د. الشيخ محمد فاكر ميبدي(*)
مقدمة
هناك عدة سبل للتعرف على القرآن في مجال التفسير، أحدها تفسير آيات الأحكام، وهو فقه القرآن بتعبير آخر، الذي بذل لأجله الفقهاء المفسرون الجهد الجهيد، وأتعبوا له أنفسهم، كي يتمكنوا من نقل هذه المعرفة إلى المجتمع المحب للقرآن، وذلك بعد تفسير هذا القسم العظيم الشأن من القرآن، باعتباره أحد أهم أبعاد الكتاب الإلهي التي تم التعرف عليها، أي ما له صلة بالأحكام العملية والحقوق (القوانين) الإسلامية. وبيان هذا الأمر المهم إنما يتم إذا علمنا تاريخ ومكان نشأة هذا العلم، ومن الذي أسَّسه؟ وإلى أي مدى ساهم الشيعة الإمامية الإثني عشرية في هذه الحركة العلمية؟
هويّة فقه القرآن ومنزلته
من المناسب أن نشير إلى هذا المطلب قبل الدخول في صلب الموضوع، وذلك عبر التعرض لماهية فقه القرآن ومكانته، فنقول: في الحقيقة إن الماهية العلمية لفقه القرآن هي تفسير آيات الأحكام، لذا فإن ما طرح فيه من التقسيم والتفاسير وتـنويع البحث هي أمور قائمة في بحثنا هذا أيضاً. فعندما نريد تقسيم التفاسير نلحظ ثلاثة عناصر، وهي: المنهج (المصادر)؛ والاتجاه (الفكري)؛ والأسلوب. وهذه الأمور تؤدي دور تـنويع تفاسير القرآن من نواحٍ متعددةٍ([1]). وقد قام بعض الباحثين في القرآن بذكر عوامل أخرى مؤثرة، لكن دون التصريح بكيفية عملها التـنويعي، والمقام لا يسع لذكرها([2]).
و النتيجة هي أن التقسيم الناشئ من العناصر الثلاثة المذكورة في تفسير آيات الأحكام يستلزم إدراجه ـ كمنهج ـ تحت التفسير الاجتهادي، وإن كان قد يستفاد أحياناً من طريقة تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالرواية.
أما بلحاظ الاتجاه فالتفسير فقهي؛ وبلحاظ الأسلوب فهو من جهة تفسير موضوعي، ومن جهة أخرى ترتيبي؛ وذلك لأن آيات القرآن تـنقسم من حيث المحتوى والموضوع إلى آيات المعارف والعقائد، وآيات التهذيب والأخلاق، وآيات العلوم والفنون، وآيات التاريخ والقصص، وآيات الأحكام؛ وفقه القرآن يتكفّل بالقسم الأخير؛ وعلى الرغم من أن الآيات الفقهية ـ كموضوع ـ تتصف بالعموم، ومن كون الآيات تتعلق بعناوين أكثر تحديداً، من قبيل: الصلاة، والحج، والجهاد، وأمثال ذلك، ويشكـّل كلّ منها موضوعاً خاصاً، إلا أنه يمكن تفسير هذه المجموعة من الآيات تبعاً لترتيبها، ولتسلسل السور القرآنية؛ وهو ما صنعه أغلبية أهل العامة، وأسموه «أحكام القرآن» أو «آيات الأحكام»؛ ومن الممكن أن يجعل ترتيبه على أساس ترتيب الأبحاث الفقهية؛ وهو ما اختاره علماء الشيعة، وقد أطلق الكثير منهم على هذه الآثار اسم «فقه القرآن»([3])؛ وعلى هذا يكون تفسير آيات الأحكام من هذه الحيثية أحد نماذج التفسير الموضوعي.
و مع ذلك عندما ننظر إلى تفسير آيات الأحكام من جهة تبيينه الأحكام الفقهية سوف يتبين لنا أنه جزء من علم الفقه، ولكنه ليس فقهاً محضاً؛ وإذا لحظناه من جهة تبيين الآيات القرآنية فهو محسوب على علم التفسير، ولكن ليس مطلقاً؛ ولهذا يمكن القول: إن آيات الأحكام مجمع بين العلمين، ويحتاج إلى مباني وأصول كلا العلمين للخوض فيه. ثم إنه إذا أمعنا في بعد آخر، ناظرين إلى القرآن كأحد مصادر القانون الإسلامي، فإن تفسير آيات الأحكام هو في الواقع أهم مصدر لتشريع وتشريح القانون الإسلامي.
انطلاقة تفسير آيات الأحكام
لا شك أن تاريخ موضوع آيات الأحكام يرجع إلى زمن النبي‘، وإلى نزول أول آية فقهية من القرآن؛ لأنه مع نزول الآية الأولى، التي تستلزم العمل بمفادها، كان الناس في ذلك الزمان جاهلين بالكم والكيف المطلوب، وكانوا يرجعون إلى النبي‘ فيسألونه عن العمل بهذه الآية، وكان‘ ـ كما في الآية {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44) المحددّة لوظيفة الرسول‘ التبيينية ـ يعطي الجواب اللازم حسب المورد، وبما يناسب الموضوع، ويرشدهم، ولذا يجب في الواقع أن نقول: إن تفسير آيات الأحكام يرجع إلى الحقبة النبوية؛ لأن بيان الرسول‘ لخصوص هذه المجموعة من الآيات ليس سوى تقسيم للآيات الفقهية.
أـ في عصر النبوة
يقول الذهبي: إن الأصحاب كانوا كلما واجهتهم مشكلة في فهم القرآن يراجعون النبي‘، ويحصلون على الجواب؛ لأن بيان القرآن كان وظيفته‘. ومن ثم يذكر الذهبي عدة نماذج من تفسير النبي‘، ومن جملتها أنه‘ فسر الآية: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: 60)، حيث قال‘: «ألا وإن القوة الرمي»([4]). وهنا نلاحظ أن هذا البيان الصادر عن النبي‘ قد فسر القوة بالرمي. وهذا تفسير لآية الجهاد، وإبراز لمصداق حكم فقهي. وهناك بالطبع ما يوافق هذا المضمون في المجامع الروائية والتفسيرية الشيعية، حيث نقل الكليني عن عبد الله بن المغيرة، قال: قال رسول الله‘ في قول الله عز وجل: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ} قال: الرمي([5])؛ وإن كان العياشي ينقل عن الإمام الصادق× في تفسير الآية أنه قال×: «سيف وترس»([6]).
و يقول الشيخ معرفت في كتابه: «كان رسول الله‘ هو المرجع الأول لفهم غوامض الآيات [ومنها آيات الأحكام]، وحل مشاكلها، مدة حياته الكريمة؛ إذ كان عليه البيان كما كان عليه البلاغ… وقد تصدى النبي‘ لتفصيل ما أجمل في القرآن إجمالاً، وبيان ما أبهم منه؛ إما بياناً في أحاديثه الشريفة وسيرته الكريمة، أو تفصيلاً جاء خلال تشريعاته من فرائض وسنن وأحكام وآداب، كانت سنته‘ قولاً وعملاً وتقريراً كلهاً بياناً وتفسيراً لمجملات الكتاب العزيز، وحل مبهماته في التشريع والتسنين. فقد كان قوله‘: «صلّوا كما رأيتموني أصلي..» شرحاً وبياناً لما جاء في القرآن من قوله تعالى:{أقيموا الصلاة..} (البقرة: 43)، ولقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} (النساء: 103). وكذا قوله‘: «خذوا عني مناسككم» بيان وتفسير لقوله تعالى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ…} (آل عمران: 97)…»([7]).
و هناك احتمال قوي أن أول الأشياء التي احتاجها الناس في عصر النزول في ما يتعلق بتفسير آيات القرآن هو تفسير آيات الأحكام، وإن لم تأخذ هذا العنوان. وإذا ما سلمنا أن الأوامر التي أعطاها القرآن كانت لأجل التطبيق، وهو الصحيح، فمن الطبيعي أن يبين للناس ما هو تكليفهم في المرة الأولى؛ فسورة المزمل ـ التي تعتبر من أوائل السور نزولاً (الثالثة) ـ قد طرح فيها ستة مواضيع فقهية: قراءة القرآن بالمقدار المستطاع، السفر، الجهاد، إقامة الصلاة، أداء الزكاة، والقرض، حيث قال جل وعلا: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً} (المزمل: 20).
وسواء نزلت هذه الأوامر مرفقة بآيات أخرى من سورة المزمل أم كان هناك فاصل زمني لمدة سنة أو ثمانية أشهر أو ستة أشهر بينها وبين نزول الآيات الأولى من السورة، حتى وإن نزلت في المدينة وبعد الهجرة([8])، فقد كانت كلها بحاجة إلى شرح النبي‘؛ لكي يبين أن هذه القراءة واجبة أو مستحبة؟ وهل الميسور محدّد ومعيّن أولاً؟ وهل القراءة المقصودة مستقلة أو ضمن الصلاة؟ وما هو حكم المريض والمسافر؟ وما هي الظروف التي تجعل القتال والجهاد واجباً، ومتى لا يكون كذلك؟ وما هي كمية وكيفية الصلاة؟ وما هي الأمور التي تتعلق بها الزكاة، وكم تبلغ؟ وهل المطلوب إعطاء القرض مهما كانت الظروف؟ وغيرها من عشرات، بل مئات من الأسئلة، التي كان سيُسألها النبي‘، والتي كان لا بد أن يشرحها، وهما ما حصل بالتأكيد.
ب ـ في عصر الإمامة
استمرت هذه الحركة العلمية بعد انتهاء عهد النبي‘، وذلك في عهد الأئمة^، وتم تبيين المسائل الفقهية الجزئية والكلية، حتى بلغ الأمر أن بُيِّنت أكثر المسائل تفصيلاً، استـناداً للقرآن الكريم. ومن النماذج التي يشار إليها في هذا المجال المسألة المعروفة في الوضوء، ومسح الرأس والقدم خاصة، حيث العبارة المعروفة: «لمكان الباء». فعن زرارة أنه قال لأبي جعفر×: «ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك، فقال: يا زرارة، قاله رسول الله‘، ونزل به الكتاب من الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل قال: {فاغسلوا وجوهكم}، فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال: {وأيديكم إلى المرافق}، فوصل بين الكلام، فقال: {وامسحوا برؤوسكم}، فعرفنا حين قال: {برؤوسكم} أن المسح ببعض الرأس؛ لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: {وأرجلكم إلى الكعبين}، فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسر ذلك رسول الله‘ للناس، فضيّعوه»([9]).
مختصر تاريخ تدوين آيات الأحكام
عند البحث حول تاريخ التحقيق والتأليف في آيات الأحكام لا بد من القول: إن هذه المسألة ترجع إلى عهد الصادقين’. فإضافة إلى تبيين أحكام القرآن عبر الروايات الفقهية والتفسيرية التي وردتـنا عن الإمام الباقر× والصادق× كان أصحاب هذين الإمامين× أول من ألفّ في مجال «فقه القرآن». ففي هذه المرحلة قام أبو نصر محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي (146هـ) بتصنيف الكتاب الأول. وقد ذكر آقا بزرگ الطهراني هذا الكتاب وعَرّف به([10])؛ وقد اعتبره كذلك الشيخ النجفي أول التصانيف في موضوع «فقه القرآن»؛ وقال ابن النديم في «الفهرست» عند ذكره ما لفظه: «كتاب أحكام القرآن للكلبي، رواه عن ابن عباس»([11]). أما التعبير الذي استعمله السيد المرعشي النجفي فهو: «روى فيه عن ابن عباس». وهذا التعبير يشير إلى أن ابن سائب الكلبي قد روى في هذا الكتاب عن ابن عباس أيضاً([12]). وهكذا يظهر أن كلام ابن النديم الموحي بأن الكلبي قد نقل كل الأحكام عن ابن عباس هو كلام خاطئ؛ وخاصة أن الكلبي كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق’([13]).
انطلاقة البحث الفقهي في القرآن
انطلاقاً مما ذكرناه في تعريف الأثر الأول في مجال فقه القرآن لا بد أن نطلق على القرن الثاني اسم زمن التأسيس، ولا سيما أنه لم يكن هناك من بين أهل السنة من فكـّر في تأليف شيء في موضوع أحكام القرآن حتى ذلك الزمن؛ ومن جهة أخرى فإن مقاتل بن سليمان بن بشر الخراساني (150هـ) هو من ألف ثاني كتاب في فقه القرآن، وذلك تحت عنوان «تفسير الخمسمائة آية في الأحكام» بعد ابن سائب في هذا القرن([14]). وقد قام كذلك بعض الفضلاء بالتحقيق في نسخة هذا الكتاب الموجودة في مكتبة بريطانيا، وذكروا أن الاسم الحقيقي لهذا الكتاب هو «تفسير الخمسمائة آية من القرآن في الأمر والنهي والحلال والحرام»([15]). ولكن بالطبع، على الرغم من كون مقاتل بن سليمان أحد أصحاب الإمام الباقر×([16])، فهو لم يكن بريئاً من توجّهات غير شيعية، لذلك أطلق عليه بعض الرجاليين وصف العامي، ولم يذكره السيد الخوئي في رجاله.
و من بعد مقاتل جاء أبو منذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (206هـ) النسابة المشهور، وهو أيضاً من أصحاب الإمامين الباقر والصادق’، وهو قد أدرك عصر الإمامين الكاظم والرضا’، وقد كتب كتاب «تفسير آيات الأحكام».
و قد كتب آقا بزرگ الطهراني: «هشام الكلبي النسابة الشهير، وصاحب التفسير الكبير، الذي هو أبسط التفاسير([17])، كما أذعن به العلامة السيوطي في الإتقان([18])».
و ينقل السيد الخوئي عن النجاشي قوله: «هشام بن محمد…الناسب، العالم بالأيام…، له كتب كثيرة([19]). وقد بلغ عدد هذه الكتب ما يزيد عن خمسين نسخة([20]).
إرساء دعائم نهضة البحث الفقهي
مع العودة إلى ما ذكرنا نستـنتج أنه لا محيص عن التسليم بأن الشيعة هم المؤسّسون لعلم فقه القرآن كعلم مستقل، وإن كان هناك رأي خاطئ ـ يصرّ عليه البعض، ومن جملتهم السيوطي ـ وهو أن السنة هم الرواد في هذا العلم، وفي طليعتهم رئيس المذهب الشافعي محمد بن إدريس الشافعي. أجل، لقد ترك الشافعي أثراً في مجال آيات الأحكام، وهو ما اشتهر باسم «أحكام القرآن»، وقد اشتهر أيضاً باسم «أحكام القرآن للبيهقي»؛ وذلك لأن أحمد بن حسين البيهقي (458هـ) قد نظمه ورواه، وعليه يمكننا القول: إن الشافعي من الرواد في علم فقه القرآن بين السنة.
ومع غض النظر عن ما حصل في بداية هذه النهضة العلمية كانت حركة الفقه القرآني، إضافة إلى غيره من علوم معرفة القرآن، على درجة جيدة من الازدهار؛ إذ إنه على مر الزمن ترك المفسرون الفقهاء والفقهاء المفسرون من الشيعة ما يقرب من مئة أثر ثمين، أضافوه إلى تراث البحث القرآني. وقد ذكر الشيخ آقا بزرگ الطهراني في مؤلّفه القيم «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ثلاثين أثراً للمؤلّفين الشيعة([21])، وقد عد أيضاً السيد شهاب الدين المرعشي 29 أثراً لعلماء الشيعة، وذلك في مقدمته على كتاب «مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام»([22]).
و قد ذكر الدكتور عباس ترجمان في مقدمته على كتاب «فقه القرآن»، والشيخ محمد يزدي، نقلاً عن مجلة «تراثنا» في قسم «فقه القرآن في التراث الشيعي»، 44 أثراً([23]). وأخيراً قام محمد علي هاشم زاده بإعداد فهرس جامع لكتب آيات الأحكام، وذلك عبر المراحل التاريخية، وقد ذكر فيه تعريفاً للآثار الشيعية باختصار([24])، وبالطبع فإن التداخل يعتري الكثير من الآثار التي تم التعريف بها في هذه المصنّفات الأربع. والكلام هنا حول تفسير آيات الأحكام على نحو مستقل، وإن كان المفسّرون الجامعون بأكملهم، والمفسّرون الذين اتبعوا المنهج الترتيبي، قد كتبوا في هذا الموضوع أثناء تفسيرهم للآيات الفقهية في القرآن.
البحث الفقهي القرآني في المراحل المختلفة
لقد واجهت نهضة البحث الفقهي عبر التاريخ العديد من حالات الصعود والهبوط، ونحن نقتصر على الإشارة إليها فقط؛ لأن هذا ما يسمح به هذا المختصر، وذلك في قالب التقرير والتحليل للمراحل المختلفة.
1 ـ مرحلة الانطلاق (ق3 ـ 4 هـ)
يظهر أن هذا الاسم يليق بالقرن الرابع؛ وذلك لأن القرن الثاني استحق اسم مرحلة التأسيس، ثم كان القرن الثالث خالياً عن أي أثر للبحث الفقهي، وقد أنجز أغلب البحث الفقهي في القرن الرابع فما بعد.
وعليه فقد كانت انطلاقة ركب البحث الفقهي في القرن الثالث أو الرابع، فقد ذكر ابن النديم (385هـ) عالماً اسمه علي بن موسى القمي، وهو صاحب آثار عدة، منها: «آيات الأحكام»، وهو يذكره بإجلال، وكذلك كتاب «ما خالف فيه الشافعي العراقيين في أحكام القرآن»([25]). وانطلاقاً مما وصف به ابن النديم هذا العالم، من كونه نقّاداً لآراء الشافعيين، نعلم جيداً أن هذا الفقيه شيعي، عاش في القرن الثالث أو الرابع، دون أن نستطيع تشخيص التاريخ بدقة.
وفي القرن الرابع أكملت الحركة الفقهية طريقها بدءاً بأثرين متزامنين تقريباً: أحدهما: «آيات الأحكام»، تأليف أبو الحسن عباد بن عباس طالقاني([26]) (385هـ). وقد كتب ياقوت الحموي حول هذا الكتاب قائلاً: «… ينصر فيه مذهب الاعتزال، استحسنه كل من رآه»([27]). والظاهر أن المقصود من الاعتزال هو أن الكتاب لم يجرِ على طريقة الفكر الأشعري.
وثانيهما: «شرح آيات الأحكام»، وهو تأليف إسماعيل بن عباد (385هـ)، ابن المؤلّف السابق، وهو قد توفي بوقت قصير بعد وفاة أبيه؛ والشيخ النجفي يذكر هذا الكتاب، ويزيد قائلاً بأن المؤلف لم يوفق لإتمام الكتاب([28]).
و إسماعيل بن عباد كان معروفاً بـ«صاحب ابن عباد»، الوزير الأديب العالم (الوزير مؤيّد الدولة) في زمن آل بويه، وكان له مع الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، وأخيه الحسين بن علي بن بابويه، ارتباط علمي([29]). وقد قال أشعاراً في مدح الإمام علي×([30])، وله كتاب عن حياة عبد العظيم الحسني([31]).
2 ـ مرحلة الركود الأوّل (ق5 ـ 6 هـ)
بعد أن توفي مؤلّفا فقه القرآن في أواخر القرن الرابع، وبالتحديد في سنة 385هـ، لم يظهر أي أثر حتى أواخر القرن السادس، لهذا كان لا بد أن نطلق على هاتين المئتي سنة اسم مرحلة الركود الأول؛ ثم عادت راية القرآن لتهتز من جديد بعد النصف الثاني من القرن السادس، وتم تأليف أحد أهم كتب فقه القرآن عند الشيعة، وذلك تحت عنوان «فقه القرآن في أحكام القرآن». وقد أدى بنا كمال هذا الكتاب إلى تسمية هذه المرحلة بمرحلة الرشد. وقد تم تأليف هذا الكتاب بالأيدي القديرة لأبي الحسين سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي، وهو معروف باسم «قطب الدين الرواندي» (573هـ).
و يتبين من التأليفات العلمية لقطب الدين الراوندي أن هذا العالم النشيط شاعرٌ وأديبٌ وفقيهٌ ومتكلّمٌ وفيلسوفٌ ومفسّرٌ شيعيٌّ عظيمٌ، وهو من تلاميذ أمين الدين الطبرسي مؤلِّف مجمع البيان. ومن تأليفاته القرآنية ـ عدا فقه القرآن ـ: أسباب النزول، الناسخ والمنسوخ، أم القرآن، شرح آيات الأحكام، تفسير القرآن الكريم (في مجلّدين)، وشرح الآيات المشكلة في التـنزيه([32]). وأما مؤلفاته العلمية فهي تزيد عن الخمسين. وهذا ما يحكي عن أن الذي كتب كتاب فقه القرآن هو شخصية علمية جامعة.
أما الباعث على كتابة هذا الكتاب فيذكر نفس القطب الراوندي في مقدمة القرآن أن الذي دفعه إلى تأليف «فقه القرآن» هو أنه لم يرَ من العلماء الماضين والحاضرين أحداً قد دوّن كتاباً مستقلاً يجمع أحكام القرآن كلها.
و في هذا القرن تحديداً تم تأليف كتاب آخر في مجال فقه القرآن، وهو كتاب «تفسير آيات الأحكام»، ومؤلّفه هو أبو الحسن محمد بن حسين البيهقي النيشابوري (576هـ). وقد نقل السيد محمد العاملي في كتابه «نهاية المرام» بعض المطالب من هذا الكتاب([33]). وقد ذكر الشيخ عباس القمي هذا العالم قائلاً: «شيخ فقيه، فاضل، ماهر، أديب، أريب، وبحر زاخر». ومن ثم يذكر ثلاثة كتب له: أحدها: «الإصباح في الفقه»؛ والثاني: «أنوار العقول»، وهو يحتوي على أشعار أمير المؤمنين×؛ والثالث: «شرح نهج البلاغة»([34]).
لقد أضيء مشعل البحث الفقهي في النصف الثاني من القرن السادس بعد قرنين من الخمود (مرحلة الخمود الأولى)، ثم انطفأ مجدّداً في القرن السابع، وهي ما سنطلق عليه (مرحلة الخمود الثانية)؛ ففي القرن السابع والثامن كانت الفترة شبيهة بتلك الممتدة من القرن الرابع إلى القرن السادس، حيث كانت الحوزة الشيعية خالية من أعمال البحث الفقهي القرآني، ولم يهتم العلماء بهذا العلم، لذلك وخلال هذين القرنين لم يُبصر النور أيّ تأليف في مجال تفسير آيات الأحكام.
أما في أواخر القرن الثامن، وربما في أوائل القرن التاسع، حصلت نهضة جديدة في مسيرة البحث الفقهي القرآني، وتمت كتابة «النهاية في تفسير الخمسمائة آية». وقد ذكر العلاّمة الأمين في تعريف الشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوج البحراني أنه كان معاصراً للفاضل المقداد السيوري، وأن هذا الكتاب من مؤلّفاته([35]). وقد نسب السيد المرعشي النجفي أيضاً هذا الكتاب إلى فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوج البحراني، وهو الذي توفي بعد عام 771هـ، وقد عدّه من تلاميذ فخر المحقّقين([36]). وعليه يكون الأستاذ والتلميذ قد توفيا في سنة واحدة، بفاصل قصير.
ويذكر آقا بزرگ الطهراني في أول كلامه أن كتاب آيات الأحكام، المعنون بـ «النهاية في تفسير الخمسمائة آية من الآيات القرآنية»، هو لفخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوج، ومن ثم يستخدم تعبير: «قد ينسب» إلى أبيه، أي عبد الله بن سعيد المتوج البحراني([37]).
3ـ مرحلة الحركة (ق9 ـ 10 هـ)
بدأت نهضة البحث الفقهي القرآني مسيرتها التكاملية منذ مطلع القرن التاسع، وظهرت خلال قرنين من الزمن آثار قليلة من حيث الكمية، كما في القرون السابقة، ولكنها قيّمة من ناحية الكيفية، ففي هذا القرن كتب «منهاج الهداية في شرح آيات الأحكام الخمسمائة». وقد ذكر السيد محسن الأمين أن صاحب هذا الكتاب هو جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن المتوج البحراني (820هـ). وينسب إليه عدة كتب قرآنية أخرى، ومن جملتها: «الناسخ والمنسوخ»، و«تفسير القرآن المجيد»، وتفسير آخر مختصر اسمه «تفسير القرآن»([38]). ويذكر أن مؤلف هذا الكتاب هو من أعاظم تلامذة فخر الدين أبو طالب محمد بن جمال الدين (682 ـ 771هـ)، ابن العلامة الحلي. وهذا ما رآه العلامة الطهراني أيضاً([39]). أما السيد المرعشي النجفي فقد اعتبر أن صاحب هذا الكتاب هو جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن المتوج البحراني، الذي توفي عام 836هـ. ويصرّح بأن أحمد بن عبد الله هذا هو غير أحمد بن عبد الله مؤلّف «النهاية»([40]).
فإذاً ـ بناءً على ما نقله العلامة الأمين ـ يكون مؤلف «المنهاج» هو أحمد بن عبد الله الملقب بـ «جمال الدين»، وجده هو محمد بن علي، بينما يعتقد السيد المرعشي أن جده محمد بن الحسن. والمهم هنا هو أن نعرف أن هناك كتاباً عنوانه «منهاج الهداية»، وموضوعه فقه القرآن.
عدد آيات الأحكام
إن التأكيد على العدد خمسمائة آية في فقه القرآن يستـند إلى المشهور بين الفقهاء، حتى صار هذا العدد عنواناً لبعض التأليفات عند الفريقين، فإضافة إلى المؤلّفين اللذين حملا عنوان الخمسمائة في هذه المرحلة، اختار مقاتل بن سليمان ـ في ما سبق على ذلك ـ عنوان «تفسير الخمسمائة آية في الأحكام» لمؤلِّفه في فقه القرآن. كما جرى على ذلك الفرقة الأباضية، التي جعلت عنوان مادتها في فقه القرآن «تفسير الخمسمائة آية». وقد قام بعدها عبد الله بن محمد النجري اليماني (877هـ)، الذي ينتمي إلى الفرقة الزيدية، بإطلاق اسم «شافي (شفاء) العليل في شرح الخمسمائة آية من التـنزيل». ومع هذا لا بد من الالتفات إلى أن هناك آراء أخرى في ما يتعلق بعدد آيات الأحكام، ومن جملة هذه الآراء ما يعتقده عبد الله بن مبارك من أن آيات الأحكام تشكل تسعمائة آية من آيات القرآن([41]). وقد قام محمد بن عبد الله بن العربي بتفسير هذا العدد من الآيات، وهو من الكتّاب في مجال آيات الأحكام، مالكيّ المذهب. ولكن الأرجح أن أعلى رقم وصل إليه عدد الآيات هو الألفان فما زاد، وهو ما ذكره القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن». وهناك من قال بأنها أقل من خمسمائة، منهم: الشيخ محمد خضري بك، الذي يعتقد بأن عدد آيات الأحكام لا يتجاوز الثلاثمائة([42]). ثم هناك السيوطي والشيخ الطنطاوي اللذان اقتصرا على اعتبار مائة وخمسين آية فقط ذات صلة بالأحكام([43]). ومع هذا كله يظهر أن الأقرب للحقيقة في هذا المجال هو العدد الذي يتراوح بين تسعماية إلى ألف، وهو ما يمكن استـنتاجه من خلال المرور على الآيات.
ولعل السر في هذا التفاوت الفاحش عدم أخذ المكرّرات بعين الاعتبار عند إحصاء الآيات الفقهية، أو أنهم راعوا في ذلك عنوان الحكم، وهو ما سيؤدي بالطبع إلى قلة العدد المطروح، وهناك أيضاً من راعى جانب الصراحة والغموض في الآيات، وعدّ عدداً أكبر من الآيات. ويحتمل أن السبب وراء الأعداد الكبيرة المذكورة هو اتباع نوع من الرؤية في تحديد آيات الأحكام، حيث أرادوا أن يحصلوا على بعض الاستفادات الفقهية من خلال آيات لا يظهر كونها من آيات الأحكام، كآيات الأمثال، وآيات القصص، وآيات القسم، وغيرها.
و قد ظهر في القرن التاسع هذا أحد أهم التأليفات في مجال الفقه القرآني الشيعي، وهو «كنز العرفان في فقه القرآن». ومؤلف هذا الكتاب هو جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلي، المعروف بـ«الفاضل المقداد» (826هـ). وقد كان من تلامذة محمد بن مكي، المعروف بالشهيد الأول. وله كتب فقهية، وكلامية، وقرآنية، وأدبية، وحديثية وأدعية، ومن جملتها: التـنقيح الرائع في شرح مختصر الشرايع، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، نضد القواعد الفقهية، تفسير مغمضات القرآن، وكنز العرفان. وقد نظم هذا الفقيه المفسر أبواب الكتاب وفق ترتيب أبواب الفقه.
وقد تم تدوين تأليف آخر في القرن التاسع، وهو «آيات الأحكام» الذي كتبه الشيخ ناصر بن جمال الدين بن المتوج البحراني (860هـ)([44]). وقد وصفه صاحب كتاب «أمل الآمل» بأنه صاحب ذهن وقّاد، فاضل، محقق، فقيه، وحافظ([45]).
وفي نهاية هذا القرن تم الفراغ عن كتابة «معارج السؤول ومدارج المأمول في تفسير آيات الأحكام»، وهو من تأليف الشيخ كمال الدين حسن بن شمس الدين محمد بن حسن الإسترآبادي([46]). وقد ذكره آقا بزرگ الطهراني في مكان آخر من هذا الكتاب، تحت عنوان «الباب في التفسير»، و«تفسير اللباب»([47]).
وفي ما بقي من هذه المرحلة تم تأليف الكثير في مجال فقه القرآن، ومن هذه التأليفات: «تفسير آيات الأحكام»، للشيخ شرف الدين شهفينگي أو شيفتگي (907هـ)([48])؛ وكذلك كتاب «محجة البيضاء والحجة الغراء». ويقول آقا بزرگ الطهراني حول هذا الكتاب: إن المؤلّف جمع فيه فروع الشريعة، والحديث، والتفسير، والآيات الفقهية([49]). ومن هذه الكتب أيضاً: «آيات الأحكام» (تفسير شاهي)، وكتبه باللغة الفارسية السيد أمير أبو الفتح بن ميرزا مخدوم حسيني عربشاهي گرگاني (976هـ). ويضيف آقا بزرگ الطهراني أن المؤلّف دوّن هذا الكتاب تحت اسم «شاه طهماسب»([50])؛ ولذلك اشتهر هذا التفسير باسم «تفسير شاهي». وقد طبعت دار النشر «نويد طهران» هذا الكتاب سنة 1362هـ ش، مرفقاً بكتاب «توضيح آيات الأحكام»، للميرزا ولي الله إشراقي سرابي. وهناك كتاب آخر وهو «آيات الأحكام» من تأليف الشيخ محمد بن حسن الطبسي([51])، وقد دون كتاباً آخر اسمه «زبدة البيان في آيات قصص القرآن»، وذلك في سنة 1083هـ.
و قد دون في هذا القرن أحد أهم الكتب المؤلّفة في مجال الفقه القرآني، وهو«زبدة البيان في براهين أحكام القرآن». وهذا الكتاب من تأليف العالم الرباني أحمد بن محمد، المعروف بالمقدّس الأردبيلي (993هـ)، وهو صاحب تأليفات عديدة غير هذا الكتاب، وتأليفاته تتوزع على الفقه، والكلام، والتفسير، ومنها: «مجمع الفائدة وبالبرهان» في الفقه، و«حديقة الشيعة في تفصيل أحوال النبي والأئمة^» في التاريخ، و«إثبات الواجب» و«إثبات الإمامة» في العقائد([52]). والملفت للنظر هو أن هذا الكتاب كان الموضوع في تدوين عشرة مؤلفات ما بين حاشية وتعليق.
و هناك آثار أخرى تم تدوينها في هذا القرن، ومن ضمنها: «آيات الأحكام»، تأليف شجاع الدين محمود بن علي الحسيني المرعشي، وهو من المعاصرين للشاه طهماسب الأول، ومن تلامذة المحقق الكركي([53]). وقد ذكر الأستاذ عميد كتاباً أيضاً بعنوان «آيات الأحكام»، تأليف الميرزا محمد بن علي حسين الإسترآبادي (1026هـ)([54])، ويحتمل أن يكون مقصوده هو هذا الكتاب، ولكن بما أن الأستاذ عميد يذكر شخصاً آخر له نفس مواصفات شجاع الدين محمود فمن المحتمل أن يكونا شخصين. ومن هذه المجموعة أيضاً: كتاب «معدن العرفان في فقه مجمع البيان لعلوم القرآن»، تأليف الشيخ إبراهيم بن حسن درّاق أو ورّاق، وهو من علماء أوائل القرن العاشر([55]). وقد نقل أن النسخة الخطية لهذا الأثر موجودة في جامعة لوس آنجلس في الولايات المتحدة الأميركية([56]).
4 ـ مرحلة الازدهار (ق11 هـ)
تبدأ هذه المرحلة من القرن الحادي عشر بتعليقة على كتاب «زبدة البيان»، وهو «التعليقة على زبدة البيان في أحكام القرآن»، وقد كتب هذه التعليقة أمير فيض الله بن عبد القاهر الحسيني التفرشي النجفي (1025هـ). ومن بعده قام محمد بن علي بن إبراهيم الإسترآبادي، المعروف بالميرزا محمد (1028هـ)، بكتابة مؤلّف عنوانه «شرح آيات الأحكام في تفسير كلام الله الملك العلام». وقد طبعت مكتبة المعراجي هذا الكتاب ملحقاً بـ«تعليقات»، لمحمد باقر شريف زاده.
و من الآثار التي دونت في هذه المرحلة كتاب «مشرق الشمسين وإكسير السعادتين»، لبهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد، المعروف بالشيخ البهائي (1030هـ)([57]). وقد ذكر العلامة الأمين وآقا بزرگ الطهراني هذا الكتاب باسم «مجمع النورين ومطلع النيِّران»، ويقولان: إن هذا الكتاب يبحث باب الطهارة فقط، ويعتمد على الأحاديث في تفسير الآيات([58]).
و الجدير بالقول أن الشيخ البهائي كان يعد من النخبة في عصره، وقد ترك ما يقرب من ستين أثراً في مختلف الموضوعات؛ الإسلامية منها والعلمية، من قبيل: التفسير، والحديث، والدراية، والرجال، والفقه، والأصول، والتاريخ، والحساب، والهيئة، والأدب، والشعر. وله تصنيفات في مجال القرآن الكريم، إضافة إلى «آيات الأحكام»، ومنها: «العروة الوثقى في تفسير القرآن»، و«عين الحياة»، وحاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على تفسير الكشاف([59]). وهذه هي بالطبع ميزة العالم الجامع، الذي يجري قلمه في الميادين المختلفة.
و من المؤلّفات الأخرى التي تم تدوينها في هذا القرن «تفسير آيات الأحكام»، للميرزا رفيع الدين محمد بن حسين المرعشي (1034هـ)، و«تفسير القطب شاهي في شرح آيات الأحكام»، لمحمد يزدي، المعروف بـ شاه قاضي (1040هـ)، وهو كتاب تم تدوينه بطلب من السلطان محمد قطب شاه([60]).
ثم هناك كتاب «إماطة اللثام عن الآيات الواردة في الصيام»، وهو من تأليف أحد العلماء في أواسط هذا القرن. ويذكر آقا بزرگ الطهراني أن تدوين هذا الكتاب ـ الذي لم يذكر اسم مؤلّفه ـ كان هدية إلى الشاه صفي صفوي، وهو كتاب ذو صبغة روائية، كان مؤلفه قد ترجمه إلى الفارسية عام 1046هـ([61]).
و هناك أثر آخر كتب في هذا القرن، وهو أحد الآثار المهمة في مجال البحث الفقهي القرآني، وعنوانه «مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام»، لأبي عبد الله محمد الجواد شمس الدين الكاظمي، المعروف بـ«الفاضل جواد»، وقد توفي في أواسط القرن الحادي عشر الهجري. وقد كان تلميذاً للشيخ البهائي، وله تصنيفات قيمة في الأصول، والحساب، والنجوم، والنحو، والفقه، والرجال، والعرفان، والتفسير([62]).
و يمكننا أن نطلق على هذه الكتب، وهي: فقه القرآن للراوندي، وكنز العرفان للفاضل المقداد، وزبدة البيان للمقدس الأردبيلي، ومسالك الأفهام للكاظمي، تسمية الكتب الأربعة بالنسبة لفقه القرآن.
كما تم الفراغ عن تدوين مؤلّف آخر في هذا القرن في علم فقه القرآن، وهو «فتح أبواب الجنان في تفسير آيات الأحكام»، وقد كتبه محمد بن الحسين العاملي (1080هـ)([63]). وهناك كتاب «آيات الأحكام الفقهية»، وهو كتاب باللغة الفارسية، للمولى ملك علي التوني، وقد كتب الكتاب سنة 1098هـ باسم الشاه سليمان صفوي.
كما ونذكر كتاب «مفاتيح الأحكام في شرح آيات الأحكام القرآنية»، وهو من تأليف محمد سعيد بن سراج الدين الطباطبائي القهپائي (1092هـ)([64]). وهذا التصنيف هو عبارة عن شرح لـ «زبدة البيان» للمقدس الأردبيلي، الذي كتبه أحد تلامذته، أي السيد فضل الله الإسترآبادي، في هذا القرن تحديداً ـ وهو بالطبع من علماء القرن الحادي عشر ـ؛ وقد دوّن آقا حسين الخوانساري (1100هـ) في أواخر هذا القرن كتاباً بعنوان «أحكام القرآن»، فينضم إلى مجموع ما ذكر من المؤلفات([65]).
5 ـ مرحلة الركود الثانية (ق12 ـ 13 هـ)
ليس المقصود من الركود هنا أن حركة الفقه القرآني توقّفت كلياً، بل المقصود أنه لم يصدر أي كتاب مثير للاهتمام بأسلوب استدلالي. وهذه المرحلة تبدأ من أواخر القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر، أي لمدة قرنين تقريباً. لقد بسط النهج الأخباري في هذه المرحلة سلطته على الكثير من شعب العلوم الإسلامية؛ لما شهد فيها من تجدد الإقبال على النهج الأخباري، وتصنيف مجاميع روائية شيعية عظيمة، ففي هذا الزمن تم تصنيف «الوافي»، للملا محسن فيض الكاشاني (1091هـ)، و«وسائل الشيعة»، للشيخ الحر العاملي (1104هـ)، و«العوالم»، للشيخ عبد الله البحراني (1130هـ)، وهذا ما حدا بالكثير من العلوم على أن تـنتهج الطريقة الروائية؛ ثم جاء من بعدها التفاسير الروائية، كـ «الصافي» للفيض الكاشاني، و«البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم البحراني (1107هـ)، و«نور الثقلين» للمحدث الحويزي (1112هـ)، و«تفسير كنز الدقائق» للمشهدي القمي، وغيرها من عشرات التفاسير الروائية التي ظهرت، دون أن يكون هناك أي تفسير عقلي واجتهادي تقريباً.
و كذلك أخذ الفقه منحىً روائياً، ونتج عن ذلك آثار من قبيل: «النخبة المحسنية» للفيض الكاشاني، وكذلك شرحها «التحفة السنية» للسيد عبد الله الجزائري، و«الحدائق الناضرة» للشيخ يوسف البحراني (1176هـ)، دخلت في سجل الآثار العلمية الشيعية. وقد أثر هذا الوضع على البحث الفقهي القرآني، وصار بسببه تفسير آيات الأحكام يكتب على شكل تعليقة، أو كان يكتسب الحلة الروائية، آخذاً النمط الأخباري.
و قد كتب نور الدين الشوشتري (1019هـ) في بداية هذه المرحلة «حاشية على كنز العرفان»([66]). ومن ثم قام بعده مير فضل الله الإسترآبادي (1041هـ) بكتابة «حاشية على زبدة البيان»([67]). ومن بعدهما كتب السيد نعمة الله الجزائري ـ وهو من المتبعين للطريقة الأخبارية بشدة ـ كتاب «التعليقة على زبدة البيان». وخلفه سليمان بن عبد الله بن علي البحراني الماحوزي، المعروف بالمحقق البحراني (1122هـ)، فكتب «التعليقة على مشرق الشمسين»([68]). وقد كان الماحوزي من المحدثين البحرانيين المشهورين ـ حسب ما قال تلميذه عبد الله بن صالح البحراني ـ، فقد كانت معظم علومه الحديث، والرجال، والتاريخ([69]).
أما في العقد الثالث من القرن الثاني عشر فقد كتبت تعليقات أخرى، ومن جملتها: «التعليقة على زبدة البيان في أحكام القرآن»، التي كتبها العلامة محمد بن عبد الفتاح، المشهور بـ«سراب التـنكابني» (1124هـ)([70])([71]). وهناك «التعليقة على مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام»، وقد كتبها الميرزا عبد الله بن عيسى التبريزي الأصفهاني، المشهور بـ «أفندي» (1130هـ)([72]). ثم قام بعدها أمير بهاء الدين محمد بن أمير محمد باقر مختاري الحسيني النائيني السبزواري (1130 أو 1140هـ) بكتابة «التعليقة على زبدة البيان في أحكام القرآن».
و يذكر آقا بزرگ الطهراني كتاباً في مجال فقه القرآن باسم «آيات الأحكام»، وقد ذكرت الآيات القرآنية الفقهية مرتبة في هذا الكتاب دون شرح وتفسير، وقد وقفه نادر شاه عام 1145هـ للمكتبة الرضوية([73]). وقد أطلق بعض الفضلاء المعاصرين على هذا الكتاب اسم «تفسير آيات الأحكام نادري» تبعاً لواقفه([74]). وقد انضم إلى ركب المؤلفين في فقه القرآن إسماعيل بن محمد حسين المازندراني، المشهور بـ «خاجويي» (1173 أو 1177هـ)، وهو الذي كتب في الربع الأخير من القرن الثاني عشر «التعليقة على مشرق الشمسين»([75]). وقد ذكر السيد أستادي أن «التعليقة» على زبدة البيان تمت كتابتها في القرن الثاني عشر، وينسبها إلى محمد رفيع جيلاني.
و من المؤلّفات التي تم تدوينها في هذه المرحلة في مجال الفقه القرآني، والذي تطغى عليه الصبغة الروائية، هو كتاب «إيناس سلطان المؤمنين باقتباس علوم الدين من النبراس المعجز المبين»، وهو إنجاز السيد محمد العاملي المكي (1139هـ)([76]). ويضيف السيد المرعشي في ذيل عنوان الكتاب هذه الجملة: «في تفسير الآيات القرآنية التي هي الأحكام الأصلية والفرعية»([77]). ويكتب إعجاز حسين أن تفسير آيات الأحكام الذي كتبه السيد محمد حيدر يدل على تمكنه وسعة اطلاعه العلمي على مذاهب العامة والخاصة والتحقيق في آرائهم، لأنها مجالات فيها كل العلوم، وأن السيد قد كتب هذا الكتاب لأجل الشاه سلطان حسين([78]). ولا بد من الانتباه إلى أن هذا الكتاب هو الأول بحسب الظاهر من جهة كونه مقارناً، وقد تم تأليفه على هذا النحو.
ثم إن هناك آثاراً في الفقه القرآني ظهرت في هذه المرحلة، ومنها كتاب «تفسير آيات الأحكام»، لأحمد بن إسماعيل الجزائري (1151هـ). ويكتب إعجاز حسين في حق هذا الكتاب أن مؤلفه تمسك فيه بالروايات، وهو كتاب نفيس فريد في نوعه([79]). ويذكر السيد المرعشي النجفي هذا الكتاب باسم «قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر»، ويضيف قائلاً: إن هذا كتاب مفيد جداً، فهو يبحث ويحقق في أخبار الأئمة^ بعد كل آية([80]). وفي هذه المرحلة أيضاً تم الفراغ عن كتاب آخر من كتب الفقه القرآني، وهو «تحصيل الاطمينان في شرح زبدة البيان في أحكام القرآن»، الذي دونه أمير محمد إبراهيم بن أمير معصوم القزويني، المعروف بالقاضي محمد إبراهيم (1160هـ)([81]). وقد كتب هذا التفسير باللغة الفارسية، وهو يشبه تفسير أبو الفتوح الرازي([82]).
و في أواخر هذا القرن قام السيد شمس الدين محمد الحسيني المرعشي (1181هـ) أيضاً بكتابة «آيات الأحكام»([83]). وفي نهاية هذا القرن صنّف محمد بن الحسن الخراساني (1200هـ) كتاباً آخر عنوانه «نمط الدرر»([84])، ومن بعده صارت حركة الفقه القرآني بطيئة لمدة نصف قرن، بل نستطيع القول: إنها توقفت كلياً.
6 ـ مرحلة العودة (ق13 ـ 14 هـ)
بعد فترة من المشادة الطويلة، وبعد مرحلة الركود التي تلاها قرنان ـ الحادي والثاني عشر ـ من النشاط في البحث الفقهي القرآني، بدأ تحرك جديد في أواسط القرن الثالث عشر، مما أعطى الدفع اللازم مجدّداً لهذه الحركة. وكان أول من كتب في هذه المرحلة السيد محمد إبراهيم الحسيني المرعشي (1240هـ)، وكان مؤلَّفه «آيات الأحكام»([85]).
و من بعدها قام السيد محمد قُلي بن محمد حسين بن حامد حسين النيشابوري (1260هـ) بتأليف كتاب «تقريب الأفهام في تفسير آيات الأحكام»، وقد كتبه باللغة الفارسية، فأضاف بذلك تصنيفاً إلى تراث البحث الفقهي([86]). ومن الجدير بالذكر أن مؤلف هذا الكتاب هو والد إعجاز حسين، صاحب كتاب «كشف الحجب عن أسماء المؤلفات والكتب».
و من ثم صنف محمد جعفر بن سيف الدين الإسترآبادي، المشهور بـ «شريعتمدار» (1263هـ)، كتاب «دلائل المرام في تفسير آيات الأحكام»([87]). وقد تم تدوين مؤلّـفين آخرين في أواخر هذا القرن: أحدهما: «كنز العرفان في تفسير آيات القرآن»، وهو كتاب يحتوي على المباحث التفسيرية ومباحث القراءة، ومن ثم يبحث الأحكام الفقهية في الآيات على المذاهب الأربعة، ويثبت حقانية الفقه الجعفري([88])؛ وثانيهما: «الوجيز في تفسير آيات الأحكام»، لعبد الحسين بن إبراهيم المخزومي (1279هـ)([89]).
و في بدايات القرن الرابع عشر جاء علي بن ملا محمد جعفر الإسترآبادي، المعروف بـ «شريعتمدار» (1315هـ)، وأنجز عدة كتب في مجال فقه القرآن: أحدها: كتاب «نثر الدرر الأيتام في شرح الآيات الأحكام»، وهو موسّع نسبياً؛ وثانيها: «الدرر الأيتام في تفسير آيات الأحكام»([90]). وقد ذكر آقا بزرگ الطهراني هذا الكتاب تحت اسم «أنموذج في تفسير آيات الأحكام»، ويضيف قائلاً: إنه استخرجه من «نثر الدرر»([91]). ومن ثم يذكر كتاباً له آخر اسمه: «كنز درر الأحكام»، الذي هو في الحقيقة شرح على «درر الأحكام»([92]).
وفي ذلك الزمان ألّف السيد شرف الدين علي الحسيني المرعشي (1316هـ) كتاباً عنوانه «أحكام القرآن»([93]). وكذلك كتاب «أحكام القرآن»، تأليف غلام رضا أميري كرمانشاهي، وهو من الكتب التي كتبت في هذا المجال، وتم الفراغ عنه سنة 1369هـ([94]).
ثم كتب عبد علي بن أبي القاسم الموسوي (1336هـ) كتاب «لب اللباب في تفسير أحكام الكتاب» خلال ما بقي من هذه المرحلة([95]). وهناك كتاب آخر لنفس المؤلف اسمه: «المقاليد الجعفرية في القواعد الفقهية».
و في هذه الفترة كتب أيضاً محمد علي، المعروف بـالشيخ حمزة علي فشندي (1338هـ) «آيات الأحكام». وقد ظهر كتاب آخر في مجال الفقه القرآني في هذه المرحلة، وهو «موضوع آيات الأحكام»، لمؤلفه محمد بن فضل الله الموسوي الساروي، المعروف بثقة الإسلام (1342هـ)([96]).
ثم نذكر كتاب «مقلاد الرشاد في شرح آيات الأحكام»، الذي ألّفه المولى محمد مهدي بنابي (1345هـ)، وهذا كتاب آخر في هذا المجال، وقد كتب في هذه المرحلة من الزمن([97]).
وهو من الأشخاص الذين أجازوا السيد المرعشي النجفي بالرواية. أما كتاب «الجمان الحسان في أحكام القرآن»، الذي كتبه السيد محمود الموسوي الدهسرخي الأصفهاني (1345هـ)، فقد تم الفراغ عنه في هذه الفترة أيضاً([98]). وقد كتب محمد باقر بن محمد حسن القائني (1352هـ) كتاب «آيات الأحكام»([99])، وهو أيضاً من الأشخاص الذين أجازوا السيد المرعشي النجفي بالرواية. والكتاب المشهور «الكبريت الأحمر» هو من مؤلّفات هذا المصنِّف([100]). وكذلك كتب السيد أبو تراب الخونساري (1346هـ) «لب اللباب في تفسير آيات الأحكام»([101]).
أما في النصف الثاني من القرن الرابع عشر فقد كتب إبراهيم خجسته كتاباً عنوانه «آيات الأحكام»، وقد شرح فيه كيفية المحاكمة، والمسؤولية الجزائية في قانون الإسلام، وقد طبع عام 1328هـ ش في مدينة «رشت»([102]). وخلال هذه الفترة كتب السيد محمد إبراهيم الحسيني الإصفهاني(1377هـ) كتاباً بعنوان «آيات الأحكام»([103]). وفي ما بقي من هذه الفترة ظهر أول تصنيف مقرّب بين المذاهب، وقد كتبه السيد آقا حسين طباطبائي يزدي (1386هـ) تحت عنوان «تفسير آيات الأحكام وفق المذهب الجعفري والمذاهب الأربعة»، والمؤلّف من أحفاد السيد محمد كاظم اليزدي، صاحب العروة([104]).
و من ثم قام السيد يحي اليزدي (1386هـ) بتأليف كتاب «آيات الأحكام»([105]).
ومع الاقتراب من نهاية هذه المرحلة ظهر كتابان: أحدهما: كتاب«آيات الأحكام»، للشيخ خلف آل عصفور([106])، والثاني: «آيات الأحكام»، للشيخ إسماعيل بن علي نقي الأرومي التبريزي، وهو من علماء القرن الرابع عشر([107]). ومن الكتب الصادرة في هذه المرحلة كتاب «أقصى البيان في آيات الأحكام وفقه القرآن، لمسعود سلطاني الآذربايجاني (1410هـ)، وقد أخرجه في مجلدين([108]).
و في النتيجة لا بد من القول: إن مجموع الآثار المؤلّفة في مجال الفقه القرآني، منذ بداية القرن الثالث وحتى نهاية القرن الرابع عشر، يزيد عن السبعين، بين متـن وشرحٍ وتعليقةٍ.
7ـ مرحلة الرشد والنمو (ق15 هـ)
لقد كان القرن الخامس عشر في الحقيقة بداية تحول جدي في البحث الفقهي القرآني، سواء من جهة الكم أم الكيف، وقد شهد تطورات عديدة، وبلغ مرتبة من الرشد، وإن عانى من تراجع قليل من حيث البنية العلمية. أما التطور في هذه المرحلة فهو عبارة عن:
1ـ 7ـ الفهرسة
لا شك بأن الاستفادة من مصادر كل علم مرهونة بسهولة وسرعة البحث في القرآن والكتب المرتبطة بذلك العلم، وهذا لا يتيسر إلا بالفهرسة والعنونة، لذلك تعتبر هذه المسألة من أهم الأمور التي لا بد من مراعاتها في المجال العلمي. ومن الآثار التي أولت هذا الجانب عناية خاصة: «فرهنگ آيات فقهي قرآن كريم بر أساس موضوعات فقهى» (معجم الآيات القرآنية الفقهية طبق الموضوعات الفقهية)، وقد رتبه محمد أراكي، وقامت دار «أسوه» بنشره سنة 1383هـ ش. وهناك كتاب «أدوار الفقه»، وهو تقسيم للآيات القرآنية الفقهية طبقاً لكتاب «كنز العرفان» للفاضل المقداد. وهناك كتاب «آيات الأحكام في تراث الإمام الخميني»، جمعه عباس فيضي نسب، وقد نشرته مؤسسة تـنظيم ونشر آثار الإمام الخميني& سنة 1384هـ ش؛ وكتاب «الأنظار التفسيرية للشيخ الأنصاري»، الذي دونه وطبعه مركز فرهنگ ومعارف إسلامي (مركز الثقافة والمعارف الإسلامية) سنة 1376هـ ش. ونذكر من ضمن هذه المجموعة أيضاً كتاب «آيات الأحكام»، للسيد محمد رضا غياثي الكرماني، وقد ذكر المؤلّف فيه أنه أعدّه حفاظاً على موضوع كتاب «آيات الأحكام» (تفسير شاهي) ووفقاً له، وهو الكتاب الذي دونه السيد أمير أبو الفتح بن ميرزا مخدوم الحسيني العربشاهي.
2ـ 7ـ السير الموضوعي
إن التركيز على الموضوع والابتعاد عن التشتت هي من جملة الأمور التي لا بد من مراعاتها عندما نريد أن نصل إلى نظرة شاملة ونهائية حول موضوع معين، ولا سيما في عصرنا الحاضر، حيث المطلوب العثور على أجوبة للاستفسارات والشبهات، لذلك تحول البحث عن المسائل بالأسلوب الموضوعي إلى جزء من دستور العمل عند الكثير من أرباب الفن. ومن جملة الآثار التي كتبت في هذا المجال «درآمدى بر مبانى نظرى آيات الأحكام» (مقدمة في المباني النظرية لتفسير آيات الأحكام)، الذي ألفه السيد محمد علي إيازي، وقد طبع ونشر سنة 1380هـ ش. ويمكن القول في ما يتعلق بهذا المصنف: لا شك في أن تبيين مباني البحث الفقهي القرآني هو من أهم الموضوعات في هذا المجال من البحث، وهذا التصنيف يتكفل بأداء هذه الوظيفة المهمة. أما كتاب «درسهايي از آيات الأحكام» (دروس في آيات الأحكام)، وهو من جملة هذه الآثار، فقد كتبه داريوش زرگرى مرندي، وهو يبحث في موضوع المعاملات والعقود، وطبعته جامعة «آزاد إسلامي» في محافظة زنجان، وذلك سنة 1380هـ ش؛ وكذلك كتاب «آيات الأحكام»، الذي يبحث موضوع القانون المدني والجزائي، وهو من تأليف محمد علي آقايي، وقد طبع عام 1380هـ ش؛ ثم كتاب «آيات الأحكام حقوقي» (آيات الأحكام القانونية)، الذي ألّفه أسد الله لطفي، وهو كتاب يقع في اثني عشر فصلاً، ويبحث في العقود والإيقاعات، وقد طبعته مؤسسة «انتشارات نور علم»، سنة 1381هـ ش.
يضاف إلى ذلك كتاب «آيات الأحكام»، للكاتب عباس علي عميد الزنجاني، الذي اهتمت مؤسسة «مطالعات وتحقيقات علوم إسلامي» بنشره في عام 1382هـ ش، فهو من المؤلّفات الباحثة في هذا المجال أيضاً. ويحتوي هذا الكتاب على مقدمة وستة أقسام، وقد انصرف كاتبه إلى المباحث القانونية؛ وكذلك كتاب «أحكام القرآن»، الذي دونه محمد باقر البهبودي، وقد اقتصر فيه على بحثي «الإرث» و«الربا»، ويدخل في دائرة التصنيفات الموضوعية في هذا المجال، وقد تولى طباعته دار نشر معراجي في طهران.
3ـ 7ـ المسلك المقارن
إن العدد الكبير من التصنيفات التي دونت في مجال البحث الفقهي القرآني تدل على أن الفريقين أوليا استـنباط الأحكام من المصدر الأساسي والأصيل الاهتمام الكبير، ولذلك كان من الضروري السعي لإغناء البحث في هذا العلم الفقهي التفسيري الثنائي الاتجاه (على رأي الشيعة والسنة)، ولذا فقد شرع في هذا العمل أولاً محمد هادي آل راضي، الذي كتب «آيات الأحكام، دروس في آيات الأحكام»، وهو عبارة عن دروس مقارنة تم تدوينها، ومن ثم تعليمها للطلاب بشكل متواصل. وبعدها قُرّر كتاب «تفسير آيات الأحكام مقارن» كمادة دراسية في «مركز جهاني علوم إسلامي» (المركز العالمي للعلوم الإسلامية)، ومن بعدها كتاب «فقه القرآن، آيات الأحكام تطبيقي»، وقد تم الفراغ من كتابته في سنة 1383هـ ش، وقام مركز تدوين المتون في المركز العالمي بنشره.
4ـ7ـ الدخول إلى المراكز العلمية
لقد كان فقه القرآن حاضراً في الحوزات العلمية، وهو الآن كذلك، وهذا أمر طبيعي، ثم بعد إنشاء المراكز العلمية الجامعية، وإدخال اختصاصات: الإلهيات، والمعارف الإسلامية؛ وتخصص القرآن والحديث على وجه الخصوص، كان من المتوقع أن يلتحق فقه القرآن عاجلاً أو آجلاً بهذه المعارف، ومن ثم يكون حاضراً في الجامعات؛ وعلى هذا يكون علم فقه القرآن قد خطا خطوة كبيرة، وطوى إحدى مراحل تكامله؛ بدخوله إلى الجامعات. وقد تمت الموافقة على عناوين للدراسة، وتم بعدها تدوين كتب في هذا المجال. ونذكر من هذه الكتب «آيات الأحكام»، الذي كتبه كاظم مديرشانه چي سنة 1382هـ ش، وطبعته مؤسسة تحقيق وتدوين كتب العلوم الإنسانية للجامعات، ويحتوي هذا الكتاب على مقدمة وثمانية عشر بحثاً.
و نشير هنا إلى كتاب «آيات الأحكام»، الذي كتبه عابدين مؤمني، وهو من هذه المجموعة من المؤلّفات التي طبعتها جامعة «پيام نور» كمادة درسية سنة 1383هـ ش. وهناك كتاب «درسنامه آيات الأحكام»، وهو من تأليف نفس الشخص، بناء على طلب كلية العلوم القرآنية، على ما في البرنامج المقرر من قبل وزارة العلوم والأبحاث والتكنولوجيا، وقد تولت دار نشر مركز أبحاث الثقافة والفكر الإسلامي إعداده للنشر.
5ـ 7ـ الشرح والترجمة والتصحيح
وقد تم وضع برنامج لتصحيح وترجمة المؤلّفات الفقهية القرآنية في هذه المرحلة. ففي مجال التصحيح يمكن أن نشير إلى كتاب «زبدة البيان في براهين أحكام القرآن»، الذي أنجزه رضا أستادي وعلي أكبر زماني. وكذلك قام عبد الرحيم عقيقي بخشايشي بتصحيح كتاب «كنز العرفان في فقه القرآن».
أما في ما يخص الترجمة فهناك «كنز العرفان في فقه القرآن»، الذي ترجمه الدكتور مهدي محقق. وهناك ترجمة وتلخيص «زبدة البيان»، التي أنجزها الدكتور سجادي، والتي طبعت سنة 1362هـ ش. ونشير كذلك إلى شرح وترجمة السيد عبد الله أصغري (1385هـ ش) «كنز العرفان في فقه القرآن»، وقد ترجمه عقيقي بخشايشي أيضاً، وترجم هادي عظيمي الگرگاني القسم المختص بالعقود منه (1378هـ ش).
6 ـ 7ـ تدوين الجوامع
لقد ظهر في هذه المرحلة عددٌ من الكتب الجيدة في مجال البحث الفقهي، ونذكر البعض منها: كتاب «آيات الأحكام»، لمحمد سعيدي اللاهيجي (1403هـ)، الذي قال فيه عقيقي بخشايشي: إنه شامل لكل آيات وسور القرآن([109]). ومن الآثار التي تذكر في هذا المجال كتاب «آيات الأحكام»، لأحمد ميرخاني (1414هـ). وهذا الكتاب يقع في خمس مجلدات باللغة الفارسية، والكاتب من تلامذة آيات السيد البروجردي والميرزا مهدي الإصفهاني، والسيد هاشم القزويني، والسيد صدر الإصفهاني، والشيخ حجت الكوه كمري. وقد أدى حب المؤلف لهذين العلمين: الفقه؛ والتفسير، إلى كتابة هذا الكتاب.
و نخص بالذكر أيضاً كتاب «بدايع الأحكام في تفسير آيات الأحكام»، لمحمد باقر ملكي الميانجي (1420هـ)، وقد ألف هذا الكتاب سنة 1388هـ ش، وطبع في بيروت عام 1400هـ.
و قد كتب الدكتور محمد الخزائلي، المحاضر في جامعة طهران (من مواليد 1292هـ) كتاب «أحكام القرآن» أو «بهين فرمان»، وهو ما يعني بالعربية (الحكم الأفضل). وهذا الكتاب موزّع على أقسام أربعة: الأحوال الشخصية، المعاملات، العبادات، والأحكام الاجتماعية، وقد طبعته مؤسسة دار نشر «جاويدان» للمرة الرابعة. وللمؤلف كتب أخرى غير أحكام القرآن، منها: «أعلام القرآن»، و«فرهنگ قرآن» (ثقافة القرآن)، و«أصول القرآن»، و«روش تعليم قرآن» (أسلوب تعليم القرآن).
ثم هنالك كتاب «فقه القرآن»، لمحمد يزدي، وهو منظّم بأسلوب مغاير لسائر كتب آيات الأحكام، التي تعتمد على ترتيب الأبواب الفقهية، وقد قسّمه إلى أربعة أقسام: العبادات، الحكوميات، العقود والإيقاعات، والاجتماعيات؛ وعلى الرغم من أن الشروع في تأليف هذا الكتاب كان سنة 1395هـ، فقد طبع للمرة الأولى سنة 1374هـ([110]).
و من الكتب التي نشرت في هذا المجال كتاب تفسير جامع آيات الأحكام لزين العابدين قرباني اللاهيجي، إمام جمعة رشت، وهو كتاب يقع في ثمانية عشر مجلداً.
و هناك كتب أخرى دوّنت في هذه المرحلة، نذكر منها: كتاب «أحكام القرآن»، للسيد أبو الفضل برقعي، الذي طبعته دار عطايي. وكذلك كتاب «الشيعة وتأسيس التشريع»، لعبد الحسين شهيدي، وهو شامل لخمسماية وعشرين آية، بدءاً بالطهارة وانتهاءً بالديات([111]). وفي النهاية لا بد أن نذكر أيضاً كتاب «آيات الأحكام» هاشم زاده هريسي.
مميزات الفقه القرآني الشيعي
لقد كان للفقه القرآني الشيعي تميزٌ من نواح عديدة على ما عند سائر الفرق الإسلامية، نشير إلى بعضها في ما يأتي:
أـ التمسك بنهج أهل البيت^
من المميزات المهمة التي اتصف بها الفقه القرآني عند الشيعة هو أنه تمسك بالروايات المأثورة عن أهل البيت^ في المجالات العديدة: شرح مجملات آيات الأحكام، وتبيين المبهمات منها، وبيان الأحكام الجزئية، وتقييد المطلقات، وتخصيص العمومات في القرآن، ولم يكن هذا إلا تمسّكاً بما ورد عن الرسول الأكرم ‘ الذي قال: «إني تارك فيكم أمرين، إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله عز وجل؛ وأهل بيتي عترتي. أيها الناس اسمعوا، وقد بلغت، إنكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين، والثقلان: كتاب الله جل ذكره؛ وأهل بيتي، فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم»([112]). والحقيقة أن الشيعة هم الوحيدون الذين اتبعوا الرسول الأكرم‘، واتبعوا من بعده عترته الطاهرة، أي الأئمة المعصومون^، في بيان وتفسير آيات الأحكام.
ب ـ اعتماد الأسلوب المقارن
و هذا أيضاً من نقاط امتياز الفقه القرآني عند الشيعة عن ما عند غيرهم من الفرق الإسلامية، حيث إن علماء السنة حاولوا بشكل عام التعرض لآراء من يوافقهم في الفكر الأصولي، واجتـنبوا ذكر رأي الشيعة في دراستهم المقارنة؛ أما الشيعة فقد ذكروا آراء أهل السنة، مستهدفين بذلك الاطّلاع على آرائهم، وأحياناً الإجابة على بعض الشبهات والمسائل. وكنموذج على هذا نذكر الفاضل المقداد الذي يقول في تفسير آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} (المائدة:43): إن المراد من الصلاة عند الشيعة المسجد (أي مكان الصلاة)، ويوافقهم في هذا المذهب الشافعي، ويخالفهم أبو حنيفة([113]). وفي تفسير آية {لا يَمَسُّهُ إِلا المُطَهَّرُونَ} (الواقعة: 79) يقول الفاضل المقداد: إن المقصود من «المطهّرون» المطهّرون من الحدث والخبث، كما هو مروي عن الباقر×، ويوافقنا في ذلك المذهب الشافعي والمالكي والحنفي([114]).
و هذه الميزة، وإن كانت موجودة في الكثير من الكتب، إلا أنها مشهودة في البعض أكثر من الآخر، ومنها: كتاب «كنز العرفان في تفسير القرآن»، كما قد أشرنا سابقاً، فالمؤلّف يتعرض في هذا الكتاب للأحكام الفقهية في الآيات على المذاهب الأربعة، ثم يحاول إثبات حقانية المذهب الجعفري، وذلك بعد مباحث التفسير والقراءة.
و من الكتب الأخرى الجديرة بالذكر «تفسير آيات الأحكام وفق المذهب الجعفري والمذاهب الأربعة»، للسيد حسين الطباطبائي اليزدي؛ وكتاب «آيات الأحكام، دروس في آيات الأحكام»، لمحمد هادي آل راضي، الذي دوّن من أجل طلاب الحوزة العلمية في قم؛ وكتاب «فقه القرآن، آيات الأحكام تطبيقي»، وهو كتاب دوّن ورتـّب كمادة درسية في الفقه المقارن.
ج ـ الأسلوب الفقهي
من مميزات الفقه القرآني عند الشيعة هي أنهم التفتوا إلى الأسلوب والترتيب المطلوب؛ رعاية لهوية مادة تفسير الآيات الأحكام الثنائية الأبعاد، فهي مادة فقهية، وفي نفس الوقت تفسيرية؛ ثم إن فقه القرآن هو نوع من التفسير الموضوعي، بناءً على أن موضوعه مشخص ومحدد خارج إطار القرآن، وهو علم الفقه الرائج.
بينما حافظ السنّة على الترتيب الموجود في القرآن، وكان أسلوبهم عبارة عن بحث كل آية بحسب ترتيب ورودها في القرآن. ومن المعلوم أنه لا بد من بحث المواضيع الفقهية، كلية كانت أم جزئية، بنحو يعطي المركزية للموضوع، وإلا لن نتمكن من الوصول إلى ما يريده القرآن بشكل نهائي في موضوع ما، فإذا بحثنا الحج مثلاً بأسلوب موضوعي فمن الطبيعي أن نبدأ بشرط الاستطاعة، مروراً بالإحرام والمحرمات، ومن بعدها سائر مناسك الحج، بحسب ما هو موجود من ترتيب في هذه الأعمال، ولا يمكننا أن نبدأ بالكلام عن السعي بين الصفا والمروة، ومن بعده نتصدى لبيان محرمات الإحرام، ومن بعدها نتحدث عن فريضة الحج كموضوع كلي، وفي النهاية نذكر المناسك الأخرى. كما ويستلزم هذا الأسلوب أن نبحث بعض المواضيع تكراراً، كلما تكررت الآيات.
د ـ النزعة العقلية
يتميز فقه القرآن عند الشيعة بصبغة عقلية، وذلك تبعاً للأصول المعتمدة في علمي الفقه والتفسير؛ وهذا يعني أنه عندما لا يتوفر لدينا دليل نقلي في مجال تفسير آيات الأحكام فإننا نتمسك بالدليل العقلي، كما يتم الاستعانة به في حالات تأييد أو رد بعض المطالب. يقول المقدس الأردبيلي في تفسير آية {…وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (النساء: 24): إن الآية ظاهرة في نكاح المتعة، ولم يأتِ أي دليل عقلي أو نقلي من الكتاب أو السنة بما ينسخ هذا الحكم، فمن جهة يثبت هذا النكاح بالكتاب والسنة والإجماع، وهذا ما لا يُنقض إلا بدليل يقيني آخر، عقلي أو نقلي، وهو غير محصل([115]). ويقول القطب الراوندي في تفسير آية {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء:11): إن وجه تقدم الوصية على الدين في هذه الآية هو أن رد الدّين واجب عقلي؛ لذا قدم الوصية، ليقول لنا: إن الوصية أيضاً واجبة([116]).
النتيجة
في نهاية المطاف يظهر لنا بوضوح أن النشاط العلمي في ميدان تفسير آيات الأحكام خلال فترة الربع الأول من القرن الخامس عشر يعادل كل ما بذل في القرن الرابع عشر بأكمله. ومن جهة أخرى فإن ما أنجز خلال هاتين المدتين (125 سنة) يعادل الإنجازات كلها منذ نشوء علم فقه القرآن، وهو عدد يقرب من المائة بين تأليف وتعليقة وحاشية على متون بعض الكتب.
و إذا ما قارنّا ـ بناء على هذا الإحصاء ـ الشيعة بغيرهم من الفرق الإسلامية نرى أن الشيعة ينفردون بنصف كل المؤلفات في مجال البحث الفقهي القرآني. وإذا ما أجرينا مقارنة ـ بناءً على هذا الإحصاء ـ بين الشيعة وكل فرقة على حدة فسيكون ما أنجزه الشيعة متراوح بين عشرة إلى عشرين ضعف، مقارنة مع المذاهب الأربعة، والشيعة الزيدية، والظاهرية، والأباضية، وغيرهم ممن ألـّف. وهذا بالطبع مع صرف النظر عن التفسير الباحث لآية واحدة أو عدة آيات، أو تفسير موضوعي تحت عنوان فقهي، والمقالات ورسائل التخرج، التي كتبت ضمن مجال تفسير آيات الأحكام.
الهوامش
(*) باحث في الحوزة العلمية، ورئيس المركز التخصصي للتفسير وعلوم القرآن، وأستاذ مساعد في جامعة المصطفى العالمية.
([1]) تـنقسم تفاسير القرآن الكريم من جهة المنهج إلى: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالرواية؛ وتفسير القرآن بالعقل؛ وتفسير القرآن بالاجتهاد. أما من ناحية الاتجاه فهناك: التفسير الكلامي؛ والتفسير العرفاني؛ والتفسير الإجتماعي؛ والتفسير الأدبي؛ والتفسير الفقهي؛ والتفسير العلمي؛ وغيرها وكذلك التقسيم بلحاظ الأسلوب ينوع التفاسير إلى: ترتيبي؛ وموضوعي؛ وارتباطي.
([2]) مكاتب تفسيرى «المناهج التفسيرية» 1: 13 إلى 20، قم: پژوهشكده حوزه ودانشگاه، تهران، سمت، 1381 هـ ش.
([3]) من الممكن أن يجمع هذان الاصطلاحان على هذا النحو، بأن نقول: إن اصطلاح آيات الأحكام ناظر إلى الهوية القرآنية لهذا العلم، أما اصطلاح «فقه القرآن» فهو ناظر إلى شرح وتفسير هذه الآيات.
([4]) محمد حسين الذهبي،التفسير والمفسرون 1: 33، مكتبة وهبة، ط 7، القاهرة، 1421هـ.
([5]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5: 49، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ ش؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة،11: 427 و 9: 252، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1409هـ؛ حسين النوري، مستدرك الوسائل 1: 392، قم، مؤسسة آل البيت، 1408هـ.
([7]) محمد هادي معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 174، قم، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، 1377هـ ش [1416هـ].
([8]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 20: 74، دون تاريخ.
([10]) آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 40، الطبعة الثالثة، دار الأضواء، 1403هـ.
([11]) ابن النديم، الفهرست: 57، بيروت، دار المعرفة، 1398هـ.
([12]) جواد كاظمي، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 9، تحقيق: محمد باقر شريف زاده، الطبعة الثانية، قم، المكتبة الرضوية، 1365هـ ش.
([13]) أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة 4: 37 و17: 114، الطبعة الخامسة، قم، مركز نشر آثار شيعه، 1413هـ.
([14]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 9، تحقيق: محمد باقر شريف زاده.
([15]) علي أصغر ناصحيان، مجله تخصصي إلهيات وحقوق دانشگاه رضوي: 31، العدد، شتاء 1383هـ ش.
([16]) العلامة حسن بن يوسف الحلي، خلاصة الأقوال: 410، ط ثانية، النجف، المطبعة الحيدرية، 1381هـ ش؛ محمد علي الأردبيلي، جامع الرواة، 2: 261، ط 1، قم، مكتبة آية الله مرعشي نجفي، 1409هـ؛ السيد علي البروجردي، طرائف المقال 2: 42، تحقيق: السيد مهدي رجائي، الطبعة الأولى، قم، مكتبة آية الله مرعشي النجفي، 1410هـ.
([17]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، 1: 40.
([18]) جلال الدين السيوطي،الإتقان في علوم القرآن 2: 498، تحقيق: سعيد مندوب، الطبعة الأولى، بيروت، دار الفكر، 1416هـ.
([19]) معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة 20: 336.
([20]) من هذه الكتب: كتاب الجمل، كتاب صفين، كتاب النهروان، كتاب مقتل أمير المؤمنين×، كتاب مقتل حجر بن عدي، كتاب مقتل رشيد وميثم، وجويرة بن مسهرة، كتاب الحكمين، كتاب مقتل الحسين×، كتاب قيام الحسين×، و…
([21]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 40.
([22]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 8 ـ 13.
([23]) محمد يزدي، فقه القرآن، المقدمة، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1374.
([24]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني (ويژه قرآن وفقه)، دفتر تبليغات إسلامي، العدد 3، 1374هـ ش.
([26]) هذا وقد تمت مراجعة المصدر، فتبين أنه الجزء الرابع، الصفحة السابعة، أما المذكور في المقالة الفارسية فهو الجزء الثاني، الصفحة الرابعة (المترجم).
([27]) ياقت الحموي، معجم البلدان 4: 7، بيروت، دار الفكر، دون تاريخ.
([28]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 9.
([29]) محمد بن الحسن الطوسي، الرسائل العشر: 21، تحقيق: واعظ زاده خراساني، قم، جامعه المدرسين، 1404هـ.
([30]) من هذه الأشعار هذا البيت الجميل:
ما عبد الأصنام والقوم سجد لها وهو في أثر النبي محمد
([31]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2: 26، النجف، المطبعة الحيدرية، 1376هـ.
([32]) هبة الله الراوندي، فقه القرآن 1: 20ـ22، الطبعة الثانية، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1405هـ.
([33]) السيد محمد العاملي، نهاية المرام 1: 390، تحقيق: مجتبى العراقي، وعلي پناه اشتهاردي، وحسين يزدي؛ الطبعة الأولى، قم، جامعة المدرسين، 1413هـ.
([34]) عباس القمي، الكنى والألقاب 3: 74، عباس القمي، لم يذكر تاريخ ومكان الطباعة، أو اسم الناشر.
([35]) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة 3: 74، تحقيق: حسن الأمين، طهران، وزارة الإرشاد، دون تاريخ.
([36]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 9.
([37]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 24: 402،.
([38]) أعيان الشيعة 3: 14، تحقيق: حسن الأمين، طهران، وزارة الإرشاد، دون تاريخ.
([39]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 23: 181.
([40]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 9.
([41]) فقه پژوهى قرآن «درآمدي بر مبناي نظري آيات الأحكام»، الطبعة الأولى، قم، بوستان كتاب،1380هـ ش.
([43]) الإتقان في علوم القرآن 2: 165،الطنطاوي الجوهري، الجواهر في تفسير القرآن الكريم 1: 3، الطبعة الرابعة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1412هـ.
([44]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 10.
([45]) الحر العاملي، أمل الآمل 2: 333، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، دون ذكر تاريخ أو مكان أو اسم الناشر.
([47]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 40.
([49]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 20: 145.
([53]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 10.
([54]) عباس علي عميد زنجاني، آيات الأحكام: 23، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة مطالعات وتحقيقات علوم إسلامي، 1382هـ ش.
([55]) محمد يزدي فقه القرآن 1: 9.
([56]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني (ويژه قرآن وفقه): 176؛ دفتر تبليغات إسلامي، العدد 3، 1374هـ ش.
([58]) أعيان الشيعة 9: 244؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 21:50.
([60]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام1: 11.
([61]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 304.
([62]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 9.
([64]) جامع الرواة 2: 118؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 21: 298.
([66]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 6: 9.
([67]) عبد الرحيم عقيقي بخشايشي، طبقات مفسران شيعة: 520 و566، الطبعة الثانية، قم، نويد اسلام، 1382هـ ش.
([69]) سليمان المحاوزي البحراني، الأربعين: 5، تحقيق: السيد مهدي روحاني، الطبعة الأولى، (دون مكان أو اسم ناشر)، 1417هـ.
([70]) فقه القرآن،المصدر السابق.
([71]) ذكر أيضاً أنه في هذه الفترة من الزمن تم تأليف كتابين تحت عنوان «آيات الأحكام»: أحدهما: من تأليف مير محمد صالح خاتون آبادي (1130هـ)، والآخر: من تأليف الشيخ جعفر قاضي (1115هـ) (فصلنامه پژوهش هاي قرآني (ويژه قرآن وفقه): 178، دفتر تبليغات إسلامي، العدد 3، 1374هـ ش.
([72]) جامع الرواة: 7، ط 1؛ فقه القرآن،المصدر السابق.
([73]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 41.
([74]) طبقات مفسران شيعة: 674.
([76]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 41.
([77]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 11.
([78]) سليمان المحاوزي البحراني، كشف الحجب والأستار: 126، الطبعة الثانية، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1409هـ.
([80]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 12.
([81]) ذكر السيد المرعشي النجفي أن سنة وفاته كانت في 1149هـ (مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 12، تحقيق: محمد باقر شريف زاده، الطبعة الثانية، قم، المكتبة الرضوية، 1365هـ ش).
([82]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4: 239.
([83]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني (ويژه قرآن وفقه): 179؛ دفتر تبليغات إسلامي، العدد 3، 1374هـ ش.
([86]) كشف الحجب والأستار: 127؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4: 366.
([87]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 12.
([88]) موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت 2: 503، مؤسسة دائرة الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى قم، 1424هـ.
([89]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني، الأسبق، نقلاً عن: معجم المفسرين 6: 11.
([90]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 12.
([91]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 8: 153.
([92]) المصدر السابق، ج 18، ص153.
([93]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني (ويژه قرآن وفقه): 180، دفتر تبليغات إسلامي، العدد 3، 1374هـ ش.
([94]) طبقات مفسران شيعة: 827 و1074.
([95]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 40.
([96]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 13.
([99]) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، المصدر السابق.
([100]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 43؛ عباس علي عميد زنجاني، آيات الأحكام: 33.
([102]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني (ويژه قرآن وفقه): 181، دفتر تبليغات إسلامي، العدد 3، 1374هـ ش.
([105]) فصلنامه پژوهش هاي قرآني، المصدر السابق.
([107]) جامع الرواة، المصدر السابق؛ فقه القرآن 1: 11.
([108]) طبقات مفسران شيعه: 1176.
([109]) طبقات مفسران شيعه: 1192.
([110]) لعل الكاتب هنا أراد العكس، وأن بداية التأليف كانت في 1374هـ، والطبعة الأولى في 1395هـ (المترجم).
([111]) طبقات مفسران شيعه: 1192.
([113]) عبد الله بن عبد الله، الفاضل المقداد، كنز العرفان، تحقيق: عبد الرحيم عقيقي بخشايشي، الطبعة الثانية، طهران، نويد إسلام، 1424هـ.
([115]) أحمد الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن: 654، تحقيق: رضا أستادي وعلي أكبر زماني نجاد، الطبعة الثانية، قم، مؤمنين، 1378هـ ش.