لما تمّ التطاول على النبي والقرآن([1])
أ. مجيد مجيدي(*)
أشكر الله أن شنف أسماعنا بـ (ترنيمة العصافير) وسط ضجيج من الأصوات النشاز. لا أتحدث عن الواقع الإيجابي لهذا الفيلم في هذا المدة القصيرة على مختلف الفئات وأنواع المخاطبين، ولكنني أقول لأولئك الذين رأوا في هذا الفيلم موضوعاً مكرراً، وأنه لا يحمل رسالة جديدة: «لا أرى حرجاً في التصريح بأن هذا الفيلم كسائر الأفلام التي أخرجتها سابقاً، من قبيل: (أولاد السماء)، و(صبغة الله)، و(المطر والصفصاف)، يدور حول محور الفطرة الإنسانية الطاهرة.
دون الرجوع إلى المعنويات في كافة أنحاء الأرض سيتحوّل الناس إلى ذئاب كاسرة، بل إن الذئاب الكاسرة ستخجل من صنيعهم ووحشيتهم. في الظروف الراهنة التي نشهد فيها ابتعاداً عن الله، ويشهد التاريخ أن كل عمل سيغدو مباحاً، في مثل هذه الظروف أجد أن على الأحرار أن يقلقوا، ومن بينهم الفنانون الأحرار، دون خوف من اتهامهم بالاجترار والتكرار، فلو كان التكرار مذموماً لتوجه هذا الاعتراض أولاً إلى الأنبياء أنفسهم، حيث كرروا على مرّ القرون والعصور كلاماً مكرراً يحمل نفس الرسالة ذات المحتوى الواحد، والذي يتلخص في الرجوع إلى المعنويات.
عندما يُعرض (ترنيمة العصافير) في برلين، ويحظى باستقبال مختلف المشاهدين وأنواع الناقدين، ويتفاعلون ويتحمسون له بشدة، يزداد يقيني بأن الأخلاق والمعنويات هي ما نفتقر إليه في عصرنا، وهذه المسألة لا تخص جغرافية بعينها أو بلداً بعينه.
أُقرّ بأنني مدين في هذا النجاح والاستقبال الكبير إلى الدين الإسلامي، وها نحن على أعتاب ذكرى وفاة النبي الأكرم ‘، فأنا أشعر بأني مدين إلى الرسول، حيث وبعد مضي قرون لا زلت أسمع نداءه وهو يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». أنا مدين لرسول الرحمة الذي أقام دينه على أسس ودعائم الفطرة الإنسانية الطاهرة، فقال: «كل مولود يولد على الفطرة» حتى إذا كان أبواه كافرين أو مشركين، وأنا مدين إلى النبي الذي عاش مظلوماً في عصره، ولا يزال مظلوماً في عصرنا.
فإذا كان النبي في الجاهلية القديمة يتعرض من قبل المجانين إلى القذف بالحجارة، وكسر رباعيته، وشقّ جبهته الشريفة، وإذا كان الملأ من قريش قد قذفوه بأنه شاعر ومجنون، فقد تكرر الأمر في الجاهلية الحديثة أيضاً؛ حيث أخذ الجاهلون يوجِّهون له الإهانات عبر رسوم الكاريكاتور، ويتهمه العلماء من طلاب الدنيا بأنه شاعر ومجنون، وكما في الجاهلية القديمة يعتبرون القرآن أساطير الأولين.
عندما قاطعت (مهرجان الأفلام) في الدانمارك؛ اعتراضاً على هتك حرمة نبي الرحمة، رأى الكثير في هذه المقاطعة دوافع سياسية، حيث بلغ الأمر بهذا العالم أن ينقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وكل ما لم يَرُقْ لأمزجتنا نسبناه إلى دائرة مزعومة.
فلو دافع شخص عن معتقداته دعَوْه تابعاً؛ وإذا آثر الدعة، وترك مقدساته عرضة للهتك والإساءة؛ عدُّوه متحرراً. وهنا أقول وأعلن بأني لم أتخذ تلك الخطوة من موضع الدفاع عن دولة أو حكم؛ فأنا غريب عن السياسة، وبعيد عنها بالمرّة، بل اتّخذتُه كفردٍ مسلم، وفنان ينتمي إلى مذهب أهل البيت ^، ومن هنا أعلن عن عميق استنكاري لما قاله من يصطلح على نفسه مستنيراً، وأشكو إلى الله كل الذين سكتوا أمام هذا الجفاء الكبير.
لو لم نكن مسيَّسين فلماذا تثار كل هذه الضجّة إذا قام بعض صغار المجانين برسم الكاريكاتور، مسيئين لنبينا ‘ من الأجانب، في حين لا يطرف لنا جفن إذا قام واحد ممن ينتمي إلينا بكيل أسوأ التهم إلى نبينا وكتابه العظيم، إلا صوتين خافتين من هنا أو هناك!
لو أننا لم نسكت حينما أنكر هؤلاء المستنيرون في يوم ما عصمة الأئمة وعلمهم بالغيب، وشكّكوا في الثوابت التاريخية، مثل: غدير خم، واستشهاد سيدتنا فاطمة الزهراء ÷، وكتب صاحب هذا القلم المنحرف واصفاً الزيارة الجامعة الكبيرة بأنها من صنع غلاة الشيعة، لما وصل الأمر إلى الإساءة إلى النبي والقرآن، واعتبار النبي شخصاً عامياً حاله حال سائر الناس في العصر الجاهلي، واعتبار القرآن نتاجاً بشرياً…
ليعلم الذي يدعي معرفة المولوي ويقدمه على المعصومين ×، أنه كافر بحكم المولوي نفسه، حيث يقول ما معناه: إن القرآن، وإن كان قد جرى على لسان النبي، ولكنه قول الله، ويكفر من ينكر ذلك، إن القرآن هو نغمة الله التي صدحت بها الأوتار الصوتية لمحمد بن عبد الله.
الهوامش
(*) مخرج إيراني معروف.
([1]) الكلمة التي ألقاها المخرج السينمائي مجيد مجيدي في (مهرجان فجر للأفلام)، بعد استلام جائزة على إخراجه فيلم (ترنيمة العصافير).