د. سعيد نظري توكلي(*)
أ. فاطمة سادات مرتضوي(**)
مدخلٌ
من الروايات التي تُطرح في المباحث الفقهية والأصولية المختلفة، نظير: تعارض الأدلّة([1])، والترجيح بالشهرة([2])، والاجتهاد والتقليد([3])، وولاية الفقيه([4])، والتي يَستند إليها فقهاء الإمامية، هي مقبولة عمر بن حنظلة. وقد روى مشايخ رواة الإمامية (أي الكليني والصدوق والطوسي) هذه الرواية بإسنادهم عن عمر بن حنظلة، عن الإمام الصادق×. وتتبيّن أهمّية هذه الرواية حين نعلم أنّها أبرز دليلٍ يستند إليه الفقهاء في بعض المسائل الفقهية، إلى جانب تفاسيرهم التي قدَّموها حول هذه الرواية ـ الدليل، كما: «جعلوه عمدة التفقُّه، واستنبطوا منه شرائطه كلّها»([5])، «وعليها مدار العلماء في الحكم والفتوى»([6])، «ولا يظهر لهم مستندٌ فيه سوى ما في مقبولة عمر بن حنظلة»([7])، «والرواية من المقبولات التي دارَتْ عليها رحى القضاء»([8])، و«هي الأصل عند أصحابنا في استنباط أحكام الاجتهاد، وكون المجتهد العارف بالأحكام منصوباً من قِبَلهم^»([9]).
هذا، ويمكن تقسيم رواية عمر بن حنظلة مضموناً إلى قسمين كلّيين:
القسم الأوّل: ما يتعلَّق بخصائص الشخص أو الأشخاص الذين يجب على الشيعة الرجوع إليهم في منازعاتهم. ويكون تطبيق هذا القسم من قِبَل الفقهاء المعاصرين في الغالب في مسألة ولاية الفقيه. يبدأ هذا القسم بعبارة: «سألتُ أبا عبد الله× عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعةٌ»، وينتهي بعبارة: «على حدّ الشرك بالله». وقد اعتمد بعضُ المحدِّثين في نقل هذا الحديث على أن هذا الجزء من الحديث مُستندٌ إلى كلام المعصوم× فقط([10]).
القسم الثاني: يتكوَّن هذا القسم من عدّة أسئلةٍ طرحها عمر بن حنظلة حول التعارض بين الروايات، وأجاب عنها الإمام×، حيث بيَّن فيها أصلاً للترجيح بين الروايات المتعارضة. وقد استفاد علماء أصول الفقه من هذا القسم من الرواية في بحوثهم في مسألة التعادل والتراجيح. ويعتبر هذا القسم من أهمّ دلائل لزوم الانتباه إلى المرجِّحات السنديّة في بحث تعارض الروايات([11])، إلاّ أنّ بعض الفقهاء المعاصرين لم يقبلوا ظهور المقبولة في الترجيح بين الروايات([12]). يبدأ هذا القسم بعبارة: «قلتُ: فإنْ كان كلّ رجلٍ اختار رجلاً»، وينتهي بعبارة: «إنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهَلَكات». لقد نُقل هذا القسم من كلام المعصوم×، مع يسيرٍ من الاختلاف في ألفاظها، في بعض النصوص الروائية([13]). وكما سنرى لاحقاً إنّ لدى فقهاء الإمامية تفسيراتٍ مختلفةً لبعض كلمات المقبولة. وقد أدّى ذلك إلى ظهور وجهات نظرٍ فقهية مختلفة. إنّ فهم معاني الكلمات في هذه الروايات مهمّةٌ للغاية؛ لأنّ لها دَوْراً أساسياً في الآراء الفقهية الحاصلة منها.
ونكتفي في هذا المقال بمعرفة معنى الكلمات، وندرس الدلالات الفقهية الناظرة إليها.
على الرغم من مناقشة فقهاء الإماميّة رواية عمر بن حنظلة في المصادر الفقهيّة والأصوليّة، ضمن مباحث عديدة، مرتبطة بالاجتهاد والتقليد، والتعادل والتراجيح، والقضاء، إلاّ أنه لا يمكن ذكر سوى عددٍ قليل من التحقيقات أو المقالات التي بحثَتْ هذه الرواية من جهتَيْ السند وإثبات ولاية الفقيه.
وعلى سبيل المثال: يبحث الشيرازي في إحدى مقالاته عن توثيق رواية عمر بن حنظلة، وإطلاق عنوان (المقبولة) عليها فقط([14]).
وحلَّل المرتضى في مقالته بعنوان: «قضية ولاية الفقيه ودلالة رواية عمر بن حنظلة عليها»([15]).
كما ناقش المزيناني رواية عمر بن حنظلة كواحدةٍ من وثائقه للادّعاء في قضية ولاية الفقيه فقط([16]).
ولذا سيكون هذا المقال مبتكراً لثلاثة طرق جديدة في تحليل توثيق رواية عمر بن حنظلة، بالإضافة إلى الطريق السابق، والتي هي: عرض قراءات مختلفة للرواية على أساس التعاريف المختلفة لمعاني الكلمات والعبارات المُستَخْدَمة في متن الرواية؛ تقديم تقارير تحليلية للتطبيقات الفقهية والأصولية المختلفة للرواية؛ وأخيراً إيجاد علاقة بين التحليلات اللغويّة من الكلمات والعبارات المستَخْدَمة في متن الرواية وبين استنباط الأحكام الفقهية المختلفة منها.
المسار التاريخي في نقل الأحاديث
بحَسَب ما توصّلنا إليه فإنّ الشهيد الأول(786هـ) كان أوّل فقيهٍ عبَّر عن رواية عمر بن حنظلة بـ (المقبولة)([17]).
وكتب المحقِّق الكركي(940هـ) عن هذه الرواية: «إنّ الأئمّة^ كانوا يعيِّنون نوّاباً في الغالب؛ لأنّ الإمام الصادق× قال في مقبولة عمر بن حنظلة: (لقد جعلتُه حاكماً عليكم)»([18]).
ثمّ إنّ الشهيد الثاني(966هـ) ـ وبفاصل قرنَيْن ـ استشهد بالتفسير المذكور على رواية عمر بن حنظلة في شرحه على مصطلح (الرواية المقبولة) عند المحدِّثين([19]).
وبغضّ النظر عمّا إذا كُنّا نعتبر عمر بن حنظلة شخصاً موثّقاً أو لا فإنّ مثل موقف الشهيد الثاني تجاه رواية عمر بن حنظلة، واستخدامها في كتاب الروضة البهيّة، الذي كان أحد الكتب المدرسيّة على مرّ القرون الماضية([20])، أدّى إلى انتشار مصطلح (المقبولة) لوصف هذه الرواية في المتون الفقهية اللاحقة بها([21]). ومع ذلك لم يُشِرْ بعض الفقهاء إلى أنها (مقبولة)([22]).
سند الرواية بين التوثيق والتضعيف
استناداً إلى الأدلة الموجودة المبحوثة فإنّ هناك رأيَين تجاه رواية عمر بن حنظلة: توثيق سند الرواية([23])؛ وتضعيف سندها، وجبره بـ (تلقّيه بالقبول) من خلال عمل الفقهاء ـ الأصحاب ـ بمضمونها([24]).
واعتبر بعض الفقهاء الماضين أنّ منشأ ضعف سند هذه الرواية مرتبطٌ بثلاثة رواة، هم: محمّد بن عيسى؛ وداوود بن الحصين؛ وعمر بن حنظلة([25]).
ولكنْ ورد الإشكال في القرون المتأخِّرة على وثاقة داوود بن الحصين وعمر بن حنظلة تحديداً([26]).
كما اعتبر الفقهاء المعاصرون ورود هذا الإشكال والضعف في عمر بن حنظلة فقط([27]).
ومن ناحيةٍ أخرى اعتبر بعضُهم أنّ أحد الدلائل في توثيق هذه الرواية هو ذِكْرُها في الكتب الروائية المعتبرة، مثل: مَنْ لا يحضره الفقيه؛ ووجود عدّة طرقٍ مرتبطة بـ (داوود)؛ وكون صفوان بن يحيى أحد أصحاب الإجماع([28]).
وعلى أيّ حالٍ فقد نُقلت هذه الرواية بثلاثة طرق عن عمر بن حنظلة:
الأوّل: سند الكليني
وسند الكلينيّ هكذا: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ دَاوُودَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ»([29]).
إنّ محمّد بن يحيى أبا جعفر العطار القمّي؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ وصفوان بن يحيى البياع السابريّ، من الثقات المعتبرين([30]).
وقد اعتبر بعضُهم أنّ محمد بن عيسى بن عبيد من الثقات([31])؛ بينما اعتبره بعضٌ آخر من الضعفاء([32]).
وكذلك اعتبر بعضٌ داوود بن الحصين الأسديّ الكوفي من الثقات([33])؛ واعتبره آخرون ضعيفاً؛ لكونه واقفيّ المذهب([34]).
وبما أن فساد مذهب الراوي ليس مانعاً لوثاقته([35]) فإنّ محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين([36]) وداوود بن الحصين([37]) جديران بالثقة.
وإنّ سند الكلينيّ معتبرٌ حتّى عمر بن حنظلة.
الثاني: سند الصدوق
يروي الصدوق هذه الرواية عن داوود بن حصين.
لكنْ كما جاء في كتاب (مَنْ لا يحضره الفقيه) فإنّ الصدوق يعتقد بوثاقة جميع الرواة الموجودين في طريقه إلى داوود بن حصين، والطريق هو: (وما كان فيه عن داوود بن الحصين فقد رويتُه عن أبي ومحمّد بن الحسن ـ رضي الله عنهما ـ، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحَكَم بن مسكين، عن داوود بن الحصين الأسديّ، وهو مولى محمّد بن حسن الوليد وسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعريّ القمّي)([38]).
وقد سكتوا بشأن وثاقة الحَكَم بن مسكين المكفوف، مولى ثقيف([39])، ولكنْ في بعض الحالات حكموا بضعف الروايات التي يوجد اسمه في سندها([40]).
وعلى أيّ حالٍ فإنّ طريق الصدوق إلى داوود بن حصين ضعيفٌ؛ بسبب الحُكْم على الحَكَم بن مسكين بالضعف([41]).
كما أن طريق الصدوق إلى عمر بن حنظلة ضعيفٌ؛ من خلال الحسين بن أحمد بن إدريس([42]).
الثالث: سند الطوسي
وطريق الشيخ الطوسي إلى عمر بن حنظلة([43]) هو نفس طريق الكلينيّ، إلاّ في محمد بن عليّ بن محبوب الأشعريّ القمّي. وبما أنّه تمّ توثيق محمد بن عليّ بن محبوب كذلك([44]) يكون طريق الشيخ الطوسيّ وسند الرواية عن طريقه معتبراً.
عدم وثاقة عمر بن حنظلة
إنّ عمر بن حنظلة العجليّ هو من أصحاب الصادقين’([45]).
وقد اعتبر بعضٌ أنّه في مرتبة زرارة ومحمّد بن مسلم([46])؛ ويعتقد الشهيد الثانيّ أنّه على الرغم من عدم وصول جرحٍ أو تعديلٍ من الفقهاء حول عمر بن حنظلة، إلاّ أنّه من الثقات([47])؛ والدليل على ذلك هو تأكيد الإمام الصادق× على عدم كذبه، وذلك في رواية يزيد بن خليفة: «عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ×: إِنَّ عُمَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ! فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ×: إِذَنْ لاَ يَكْذِبُ عَلَيْنَا»([48]).
لكن بعضَهم لا يرى في هذه الرواية دليلاً لإثبات وثاقة عمر بن حنظلة أو إدانته([49])؛ بسبب ضعف يزيد بن خليفة([50]).
وعلى أيّ حالٍ فإنّ دراسة المصادر الرجالية أظهرَتْ أنّه تمّ الاستشهاد بروايات أخرى لإثبات وثاقة عمر بن حنظلة([51])، لكنّ صحّة هذه الروايات مشكوكٌ فيها من حيث الوثاقة أو المحتوى. وإنّ عمل الفقهاء بروايةٍ واحدة لا تثبت وثاقة راوي تلك الرواية وقبول رواياته الأُخَر([52])، ومع ذلك اعتبر بعض الفقهاء صحّة رواية عمر بن حنظلة([53])، كما اعترف بعضٌ بضعف سندها، مع أنّ عمل الفقهاء بها هو سببٌ لجَبْر ضعف عمر بن حنظلة([54]).
جبر الضعف السندي بعمل الأصحاب
وفقاً لتعريف الفقهاء لكلمة (المقبولة) فإنّ الحديث المقبول هو الحديث الذي يقبله الفقهاء، ويعملون بمضمونه([55])، حتّى لو لم يقبلوا بجميع تفاصيل ذلك الحديث. والشهرةُ العمليّة ـ التي هي من أقسام الشهرة في أصول الفقه ـ هي استشهاد معظم الفقهاء بروايةٍ، والعمل بمضامينها([56]).
والأصوليّون بين رأيين مختلفين حول حجِّية هذا النوع من الشهرة:
أـ ليست هذه الشهرة حجّةً في حدّ ذاتها؛ ولكنْ مع مراعاة قاعدة (الأقربية للواقع) يمكن أن تكون صالحةً للحجِّية، بشرطين: يتبيَّن أنّ هناك رواية خاصة استندَتْ إليها فتاوى الفقهاء؛ لأنّ تطابق فتوىً واحدةً مع روايةٍ واحدةٍ لا تكفي بحدّ ذاتها. ويجب أن تكون شهرة العمل بالرواية بين الفقهاء الماضين، دون المعاصرين؛ لحصول الاطمئنان بصدور الرواية عند عمل القدماء بمضمونها. كما أنّ إعراض القدماء عن العمل بروايةٍ خاصّة ـ حتّى لو كان راويها من الثقات ـ يكون سبباً لضعف تلك الرواية([57]).
ب ـ لا تكون الرواية حجّةً إلاّ إذا كانت مشتملةً على جميع شروط العمل بمضمونها، وإلاّ ستكون الرواية من الظنون المنهيّ عنها. وإنّ عمل المشهور لا يضيف شيئاً إلى هذا الظنّ. كما أنّ إعراض الفقهاء عن روايةٍ تشتمل على جميع شروط الحجِّية لا يمكن أن يؤدّي إلى عدم العمل طبقها([58]).
وبناءً على ذلك فإنّ رواية عمر بن حنظلة غير مشهورةٍ في النصوص المتقدِّمة. وإعتبار شهرتها في النصوص المتأخِّرة بعنوان (المقبولة) نابعٌ من مقام الشهيد الثاني، والاعتماد على توصيفه لها، وإلاّ فليس لهذه الرواية في حدّ ذاتها اعتبارٌ.
كما أنّ سند هذه الرواية ضعيفٌ ـ في أقلّ التقادير ـ بسبب عدم وثاقة عمر بن حنظلة.
وكما سنرى لاحقاً فإنّه ليس لدى فقهاء الإمامية فَهْماً مشتركاً لمفاهيم هذه الرواية، ولا يوجد اتفاقٌ على تطبيقاتها الفقهيّة والأصوليّة.
مضمون الرواية، ومعنى مفرداتها
تنقسم رواية عمر بن حنظلة من حيث المضمون إلى قسمين رئيسين: يصف في الجزء الأوّل صفات وخصائص القاضي الذي يجب على المسلمين الرجوع إليه لحلّ نزاعاتهم؛ وكينونة الجزء الثاني بسبب الأسئلة العديدة التي طرحها الراوي، والتي تتضمَّن المرجِّحات التي يتمّ استخدامها في حال وجود تعارض بين الروايتين.
الجزء الأول من الرواية عبارةٌ عن هذه الجُمَل: «عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ، فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَإِلَى الْقُضَاةِ، أَيَحِلُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَمَا يَحْكُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً، وَإِنْ كَانَ حَقّاً ثَابِتاً؛ لأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾، قُلْتُ: فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ، مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا، وَنَظَرَ فِي حَلالِنَا وَحَرَامِنَا، وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللهِ، وَعَلَيْنَا رَدَّ، وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللهِ، وَهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللهِ».
إنّ هذه الكلمات على ثلاثة أنواع مفهوماً: الكلمات التي لا يوجد في معناها خلافٌ؛ والكلمات التي يختلف الفقهاء في معناها، وبرغم ذلك ليس لهذا الاختلاف تأثيرٌ على استنباطهم منها؛ وأخيراً الكلمات التي يوجد خلافٌ كثير حول معناها، وأدّّت هذه الاختلافات إلى صدور فتاوى مختلفة من الفقهاء.
إنّ وضوح معاني بعض الكلمات، كـ (السلطان)، (الرجلين)، (المنازعة) و(السُّحْت)، وكذلك بعض العبارات، كـ «حقّاً ثابتاً له»،«فإذا حكم بحُكْمنا فلم يقبله منه فإنما استخفّ بحكم الله» و«وهو على حدّ الشرك بالله»، يغنينا عن الفحص حول معانيها.
هذا، وإن الخلافات الموجودة بين الفقهاء في معاني بعض الكلمات والعبارات المذكورة فيها، نظير: الخلاف في معنى الكلمتين: «الدَّين»؛ و«الإِرْث» (اللذين ذكرا مثالاً للدعوى في نفس الرواية) وهل أنهما يشيران إلى (مطلق حقّ الآخرين)، ويتضمّن أيّ أمرٍ غير عباديّ يستلزم المحاكمة عليه، كـ (الوقف، والوصيّة، والزكاة، والخمس،…)([59])، أو يمكن أن يتضمّن الدعاوى التي تتعلَّق بالأعيان، بالإضافة إلى الحقوق أيضاً([60])؟ وكذلك الخلاف في مرجع الضمير في عبارة: «مَنْ كان منكم» وهل أنه يشير إلى الإمامي([61]) أو يشمل الإمامي العَدْل فقط([62])؟ وأخيراً الخلاف الموجود في معنى عبارة: «روى حديثنا» في أن المقصود منها رواية جميع أحاديث المعصومين أو رواية الأحاديث الناظرة إلى موارد الدعوى([63]) أو التتبُّع في أحاديث المعصومين، لا نقل الرواية فقط([64])، فليس لها تأثيرٌ أساسيّ على الاستنباط منها؟
لكنّ خلافَ الفقهاء في عبارتَيْ: «جعلتُه عليكم حاكماً»؛ و«نظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا»؛ وكذلك الخلاف في معنى كلمة «الطاغوت» من جهة أنها تؤثِّر في إيجاد التفاسير المختلفة في مضمون هذه الرواية، أجْبَرَنا على دراستها هناك.
كلمة «النظر» في اللغة العربية تدلّ على معنيين:
الأوّل: التأمُّل والتفكير؛ والثاني: الرؤية والمشاهدة([65]). وعليه يكون معنى جملة: «نظر في حلالنا وحرامنا» في النصوص الفقهية كالتالي: معرفة الحلال والحرام بعد التأمُّل والبحث في مصادرهما ولا يكون إلاّ بالاجتهاد([66])؛ أو التأمُّل في الروايات بحيث يتّضح أن أيّ روايةٍ تشمل مورد النزاع([67])؛ أو التفكير في الروايات وعرضها على القرآن من أجل التعرُّف على الأحكام الإلهية([68]).
يتمّ استخدام كلمة «عَرَفَ» في اللغة بمعنيين:
الأوّل: تتبُّع مكوِّنات الشيء الواحد تلو الآخر؛ الثاني: الهدوء (السكون والطمأنينة) الذي يأتي من معرفة شيءٍ ما([69]). ومن هنا فإنّ «معرفة أحكامنا» تعني سكون وطمأنينة الفقيه بسبب التمعُّن الصحيح في مصادر الأحكام الشرعيّة([70]).
وكلمة «الطاغوت» تعني في اللغة: الشيطان والكاهن ومبدأ الضلال والأصنام([71]). وهناك عدّة احتمالاتٍ لما تعنيه في هذه الرواية: تعني القاضي الذي لا يستحقّ ذلك ويحكم بالباطل. ويمكن أن يكون سبب هذه التسمية هو شدّة تمرُّد هذا الشخص، أو تشبُّهه بالشيطان، أو أنّ الرجوع إلى مثل هذا الشخص للقضاء هو كالرجوع إلى الشيطان([72])؛ أو تعني الشيطان؛ لأن الشيطان يجبر المرء على الرجوع إلى الظالم للقضاء([73])؛ أو تعني أيّ شيءٍ آخر يُعْبَد غير الله؛ لأنّ الرجوع إلى الظالم في القضاء هي الرجوع إلى هوى النفس؛ لأنّ الأهواء النفسانية هي سبب رجوع الشخص إلى الظالم، ومثل هذا الشخص يجعل هوى نفسه إلهه([74])؛ أو تعني قادة الضلال الذين يعتمدون في الإدلاء بالأحكام على آرائهم الشخصيّة([75]).
تعني كلمة «الحكم» «المنع»، أي المنع من الظلم([76]). ويُسمّى القاضي حاكماً لأنّه يحكم في بعض الوقائع الخاصّة بحَسَب الشريعة، ويكون حكمه نافذاً([77]).
وقد طرح الفقهاء احتمالين لـ كلمة «الجعل» في عبارة: «قد جَعَلْتُه عليكم حاكماً»:
1ـ قد جعَلْتُ مثل هذا الشخص حاكماً عليكم؛ لأنّ ظاهر الحديث يدلّ على تعيينه من قِبَل الإمام([78]). وفي هذه الحالة تجوز جميع تصرُّفات الفقيه بواسطة تعيينه من قِبَل الإمام المعصوم([79]).
2ـ قد سمَّيْتُ مثل هذا الشخص حاكماً؛ لأنّه لم يكن للأئمّة المعصومين^ دَوْرٌ في تعيين الحاكم في زمن صدور الرواية. واحتمال تعيين الحاكم غير المعلوم بعيدٌ جدّاً؛ لأنّ الغرض من تعيين الحاكم هو رجوع الناس إليه، وحلّ مشاكلهم بواسطته([80]).
ومع ذلك فإنّ الاحتمال الأوّل هو الأصحّ؛ لأنّه من جهةٍ يتعلَّق منصب القضاء بالإمام المعصوم، ويجب أن يحيل منصب القضاء إلى شخصٍ آخر بنفسه؛ ومن جهةٍ أخرى جاءت هذه العبارة ردّاً على سؤال شخصٍ يسعى لمعرفة تكليفه الشرعيّ. لذلك فإنّ معنى كلمة (النصب) قريبٌ لهذا السياق جدّاً. والغرض من جعل الحاكم هو تعيين القاضي وتنفيذ أحكامه من قِبَل الإمام. وكما نرى لاحقاً فإنّ وجود هذه الاحتمالات المختلفة في معنى كلمات وجمل رواية عمر بن حنظلة وضعَتْ البناء الأساس في الاستنباطات الفقهيّة المختلفة من هذه الرواية. ولذلك فإنّ عدم وجود الأسس الأدبيّة اللازمة للوصول إلى فَهْمٍ مشترك هي إحدى المشاكل الرئيسة في الاستناد إلى هذه الرواية.
التطبيقات الفقهيّة
سبَّبَتْ التفسيرات المختلفة لهذه المقبولة بتعدُّد الأحكام الفقهية، ومنها:
الأوّل: الرجوع إلى مجتهدٍ متجزّئ
بسبب التفسيرين المختلفين لعبارة: «ينظران مَنْ كان منكم، ممَّنْ قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضَوْا به حَكَماً» تولَّد رأيان فقهيّان مختلفان لدى الفقهاء: أحدهما: الجواز؛ والآخر: عدم جواز التقليد والرجوع إلى المجتهد المتجزّئ؛ إذ ينقسم الاجتهاد، وبالتالي المجتهد، إلى نوعين: المطلق؛ والمتجزّئ، والمجتهد المطلق هو الفقيه الذي لديه القدرة على استنباط جميع الأحكام الفرعيّة في جميع أبواب الفقه بواسطة مَلَكة الاجتهاد، ويطلق المجتهد المتجزّئ على الفقيه الذي لديه القدرة على استنباط بعض الأحكام أو جزءٍ منها([81]).
أـ عدم جواز الرجوع إلى المجتهد المتجزّئ
بما أنّ المميِّزات الموجودة في عبارة: «روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا» تنصرف إلى راوي الحديث الذي عمله نقل الحديث فقط([82]) فيجب أن يكون لديه مَلَكة الاجتهاد المطلق؛ حتّى يتمكَّن من خلالها استنباط جميع الأحكام من أدلّتها الفقهيّة التفصيليّة التي ستكون ضروريّةً للقضاء([83]). وبما أنه من الواضح أنّ الإمام في مقام تعيين القاضي في جميع الأمور: «عرف أحكامنا» فمعنى تناسب الحكم مع الموضوع هو أن معرفة حكمٍ واحدٍ يتعارض مع منصب القضاء؛ فلهذا السبب يخرج المجتهد المتجزّئ من دائرة مقصود الرواية([84]).
ويَرِدُ على هذا الاستدلال عدّة إشكالاتٍ:
أوّلاً: لا فرق بين الاجتهاد المطلق والمتجزّئ في سيرة العقلاء؛ لأنّ معيار رجوع الجاهل إلى العالم في سيرة العقلاء ليس إلاّ معرفة العالم ومهارته في المسألة المُعيَّنة، لا مقدار معرفته في مختلف الأمور([85]).
ثانياً: بما أنّه يستحيل معرفة حقيقة الأحكام الشرعيّة لا يمكن حمل هذه الرواية على ضرورة تحصيل جميع الأحكام الشرعيّة. ولذلك، ووفقاً لما هو المتفاهم عُرْفاً، فإنّ عنوان: «ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا» ينطبق على الشخص الذي لديه معرفةٌ كافية بالأحكام الشرعيّة([86]).
ثالثاً: كان الإمام في قوله: «عرف أحكامنا» بصدد النهي عن الرجوع إلى حكّام الجَوْر وقضاة الطاغوت من ناحيةٍ، وترغيب شيعته بالرجوع إلى علماء مدرسة أهل البيت^ من ناحيةٍ أخرى([87]).
ب ـ جواز الرجوع إلى المجتهد المتجزّئ
إنّ إضافة ضمير الجمع «نا» إلى كلمتَيْ (الحلال) و(الحرام) وكلمة (الأحكام) لا تدلّ على العموم دائماً؛ فإن الرواية المقبولة شاملةٌ للمجتهد المطلق والمجتهد المتجزّئ على حدٍّ سواء. ولذك يمكن الرجوع إلى المتجزّئ لمعرفة الأحكام والواجبات الشرعيّة([88])؛ لأنّ معظم نوّاب الأئمّة^ لم يكونوا مجتهدين مطلقين، وتعيين المجتهد المطلق لا يتعارض مع تعيين المجتهد المتجزّئ([89]). وبناء على هذا يكون الاستغراق العُرْفي كافياً، حيث ينطبق عنوان «معرفة الأحكام» على كلّ مَنْ علم عدداً من مسائل الشريعة([90]) أو علم بمعظم أحكام الشريعة([91]).
وبالنظر إلى بنود الرواية المقبولة يواجه حكم جواز الرجوع إلى المجتهد المتجزّئ عدّة إشكالات، منها:
1ـ إن بناء العقلاء في جواز الرجوع إلى المجتهد المتجزّئ لو سُلِّم لكان مردوعاً بالأدلّة التي تدلّ على لزوم تحقُّق عنوان العالم والفقيه([92]). كما أن عنوان «المعرفة بالأحكام» صادقٌ إذا كان الشخص على درايةٍ بكمّيةٍ كبيرة من الأحكام الفقهية، ولديه القدرة للوصول إلى مثل هذه الوضعيّة([93]).
الثاني: شرط الاستنباط، بين القوّة والفعل
هناك رأيان في أنه يجب على مَنْ تصدّى لهذين المنصبين (التقليد؛ والقضاء) الاستنباط الفعليّ، أو يكفي وجود مَلَكة الاستنباط
وأحد أدلّة إثبات كلٍّ من هذين الرأيين هو بعض فقرات المقبولة.
يعتقد البعض أنّ كلا العنوانين، أي: النظر إلى الحلِّية والحُرْمة؛ ورواية الحديث، يدلّ على فعليّة الاستنباط([94]). ومن الخطأ جدّاً حمل كلمتَيْ «المعرفة» و«النظر» على قوّة المعرفة والنظر؛ لأنّه من جهةٍ يخالف ظاهر هاتين الكلمتين، ومن جهةٍ أخرى فإنّ معنى عبارة: «روى حديثنا» هو الرواية الفعليّة، لا الشأنية والقدرة على نقل الرواية([95]).
وفي مقابل ذلك يدّعي بعضٌ آخر أنه وبالرغم من أن ظاهر الرواية يدلّ على لزوم العلم الفعليّ، ولكنْ بما أنّ المصداق الوحيد للعالم الفعليّ على جميع الأحكام هم الأئمّة المعصومون^ فسيكون اعتبار العلم فعلاً بجميع الأحكام مُلغىً بواسطة نفس هذا الحديث، لذلك يجب أن تُحْمَل عبارة المعرفة والنظر في الأحكام خلافاً لظاهرها([96]). وبالإضافة إلى ذلك لم يكن الرواة الذين يتمّ الرجوع إليهم في زمن الأئمّة^ يعلمون جميع الأحكام الشرعية، بل حتّى معظمها، ولذلك يجب أن تُحْمَل «المعرفة» على المَلَكة وقوّة الاستنباط، أو على الاستغراق العُرْفي (أي معرفة عددٍ كثير من الأحكام الشرعيّة)([97]).
الثالث: تقليد المجتهد الأعلم
من أهمّ القضايا المطروحة في باب الاجتهاد والتقليد هي مسألة تقليد المجتهد الأعلم.
وتظهر الدراسات في النصوص الفقهية أن هناك رأيين لدى فقهاء الإمامية: الأوّل: جواز تقليد المجتهد غير الأعلم؛ والثاني: وجوب تقليد المجتهد الأعلم.
وأحد أدلّة إثبات كلٍّ منهما هي الرواية المقبولة لعمر بن حنظلة، كما يلي:
أـ جواز الرجوع إلى المجتهد غير الأعلم
يرى مؤيِّدو هذا النظر أنّ مقبولة عمر بن حنظلة تشمل كلاًّ من الفاضل والمفضول، من دون تمييزٍ بينهما([98]). ويعتقد بعضهم أنّه يمكن الرجوع إلى المجتهد غير الأعلم، من دون فحصٍ لفتاوى المجتهد الأعلم([99])، على الرغم من وجود الخلاف في رأيهما([100])؛ لأنّ اختلاف آراء الفقهاء من مصاديق الشُّبْهة الحُكْميّة، والشبهة الحكميّة ـ بالإضافة إلى الأحكام الشرعيّة ـ تشمل فتوى الفقيه في باب الخصومات أيضاً، وقد امتثل الشخص حكم «الرجوع إلى الحاكم» عند الرجوع إلى أيّ فقيهٍ باختيار نفسه([101]).
ب ـ وجوب الرجوع إلى المجتهد الأعلم
ويعتقد بعض الفقهاء أنه وبالرغم من أنّ صدر المقبولة ـ فاذا حكم بحُكْمنا…إلخ ـ يشير إلى حجِّية حكم الفقيه بالإطلاق، حتّى ولو لم يكن أعلمهم([102])، إلاّ أنه وفقاً لذيلها ـ الحكم ما حكم به أعدلهما…إلخ ـ يجب الرجوع إلى الفقيه الأعلم عند وجود الخلاف([103]). وعلى هذا الأساس لا يمكن الرجوع إلى الفقيه غير الأعلم (المفضول) عند حضور الأعلم؛ لأنّ الصدر لا يتضمَّن تقليد المفضول([104]). وبعبارةٍ أخرى: لا يمكن الاستناد إلى إطلاق وعموم صدر المقبولة لحجِّية فتوى الأفضل والمفضول؛ لأنّ المقبولة لا تدلّ على المساواة بينهما في زمن اختلافهم، وإنّ مورد الإطلاق هو الرواية، وليس الفتوى؛ لأنّه في صدر الإسلام كان يحصل الإفتاء عن طريق نقل الرواية، وليس عن طريق الإدلاء بالآراء الاجتهاديّة([105]). ولذلك بما أنّ الرواية المقبولة تدلّ على أرجحيّة رأي المجتهد الأعلم في مسألة الخلاف في القضاء فلا يمكن العمل برأي المجتهد غير الأعلم في مسألتَيْ القضاء والفتوى([106]).
لكنْ يَرِدُ على هذا الرأي أنّه على الرغم من وجود الإفتاء والحكم بالرأي في زمن حضور المعصوم×، إلاّ أنّه لا يصحّ حمل إطلاق الروايات على شخصٍ واحد؛ من جهة عدم إمكان تصوُّر وجود الفقيه الأعلم وغير الأعلم في تلك الفترة الزمنيّة؛ وبالإضافة إلى ذلك فإنّ بعض الروايات، مثل: المقبولة، تنهى عن الرجوع إلى الفقهاء المعيَّنين من قِبَل الحكومة، وليس لتأسيس قاعدةٍ في باب التقليد([107]). وأخيراً فإنّ الرواية المقبولة ناظرةٌ إلى القضاء، وليس لها أيّ علاقةٍ بمسألة التقليد([108])، حتّى يصحّ الاستناد إلى إطلاقها([109]).
الرابع: الحكومة السياسية داخلةٌ أو خارجة؟
إحدى القضايا التي تثير النقاش في مقبولة عمر بن حنظلة هي هل أنّها تختصّ بالخصومات وحدها أو أنّها تشمل كلاًّ من الخصومات والحكومة معاً؟
وبغضّ النظر عن بعض الخلافات الجزئيّة فإنّ هناك رأيين كليّين:
أـ شمول الرواية لكلٍّ من الخصومات والحكومة معاً
يرى مؤيِّدو هذا الرأي أنّ عبارة: «فإنّي قد جعلتُه حاكماً» تثبت منصبَيْ القضاء والحكومة للفقيه الجامع للشرائط([110])، حتّى لو أنّ الأصل الأوّلي يدلّ على عدم ولاية شخصٍ على شخصٍ آخر([111]). وعليه لا يوجد دليلٌ على ظهور كلمة «الحكومة» في «الخصومات»، بل عبارة: «فإذا حكم بحُكْمِنا» ظاهرةٌ في غير الخصومة؛ لأن تكرار كلمة «الحكم» في المرّة الثانية غير ناظرٍ إلى الخصومة، وإنّ عبارة: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله» تعني حرمة ردّ حكم الفقيه؛ لأنّه يعتبر استخفافاً بحكم الله، والاستخفاف بحكم الله يجري في غير موارد الخصومة أيضاً([112]). ولهذا السبب يُسْمَح للفقيه بإقامة الحدود، وإصدار الأحكام بين الناس([113]).
وهناك أيضاً دلائل أخرى يستند إليها مؤيِّدو هذا الرأي، والتي هي:
أوّلاً: بناءً على عبارة: «فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً» فإنّ الفقيه، بالإضافة إلى منصب القضاء، يشغل منصب الحكومة أيضاً؛ لأنّ الحكومة لها معنىً أعمّ من معنى القضاء الاصطلاحيّ، وإنّ مسألة القضاء هي أحد شؤونات الحكومة([114]).
ثانياً: إنّ كلام الراوي في مقام السؤال، ولا يختصّ بالخصومة([115]).
ثالثاً: إنّ إطلاق المقبولة يدلّ على إطلاق حكومة الفقيه ـ من الناحيتَيْن السياسيّة والقضائيّة ـ([116]).
رابعاً: إن كلمة «عليكم» في عبارة: «فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً» قرينة على إرادة الولاية، وإلاّ كان ينبغي استخدام كلمة «بينكم»، بَدَلاً من ذلك.
خامساً: إنّ سبب إطلاق عنوان «الحاكم» على الوالي في مثل: «فصاروا ملوكاً حكّاماً، وأئمّةً أعلاماً»([117])، و«وجعلوهم حكّاماً على رقاب الناس»([118])، و«الملوك حكّامٌ على الناس، والعلماء حكّامٌ على الملوك»([119])، هو أنّ القضاء من أهمّ شؤون الولاية([120]).
سادساً: استعمال عبارة: «فإنّي قد جعلتُه حاكماً» بَدَلاً من عبارة: «فإنّي قد جعلتُه قاضياً»، في كلام الإمام×، يدلّ على أنّ كلمة القضاء في هذه الرواية تستخدم بمعنىً أوسع من القضاء بمعناه المصطلح، أي تستخدم في معنى الأمر والحكم معاً.
سابعاً: يدلّ نهي الإمام× عن الرجوع إلى سلاطين الجَوْر في الدعاوى: «وإيّاكم أن يخاصم بعضُكم بعضاً إلى السلطان الجائر» على أنّ الغرض لم يكن من باب فصل الأمور الشخصيّة، بل الغرض هو الرجوع إلى السلطان الجائر لحلّ التنازعات الناظرة إلى رفع التجاوز والتعديّ([121]).
ثامناً: إنّ عبارة: «فتحاكما إلى السطان أو إلى القاضي» تدلّ على عموميّة مورد هذه الرواية([122]).
مراجعةٌ وتحليل
يَرِدُ على هذه الدعاوى عدّة إشكالات، ومنها:
أوّلاً: تختصّ كلمة «السلطان» بمقام السلطة، ويأتي ذكرها بسبب دَوْرها في تعيين القاضي؛ فإنّ الرجوع إلى القضاة المعيَّنين من قِبَل سلاطين الجَوْر وفقاً لرأي المعصوم× مذمومٌ، كما أنّ الرجوع إلى نفس هؤلاء السلاطين مذمومٌ أيضاً، ولذلك يجب على شيعة أهل البيت^ الرجوع ـ في منازعاتهم ـ إلى الإماميّة من القضاة، المعيَّنين من قِبَل الإمام المعصوم×.
ثانياً: بما أن سؤال الراوي يتعلَّق بالحكم بين طرفي النزاع فإن ذكر كلمة «السلطان» في جواب الإمام ليس سبباً لإرادة القضاء والحكومة([123]).
ثالثاً: إذا افترضنا أنّ كلمة «الحكم» لها مفهومٌ أعمّ من معنى القضاء فإنّ القدر المتيقَّن الموجود في معنى كلمة «الحكم» هو القضاء؛ لأنّ هذه الرواية تتعلَّق بالنزاع حول الأموال والقضاء عليها، وليس لدينا دليلٌ يشير إلى عموميّتها.
رابعاً: الولاية والقضاء منصبان مستقلاّن، حيث يمكن تفويض كلٍّ منهما إلى شخصٍ على حِدَة([124]).
خامساً: الولاية في التصرُّف تختلف عن النفوذ في التصرُّف، وتدلّ الرواية المقبولة على نفوذ القضاء، وحجِّيّة الفتوى، وجواز التصرُّف في الأمور الحِسْبيّة فقط([125]).
سادساً: التعبير بـ «الطاغوت»، والاستشهاد بآية: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ (النساء: 60) يكون لأجل أن الرجوع إلى القضاة المعيَّنين من قِبَل سلاطين الجَوْر، والعمل وفقاً لأحكامهم، هو الرجوع إلى نفس السلاطين والطواغيت.
سابعاً: تتطابق كلمة «عليكم» الدالّة على الاستعلاء مع القضاء؛ لوجود الاستعلاء في القضاء.
ب ـ اختصاصها بالخصومات
يعتقد مؤيِّدو هذا الرأي أنّ المقبولة ناظرةٌ إلى بحث القضاء فقط([126])، وأن عبارة: «فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً» في مقام تبيين منصب القضاء للفقيه([127]).
وقد استُخدمَتْ كلمة «الحكومة» ومشتقّاتها في القرآن والسنّة في بحث القضاء فقط، كما في: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58)، ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعلَمُون﴾ (البقرة: 188)؛ «الحكّام القضاة»([128])؛ و«اتّقوا الحكومة؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء»([129]).
كما أنّ نفس المضمون جاء في رواية أبي خديجة بلفظ: «القاضي»: (فإنّي قد جعلتُه قاضياً)([130])؛ لأنّه على فرض عدم جواز الرجوع إلى قاضي الجَوْر يجب على الإمام المعصوم× تعيين قاضٍ لحلّ المشاكل القضائيّة للشيعة؛ فإنّ مورد السؤال واستشهاد الإمام× بالآية كان حول النزاع والتخاصم([131]). والشاهد عليه هو الإتيان بضمير المخاطب في كلمتَيْ: «منكم» و«عليكم»، وضمير المتكلِّم مع الغير في كلمة «أصحابنا». وبالإضافة إلى أنه لا معنى في تعيين الفقيه بعنوان الوليّ الفعليّ في حضور الإمام المعصوم×؛ لأنّ الإمام المعصوم× هو الوليّ الفعليّ في ذاك الفرض، فإنّ سؤال الراوي عن مرجع التحكيم حال حضور الإمام غير ملائمٍ مع تعيين الفقيه من قِبَل الإمام لعصر غَيْبته، ويستلزم استثناء مورد السؤال من إجابة الإمام×([132]). لذلك فإنّ مقبولة عمر بن حنظلة ناظرةٌ إلى منصب القضاء للفقيه فقط، وإثبات مناصب أخرى للفقيه يتطلَّب دليلاً خاصّاً بها([133]). وبعبارةٍ أخرى: يتبيَّن من خلال عدم وجود فهمٍ مشترك ومرتبط بسياق صدور هذه الرواية ـ أي الرجوع إلى قضاة الجَوْر لإحقاق الحقّ ـ، وكيفيّة التحقُّق من المستندات الفقهية لآراء القضاة، فإنّ الواقع هو عدم إمكان استخدام هذه المقبولة ـ عند الفقهاء المتقدِّمين والمتأخِّرين، وعلى فرض اعتبارها سنداً ـ كمستندٍ فقهيّ في غير موضع صدورها.
النتائج
تظهر نتائج الدراسة الحالية ما يلي:
1ـ ليس لسند رواية عمر بن حنظلة الاعتبار اللازم بين الفقهاء المتقدِّمين والمتأخِّرين؛ فإنّ المتقدِّمين كانوا يوجِّهون الإشكال إلى محمد بن عيسى وداوود بن الحصين وعمر بن حنظلة؛ فيما وجَّه المتأخِّرون الأشكال إلى عمر بن حنظلة فقط.
2ـ إنّ رواية عمر بن حنظلة غير معروفةٍ في النصوص الفقهية المتقدِّمة. ومنشأ شهرتها في النصوص المتأخِّرة تحت عنوان «المقبولة» راجعٌ إلى اعتماد الفقهاء على وصف الشهيد الثاني للرواية بـ «المقبولة»، وليس إلى صحّة الرواية نفسها.
3ـ على فرض أنّ عمل الأصحاب هو أحد أسباب اعتبار الرواية، وجَبْر ضعف سندها، إلاّ أنّ وجود العديد من الخلافات في الاستناد إلى الكلمات الموجودة فيها يشير إلى عدم إمكان جَبْر ضعف سندها بعمل الأصحاب.
4ـ لم يكن هناك فَهْمٌ متساوٍ لمضمون رواية عمر بن حنظلة عند الفقهاء المتقدِّمين والمتأخِّرين. ويرجع وجود الاحتمالات المتعدِّدة في معنى الكلمات المستَخْدَمة فيها من قِبَل بعض الفقهاء إلى تجاهل القضيّة الرئيسة لهذه الرواية، والتي هي منع الرجوع إلى قضاة الجَوْر لإحقاق الحقّ من جهةٍ، وتحديد مؤشِّرٍ لشرعيّة قضاء القاضي من جهةٍ أخرى.
5ـ لا يمكن الاعتماد على الأحكام المستَخْرَجة من هذه الرواية، مثل: اشتراط الاجتهاد المطلق أو جواز الرجوع إلى المجتهد المتجزّئ؛ ووجوب الرجوع إلى الأعلم أو جواز الرجوع إلى غير الأعلم؛ وأخيراً اختصاص هذه الرواية بالقضاء وحده أو شمولها للقضاء والحكومة معاً؛ بسبب الإشكالات الواردة عليها.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعِدٌ في كلِّية الإلهيّات والمعارف الإسلاميّة في جامعة طهران.
(**) طالبةٌ في مرحلة الدكتوراه في قسم الفقه ومباني الحقوق في مركز البحوث حول الإمام الخمينيّ والثورة الإسلاميّة.
([1]) روح الله الخميني، التعادل والتراجيح: 169، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.
([2]) روح الله الخميني، تنقيح الأصول 3: 147، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.
([3]) مرتضى الأنصاري، القضاء والشهادات: 30، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة رحيل الشيخ الأعظم الأنصاري.
([4]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 4: 464، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([5]) الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية 1: 131، قم، مكتبة المرعشي النجفي.
([6]) محمد تقي المجلسي، روضة المتقين في شرح مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 21، قم، مؤسّسه فرهنگي إسلامي كوشانبور.
([7]) محمد الخوانساري، التعليقات على الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 320، قم، منشورات المدرسة الرضوية.
([8]) روح الله الخميني، كتاب البيع 2: 638، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.
([9]) محمدباقر الميرداماد، الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإمامية: 164، قم، دار الخلافة.
([10]) الكليني، الكافي 1: 68 ـ 67طهران، دار الكتب الإسلامية؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 6: 218، طهران، دار الكتب الإسلامية.
([11]) النائيني، فوائد الأصول 4: 784، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([12]) محسن الحكيم، حقائق الأصول 2: 590، قم، دار بصيرتي.
([13]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 8 ـ 11، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([14]) السيد رضا الشيرازي، «بررسي مقبوليت روايت عمر بن حنظله»، مجلة حديث پژوهي، العدد 16: 237 ـ 252، كاشان، خريف وشتاء 1395هـ.ش.
([15]) السيد جعفر مرتضى، «ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة»، مجلة التوحيد، العدد 6: 65 ـ 81، مهر 1362هـ.ش.
([16]) محمد صادق المزيناني، «تجلّي ولايت مطلقه فقيه در سيره عملي آخوند خراساني (تجلّي ولاية الفقيه المطلقة في السيرة العملية للآخوند الخراساني)»، مجلة حكومت إسلامي، العدد 59: 5 ـ 38، ربيع 1390هـ.ش.
([17]) محمد بن مكّي (الشهيد الأول)، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 42، قم، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([18]) المحقق الكركي، جامع المقاصد في شرح القواعد 2: 377، قم، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([19]) الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية 1: 130.
([20]) الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1: 237، قم، مكتب الإعلام الإسلامي.
([21]) السيد رضا الشيرازي، «بررسي مقبوليت روايت عمر بن حنظله (التحقيق في مقبولية رواية عمر بن حنظلة)»، مجلة حديث پژوهي، العدد 16: 237 ـ 252، كاشان، خريف وشتاء 1395هـ.ش.
([22]) ابن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 3: 539، قم، مؤسسة النشر الإسلامي؛ ابن فهد الحلّي، المهذَّب البارع في شرح المختصر النافع 2: 28، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([23]) محمد أمين الإسترآبادي، الفوائد المدنية (وبذيله الشواهد المكّية): 303، قم، مؤسسة النشر الإسلامي؛ إسماعيل الخواجوئي، الرسائل الفقهية 2: 50، قم، دار الكتاب الإسلامي.
([24]) السيد علي الطباطبائي، رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل 15: 22، قم، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث؛ أحمد الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 7: 546، قم، مؤسسة النشر الإسلامي؛ محمد هادي الشريف، الكشف الوافي في شرح أصول الكافي: 284، قم، دار الحديث.
([25]) الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية 1: 131؛ محمد باقر الشفتي، مقالة في تحقيق إقامة الحدود في هذه الأعصار: 148ـ 149، قم، بوستان كتاب.
([26]) الطباطبائي، رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل 15: 22؛ أحمد النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 17: 19، قم، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([27]) الخميني، كتاب البيع 2: 438؛ تقيّ بن حسين الطباطبائي القمّي، الدلائل في شرح منتخب المسائل 3: 445، قم، دار محلاتي.
([28]) مرتضى الحائري، مباني الأحكام في أصول شرائع الإسلام 2: 238، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([29]) الكليني، الكافي 1: 68.
([30]) محمد الحائري، منتهى المقال في أحوال الرجال 4: 30، قم، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([31]) النجاشي، فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة: 333، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([32]) الطوسي، الأبواب: 391، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([33]) النجاشي، فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة: 159.
([35]) محمد محسن الفيض الكاشاني، الوافي: 197، إصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين×.
([36]) أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال 18: 123، قم، مركز نشر الثقافة الإسلامية في العالم.
([38]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 466.
([39]) البرقي، الرجال ـ الطبقات: 38، طهران، جامعة طهران.
([40]) الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال 10: 215.
([43]) الطوسي، تهذيب الأحكام 6: 301 ـ 302.
([44]) جعفر السبحاني، موسوعة طبقات الفقهاء 3: 541، قم، مؤسسة الإمام الصادق×.
([45]) الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال 14: 131.
([46]) محمد السند البحراني، بحوث في مباني علم الرجال: 157 ـ 257، قم، مكتبة فدك.
([47]) الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية 1: 131.
([48]) الطوسي، تهذيب الاحكام 2: 31.
([49]) الحائري، منتهى المقال في أحوال الرجال 5: 129.
([50]) أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول 1: 166، قم، موسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.
([51]) الكليني، الكافي 3: 427؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 17؛ الصفّار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد 1: 210، قم، مكتبة المرعشي النجفي.
([52]) الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال 14: 33.
([53]) الخواجوئي، الرسائل الفقهية 2: 50.
([54]) الطباطبائي، رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل 15: 22، قم، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث؛ أحمد الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 7: 546، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([55]) الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية 1: 130.
([56]) محمد حسين النائيني، أجود التقريرات 2: 99، قم، مطبعة العرفان.
([57]) محمد رضا المظفَّر، أصول الفقه 3: 252، قم، موسسة النشر الإسلامي؛ محمد صادق الروحاني، زبدة الأصول 6: 341، طهران، حديث دل؛ محمد حسين النائيني، فوائد الأصول 3: 153، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([58]) الخوئي، مصباح الفقاهة: 6 ـ 7، قم، دار أنصاريان.
([59]) محمد صالح المازندراني، شرح الكافي 2: 408، طهران، مكتبة الإسلامية.
([60]) محمد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 1: 222، طهران، دار الكتب الإسلامية.
([61]) المازندراني، شرح الكافي 2: 411.
([62]) ملاّ خليل القزويني، الشافي في شرح الكافي 1: 566 ـ 567، قم، دار الحديث.
([63]) محمد باقر المجلسي، ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار 10: 11 ـ 12، قم، مكتبة المرعشي النجفي.
([64]) محمد المجذوب، الهدايا لشيعة أئمة الهدى 1: 619، قم، دار الحديث.
([65]) أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة 5: 444، قم، مؤسسة الإعلام الإسلامي.
([66]) راضي التبريزي، تحليل العروة: 38، قم.
([67]) المجذوب، الهدايا لشيعة أئمّة الهدى 1: 619.
([68]) المجلسي، ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار 10: 212.
([69]) ابن فارس، معجم مقائيس اللغة 4: 281.
([70]) التبريزي، تحليل العروة: 39.
([71]) ابن منظور، لسان العرب 15: 9 ـ 10، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ دار صادر.
([72]) المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 1: 222.
([73]) محمد هادي الشريف، الكشف الوافي في شرح أصول الكافي: 281، قم، دار الحديث.
([74]) الشريف، الكشف الوافي في شرح أصول الكافي: 281.
([75]) القزويني، الشافي في شرح الكافي 1: 564.
([76]) الخليل الفراهيدي، كتاب العين 3: 66، قم، مؤسسة دار الهجرة.
([77]) إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) 4: 1901، بيروت، دار العلم للملايين.
([78]) الشريف، الكشف الوافي في شرح أصول الكافي: 284 ـ 285.
([79]) محمد محسن الفيض الكاشاني، الوافي 1: 287.
([80]) المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 1: 223.
([81]) مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب: 82، قم، دار الذخائر.
([82]) السيد رضا الصدر، الاجتهاد والتقليد 1: 62 ـ 63، قم، مؤسسة الإعلام الإسلامي.
([83]) محمد الفاضل اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: 85، قم، مؤسسة النشر الإسلامي؛ محمد مهدي الكجوري، الاجتهاد والتقليد 1: 71، قم، دار نهاوندي؛ السيد مهدي البروجردي، مصابيح الأحكام 1: 22، قم، دار ميثم التمّار.
([84]) آل عصفور البحراني، الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية 1: 260، بيروت، دار المصطفى لإحياء التراث.
([85]) الخوئي، كتاب الاجتهاد والتقليد 1: 234، قم، مؤسسة فرهنگي اطلاع رساني تبيان.
([86]) اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: 85 ـ 86.
([87]) روح الله الخميني، تهذيب الأصول 3: 585، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.
([88]) نظر علي الطالقاني، مناط الأحكام: 136، طهران.
([89]) حسن بن جعفر كاشف الغطاء، أنوار الفقاهة (كتاب القضاء) 1: 9، النجف، مؤسسة كاشف الغطاء.
([90]) جعفر السبحاني، الرسائل الأربع 3: 36، قم، مؤسسة الإمام الصادق×.
([91]) محمد تقي الإصفهاني النجفي، رسالة الاجتهاد والتقليد: 33، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([92]) السيد محمد مهدي الخلخالي، الحاكمية في الإسلام 7: 160، قم، مجمع الفكر الإسلامي.
([94]) محمد حسين الحائري، الفصول الغروية في الأصول الفقهية: 398، قم، دار إحياء العلوم الإسلامية.
([95]) اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: 85.
([96]) الكجوري، الاجتهاد والتقليد 1: 72.
([97]) محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول 5: 285، قم، دار لقمان.
([98]) السيد علي القزويني، الاجتهاد والتقليد (تعليقة على معالم الأصول) 7: 495، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([99]) محمد تقي الآملي، منتهى الوصول الى غوامض كفاية الأصول: 404 ـ 405، طهران، مطبعة فردوسي.
([100]) روح الله الخميني، الاجتهاد والتقليد 4: 635، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.
([101]) علي بن محمد رضا كاشف الغطاء، النور الساطع في الفقه النافع: 485، النجف، مطبعة الآداب.
([102]) روح الله الخميني، معتمد الأصول 2: 459، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.
([103]) شهاب الدين المرعشي النجفي، القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1: 198، قم، مكتبة المرعشي النجفي؛ روح الله الخميني، الرسائل 2: 140 ـ 141، قم، مؤسسة إسماعيليان للمطبوعات.
([104]) أبو القاسم الخوئي، فقه الشيعة (الاجتهاد والتقليد): 48، قم، مطبعة نو ظهور.
([105]) كاشف الغطاء، النور الساطع في الفقه النافع: 485.
([106]) أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقي 4: 636، قم، تحت إشراف: آقاي لطفي.
([107]) ميرزا حبيب الله الرشتي، رسالة في تقليد الأعلم: 21، قم، المؤلِّف.
([108]) الخميني، معتمد الأصول 2: 459.
([109]) الخميني، تهذيب الأصول 3: 636.
([110]) الخميني، الرسائل 2: 106.
([111]) السيد علي القزويني، الاجتهاد والتقليد (تعليقة على معالم الأصول) 7: 494، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([112]) الحائري، مباني الأحكام في أصول شرائع الإسلام 3: 341.
([113]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 4: 645، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.
([114]) الخميني، الاجتهاد والتقليد: 29.
([115]) الخميني، تهذيب الأصول 3: 584 ـ 585.
([116]) الخميني، الرسائل 2: 106.
([117]) الشريف الرضي، نهج البلاغة: 296، قم، دار الهجرة.
([118]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار 34: 9، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
([119]) الكراجكي، كنـز الفوائد 2: 33، قم، دار الذخائر.
([120]) المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 1: 448.
([121]) المصدر السابق 1: 440.
([122]) الخميني، تنقيح الأصول: 30.
([123]) المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 1: 448.
([124]) الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقي 1: 356.
([125]) المصدر السابق 1: 358 ـ 360.
([126]) السيد محمد مهدي الخلخالي، الحاكمية في الإسلام: 99.
([127]) الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى: 379 ـ 380.
([128]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 15، قم، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([129]) الكليني، الكافي 7: 406.
([130]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 2.
([131]) المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 1: 448.