الأكرم|، ولكنّه في ختام الروايات، وفي مقام نقد ومناقشة روايات سهو النبي|، أشار أيضاً إلى عددٍ من روايات السنّة في هذا الشأن. ولهذا السبب نشير في ما يلي إلى بعض هذه الروايات التي تعرَّض لها العلاّمة المجلسي بالنقد والنقاش.
1ـ في صحيح البخاري: عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله| إحدى صلاتي العشيّ… فصلّى بنا ركعتين ثمّ سلّم، فقام إلى خشبةٍ معروضة في المسجد فاتَّكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه، ووضع خدّه الأيمن على ظهر كفِّه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلِّماه، وفي القوم رجلٌ في يده طول يُقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيتَ أم قصرتَ الصلاة؟ فقال: لم أنْسَ ولم تقصر، فقال: أكما قال ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدَّم فصلّى ما ترك، ثم سلَّم، ثم كبّر، وسجد مثل سجوده أو أطول([20]).
2ـ في روايةٍ من سنن النسائي: روى أبو سفيان، عن أبي هريرة قال: «صلى رسول الله| صلاة العصر فسلَّم في ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ فقال رسول الله|: كلّ ذلك لم يكن، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله| على الناس، فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فأتمّ رسول الله| ما بقي من صلاته، ثمّ سجد سجدتين وهو جالسٌ بعد التسليم»([21]).
3ـ وفي روايةٍ أخرى من صحيح البخاري: قال شخصٌ اسمه علقمة: «قال عبد الله بن مسعود: صلّى بنا رسول الله| صلاة الظهر خمس ركعات، ثمّ سجد بعد الصلاة سجدتين للسهو»([22]).
وكما سبق بيانه في روايات الشيعة فإن الشيخ الطوسي قد ذكر هذه الرواية في التهذيب أيضاً؛ ولكنه اعتبرها ـ بغضّ النظر عن البحث السندي، ومخالفتها للأدلة القطعية الدالة على العصمة، وموثَّقة زرارة ـ مردودةً وغير مقبولة؛ بالنظر إلى مخالفتها للأحكام الفقهية المسلَّمة.
4ـ في روايةٍ أخرى من سنن النسائي، عن عمران بن حصين قال: «إن النبي| صلّى العصر فسلَّم في ثلاث ركعات، ثمّ دخل منزله، فقام إليه رجلٌ يُقال له: الخرباق ـ وكان في يده طولٌ ـ فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضباً يجرّ رداءه، فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلّى ركعةً، ثمّ سلّم، ثمّ سجد سجدتين ثمّ سلّم»([23]).
نظرات المجلسيّ وإشاراته
لقد ذكر العلاّمة المجلسي ـ بعد استعراض الروايات الدالّة على سهو النبيّ| ـ بعضَ الأبحاث في هذا الشأن:
أـ وجود الاختلاف في الروايات
أشار العلاّمة المجلسي ـ بعد نقله للروايات المنقولة في مصادر الشيعة وأهل السنّة، الدالة على سهو النبيّ الأكرم| ـ إلى وجود الاختلاف في متنها، وقال بأن الاختلاف بيننا وبين أهل السنّة في نقل هذه الروايات لا يكاد يخفى على أحدٍ.
وقد أشار في بيان هذا الاختلاف إلى الموارد التالية:
1ـ الاختلاف في الصلاة وفي وقتها: في أكثر أخبارنا أنها كانت صلاة الظهر، وفي أكثر أخبارهم أنها كانت صلاة العصر، وفي بعضها أنها كانت صلاة العشاء.
2ـ الاختلاف في عدد ركعات الصلاة: ورد في بعض الروايات أنه سلّم عن ركعتين، وفي بعضها أنه سلّم عن ثلاث ركعات.
3ـ الاختلاف في الراوي لهذه الروايات: هناك اختلافٌ حول شخصٍ اسمه ذو الشمالين أيضاً؛ ففي بعضها ورد اسمه على صيغة ذي اليدين، وفي رواية: رجلٌ يقال له: «الخرباق»، وكان في يده طولٌ، وفي روايةٍ: رجل بسيط اليدين([24]).
وقال الشيخ المفيد في هذا الشأن: لا يُعْرَف شخصٌ اسمه «ذو اليدين»، وما وَجَدْنا في أصول الفقهاء ولا الرواة حديثاً عن هذا الرجل، ولا ذكراً له([25]).
وقال السيد جعفر مرتضى العاملي، بعد نقل الروايات الدالة على سهو النبيّ|، في هذا الشأن [ما معناه]: «بالنظر إلى مختلف المصادر، ومقارنة هذه الروايات، يتّضح أنها مضطربةٌ([26]) وغير متَّسقة؛ وعليه يستحيل أن تكون صحيحةً بأجمعها»([27]). وقال بعد ذلك: «بين روايات الشيعة لم يسلم من الإشكال السندي سوى خمسة منها فقط»([28]). أما الشيخ الطوسي فإنه بعد نقل هذه الروايات، حيث وجدها موافقةً لرأي أهل السنّة، عمد إلى رفضها، وقال: «الذي أفتي به ما تضمَّنه هذا الخبر [خبر زرارة]»([29]).
ب ـ حمل روايات سهو النبيّ(صلى الله عليه وآله) على التقيّة
ذهب العلاّمة المجلسي إلى حمل أكثر الروايات الدالة على سهو النبي الأكرم| ـ بسبب شهرتها بين العامّة ـ على التقية؛ فهو ـ من خلال الإشارة إلى تعارض الروايات الدالة على سهو النبيّ الأكرم| مع موثَّقة زرارة وغيرها من الروايات الدالة على بطلانها ـ حمل روايات سهو النبيّ| ـ بسبب شهرتها بين العامّة ـ على التقيّة. وكذلك عمد العلاّمة المجلسي ـ في مرآة العقول، كتاب الصلاة، باب مَنْ تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمّها أو يقوم في موضع الجلوس، ح1 ـ من خلال بيان رواية ذي الشمالين إلى حملها على التقيّة أيضاً([30]).
ومن هنا يتّضح أن إحدى ملاكات العلامة المجلسي في حمل الرواية على التقية شهرتها بين العامّة.
ثمّ استند العلاّمة ـ بعد بيان علّة رفض الروايات الدالة على سهو النبي الأكرم| ـ إلى الأدلة التالية([31]):
1ـ اختلاف ومخالفة هذه الروايات لأصول المذهب؛ من حيث إن النبي الأكرم| قد ترك صلاةً واجبة، رغم حدوث ذلك سَهْواً. وكذلك عدم إعادة الصلاة، على الرغم من الإعراض عن القبلة، أو الكلام بينها؛ لأن تعمّد الكلام أثناء الصلاة يبطلها([32]). وبطبيعة الحال فقد قال بعضهم في توجيه هذه القضية: إن هذا الأمر قد حدث قبل تحريم الكلام في الصلاة، وبعد نزول الحكم تمَّ نسخه بعد ذلك، في حين أن هذا الكلام غير صحيحٍ؛ لأن حكم الكلام في الصلاة تمّ بيانه في الحقبة المكِّية، بينما وردَتْ هذه القضية في المدينة المنوّرة، وإن أبا هريرة كراوٍ رئيسٍ لهذه الرواية يُعَدّ من الصحابة المتأخِّرين في اعتناق الإسلام([33]).
يتّضح من هذا الكلام للعلاّمة المجلسي أن هيمنته على الأبحاث التاريخية واهتمامه بهذه الأبحاث في مقام نقد الروايات يؤدّي إلى رفع المشكلة.
وقال السيد جعفر مرتضى في هذا الشأن: «إن الروايات التي بين أيدينا تذكر أحداثاً وتصرّفاتٍ للنبيّ الأكرم| تؤدّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة، ومن المقطوع به أن مَحْو صورة الصلاة يوجب بطلانها، ولا سيَّما إذا كان النبيّ الأكرم| قد استقبل الناس بوجهه ـ كما في بعض الروايات ـ؛ فإن استدبار القبلة ـ ولو ساهياً ـ مُبطلٌ الصلاة». ثمّ قال بعد ذلك: «لم نفهم كيف صحَّتْ الصلاة التي دخل في أثنائها إلى الحجرة ثمّ عاد ونحو ذلك»([34]).
2ـ قال العلاّمة المجلسي: طبقاً لروايات أهل السنّة فإن النبي الأكرم| في جواب شخصٍ سأله: هل قصرت الصلاة أم سهوت؟ قال: لم يكن شيءٌ من ذلك، ثمّ لما قال له ذلك الشخص: ولكنك صليت ركعتين فقط، التفت النبيّ الأكرم| إلى الناس وسألهم عن ذلك، فأيّدوا كلام الرجل، وعليه يكون النبيّ| في ضوء هذه الرواية كاذباً، معاذ الله([35]).
وقال السيد جعفر مرتضى العاملي في هذا الشأن: «كيف قال|: كلّ ذلك لم يكن؟ فإنه إذا كان يجوز على نفسه السهو كان الأنسب أن يقول: ظنّي أن ذلك لم يكن… إلاّ أن يُقال: إنه إنما أخبر عن اعتقاده؛ حيث إنه كان جازماً بعدم وقوع السهو، وخطاب ذي اليدين له لم يوجب أيّ شبهةٍ لديه، بل بقي جازماً مصرّاً على موقفه، إلاّ أنه لمّا رأى إصرار ذي اليدين عاد وشكَّ في الأمر»([36]).
وقال محقِّقٌ آخر في هذا الشأن: «كيف يمكن للنبي الأكرم| أن يقول: لم تقصر الصلاة ولا أنا سهوت، ثم يرجع بعد ذلك عن كلامه مباشرةً بسبب شهادة بعض الأشخاص؟! وعليه يكون كلامه الأول مخالفاً للواقع. ولو سلَّمنا أننا نقول بجواز النسيان والسهو على الأنبياء، ولكنْ ألا يجب أن نقول بعصمتهم من المكابرة وعدم قول ما يخالف الواقع، الذي هو من المسلَّمات بين المسلمين؟»([37]).
وبالتالي لا بُدَّ من القول: إن هذه الروايات تعاني من التهافت الدلالي أيضاً. وبعبارةٍ أخرى: إنها تحتوي على تضادٍّ في قبول دلالاتها؛ ويحتمل أن يكون ذلك قد خفي عن أنظار مختلقي هذه الروايات، وقد أدّى ذلك إلى بيان هذه القصّة المتهافتة وغير المترابطة من قبلهم.
3ـ إن هذه الروايات تتعارض مع موثَّقة زرارة، عن الإمام الصادق×، والتي قال فيها: «إن النبيّ| لم يسجد للسهو قطّ».
4ـ حملها على أنه| إنما فعل ذلك عمداً بأمره تعالى لتعليم الأمّة، أو لبعض المصالح، بعيدٌ([38]).
قال السيد جعفر مرتضى العاملي: «كذلك الحال بالنسبة إلى تعليم أحكام الإسهاء؛ فإن ذلك ممكنٌ بدون أن يُبتلى به النبيّ الأكرم|، ككثيرٍ من الأحكام الأخرى»([39]).
كما أشار العاملي في نقد هذه الروايات إلى نقطةٍ أخرى، وقال: «تقول بعض روايات أهل السنّة: إن النبي الأكرم| قد غضب من تنبيه ذلك الرجل له، فما هو سبب غضب النبيّ الأكرم|؟ فهل غضب من قول ذي اليدين؟ أم لأنهم واجهوه بحقيقةٍ لا تليق بشأنه؟ أم لأجل أنهم قد افتروا عليه واتَّفقوا على تكذيبه ونسبة ما لا يليق به إليه؟ فإذا كان الأمر كذلك إذن لماذا عاد وأتمّ الصلاة بهم، وسجد سجدتي السهو؟!»([40]).
5ـ لقد ذكر العلاّمة المجلسي في هذا الدليل انتقاد العلاّمة الحلّي على راوي روايات أهل السنّة، حيث قال: «إن هذا الحديث مردودٌ من وجوه: أحدها: إنه يتضمن إثبات السهو في حقّ النبي|، وهو محالٌ عقلاً…. الثاني: إن أبا هريرة أسلم بعد أن مات ذو اليدين بسنتين، فإن ذا اليدين قُتل يوم بدر، وذلك بعد الهجرة بسنتين، وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين. واعترض على هذا بأن الذي قتل يوم بدر ذو الشمالين، واسمه عبد بن عمرو بن نضلة الخزاعي، و[أما] ذو اليدين [المذكور في روايات سهو النبيّ|، فقد] عاش بعد وفاة النبي|، ومات في أيّام معاوية، وقبره بذي خشب، واسمه: الخرباق، والدليل عليه أن عمران بن حصين روى هذا الحديث فقال فيه: فقام الخرباق، فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ وأجيب بأن الأوزاعي روى فقال: فقام ذو الشمالين، فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ وذو الشمالين قُتل يوم بدر لا محالة»([41]).
ج ـ الردّ على الشيخ الصدوق
بعد أن استعرض العلاّمة المجلسي كلام الشيخ الصدوق ردّ عليه بثلاثة أدلّة.
ولكنْ قبل بيان هذه الأدلّة نجد من الضروري بيان وجهة نظر الشيخ الصدوق:
قال العلامة المجلسي: يقول الشيخ الصدوق في كتابه (مَنْ لا يحضره الفقيه): «إن الغلاة([42]) والمفوّضة([43]) ـ لعنهم الله ـ ينكرون سهو النبي|، ويقولون: لو جاز أن يسهو| في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ؛ لأن الصلاة عليه فريضةٌ، كما أن التبليغ عليه فريضةٌ. وهذا [الكلام من الغلاة والمفوِّضة] لا يلزمنا؛ وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ| فيها ما يقع على غيره، وهو متعبِّدٌ بالصلاة كغيره ممَّنْ ليس بنبيٍّ، وليس كل مَنْ سواه بنبيٍّ كهو، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوة، والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع في الصلاة؛ لأنها عبادةٌ مخصوصة، والصلاة عبادةٌ مشتركة، وبها يثبت له العبودية، وبإثبات النوم له عن خدمة ربِّه (عزَّ وجلَّ) من غير إرادةٍ له وقصدٍ منه إليه نفي الربوبية عنه؛ لأن الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم هو الله الحيّ القيوم، وليس سهو النبيّ| كسهونا؛ لأن سهوه من الله (عزَّ وجلَّ) وإنما أسهاه ليُعلم أنه بشرٌ مخلوق فلا يُتَّخذ ربّاً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبيّ| والأئمّة^ سلطان: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 100)، وعلى مَنْ تبعه من الغاوين… وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أوّل درجةٍ من الغلوّ نفي السهو عن النبي|، ولو جاز أن يردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن يردّ جميع الأخبار، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة»([44]).
وقد ردّ العلاّمة المجلسي رأي الشيخ الصدوق بأدلّة ثلاثة، وهي:
الدليل الأوّل: إجماع علماء الإمامية على العصمة وعدم السهو. قال العلامة المجلسي: «إن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمّة (صلوات الله عليهم) من الذنوب الصغيرة والكبيرة، عمداً وخطأ ونسياناً، قبل النبوة والإمامة وبعدهما، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه، ولم يخالف فيه إلاّ الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد (قدَّس الله روحهما)؛ فجوَّزا الإسهاء من الله تعالى، لا السهو الذي يكون من الشيطان. ولعلّ خروجهما لا يخلّ بالإجماع؛ لكونهما معروفي النسب، وأما السهو في غير ما يتعلَّق بالواجبات والمحرَّمات، كالمباحات والمكروهات، فظاهر أكثر أصحابنا أيضاً الإجماع على عدم صدوره عنهم»([45]).
الدليل الثاني: آيات القرآن الكريم، ومنها: قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 3 ـ 4)؛ وقوله تعالى: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ (الأنعام: 50؛ يونس: 15؛ الأحقاف: 9)، حيث قال العلامة المجلسي: إن هذه الآيات وغيرها تدلّ بأجمعها على عصمة النبيّ الأكرم|([46]).
الدليل الثالث: روايات المعصومين^. قال العلاّمة المجلسي: «ولعموم ما دلّ على التأسّي بهم^ في جميع أقوالهم وأفعالهم، وما ورد في وجوب متابعتهم، وفي الخبر المشهور عن الرضا× في وصف الإمام: «فهو معصومٌ مؤيد موفق مسدَّد قد أمن من الخطأ والزلل والعثار». وسيأتي في تفسير النعماني، في كتاب القرآن، بإسناده عن إسماعيل بن جابر، عن الصادق×، عن أمير المؤمنين×، في بيان صفات الإمام، قال: «فمنها أن يعلم الإمام المتولّي عليه أنه معصومٌ من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها، لا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو، ولا ينسى…»، وغيرها من الأخبار الدالّة بفحاويها على تنزُّههم عنها، وكيف يسهو في صلاته مَنْ كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولم يغيِّر النوم منه شيئاً، ويعلم ما يقع في شرق الأرض وغربها»([47]).
ويبدو أن ما يؤيِّد هذا الكلام من العلاّمة هي الرواية الثانية التي تقدَّم ذكرها ضمن الطائفة الثانية من الروايات الدالة على بطلان سهو النبيّ.
كما تعرّض السيد جعفر مرتضى العاملي إلى بيان الشيخ الطوسي، ثمّ عمد إلى الردّ عليه ببعض الأدلة، حيث قال: «ولكنها توجيهاتٌ لا تكفي». ثم أحصى جميع أدلّة الشيخ الصدوق، وقام بردِّها والجواب عنها. وقال في ذلك [ما مضمونه]: «لو جاز السهو على النبيّ الأكرم| فإن الناس سوف يفقدون الثقة بالأمور الأخرى التي يبيِّنها لهم». وفي ما يتعلَّق بتعليم أحكام السهو للناس ـ والذي هو من بين مبرِّرات الشيخ الصدوق في القول بجواز السهو على النبيّ الأكرم ـ قال: «وكذلك الحال بالنسبة إلى تعليم أحكام الإسهاء؛ فإن ذلك ممكنٌ بدون أن يبتلى النبيّ الأكرم|، ككثير من الأحكام الأخرى… هذا، بالإضافة إلى وجود مفسدةٍ في هذا السهو، وهو فقدان الثقة بتعليم النبيّ الأكرم| وبكلّ ما جاء به… وأما بالنسبة للغلوّ في الرسول فمن الممكن أن يُدْفَع ذلك بطرقٍ أخرى لا يلزم منها محذورٌ [ونتيجة لذلك ليس هناك ما يدعو إلى التمسُّك بإثبات سهو النبيّ لدفع الغلوّ]»([48])([49]).
د ـ بيان رفض كبار علماء الشيعة لسهو النبيّ(صلى الله عليه وآله)
ثم تعرّض العلاّمة المجلسي بالتفصيل إلى بيان آراء كبار العلماء ـ من أمثال: الشيخ الطوسي، والعلاّمة الحلي، والشهيد الأوّل، والسيد المرتضى، والشيخ المفيد ـ في رفض سهو النبيّ الأكرم|. وبالنظر إلى أن هذه المقالة لا تتَّسع لنقل آراء جميع هؤلاء العلماء بشكلٍ كامل سوف نكتفي هنا بنقل خلاصة كلامهم:
«إن النبيّ الأكرم| والأئمّة^ يجب أن يكونوا معصومين من السهو؛ والدليل على ذلك وجود الأدلة القطعية والعقلية والنقلية، بالإضافة إلى إجماع العلماء»([50]).
وقد ختم العلاّمة المجلسي هذا الباب ببيان رسالة الشيخ المفيد التي كتبها في الردّ على مَنْ يقول بسهو النبيّ الأكرم|.
وفي ما يلي نشير إلى خلاصة رأي الشيخ المفيد في رسالته: يذهب الشيخ المفيد إلى اعتبار الروايات الدالة على سهو النبيّ الأكرم| من أخبار الآحاد التي لا تنطوي على أيّ فائدةٍ علمية، بل لا تستدعي عملاً أيضاً، وإنما تفيد مجرّد الظنّ، والعمل بالظنّ ـ طبقاً للتعاليم الإلهية في القرآن الكريم ـ باطلٌ، ولا يغني من الحقّ شيئاً. كما نسب أحاديث سهو النبيّ الأكرم| إلى النواصب (أعداء أهل البيت^) ومقلِّديهم من الشيعة؛ ولا سيَّما أنه قد اعتبر اختلافهم في تحديد نوع الصلاة، وهل هي الظهر أو العصر أو العشاء؟ دليلاً على ضعف هذا الحديث وسقوطه عن الحجِّية، وشاهداً على وجوب ترك العمل به. وقال في رسالته: «على أن الرواية [(رواية ذو اليدين) في الضعف] له من طريق الخاصّة والعامة كالرواية من الطريقين معاً، أن النبيّ| سها في صلاة الفجر، وكان قد قرأ في الأولى منهما سورة النجم حتّى انتهى إلى قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ (النجم: 19 ـ 20)، فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العُلى وإن شفاعتهنّ لترتجى)، ثمّ نبّه| على سهوه، فخرَّ ساجداً، فسجد المسلمون، وكان سجودهم اقتداءً به، وأما المشركون فكان سجودهم سروراً بدخوله معهم في دينهم [بزعمهم]… ولو جاز أن يسهو النبيّ| في صلاته، وهو قدوةٌ فيها، حتى يسلِّم قبل تمامها، وينصرف عنها قبل إكمالها، ويشهد الناس ذلك فيه، ويحيطوا به علماً من جهته، لجاز أن يسهو في الصيام… ويسهو في الحجّ… ويتعدّى من ذلك إلى السهو في كلّ أعمال الشريعة، حتّى ينقلها عن حدودها، ويضعها في غير أوقاتها، ويأتي بها على غير حقائقها… وهذا ما لا يذهب إليه مسلمٌ ولا غالٍ ولا موحِّد، ولا يجيزه على التقدير في النبوة ملحدٌ، وهو لازمٌ لمَنْ حكيت عنه ما حكيت في ما أفتى به من سهو النبيّ| واعتلّ به، ودلّ على ضعف عقله، وسوء اختياره، وفساد تخيُّله»([51]).
تعليقٌ وتحليل
بعد مناقشة كلام العلاّمة المجلسي في هذا الشأن، تَرِدُ إلى الذهن بعض النقاط التي يمكن بيانها كما يلي:
1ـ يبدو أن الدليل الأوّل ـ من الأدلة التي ساقها العلاّمة في معرض الردّ على روايات سهو النبيّ الأكرم| ـ، وهو الدليل القائل بوجود الاختلاف في هذه الروايات، أقوى من سائر الأدلّة الأخرى. وكذلك من بين الأدلة الثلاثة التي أوردها العلاّمة المجلسي في الردّ على رأي الشيخ الصدوق يمكن اعتبار الاستناد إلى آيات القرآن الكريم من أهمّ الأدلة، من وجهة نظره.
2ـ يتّضح من طريقة تناول العلاّمة المجلسي لهذا البحث أن مسألة «عصمة النبي| من السهو» تحظى بأهمِّية كبيرة، من وجهة نظره؛ إذ إنه بعد بيان الروايات الدالّة على هذه المسألة أشار إلى اختلافها، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى بيان رأي كبار علماء الشيعة في الردّ على القول بسهو النبيّ| بالتفصيل، وفي نهاية المطاف بيَّن رأيه القائل ببطلان سهو النبيّ الأكرم|.
3ـ النقطة الأخرى هي أن العلاّمة المجلسي قد تمكَّن في نهاية هذا البحث من الدفاع عن المباني الكلامية للشيعة بجدارةٍ.
3ـ في الروايات الدالّة على بطلان سهو النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)
كما سبق أن أشَرْنا في بداية البحث هناك روايتان ـ من الروايات السبعة عشرة في هذا الباب ـ تشير إلى عدم سهو النبيّ الأكرم| وبطلانه, وإحدى هاتين الروايتين منقولة في التهذيب (الرواية 18)، والرواية الأخرى من بصائر الدرجات (الرواية 16).
كما أشار العلاّمة المجلسي في نهاية كلامه (في خاتمة الروايات) إلى حديثين آخرين في بطلان سهو النبيّ الأكرم|. وعلى هذا الأساس فإن هاتين الروايتين تندرجان ضمن هذه الطائفة من الروايات.
1ـ جاء في رواية التهذيب أن زرارة سأل الإمام الباقر×: هل سجد رسول الله| سجدتي السهو قطّ؟ فقال: «لا، ولا سجدهما فقيهٌ»([52]).
وقال الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب، بعد ذكر هذه الرواية: «الذي أفتي به ما تضمَّنه هذا الخبر؛ فأما الأخبار التي قدَّمناها من أن النبيّ| سها فسجد فإنها موافقةٌ للعامّة، وإنما ذكرناها لأن ما يتضمّنه من الأحكام معمولٌ بها على ما بيَّناه»([53]).
كما قال في الاستبصار (كتاب الصلاة، أبواب السهو والنسيان، باب السهو في صلاة المغرب)، في الردّ على روايات سهو النبيّ|: «مع أن في الحديثين ما يمنع من التعلُّق بهما، وهو حديث ذو الشمالين وسهو النبيّ|، وذلك مما تمنع منه الأدلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه| السهو والغلط»([54]).
2ـ في روايةٍ من كتاب بصائر الدرجات: روى المفضَّل، عن الإمام الصادق× أنه قال: «يا مفضّل، إن الله تبارك وتعالى جعل للنبيّ| خمسة أرواح: روح الحياة فيه دبّ ودرج، وروح القوّة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فيه أمر وعدل، وروح القُدُس فيه حمل النبوة، فإذا قبض النبيّ| انتقل روح القُدُس، فصار في الإمام، وروح القُدُس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو، والأرواح الأربعة تنام وتلهو وتغفل وتسهو، وروح القدس ثابتٌ يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها»([55]).
ثم إن العلاّمة، بالإضافة إلى هاتين الروايتين، أشار بعد الرواية الأخيرة في هذا الباب، ضمن فقرةٍ خاصّة بعنوان: «تبيين»، إلى روايتين أخريين أيضاً؛ حيث تدلاّن على عصمة النبيّ الأكرم والأئمّة الأطهار^. ومن هنا فإننا ندرج هاتين الروايتين ضمن هذه الطائفة من الروايات. ومن الجدير ذكره أن هاتين الروايتين سيَرِدُ ذكرهما ضمن أدلة العلاّمة المجلسي على بطلان سهو النبيّ الأكرم| أيضاً.
3ـ روى الإمام الصادق×، عن الإمام عليّ×، في بيان صفات الإمام، أنه قال: «فمنها: أن يعلم الإمام المتولي عليه أنه معصومٌ من الذنوب كلّها، صغيرها وكبيرها، لا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو، ولا ينسى، ولا يلهو بشيءٍ من أمر الدنيا»([56]).
4ـ قال الإمام الرضا×، في وصف الإمام: «فهو معصومٌ مؤيَّد موفَّق مسدَّد، قد أمن من الخطأ والزلل والعثار»([57]).
4ـ في الرواية الدالّة على سهو النبيّ(صلى الله عليه وآله) في قراءة الصلاة
في رواية كتاب المحاسن: روى ابن القداح([58])، عن أبيه، عن الإمام الصادق× أنه قال: «صلّى النبيّ| صلاة، وجهر فيها بالقراءة، فلما انصرف قال لأصحابه: هل أسقطتُ شيئاً في القرآن؟ قال: فسكت القوم، فقال النبيّ|: أفيكم أُبَيُّ بن كعب؟ فقالوا: نعم، فقال: هل أسقطتُ فيها بشيء؟ قال: نعم، يا رسول الله، إنه كان كذا وكذا، فغضب|، ثمّ قال: ما بال أقوام يُتلى عليهم كتابُ الله فلا يدرون ما يُتلى عليهم منه وما يترك؟! هكذا هلكَتْ بنو إسرائيل؛ حضرَتْ أبدانهم، وغابَتْ قلوبهم، ولا يقبل الله صلاة عبدٍ لا يحضر قلبُه مع بدنه»([59]).
وبعد أن ذهب العلاّمة المجلسي إلى الاعتقاد بضعف سند هذه الرواية، وسقوطها عن القيمة والاعتبار، عمد إلى ردّ دلالة مضمون هذه الرواية على سهو النبيّ الأكرم|، من خلال بيان ثلاثة احتمالات، وهي:
1ـ قد يُقال: إنه| إنما فعل ذلك عمداً؛ لينبِّههم إلى غفلتهم، وكان ذلك لـ «جواز الاكتفاء ببعض السورة»، كما ذهب إليه كثيرٌ من أصحابنا؛ حيث يذهب أكثر العلماء إلى عدم وجوب قراءة جميع السورة في الصلاة.
2ـ أو لأن الله تعالى أمره بذلك في خصوص تلك الصلاة؛ لتلك المصلحة، والقرينة عليه ابتداؤه| بالسؤال [سؤال الصحابة]، بمعنى أن النبي هو الذي بادر بعد الصلاة مباشرةً إلى الاعتراض على الناس، ولم يعترض شخصٌ آخر، وبعبارةٍ أخرى: إن هذا الأمر لو كان قد صدر حقّاً عن النبيّ من باب السهو لكان اعتراض النبيّ| على الآخرين؛ بسبب عدم حضور قلبهم وانشغالهم عن الصلاة، متوجِّهاً إليه قبل الآخرين.
3ـ إنما كان الاعتراض على اتفاقهم على الغفلة، واستمرارهم عليها([60]).
شرحٌ وبيان
يبدو أن مراد العلاّمة من كلامه أن هذه الرواية لا تقول: إن النبيّ الأكرم| قد سها، وإنما تقول: إن النبي| لم يقرأ مقداراً من السورة. وبعبارةٍ أخرى: إنه ليس في الرواية إشارةٌ إلى أن النبيّ الأكرم| قد ترك قراءة بعض السورة عمداً أو سهواً، وعليه رُبَما كان النبيّ قد ترك قراءة تمام السورة عمداً ومختاراً.
5ـ في الروايات الدالّة على نوم النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح
كما سبق أن ذكَرْنا، هناك في هذا الشأن ثلاث روايات مذكورة في بحار الأنوار، وهي:
الرواية الأولى (الرواية 9): في الكافي: عن سماعة بن مهران قال: «سألتُه [يعني الإمام الصادق×] عن رجلٍ نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال: يصلِّيها حين يذكرها؛ فإن رسول الله| رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثم صلاّها [قضاءً] حين استيقظ، ولكنه تنحَّى عن مكانه ذلك [الذي فاته فيه أداء الصلاة، بعيداً] ثمّ صلّى»([61]).
الرواية الثانية (الرواية 10): في الكافي أيضاً: عن سعيد الأعرج، عن الإمام جعفر الصادق× أنه قال: «نام رسول الله| عن الصبح، والله عزَّ وجلَّ أنامه حتّى طلعت الشمس عليه، وكان ذلك رحمةً من ربِّك للناس، ألا ترى لو أن رجلاً نام حتّى طلعت الشمس لعيَّره الناس، وقالوا: لا تتورَّع لصلاتك، فصارت أسوةً وسنّةً، فإنْ قال رجلٌ لرجلٍ: نمْتَ عن الصلاة قال: قد نام رسول الله|، فصارت أسوةً ورحمةً، رحم الله سبحانه بها هذه الأمّة»([62]).
الرواية الثالثة (الرواية 17): في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه: عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رباط، عن سعيد الأعرج أنه قال: «سمعتُ أبا عبد الله× يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسول الله| عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثمّ صلّى الفجر، وأسهاه في صلاته، فسلَّم في الركعتين، ثمّ وصف ما قاله ذو الشمالين؛ وإنما فعل ذلك به رحمةً لهذه الأمّة؛ لئلا يُعيَّر الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها، فقال: قد أصاب ذلك رسول الله|»([63]).
وبعد بيان العلاّمة المجلسي لهذه الروايات، أشار إلى رأي الشهيد الأوّل، والشيخ البهائي، والشيخ المفيد، ثمّ انتقل إلى بيان رأيه الخاصّ.
نقل العلاّمة المجلسي عن الشهيد الأوّل، في كتاب (الذكرى)، قوله: «روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر× قال: قال رسول الله|: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة». قال زرارة: «فحملتُ الحديث إلى الحَكَم وأصحابه، فقال: نقضت حديثك الأوّل، فقدمتُ على أبي جعفر×، فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة، ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً، وأن ذلك كان قضاءً من رسول الله|».
ثمّ قال الشهيد الأوّل، بعد بيان هذه المسألة: «ولم أقِفْ على رادٍّ لهذا الخبر من حيث توهُّم القدح في العصمة به»([64]).
وبعد أن ذكر العلاّمة المجلسي كلام الشهيد الأوّل، انتقل إلى بيان رأي الشيخ البهائي، وقال نقلاً عنه: «رُبَما يظنّ تطرّق الضعف إليهما؛ لتضمُّنهما لما يوهم القَدْح في العصمة. لكنْ قال شيخنا [الشهيد الأوّل] في الذكرى: إنه لم يطَّلع على رادٍّ لهما من هذه الجهة [بمعنى أنها لا تخالف عصمة النبي| من هذه الناحية]، وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله عن المعصوم»([65]).
وقال الشيخ المفيد في هذه الرسالة، التي رواها العلاّمة المجلسي عنه: «والخبر المرويّ أيضاً في نوم النبيّ| عن صلاة الصبح من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة؛ فإنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علماً، ولا عملاً، ومن عمل عليه فعلى الظنّ يعتمد في ذلك، دون اليقين».
ثمّ فرَّق الشيخ المفيد بين النوم والسهو، وقال: «ولسنا ننكر أن يغلب النوم على الأنبياء^ في أوقات الصلوات حتّى تخرج، فيقضوها بعد ذلك، وليس عليهم في ذلك عيبٌ ولا نقص؛ لأنه ليس ينفكّ بشرٌ من غلبة النوم؛ ولأن النائم لا عيب عليه. وليس كذلك السهو؛ لأنه نقصٌ عن الكمال في الإنسان؛ وهو عيبٌ يختصّ به مَنْ اعتراه. وقد يكون من فعل الساهي تارةً؛ كما يكون من فعل غيره، والنوم لا يكون إلاّ من فعل الله تعالى، فليس من مقدور العباد على حالةٍ. ولو كان من مقدورهم لم يتعلَّق به نقصٌ وعيبٌ لصاحبه لعمومه جميع البشر، وليس كذلك السهو؛ لأنه يمكن التحرُّز منه، ولأنا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي السهو والنسيان، ولا يمتنعون من إيداعه مَنْ تعتريه الأمراض والأسقام، ووجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذوو السهو من الحديث، إلاّ أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة والفطنة والذكاء والحذاقة، فعُلم فرقُ ما بين السهو النوم بما ذكَرْناه»([66]).
وقال العلاّمة المجلسي، بعد بيان آراء هؤلاء العلماء: «أما أحاديث النوم عن الصلاة فقد روَتْها العامة أيضاً بطرقٍ كثيرة، كما رواه [البغوي] في [كتاب] شرح السنّة، بإسناده عن سعيد بن المسيّب، «أن رسول الله| حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس، وقال لبلال: اكلأ لنا الصبح، ونام رسول الله| وأصحابه، وكلأ بلال ما قدر له، ثمّ استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر، فغلبته عيناه، فلم يستيقظ رسول الله|، ولا بلال، ولا أحد من الركب، حتّى ضربتهم الشمس، ففزع رسول الله| فقال: يا بلال، فقال بلال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله: اقتادوا، فبعثوا رواحلهم فاقتادوا شيئاً، ثم أمر رسول الله| بلالاً فأقام الصلاة، فصلّى بهم الصبح، ثمّ قال حين قضى الصلاة: مَنْ نسي صلاةً فليصلِّها إذا ذكرها؛ فإن الله يقول: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 14)»([67]).
ثمّ أشار العلاّمة المجلسي، بعد ذلك، إلى أن هذه الرواية قد وردَتْ في مصادر أهل السنّة بأسانيد أخرى، فتعرَّض لذلك إلى بيان آراء المتقدِّمين والمتأخِّرين في هذا الشأن، وقال: «لم أرَ من قدماء الأصحاب مَنْ تعرَّض لردِّها إلاّ شرذمةٌ من المتأخِّرين ظنّوا أنه ينافي العصمة التي ادَّعوها. وظنّي أن ما ادَّعوه لا ينافي هذا؛ إذ الظاهر أن مرادهم العصمة في حال التكليف والتمييز والقدرة وإنْ كان سهواً، وإنْ كان قبل النبوّة والإمامة، وإلاّ فظاهر أنهم^ كانوا لا يأتون بالصلاة والصوم وسائر العبادات في حال رضاعهم، مع أن ترك بعضها من الكبائر، ولذا قال المفيد& في ما نقلنا عنه: (منذ أكمل الله عقولهم). وهذا لا ينافي الأخبار الواردة بأنهم^ كانوا من الكاملين في عالم الذرّ، ويتكلَّمون في بطون أمهاتهم وعند ولادتهم؛ لأن الله تعالى مع أنه أكمل أرواحهم في عالم الذرّ، ويظهر منهم الغرائب في سائر أحوالهم على وجه الإعجاز، جعلهم مشاركين مع سائر الخلق في النموّ وحالة الصبا والرضاع والبلوغ، وإنْ كان بلوغهم لكمال عقولهم قبل غيرهم، ولم يكلِّفهم في حال رضاعهم وعدم تمكُّنهم من المشي والقيام بالصلاة وغيرها، فإذا صاروا في حدٍّ يتأتّى ظاهراً منهم الأفعال والتروك لا يصدر منهم معصية، فعلاً وتركاً، وعمداً وسهواً. وحالة النوم أيضاً مثل ذلك [أي مثل حكم الرضاع والصبا؛ لا يوجد حكمٌ تكليفي عليهم]، ولا يشمل السهو تلك الحالة. لكنْ فيه إشكالٌ من جهة ما تقدَّم من الأخبار، وسيأتي، أن نومه| كان كيقظته، وكان يعلم في النوم ما يعلم في اليقظة، فكيف ترك| الصلاة مع علمه بدخول الوقت وخروجه؟! وكيف عوَّل على بلال في ذلك، مع أنه ما كان يحتاج إلى ذلك؟! فمن هذه الجهة يمكن التوقُّف في تلك الأخبار؛ مع اشتهار القصّة بين المخالفين، واحتمال صدورها تقيّةً. ويمكن الجواب عن الإشكال بوجوهٍ [أربعة]:
الوجه الأوّل: أن تكون تلك الحالة في غالب منامه|، وقد يغلب الله عليه النوم؛ لمصلحة، فلا يدري ما يقع، ويكون في نومه ذلك كسائر الناس، كما يشعر به بعض تلك الأخبار.
الوجه الثاني: أن يكون [النبيّ الأكرم|] مطَّلعاً على ما يقع، لكنْ لا يكون في تلك الحالة مكلَّفاً بإيقاع العبادات؛ فإن معظم تكاليفهم تابعٌ لتكاليف سائر الخلق، فإنهم كانوا يعلمون كفر المنافقين ونجاسة أكثر الخلق وأكثر الأشياء وما يقع عليهم وعلى غيرهم من المصائب وغيرها، ولم يكونوا مكلَّفين بالعمل بهذا العلم.
الوجه الثالث: أن يُقال: كان [النبيّ|] مأموراً في ذلك الوقت من الله تعالى بترك الصلاة؛ لمصلحةٍ، مع علمه بدخول الوقت وخروجه.
الوجه الرابع: أن يُقال: لا ينافي اطّلاعه في النوم على الأمور عدم قدرته على القيام ما لم تَزُلْ عنه تلك الحالة؛ فإن الاطّلاع من الروح، والنوم من أحوال الجسد»([68]).
ثم تعرَّض العلاّمة المجلسي، بعد ذلك، إلى رأي القاضي عيّاض في شرح الشفاء، حيث قال: «فإنْ قلتَ: فما تقول في نومه| عن الصلاة يوم الوادي، وقد قال: إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي([69]) [من حيث التعارض فيما بينهما]؟ فاعلَمْ أن للعلماء في ذلك أجوبة:
1ـ إن المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما يندر من غيره خلاف عادته. ويصحِّح هذا التأويل قوله في الحديث: «إن الله قبض أرواحنا»، وقول بلال فيه: «ما أُلقيَتْ عليَّ نومةٌ مثلها قطّ». ولكنْ مثل هذا إنما يكون منه لأمرٍ يريد الله من إثبات حكمٍ وتأسيس سنّةٍ وإظهار شرعٍ، وكما قال في الحديث الآخر: «ولو شاء الله لأيقظنا، ولكنْ أراد أن يكون لمَنْ بعدكم».
2ـ إن قلبه لا يستغرقه النوم حتّى يكون منه الحَدَث فيه؛ لما رُوي أنه كان ينام حتّى ينفخ وحتّى يسمع غطيطه، ثمّ يصلّي ولم يتوضَّأ، وقيل: لا ينام من أجل أنه يوحى إليه في النوم، وليس في قصّة الوادي إلاّ نوم عينيه عن رؤية الشمس، وليس هذا من فعل القلب، وقد قال×: «إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردَّها إلينا في حينٍ غير هذا».
فإنْ قيل: فلولا عادته من استغراق النوم لما قال لبلال: اكلأ لنا الصبح؟
قيل في الجواب: إنه كان من شأنه| التغليس بالصبح، ومراعاة أول الفجر لا تصحّ ممَّنْ نامَتْ عينه، إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة، فوكل بلالاً بمراعاة أوَّله ليعلم بذلك، كما لو شغل بشغلٍ غير النوم عن مراعاته»([70]).
وقال العلاّمة المجلسي، بعد الانتهاء من نقل كلام القاضي عيّاض، في قول مقتضبٍ: «ولم نتعرَّض لما فيه [أي في كلا جوابَيْه] من الخطأ والفساد؛ لظهوره»([71]).
ملاحظاتٌ توضيحيّة
بعد بحث رؤية العلاّمة المجلسي يجب القول: إن تعامله مع هذا الحديث (نوم النبيّ| عن صلاة الصبح) كان على ثلاث صور، وهي:
1ـ التوقُّف في هذه الروايات؛ بالنظر إلى شهرتها بين المخالفين.
2ـ صدور هذه الروايات بداعي التقيّة.
3ـ القبول بهذه الروايات بعد رفع الإشكال الموجود فيها.
وبعد بيان هذه الاتجاهات الثلاثة لم يختَرْ العلاّمة المجلسي أيّاً منها بشكلٍ واضح. ولكنْ يبدو أن ترتيب العلاّمة لهذه الاتجاهات الثلاثة يشير إلى مقدار اعتبارها عنده. يُضاف إلى ذلك أن حجم المطلب يمكنه أن يبيِّن رؤية العلاّمة المجلسي أيضاً. والنقطة الأخرى التي تَرِدُ إلى الذهن هي أن العلاّمة المجلسي قد ظهر في موقفٍ عقلاني أكثر منه ممثِّلاً للاتجاه الأخباري.
ويجدر هنا التذكير بنقطتين بشأن الوجهين الثالث والرابع، اللذين أفادهما العلاّمة المجلسي:
النقطة الأولى: وهي في ما يتعلَّق بالوجه الثالث؛ إذ قد يبدو في الوهلة الأولى أن هذا الكلام من العلاّمة المجلسي هو ذات الرأي الذي أفاده الشيخ الصدوق (إسهاء النبيّ الأكرم| لمصلحةٍ)؛ إذ يقول: لو صدر سهوٌ عن النبيّ الأكرم| فإن هذا لن يكون من قبيل: سهو الناس العاديين من قِبَل الشيطان، بل هو إسهاءٌ رحماني من قِبَل الله سبحانه وتعالى؛ لغايةٍ ومصلحةٍ خاصة. ولكنْ يجب القول: إن هناك اختلافاً جوهرياً بين الرؤيتين، وإن هذه النظرة البدوية ليست صحيحةً؛ إذ إن النبي الأكرم| ـ طبقاً لرأي العلامة المجلسي ـ لم يرتكب سهواً، وإنما فعل ذلك بإرادةٍ من الله رغم علمه بدخول وخروج وقت الصلاة؛ لوجود مصلحةٍ خاصّة، لا أنه ترك واجباً عن سهوٍ. وبعبارةٍ أخرى: إن النبي الأكرم| قد ترك أمراً هامّاً؛ لمصلحةٍ أهمّ، وإن تقديم الأهمّ على المهمّ بدَوْره حكمٌ عقلائي، يقوم به العقلاء، دون أن يؤدّي ذلك إلى حدوث منقصةٍ في النبيّ الأكرم|. وعليه يكمن الاختلاف بين رأي العلاّمة المجلسي والشيخ الصدوق في علم النبيّ الأكرم بهذه المسألة وعدم غفلته عنها، وهو ما أشار إليه العلاّمة المجلسي، ولم يُشِرْ الشيخ الصدوق إليه.
النقطة الأخرى: وهي بشأن الوجه الرابع؛ حيث لا يبدو هذا الوجه خالياً من الإشكال، إذ كيف يمكن لروحه أن تكون عالمةً بهذه المسألة، ومع ذلك يكون جسمه عاجزاً عن أداء هذه الفريضة، ولا يكون تحت تدبير وإرادة الروح؟ وكيف يمكن للجسم الخاضع لتدبير الروح أن لا يكون عالماً بهذه المسألة، في حين أن للروح إحاطةً كاملة وشاملة بالجسم؟ إذن لا يمكن لهذا الوجه أن يكون خالياً من الإشكال من هذه الناحية.
خلاصةٌ واستنتاج
إن العلاّمة المجلسي من القائلين ببطلان القول بسهو النبيّ الأكرم، فهو من المخالفين لهذا الرأي. وقد ذهب ـ من خلال دراسة الوضع السندي والدلالي لروايات الشيعة في باب سهو النبيّ الأكرم| ـ إلى استخلاص نتيجةٍ مفادها: إن هذه الروايات ـ بالنظر إلى الكثير من الأدلة، ومنها: مخالفة أصول المذهب، والتهافت والتعارض الدلالي بينها، ومخالفتها للأحاديث، من قبيل: موثَّقة زرارة وسائر الروايات القائلة ببطلان سهو النبيّ ـ لا يمكن أن تحظى بالقبول. وقد عمد في هذا السياق إلى استعراض عددٍ من روايات أهل السنّة، ومناقشتها ونقدها من وجهة نظره ونظر سائر العلماء الكبار. وفي نهاية المطاف ذهب العلاّمة المجلسي ـ في ضوء الاستناد إلى ثلاثة أدلّة أصلية، وهي: إجماع علماء الشيعة على القول بالعصمة المطلقة للأنبياء والأئمة^، وآيات القرآن الكريم، والروايات ـ إلى رفض القول بسهو النبيّ الأكرم|. وقد اتَّخذ العلاّمة المجلسي ثلاثة مواقف بشأن الروايات الدالّة على نوم النبي الأكرم| عن صلاة الصبح، وهي:
1ـ التوقُّف بشأن هذه الروايات.
2ـ صدور هذه الروايات بداعي التقيّة.
3ـ القبول بهذه الروايات، بعد حلّ التعارض الموجود بينها وبين الروايات الأخرى الصادرة عن النبيّ الأكرم| أيضاً.
وعلى الرغم من أن العلاّمة المجلسي لم يختَرْ أيّاً من هذه الوجوه بشكلٍ صريح، ولكنْ يبدو من الترتيب الموجود في كلامه الخاصّ ببيان هذه المواقف الثلاثة مدى مقبوليّتها عنده.
الهوامش
(*) طالبةٌ في مرحلة الماجستير في قسم علوم القرآن والحديث ـ جامعة قم، إيران.
(**) أستاذةٌ مساعدةٌ، وعضو الهيئة العلمية، في قسم علوم القرآن والحديث ـ جامعة قم، إيران.
([1]) انظر: آغا محمد محسن بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 12: 266، دار الأضواء، بيروت، ط3، 1403هـ.
([2]) انظر: محمد تقي دياري بيدگلي ومهدي وجدي، ثقة الإسلام الكليني وروايات سهو النبيّ|، مجلة حديث پژوهي الفصلية، العدد 10، خريف وشتاء عام 1392هـ.ش. (مصدر فارسي).
([3]) انظر: جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 5: 179، دار الحديث، ط1، قم، 1426هـ.
([4]) انظر: محمد إبراهيمي راد، «تحليل وبررسي روايات سهو النبيّ|» (تحليل ومناقشة روايات سهو النبي الأكرم|)، مجلة علوم الحديث الفصلية، العدد 52: 59 ـ 61، صيف عام 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([5]) قال النجاشي: «سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي، مولى عبد بن وائل بن حجر الحضرمي، يكنى أبا ناشرة… روى عن أبي عبد الله [الصادق×]، وأبي الحسن [الكاظم×]… ثقة ثقة… حدَّثنا عثمان بن عيسى عنه بكتابه». (انظر: أحمد بن علي النجاشي، رجال النجاشي: 193 ـ 194، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407هـ).
([6]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار^ 17: 104، تحقيق: السيد جواد العلوي ومحمد الآخوندي، دار الكتب الإسلامية، طهران؛ محمد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول| 15: 201 ـ 202، تحقيق: هاشم رسولي محلاتي، دار الكتب الإسلامية، ط2، طهران، 1404هـ.
([7]) ورد اسمه في الكتب الرجالية على صيغة: سعيد بن عبد الرحمن، وسعيد بن عبد الله الأعرج، وسعيد السمّان. وقد روى الحديث عن الإمام جعفر الصادق×. (انظر: السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث 8: 105، مركز نشر آثار شيعه، قم، 1369هـ.ش). قال الشيخ الطوسي: «له أصلٌ، أخبرنا به جماعة… عن عليّ بن النعمان». (الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، الفهرست: 219، المكتبة الرضوية، النجف الأشرف).
([8]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 105.
([9]) «ليث بن البختري المرادي: أبو محمد، وقيل: أبو بصير الأصغر. روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله’. له كتابٌ يرويه جماعةٌ، منهم: أبو جميلة المفضّل بن صالح [الأسدي]». (انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 14: 140 ـ 141).
([10]) الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 345 ـ 346، دار الكتب الإسلامية، ط4، طهران، 1407هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 100.
([11]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 345؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 100.
([12]) أبو بكر الحضرمي، واسمه الآخر: عبد الله محمد الحضرمي. روى الحديث عن الإمام الصادق×، وقد نقل الرواية عنه سيف بن عميرة. (انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 21: 68).
([13]) وثَّقه النجاشي، واعتبره من الراوين عن الأئمّة الباقر والصادق والكاظم^، وعن زيد بن عليّ بن الحسين. (انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 4: 204).
([14]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 180؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 100 ـ 101.
([15]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام، كتاب الصلاة، باب أحكام السهو.
([16]) انظر: المصدر السابق 2: 350 ـ 351.
([17]) المصدر السابق 2: 349 ـ 350.
([18]) «الخبر الشاذّ هو الخبر الذي يقع في مقابلة أو في معارضة حديث مشهور، أو حديث رواته أكثر حفظاً». (انظر: كاظم مدير شانه چي، دراية الحديث: 91، مؤسسة النشر الإسلامي، ط7، قم، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي)).
([19]) الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 350.
([20]) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري باختلاف الروايات 1: 355، تحقيق: محمد بنيس، دار الفكر، ط1، بيروت ـ لبنان، 1418هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 112 ـ 113.
([21]) أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، سنن النسائي (السنن الكبرى) 1: 203، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري والسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت ـ لبنان، 1411هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 112.
([22]) البخاري، صحيح البخاري 1: 354.
([23]) النسائي، سنن النسائي (السنن الكبرى) 1: 203؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 113 ـ 114.
([24]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار 17: 114.
([25]) انظر: المصدر السابق 17: 128.
([26]) «المضطرب» هو كلّ حديث يحتوي على اختلافٍ في متنه أو سنده؛ بأن يروى مرّة على شكلٍ، ومرّةً أخرى على شكل آخر، سواء أكان الاختلاف من راوٍ واحد أو أكثر أو من المؤلفين أو من الناسخين، بحيث يشتبه واقع الأمر فيه. (انظر: جعفر السبحاني، أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية: 152 ـ 153، ترجمه إلى اللغة الفارسية: السيد علي آل طيِّب، نشر باقيات، ط1، قم، 1388هـ.ش).
([27]) جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم 5: 187.
([28]) انظر: المصدر السابق 5: 180 ـ 181.
([29]) الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 351ـ
([30]) المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول| 15: 201 ـ 202.
([31]) وقد أشَرْنا في هامش أدلّة العلامة إلى رأي غيره من العلماء الآخرين أيضاً.
([32]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار 17: 111.
([33]) انظر: المصدر السابق 17: 113.
([34]) جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 5: 178 ـ 179.
([35]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار 17: 111.
([36]) جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 5: 179.
([37]) محمد صادق نجمي، سيري در صحيحين (جولةٌ في الصحيحين): 234، مؤسسة النشر الإسلامي، ط9، قم، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([38]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 111.
([39]) انظر: جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 5: 181.
([40]) انظر: المصدر السابق 5: 179.
([41]) انظر: الحسن بن يوسف (العلاّمة الحلّي)، تذكرة الفقهاء 3: 274 ـ 276، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^لإحياء التراث، ط1، قم، 1414هـ؛ العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 5: 280 ـ 283 (الفصل الثالث: في التروك، هامش مسألة: ويجب عليه ترك الكلام في الصلاة)، تحقيق ونشر: مجمع البحوث الإسلامية، ط1، مشهد، 1412هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 111 ـ 112.
([42]) الغلوّ لغةً: تجاوز الحدّ والإفراط (انظر: الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين 4: 446، دار الهجرة، ط2، قم، 1409هـ؛ حسين بن محمد الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 613، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار العلم ـ الدار الشامية، ط1، بيروت ـ لبنان، 1412هـ). وكلما ورد استعمال لفظ الغلوّ في علم الفِرَق والنِحَل من دون قرينةٍ كان المراد منه أشخاصاً أو فِرَقاً تؤمن بألوهيّة أئمة الشيعة أو القول بحلول روح الله فيهم (انظر: محمد جواد مشكور، تاريخ شيعه وفرقه هاي إسلامي تا قرن چهارم هجري (تاريخ الشيعة والفِرَق الإسلامية حتى القرن الرابع الهجري): 151، نشر إشراقي، ط3، طهران، 1362هـ.ش)، رغم وجود بعض الجماعات في فتراتٍ من التاريخ كانت تؤلِّه بعض الخلفاء العباسيين، من أمثال: المنصور، ويُقال لهم: «غلاة العباسية» (انظر: سعد بن عبد الله الأشعري، المقالات والفِرَق: 69، مركز انتشارات علمي وفرهنگي، ط2، طهران، 1361هـ.ش). وعلى أيّ حالٍ فإن مصطلح الغلوّ قد تمّ بحثه في علم الكلام وفي علم الرجال. وقد ألَّف أصحاب الأئمة^ ـ طبقاً لتقرير صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة ـ كتباً في الردّ على الغلاة ـ الأمر الذي يحكي عن حضورهم الفاعل في المجتمع، ودقّتهم في تشخيص انحراف المجتمع، وإنْ لم يَعُدْ لهذه الأعمال من وجودٍ بيننا (انظر: الآغا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 10: 212) ـ، مثل: الردّ على الغالية المحمدية، للفضل بن شاذان النيسابوري، وهو من أصحاب الإمام الجواد×؛ كما تعرَّض المامقاني في كتاب (مقباس الهداية) إلى مختلف الفِرَق، ومنها: الغلاة، بأسلوبٍ تحليليّ دقيق (انظر: عبد الله بن محمد المامقاني، تلخيص مقباس الهداية، تحقيق: علي أكبر غفاري صفت، نشر سمت، طهران، 1386هـ.ش).
([43]) قال الشيخ المفيد في تعريف «المفوِّضة»: «المفوِّضة صنفٌ من الغلاة، وقولهم الذي فارقوا به مَنْ سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمّة وخلقهم ونفي القِدَم عنهم، وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرّد بخلقهم خاصّةً، وأنه فوَّض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال». (محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، تصحيح اعتقادات الإمامية: 133 ـ 134، تحقيق: حسين درگاهي، مؤتمر الشيخ المفيد، ط2، 1414هـ).
([44]) محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 555 ـ 558، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي أكبر غفاري، نشر الصدوق، ط1، طهران، 1367هـ.ش؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 102 ـ 103.
([45]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 108.
([47]) المصدر السابق 17: 108 ـ 109.
([48]) إن هذا الجواب من السيد جعفر مرتضى العاملي ناظرٌ إلى هذا الدليل من الشيخ الصدوق، القائل بأن النبيّ إذا لم يصدر عنه أيّ سهوٍ فإن بعض الناس قد يغلون فيه ويؤلّهونه.
([49]) جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 5: 180 ـ 181.
([50]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 109 ـ 119.
([51]) انظر: الشيخ المفيد، عدم سهو النبيّ|: 17 ـ 32، مؤتمر الشيخ المفيد، ط1، قم، 1413هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 124 ـ 128.
([52]) الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 350 ـ 351؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 101 ـ 102.
([53]) الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 350 ـ 351؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 102.
([54]) الطوسي، الاستبصار في ما اختلف من الأخبار 1: 371، تحقيق: حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، ط1، طهران، 1390هـ.
([55]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 106.
([56]) المصدر السابق 17: 108 ـ 109.
([58]) ورد ذكر اسمه في 101 رواية. وقد روى عن الإمام الصادق×، وعن أبيه. وروى عنه ابن فضّال، وجعفر بن محمد، وجعفر بن محمد الأشعري، وجعفر بن محمد بن عبيد الله. (انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 23: 16).
([59]) أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المحاسن 1: 260 ـ 261، دار الكتب الإسلامية، ط2، قم، 1371هـ.ش؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 105 ـ 106.
([60]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 106.
([61]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 3: 294، تحقيق: علي أكبر غفاري ومحمد آخوندي، دار الكتب الإسلامية، ط4، طهران، 1407هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 103 ـ 104.
([62]) الكليني، الكافي 3: 294؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 104.
([63]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 555؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 106 ـ 107.
([64]) الشهيد الأوّل العاملي، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 2: 422 ـ 423، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، قم، 1419هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 107.
([65]) المجلسي، بحار الأنوار 17: 108.
([66]) المصدر السابق 17: 126 ـ 127.
([68]) المصدر السابق 17: 120 ـ 121.
([69]) لقد ورد الحديث ـ الذي استند إليه القاضي عياض ـ في الكافي (كتاب الحجة، باب مواليد الأئمّة). وقد ذكر زرارة في هذا الحديث ـ نقلاً عن الإمام الباقر× ـ عشر علامات تدلّ على الإمام. وجاء في إحدى تلك العلامات: «تنام عيناه ولا ينام قلبه». (الكليني، الكافي 1: 388).
([70]) الملاّ علي القاري، شرح الشفاء للقاضي عياض 2: 275 ـ 277، تصحيح: عبد الله محمد الخليلي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1421هـ؛ المجلسي، بحار الأنوار 17: 121 ـ 122.