أ. جهانغير صالح پور(*)
1ـ لقد شهد الفقه الشيعي ـ مثل جميع المنظومات الحقوقية الشرعية ـ بعض التحوّلات على طول التاريخ. إن تأليف دَوْرة في علم الاجتماع التاريخي للفقه ـ (أي الرؤية الاستشرافية والخارجية للفقه، مرّة على المستوى الأفقي، ومرّة على المستوى العمودي) ـ سوف يثبت هذه الحقيقة بشكلٍ واضح. صحيحٌ أن هناك مَنْ ألّف من أهل الفنّ كتباً في خصوص أدوار الفقه ومراحل الاجتهاد، وتعرّض لذلك من الزاوية الداخلية الدينية (الداخلية الفقهية)، بَيْدَ أن هذا لا يُعدّ كافياً، فيجب على كلّ طالب في علم الشريعة ـ إذا أراد أن يحيط بدَوْر الزمان والمكان في عملية الاجتهاد ـ أن يدخل دَوْرةً في علم الاجتماع الفقهي في إطاره التاريخي.
2ـ إن ما يُقال في الحوزات العلمية من أن فقه أهل القرى يختلف عن فقه أهل المُدن، أو إن فقه السكّان الأقرب من مكّة والمدينة أكثر جموداً من فقه المناطق النائية (الذي يعود سببه إلى بعد المسافة عن مصادر التشريع، واضطرارهم إلى إدخال عناصر أخرى أكثر عقلانية في الآراء الفقهية)، أو ما يُقال من أن الذوق الفقهي لدى فقهاء هذه الطائفة يختلف عن مذاق فقهاء الطوائف الأخرى، إنما يُعبِّر عن شمّة من علم الاجتماع الفقهي تمكّن أهل هذا الفنّ من إدراكها، ويجب العمل على توسيع آفاقها وأبعادها بمزيدٍ من الدقّة العلمية.
يجب العمل على دراسة دَوْر وتأثير العوامل الاجتماعية الهامّة، من قبيل: ثقافة السكن في المدن، والدخول في المرحلة الصناعية، ومركزية بناء الأسرة، والاختلاف الطبقي، والطبقات الاجتماعية، وتوزيع الأدوار والآليات، والمركزية في العلاقات الوطنية، ودمج المؤسسات الدولية، وتوسيع نطاق التبادل، وإقامة الأسواق الوطنية، وما إلى ذلك، في تحوّل الفقه.
لقد سعى الكثير من علماء الاجتماع ـ من خلال دراسة التحوّلات التاريخية للأنظمة الحقوقية ـ إلى الحصول على بعض القوانين في هذا الشأن. وقد استقرأ (جورج غورفيتش)([1]) جانباً من هذه الجهود الرامية إلى بيان «الاتجاهات التاريخية» داخل الأنظمة الحقوقية على النحو الآتي:
ـ العبور من مرحلة سلطة القرارات، والوصول إلى محطة تفوق العقد الاجتماعي (هربرت سبنسر)([2]).
ـ اتساع حلقة الأشخاص الخاضعين لمنظومة حقوقية واحدة، وتعميم هذه المنظومة المترابطة (غابرييل تارد)([3]).
ـ الحلول التدريجي للحقوق الجابرة محلّ الحلول الزاجرة، وكذلك الارتفاع المتوازي لدَوْر الدولة والعقد الاجتماعي (إميل دوركهايم)([4]).
ـ ارتفاع وتقاطع الجماعات الخاصة والأحكام وقراراتها التي تؤدّي إلى تقوية حقوق الأشخاص، وحيث يتحرّر هؤلاء فإنهم ينعمون بالنضال والمحدودية في مقابل الجماعات (سيلستين بوغليه([5]): الأفكار المطالبة بالمساواة).
ـ العقلانية والمنطقية المتدرّجة للحقوق (ماكس فيبر)([6]).
ورُبَما أمكن من خلال جولة على آثار المختصّين في علم الاجتماع الديني وعلم الاجتماع الحقوقي أن نضيف موارد أخرى إلى هذه القائمة. إلاّ أن الذي نروم إثباته في هذه المقالة هو الادّعاء القائل بإمكانية العثور في مسار الفقه الشيعي، المليء بالمنعطفات والتعرّجات (كما هو حال جميع المنظومات الحقوقية التشريعية الأخرى)، على نوع من الجنوح التاريخي (Trend)، الذي نطلق عليه مصطلح «مسار العلمنة».
هناك الكثير من العوامل الاجتماعية التي أدّت إلى هذا المسار. وإن عمليات الإصلاح والتجديد التي طالت هذه المنظومة الحقوقية ساعدت إلى حدٍّ ما على تسريع هذا المسار. نسعى في هذا المقال إلى تشريح نظرية «ولاية الفقيه المطلقة» بوصفها آخر (وأهمّ) الجهود المبذولة في إطار العمل على تسريع هذا المسار.
3ـ قبل الدخول في صُلب الموضوع نرى من الضروري تقديم ومضة حول مفهوم «العلمنة» (وإنْ على نحو الإطناب).
مسار العلمنة عند المفكِّرين الغربيين، قديماً وحديثاً
تعبّر ظاهرة العلمنة([7]) عن المسار الذي يشكل مع المرحلة الصناعية، واتساع رقعة المُدُن، والعقلانية، والبيروقراطية، أهمّ خصائص التجديد([8]). إن مسار العلمنة في تعريفه الأعمّ عبارة عن: الانتقال من العالم القدسي([9]) إلى العالم الدنيوي([10]).
إن القِيَم القدسية تكتسب شرعيتها من العالم الميتافيزيقي، ولا تعمل أبداً على تبرير ذاتها على أساس المباني العقلانية القائمة على أساس المنفعة([11])، بل لا ترى نفسها في الأساس ـ وانطلاقاً من تعريفها ـ ملزمةً بتبرير([12]) ذاتها([13]). في حين أن القِيَم العلمانية (القائمة على النفعية الناسوتية([14])) تعرف بجدوائيّتها وإمكانية إثباتها([15]).
إن المصدر الأهمّ في القِيَم القدسية هو التراث والكاريزما والخضوع والانصياع لهذه القِيَم من خلال نوع من الارتباط ما فوق العقلاني([16]) (البيعة)([17]). في حين أن التبعية للقِيَم والأعراف العلمانية إنما تنال اعتبارها من خلال التعاقد([18]).
إن الخروج من الحرم والهيكل([19]) القدسي، والانتقال إلى النطاق الدنيوي، يكون على الدوام متلازماً مع نوعٍ من التآكل([20]) في القِيَم القدسية. إن هذا المسار الذي تمّ وصفه بصفاتٍ من قبيل: محو الخرافة([21]) وفك الأسرار([22]) وكسر الطلاسم([23]) والتحرُّر من الوَهْم([24])، يُعَدّ من وجهة نظر (روبرت نيسبت)([25]) انفصالاً للأفكار والأفعال والأشياء ذات الغايات القدسية عن مبانيها المقدّسة، وإعادة تعريفها وقبولها مجدّداً من أجل أهمّيتها وجدوائيتها الذاتية. إن المقولات المذكورة أعلاه ـ والتي تشمل جميع أنحاء الحياة الإنسانية (من القانون، والفنّ، والأدب، والتعليم، وسائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى) ـ عندما يتم التعرّف على قِيَمها، وتُفْهَم لذاتها، وتصبح مستقلّة عن غاياتها القدسية، تعتبر من الأمور الدنيوية([26]).
يُعَدّ (إميل دوركهايم) من أهمّ المنظِّرين الذين وضعوا مسار العلمنة محوراً لاهتماماتهم. فقد كان يسعى من جهةٍ إلى إيجاد علاقةٍ بين أشكال الربط الاجتماعي([27]) وتطوّراته، وشدّة العناصر القدسية (الأعمّ من المناسك([28]) والشعائر([29]) والثوابت والمذاهب([30]))، حيث يرى أن من بين أهمّ وظائفها الحفاظ على هذه الروابط. يرى دوركهايم أن الشرخ الأعمق الذي يحدث في حياة الإنسان يكمن في الفصل بين أمرين مقدّسين ونافعين، وإن سائر الاختلافات والتمايزات الأخرى إنما تنشعب بشكلٍ رئيس من هذا الافتراق. وهذا هو الذي يذهب إليه (برونسيلاف مالينوفسكي)([31]) أيضاً؛ إذ يقول: حتّى سكان البوادي يتمتّعون بغريزة تشخيص الاختلاف بين هاتين الدائرتين([32]).
عند الانتقال من الدائرة القدسية إلى دائرة العلمنة تحدث عملية التآكل، بمعنى أن الأشياء والظواهر تبدأ بفقدان غاياتها القِيَمية. وهذا يحدث إما من خلال ظهور مقدّسات جديدة، أو بفعل التشكيك العقلاني. كما يمكن حدوث عكس هذا المسار، فلا شيء في ذاته يستحيل على التحوُّل إلى مقدَّس، سواء في ذلك الحجر أو الخشب، وحتّى الأقمشة، وصولاً إلى الأفعال والأفكار. فحتّى الرموز والمناسك المناوئة للدين لها قابلية التحوّل إلى أمور مقدّسة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أكثر المعارف البشرية عقلانيةً. فالرومان كانوا يعتبرون الصليب أداة نافعة، ولكن ذات هذه الخشبة ما إن رُفع المسيح عليها حتّى تحوّلت إلى واحدةٍ من أكثر الرموز قداسةً. وحتى آلهة العقل([33]) تحوّلت عند اليعاقبة([34]) إلى رمزٍ شبه ديني. وللعبور من دائرة العلمنة إلى الدائرة المقدّسة يجب القيام بمناسك التنقية والتطهير([35]) وقراءة آداب إذن الدخول([36]).
يرى دوركهايم أن الأديان تُعَدّ من أهمّ مصادر القِيَم المقدّسة. تنطوي الأديان من الناحية الاجتماعية على آلياتٍ إيجابية، من قبيل: الانضباط، وتسهيل التعايش الاجتماعي، وبناء التناغم والنظام الاجتماعي، ونقل التقاليد والتراث الثقافي، وإحلال النشأة والخلسة الوجودية. هناك شيءٌ سرمدي في جميع الأديان هو الذي يؤسّس للقِيَم الأخلاقية، وهذه القِيَم هي التي تؤدّي بدَوْرها إلى النظم الأخلاقي([37]) الذي ينسج سدى ولحمة الشبكة الاجتماعية. وبالتزامن مع تقسيم الأعمال الاجتماعية، وتخصيص الأدوار، وافتراق المباني، يبدأ التلاحم الفئوي([38]) والنسيج الاجتماعي([39]) بالانهيار والتداعي، ولذلك يتعيَّن على الدين أن يعمل على جبران وتدارك عدم جدوائيته في الظروف الجديدة، ولن يكون ذلك متاحاً إلاّ من خلال العمل على إصلاح وتجديد بنيته (وهذا ـ على كلّ حال ـ مقرونٌ بنوع من العلمنة). وقد قال دوركهايم في كتابه (الأشكال الأولية للحياة الدينية)([40]): «هناك شيء سرمدي في الدين يُخلّد جميع الرموز التي انطوت عليها الأفكار الدينية، وليس هناك مجتمع في غنىً عن دعم هذه الرموز والدَّوْر الذي تلعبه في توجيه العواطف والميول والمعتقدات الجماعية. وعلى هامش هذه الآلية يحصل المجتمع على هويّته وتلاحمه»([41]).
وحيث يشتمل الدين على مثل هذه الآلية في بناء العلاقة والنظام الاجتماعي علينا أن نرى كيف يمكن لهذا العامل أن يعيد إنتاجية ذاته في ظروف المتغيّرات الاجتماعية؛ كي يتماهى وينسجم مع الظروف والمتغيّرات الجديدة؟! يرى دوركهايم أن ظهور مفهوم الحقوق الطبيعية كان له تأثيرٌ كبير على علمنة الدين، وكان من بين النتائج المترتِّبة على هذا المسار تبلور «الحسّ المشترك»([42]).
ومن خلال سلطة قوى العلمنة، من قبيل: اتّساع رقعة التواصل، ومركزية السلطة السياسية، يجب أن تعمل عناصر جديدة على إضفاء الشرعية على العقود، وأن يحلّ في الأساس نظامٌ تعاقدي([43]) محلّ النظام الأخلاقي. وفي الأساس فإن ذات مسار «تعاقدية الحياة الاجتماعية»([44]) يمثِّل ردّة فعل في مقابل الأمر المقدّس. وفي مثل هذه الحالة؛ حيث لا يمكن لسلطة الأمر المقدّس ـ بسبب طبيعة البروتوكولات الخاصّة بها ـ أن تضفي الشرعية على هذه العقود، يجب أن تكون هناك سلطاتٌ دنيوية تضمن هذه العقود، وتحول دون فسخها ونقضها([45]). وبالإضافة إلى دوركهايم، الذي سعى ـ من خلال توظيف الوجهين اللاهوتي والناسوتي ـ إلى بيان مسار العلمنة، قام مفكِّرون آخرون بالإدلاء بدَلْوهم في هذا الشأن، ومن بينهم: (ماكس فيبر) في خصوص دَوْر علمنة الكاريزما، و(جورج سيمل)([46]) في بيان دَوْر عامل «التقوى»([47]) ضمن هذا المسار التحقيقي.
كما تعرَّض لهذه الظاهرة كلٌّ من: (ألكسيس دي توكفيل)([48]) من خلال طرح التقابل بين «الحتمية والإرادة»([49])؛ و(فوستيل دي كولانج)([50]) من خلال استناده إلى ظهور وأفول دولة المدنية([51]) [أو الدولة المدينية]([52])، بشكلٍ وآخر. كما يجب أن لا ننسى دَوْر (فرديناند تونيز)([53])من خلال طرح وجهي الجماعة / المجتمع([54])، حيث ينظر الوجه الأول إلى المجتمع القائم على السنن والأعراف والتقاليد والدين، وينظر الوجه الثاني إلى المؤسّسات العقلانية الخاضعة للقوانين والعقود.
وإذا تجاوزنا النصّ الإنجيلي القائل: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»([55]) ـ بوصفه سابقة لبيان مسار العلمنة ـ فإن الموارد المتقدِّم ذكرها تُعَدّ من الجهود الأولى في إطار العمل على إبراز هذه الظاهرة.
وأما إذا تجاوزنا علماء الاجتماع الكلاسيكيين فسوف يغدو هذا الموضوع أكثر لفتاً للانتباه بين المتأخِّرين، حيث نقف على تحقيقاتٍ أكثر حداثةً في هذا الشأن؛ حيث سنعرض جانباً منها في حدود ما يرتبط منها ببحثنا.
لقد عمد (سي رايت ميلز)([56]) ـ من خلال سَعْيه إلى تلخيص نظريات (بارسونز)([57]) حول مسار العلمنة ـ إلى بيان رؤية بارسونز على النحو التالي: «كان العالم في مرحلةٍ من المراحل زاخراً بالأمر المقدَّس، سواء في التفكير أو السلوك أو أشكال المؤسّسات، ثم جاءت القوى الحداثوية المنبثقة من حركة الإصلاح الديني وعصر التنوير؛ لتكتسح جميع ربوع الكرة الأرضية، وكان من بين النتائج المتفرّعة عن هذه المراحل التاريخية ضعف الهيمنة القدسية. إن هذا المسار الذي لا يزال قائماً لن يُبقي هامشاً للأمر المقدّس إلاّ في حدود الأمور الخاصّة والشخصية»([58]).
وقد عدّ (شاينر) ثلاث خصال رئيسة للعلمنة ـ حيث يطلق عليها مصطلح (الانتقال إلى الحداثة) ـ على النحو التالي:
1ـ محو القداسة([59]) أو أفول دَوْر الدين في إضفاء المفهومية على الكيان الاجتماعي.
2ـ الافتراق البنيوي، حيث تمتاز المؤسّسات الدينية من مؤسّسات المجتمع المُعلمَن.
3 ـ الانتقال التدريجي للإدراك والسلوك الديني نحو العلمنة([60]).
كما عمد (ويلسن) ـ في إطار تطبيق([61]) مفهوم العلمنة ـ إلى تحوُّله إلى العناصر التالية([62]):
1ـ الاستبدال التدريجي للمعرفة والوعي الديني ـ الأعمّ من الشعائر([63]) والتوجُّهات الأخلاقية والتأمُّلات الكشفية، والسحر([64])، والرُّقى([65]) ـ بالمعارف التجريبية والعقلانية والآلية.
2ـ الانتقال من السلطة الكنسية إلى السلطة المدنية([66]) في مجال الثروة والإدارة والتعليم والضرائب والقضاء.
3ـ تحوُّل الدافع الديني إلى دافعٍ آليّ بوصفه معياراً للسلوك الفردي والجماعي. وعلى أيّ حال سواء اعتبرنا مسار العلمنة مرادفاً لضعف أو أفول دَوْر الدين في الحياة الاجتماعية، أو افتراقاً بين المؤسّسات الدينية ومؤسّسات مجتمع العلمنة، أو غلبة روح التنوير على الأبعاد المظلمة من حياة البشر، يجب أن نمتلك القدرة على بيان وتفسير ظهوره بالالتفات إلى دينامية قوى العلمنة([67]).
لقد اهتمّ أكثر الكتّاب ـ إلى جانب عناصر العلمنة، من قبيل: ثقافة السكن في المدن، واتّساع التجارة، والتصنيع، وشبكة الاتصالات، وما إلى ذلك ـ بالدَّوْر الرئيس الذي تلعبه مركزية السلطة السياسية، وظهور مفهوم الدولة / الشعب([68])، وكذلك اتّساع الأنظمة الاقتصادية في الساحة الدولية. إن هذه المسارات قد اقترنت بظهور الأديان المدنية والهويّات الوطنية التي تعكس تطلُّعات عصر التنوير، من قبيل: الديمقراطية، والمساواة، والعدالة، والحرّية، والترقّي.
لقد ذهب (فرانك ليشنر)([69]) ـ الذي يرى مسار العقلانية مرادفاً للعلمنة، ويعتقد بأن مسار العقلنة يؤدّي إلى التعدُّدية الثقافية، والافتراق الاجتماعي، وتخصيص الأدوار ـ إلى القول بأن العوامل أدناه تعمل على تسريع مسار العلمنة:
أـ مع اتّساع سوق التبادل بدأت مؤسّسة الكنيسة، التي كانت تسيطر على المصادر الاقتصادية الثابتة (أي الثروة)، تأخذ بالتقاعس والتخلّف في المنافسة مع البرجوازية الوليدة، التي تنظر إلى المصادر الاقتصادية كـ «رأسمال».
ب ـ حدوث تحوّل في مفهوم السلطة والاقتدار، بمعنى أن السلطة التي كانت حتّى ذلك الحين تكتسب شرعيتها من المفردات الدينية، وكانت أغلب الصراعات السياسية تحتدم من دوافع دينية، أخذت تغيِّر من مصادر شرعيّتها، وصارت الدولة البيروقراطية هي التي تعمل في ضوء الاقتدار العقلاني والقانوني، وبدأ يتمّ الفصل بين الدوائر المدنية والمؤسّسات الكنسية.
ج ـ الانتماء التامّ لعضوية المجتمع، والذي كان حتّى الآن يقوم على أساس الهوية الدينية للفرد؛ حيث كان التمايز بين المجتمعات يتمّ على أساس الأديان، وأخذ منذ ذلك الحين يكتسب مفهوماً جديداً بعد تبلور مفهوم المواطنة.
د ـ اتّجاه المؤسّسات والنُّخَب الدينية من حَمَلة وحُماة المعايير والقِيَم، الذين يضفون معنى على جميع أنحاء الحياة الاجتماعية، إلى عدم الجدوائية بعد اهتزاز مكانتهم الاجتماعية. ويأخذ العلم والفنّ والأخلاق والاقتصاد ونظائرها بالاستقلال عن الدين، وتبدأ بالبحث عن معايير أخرى لتبرير ذاتها([70]).
العلمنة بين مسارين مترابطين
4ـ وكما يتّضح من الأدبيات المرتبطة بظاهرة «العلمنة» فإن هذا المصطلح يُطلق نوعاً ما على مسارين مرتبطين ببعضهما، وهما:
أـ المعنى الأول لـ «العلمنة» هو العلمانية «من العالَم». وبهذا المعنى تكون العلمنة عبارة عن انتقال المفاهيم والمقولات من الساحة القدسية إلى الدائرة الناسوتية. وهذا الانتقال يكون بحَسَب القاعدة مقترناً بعملية التآكل. فإذا كانت هذه المقولات مندرجة ضمن المفاهيم والقضايا الخاصة بالأمور الحقيقية فإنها ستكون عقلانية([71])؛ وأما إذا كانت متعلّقةً بمجال الأمور المعيارية والاعتبارية (من قبيل: الأنظمة الفقهية والحقوقية) فسوف تغدو عقلائية([72]).
إن المراد من الأمور العقلائية هي تلك التي لا يكون تركها أو الإتيان بها مورد ذمٍّ من قِبَل العقلاء (بما هم عقلاء)، ويتمّ تحديد حُسْنها وقُبْحها من قِبَل جميع العقلاء (بوصفهم مرجعيةً جماعية).
وبطبيعة الحال يمكن إثارة جَدَل طويل بشأن مَنْ هم العقلاء؟ وعلى كلّ حال فإن لكلّ جماعةٍ تربطها مصالح مشتركة عقلاؤها المعيّنين الذين يحدّدون مصالح تلك الجماعة على المدى البعيد، ويغدو مبنى الاعتبار الذي يعود إلى المصالح النوعية عُرْفاً لهؤلاء العقلاء.
ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن المجالس التشريعية والمنظومة الحزبية والبرلمانية تعتبر آلية لاستنباط عُرْف العقلاء. وتَبَعاً لتعريف مَنْ هم العقلاء؟ تتّسع مقولة العُرْف وتضيق، تبعاً لذلك. ففي الديمقراطيات المباشرة ـ على سبيل المثال ـ يكون عامّة الناس من العقلاء القادرين على تشخيص مصالحهم الفعلية والمقبلة، وأما في الديمقراطيات التمثيلية فيكون الخبراء ومَنْ يمثِّل الناس هم عقلاء القوم (أو عقلية القوم).
ب ـ المعنى الثاني لـ «العلمنة» عبارة عن الافتراق البنيوي بين المنظومة السياسية والمؤسسة الدينية([73]). وهذا بطبيعة الحال يختلف عن المفهوم الشائع غَلَطاً في قطرنا، والذي يتمّ التعبير عنه بـ (فصل الدين عن السياسة). إن العلمنة بهذا المعنى تعني أن المؤسّسة الدينية ـ التي كانت منذ العصور الماضية تحظى بأدوار وآليات متنوّعة (من التعليم والقضاء وإدارة المدن وما إلى ذلك) ـ، وبعد تعقيد العلاقات في الحياة الاجتماعية وجنوحها نحو التخصُّص وتوزيع الأدوار، أخذت تطالها التعدُّدية ـ مثل سائر المؤسّسات الأخرى ـ، وتتخلّى عن بعض أدوارها.
بعد تبلور الشعب بوصفه كتلةً مجتمعية متكاملة، يقع على عاتق الدولة ـ بوصفها أهمّ مرجعية([74]) ـ أن تعمل على توزيع المهامّ، وتؤسِّس لمنظومة هذه القِيَم وترسيخها في وجدان أفراد المجتمع بواسطة أنظمتها الأيديولوجية (من قبيل: نظام الاتصالات والتعليم والعمل وما إلى ذلك) ضمن المسار المجتمعي.
إن الدولة بوصفها أعقل العقلاء تعمل على معالجة شؤون المواطنين في ضوء المصالح الوطنية. إذن فالعلمنة تعني أن الدولة تكون هي منشأ الاعتبارات الحقوقية، وأن ثقل هذه الاعتباريّات ينتقل من الكنيسة إلى الدولة، ولا يعود للكنيسة من شأن سوى تنظيم علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقة الأفراد فيما بينهم (وكذلك الحقوق المتبادلة بين الأشخاص والمؤسّسات مع الدولة)، حيث تكتسب صبغةً تعاقدية اعتبارية عُرْفية([75])، وتكون الدولة ضامناً لتطبيق هذه العقود.
وإن ما جاء في العهد الجديد من القول: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله» يعني بشكلٍ دقيق أن الدين يختصّ بالدائرة الخاصة، ويُعدّ ـ على حدّ تعبير (تالكوت بارسونز) ـ واحداً من المتغيِّرات النموذجية لخصخصة التديُّن.
دَوْر ولاية الفقيه المطلقة في علمنة الشريعة
5ـ ندّعي في هذا المقال أن نظرية «ولاية الفقيه المطلقة» ـ بكلا المعنيين المتقدّمين ـ تؤدّي إلى علمنة الشريعة، أي إننا في هذا المقال ندّعي ـ خلافاً لظاهر الأمر الذي يرى في تأسيس الحكومة الدينية المستندة إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة مساراً مخالفاً لاتجاه العلمنة (سواء بمعنى التوحيد والدمج بين المؤسّسة الدينية والدولة أو بمعنى هيمنة القواعد المقدّسة على مجال الأمور العامة) ـ أن ظاهرة الحكومة الدينية في العصر الحديث تُعَدّ في أفقٍ أبعد([76]) من أهمّ العناصر التي تعمل على تسريع وتيرة العلمنة.
6ـ لكي نقدِّر وزن وسهم نظرية ولاية الفقيه المطلقة في مسألة علمنة الشريعة لا بأس في إلقاء نظرةٍ إلى سائر الآليات والأدوات الدينية التي أدّت إلى هذا المسار أو عملت على تسريع وتيرته. إن هذه المقاربة والمقارنة سوف تسمح لنا بإدراك عظمة إبداع نظرية ولاية الفقيه المطلقة.
أـ إن من بين طرق تدخُّل العلمنة في الأحكام الشرعية هو الفصل بين هذه الأحكام وتقسيمها إلى: إمضائية؛ وتأسيسية، بمعنى أن الإسلام قد صحَّح الكثير من الأمور التي كانت سائدةً في المرحلة الجاهلية وعمل على إمضائها والمصادقة عليها، ولم يلجأ إلى تأسيس الأحكام الجديدة إلاّ في دائرة فقه العبادات فقط. وبذلك لو قيّض للنبي الأكرم| أن يظهر في عصرنا لقام بإمضاء الكثير من الأعراف السائدة بيننا؛ لأن القوانين السائدة في عصرنا أفضل وأكثر إنسانيةً من «الأعراف الجاهلية» قطعاً.
ب ـ والطريق الآخر لتدخُّل العلمنة يكمن في توسيع دائرة منطقة الفراغ الشرعي، بمعنى أن القول بأن مجال المباحات يمثِّل المضمار الرئيس لتجوال العقل العُرْفي، وإنه يمكن توسيع هذا المضمار بمختلف الطرق إلى الحدّ الذي تنحسر فيه دائرة الواجبات والمحرّمات الشرعية، لتقتصر على مساحةٍ ضيقة لا تشتمل على غير الحقوق الخاصة، وهي في الغالب عبارة عن الشعائر والمناسك التي تعمل على تنظيم علاقة الإنسان بخالقه.
ج ـ الطريق الثالث يتمثَّل في إفراغ الأحكام الشرعية من الموضوع. ومن ذلك أننا نعلم ـ على سبيل المثال ـ أن الحكم بحرمة الرِّبا إنما يتعلَّق بالأشياء التي تشتمل في حدّ ذاتها وفي نفسها على قيمةٍ حقيقية. وعليه يمكن القول بأن مفهوم «النقود» الاعتباري هو في الأساس والجوهر مقولةٌ مستَحْدَثة، وهي تختلف اختلافاً ماهويّاً عن «النقدين» المسكوكين (من الذهب والفضة)، ولذلك يجب تعيين الأحكام الخاصّة بـ «النقود» من قِبَل قوانين العُرْف، بمعنى أن الفقه في ما يتعلَّق بالنقود (والكثير من مقولات العصر الحديث) ساكتٌ. إن دائرة عدم وجود الموضوع للأحكام الشرعية من السعة بحيث يمكن إبعاد مجمل الاقتصاد في عصر الرأسمالية، وتنظيمات المجتمع الصناعي، وحتّى الإنسان في العصر الحديث، عن الدائرة التي يمكن للفقه أن يتناولها.
د ـ الطريق الرابع: توسيع نطاق «ما لا نصّ فيه». إن لبعض الفقهاء والأصوليين اليد الطولى في غربلة وتمحيص النصوص، بحيث يمكنهم التشكيك بمختلف الأنحاء في اعتبار ما نسبته 90% من الروايات، والعمل على إخراجها من دائرة الأدلة الفقهية، بواسطة القواعد الفنّية المنبثقة عن علم الرجال والدراية والأصول وما إلى ذلك. ولا يخفى أن هذا الأمر يؤدّي إلى تضييق دائرة النصوص المعتبرة، الأمر الذي يفتح المجال للعقل العُرْفي بشكلٍ أكبر.
هـ ـ إن اعتماد أيّ درجةٍ من القياس أو أيّ شكلٍ من أشكاله يُعَدّ آلية لعلمنة المنظومة الفقهية. وعلى الرغم من اشتهار مقولة: «الشريعة إذا قيست مُحق الدين»، إلاّ أن فقهاء الشيعة ـ على الرغم من معارضتهم المتواصلة للقياس (وهو موقفٌ يغلب عليه طابع المواجهة السياسية ضدّ فقه أهل السنّة) ـ إلاّ أنهم كانوا يلجأون إليه بشكلٍ وآخر على المستوى العملي. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الاستفادة من قاعدة تنقيح المناط في الأحكام مستنبطة العلّة كانت تشكّل على الدوام واحدةً من طرق إشراك العقل العُرْفي في الفقه، بمعنى أنهم بعد عدّة درجاتٍ من تنقيح المناط كانوا يصلون إلى فلسفة الأحكام والقواعد العامّة، مثل: «قاعدة لا ضرر»، ثمّ من خلال تخصيص المناط كانوا يضعون أحكاماً جديدة أكثر تناغماً مع العُرْف الشائع.
و ـ إن استناد بعض المدارس الفقهية إلى أحاديث من قبيل: «ما كان حسناً عند المسلمين فهو حسنٌ عند الله»، أو «لا تجتمع أمّتي على خطأ»، يمهِّد الأرضية النظرية للقول بـ «عُرْف المسلمين» بوصفه أحد المصادر الفقهية.
ز ـ هناك شرخٌ واسع بين المعنى القائل: «إن أفعال المكلَّفين لا ينبغي أن تتنافى مع القدر المتيقَّن من الشرع (الدين في حدّه الأدنى)» والمعنى القائل: «يجب أن تقوم جميع أفعال المكلَّفين على الشرع المستنبط من الأحكام الفقهية (الدين في حدّه الأعلى)». إن هذا الشرخ والخلأ الكبير يتمّ ملؤه بـ «العُرْف».
ومن ذلك مثلاً أن مجلس الشورى الإسلامي يعمل حالياً على سنّ القوانين العُرْفية بمعزل عن الفقه، ثمّ يعمل مجلس صيانة الدستور على حذف المواد المخالفة للشرع. ولكنْ لك أن تتصوَّر لو كان بمقدور المجلس أن يسنّ جميع القوانين على نحوٍ اجتهادي ومن داخل النصوص مباشرة (وهو ما كان يدعو له بعض المجتهدين في صدر المشروطة والحركة الدستورية، أمثال: الشيخ فضل الله النوري بالنسبة إلى المجلس) فما الذي سيكون عليه الوضع؟
ح ـ إن القول بهذا التفسير لـ «ختم النبوّة» (ونوعه الشيعي القائم على فلسفة الغيبة الكبرى)، الذي يعتبر انقطاع الوحي دليلاً على بلوغ البشرية مرحلة من النضج العقلي في ضوء تعاليم الأنبياء، حيث صار بمقدور الإنسان من الآن فصاعداً أن يستضيء بنور العقل؛ ليلتمس الطريق الذي سبق للأنبياء أن سلكوه وعبَّدوه بأقدامهم وخطواتهم الثابتة، يعتبر طريقاً آخر من طرق علمنة الشريعة. كما قام المسلمون اليوم ـ بفعل تقدّم العلوم البشرية ـ بالتخلّي عن كمٍّ كبير من النصوص الخاصة بـ «فقه الطبّ» يمكن العمل أيضاً على علمنة «فقه التجارة» و«فقه الإرث» و«فقه القضاء» أيضاً. وإن التحوّلات البنيوية تساعد على هذا المسار أيضاً. فمثلاً: كما أدّى انحسار ظاهرة الاستعباد إلى تعطيل جانبٍ من تراثنا الفقهي الخاص بـ «فقه الإماء والعبيد» و«أحكام الرقّ»؛ مواكبةً لتكامل النوع البشري، تغدو تلك المجموعة من الأحكام باليةً ومهجورة؛ بسبب عدم تناسبها مع الزمان والمكان، وتُعاد صياغة الباقي منها بما يتناسب مع العُرْف المعاصر.
ط ـ يمكن لنا أن نضيف إلى القائمة أعلاه مبتكراتٍ أخرى، من قبيل: «توسيع دائرة العناوين الثانوية»، و«فتح باب أحكام التفويض»، و«الاجتهاد الحيوي وتغيير منهجية التفقُّه»، و«إسقاط التكليف عند الوصول»، و«القول بعُرْف الأمّة المرحومة بوصفها مصدراً للتشريع»، و«اللجوء إلى قاعدة اللطف لرفع نوع التكليف بما لا يُطاق»، و«إثبات شرائط الاضطرار في عصر الرأسمالية الصناعية»، وما إلى ذلك؛ إذ إن كلّ واحدٍ من هذه الأمور يلعب بشكلٍ وآخر دَوْراً في تظهير عنصر العُرْف في التقنين، ويُعدّ كلّ واحدٍ منها وسيلة في سياق علمنة المنظومة الفقهية.
7ـ إن جميع الموارد المذكورة في الفقرة السادسة ليست سوى شموع باهتة البريق ضعيفة الضوء إذا ما قورنت بأشعة شمس ولاية الفقيه المطلقة، ولن يكون بمقدور أيٍّ منها منافستها ومباراتها.
إن نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي أعدّت الأرضية المناسبة لتحوُّل الشيعة من حزبٍ متكامل إلى دولةٍ بكلّ ما للكلمة من معنىً، برغم ظواهر الأمور الدالة من جهةٍ على الدمج بين منظومة الدين والدولة، وعلمنة الدائرة السياسية، تمثِّل أهمّ العناصر في تسريع علمنة منظومة الفقه الشيعي. ولكي ندرك هذه الحقيقة الجَدَلية أو المفارقة لا بُدَّ لنا من التمهيد لها ببعض المقدّمات، وذلك على النحو التالي:
8ـ إن ولاية الفقيه المطلقة ـ بوصفها واسطة بين عالم اللاهوت وعالم الناسوت ـ ذات وجهين وحيثيتين. في الوجه الأول (السماوي) يكون الوليّ الفقيه ممثِّلاً عن الإمام المعصوم ومنصوباً من قِبَله، وفي الوجه الثاني (الأرضي) يكون وكيلَ الناس ومنتخباً من قِبَلهم.
أـ في الوجه الأول يمتلك الوليّ الفقيه الولاية المطقة بالنسبة إلى المنظومة الفقهية، بمعنى أن له جميع شؤون النبيّ الأكرم| والأئمّة المعصومين^ في أمر التقنين والتشريع، بل إنه في الأساس هو مصدر الجعل والتشريع، ويجب على منظومة الفقه الشيعي أن تعتبره واحداً من المصادر والأدلّة الفقهية، بالإضافة إلى الأدلة الأربعة المعروفة. وما نقوله من الإضافة إلى سائر الأدلّة إنما يأتي من باب التسامح، وإلاّ فإنه على أساس الروايات المتواترة تمثِّل الولاية ذروة سنام أركان الدين، ومتقدّمة عليها بأجمعها.
فقد توصّل الإمام الخميني& إلى هذه الرؤية الجوهرية قبل سنواتٍ من انتصار الثورة، ومن ذلك قوله: «ليعلم أن كلّ ما ورد ثبوته للإمام أو السلطان أو والي المسلمين أو وليّ الأمر أو للرسول أو النبيّ أو ما يشابهها من العناوين يثبت بأدلة الولاية للفقيه. نعم، لا يثبت للفقيه ما شُكَّ في ثبوته للإمام× أو عُلم عدم ثبوته له»([77]).
إن الوصول إلى هذه النقطة تمثِّل القول بأحد أهمّ عناصر التفكير في الدولة الحديثة. وهي النقطة التي تبدأ منها بلورة الدولة([78]) بمعناها الحديث. وبطبيعة الحال لم يكن بالإمكان بلوغ هذه النقطة من صلب الفقه، حتّى قيل: «لا تسألوا الشافعي عن مثل هذه المسائل»، بل يغلب إلى الظنّ أن الإمام الخميني قد توصَّل إلى ذلك بذوقه العرفاني.
وقد كان (توماس هوبز)([79]) ـ الذي يعتبر مؤسّس نظرية الدولة الحديثة ـ يقول في تفسير هذه الفقرة الإنجيلية: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»: «إن مجمل الفضاء العام([80]) في قبضة سلطة القيصر، والكنيسة تتولى فضاءً خاصّاً. إن قيصر (أو الدولة) خليفة الله، واللوياثان (إله الأرض) يتولى جميع شؤون الله».
ب ـ في الوجه الثاني (الجانب الأرضي) يكون الفقيه ممثِّلاً ونموذجاً لـ «السيادة الوطنية»، وهو مكلَّفٌ برعاية «المصالح العامة» و«المصلحة الوطنية».
وفي الحقيقة إن القول بمعنى المصلحة بوصفها العنصر الأهمّ الذي يستطيع التسريع في علمنة منظومة الفقه المقدَّس هو عنصرٌ هامّ آخر تمكَّن الإمام الخميني من إدخاله في فكر التشيُّع. إن الدولة الحديثة تدور حول محور المصالح والمنافع الوطنية، وفي الأساس لم يكن بالإمكان تأسيس الدولة القائمة على فكرة ولاية الفقيه دون القول بعنصر «المصلحة» (وهذه هي النقطة التي توصّلت إليها الجمهورية الإسلامية، فوضعت مجمع تشخيص مصلحة النظام على رأس شورى صيانة الدستور). ومن هذه الناحية كان الإمام الخميني يقول: إن حفظ النظام من أوجب الواجبات.
إن مجمع تشخيص المصلحة، الذي يتمّ تعيين المصالح الوطنية فيه من قِبَل عُرْف عقلاء القوم دون قيدٍ أو شرط، يمثِّل الشكل العملي والتنظيمي لتدخل عنصر العُرْف في آلية الدولة، حيث يكون لها تأثيرٌ جَذْريّ، ويُعَدّ الفصل المميِّز للتفكير السياسي القديم والجديد.
ومن الناحية الثانية (الناظرة إلى جمهور المواطنين) يمكن لنا أن نستنتج إطلاق ولاية الفقيه أيضاً؛ إذ لو قبلنا بأن الوليّ الفقيه يمثِّل السيادة الوطنية فحيث تكون الحاكمية الوطنية ـ على حد تعبير (جان بودان)([81]) ـ أحد أهمّ منظري الدولة الحديثة ـ مطلقةً وغير مشروطة وغير قابلة للنقل والتجزئة يمكن اعتبار هذه الصفات لمَنْ يمثِّل هذه السيادة أيضاً. غاية ما هنالك أنه ينبغي التذكير بهذه النقطة، وهي أن ولاية الفقيه (في جانبها الأرضي) تأخذ مشروعيتها من حقوق الشعب (المنبثقة من حقّه في تقرير مصيره)، وفي الحقيقة إن سلطته تنشأ من سلطة الشعب، وصوته هو صوت الشعب. وبذلك يكون وكيلاً عن الشعب الذي اختاره بموجب «العقد».
وقد أشار الإمام الخميني في بعض كلماته إلى هذه النقطة بشكلٍ واضح؛ إذ قال: «نحن لا نريد أن نفرض شيئاً على شعبنا بالإكراه. إن الإسلام لا يسمح لنا بممارسة الدكتاتورية. ولذلك نحن تَبَعٌ لآراء الشعب. فمهما كانت نتائج أصوات الشعب سنكون تحت سقفها، فلم يأذن الله لنا، ولا رسوله، أن نفرض على الناس شيئاً لا يريدونه»([82]).
كما قال سماحته في بيان معايير الحاكم الإسلامي: «يجب أن يستند [الحاكم] أوّلاً إلى آراء الشعب، بحيث يُشارك جميع آحاد الشعب في انتخاب الشخص أو الأشخاص الذين يجب أن يتولّوا المسؤوليات، ويديروا دفّة الأمور، وأن يشركوهم في إدارة الأمور حَتْماً. ويجب على المسؤولين التشاور مع وكلاء الناس وممثِّليهم في اتّخاذ القرارات، وإذا لم يوافق الممثلون والوكلاء لا يمكن للمسؤولين أن ينفردوا في اتخاذ القرار».
يبدو أن واضعي الدستور قد نظروا إلى هذا المعنى من السيادة الوطنية، واعتبروا في تبويب الفصل الخامس من الدستور ولاية الفقيه المطلقة من الناحية العملية تعبيراً عن السيادة الوطنية (بمعنى الدولة في مفهومها العامّ). ولا يخلو بيان المادتين الأوليين من هذا الفصل من فائدةٍ.
الفصل الخامس: حقّ الشعب في السيادة والسلطات المنبثقة عنه:
المادّة السادسة والخمسون: إن الحاكمية المطلقة على العالم والإنسان لله، وإن الله هو الذي جعل الإنسان حاكماً على مصيره الاجتماعي. ولا يمكن لأحدٍ أن يسلب الإنسان هذا الحقّ الإلهي أو أن يستغله لخدمة مصالحه الفردية أو الجماعية الخاصة. وإن الشعب يُعْمِل هذا الحقّ الإلهي بالطرق التي نأتي على ذكرها في المواد اللاحقة.
المادّة السابعة والخمسون: إن السلطات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية عبارةٌ عن: السلطة التشريعية؛ والسلطة التنفيذية؛ والسلطة القضائية. وتعمل هذه السلطات تحت إشراف ولاية الأمر المطلقة والإمامة على طبق الأصول اللاحقة من هذا القانون. وهذه السلطات تعمل بشكلٍ مستقلّ عن بعضها.
ج ـ بهذه المقدّمات يمكن اعتبار الكثير من الشبهات حول ولاية الفقيه المطلقة ومصدر مشروعيته والتزاحم الظاهري بين بعض آراء الإمام الخميني منتفياً، بمعنى أن الولي الفقيه من الناحية السماوية يحصل على مشروعيته من العالم القدسي، ويكون منصوباً بـ (التنصيب العام) من قِبَل المعصوم×، ويمكنه التصرُّف في المنظومة الفقهية، والعمل على تعريفها في ضوء المصالح الوطنية.
وأما من الناحية الأرضية فمشروعية الوليّ الفقيه تكون مشروعية حقوقية / قانونية، وتقوم على أساس العقد الاجتماعي (والتي يمكن إثباتها على هامش واحدٍ من العقود الشرعية، من قبيل: الوكالة والعهد والأمانة وما إلى ذلك). ويتمّ ذلك عبر الانتخابات. ومن هذه الناحية؛ حيث يكون الوليّ الفقيه ممثِّلاً للسيادة الوطنية، فإنه يحظى بصلاحيّات مطلقة في إطار المصالح الوطنية والأمور المرتبطة بالمجال العام.
ويُلاحَظ أنه بالإمكان استنباط العناصر المقوّمة للتفكير السياسي الحديث من نظرية «ولاية الفقيه المطلقة». والملفت أن التفكير السياسي في العالم الغربي في مستهلّ عصر تأسيس «الدولة الحديثة» أخذ يتّجه إلى ناحية «الدولة المطلقة». وبطبيعة الحال في بلدٍ كإيران يمثِّل ذلك جزءاً من طموح التشيُّع إلى تشكيل دولةٍ مقتدرة، ويُعَدّ جهداً لا شعورياً في إطار حلّ مشكلة عدم التنمية. كما نشهد ذات هذا المسعى في المثالية الألمانية على أعتاب تشكيل الدولة البروسية([83]) المقتدرة.
ولاية الفقيه المطلقة وأثرها في فصل الدين عن الدولة
9ـ إن العلمنة بالمعنى الثاني (الافتراق البنيوي بين مؤسَّستي الدين والدولة) تُعَدّ من الناحية النظرية من تداعيات القول بنظرية «ولاية الفقيه المطلقة»، كما أن الذي تحقَّق على أرض الواقع من الناحية العملية يبيّن هذا المعنى أيضاً.
وخلافاً لتصوُّر بعض المنظِّرين الذين يرَوْن في تشكيل الدولة الدينية في إيران ودمج المؤسّسة الدينية بمنظومة الدولة خلافاً للعلمنة، ويذهبون إلى الاعتقاد بأن التركيبة السياسية في إيران بعد انتصار الثورة تعيش تجربة «القيصرية الكنسية أو الكنسية القيصرية»، يمكن القول: إنه على الرغم من الظواهر المذكورة، إلاّ أن هذا المعنى من العلمنة يتحقّق على المدى المتوسّط والمدى البعيد، وقد بدأت بوادرها تلوح منذ الآن.
أـ إن الدين من الناحية النظرية يتعاطى مع الأمور الثابتة والمفاهيم المقدّسة، والدولة تتعاطى مع الأمور المتغيّرة؛ كي تتمكّن من رتقها وفتقها في ضوء المصلحة الوطنية العامة. وهذا الأمر هو الذي يمهّد الأرضية الرئيسة للافتراق بين مؤسّستي الدين والدولة. وعلى مسار هذا الافتراق يغدو الفقه الناظر إلى المقولات الثابتة، التي هي في الغالب من نوع المناسك([84]) (فقه العبادات)، دائرة تخصُّص المؤسسة الدينية، وتتحوّل سائر أبواب الفقه الناظرة ـ بشكلٍ عام ـ إلى المفاهيم التعاقدية، إلى حقوق عُرْفية، وتصبح الدولة ضامنةً([85]) لها.
إن هذا المسار ـ الذي اعتبره تالكوت بارسونز خصخصةً([86]) لأمر الدين، ويرى فيه واحداً من مسارات خمسة رئيسة تسود المجتمعات الدينية (أطلق عليها مصطلح المتغيّرات النموذجية([87])) ـ يؤدّي بمنظومة الشريعة إلى الانشعاب إلى مجال الشعائر والمناسك (التي تنظم العلاقة الخاصة بين الإنسان وخالقه، وأهمّ الخصائص المميزة لها هو التكرار والنمطية والتصلّب الشكلي)، والمجال الحقوقي العُرْفي (الذي نظم العلاقات والروابط الاجتماعية، وهو في الأساس صفة تعاقدية ومعيارية، وليست قِيَميّة). ولكلّ واحد من هاتين الشعبتين أولياؤها المخصوصين، أي مؤسّسة الدين ومؤسّسة الدولة.
ب ـ إن ظهور السلطة المركزية وتمركز العلاقات الوطنية (ولا سيَّما اتساع رقعة الأسواق والتبادل التجاري) في شكلها الحقوقي يستلزم مسار شمولية([88]) الحقوق والقواعد الرادعة والدافعة، بمعنى أن جميع المواطنين يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون، وأن يكون لهم جرمٌ واحد وعقوبةٌ واحدة. إن هذا الأمر يؤدّي بالنظريات الفقهية المتنوّعة (المتعلقة بالمدارس الفقهية المختلفة والمرجعيات المتنوّعة) إلى استعراض نقاط قوتها في دائرة المناسك والشعائر (فقه العبادات) فقط، وفي المقابل يكون هناك اعتبارٌ لنظرية حقوقية عامّة وخاصة في كامل الرقعة الجغرافية (والقضائية).
ففي القضاء وحلّ النزاعات بين الخصوم ـ على سبيل المثال ـ لا يتمّ الرجوع إلى فتوى هذا المرجع أو ذاك، وإنما تكون القوانين المُصادَق عليها من قِبَل السلطة التشريعية هي المتَّبعة في إصدار الحكم من قِبَل القاضي.
ومن هذه الناحية يكون جميع المواطنين في مجال الحقوق العامة والخاصة مقلِّدين للسلطة التشريعية (وهي واحدة من السلطات الناشئة عن السيادة الوطنية المساوية لولاية الفقيه).
ومن هنا يشتدّ الحدّ بين الحقوق الشاملة([89]) والحقوق الجزئية([90]) وضوحاً، وتكتسب الحقوق الشاملة ـ التي تضطلع بها الدولة ـ صبغةً عُرْفية وتعاقدية، وتبقى الحقوق الجزئية ضمن حدود المؤسّسة الدينية، حيث تعمل على تنظيم العلاقة بين الإنسان وخالقه.
ج ـ في الأساس إن طبيعة الحقوق الناظرة إلى التعاقد تميل نحو العلمنة، وكلما زاد أطراف التعاقد تتّجه هذه الحقوق نحو العلمنة بوتيرةٍ أسرع. فالمناسك التي تمثِّل العلاقة بين الإنسان وخالقه تبدي مقاومة وثباتاً أشدّ في مقابل التغيّر والتحوّل؛ والحقوق الخاصّة التي تجنح نحو تنظيم العلاقات بين الأشخاص (أو المؤسّسات) أقلّ ثباتاً في مواجهة المتغيّرات؛ والحقوق العامة الناظرة إلى العلاقة بين المؤسّسات (وعلى رأسها الدولة) أكثر أُنْساً بمقولة المصلحة المتغيّرة؛ حتى نصل إلى الحقوق الدولية الناظرة إلى العقود المُبْرَمة بين الدول، حيث تغدو عُرْفية ومعلمنة مئة بالمئة. وعلى هذا الأساس فإن الدولة ـ بوصفها مؤسّسةً ناشئة من التعاقد بين المواطنين الذين يمتلكون سهماً مشاعاً من عقار اسمه الدولة ـ تمثِّل أكبر شخصية حقوقية (مؤسّسة) تضمن الحقوق الخاصة والعامة والدولية (ذات الصبغة العُرْفية).
10ـ وفي تبويب عامّ، وبالنظر إلى ما تقدَّم، يمكن لنا أن نقف على أهمّية نظرية «ولاية الفقيه المطلقة» في مسار علمنة فقه الشيعة، ومقارنة هذه النظرية بسائر الطرق ذات الصلة بهذا المسار.
وفي الأساس ما إن تتّجه المنظومة الدينية إلى تشكيل الدولة حتّى يتوجب عليها أن تجري بعض التغييرات في حقوقها الشرعية؛ كي تتمكّن من التناغم مع الظروف والشرائط الجديدة، ويجب عليها الالتزام بلوازمها، وأن تعمل على إعداد هاضمةٍ قوية لهضم لقمة «الدولة». إن مسار العلمنة يمثِّل مادّة تحفّز على هضم الدولة في المؤسسة الدينية، وتعمل هذه المادة بدَوْرها على هضم الدين في مؤسّسة الدولة.
إن هذا المسار في عصر الجمهورية الإسلامية ـ حيث يُعدّ مساراً ذاتياً منبثقاً من الداخل ـ أكثر ثباتاً ورسوخاً واستحالة على التراجع من المسارات المشابهة والحاصلة في بعض البلدان الإسلامية؛ بفعل ضغوط القوى المحيطة، ومن قِبَل العناصر المناوئة للدين؛ إذ نشهد اليوم تبلور تبعاتها وتداعياتها السيّئة على شكل الحركات السلفية المتطرِّفة.
الهوامش
(*) باحثٌ في الفكر الإسلاميّ. من إيران.
([1]) جورج غورفيتش (1894 ـ 1965م): عالم اجتماع فرنسيّ. أحد روّاد علم الاجتماع في عصره، وكان متخصّصاً في علم اجتماع المعرفة. تقلّد كرسي علم الاجتماع في السوربون بصفته مجاهراً بدعوته إلى إنهاء الاستعمار الفرنسي للجزائر؛ فكان لذلك ضحيةً لهجوم إرهابي من قِبَل الجماعة الوطنية اليمينية (منظمة الجيش السرّي) سنة 1962م، حيث تمّ تفجير منـزله بقنبلة؛ فاضطرّ هو وأسرته إلى الانتقال منه، والإقامة في منـزل الرسام مارك ساغال. من أعماله: (علم اجتماع القانون)، و(الأطر الاجتماعية للمعرفة). المعرِّب.
([2]) هربرت سبنسر (1820 ـ 1903م): فيلسوفٌ بريطاني. مؤلِّف كتاب (الرجل ضد الدولة)، الذي قدَّم فيه رؤية فلسفية متطرّفة في ليبراليتها. وعلى الرغم من اشتهار نسبة العبارة القائلة: (البقاء للأصلح) على لسان تشارلز دارون، إلاّ أن أول مَنْ استعمل هذا المصطلح هو (هربرت سبنسر). وقد ساهم في ترسيخ مفهوم الارتقاء، وأعطاه بُعْداً اجتماعياً. وهكذا يُعَدّ سبنسر واحداً من مؤسِّسي علم الاجتماع الحديث، حتّى عدّه البعض الأب الثاني لعلم الاجتماع، بعد الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت. من أهمّ مؤلفاته: (أسس علم الحياة)، و(أسس علم الاجتماع)، و(أسس الأخلاق). المعرِّب.
([3]) غابرييل تارد (1843 ـ 1904م): عالم اجتماع فرنسيّ. المعرِّب.
([4]) إميل دوركهايم (1858 ـ 1917م): فيلسوف وعالم اجتماع فرنسيّ. أحد مؤسِّسي علم الاجتماع الحديث، وقد وضع لهذا العلم منهجيةً مستقلة تقوم على النظرية والتجريب في آن معاً. من أعماله: (في تقسيم العلم الاجتماعي)، و(قواعد المنهج السوسيولوجي) و(الأشكال الأولية للحياة الدينية). المعرِّب.
([5]) سلستين بوغليه (1870 ـ 1940م): أحد أكثر الأعضاء تأثيراً في حلقة طلاب دوركهايم. من أعماله: (عقائد المساواة)، و(مقالات في مجال نظام الفرق). المعرِّب.
([6]) ماكس كارل إميل فيبر (1864 ـ 1920م): عالمٌ في الاقتصاد والسياسة، وأحد مؤسِّسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامّة في مؤسّسات الدولة، وهو الذي أبدع مصطلح (البيروقراطية). من أعماله: (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية). المعرِّب.
([13]) فهي من القضايا التي تعرف في المنطق بأنها تحمل قياساتها معها.
([19]) يطلق الـ (fane) لغةً بمعنى الهيكل والحرم، والـ (profane) بمعنى النطاق الخارج عن الحرم.
([25]) روبرت آي نيسبت (1913 ـ 1996م): عالم اجتماع أمريكيّ. من أعماله: (علم الاجتماع)، بالاشتراك مع روبرت بيران. المعرِّب.
([26]) see: Nisbet&Perrin, 1977.
([31]) برونسيلاف مالينوفسكي (1884 ـ 1942م): عالمٌ بولندي مختصّ في الأنثروبولوجيا. حيث كان يُعَدّ من أهمّ علماء هذا المجال في القرن العشرين، ومن أهمّ الروّاد في علم الإنسان التطبيقي. المعرِّب.
([32]) see: Nisbet&Perrin, 1977.
([34]) نادي اليعاقبة: جمعية أصدقاء الدستور أو أصدقاء الحرية والمساواة. كان هو النادي السياسي الأكثر نفوذاً خلال الثورة الفرنسية، حيث تأسَّس من قبل النوّاب المعادين للمَلَكية، ليتحوَّل بعد ذلك إلى حركةٍ جمهورية على الصعيد الوطني. شمل نادي اليعاقبة كلاًّ من الفصائل البرلمانية البارزة وهما: حزب الجبل؛ وحزب الجيونديين. المعرِّب.
([40]) Elementary Forms of Religious Life.
([41]) cited in nisbet. 1966. P. 221.
([44]) conventionalization of social life.
([46]) جورج سيمل (1858 ـ 1918م): فيلسوفٌ، وعالم اجتماع، وأستاذٌ جامعي، ألمانيّ. أدار جامعة هومبولت في برلين. من أهمّ أعماله: (السوسيولوجيا). المعرِّب.
([48]) ألكسيس دي توكفيل (1805 ـ 1859م): مؤرّخٌ ومنظر سياسي فرنسي. اهتمّ بالسياسة في بُعْدها التاريخي. من أعماله: (النظام القديم والثورة)، و(في الديمقراطية الأمريكية). المعرِّب.
([50]) فوستيل دي كولانج (1830 ـ 1889م): مؤرّخٌ فرنسي. مؤلِّف كتاب: (المدينة العتيقة)، وهو عبارة عن دراسة حول تأثير الدين في تطوّر المدن الإغريقية وروما. وله أيضاً: (تاريخ النظم السياسية لفرنسا القديمة). المعرِّب.
([52]) دولة ذات سيادة مؤلفة من مدينةٍ مستقلة والمناطق الخاضعة لسلطانها المباشر (مثل: أثينا القديمة). المعرِّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد (قاموس إنجليزي / عربي).
([53]) فرديناند تونيز (1855 ـ 1936م): عالم اجتماع ألمانيّ. من المساهمين الرئيسين في إرساء النظرية الاجتماعية والدراسات الميدانية. شارك في تأسيس الجمعية الألمانية لعلم الاجتماع، وتولى رئاستها ما بين عامي (1909 ـ 1933م)، حتّى أطاح به النازيون. من أعماله: (الجماعة المحلية والمجتمع العام). المعرِّب.
([54]) Gemeinschaft / gesellschatf.
([55]) العهد الجديد، إنجيل مرقس، الإصحاح الثاني عشر، الفقرة 16.
([56]) رايت ميلز (1916 ـ 1962م): عالم اجتماع أمريكيّ. يعتبر الأب الروحي للاتجاه الراديكالي في علم الاجتماع المعاصر. من أعماله: (أسباب الحرب العالمية الثالثة)، و(الخيال السوسيولوجي الواعد)، و(علم الاجتماع والبراجماتية). المعرِّب.
([57]) تالكوت بارسونز (1902 ـ 1979م): عالم اجتماع أمريكيّ. وضع نظريةً عامة لدراسة المجتمع تسمّى بـ (نظرية السلوك)، حيث حاول من خلالها إنشاء توازن بين التقاليد النفعية الوضعية والتقاليد التفسيرية المثالية، ليخلص إلى بديلٍ ثالث يكمن في المنهج التطوّعي. من أعماله: (بناء الفعل الاجتماعي)، و(أنساق المجتمع الحديث)، و(المجتمعات: تطوّرها ومقارناتها). المعرِّب.
([58]) see: cited in Lechner. 1991.
([62]) see: Wilson, 1982. P. 153.
([69]) فرانك جاكوب ليشنر (1877 ـ 1947م): فيلسوفٌ أمريكي. المعرِّب.
([73]) Church – state – differentiation.
([77]) الإمام الخميني، كتاب البيع 2: 496.
([79]) توماس هوبز (1588 ـ 1679م): عالم رياضيات وفيلسوف إنجليزي. يُعَدّ أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر للميلاد في إنجلترا، ولا سيَّما في المجال القانوني، حيث كان ـ بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة والأخلاق والتاريخ ـ فقيهاً قانونياً، ساهم في بلورة كثير من الأطروحات على المستوى السياسي والحقوقي. كما لعب دَوْراً كبيراً في التأسيس لمفهوم العقد الاجتماعي. وقد وضع كتابه تحت اسم لوياثان الأساس لمعظم الفلسفة السياسية الغربية من منظور نظرية العقد الاجتماعي. المعرِّب.
([81]) جان بودان (1530 ـ 1596م): قانوني وفيلسوف سياسي فرنسي. صاحب نظرية السيادة ومن فلاسفة المذهب التجاري، وكان من أنصار التسامح الديني، وكان مستشاراً للملك هنري الرابع. المعرِّب.
([83]) بروسيا: اسمٌ كان يطلق في الأصل على المقاطعة الألمانية التي أطلق عليها لاحقاً اسم بروسيا الشرقية. سُمّيت المنطقة على اسم السكان الأصليين البروسيين ذوي الأصول البلطيقية. أصبحت منذ عام 1225م مركز دولة فرسان الرهبنة الألمانية، ثمّ قسّمت إلى جزءين: أحدهما: بدءاً من عام 1466م، كبروسيا الملكية تحت سلطة التاج البولوني؛ والآخر: منذ 1525م كإمارة بروسيا بعد علمنة ما تبقّى من دولة الفرسان. وفي عام 1618م ألحقت إمارة بروسيا بإمارة براندنبورغ الانتخابية. تحولت بروسيا بعد انهيار الملكية في ثورة تشرين الثاني 1918م إلى جمهورية، ما لبثت الحكومة الإمبراطورية أن أسقطتها في ما عُرف بـ (ضربة بروسيا) سنة 1932م. وكانت نهاية بروسيا على يد الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. المعرِّب.
([84]) rituals.