وتُقسم هذه الدراسة إلى بابين:
يحوي الباب الأول الذي جاء تحت عنوان: "المقاصد الكلية للشرع: رؤية جديدة"، على سبعة فصول.
في الفصل الأول، يتحدث الكاتب عن المنهج المنظومي، معرفاً إياه بأنه: " أسلوب في التفكير والبحث يتوخَّى متابعة كل العناصر المكوِّنة لحقل محدَّد، حالة كونها في حال تفاعل وترابط وما يتولَّد من انتظامها – أي العناصر- من صيرورة، وما تنطوي عليه من حيوية تفتح آفاق التوسّع، أو استعصاءات تفضي الى المراوحة والجمود". ويأتي هذا الفصل للإحاطة بالمنهج المنظومي من كافة الجوانب، كتمهيد لا بدَّ منه لبناء منظومة مقاصدية جديدة، وكمرتكز لفهم الدراسة بعمق.
الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "قراءة منظومية للقرآن الكريم"، يُعتبر بمثابة نتيجة للبحث المنهجي الذي تمَّ تقديمه في الفصل الأول، وفيه يتحدث الكاتب عن الهرم المقاصدي استناداً إلى القرآن الكريم -دون غيره- كمصدر أول للتشريع، كونه يختص بالكليَّات، ما يُعفي الباحث من الرجوع إلى السنَّة النبويَّة.
في الفصل الثالث يتطرّق الكاتب إلى موضوع "المقاصد الكلية في ضوء المنهج المنظومي"، مؤكداً في هذا الإطار أنَّ التفكير المقاصدي ليس مجرد جهد نظري، وإنما تدبُّر في الغايات الكبرى التي ينبغي العمل لتحقيقها في الدنيا. ويضع ترسيمة المقاصد الكليَّة والتفاعل في ما بينها وفق مخطوطة قسَّمها إلى التالي:
– دائرة التكوين
– دائرة التشريع:
وتتألف بدورها من مجموعة حلقات تؤدي دوراً متكاملاً وهي:
1. الحلقة التدبيرية (قيمة الحق) والتي يتفرع منها: الكرامة، الحرية، التكافل، النظر والبحث والتفكّر، الأمانة والتزام العهود، الوحدة وعدم التنازع، وحدة القيادة، التأسي، حماية الاجتماع، توفير البيئة الملائمة.
2. الحلقة العبادية(التزكية)
3. حلقة الخير وأدلتها: الإيثار، الإحسان، العفو، التراحم، قتل الشهادة، الانفاق والصدقات
ويرى أن دمج الدوائر الثلاث بعضها ببعض وتصوُّر قوة التناسج بينها، تُمكّن من تلمُّس عبق السلام الداخلي والطمأنينة التي تغمر الإنسان المؤمن المتفاعل معها.
في الفصل الرابع، يتحدث الكاتب عن "أصول الفقه وفق رؤية تجديدية"، من خلال مراجعة أصول الفقه في ضوء المقاصد الكليّة للشرع، ويعالج هذه المسألة مميّزاً بين المسائل العبادية والدائرة التدبيرية، حيث شدَّد على: "أن المقاصد ليست حكراً على الدائرة التدبيرية، وإنما تتسع لتشمل الدائرة العبادية أيضاً".
ويُعدّد ثمار المقاصد الكليّة ومنها: ضبط الأحكام، منع الحيل (المسمّاة شرعية)، تضييق مروحة الأدلة، وفتح آفاق جديدة للاجتهاد.
في الفصل الخامس، يعالج الكاتب مسألة "ولاية الفقيه في ضوء المنهج المنظومي"، هذه المسألة التي تعدَّدت طرق البحث فيها، ففي حين استند البعض للتدليل عليها إلى علم الكلام، لجأ البعض الآخر إلى العقل انطلاقاً من كون الولاية طريقاً لتطبيق الشريعة، وأخرون بحثوا عن الأدلة في الكتاب والسنّة بصورة مجتزأة،أما المنهج الذي يعتبره الكاتب الأكثر إحكاماً في معالجة موضوع الولاية، هو المنهج المنظومي وانطلاقاً من الرؤية المنظومية يقول: " إن "نظرية ولاية الفقيه" الجامعة لشرائط الإيمان والعدل والخبرة والقدوة، الأقرب إلى المنطق القرآني من أي صيغة أخرى أونظرية، جرى تداولها في العقود الأخيرة… وإن "نظرية ولاية الفقيه" المستندة إلى منظومة القيم القرآنية، هي نظرية عابرة للمذاهب الفقهية والكلامية، لأنها لم تبنِ مرتكزاتها النظرية على أدلة خارج المنطق العام الذي يحكم الخطاب القرآني".
الفصل السادس، يقدّم الكاتب من خلاله "محاكمة قرآنية لمنطق المذهبية"، والدافع وراء مثل هذا البحث، حسب رؤيته ينبع من واقع المذهبية المتفشّية، وتولِّي من نهى الله عن ولايتهم، وطغيان منطق التدمير الذاتي، وذلك لمعرفة الحقائق بالعودة إلى القرآن، لأنَّ هناك لائحة تطول للتعارضات القائمة بين المنطقين القرآني والمذهبي، الأمر الذي يُهدِّد مستقبل الدعوة، ما يستدعي ضرورة العمل على إطلاق دينامية جديدة للاجتهاد يكون للقرآن الكريم فيه القول الفصل.
في الفصل السابع، الذي جاء تحت عنوان "التنمية في إطار المنهج المنظومي"، يخوض الكاتب في موضوعه هذا موضحاً قصده من وراء هذا البحث، مع كونه من الضرورات العملية التي لا حاجة للخوض فيها، حسب آراء بعض المفكرين الذين يقولون بعدم جدوائية البحث عن البعد التنموي لعلم المقاصد، لأنَّ البحث في الضروريَّات يندرج في إطار الترف الفكري، ولكنَّه يُعلِّل الذهاب في هذا البحث إلى نتيجة غياب المحفّز المعنوي والديني لمباشرة العمل التنموي بكافة أبعاده. ويقول: "رغم مرور ما يزيد على القرنين من الزمن على النهضة الأوروبية، وبداية الوثبة التنموية الشاملة في تلك المنطقة الباردة من العالم، لم تظهر مؤشِّرات جديّة لدى الأجيال المتعاقبة من الفقهاء والمسلمين لصياغة أوبالأحرى لاستنباط فقه خاص بالتنمية".
ويؤكِّد أنَّ خوض التنمية من باب المقاصد لا يعني أنّ مجرد وعيها ومعرفتها سيجعلها أمراً محققاً، فثمة شروط أخرى يجب أن تتوافر وهي دور الدولة ومستوى المعرفة والإرادة الحضارية والثقافة وغيرها…
الباب الثاني جاء تحت عنوان: "المقاصد في فكر بعض العلماء المعاصرين". وفيه يعرض الكاتب للمقاصد الكلية في فكر كل من سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين(ره)، وسماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(ره)، وسماحة العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(ره)، مبينِّاً لأوجه التلاقي التي حكمت مسيرة الإصلاح التي خاضتها كل شخصية من تلك الشخصيات الإسلامية الرائدة، والتي تميّزت بالبعد العلمي والموضوعي والتجديدي.
خلصت الدراسة كما يشير الكاتب إلى مجموعة استنتاجات:
– إن القيم سابقة على الدين، فالأولى مُستنبَطة من الفطرة الإنسانية، والتكاليف الشرعية التي تحدَّث عنها القرآن الكريم وهي ليست سوى إرشاد إلى ما هو موجود تكوينياً في الفطرة.
– التفريق بين أمَّة "المؤمنين" وأمَّة "المسلمين"، والتأكيد أنَّ الخطاب القرآني يدعو إلى تكوين أمَّة مؤمنة.
– القيم هي معيار التقارب مع الآخر
– التماهي بين التكوين البشري والتشريع
– المؤمنون جزء من منظومة الوجود، فمنطق العلاقات بين عناصر المنظومة القرآنية لا يقود إلى غير هذه الخلاصة.
– الاختلاف جزء من النسيج العام للمنظومة القرآنية…
هذا بالإضافةً إلى نتائج هامة أخرى توصّلت إليها الدراسة، ولا يتسع المجال لذكرها هنا في هذا العرض المختصر.
خلاصة القول، إن المشكلة في القراءات القرآنية تكمن في القارئ وليس في المقروء، والتي تداخل فيها التاريخ والسياسة والإيديولوجية والكلام، وهي كافية لطلي الحقيقة بغطاءٍ سميك يصعب كشفه… لذلك، فالمنظومة القرآنية تنطوي على طاقةٍ هائلةٍ كامنةٍ في مضمون خطابها، قادرة على إطلاق قوة دفع لا حدود لها إذا عرف العالمون بها كيف يُظهِّرونها للناس، ويُحوّلونها إلى منظومة تكاليفٍ كما هي فعلاً..
كتاب قيّمٌ يطرح حلولاً ناجعةً للكثير من المشاكل التي نعاني منها كمسلمين، هذه الحلول التي لو عُمل بها، فإنها تعيد إلى الشرائع مقاصدها التي أرادها الله سبحانه، وبالتالي فإنها تعيد الروح إلى الإسلام.