أ. غريبي مراد(*)
من الأسئلة الأساسية التي تواجهنا كمجتمعات عربية و إسلامية، تحتضن في نسيجها الاجتماعي عدة عناوين تعددية و تنوعات في مجالات الفكر و السياسة و الإثنيات و المذاهب و الفرق و ما هنالك من عناصر تتداخل و تشترك في تكويناتها التاريخية الإنسانية و الثقافية و الحضارية، سؤال معالم التعارف الذي يفرز محددات و منطلقات و آفاق، تتطلب المعرفة ثم التصور و التخطيط و التسيير و التوظيف العملي في واقع مجتمعاتنا العربية الإسلامية الحديثة … و يبدو للوهلة الأولى أن التعارف في أساسه البسيط ما هو إلا تبادل معرفي متوالد بين طرفين، لكنه يبقى مفتوحا على أبعاد متعددة، لأنه كمعطى حضاري و أساس في بناء أمن الأمة و إستقراراها السياسي و الإجتماعي، هو منتج حركة وظائفية واسعة لقيم اجتماعية سامية، و من القيم المدخلية في مشروع التعارف، الحوار و الانفتاح… حيث لا يمكن الحديث عن التعارف أو التطلع إليه في جوهر المجتمعات العربية و الإسلامية كأساس للتنمية الاجتماعية التي تعتبر أس التنمية المستدامة في أدبيات التفكير الحضاري الاستراتيجي المعاصر، دون إدراك أول لمسة في رسمه على لوحة مجتمعاتنا: قيمة الحوار و الإنفتاح بين مكونات التعدد، حيث ربطنا بين الحوار و الانفتاح هو من قبيل التقريب لحقيقة تتمثل في كون لا حوار بلا انفتاح، لأن التاريخ العربي و الإسلامي أثبت الانتكاسات التي عرفتها مشروعات الحوار التي انطلقت من عقليات منغلقة و مسدودة الأفق، وعلى هذا الأساس يكون الحوار وفق قاعدة الإنفتاح على الآخر، حتى يصبح إنتاجيا للتمدن و تنمويا على المدى المتوسط و البسيط، لا بيزنطيا تسلطيا أو حوارا بجوهر تسجيل النقاط على بعض، مما ينسف تطلع التعارف من الشعور قبل الواقع …
بصراحة: هناك حلقة مفقودة في واقعنا العربي و الإسلامي، إبتداءا من النواة الأولى في المجتمع ألا و هي الأسرة، هي ثقافة الحوار و الانفتاح على بعض عبر تداول الرأي و الرأي الآخر بين الوالدين و بين الآباء و الأبناء، مما جعل مجتمعاتنا مهددة عمقا بظواهر اجتماعية خطيرة جدا، تتعلق بالتربية و الحياة الزوحية و الجيرة و التوافق الأسري و الترشيد و ما هنالك، و كل هذه تعتبر معوقات قوية و استدمارية ناتجة إما عن تقاليد بالية أو مشاريع سياسية و طبائع فئوية لا تؤمن بالحقيقة الدينية أو المناط العقلائي…
هذه لافتة إنذارية واحدة بين آلاف اللافتات المتعلقة بمحنة الحوار في واقعنا العربي و الإسلامي، و لعلها جذر المشكلة لأن السياسي أو عالم الدين أو المثقف أو الأستاذ الجامعي أو المعلم أو الحاكم أو الوزير أو النائب أو الإعلامي أو الموظف، الذي يشوه قيمة الحوار و يشكك في مطلب الإنفتاح، في تفاصيل معاملاته و سلوكياته و مواقفه اليومية ، يعتبر مطب أمام تطلع التعارف بين مكونات المجتمع،فوعي ماهية الحوار و أهميته تتمثل في حضور الشخص المنفتح الباحث عن المشترك الوطني الجامع و ليس المستغرق في الذات و الجهة و المصلحة دون الالتفات إلى المسؤولية الاجتماعية و الوطنية الواسعة التي ترتفع بمنظور الولاء الوطني الحميمي نحو استدراك الواقع الإجتماعي الواقف على شفا جرف هار بالعصبيات و الانغلاق و الهمجية اللغوية و التصور السلبي الاستباقي المتبادل …
بكلمة: من معالم التعارف، الإيمان بأنه في بدء الحقيقة الوجودية كان الحوار، و نبقى نواصل اللحاق بعبقات التعارف لنبدع في لمساتنا الإنسانية الحضارية الراقية على لوحة المجتمع و الوطن عبر الزمن القادم…و الله من وراء القصد.