قراءة في كتاب:
نظريات الحكم والدولة
دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الدستوري الوضعي(*)
مراجعة وتحليل نقدي: نبيل علي صالح(**)
يتألف الكتاب من تمهيد وثلاثة فصول، مع مجموعة غنية من الفهارس العامة..
وقد جاء ترتيب أبحاث الكتاب على النحو التالي:
– تمهيد عام: ويتضمن منهجية البحث وتعاريف أساسية عامة.
– الفصل الأول: يدور حول النظريات المفسرة لنشأة الدولة.
– الفصل الثاني: يبحث فيه الكاتب موضوع الدولة: أركانها، أشكالها، ووظائفها في الفكر الإسلامي.
– الفصل الثالث: يستعرض فيه المؤلف مجمل نظريات الحكم في الفكر الإسلامي السياسي.
وبالعودة إلى تفاصيل الكتاب، يتحدث الكاتب في المقدمة عن أهمية الفقه والفكر السياسيين في الإسلام كونهما يمثلان جزءاً مهماً من مجمل التراث الفقهي والفكري الذي تركه علماء المسلمين ومفكروهم، حيث بدأ هذا الاهتمام يتصاعد تدريجياً لظروف موضوعية، سياسية واجتماعية، تتعلق بطبيعة الواقع السياسي الذي فرض على عالم الإسلام والمسلمين منذ ما قبل مرحلة الاستعمار وتفتيت الخلافة العثمانية إلى حدوث الثورة الإسلامية في إيران وتأسيس نظام جمهوري إسلامي، وما رافقه ونتج عنه من تيارات وأحزاب وفعاليات أعطت الجانب السياسي الحركي طابعه العملي الحماسي الذي تحول لاحقاً إلى بنية دولتية مؤثرة في مجمل الحراك السياسي للمنطقة..
ويعرّف المؤلف عن كتابه الموسوم من خلال أنه كان – بالأساس – مجموعة محاضرات سبق أن قام بإلقائها على طلاب السنة الثالثة والرابعة في مرحلة الإجازة (الليسانس) لكل من معهد الرسول الأكرم(ص) العالي للدراسات الإسلامية-بيروت، ومعهد السيدة الزهراء(ع) العالي للدراسات الإسلامية-بيروت، للعام الدراسي2000-2001م.
يحاول الكاتب في التهميد لكتابه تسليط الضوء على بعض المقدمات المتصلة بالبحث ككل، والتي تشكل مدخل أساسي لفهم مباحث الكتاب، وهي: منهج البحث، والتعريف بـ"فقه الدولة"، وبيان أهمية الموضوع. فعلى صعيد منهج البحث، عمل المؤلف على عدم حشو بحثه بالكثير من المعلومات الفقهية والقانونية والسياسية، وانطلق في بحثه معتمداً على منهجية المقارنة والموازنة فقط بلا تكلف ولا صنعة كما يزعم. (راجع الكتاب ص: 11).
ويبدأ الكاتب تعريفاته بالتعريف بفقه الدولة باعتباره مركباً إضافياً مكوناً من كلمتين فقه ودولة. وأما الفقه فهو العلم بالقواعد الشرعية بجميع أنواعها، اعتقادية كانت أم أخلاقية أم عملية. وأما الدولة (بالفتح والضم) فهي العقبة في المال والحرب سواء. والدولة هي الفعل والانتقال من حال إلى حال. وورد استعمال "الدولة" في التراث الإسلامي لدى الحكام المسلمين منذ بدايات الخلافة الإسلامية. (راجع الكتاب ص: 14).
وتعني الدولة في النتاجات الأخيرة للمفكرين المسلمين "المظهر الأعلى للوحدة السياسية التي توجد بين جماعة من الناس. وهي (أي الدولة) في القانون الدستوري الحديث، مجتمع منظم قائم على أرض محدودة، يستأثر بسلطة إصدار القواعد القانونية ومعاقبة مخالفتها.
من هنا يصبح معنى مصطلح "فقه الدولة": معالجة مختلف القضايا والأبحاث المتصلة بالشأن العام أو بالقانون العام. وهي تشمل علاقة الفرد بالدولة، أو علاقة الحاكم بالمحكوم، أو الراعي بالرعية، أو السلطة بالشعب، وهو ما ينظمه في عصرنا "الفقه الدستوري" و"المالي" و"الإداري" و"الدولي"، وهذا هو –بحسب أحد المصادر التي رجع إليها المؤلف([1])– الفقه السياسي أي السياسة الشرعية (أو فقه الدولة). (راجع الكتاب ص: 17).
إذاً، الدولة هي عبارة عن تنظيم سياسي يقوم على أركان أساسية هي: الشعب، الجغرافية، السلطة، السيادة. وأما الحكومة فهي الإدارة أو الأداة التنفيذية للدولة التي تمارس من خلالها سيادتها على الشعب ضمن إقليم معين ومحدد. وأما نظام الحكم "النظام" أو "System" فهو عبارة عن مفهوم حديث يستن إلى مفاهيم عدة كالنمو الاجتماعي أو التنمية الاجتماعية، والتمييز بين مجتمعات تقليدية ومجتمعات حديثة، أو مجتمعات زراعية ومجتمعات صناعية. كما ويوجد هناك تصنيف وتمييز بين الديمقراطية والاستبداد، أو بين الملكية والنظام الجمهوري أو بين النظم السياسية الغربية من ناحية والاستبداد الشرقي من ناحية أخرى، أو التمييز بين الأنظمة الشمولية، والديمقراطية، ونظام الحزب الواحد أو المتعدد. (راجع الكتاب ص: 21-23).
وأما مفهوم السلطة فهو ركن أساسي من أركان الدولة، وهو يرتبط بمفهوم القوة والنفوذ والعنف. ومن هنا فإن الفقه الدستوري يذكر عدة مميزات أو خصائص للسلطة، وهي التالية:
1. عمومية سلطة الدولة، وشمولها لجميع نواحي النشاط البشري في الدولة.
2. أصالة السلطة، ودوامها، واستمرارها في الدولة.
3. حكر استخدام العنف للدولة.
4. قصر اشتراع القوانين، وتنفيذها، وتوقيع الجزاء بالدولة. (راجع الكتاب ص: 26).
أما مفهوم السيادة فهو يعني أن سلطة الدولة هي العليا ولا يسمو شيء فوقها، ولا تخضع لأحد. وللسيادة أوصاف، هي: أنها واحدة، ولا تقبل التجزئة، ولا تقبل التصرف فيها، ولا تقبل التقادم المُكسِب، ولا التقادم المُسقط. (راجع الكتاب ص: 26-27).
والسيادة بمعنى الحكم والشرعية في الفقه الإسلامي فهي –بالأساس- لله تعالى، إلا أنها سيدة قابلة للتسرية إلى الآخرين من خلال الإذن الإلهي.
وأما مصطلح الولاية فقد ورد ذكره في القرآن الكريم بمشتقات عديدة، وما ضُمّن فيه من مفهوم هو السيادة والسلطة. ومن هنا، فقد تكوّن لهذا المصطلح مفاهيم عدة في التراث الإسلامي سيما الإمام. إذ الولاية في هذا التراث تارة تكوينية (السيادة والسلطة المباشرة والفعلية الثابتة لله تعالى)، وأخرى كلامية (ثابتة للأئمة المعصومين)، وثالثة عرفانية (وهي مفترضة لبعض أفراد الإنسان)، ورابعة فقهية (ترجع للشريعة والفقه). (راجع الكتاب ص: 28).
.. في الفصل الأول من هذا الكتاب الذي حمل عنوان "النظريات المفسّرة لأصل نشأة الدولة في الفكر السياسي"، والذي جاء في مبحثين وستة مطالب، قام المؤلف باستعراض أصل التنظير الفكري لفكرة "الدولة" ومؤسساتها، محاولاً إعطاء القارئ لمحة سريعة مقتضبة ومفيدة عن أصل منشأ الأفكار ذات الصلة بفكرة الدولة والحكم والسلطة..
ففي مبحثه الأول قام الكاتب باستعراض النظريات العقدية التي حاول منظروها بناء الدولة على أساس عقد الاختيار الطوعي بين الحاكم والمحكوم.. باعتبار أن الدولة – كما يزعم أصحاب هذا الاتجاه العقدي- هي "ظاهرة إرادية" قامت نتيجة "اتفاق حر واختياري" بين مجموعة من الناس ، فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة "المجتمع المدني" والسياسي.
ويوضح المؤلف بأن جذور فكرة العقد، تعود إلى الفكر الكنسي الوسيطي والفكر الإسلامي، وخاصة في قيام الدولة الإسلامية الأولى في عهد الرسول(ص) في المدينة (مفهوم البيعة الذي هو نوع من العقد).. كما ارتبطت تلك الفكرة -في تاريخ الفكر السياسي الحديث- بجهود ثلاثة مفكرين هم: توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو. (راجع الكتاب، ص: 35-36)..
فأما بالنسبة لـ "توماس هوبز"، فهو ينطلق من نظرية متشائمة إلى الإنسان، حيث يرى أن الإنسان البدائي كان شريراً، وكانت القوة هي العلاقة السائدة بين الأفراد. ولتفسير الانتقال من حالة الطبيعة الأولى إلى المجتمع المدني، استخدم هوبز فكرة منطقية، هي فكرة "العقد الاجتماعي" التي تقوم على أن الأفراد اتفقوا على إقامة مجتمع يرعى فيه كل فرد حقوق غيره، ويتنازل عن حريته مؤثراً في ذلك "المصلحة الآجلة" على "المصلحة العاجلة". ومن هنا تقوم الدولة حين يتنازل الناس عن سلطتهم لصاحب السيادة، فتتركز في يده سلطة عظيمة، يخافونها ويشكل بها إرادتهم بذلك لصيانة السلام في الداخل، والدفاع عن الداخل أمام الخارج.
أما "جون لوك" فهو يعتبر أن المجتمع لم يقم على أساس القوة والإكراه، بل قام على أساس الاختيار والرضى المتبادل بين الأفراد. وبالتالي فالحكومة الشرعية معنية بوظائف محددة، ينبغي القيام بها وإلا فتفقد الحكومة سند شرعيتها، ويحق للأفراد الثورة عليها. وتأخذ الدولة عند لوك طابعها العلماني البحت القائم على الفصل بين الزمني والروحي.
أما المفكر "جان جاك روسو" فتقوم نظريته على أساس الحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب، ورفض وجود سلطات تشريعية وتنفيذية مستقلة عن الشعب. وأساس هذا الحكم هو فكرة التعاقد الذي يتنازل بموجبه كل فرد عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع كله.
في المبحث الثاني من هذا الفصل يستعرض الكاتب النظريات غير العقدية للدولة، ويعني بها النظريات التي لا ترى أصل نشوء الدولة في "العقد الاجتماعي".. حيث يضعها ضمن خمسة مطالب أو نظريات هي" (نظرية القوة: تقوم على أن الحرب هي التي تلد الدولة – نظرية التطور التاريخي: من مرحلة المجتمع العائلي إلى اكتشاف الحاجة للاجتماع السياسي- النظرية الماركسية: تعتبر الدولة وسيلة وأداة طبقية في يد الطبقة الاقتصادية، وستنتفي الحاجة إليها بعد ظهور المجتمع اللاطبقي). (راجع الكتاب، ص: 44-51)..
وفي الفصل الثاني من الكتاب يبحث المؤلف في تعريف الدولة وأشكالها وأركانها ووظائفها في الفكر الإسلامي، ويعتبر أن الدولة –كمؤسسة اجتماعية- ضرورة تقتضيها طبيعة عملها ووظيفتها، أي كما أن الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتأمين الحاجات الضرورية للإنسان، وتسهيل أمور الحياة وتطويرها حاجة بشرية ومجتمعية. فمن الطبيعي أن الدولة التي تصون المجتمع، وتقوم بهذه المهمات الاجتماعية حاجة وضرورة اجتماعية-إنسانية أيضاً. ويضيف المؤلف ضرورة أخرى راجعة إلى طبيعة ومضمون الرسالة الإسلامية التي تستلزم إنشاء الحكم والدولة انطلاقاً من الإسلام.
طبعاً يتضمن الفصل الثاني مباحث عدة، يستعرض الكاتب في الأول منها، أركان الدولة في الفكر الإسلامي السياسي، ويحددها في خمسة هي:
– المجتمع الإسلامي (الأمة): حيث تعتبر الوحدة الفكرية (الرابطة المعتقدية) هي الأساس في تحديد هذا المفهوم.
– الإقليم الإسلامي (دار الإسلام): الذي هو عبارة عن الأرض الخاصة بالدولة الإسلامية، والمحددة ضمن جغرافية وحدود سيادية واضحة.
– سلطة الدولة (الحكم الإسلامي): وهي سلطة غير مطلقة، وليست مستمدة من ذات الدولة، لأن الدولة –كمؤسسة قانونية- لا تمنح لنفسها السلطة. بل مرتبطة بالجهة المانحة سعة وضيقاً.
– سيادة الدولة الإسلامية: وتعني الحاكمية والولاية وحق الطاعة والأمر والنهي، وما يترتب على ذلك. والسيادة والحاكمية أساساً لله تعالى، ولكن المختلف عليه بعد ذلك بين عموم فقهاء ومراجع المسلمين هو في كيفية ممارسة السيادة والحكم بعد النبي(ص).
– قانون الدولة الإسلامية (الشريعة): وهي تعني ما شرعه الله تعالى للناس من قواعد الدين العقيدية والسلوكية الأخلاقية والفعلية (من عبادات ومعاملات). وهي من الأمور الأساسية في بناء الدولة ومؤسسات المجتمع الإسلامي التي لا تتحقق بدورها بمعزل عن القواعد والقيم الأخلاقية مثل (العدل والقسط-الإحسان-تقديم المصالح المعنوية على المصالح المادية-التعاون على البر والتقوى-الرحمة والمودة).. (راجع الكتاب، ص: 63-94).
ويقدم الكاتب في المبحث الثاني عرضاً مفصلاً عن أشكال الدولة في المنظور الإسلامي، وأقسامها في الفكر الفلسفي (الدولة القومية-العلمانية-الدينية-الأخلاقية-التعددية)، والقانون الدستوري والإداري (الدولة الموحدة-المركبة-الاتحادية). (راجع الكتاب، ص: 95-123). وقد عاد الكاتب في عرضه لأشكال الدولة إلى مصادر فكرية سياسية عديدة، يمكن القول بالإجمال العام أنه كان موفقاً في هذا العرض التوثيقي، بالرغم من وقوعه في مطب التبسيطية المفرطة عند وضعه لبعض التعاريف الهامة الكثيرة التي أوردها في مبحثه.
وفي المبحث الثالث من هذا الفصل الذي أخذ عنوان "وظائف الدولة في الفكر الإسلامي"، يتحدث المؤلف في مطلبين اثنين، عن المهمات الدينية والدنيوية للدولة، معتبراً أن المهمة الرئيسية للدولة –أياً كان شكلها، دينية أم دستورية علمانية- تتركز حول تأمين المصلحة العامة الذي يعني أن تكون الدولة –بمختلف هياكلها ومؤسساتها- في خدمة الناس والمجتمع وليس العكس، وهي (أي الدولة) تمارس السلطة السياسية من أجل تحقيق هذا الهدف.
ويعتبر المؤلف أن للدولة الدينية مهمة دينية ودنيوية –غير منفصلة عن المهمة الدينية- تتحدد في حراسة الدين الإسلامي، والدعوة إليه. والمقصود بالمهمات الدينية تلك المهمات التي لها جذور في داخل الفكر الديني الإسلامي، ولها طابع نظري، وتشمل المهام القانونية (بيان الأحكام-وضع التعاليم الناظمة لتطبيق الأحكام الشرعية-القضاء في الخصومات الواقعة) والسياسية (الحفاظ على سلامة الدولة الإسلامية داخلياً وخارجياً-تجسيد القيم الأخلاقية) الراجعة إلى الدولة. (راجع الكتاب، ص: 135-149).
وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب الذي حمل عنوان "نظريات الحكم في الفكر الإسلامي السياسي"، يبحث المؤلف نظريات للحكم في مباحث ثلاثة، هي:
– المبحث الأول، وفيه يتناول الكاتب نظرية أهل الحل والعقد من خلال ثلاثة مطالب، هي، مفهوم أهل الحل والعقد-شروط ومواصفات أهل الحل والعقد-دور ومهمات أهل الحل والعقد. وينقل الكاتب عن مصادر ومظان تاريخية إسلامية أساسية رؤيتها لهذه النظرية وشروط ومهام أهل الحل والعقد ويحددها في ترشيح وانتخاب الإمام ورئيس الدولة الإسلامية، والعمل على صياغة القوانين والتشريعات الاجتهادية، وتطوير الوسائل والمؤسسات، والمشاركة في التدبير الاقتصادي للدولة الإسلامية. (راجع الكتاب: 155-167).
– المبحث الثاني، وفيه يتناول المؤلف نظرية ولاية الأمة على نفسها، ويقصد بها أن للأمة الولاية والصلاحية التامة في تحديد شكل الحكم في الدولة الإسلامية، وتحديد سلطات الحكام وصلاحياتهم القانونية في مجال ممارسة السلطة.. وذلك انطلاقاً من أن الثابت هو سلطة الإنسان على نفسه، وإمكان إيكال هذه السلطة إلى غيره بشكل طوعي، بالوكالة والنيابة. وينقل الكاتب عن أحد أهم دعاة نظرية ولاية الأمة، المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أنه لا ولاية لأحد على أحد، ولا ولاية لأحد على جماعة، أو مجتمع، ولا ولاية لجماعة أو مجتمع على أحد.. كما أن ماهية السلطة –بحسب هذه النظرية- لا تتغير ولا تختلف باختلاف مصادرها، كما لا تتغير، ولا تختلف بكون السلطة شرعية أو غير شرعية، فهي واحدة في جميع الحالات والسلطة دائماً تكون فعلية، وناجزة، فلا توجد سلطة غير فعلية. (راجع: نظام الحكم والإدارة للشيخ شمس الدين، ص: 431).
– المبحث الثالث: وفيه يتحدث الكاتب بتوسع واستفاضة عن نظرية ولاية الفقيه، التي يبدو أنه لا يخفي انحيازه لها منذ البداية. ويقارب الكاتب هذه النظرية "الفقهية – السياسية" من زوايا خمس، هي (مبادئ ولاية الفقيه -مفهوم ولاية الفقيه – شروط ولاية الفقيه – أدلة ولاية الفقيه – آلية تعيين الولي الفقيه).
ويمهد المؤلف لمبحثه هذا، بحديث موجز عن تاريخ الفكر السياسي الإمامي الذي تشكل مسألة "الحكم والولاية" نقطة جوهرية فيه، معتبراً أنه وبعد الغيبة الكبرى للإمام المنتظر(عج)، شهد هذا الفكر الإمامي مراحل تطورية خمسة حتى وصل إلى مرحلة الحكم والدولة واستلام السلطة بناء على نظرية ولاية الفقيه في إيران.. وهذه المراحل هي، بحسب رأي المؤلف: (مرحلة تدوين الفكر الشيعي الإمامي، وتكوين "الهوية المذهبية الشيعية" – مرحلة تأصيل الإطار النظري للفكر الإمامي – عصر الصفوية والتنظير للولاية السياسية العامة – عصر القاجارية والتنظير للمشروطة والمشروعة – عصر الجمهورية الإسلامية والتنظير لولاية الفقيه المطلقة وتتضمن: المرحلة القمية والنجفية والباريسية والطهرانية) (راجع الكتاب: ص187-201).
بعد هذا التمهيد يتحدث الكاتب بدايةً عن المبادئ العامة لهذه النظرية ويحددها في النقاط التالية:
أ- وحدة الأمر الديني والسياسي: ويراد به الجمع بين ما هو ديني وما هو دنيوي، ورفض أي فصل بينهما. حيث أن الربط بين الأمرين من شروط تحقق ولاية الفقيه.
ب- شمولية الإسلام: حيث تعتمد ولاية الفقيه على مبدأ "الشمولية" القائل بأن الإسلام يحتوي على الحلول اللازمة والمطلوبة للحاجات البشرية التشريعية والتنفيذية، من خلال مبادئه العامة وأحكامه التفصيلية وعملية الاستنباط الفقهي.
ج- الترابط الداخلي بين أجزاء الإسلام (الإسلام كل واحد): ويراد به أن ولاية الفقيه تقتضي وجود ترابط داخلي وثيق بين جميع كليات وحزئيات العقيدة والشريعة في الإسلام على المستوى العملي والتفاعلي.
د- أهداف الإسلام، ومقاصد الشريعة: يقوم هذا المبدأ على أن الإسلام نزل من السماء إلى أهل الأرض لتأمين أهداف محددة وواضحة، منها إقامة القسط والعدل في الأرض، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، والمقابلة مع الفساد والظلم بأشكاله المختلفة.
ه- مبدأ الاجتهاد: حيث أن مشروعية الاجتهاد من أهم مبادئ ولاية الفقيه التي تعتبر هي –بحد ذاتها- نظرية اجتهادية تعتمد على اجتهاد معين وتنطلق من مبادئ واعتبارات محددة.
وأما عن مفهوم "ولاية الفقيه" فيعتبر الكاتب أن التراث الإسلامي، والإمامي بشكل خاص شهد مفاهيم عدة للولاية، والولاية بمفهومها اللغوي بمعنى السلطنة والسيطرة والنصرة تحديداً هو المراد في ولاية الفقيه، كما أن الولاية السياسية، هو المراد حصرياً في نظرية ولاية الفقيه. والولاية السياسية المطروحة هنا –بحسب الإمام الخميني- أمر اعتباري جعله الشرع، كما يعتبر الشرع واحداً منا قيّماً على الصغار، فالقيّم بأسره لا تختلف مهمته عن القيم على الصغار إلا من ناحية الكمية.
ويحدد أنصار هذه النظرية شروط الولي الفقيه تحت عنوانين، هما: شروط الأهلية (العقل الوافي – الإسلام والإيمان – العدالة – الذكورة – طهارة المولد)، وشروط الكفاية والصلاحية (القوة العضوية والعلمية – الأمانة).
ولا بد لمن يتصدى لمسؤولية الولاية من أن يحوز على تلك الشروط والمواصفات النفسية والعضوية باعتباره نائباً للإمام المعصوم وحاملاً للواء القيادة الدينية والسياسية على صعيد قضايا الحكم والمؤسسات والدولة.
وفي سياق حديثه عن أدلة هذه الولاية، يورد الكاتب بعض الأدلة النصية القرآنية والروائية والعقلية المستقلة (ويعني بها: حفظ النظام العام-وقاعدة اللطف-وبرهان الهداية الربانية الشاملة) وغير المستقلة (وهي: دليل أحمد النراقي – تقريب المامقاني – تقريب البروجردي).
والملاحظ هنا أن الكاتب يعتبر الدليل النقلي الشرعي هو الأساس في إثبات الولاية للفقيه الجامع للشرائط، وهذه الأدلة لا تتضمن تحديداً دقيقاً لصلاحيات وسلطات الولي الفقيه.. وعليه تكون حدود هذه الصلاحيات –بحسب الشهيد الأول المستند إلى نظرية "الحسبة"، وبحسب الأنصاري والحائري- شاملة للأمور التالية:
1. إجراء الحدود والتعزيزات.
2. الإفتاء فيما يحتاج إليه العامي.
3. فصل الخصومات والقضاء بين الناس.
4. ولاية التصرف في الأموال والأنفس.
5. تقدير المصالح والمفاسد.
6. حسم الأمور المتصلة بتعارض المصالح الاجتماعية وصراع القوى.
7. السعي لتوحيد المواقف بين المسلمين.
ويختم الكاتب تحليله لنظرية ولاية الفقيه بالحديث عن كيفية تعيين الولي الفقيه والحاكم الإسلامي وعزله، حيث يتطرق إلى مجموعة نظريات واتجاهات خاصة بهذا الشأن، وهي:
1- نظريات تعيين الولي الفقيه: ويحددها الكاتب في: (نظرية البيعة – نظرية أهل الحل والعقد – نظرية التعيين – نظرية انتخاب الأمة).
2- أسباب العزل: وتتحدد من خلال: (فقدان الولي الفقيه لشروط الأهلية المعتبرة عقلاً وعدالةً وإسلاماً-فقدان شروط الصلاحية العلمية والنفسية والجسدية).
3- طرق العزل: ذكر العلماء طرق عدة لعزل الحاكم الإسلامي من منصبه، ومنها:
· عزل الحاكم لنفسه.
· عزل أهل الحل والعقد للحاكم.
· عزل الأمة للحاكم.
· عزل أهل الخبرة للحاكم. (راجع الكتاب: ص: 202-248).
وفي نهاية كتابه، يعترف المؤلف بصعوبة خوض المجال السياسي من منظور إسلامي، داعياً الخبراء والمفكرين من فقهاء وقانونيين وباحثين سياسيين لإغناء فصول كتابه من خلال العمل الاجتهادي المنفتح على تجارب الإنسان السياسي والإداري، والقانوني.
نتائج وخلاصات:
لا شك أن هناك جهداً مبذولاً واضحاً قام به الكاتب، وهو موضع تقدير واحترام وشكر من دون أدنى شك.. حيث أن مجرد إجراء البحوث والدراسات والدخول إلى عالم الكتب والقراءات النوعية، والقيام بمترتباتها ومقتضياتها هو أمر يحتاج إلى همة عالية ووعي عملي وإرادة حية ودافع نفسي عميق.. وهذه صفات ومزايا لا تتوفر إلا للقلة من الجمهور العام.
ولكن الثناء على نشاط وجهد الكاتب لا يجب أن يحجب عنا سبل النقد، أو يمنعنا من الإشارة إلى بعض ما وقع فيه الكاتب من أخطاء منهجية وفكرية عامة قد تبعده قليلاً أو كثيراً عن صفة الباحث الموضوعي، نسجل منها الآتي:
أولاً- الواضح أن المؤلف ينحاز منذ بداية كتابه إلى فكرة "الدولة الإسلامية". ويتبنى بالمطلق نظرية الحكم والدولة في الإسلام وما يترتب على ذلك من نتائج وأسس ومقومات وآراء وطروحات إسلامية تراثية. وهذه فكرة مسبقة أثّرت – بطبيعة الحال – على مجمل الاستنتاجات والقراءات والخلاصات التي توصل إليها أو قام بها خلال استعراضه وحديثه عن مكونات وبنى الدولة وأشكالها ومدى تحقيقها لمصالح الفرد الدنيوية قبل الأخروية.
والواضح أن الكاتب يحاول مسرعاً الوصول إلى ما يريده من دون أن يتمهل في الحديث التاريخي عن مراحل تطور الفكر السياسي الإسلامي الذي توقف إنتاجه منذ فترة طويلة عند بعض المسميات والرموز والأفكار، ومن دون أن يوضح لنا أسباب ذلك.. فالفكر السياسي الإسلامي عموماً عانى من فترة ركود نسبي لقرون طويلة كان طوالها محروماً من النمو والتقدم، ولم يكن الفقه والفكر الشيعي بأحسن حال من نظيره السني، حيث نجد أن هذا الفكر لم يتطرق مطلقاً إلى موضوع الولاية والإمارة والسياسة بشكل مستقل قبل القرن الثالث عشر الهجري، كما أنه لا يزال يعاني من الضعف على صعيد الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والأحكام المتعلقة بالحقوق العامة ولا سيما الحقوق الأساسية، وأن نظرة الفقهاء إلى القضايا العامة غالباً ما كانت تأتي أو تنطلق من زاوية الأمور الفردية المحضة، وقلما كانت تتطرق إلى المؤسسات الاجتماعية، كما أن قضايا الحكم والدولة غالباً ما كانت تأتي في سياق الحديث عن شروط الحاكم ووظائفه، ومن يجب أن يحكم، وليس عن كيفية نظام الحكم وبناء الدولة بصورة تفصيلية بالعنوان الجزئي أو الكلي. ونحن هنا لا نتحدث عما ورد في نصوص أهل البيت(ع) من أحاديث وروايات ورؤى وأفكار عامة أشارت إلى موضوعة الحكم والقانون والدولة ككل، بل حديثنا ينظر فقط إلى نتاجات الفقهاء والرموز الدينيين ممن اعتلوا سدة الفقاهة والريادة الدينية وحاولوا تقديم رؤى ونظرات دينية بشأن نظرة الإسلام إلى قضايا الحكم والسياسة والإمارة وإشكالية السلطة.
طبعاً حاول كثير من العلماء والباحثين البحث في أسباب جمود الفكر السياسي الشيعي، وقد اختلفت إجاباتهم حول ذلك، وإن كانت تعيد بمعظمها سبب عدم ذلك الجمود إلى طبيعة الفهم السائد لنظرية الإمامة الإلهية ومفهوم الغيبة، والذي أدى إلى رفض التعاطي مع الدولة القائمة، بعد اشتراط العصمة في الإمام واعتبار أي قيام في عصر غيبة الإمام المهدي، نوعاً من الضلالة، وقد لاحظنا أن اقتناع وتبني مفكري وفقهاء الشيعة عموماً منذ ذلك الوقت لنظرية الانتظار (السلبي "الانتظار وعدم العمل"، وليس الإيجابي "الانتظار مع السعي والعمل والبناء") أثر سلباً على نتاجية الفكر السياسي الشيعي، وأدى إلى إحجام الشيعة عن السياسة، وابتعاد رموزهم عملياً عن ساحة الحكم والإدارة الاجتماعية طوال القرون الماضية.
ويمكن أن نسجل هنا موقفين اثنين ظهرا لدى فقهاء الشيعة على صعيد موقفهم من الدولة والحكم ككل، حيث يؤكد الموقف الأول على رفض إقامة الدولة في عصر الغيبة، بينما ينظر الموقف الثاني بإيجابية إلى قضية الدولة، وهذا الموقف هو الذي حسم قضية الحكم وحاول استنباط شكل خاص لنظام الحكم في عصر غيبة الإمام المهدي(عج). وقد أخذ هذا الشكل حالياً صرة جمهورية إسلامية في إيران تتبنى الانتخابات العصرية في كل ما يتعلق بقضايا الحكم والناس والمجتمع.. كما أخذ شكل الديمقراطية التعددية المتصالحة مع الدين في نموذج العراق الحديث بعد زوال حكم صدام حسين، وإن كانت معالمه (معالم شكل الحكم العراقي) لم تتضح بصورة قاطعة ونهائية حتى الآن، بل هي في حال مخاض وولادة مستمرة، وقد تحتاج لسنوات وعقود حتى تثبت وتقوى وتترسخ.
ثانياً– هناك جهد إنساني هائل وخبرة حضارية إنسانية كبيرة وواسعة وشاملة ناتجة عن فضاء ثقافي ومعرفي مختلف عن مجالنا الثقافي الإسلامي، ساهمت في الوصول إلى أفكار ونظريات سياسية لضبط موضوعة السلطة والحكم وحل إشكالية الدولة كظاهرة تاريخية، مر الكاتب عليها مرور الكرام من دون التعمق في تحليلها وإبراز إيجابياتها مع العلم أنها هي التي ساهمت بصورة فعالة في وصول البشرية إلى هذا المستوى المذهل والمتقدم من التطور التقني والسياسي العملي. ففكرة الديمقراطية مثلاً – كآلية لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، مبنية على فكرة العقد الاجتماعي التداولي السلمي – لم تلق لدى الكاتب أدنى عناية جدية بالرغم مما أحدثته في مجتمعات العالم كله من فتوحات سياسية واجتماعية عملية لا يمكن غض النظر عنها حتى لو داخلت تطبيقاتها سلبيات كثيرة فسلبيات وشوائب الديمقراطية خير وأفضل من كل إيجابيات وخيرات الاستبداد، (إذا كانت له أية فائدة أصلاً).. إضافةً إلى أن الكاتب لم يتحدث أو يشر – مجرد إشارة- إلى قيم العقلانية والحداثة الفكرية ومجمل منجزات وإبداعات الحضارة الغربية التي ساهمت مع باقي حضارات العالم – ومنها حضارتنا العربية الإسلامية التي قدمت رموزاً ورواداً وعظماء كبار في شتى مجالات العلم والمعرفة الإنسانية – في تطوير المسيرة الإنسانية. مع أن ذلك يجب أن يكون في صلب التحليل والاستعراض السياسي – الاجتماعي المطلوب خاصةً وأن المؤلف يبحث في نظريات الحكم والدولة بصورة عامة، ويقارن بين طبيعة الحكم الإسلامي والحكم الوضعي. ولذلك كان الأجدر به تقديم قراءة علمية موضوعية موسعة ومعمقة للقانون الوضعي الغربي مع ما أنتجه من تطورات عملية واجتماعية واضحة وشاملة. وأما الاكتفاء بالإشارات السريعة والمجملة إلى وضع عناوين عريضة لمجمل القانون الدستوري الوضعي الغربي، ففي هذا إخلال بمطلب البحث أصلاً، ووقوع للكاتب في مطب الاستنتاج مسبق الصنع الذي بدا واضحاً في تبنيه السافر للرؤية الإسلامية حول إشكالية الحكم والدولة منذ الصفحات الأولى لبحثه.
ثالثاً– عند مناقشة أي طرح أو رؤية أو نظرية من الطبيعي جداً أن تستعرض كافة الآراء والانطباعات الإيجابية والسلبية حولها.. وهذا ما لم يلتزم به الكاتب خلال حديثه عن ولاية الفقيه التي شكلت المفاعيل والمجريات والتحولات السياسية والفكرية والاجتماعية التي أعقبت تطبيقها في إيران منذ عام 1979 وحتى الآن، مدخلاً أساسياً لدى جمهور كبير من المراقبين والمفكرين والنخب المثقفة لإعادة تسليط الضوء على نظرية ولاية الفقيه "القديمة–الجديدة"، التي لا تزال تشكل – كما هو معروف – حجر الأساس في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.
وحالياً تدور النقاشات في مختلف وسائل الإعلام بين نهجين فكريين وسياسيين أستطيع أن أصفهما بالـ "متطرفين"، أحدهما يريد إعادة تثبيت وترسيخ ولاية الفقيه كفكرة عقائدية في الواقع العملي القائم على ما فيه من سلبيات وإحباطات شعبية عارمة، ومن دون السماح لأحد بتوجيه أي نقد أو تطوير أو بحث أو مساءلة، والآخر يريد نسف هذه النظرية الفكرية والفقهية الدينية من جذورها على خلفية عدائه للدين أو ربما جهله وعدم فهمه له، ومن دون أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الظروف والمناخات المعقدة السائدة والمتبنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والآمال الشعبية الواسعة والعملية التي قامت عليها (وأفضت إليها) تلك النظرية بعد مضي حوالي ثلاثة عقود من الزمن على العمل المستمر والمتواصل على تطبيقها في داخل إيران.. بقطع النظر عن صوابية هذه الفكرة وتطبيقاتها أم سلبيتهما.
ومما لا شك فيه أن هذه النظرية قد شكلت في وقتها إنجازاً فكرياً وسياسياً للثورة الإسلامية في إيران – وعلى رأسها الإمام الخميني الراحل – من خلال مساهمتها الفاعلة في إعادة توجيه وضبط وتزخيم مسار القدرات الشعبية الإيرانية، وإخراج مجمل الطاقات الكامنة في المجتمع الإيراني إلى ساحات العمل والفعل والإنتاج.
ومن المعروف للجميع بأن الثورة الإسلامية في إيران قامت على أساس الدعوة إلى التزام الإسلام كرسالة إلهية معنوية تحمل بين طياتها – كما يزعم منظروها وأتباعها- فكراً سياسياً واجتماعياً قادراً – من خلال إمكانياته وطاقاته الذاتية والموضوعية بحسب المدعى – على إيصال البشرية إلى شاطئ وبر الأمان على المستوى الروحي والمادي من خلال إعطاء الحياة الإنسانية بعدها الروحي والمعنوي الهادف إلى إيصال الإنسان إلى كماله الممكن له.
وقد أكد مفكرو الثورة وقادتها الكبار على أن تركيز مفاهيم وأفكار الثورة الإسلامية في إيران على الأهمية الحيوية الكامنة في قدرات الإسلام وإمكانياته الهائلة – بما لها من دور هام وحيوي في صياغة وبناء المجتمع الإسلامي – لم ينطلق من مجرد الادعاء بأن الإسلام أفضل من جميع الحلول المطروحة على الساحة حالياً، وإنما تعداه إلى الميدان العملي من خلال استلهام (تلك الثورة) لروح القرآن الذي اعتبر أنّ الإنسان هو المحور الأساسي في أي مشروع نهضوي، لأنه يختزن في داخله قدرات غير محدودة وطاقات هائلة غير منظورة (بالمعني الروحي والمادي للكلمة) يمكن أن تفسح المجال أمامه، وتتيح له المساهمة الفعالة في تغيير الواقع، والعروج به (بالإنسان) في سلم التكامل الروحي والمادي.
وطالما إنّ الإنسان قد بات – في عرف الثورة الإسلامية – هو القاعدة الأساسية والمفصل الحركي والحيوي الخاص بنهوض المجتمع وبناء أمة مقتدرة وقوية وقادرة، لابد إذاً من وجود فكر ومعرفة اجتهادية جديدة ترسخ مفاهيم ومعايير الفكر النهضوي، وتعمل على تحفيز وإثارة كفاءات وقدرات ومواهب هذا الإنسان، ودفعها باتجاه المشاركة الإرادية الكثيفة والمنتجة في نهضة الأمة، في سياق تحملها لمسؤولياتها التاريخية كاملة. وهنا بالذات تكمن الإضافة النوعية والعملية الهامة التي قدمتها الثورة الإسلامية في إيران للفكر الإسلامي المعاصر.. إنها نظرية "ولاية الفقيه" السياسية التي سبق لعلماء وفقهاء ومفكرين إسلاميين سابقين أن نظروا لها بعد غيبة الإمام المهدي المنتظر (الإمام الثاني عشر الغائب عند الشيعة)، ولكن الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني استكملت طرحها، وعمقت جذورها في وجدان الأمة، ووضحت معالمها، واستطاعت أن تحولها من إطارها الفكري النظري إلى حيز التطبيق والتجربة الواقعية والالتزام العملي.
وعلى الرغم من الأسئلة والإشكاليات والجدل الواسع الذي أثير حول نظرية ولاية الفقيه، وحول مختلف الجوانب والعناصر المكونة لها، والمتفرعة عنها فقد تمكنت – كما يؤكد أتباعها – من الوصول إلى مختلف القواعد والفئات الجماهيرية والتيارات الشعبية الكبيرة في داخل إيران وخارجها بعد أن لامست أحلامهم وهمومهم، ودغدغت كثيراً من رغباتهم الدينية الصادقة في الخلاص الفردي والجمعي، الأمر الذي أهّلها لتكون ضمانةً – نظرية على الأقل – لتحرير إيران من القيود والسكون، وإيقاظها من كبوتها وغفلتها الحضارية التي سيطرت عليها فترة طويلة من الزمن، ودفعها لإعادة إنتاج حيوية وحركية تاريخية ما في القرن العشرين، باتجاه تركيز العمل نحو مواقع الفعل الحضاري. وبالمقابل كان تحرر إيران من الشاهنشاهية، وتحملها لمسؤولياتها التاريخية الإنسانية ضمانةً لتعزيز دور الولاية الحركي في الواقع السياسي والاجتماعي العام في إيران.
إذاً ثمة معادلة متوازنة يمكننا قراءاتها هنا – وهي التي انطلقت عناصرها ومكوناتها الداخلية بقوة في الواقع السياسي والاجتماعي الإسلامي المعاصر – بين تطور الأمة الإيرانية وتحقيقها لنهضتها الإسلامية المستعادة من براثن الاستلحاق والتبعية والانعزال عن المحيط الإسلامي، وبين ولاية الفقيه فيها. فالولاية والأمة ترتبطان الواحدة مع الأخرى. ارتباط الروح بالجسد، ولا انفكاك بينهما ما دامت الحاكمية الإلهية لا تعني وجود السلطان الجائر، أو الملك العضوض، أو الثيوقراطية وادعاء الحق الأهلي المقدس، ومادام تحرك الأمة -قائماً بالعنوان الأولي – على الوعي بالذات الحضارية الإسلامية، ورفض التبعية والاستلاب للآخر، والتماهي في داخله.
بهذا المعني يمكننا التأكيد على أن نظرية ولاية الفقيه هي بالفعل انجاز فكري وسياسي يحسب لإيران وبالذات لآية الله الخميني، لأنها – كفكرة فقهية تاريخية مؤدلجة تم إعادة إنتاجها وتجديدها على يد المرجع الخميني- ساهمت في البداية وبصورة فعالة في إخراج طاقات الذات الإيرانية (على اختلاف انتماءاتها ومشاربها ومذاهبها) إلى الوجود الخارجي العملي، وأعادت العمل بها من جديد من خلال تنظيم رؤية وخطاب معرفي سياسي واجتماعي استطاع – في نهاية القرن العشرين – إقامة دولة إسلامية طموحة تتحرك في الواقع السياسي الإقليمي والدولي ليكون لها دور أساسي وموطأ قدم فاعلة تتناسب مع حجمها الجغرافي والديني والحيوي. وهذا ما ساهم أيضاً في إعادة إحياء الأمل لدى قطاعات واسعة من المسلمين –وبخاصة الإيرانيين، ممن أصابهم اليأس والإحباط، واعتقدوا بأنّ الإسلام هو دين الماضي البعيد- بأن الإسلام هو دين الحاضر والمستقبل، وليس مجرد دين طقوسي (شعائري) جاء لينظم العبادات فقط، ولا علاقة له بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية.
وإذا كانت نظرية ولاية الفقيه قد شكلت في وقتها النظرية الناضجة الأهم (على المستوي العملي) لإعادة بناء قدرات المجتمع الإيراني، والصيغة الأكثر توافقاً وانسجاماً (مع منطق وضرورات الأحداث والوقائع والتاريخ الديني في إيران) بحيث تمكنت من إيجاد مواقع قوية لها في الواقع الإسلامي المعاصر، في طبيعة تحديدها الحاسم لأصول ومرتكزات النظام السياسي الشرعي في عصر غيبة الإمام الثاني عشر، فإنّ ذلك لا يعفي أصحابها والمنظرين لها – في داخل إيران وخارجها – من الوقوف الواعي والنقدي الطويل أمام جملة التساؤلات والإشكاليات المثارة حولها، ومحاولة البحث والتحقيق فيها من جديد، والإجابة الجادة والمسؤولة عنها. حيث أن تطورات العصر والحياة تقتضي البحث عن بدائل للأفكار العقيمة غير المنتجة، وإبداع أفكار وأدوات جديدة تحظى بقبول عامة الناس قبل أن تحظى بقبول نخبة الأمة، لأن الطريق إلى العقل والتطبيق يمر بالقلب أولاً وأخيراً.
وبحسب ما نظن، فإن ولاية الفقيه فكرة دينية تاريخية من جملة أفكار مطروحة ومتداولة، ولا يمكن اعتبارها عقيدة دينية مقدسة، بل هي رؤية ظنية قابلة للطرح والنقاش والحوار بشأنها بين مختلف المفكرين والعلماء، سيما أن هناك مراجع كبار سبق أن رفضوها وامتنعوا عن تأييدها ووجهوا لها النقد الإسلامي العلمي من أمثال العلامة الراحل محمد مهدي شمس الدين والمرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله والمرجع السيد علي السيستاني الذي يؤمن بولاية الأمة على نفسها وليس بولاية الفقيه على الأمة، حيث أنه –في هذه الحالة- تصبح الولاية الدينية للمرجع نوعاً من الاستبداد الفكري والسياسي المؤدي حتماً إلى ممارسة مختلف طرق ووسائل الضغط والقسر والظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تحت زعم حماية الحقيقة والعقيدة المقدسة و"الحفاظ على بيضة الإسلام".
وهذا النوع من الاستبداد الديني أشد خطورة من أي نوع آخر، لأنه استبداد يغلف نفسه بستار الدين والنصوص الدينية المقدسة التي يؤمن بها الناس، وتلهب مشاعرهم، وهنا تكمن الخطورة في أن يتحول الدين إلى مجرد قناع أو غطاء لممارسة شتى ألوان الكذب والنفاق والقسر والإكراه ومن دون وجود أي رادع من أخلاق أو قيم أو قانون.
ثم إن مرحلتنا الراهنة التي نشهد فيها متغيرات وتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وإعلامية كبيرة ذات تعابير وخصوصيات دقيقة ومتنوعة، هي في أشد الحاجة إلى وجود وبناء عملية النقد بطريقة حضارية تتسع للجميع، وفي نفس الوقت هو (أي النقد) بحاجة إلى توعية وترشيد فكري وسلوكي منظم في تكوين ممارسة نقدية فاعلة وقادرة على الاستجابة للتحديات الحضارية الحديثة، من أجل تحسين وضع مجتمعاتنا العربية والإسلامية المتخلفة والمأزومة بين الأمم والحضارات الأخرى، وذلك من خلال البحث عن أسس وخصائص جديدة تطور من مشروعها الإنساني الإسلامي، ومن وعيها الذاتي لأبنيتها الداخلية في علاقتها مع نفسها ومع الآخرين في الاتجاه الواقعي الحضاري الذي يحفظ الذات والمجتمع. فالإنسان هو أساس بناء الدول والحضارات، وهو جوهر وجودها وبقائها التاريخي، كما أنه يشكل رافعة تطورها وازدهارها، وإذا كان الفرد حراً واعياً متطوراً حاصلاً على حقوقه الحياتية والمعيشية والمدنية فإنه لا شك سيساهم في تطوير مجتمعه نحو الأحسن والأفضل والأرقى في كل المواقع، وأما إذا كان هذا "الفرد – المواطن" محبطاً ويائساً ومظلوماً وغير قادر على تلبية احتياحاته البسيطة أو عاجز عن التعبير عن حريته ومشاكله وآرائه بصورة طبيعية تضمنها له الدساتير المدنية الحديثة فإنه – عندئذٍ- سيتحول إلى عقبة كأداء وحجر عثرة حقيقية (ولن نقول كتلة نار) في طريق تطور ونهوض مجتمعه وأمته، كما هو حاصل حالياً في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي أصبح أفرادها للأسف مجرد كتل صماء منفعلة غير قادرة على حشد طاقاتها الهائلة في الواقع المجتمعي العملي في ظل سيطرة عقائد وهمية وأنظمة فكرية عتيقة غير قادرة على استثمار وجوده وطاقاته في طريق البناء والخير والعطاء والمستقبل الزاهر.
لقد أثمرت "ولاية الفقيه" جمهورية إسلامية في إيران سبق أن قدم كثير من مفكريها ورموزها إضافات فكرية مهمة ونوعية للفكر الإسلامي المعاصر أكدت على الاستقلال والسيادة وبناء الذات من خلال إعادة إبراز وتفعيل وتثمير حضور الدين المنفتح والحضاري الإنساني في ساحة الحياة كما تقول فكرة ولاية الفقيه، حيث لاحظنا كيف انطلقت الجموع الشعبية الإيرانية الهادرة لتقف كالبنيان المرصوص مع بعضها في عام 1979م معلنةً للعالم أجمع أن حريات الشعوب فوق كل اعتبار، وأن التحرر والاستقلال هو قاعدة النهوض والبناء.
لكننا نعتقد بالمقابل أنّ تلك الإضافة النوعية الهامة تحتاج على الدوام -مع تغير الأيام والظروف وتحول الأدوار والمواقع (اختلاف الأزمنة والأمكنة)- إلى إصلاح وتجديد وتطوير متواصل يحفظ لها الأصل، ويجدد لها الإطار بما يتناسب مع المستجد المتغير.
من هنا يأتي تأكيدنا الدائم في هذا المجال السياق، على أنّ أي مسعى للخروج من الأزمات العميقة المستديمة والمقيمة منذ أمد التي تعاني منها إيران وباقي مجتمعاتنا العربية والإسلامية عموماً (والتي نعتقد بضرورة انخراط مفكري ومثقفي إيران أكثر في إبداء الرأي النقدي حولها) بما فيها أزمة عدم وجود قاعدة نقدية موضوعية هادفة كبيرة تحظى بتأييد جماهيري واع واسع، أقول: أي مسعى للخروج من المشاكل والأزمات والتحديات القائمة والمستمرة لابد وأن يبدأ بإصلاح واقعنا المعيشي، وقبله نظرتنا إلى السياسة بحد ذاتها. أي أن نعمل على تطوير أدائنا وممارستنا السياسية الجماعية من خلال توفير الأجواء المناسبة لإعطاء فرص المبادرة والمساعدة المشتركة لجميع الناس في المشروع النهضوي الكبير لإعادة الاعتماد على قدرات إنساننا الذي يشكل ركن وقاعدة وهدفية النهوض والبناء.
والنصوص الدينية والحضارية مليئة –كما نعلم جميعاً- بالأفكار والطروحات المهمة التي تحض وتدعو وتؤكد على أن الإنسان هو غاية الوجود، وهو خليفة الله في الأرض، وبالتالي فلا بد من الإنصات إلى مطاليب وآراء وهموم وطموحات وتطلعات هذا الإنسان، والعمل الدائم على إعطائه حقوقه الإنسانية الطبيعية كاملةً، لكي يتمكن من تمثُّل دوره الاستخلافي الحقيقي على الأرض، ويجترح معجزة النهوض والإثمار الحضاري، حيث أنه لا يمكن ولا يعقل أصلاً أن يدعو الله – كما جاء في كل الأديان منذ فجر التاريخ والخليقة وحتى الآن- الإنسان ليكون خليفةً له من دون وجود وسائل وأدوات وأفكار تلبي طموحاته وتستثمر طاقاته وتنمي مواهبه بالصورة الأجمل والأكثر قدرة على الفعل والإنتاج، بعد أن تحرض أجمل ما فيه من قيم ومشاعر وأحاسيس خلاقة ومبدعة.
.. من هنا – وانطلاقاً مما تقدم – يبدو لزاماً على القيادة في إيران القيام بمراجعات نقدية صارمة وشاملة ليس فقط للمسالك العملية والممارسات والسبل التي سلكتها الثورة وأبناؤها، ولكن أيضاً للأفكار والشعارات الثورية ذاتها بعد مرور حوالي ثلاثة عقود على اندلاع الثورة، لأن المراجعة والنقد عنصران أساسيان للنمو والتطور والامتداد وتحقق الآمال والغايات النبيلة، وإلا فإن احتمال تزايد الضغوط الشعبية الداخلية قبل الخارجية (وبالتالي زيادة معاناة المجتمع والناس هناك) كبير نسبياً، وهذا سيؤدي بالنتيجة وبالضرورة إلى تحول شعارات الثورة والجمهورية الإسلامية إلى عبء حقيقي يقض مضاجع الشعب الإيراني.. بحيث أن إيران (كدولة ونظام وحكم إسلامي جمهوري) بدل أن توظف كل طاقاتها في بناء الداخل ومواجهة مشاريع الدول الخارجية – من موقع القوة لا الضعف – تضطر إلى الدخول في مواجهات غير محسوبة النتائج مع شعبها الذي وقف مع الثورة ودافع عنها وناضل طويلاً في سبيل الحفاظ عليها وتجديدها قبل أن يعتريها اليباس وتعلوها علائم الشيخوخة.
إن قوة الثورة – بغض النظر عن شعاراتها وغاياتها – هي في مقدار ما يمتلكه رجالاتها وقادتها من فعالية عقلية تجديدية واستعداد نفسي لتقبل التغيير والتكيف مع مستجدات الواقع وتطورات الحياة والوجود ولزوميات العيش الزماني والمكاني في الحياة.. وبالتالي الاستجابة لحاجات الناس والمجتمع الجديدة المتنوعة والكثيرة (أي التحول من عقلية ومنطق الثورة إلى عقلية ومنطق الحكم والقانون والمؤسسات).. وهنا بالذات تكتسب الثورات (وبخاصة تلك التي تبني ذاتها ووجودها على قيم ومبادئ دينية نبيلة ورفيعة) قوتها ودلالاتها الحقيقية على مستوى العمل والإصلاح وإنجاز الأهداف وتحقيق الطموحات والانفتاح على الحياة والواقع والناس.. أي من خلال تحولها (أي الثورات) إلى نظم للحكم المؤسساتي والإداري المدني المتصالح مع الناس والعصر.. وهذا هو المطلب والامتحان الحقيقي الذي نتمنى أن ينجح فيه قادة ورموز الثورة والدولة في إيران (من إصلاحيين ومحافظين، إسلاميين وعلمانيين وغيرهم).. إنه مطلب العمل على بناء نظام حكم مدني عصري يستقي من الإسلام روحه وفعاليته ومن الحياة قوة حضوره وامتداده وتأثيره، ومن دون حدوث أية فتن أو مشاكل أو اضطرابات داخلية يراهن عليها الكثيرون من هنا وهناك..
وأية حكومة دينية تضع تطبيق القيم الدينية معياراً لوجودها وديمومتها وفعاليتها، فإنه من الطبيعي أن تكون وسائلها إلى تحقيق وتنفيذ تلك القيم والأهداف الدينية (الحرية والعدل والأمانة والصدق والشفافية واحترام إرادة الناس والأمة) شرعية وقانونية وسلمية تستند إلى رضى الناس وقبولهم الطوعي بها.. ولذلك لا يمكننا أن نقبل بوجود حكومة (ذات هوية دينية) تزعم أنها تتبع الأفكار والتعاليم الدينية المتحركة في صلب القيم الآنفة (من عدالة وحرية وتنمية ووو..الخ)، ولكنها تعمل –في الوقت ذاته- على خرق تلك القيم الإسلامية النبيلة، وتتجاوز خطوط وعناوين الحكم الإسلامي الصحيح، وتسحق تلك الشعارات المقدسة زاعمةً أنها بذلك إنما تحافظ على الدين والهوية من الفوضى والضياع، لأن الحكم الإسلامي ليس مجرد شعار يرفع من قبل هذا الحاكم أو ذاك، وإنما هو سلوك عملي وممارسة تطبيقية واضحة خاضعة للقانون ولرضى الناس وموافقتهم وإمضاءهم بالدرجة الأولى.. وبالتالي فإن أي حاكم يتجاوز القانون، ويكم أفواه الناس، ويصادر حريات أفراد المجتمع المشروعة، ويستبد برأيه وأمره، مواجهاً رغبات وآراء الناس، فإنه ليس مؤهلاً للحكم، أو للمحافظة على القيم الدينية.
وأخيرا نكرر ونؤكد على أن نظم الحكم الحقيقية الصالحة للحياة – دينية كانت أم علمانية – لا يمكن أن تكتسب فعاليتها وشرعيتها –بدورها- إلا من خلال ما تمتلكه من قدرات ذاتية وإمكانات موضوعية حقيقية تؤهلها لتحقيق المنجز الحضاري، بعد أن تجعلها قابلة ومستعدة عملية – ومن دون خسائر تذكر – للانسجام مع الواقع والتكيف مع المطالب المتجددة والتحديات المتسارعة الهائلة التي يحفل بها الوجود دون افتقاد للخصائص الحاكمة لهذه النظم وأهدافها وتطلعاتها الكبيرة. وهذا لن يتحقق ما لم يتحرر الناس جميعاً من قبضة الاستبداد السياسي والديني، ليتم العمل على إرساء نظام الجمهورية الإسلامية على قاعدة الشورى والشرعية الشعبية، وذلك عبر فسح المجال الواسع لمناقشة وبحث وتحليل الجذور الرئيسية للفكر الاستبدادي بكل أشكاله وصوره وتلاوينه.
الهوامش: