قدّم روبرت مارتون أهمَّ تعريف لمفهوم «الوظيفة» عندما قال فيه: «الوظائف عبارة عن أداءات يمكن من خلالها التوفيق في النظام الاجتماعي»([1])، وواضح أنّ هذا التعريف يستبعد أيّة دوافع فردية في هذه الهيكلية الاجتماعية، ويرى عالم الاجتماع مارتون، أنّ لكل مكوّن اجتماعي نوعين من الوظيفة: أحدهما ظاهر([2]) وهو ما يطبّق بقصد مسبق، والآخر مستتر([3]) وهو ما يطبّق دون قصد مسبق([4]).
الوظائف العامّة في المواكب الحسينية ـــــــ
بما أنّ مجالس العزاء الحسيني عند الشيعة هي عبارة عن تجمّعات دينية ومكوّن اجتماعي ذي عراقة تاريخية؛ من هنا كان للقائمين على هذه النشاطات وظائف عديدة، تختلف باختلاف حيثيات تلك المجالس المقامة، ويمكننا تحديد بعض الوظائف المشتركة والعامة بين مختلف أنماطها.
أ ـ الوظائف الظاهرة ـــــــ
1 ـ الإعلام السياسي ـــــــ
ليس جزافاً إذا قلنا: إنّ من أهم معطيات مجالس العزاء منذ تأسّسها ولحدّ الآن هو دورها السياسي، على أنّ ذلك الدور أيضاً لم يكن بمستوى ونمط واحد؛ فتعدّدت أنماطه بتعدّد وتباين مقتضيات الزمان والمكان، فكان الطابع السياسي متناسباً مع الظروف وتقلّباتها، وفقاً لذلك يمكن تقسيم التاريخ السياسي إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى: منذ البداية وحتى عصر الغيبة الكبرى (61 ـ 372هـ ] ـــــــ
نظراً لطبيعة هذه المرحلة التأسيسية يمكن اعتبار دعوة الأئمة^ إلى إقامة مجالس العزاء موقفاً سياسيّاً في قبال محاولات الأمويين والعباسيين في قمع الشيعة والعلويين وتهميش دور أتباع أهل البيت^،فجاءت المجالس لتسدّ الفراغ وتمدّ الجسور كأداة فاعلة بيد الأئمة في توجيه شيعتهم، فهي المنبر الناطق والوسيلة الإعلامية الفاعلة في تلك الأجواء، الموبوءة بالصراع ومناوأة التشيّع.
وكان في اهتمام الأئمة بمحتوى تلك المجالس وتشجيع الشعراء على نظم القصائد الولائية في المديح والرثاء، والتأكيد على بيان ثلاثة محاور هي: ذكر فضائل أهل البيت ومناقبهم، والإعلان عن مظلوميّتهم والعمل على سلب الشرعية من النظام الحاكم، ورواية مصائب الأئمة وحقوقهم المغتصبة.. مؤشرٌ آخر على الصبغة السياسية لمجالس العزاء والمواكب الحسينية، فكان اختيارهم لعنصر تحريك العواطف والأحاسيس اختياراً موفّقاً بوصفه عاملاً مساعداً في تحقيق بعض المرامي السياسية.
يقول الإمام الخميني في هذا الخصوص: «لا تحسبوا أنّ الغاية من اجتماعنا في المجالس الحسينية هي البكاء أو التباكي على الحسين× فقط؛ فلا الإمام بحاجة إلى البكاء، ولا البكاء في حدّ ذاته يجدي في شيء، إنّما في المجالس تجمّعٌ للناس، وهنا يكمن الهدف السياسي منها.. والمعطى السياسي هو أهم معطيات تلك التجمّعات، وهذا ما يفسّر لنا طلب بعض الأئمة من الحاضرين قراءة المجلس ورغبتهم في الاستماع لمصيبة أبي عبد الله الحسين×، كذلك ليس اعتباطاً أن تنصّ رواياتهم على علوّ أجر من بكى أو حتى تباكى على مصابهم ومظلوميّتهم، فالقضية ليست قضية بكاء محض أو تباكي صرف، وإنما هي قضية السياسة بعينها التي أراد الأئمة من خلالها توحيد الأمّة وتحصينها من الزلل»([5]).
إذن، بشكل عام يمكن اعتبار المجالس في هذه المرحلة الملاذَ والكهف الحصين لأتباع أهل البيت^ المناهضين لحكم الدولة الأموية والعباسية؛ وذلك من خلال النشاطات السرّية في مقارعة الظلم من جانب والحفاظ على مبادئ الإسلام العلوي في مقابل الإسلام الأموي من جانب آخر، بالاستفادة من استمالة الأحاسيس الصادقة والعاطفة الدينية. وقد بقيت هذه المجالس على ما هي عليه حتى بُعيد الغيبة الكبرى بقليل، أي حتى فتح بغداد على يد البويهيين.
المرحلـة الثانيـة: مـن فتـح بغداد على يد معزّ الدولة وحتى بدايات حكم رضاخان (334 ـ 1350هـ ] ـــــــ
لقد وصلت قوّة التأثير الكامنة في المجالس الحسينية مبلغاً أطمعت الحكّام في توظيفها بما يصبّ في مصالحهم، وذلك عبر عملية تغييرية ترمي إلى استدراج هذه الأداة وسلبها قوّة المعارضة والتأثير، وتحوّلت ـ إثر ذلك ـ إلى أداة بيد السلطان، الأمر الذي أفقدها إلى حدّ كبير فاعليّتها الثورية.
وقد بدأ هذا النهج الجديد ببداية الحكم البويهي بقيادة معز الدولة عام 334هـ، وهنا استطاع البويهيون ـ بوصفهم أمراء غير عرب من ناحية وشيعة من ناحية أخرى ـ استغلال سخط الشيعة المظلومين، وضعف الدولة العباسية للاستيلاء على مركز الخلافة بغداد، وهذه المرّة الأولى في تاريخ الإسلام التي يقع فيها الحكم بيد قيادة شيعية إيرانية. وكان من أبرز مبادرات هؤلاء الفاتحين الشيعة دعم ما كان ممنوعاً من النشاطات الشيعية، كإحياء مجالس العزاء والاعتراف بها رسمياً، بل حتى وصل بهم الأمر إلى الإجبار عليها أيضاً، وقد اتخذوا في نشر التشيّع أساليب مشابهة لما اعتاد عليه خصومهم العباسيون في نشر السنن، وهي أساليب غير مقبولة من منظار التشيّع الأصيل.
وإذا كان سبّ علي× وأهل بيته على المنابر فريضة ملزمة عند العباسيين، فلقد فرض البويهيون ـ بدلاً عن ذلك ـ سبّ الخلفاء الثلاثة، وكانت أسواق بغداد تغلق أبوابها بحلول ذكرى عاشوراء، وذلك بأمر خاصّ من الأمير البويهي، وتعلن المدينة حداداً عاماً فتكسوها حلّة السواد، يرافق ذلك مواكب عزاء منتشرة في الأزقة والميادين بعدما كانت في السابق تقام سراً وفي الخفاء.
وبديهي أنْ تجد هذه المقرّرات ردود فعل من قبل الممالك السنّية، وهذا ما حصل بسقوط البويهيين وتسلّط السلجوقيين ذوي الاتجاه السنّي، فتزايد الحقد على الشيعة وصبّ الزيت على النار لتتفاقم شدّة الخلاف بين الشيعة والسنّة.
لقد تتابع التوظيف السياسي لمجالس العزاء وفق ما درج عليه البويهيون لفترات متلاحقة، كما على عهد المغول والصفويين والقاجاريين، وحتى عصر رضاخان البهلوي، ومن المفارقات أن يروي لنا التاريخ اهتمام المغول بقضية الحسين× على الرغم من وحشيّتهم وابتعادهم عن الثقافة والحضارة، فانتشرت على عهدهم الحسينيات وأماكن العزاء الرسمي، وإن كانت غايتهم من ذلك مفضوحة لا تحتاج إلى كثير من الاستدلال؛ فليس ثمّة ما يؤرّق بال هؤلاء الأجلاف أكثر من مسألة الحكم واستمرار سطوتهم على الرقاب، وهم لا يتردّدون في توظيف أيّ وسيلة تساهم في تحقيق هذا الهدف الأوحد، وليس هناك أنسب من موضوع الحسين× وإقامة العزاء عليه في تخدير الغليان الشيعي والسيطرة على ما هو وشيك من الثورة، إذاً فلا فرق عند المغول في نوعية المذهب سواء كان شيعياً أو سنّياً، المهم عندهم أن يكون الشعب منشغلاً بأموره ومتقوقعاً داخلها دون التدخّل في قضايا الحكم والسياسة، وهنا ظهرت البوادر للاتجاه الفردي في الدّين وتفكيكه عن السياسة.
ثمّة موضوع بارز حظي باهتمام الحكّام وبدأ يطبّق شيئاً فشيئاً في كل عصر، وهو التخطيط لمواجهة المعارضة الشيعية المطالبة بإقامة العدل، والملهمة ـ دون شك ـ من وحي كربلاء، فعمد أولئك الحكام إلى التلاعب والتحريف في هذا المصدر الثريّ من الداخل؛ لأنّ الحقيقة فرضت نفسها في فشل المواجهة الخارجية بسبل القمع والترهيب فلم تنتج إلا عنفاً أكثر قسوةً ومواجهة مستمرّة، وهذا ما أثبتته التجربة على أرض الواقع. لكن ما السبيل إلى هذه الآلية في التغيير؟ وكيف النفوذ إليها من خلال مفردات متأصّلة لدى الواقع الشيعي؟ هل من خلال مجالس العزاء؟ وكيف؟ إذاً كلّ ذلك يتحقّق في تعمية الطريق إلى هذا المصدر المقارع للظلم بشتى أنواعه، وبث التحريف بين طيّاته بشكل تدريجي يُسهم في تحريف الغاية الحقيقية له.
كيـف حـوّل الصفـويّون الصـراع الصفـوي العثمـاني إلى صراع شيعي ـ سنّي؟! ـــــــ
وهذا يعني أنه لطالما أفاد الملوك والحكام الإيرانيون من روح الحماسة الكامنة في نفوس الشيعة، إلا أنّهم حوّلوا وجهة هذا المؤشر من مقارعة الظالم الداخلي إلى الظالم الخارجي، وكان هذا التوجيه يتمّ أيضاً بما هو متعارف عليه من الوسائل لدى الطرف الشيعي؛ ولهذا نقرأ في التاريخ ـ مثلاً ـ أنّ الإيرانيين كانوا يقيمون مجالس العزاء ومعركة (جالداران) تطحن في رحاها، بمعنى نجاح الحكّام الصفويين في منح صراعاتهم مع الآخرين صبغة دينية لتتحوّل بذلك العناوين من صراع صفوي ـ عثماني، وصفوي ـ أوزبكي، إلى شيعي ـ سني أو صراع الإسلام مع الكفر([6])، وكأنّ شيعة ذلك الزمان لا ترى ظلم الصفويين أنفسهم أو أنهم لا يسمحون برؤيته والكشف عنه، بينما يوظّف مبدأ الاعتزاز بالمعتقد والتحمّس له في جانب آخر هو الوقوف بوجه الأطماع العثمانية والأوزبكية، أي مواجهة الظلم الخارجي فحسب. وهذا ما يشبه أيضاً تبديل عنوان الصراع البويهي ـ العباسي، والإيراني ـ العربي (الشعوبية) إلى حرب بين الشيعة والسنّة، وهذا ما عبّر عنه الدكتور علي شريعتي بـ«السحر الأسود»، ناسباً ابتكاره للصفويين([7])؛ حيث يقول: لكن الصفويين كانوا بحاجة إلى عنصر مثير للنفوس يحرّك فيها الدافع المذهبي؛ لأنهم وسائر الأنظمة الأخرى لا تقتصر حاجاتهم من المعتقد على التوجيه وتقديس نظام الحكم، وإنما يسعون كي يخلقوا منه قوّةً ضاربة بوجه العدو الأجنبي ومجابهة المدّ السنّي؛ ولهذا عمدوا إلى تحجيم التشيّع في شكله العلوي الأول واستبدال الاعتدال الشيعي بالتطرّف والعزف على الوتر الحساس والمتشنّج.. إنّ ما أبدعت فيه الدولة الصفوية هو السيطرة على شيعة الدم والشهادة والثورات من خلال واجهة إعلامية حملت اسم الحسين×، وحركة نهضوية باسم الإمام علي×، وبذلك امتصّت ثورة الشيعة وألجمت بشهرٍ أو شهرين من السنة، هما: محرم وصفر؛ ليظلّ المجتمع يلهج بعاشوراء حتى نهاية ذلك العام.. جاء هذا السحر الأسود بغرض تثبيت النظام الاجتماعي على أسس ثورية، وتلبيس نظام القوّة والبطش والاستبداد السياسي والاستثمار الطبقي بعناوين الإمامة والعدالة، واستبدال ماهية التشيّع الحمراء ـ التي عرف بها منذ زمن الإمام علي× وحتى زمن المهدي المنتظر ـ بالسوداء، وهي عباءة الموت التي ارتداها الصفويون. وأخيراً من أجل أن يخلقوا من الولاية رصيداً وقدسية داعمة للخلافة وأداة بيد الخليفة، اتخذوا من عاشوراء مادّةً تخدّر الإيرانيين وتحرّكهم ضدّ العثمانيين([8]).
التصوّف الشيعي وإفراغ المضمون الحركي لعاشوراء ـــــــ
المحاولة الأخرى على هذا الصعيد، كانت تفريغ محتوى أدبيات عاشوراء وسلب الاجتماع الشيعي مضمون وروح الحماسة والنضال؛ وذلك من خلال دسّ الروايات والتفاسير السطحية غير الحماسية عن حادثة عاشوراء؛ فمنذ زمن المغول أخذت واقعة كربلاء تبتعد ـ شيئاً فشيئاً ـ عن طابعها الثوري نظراً لوجود بعض العوامل المساعدة على ذلك, منها تدخّل الحكومات وانتشار المتصوّفة فاستبدل واقع هذه الحادثة بانطباعات معنوية وعرفانية، ويمكن الاستدلال على حضور هذا الاتجاه الجديد بقوّة من خلال انتشار كتابي: روضة الشهداء، للواعظ الكاشفي، (وتركيب بند/الأرجوزة) لمحتشم الكاشاني، وما حظي به هذان الكتابان من استقبال منقطع النظير([9])، ومن سخريات الأقدار أن يكون كلا المؤلّفين من رؤساء المتصوّفة البارزين في عصرهم، ومن الطبيعي أن يقدّما وجهات نظرهما عن عاشوراء بما يتناسب ومذهبهما؛ أي انطلاقاً من المقولة التي تقول: البلاء للولاء.
يقول رسول جعفريان في تحليل رؤية كتاب روضة الشهداء الصوفية لواقعة عاشوراء: من لوازم الفكر الصوفي أن يقدّم المحلل الصوفي فكرته وانطباعه عن الحوادث بتجريدها عن جدّية السياسة، ويطبعها بما هو فوق الطبيعة، فعنده أنّ لكلّ حادث تأثيرات معنوية خاصة به.. يتشدّد المتصوّف حيال الدنيا لينال مقابل ذلك درجات رفيعة من المعنى والمثالية؛ فقد محص الله الأنبياء والأولياء بأشدّ أنواع البلاء كيما تزداد عزتهم ومنزلتهم. والتاريخ الديني مليء بحوادث الأنبياء والأولياء ومعاناتهم.. ولهذا لا نرى عبارة واحدة في كتاب: روضة الشهداء، تذكر حقيقة ثورة كربلاء أو ما انطوت عليه من أهداف سياسية. أما عن شهداء كربلاء فالحديث مقتصر على بيان منزلتهم الدنيوية واستعاضتها بما هو أعلى بانتقالهم إلى الدار الآخرة. إذاً، فهل من مبرّر لبقائهم في الدنيا؟! وبالنسبة للموالين للإمام فإنّ أفضل ما بين أيديهم هو البكاء طريقاً للخلاص والنجاة([10]).
ويقدّم هنري لطيف بور ـ أيضاً ـ تحليلاً لنظرة كتاب (تركيب بند) العرفانية فيقول: لقد بلغ نمط الانطباع عن عاشوراء مبلغاً أشرك حتى الملائكة في الحزن على فداحة ذلك المصاب، بهذا تحوّل الإمام الحسين× من مظهر للحرية والعزة إلى نائب للشفاعة في تخليص الأمّة من ذنوبها يوم الحشر أمام الحقّ تعالى، كذلك تحوّل الماء والعطش إلى محور أساس في قراءة كربلاء.. لقد استبدلت هذه النظرة في خطابها لمظلومية الحسين× وأهل بيته بشيء آخر حلّ محلّ يزيد وأعوانه، وتوجهت بالملامة والتذمر من رموز أخرى وهمية كالدهر والفلك و..
جاء في أرجوزة محتشم الكاشاني:
لم تكن قبل هذا الوقت من خطيئة
ولم يجر على أحد ما جرى
فيا دهر أفّ لك وأنت تجهل حجم الفاجعة
وما أسّستَ له من ظلم وبغضاء على المدى ([11])
وتكتمل الرواية إذا عرفنا أنّ الكتابين ألّفا بأمر من الملوك، ولابد أن تكون آلية إصدارهما بما يصبّ في مصالح السلطان، فقاد الأمر إلى تقديم هذه القراءة المتشائمة القدرية، والنتيجة تخدير عامة الشيعة وتجريد مجالس أهل البيت من محتواها؛ فصدرت (روضة الشهداء) بأمر مرشد الدولة عبد الله، وهو من ولاة السلطان حسين المعروفين، بينما نظمت أرجوزة (تركيب بند) بطلب من الملك طهماسب الصفوي([12]).
وفي زمن القاجاريين أيضاً، كانت هناك نماذج مشابهة لهذا النمط من التوظيف والاستغلال بصور متعدّدة، وقد حدّثنا عن ذلك عبد الله المستوفي حينما قال: «لقد أسّست المواكب واستغلّت للتطبيل باسم الوزير، بل اتخذت وسيلةً من وسائل نيل السلطة أيضاً»([13])، وقد أفرز اهتمام ملوك القاجار بمراسم التشابيه ـ باستثناء الجانب الفني ـ نتائج سلبية، منها تهميش مضامين روايات كربلاء واستغفال عامّة الشيعة وتخديرهم، وهنا يكمن تقييمها الحقيقي.
نعم، لابد أن نستثني من هذا السياق بعض الفواصل التاريخية من قبيل ثورة التنباك والحركة الدستورية، التي تمكّن فيها العلماء من بسط مقترحاتهم ونشر العقائد الشيعية عبر قنوات مجالس العزاء السياسية، ومن شواهد هذا الجانب الإيجابي في دور مجالس العزاء السياسي إبّان عصر الحركة الدستورية، ما أعقب حادثة مقتل أحد طلبة العلم السيد عبد الحميد على يد جلاوزة السلطة من ردود فعل صاخبة، كذلك فيما يتعلّق بمسألة اعتقال الشيخ محمد واعظ من قبل عين الدولة([14]).
وإليك ملابسات مقتل عبد الحميد برواية أحمد كسروي: في هذا اليوم ـ وعلى الرغم من نداءات الدولة ـ أقفلت المحالّ أبوابها، باستثناء المخابز والحاجات الضرورية وملأت الجموع المعزية باحات الجوامع والمقامات، واستغرقت مراسم التأبين أكثر من نصف نهار، ارتقى خلالها الخطباء منابرهم معرّضين بعين الدولة وأعماله الدنيئة، في السياق ذاته عمد البزازون إلى صنع قميص ملطّخ بالدماء وشدّوه على العيدان بيرقاً، وسارت خلفه المظاهرات الصاخبة في طريق العودة من المأتم، وهكذا التحمت الجموع الغفيرة على شكل مواكب العزاء آنذاك والصيحات ترتفع: محمد يا محمد، أدركنا يا محمد، وطافت الجماهير في باحات الجوامع لمرات عديدة، ثم توجّهوا إلى سوق المدينة، ثم طافوا بمسجد الشاه ومسجد آدينه، ومن ثم عادوا إلى مقرّهم الأول.. ولأنّ القتيل من السادة الأشراف كان هذا دافعاً لإقامة مجلس العزاء على قتلى كربلاء أيضاً([15]).
وكتب ناظم الإسلام الكرماني في هذا الخصوص: شهد يوم الجمعة من جمادى الأولى عام 1324 إغلاقاً عاماً لجميع الأسواق، وتحشد الدركيّون في الأزقة والميادين، بينما أودعت الجماهير نعش السيد عبد الحميد في المسجد، ليقيموا مجلسهم التأبيني ويرتدوا لباس الظلامة الأسود. في هذه الأثناء أجرى عين الدولة تغييراً في صفوف جنوده المنتشرين في المدينة لضبط الأوضاع فيها.. في حين رفع الطلاب والسادة الأشراف قميص السيد عبد الحميد المغطّى بالدماء بيرقاً ومن حولهم الجماهير تلطم على الوجوه والصدور، هكذا سارت الجماهير المعزية يتقدّمها الخطيب السيد ذبيح الله ـ وهو من السادة الأجلاء ـ وهو ينادي بالظليمة: يا صاحب الزمان، الأمان الأمان، وموكب السادة والطلاب يردّد خلفه. أما موكب عامة الناس والكسبة فكان يردّد: يا محمد! استبيحت أمّتك، وهم يحملون عمامة السيد المقتول، وكان الأطفال أيضاً ـ من السادة وغيرهم ـ يسيرون أمام هذه المواكب المعزية.
ونظراً لتزايد الأعداد الغفيرة وحرارة الجوّ تحت سقف المسجد، قرّرت الجموع التوجّه ـ وكما في اليوم الماضي ـ إلى الخارج والتجوال في الأزقة والأسواق في مواكب من الحزن والنحيب.. واستجابة للدعوات المتعالية قرّروا إخراج العلم من المسجد لتسير الجماهير خلفه، فسار الناس وهم يلطمون على رؤوسهم يتقدّمهم كبار السنّ من العلماء والسادة الأشراف بعمائمهم السوداء والخضراء وهم يرفعون المصاحف عالياً.. دون أن يعيروا بالاً لحالة الطوارئ المفروضة من قبل السلطة.. فما كان من الجنود إلا أن اعترضوا طريق المعزين ومنعوهم من مواصلة المشوار.. وكان الجنود قد أمروا بإطلاق النار إن لزم ذلك.. لهذا كثيراً ما كانوا يطلقون عياراتهم صوب سقف السوق.. وأحياناً نحو الجماهير؛ فأصيب بعضهم وحمل أحدهم إلى المسجد الجامع ونصبت حوله المناحة هناك والصيحات ترتفع: يا محمد! يا علي! يا حسن! يا حسين!([16]).
مع هذا كلّه، كان ملوك القاجار يحرصون ـ لآخر لحظة ـ على إجراء حيلهم كي لا تُكشف حقيقتهم لدى عامّة الناس في تحريف بعض معتقدات الشيعة والتلاعب بها. وتلك حيلة أغفلها خلفهم القوقازي رضاشاه البهلوي بقصد أو بغير قصد، وكانت النتيجة الكشف عن سرّ دام قرناً من الزمن. وبعد أقلّ من عقدين جاء دور هذا القائد العسكري؛ فاستعان بتظاهره بالشعائر الدينية ـ لاسيما مراسم العزاء الحسيني والمواكب ـ في استغفال العوام وبعض رجال الدين؛ ليصل عن هذا الطريق إلى سدّة الحكم، وبمجرّد تسلّمه السلطة أصدر أمره بحظر إقامة مجالس العزاء نفسها وسائر الشعائر الدينية الأخرى، وبعمله هذا كان قد خلق أرضيةً مناسبة لسقوطه دون أن يشعر.
وهكذا انفصلت الشعائر الشيعية المذكورة ـ بعد قرن من الزمن ـ عن السلطة وعادت إلى الشعب.
المـرحلة الثـالثة: مـن عهـد البهـلوي الأول وحتـى انتصار الثورة الإسلامية (1350 ـ 1400هـ ] ـــــــ
لعلّه يمكن مقارنة تاريخ المواكب الدينية في هذه المرحلة في بعض جوانبها بالمرحلة الأولى، فعلى الرغم من اختلافها النوعي عما كانت عليه في زمن الأئمة^ إلا أنهما يشتركان بوصفهما من الأمور الممنوعة حكومياً وضرورة الحفاظ على سرّيتها التامة وإقامتها في الخفاء. وكذلك من ناحية موقفهما الرافض لأداء السلطة والمنتقد لتصرّفات النظام الحاكم، لاسيما مع انطلاق أوّل شرارة للثورة الإسلامية في مطلع الأربعينيات من هذا القرن، وبفكر المتنوّرين والعلماء الواعين ـ وفي طليعتهم الإمام الخميني ـ استعادت هيئات العزاء مكانتها الحقيقية، وعادت شيئاً فشيئاً إلى يد الشباب الثوري. وبهذا استعادت التجمّعات حياتها ونضالها في مقارعة الظلم وإقامة العدل، مع العمل على الإصلاح ـ إلى حدّ كبير ـ في التحريفات الطارئة على مضامينها، وعلاوة على مقارعتها للظلم الداخلي (الاستبداد البهلوي)، باتت أيضاً تهتمّ بمواجهة الظلم الخارجي المتمثل بـالاستكبار العالمي والصهيونية.
لقد شكّل جيل الشباب آنذاك ـ بتأثر من حركة الإمام الخميني وأفكار بعض الكتاب أمثال الدكتور شريعتي والأستاذ مطهري ـ النواة الأولى لهذه الحركة السياسية ـ الدينية، وقد اتسعت رقعتها حتى تحوّلت إلى جناح مستقلّ داخل الهيئات الدينية، فكانت تشترك في الاجتماعات الدينية كممثل عن اتجاهها وبعدها الفكري. وقد أطلق عليها: الهيئات الثورية، في مقابل: الهيئات التقليدية، التي بدأت فعاليتها خلال الأجواء المشحونة في المرحلة الثانية من عمر الهيئات والمواكب الحسينية، وكان يعبّر عنهما أحياناً بوصفهما نوعين من الإسلام: الإسلام المتحجّر والإسلام المتنامي، أو من خلال قراءة التشيّع بوجهين: التشيع الأسود والتشيع الأحمر، أو التشيع الصفوي والتشيع العلوي، بالطبع كانت الغلبة من نصيب الهيئات الثورية، الأمر الذي نتج عنه إحياء قدرة هذه المجالس المغيّبة ودورها المنسي، بحيث بات من الصعب إنكار دور الهيئات ونشاطاتها الدينية في إنجاح الثورة الإسلامية، وهذا كلّه مدين أيضاً ـ إلى حدّ كبير ـ لنجاحات الإمام الخميني وأتباعه من العلماء في تقديم أطروحة عملية عن ثورة عاشوراء في انتفاضة الشعب الإيراني.
المرحـلة الرابعة: عصر الثورة الإسلامية (1400هـ.: هل تخضع المواكب الإسلامية للدولة الإسلامية أم نتركها حرّةً عامة؟ ـــــــ
لا شك أنّ انتصار الثورة الإسلامية يمثل منعطفاً حسّاساً في تاريخ مجالس العزاء والمواكب الحسينية في إيران على مختلف الأصعدة، فقد تميّزت في هذه المرحلة بتطوّر كمّي ونوعي منقطع النظير مع تنوع في الأداء والآلية. على أنّ لهذه المرحلة أيضاً نقاط اشتراك مع المرحلة الأولى والثالثة من جهة، والمرحلة الثانية من جهة أخرى؛ حيث تلتقي مع الأولى والثالثة في الحضور الواسع لأدبيات الحماسة ومحاربة الظلم، ومع الثانية من ناحية اتصال تلك الهيئات ـ المباشر وغير المباشر مادياً ومعنوياً ـ بنظام الحكم ومحاولتها للدفاع عن مبادئه وقيمه بما أوتيت من قوّة.
وقد تباينت الآراء والنظريات في حينها حول مسألة اتصال الهيئات الدينية بالسلطة الإسلامية الجديدة؛ فرأت جماعة التقليديين ـ القائلة بعزل مقولات الدين عن السياسة ـ أنّ أيّ اتصال للمجالس والهيئات بنظام الحكم سيجرّدها عن طابعها الشعبي المستقلّ ويجرّها إلى الانصياع وراء ما تُمليه مقررات الدولة وأهواؤها، وهو أمر مرفوض، سواء كان نظام الحكم إسلامياً أو ما يشابه حكم ناصر الدين شاه القاجاري.
في مقابل ذلك، كانت جماعة الثوريين على عقيدة راسخة في امتناع مقارنة الحكومة الإسلامية بسلالات الحكم الملكي الظالم، معتبرين انتصار الثورة الإسلامية نتيجةً لنضالات الشيعة على مرّ التاريخ في شتى المجالات، ومنها ما كان في إطار مجالس العزاء الحسيني؛ وعليه يتعيّن لتلك المجالس أن تبذل قصارى جهدها للحفاظ على كيان هذا النظام ومبادئه الأصيلة، ولابد لها أن تبقى وسائل فاعلة في الدفاع عنه، أي أن يصدق عليها عنوان الهيئات الثورية بما لهذه التسمية من معنى.
وهناك نظرية ثالثة ترى أنّ انصهار الثورة الإسلاميّة في قالب النظام الحالي (الجمهورية الإسلامية) هو بمثابة مشروع غير تام الأبعاد، وليس لأحد أن يدّعي مثالية نظامه السياسي وجدارته المطلقة في تمثيل التشيّع الأصيل بتمام جوانبه؛ لذا يحتمل تعرّضه لبعض الإخفاقات في مسيرته الطويلة، وعليه لا يمكن ربط مصير الهيئات الدينية بمصير الدولة؛ وإنّما لابد من العمل على تقويتها ومنحها استقلاليةً تليق بهذه المراكز الاجتماعية ـ الدينية، إلى جانب توفير أرضية ثقافية تنمّي القراءات الصائبة عن الإسلام الحقيقي والتشيّع الأصيل، ويتعيّن جعل تلك الهيئات محكّاً لأداء الثورة في مواصلة طريقها نحو تحقيق الكمال، وبديهي أن يلتقي الاثنان بالرؤى والأفكار طالما بقيت الثورة محافظةً على مبادئ التشيّع الحقيقي، وهنا تتّحد مصالح الجانبين لا محالة، أما إذا انحرف النظام الإسلامي عن المسير المرسوم له، فإنّ الهيئات ستكون بمنأى عن ذلك الانحراف. ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ مراعاة مصالح الثورة الإسلامية وأهدافها شيء، والدفاع عن المبادئ الحزبية والفئوية شيء آخر.
ولا ننسى أنّه كما كان هناك تلاعب وتحريف في بعض الروايات غير السياسية عن عاشوراء، كذلك ظهر التحريف والتأويل في تحليل هذه الحركة؛ فجرى مفعول التحريف أيضاً على الجانب السياسي منها([17]).
2 ـ صناعة القدوة وفعل الاقتداء ـــــــ
تستعرض الاجتماعات الدينية بشكل عام ومجالس العزاء بشكل خاص جوانب من حياة أئمة الشيعة ـ من مناقب ومصائب ـ بأكثر من طريق، من قبيل مجالس الرثاء وإنشاء القصائد الولائية وإجراء التشابيه والمسرحيات الاستعراضية، ومن الطبيعي أن تكون هذه السيرة أنموذجاً يقتدي به الشيعي؛ فعلاوة على ما جاء في النصوص الدينية من الدعوة للاقتداء والتأسّي بالنبي’ وأهل بيته^ هناك عامل آخر هو نوعية العلاقة بأهل البيت والقائمة على أسس المودّة والتأثر بسجاياهم الحميدة، ومن الطبيعي أن يسعى المحبّ في التقرّب إلى محبوبه، وغالباً ما يتحقّق ذلك بالسير على نهجه والاقتداء بأعماله.
من هنا، نجد أنّ المجالس الدينية قد أسهمت إسهاماً كبيراً في نقل الصورة العاكسة عن حياة أهل البيت^، سواء بالأساليب البيانية أو القصص الموثقة أو بإجراء الاستعراضات المباشرة بما يتناسب وفهم المخاطبين من أتباع بيت النبوّة.
ويمكننا ملاحظة وظيفة الاقتداء في المجالس والهيئات الدينية من جهتين: الفردية والاجتماعية؛ فالفردية تعود إلى اقتداء الأفراد الحاضرين في تلك المجالس بسيرة أهل البيت^ الفردية في معاملاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين في البيت والمجتمع، وهذا متّصل ـ بطبيعة الحال ـ بمقولة الأخلاق الفردية، ويصدق الجانب الاجتماعي على اقتداء الجماعات والتكتلات بسيرة أهل البيت الجماعية، من قبيل الدعوة إلى مقارعة الظالمين وإحقاق الحقّ والعدالة الشاملة بالثورة على السلطان الجائر؛ لذا لابدّ من إطلاق شعار: كلّ يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، واستنساخ المناضلين والقادة لبعض جوانب ثورة الحسين في حركاتهم كمصاديق تصبّ في هذا الاتجاه، من قبيل مقارنة الإمام الخميني للثورة الإسلامية بحادثة عاشوراء.
وللخميني خطابٌ بيّن خلاله آلية الاقتداء بعاشوراء ومعطياتها: «إنّ كلمة: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، لشعار عظيم أخطؤوا فهمه؛ فتصوّروا معناه في استمرارية البكاء، وهو ـ بالتأكيد ـ خلاف مضمون نصّه, فماذا صنعت كربلاء؟ وما دور أرضها في يوم عاشوراء لكي يتحتّم على سائر البقاع أن تقتدي بها؟ إنّ معنى كربلاء يكمن في تلك الأرض التي سار إليها مجموعة من الأفراد ليقفوا بوجه يزيد ودولته الطاغية؛ إنهم جابهوا امبراطور زمانهم وضحّوا واستشهدوا دون أن يخضعوا للظلم، وبذلك انتصروا على يزيد؛ فعلى الأماكن الأخرى أن تكون بهذا المستوى، وعلى الأيام أيضاً أن يكنّ بمستوى مجد ذلك اليوم. وعلى شعبنا أن يتصوّر كل يوم كيوم عاشوراء؛ فلابدّ لنا من الوقوف بوجه الظلم، وهذه كربلاء هنا ولابد من إحياء دورها؛ فهي لا تحدّ بجغرافيا أو تاريخ، وليس دورها مقتصراً على عناصر محدّدة لا يتجاوز عددهم السبعين شخصاً، بل ذلك كلّه حاضرٌ في كل مكان وزمان»([18]).
إن بإمكان الأنموذج المثالي في التوفيق بين كلا الجهتين أن يقدّم لنا مجتمعاً شيعياً خلاقاً وثورياً بوعي متكامل، يمثل أفراده طبقةً واسعة من العصاميّين الثوار، هذا في النظرية، أمّا على صعيد التطبيق فيكاد لا يوجد مصداق إلا من باب التسامح والمجاز فيما يتعلّق بالمجتمع الطليعي للثورة الإسلامية وإبان الحرب المفروضة. والسبب يعود إلى اختلال الموازنة بين الجهتين المذكورتين آنفاً، الأمر الذي يعتبر تركةً من تركات الأنظمة والحكومات السابقة، وآلية تعاملها مع مجالس العزاء الحسيني. فلو أمعنّا النظر في المراحل الأربع المتقدّمة لوجدنا طغيان السمة الاجتماعية على المرحلة الأولى والثالثة وبعض جوانب الرابعة أيضاً، تلبيةً لمتطلبات المرحلة وحاجة المجتمع الثوري آنذاك للروح الجهادية والطابع الحماسي، بينما كان الطابع الفردي هو المهيمن على المرحلة الثانية والرابعة تلبيةً لضرورات الدولة الملحّة في الحفاظ على النظام الحاكم والسيطرة على الحركات المتمرّدة، الأمر الذي نتج عنه شيوع الموضوعات والنزعات العرفانية وكذلك الأخلاق الفردية.
3 ـ ترسيخ الاعتقادات ـــــــ
اتخذت المجالس والمواكب من منابر الخطابة والوعظ وسيلةً لنشر الأحكام الشرعية وترسيخ المعتقدات الدينية في وعي مخاطبيها، فاستمرار هذه المجالس استذكارٌ دائمٌ للبحوث العقدية، وأرضية مناسبة لنشر تلك المفاهيم بين عامّة الناس.
ب ـ الوظائف المستترة ـــــــ
1 ـ خلق روح التوافق والالتحام ـــــــ
إنّ اجتماع مجموعة من الناس واتحادهم في عملٍ ما بدافع العقيدة سيولّد ـ لا محالة ـ وشائج وثيقة بين الأفراد ويعزز العلاقات الاجتماعية بينهم، سيما وأنّ العامل المشترك بين الجميع هو عمل عبادي يبغى من ورائه نيل الثواب، وهذا ما ينطبق تماماً على مجالس العزاء ونشاط المواكب الحسينية.
2 ـ تدعيم النظم الأخلاقيّة ـــــــ
إنّ الغاية من المجالس والمواكب غايةٌ دينية تدخل في المعتقد والقدسية، وهي مصداق بارز لمفهومي: التولّي والتبري، وهما من فروع الدين الواجبة، وإذا تقدّست الغاية تقدّست وسيلتها بالتبع، أي أن تلك المجالس تتميز عن سائر اللقاءات والاجتماعات الأخرى بأنّ لها مكانةً وحرمة في النفوس، وتشمل هذه المنزلة أيضاً زمان إقامة المجلس ومكانه على حدّ سواء، الأمر الذي يستدعي الالتزام بجملة من القواعد السلوكية أثناء المجلس وفي محلّ إقامته، ومسلّمٌ أنّ نظام الأخلاق الدينية أحدُ مصادر تلك الأصول والقواعد.
ويتناسب الالتزام بهذه الضوابط طردياً مع مستوى حضور الفرد في المجالس والمواكب، وهنا تكمن قناة اتصاله بالقداسة، ومصدر اعتماده وثقته، فكلّما ازداد الحضور ازداد التأثر بتلك القدسية وتضاعفت الثقة بها، وهنا يكتسب الفرد هويته الجديدة فيلقب بالحسيني، وهي هويّة قد تمنح صاحبها صبغةً قدسية مستوحاة من مصدرها الرئيس: الموكب؛ لذا ستكون له منزلة وقدسية كما أنّ لمكان المواكب وزمانها قدسية خاصة بها، لا تسمح بانتهاكها، ولعلّ للعلاقات الاجتماعية ومحيط المواكب الداخلي دورٌ فعّال في تثبيت هذه الأمور؛ من قبيل تطلّعات المجتمع للفرد الحسيني ـ سواء كان شيباً أو شباباً، وسواء كان راثياً أو خطيباً… وحتى مموّل المجلس أو المواكب ـ وطبيعة نظرته له، وكذلك إعداد الفرد الذاتي في تحقيق تلك التطلّعات والثقة الممنوحة له من قبل المجتمع.
ويمكن ملاحظة دور الهيئات والمواكب في تثبيت النظم الأخلاقية في المجتمع، من خلال ما حظيت به من منزلة ومكانة فيه ـ لاسيما في السابق ـ ونوع اتصالها بالأوساط الاجتماعية، كحضورها المؤثر في أسواق المدينة وبين التجار والكسبة.
3 ـ تثبيت مبادئ المجتمع ومصدرها ـــــــ
انطلاقاً ممّا تقدّم من التفكيك بين الضوابط الدينية ومرآة المتديّنين في ذلك، على اعتبار أن تلك المرآة عبارة عن مقولة اجتماعية تتأثر بحسب العوامل المحيطية، انطلاقاً من ذلك يمكن فرض وظيفة مستترة أخرى للمواكب والهيئات الدينية هي: ثبات مبادئ المجتمع ومصدرها؛ فلا شك أنّ للهيئات الدينية ـ بوصفها مؤسّسة اجتماعية ـ دوراً مرآتياً عاكساً على أداء المجتمع والعلاقات السائدة فيه، بل إنّ ذلك ينعكس حتى على هيكلية وظاهر تلك المؤسّسة؛ فتأتي متأثرةً تماماً بهيكلية وظاهر المجتمع, بعبارة أخرى: يمكن اعتبار كلّ من مصاديق المواكب الأربعة: التقليديّة, والثوريّة, والخدميّة, والهيئات المصغّرة، أنموذجاً للعلاقات الاجتماعية بينها، وهو أنموذج يعكس ـ بطبيعة الحال ـ العلاقات ذاتها بشكلها العام في سائر المجتمع, أي إنّه أنموذج مصغّر للعلاقات الاجتماعية فيه؛ فلو نظرنا ـ على سبيل المثال ـ للمواكب التقليدية, فإنّ نظام الهيئات التقليدية ينطبق تماماً على مكوّنات المجتمع التقليدي المحافظ بجميع تفاصيله, فكما أنّ كيان المجتمع التقليدي قائمٌ على منظومة فكرية متسلسلة موروثة، كذلك الحال بالنسبة لكيان المواكب التقليديّة المحافظة في ميولها. وكما أنّ لظاهرة سيادة الأعيان وجوداً في علاقات المجتمع التقليدي، كذلك نجد الظاهرة نفسها حاضرةً بقوّة في صميم المواكب التقليديّة في مبدأ توزيع الأعمال في داخله مع مبدأ ذلك في سنن المجتمع التقليدي الذي تحكمه رموز هرمية بشكل طولي, على رأسها أبرز الموجودين، وكذلك الحال بالنسبة للهيئات والمواكب الحسينية؛ حيث توزع الأعمال على الأفراد وفقاً للعملية الطولية ـ بتسلسل الأدوار من الأعلى إلى الأدنى ـ وغالباً ما يتزعّم «الأب» ـ أو شيخ الموجودين ـ الدور الأعلى والأبرز في المجموعة.
بقي أن نقارن ـ أيضاً ـ بين الاثنين من ناحية مسار التحولات الاجتماعية؛ فكما أنّها نادرة وبطيئة في المجتمع التقليدي الميّال للمحافظة على الحرم والأصول الموروثة, فإنّ التحولات غير محسوسة أيضاً على نطاق المواكب والهيئات التقليدية؛ لذلك نجد الأجيال تتوارث النظام السابق لها ولنشاطها وفاعليّتها عن آبائهم وأجدادهم.
ويمكن إجراء مقارنة مشابهة بين أنموذج المواكب والهيئات الثورية وكيان المجتمع النامي, أو بين مواكب الخدمة ومكوّنات المجتمع المتطوّر، وكيفما كان فإن ما يفرض نفسه من نتائج ذلك هو الالتزام وصيانة أطروحة المجتمع وفقاً للميزة المرآتية المذكورة، ومن خلال استنساخ واقعة على أنموذج مجتمع مصغّر, وقد يكتسب أنموذج المجتمع الأصلي استحكاماً ومصداقية أوسع تبعاً لحضور الأنموذج المصغّر وقيمته الاجتماعية, وهو ما حصل في بعض الأحيان في زمن البويهيين والصفويين والقاجاريين.
4 ـ ملء أوقات الفراغ ـــــــ
من جملة الوظائف المستقرّة للمجالس، ملؤها أوقات الفراغ لدى الأفراد, ويمكن بيان مفهوم أوقات الفراغ من خلال بعض التعريفات العلمية الحديثة لها, منها:
أ ـ الفراغ الزمني: وقد عرّف كل من سعيد ضيائي وناهيد منصوري في دراستهما المشتركة أوقات الفراغ، بالقول: وفقاً للأعراف والتقاليد في المجتمعات، كان ولا يزال لكلّ فرد مساحة زمنية محرّرة من العمل المعتاد, من قبيل عطلة الأسبوع أو العطل الصيفية والمناسبات العامة وغيرها، وهذا ما يصطلح عليه بـأوقات الفراغ, ويتبع ملؤها عوامل مختلفة من قبيل نوع العمل والسنّ والجنس والمستوى الدراسي والدخل الفردي وطبيعة المعتقدات، والمحيط الجغرافي و..([19]).
ب ـ الفراغ بوصف النشاط: يعرّف دوماسدييه الفراغ على أنه: نشاط هادف يختاره الفرد تحقيقاً لفرديّته، بعيداً عن تطلّعات المجتمع والعائلة والأصدقاء والدولة وغيرهم([20]).
ج ـ الفراغ الذاتي: يقول دغرازيا في الفراغ: هو نوع من الوجود الإنساني نادر المصاديق وصعب التحقّق، بعيد المنال؛ فهو يرى تلاقي مفهوم الفراغ مع عامل أساسي هو: الوجود الإنساني وظروفه أو الإحساس بالمتعة([21]).
ويتضح من التعاريف المتقدّمة اشتراكها في: 1 ـ تباين وقت الفراغ عمّا يطلب أداؤه. 2 ـ أنّ لاختيار وقت الفراغ حرية نسبية لا مطلقة. 3 ـ غالباً ما يكون بدافع ذاتي([22]).
ومن خلال التعاريف الثلاثة المتقدّمة، يمكن استنباط وظيفة أخرى من وظائف المجالس والشعائر الحسينية، هي وظيفة ملء الفراغ؛ ذلك أنّ المشاركة فيها بمثابة وسيلة من وسائل ملء الفراغ، وهو ما جاء في التعريف الأول، وهي ـ من جهة أخرى ـ بمثابة نشاط هادف وغير قسري يختاره الفرد بوعي وحرية، كما جاء في التعريف الثاني، وهي تحتوي أيضاً على تجربة ذاتية مثلما ورد في التعريف الثالث. علماً أنّ هذه الوظيفة قد اختلفت أطرها ومرّت بمراحل تناسبت ومتطلّبات كل عصر ومجتمع وواقعه الثقافي, هذا بالإضافة لاختلاف تعريف مفهوم ملء الفراغ من عصر لآخر، من مجتمع راديكالي إلى مجتمع حداثي.
لكن وبشكل عام، لابد أن ننظر لمفهوم وقت الفراغ في العصر الحاضر بوصفه مفهوماً متأخراً وحديثاً؛ لأنه إن انطبق على المجتمع الراديكالي في بعض أحيانه فسيكون مقتصراً على جانب من الثقافة العالمية، أي يكون مختصاً ـ إلى حدّ كبير ـ بطبقة النخبة، ولا وجود له في حياة عامّة الناس، على أننا ملزمون باستثناء شعائر التشيّع والشيعة في إيران من هذه القاعدة؛ لأنها باتت ـ لاسيما في العهد الصفوي ـ فعاليةً عامة تمارسها طبقات المجتمع كافّة آنذاك, فقد حظيت باستقبال واسع من قبل الشعب نظراً لوجود بعض العوامل من قبيل انتشارها, وانطباعها بطابع الدين, وكون المشاركة فيها عامّة ومجّانية لا كُلفة تفرض فيها, أيضاً كان من العوامل المساعدة على انتشارها تنوّع أنماط العزاء من قبيل: مواكب العزاء والمراثي والمشاعل والخطابة على المنابر والتطبير وإجراء التشابيه الاستعراضية الحيّة, كما كانت هناك شعائر تملؤها البهجة والسرور من قبيل مهرجانات الخامس عشر من شعبان. ناهيك ما تتطلّبه تلك الشعائر من آداب وعادات وتقاليد كثيرة تحتاج في الإعداد لها إلى نشاطٍ أكثر من قبل مجموعة واسعة من الأفراد, الأمر الذي يحسب أيضاً على مصاديق مفهوم ملء فراغ كلّ هؤلاء الناس.
وقد حظيت مراسم التشابيه بحفاوة مميّزة من بين الشعائر الأخرى؛ نظراً للأساليب المبتكرة والمشاهد المؤثرة في المتلقّي, وتدلّنا الشواهد التاريخية على أنّ هذه الشعيرة كان لها دورٌ بارز في تلاشي بعض مظاهر الفرح والبهرجة لدى الشعب, وقد تصل إلى الحدّ المضاد لها أحياناً؛ فالتاريخ يروي لنا ما أعقب الفتح العربي من إلغاء لبعض تقاليد الإيرانيين ـ لاسيما بعض مظاهر الاحتفالات العامة ـ لاندراجها تحت عناوين الممارسات الجاهلية من قبيل: أعياد النوروز, ومهرجان (عيد الخريف), وعيد سده (وهو يسبق النوروز بخمسين يوماً), وحلّت محلها شعائر بديلة غلب عليها طابع الحزن والعزاء, وإن كان يحتمل أن نفي مظاهر الفرح جاء تبعاً للمعاناة المستجدّة وما يكابده الشعب من ظلم في تلك الفترة, لكنّ الأمر اختلف بعض الشيء على عهد القاجاريين، وخصوصاً العهد الناصري ـ المعروف بالعهد الذهبي لتلك الشعائر ـ نظراً للاستقرار النسبي الحاصل في المجتمع وحاجته لوسائل الراحة والرفاهية؛ لذا لم يكن من المستغرب دخول نوع آخر من التشابيه يكون أقرب لمراسم الفرح والاحتفال على سبيل الكوميديا الهادفة ([23]), من أمثال مراسم زواج الزهراء, زواج القاسم, زواج نرجس والإمام العسكري, يوسف وزليخا, آدم وحواء, حادثة ابن ملجم, جباية ضرائب معين البكاء, بالإضافة لبعض الاستعراضات الأخرى كخروج المختار، والتي تنضوي تارةً تحت مراسم الفرح وأخرى تحت الحزن والرثاء.
يروي لنا المؤرّخ المستوفي أخبار مواكب التشابيه في العهد الناصري, فيقول: سعى ناصر الدين شاه ـ الباحث عن كلّ وسائل الفرح والمرح ـ إلى توظيفها (التشابيه) فيما يلتقي وطموحاته, لكي تكون وسيلةً من وسائل الرخاء والبهجة؛ تحسيناً لملامح مملكته.. واقتدى به الأمراء فركّزوا على تلك الشعيرة.. حتى غلب طابع الفرح والبهجة عليها في أواخر أيامه, فكانت كلّما تقام تتجمهر عندها الناس وخصوصاً الحضور النسوي. هكذا أخذت هذه المراسم بالتطوّر فأجريت عليها بعض الإصلاحات بإشراك الأعيان والأشراف فيها, واشتمالها على بعض النماذج الخالية من طابع الحزن والمصاب، من قبيل تشابيه درّة الصدف, والأمير تيمور, والنبي يوسف×, وحفل زفاف سليلة قريش. وقد تفتتح التشابيه ببعض المواعظ الأخلاقية, وتختتم بجانب من جوانب واقعة الطفّ حفاظاً على قليل من اللون المأساوي فيها([24]).
5 ـ تسكين الآلام الفردية والاجتماعية ـــــــ
شكّلت التراجيديا المقترنة بالانطباع الأسطوري عن عاشوراء شعاراً لواقع التشيّع في مراحل متعدّدة، وهي الصورة التي كان يرغب فيها الحكّام والسلاطين؛ لأنها تصوّر الحسين ضحيةً للظلم, فيتكبّد هو وخلّص أصحابه أشدّ ألوان العذاب دون أن يخضع ويستسلم أو يتذمّر من شيء([25])؛ لأنه يرى في كلّ تلك المعاناة قدراً وقضاء ساقته المشيئة الربانية إليه, وأنّ تلك المشيئة هي التي ترغب في رؤية الحسين قتيلاً. ومن خلال هذا السيناريو تلقى جريرة كلّ تلك المآسي على عاتق القدر والمشيئة, وكأنّ في هذا مصير عاشوراء الأوحد الذي لا مناص منه. ويتحول الإمام الحسين ـ في السياق ذاته ـ إلى رمز من رموز الشفاعة؛ فيشفع لمحبّيه عند الخالق في يوم حشرهم([26]).
وقد أضافت هذه النظرة المسيحية للإمام وثورته وظيفةً أخرى تتناغم مع ما يدور في الحياة من صراعات ومظالم على الصعيد الفردي والاجتماعي, فباتت بلسماً للأوجاع ومسكناً لبعض الآلام والمعاناة؛ فعلى الصعيد الفردي, تهون مصائب الشخص عندما يستمع إلى ما حلّ بالحسين وأهل بيته, لاسيما بعد المقارنة؛ ذلك أنّ الحسين ـ مع جلالة قدره وعظم منزلته ـ تعرّض لأنواع البلاء والمصاب، فصبر الصبر الجميل, فكيف بي!؟ إذاً هذا قضاء الله وقدره، ولعلّ بإمكان هذه النظرة القدرية أن تكون عاملاً أيضاً في صياغة الروح وتهذيبها، وذلك بما تتوفر لدى الفرد من أوقات الخلوة بالنفس ورثائها داخلياً مما يفرغ شحنات الكبت والعقد المتراكمة ليخلص إلى نوع من الهدوء والاستقرار والرضا عن الذات.
أما في البعد الاجتماعي فتتكرّر ـ أيضاً ـ الصورة نفسها لتهوّن المصائب مقارنةً بمصاب هؤلاء الأولياء الذين رضوا برضا الله, وبهذا يُستأصل دافع المقاومة والوقوف بوجه الظالم من أذهان الحركات والأحزاب، حفاظاً على ما هو مقدّر في كتاب المشيئة؛ فلا إرادة فوق إرادة الربّ؛ وبذلك تستبدل القناعة فيقعد القوم عن نيل المنشود, وهذا ما تعجّ به صفحات تاريخ التشيّع، لاسيما في إيران. ولعل هذه الأفكار الراديكالية كانت من البوادر الأولى لظهور فكرة عزل الدين عن السياسة, بل إنها كانت أيضاً عاملاً في انتشار بعض المذاهب والفرق الصوفية. على أننا لا نغفل ـ في السياق ذاته ـ دور هذه الأفكار في التغلّب على اليأس والقنوط لدى الأفراد([27]).
* * *
الهوامش
(*) باحث متخصّص في الاجتماع الديني.
([4]) جورج ريتز, نظرية جامعة شناسي در دوران معاصر (النظريات المعاصرة في علم الاجتماع): 147، ترجمة: محسن ثلاثي, طهران، العلمية, 1380ش/2001م.
([5]) روح الله الموسوى الخميني, قيام عاشوراء در كلام وبيام امام خميني (ثورة عاشوراء عند الإمام الخميني) 1: 64, التبيان، المؤلّفات الموضوعية, الكتاب الثالث, طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، 1381ش/2002م. والنص مجتزأ من كلمة ألقاها بتاريخ 14/8/1359ش(1980م).
([6]) إعداد: بيتر جلكوفسكي, تعزية, نيايش ونمايش در ايران: 10، ترجمة: داوود حاتمي, طهران, العلمية الثقافية, 1367ش/1988م.
([7]) د. علي شريعتي، التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الأعمال الكاملة): 109 ـ 134، طهران، جابخش, 1382ش/2003م.
([9]) يد الله هنري لطيف بور, فرهنك سياسي شيعة وانقلاب اسلامي: 99، طهران، مركز وثائق الثورة الإسلامية, 1380ش/2001م.
([10]) رسول جعفريان, تأملي در نهضت عاشوراء: 358 ـ 359, قم، نشر أنصاريان, 1381ش/2002م.
([11]) فرهنك سياسي شيعة وانقلاب اسلامي: 99 ـ 100.
([12]) علي محمد بشارتي, تاريخ تحليلي ايران بعد از اسلام: 203, طهران, مؤسسة الإعلام الإسلامي, 1378ش/1999م؛ وتأملي در نهضت عاشوراء: 336؛ وقد شكّك رسول جعفريان بالدور المباشر للقوى السياسية والسلاطين في تحريف حقيقة وهدف عاشوراء؛ لضعف الأدلّة الموجودة, وأوعز حصول تحريف في روايات عاشوراء إلى تردّي مستوى علوم التاريخ في المجتمع, وإن أذعن فيما بعد بتفاؤل الحكّام لتغييب البعد السياسي لكربلاء, وهو ما لا يهدّد كياناتهم الظالمة، من هنا يمكن تفسير مساعي الدولة لحسر ذكرى عاشوراء بمجالس العزاء ومراسم التشابيه, فانظر له: تأملي در نهضت عاشوراء: 307 ـ 308.
([13]) عبد الله المستوفي، شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري دوران قاجارية 1: 278، طهران, مكتبة زوار.
([14]) أحمد كسروي, تاريخ مشروطة ايران: 106 ـ 116, مؤسّسة نكاه, 1382ش/2003م؛ ومحمد بن علي ناظم الإسلام كرماني, تاريخ بيداري ايرانيان: 402 ـ 412، طهران، نشر أمير كبير, 1381ش/2002م.
([15]) تاريخ مشروطة ايران: 110.
([16]) تاريخ بيداري ايرانيان: 408 ـ 409.
([17]) تأملي در نهضت عاشوراء: 310.
([18]) قيام عاشوراء در كلام وبيام امام خميني: 58, تاريخ الخطاب 4/7/1358ش(1979م).
([19]) بررسي وضعيت أوقات فراغت جوانان: 6, المؤسسة الوطنية لرعاية الشباب، الدراسة السادسة, طهران, نشر أهل قلم, 1381ش/2002م.
([24]) عنايت الله شهيدي, بالتعاون مع علي بلوك باشى, بزوهشي در تعزية خواني, أر آغاز تا بايان دورة قاجار در طهران: 262، طهران, مكتب الدراسات الثقافية بالتعاون مع اللجنة الوطنية في اليونسكو بإيران, 1380ش/2001م؛ وس.ج.و, بنجامين, إيران وايرانيان: 286، ترجمة: محمد حسين كرديجة, طهران, نشر جاويدان، 1363ش/1984م.
([25]) شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري دوران قاجارية: 288.
([26]) السيد هاشم آقاجري, عاشوراء در كذار به عصر سكولار (مجموعة مقالات): 288.
([27]) فرهنك سياسي شيعة وانقلاب اسلامي: 99.
(27) بزوهشي در تعزية وتعزية خواني, أز آغاز تا بايان دوره قاجار در طهران: 44.