ترجمة: علي الوردي
غزو الأفغان الغلزائيين([1]) والفوضى في إيران (1134 ــ 1142) ــــــــــ.
مع ظهور الدولة الصفوية، شهدت العلاقات الإيرانية الخارجية، وخصوصاً على المستوى الإقليمي، تحولات واسعة كان أبرز أسبابها؛ تكريس الدولة الصفوية (906 ــ 1134) للعنصر الطائفي، ومن جملة تبعاته أن وضعها في موقف المواجهة أمام دول الجوار.
وقد تمكّنت الدولة الصفوية ــ عبر القوّة العسكرية الهائلة التي كانت تتمتّع بها ــ من تكريس إتجاه جديد، شمل المناطق المركزية وسائر النواحي الإيرانية الخاضعة لنفوذها، وبذلك ظهرت إيران الشيعية للوجود، وكان الاستعداد الإيراني لاستقبال الهوية الشيعية سابقاً لعهد الدولة الصفوية، وقبل إيران كانت بوادر التشيع ظاهرة في أفق كل من هرات ومناطق آسيا الصغرى، إلاّ أن ظهور الدولة الجديدة ــ الصفوية ــ منح إيران الأسبقية في نيل التشيّع.
في هذه الفترة والفترة التي أعقبتها، بدأت إيران خوض حروب واسعة مع جارتيها ــ أوزبكستان من الشرق والدولة العثمانية من الغرب ــ تحت وطأة الدوافع الطائفية الشديدة. وقد تمكّن الصفويون من الصمود لأكثر من قرنين على التوالي، والسبب في ذلك يعود لاستقامة الدولة الصفوية من جهة، وتفاقم مشاكل الدولة العثمانية مع الأوروبيين من جهة أخرى.
وقد استمرّت الدولة على هذه الشاكلة، حتّى بدأت بالتراجع شيئاً فشيئاً؛ ففي أواخر عهد السلطان حسين الصفوي (1105 ــ 1134) بدأت مجموعة من الأفغان الغلزائيين، ممّن كانوا على خلاف مع ولاة الدولة الصفوية في الأقاليم، بالتفكير في إسقاط الدولة وكسب السلطة.
وكان أوّل انتصار حقّقه الأفغان هو السيطرة على سمرقند، وقد منحهم دعماً إضافياً، فعزموا على إنهاء السلالة الصفوية في إيران، وذلك بعد وصول أخبار من إصفهان تحكي تداعي الدولة الصفوية.
وللوقوف على الدافع الأساسي لتعبئة الأفغان بهذه الصورة، وبعيداً عن الدوافع الثانوية من نزعة التسلّط وغيرها، نرى أن الدافع الرئيس لتعبئة العوام من الأفغان كان القضاء على (الروافض)؛ يأتي ذلك امتداداً للنزاعات الطائفية التي كانت قائمة منذ القدَم بين السنّة والشيعة.
ولمنح الشرعية للحركة، استفتى الغلزائيون علماء مكّة في هذا الصدد، وحصلوا على فتاوى منهم تحكم بكفر الشيعة وإباحة دمائهم، وقد تكرّرت ــ سابقاً ــ مثل هذه الفتاوى مراراً من قبل علماء أهل السنّة، وذلك إثر الحروب التي وقعت بين إيران والدولة العثمانية، وقد عبّأت هذه الفتاوى الغلزائيين ودعتهم للحركة باتجاه إصفهان.
كانت الدولة الصفوية في هذه الفترة أضعف من أن تتمكّن من الوقوف بوجه هذا الزحف، فلم يكن بمقدورها التصدّي له مهما كان عدده؛ ولذلك استسلمت إصفهان بعد أشهر قلائل من المقاومة، وقد شكّل تراجع كميات المواد الغذائية عاملاً مهمّاً في سقوط المدينة.
وهكذا ــ شيئاً فشيئاً ــ تمكّن محمود أفغان، ومن بعده أشرف أفغان، من الصعود إلى سدّة الحكم والجلوس على عرش (أورنك شاهي) في إصفهان.
بعد هذه الأحداث الصاخبة، أصبحت إيران مهددةً من نواحي عدّة، من الخارج ومن الداخل، وكانت المعضلة الأولى وجود الغلزائيين على رأس السلطة وإدارتهم للعديد من المناطق المركزية لإيران، الأمر الذي أدّى إلى اضطراب المجتمع وتزلزل استقراره؛ ففي شرق إيران فرض (ملك محمود السيستاني) سيطرته على مدينة مشهد، وأعلن إستقلالها، فيما ارتقى أحمد خان الصفوي العرشَ الصفوي في مدينتي فارس وكرمان وادعى السلطة فيهما، وفي هذه الأثناء قام طهماسب الثاني بن شاه سلطان حسين، الذي تمكّن من الهرب أثناء سقوط إصفهان، قام بتأسيس دولةٍ سعى من خلالها للمّ شتات ما تبقّى من الدولة الصفوية المنهارة.
والمعضلة الثانية التي واجهت إيران آنذاك؛ تمثلت في مواقف جارتيها من الشمال ومن الغرب.
ففي الشمال، استطاع الروس ــ من خلال عقد صفقة مع طهماسب، ومن ثمّ مع (أشرف) ــ من ضمّ أجزاء كبيرة من إيران إلى أراضيهم، فيما استغلّت الدولة العثمانية هذه الفوضى وتقدّمت، حتى بلغت مشارف همدان؛ وبهذا تمّ احتلال شمال إيران وغربها من قبل هاتين الدولتين.
ومن الملفت للنظر أنّ كلتا الدولتين سعتا ــ في بادئ الأمر ــ إلى احتواء طهماسب؛ تحت ذريعة حماية الدولة الصفوية، بغية تسهيل عملية احتلال الأراضي الإيرانية، لكنهما ــ من جهة أخرى ــ سارعتا إلى إبرام اتفاقيات وعقد لقاءات مكثفة مع (أشرف أفغان)، لتتمكّنا ــ بذلك ــ من إضفاء صبغة رسمية على عملية الاحتلال أولاً، والاعتراف برسمية الدولة الغلزائية ثانياً.
لقد أشرنا قبل قليل إلى أنّ إحدى المشاكل التي ميّزت طابع العلاقات الإيرانية ــ العثمانية هي الصراع الطائفي؛ ففي القرن العاشر استطاعت الدولة العثمانية أن تُحكم سيطرتها على المناطق العربية كافّة، لكنّها بقيت في مواجهة دولة قويّة في الشرق لم تقدّم تنازلات سياسية أو عسكرية، واستقلّت بمذهب سياسي ظلّ بمنأى عن مذهب الدولة العثمانية، وكان هذا الأمر يؤرّق هذه الأخيرة ــ التي وضعت نفسها موضع الخليفة الأوحد للمسلمين ــ فلم يكن بمقدورها أن تطيق الدولة الصفوية بأيّ حالٍ من الأحوال.
في الجانب الآخر، كان مستوى القوّة الذي تميّزت به الدولة الصفوية يشكّل عقبةً أمام الدولة العثمانية في تحقيق مأربها، المتمثل بالانقضاض على الدولة الصفوية وإبادتها، وبذلك لم تكن الخيارات متعدّدةً أمام الدولة العثمانية، سوى خيار واحد، هو الاعتراف برسمية الدولة الصفوية واللجوء إلى عقد اتفاقيات ثنائية ــ تتزلزل بين الفينة والأخرى ــ كما والاعتراف بحدود ثابتة نسبياً.
أمّا الآن، فقد تلاشت الدولة الصفوية وانتصر الغلزائيون الذين ينتمون للطائفة السنيّة، فيا تُرى ماذا سيكون المبرّر الذي سيدفع الدولة العثمانية للتقدّم باتجاه السيطرة على إيران بعد غياب المبرّر الطائفي ؟!
سعت الدولة العثمانية ــ من خلال افتعال أزمات سياسية وتكريس حجج، من جملتها عدم شرعية الدولة الغلزائية وغير ذلك ــ سعت إلى بسط نفوذها على إيران؛ الأمر الذي جعلها في مواجهة جديدة مع الدولة الغلزائية.
كان (أشرف أفغان) شديد التمسّك بطائفيّته وتسنّنه، وكانت العبارة التي نقش بها خاتمه : bأشرف، مطيع لأوامر الله، ونفسه فداء لتراب مقدم الصحابة الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهو ــ بعد إذن الله ــ أعظم ملوك الأرضv([2]).
كانت مشكلة (أشرف) تتمثل في حقيقة تسنّنه، فلو كان سنيّاً حقيقياً لتحتم عليه الامتثال للدولة العثمانية والخضوع لها، باعتبار أنّ الخليفة العثماني في ذلك العهد، وهو السلطان أحمد خان الثالث، كان يلقب نفسه بالجامع بين الخلافة والإمامة، وبكاسر أعناق الرافضة والمشركين، ومالك الإمامة العظمى، وصاحب الخلافة الكبرى، وقالع أركان الرفضة والفجرة، فما الذي كان بإمكان أشرف القيام به أمام هذه الألقاب سوى الاتباع والانصياع ــ فيما لو كان سنيّاً حقيقياً ــ ؟
والذي يبدو إنّ أشرف أفغان كان عازماً على إنشاء دولة مستقلّة، على غرار دولتي الهند وأوزبكستان الإسلاميتين، اللتين حظيتا باعترافٍ رسمي من قبل الخليفة البغدادي، عندما أُجبر على الاعتراف بالدول الشرقية المستقلّة قبل قرون عدّة.
لكنّ العثمانيين لم يسيروا على هدى الخليفة البغدادي، ولم يرتضوا طريقته، ممّا دعى مفتي القسطنطينية إلى القول، لعبد العزيز الأفغاني وهو ممثل أشرف أفغان: كيف يصحّ لخليفتين أن يخلفا المسلمين في آن واحد؟
ومن نافلة القول: إن عبد العزيز أجابه في ذلك الحين قائلاً: وعلى فرض الخليفة الواحد، لابدّ أن يكون قرشيّاً لا تركيّاً، وبما أنّ أشرف أفغان يدّعي الشرافة ــ أي الانتماء لآل الرسول 3 ــ فهو أولى بالخلافة وأجدر([3]) من نظيره العثماني التركي.
على كلّ حال، لم تصل هذه المحادثات إلى نتيجة، وبدأت بوادر الحرب تنذر باقترابها، وعزم الجيش العثماني على مواجهة الأفغان الغلزائيين، واتّجه أحمد باشا بجيش جرّار نحوَ إصفهان، وأخذ أشرف أفغان ــ من الناحية الأخرى ــ بزمام قيادة جيشه، وبدأ الزحف للمواجهة.
تمكّن أشرف أفغان من استغلال الصراع الطائفي، الذي كان قائماً بين الدولتين الصفوية والعثمانية، فقام بدسّ أفراد متمرّسين تغلغلوا في الجيش العثماني وألقوا شائعات تفيد أنّ الدولة العثمانية تسعى ــ من خلال الحرب ــ للقضاء على دولة أشرف أفغان السنّية، وإعادة تأهيل الدولة الصفوية الشيعية.
وقد أدّت هذه العملية / الشائعة إلى إرباك النوايا القتالية لدى أفراد الجيش التركي، فبدأ الجيش بالتقهقر والانهيار شيئاً فشيئاً، وحُسِمت النتيجة لصالح الغلزائيين، ورضخ العثمانيون لطلب أشرف أفغان بإبرام اتفاقية معه.
لكنّ أشرف ــ وبموجب هذه الإتفاقية، وسخاوة منقطعة النظير ــ قام بمنح العثمايين أراضي واسعة من إيران، وأبقى لنفسه ما قام باحتلاله أثناء الحرب.
ذلك كلّه جرى في السنوات التي أعقبت سقوط إصفهان بين الأعوام 1134 و 1142هـ.
والآن، توزّعت إيران بين قوىً ثلاثة، وانتهت الدولة الصفوية حسب الظاهر، لكن يا تُرى هل سيُكتب لإيران الاستمرار على هذه الحال؟
حكمت الثقافة الشيعية سائر المناطق الإيرانية على مدى مائتين وأربعين عاماً، كما أنّ الثقافة السياسية التي تمتع بها الشعب كانت جديرةً بأن تضع إيران في موضع حصين، لا يمكن معه التداعي أو الانهيار إذا ما تعرّضت الدولة لمثل هذه الأزمات، مضافاً لذلك فإنّ إمتداد الرقعة الجغرافية، كالمسافة الطويلة بين إصفهان وسمرقند، جعلت الدولة الجديدة تخفق في السيطرة على سائر مناطق هذه الرقعة الممتدّة.
وقد دفع هذا الإخفاق بالقوى المبعثرة ــ هنا وهناك ــ إلى لمّ فلولها، وتوحيد صفوفها؛ ليبدأ ــ بذلك ــ عهد جديد، استعادت فيه إيران عافيتها، وأقبلت على التصدّي ومواجهة الأزمات التي أحدقت بها.
ظهور نادر قلي: ــــــــــ
مع ظهور نادر([4]) على المسرح السياسي، بدأت الأمور في إيران تسير بشكل مختلف؛ فحتّى هذه الفترة، كان طهماسب الثاني يسعى لكسب حماية الدولتين: الروسية والعثمانية، من خلال تقديم التنازلات وبذل الرشاوى، لكنّه لم يحقق نتيجة من وراء ذلك، حصل هذا بينما خرجت خراسان عن نطاق سيطرته، وتركّزت مساعي أشرف أفغان على اجتثاث بقايا الدولة الصفوية.
في الوقت ذاته، تمكّن طهماسب من كسب نادر قلي الذي ذاع صيته مؤخراً في مدينة قوجان.
بدأ نادر هذا زحفه باتجاه مشهد وهرات، فتمكّن من السيطرة عليها وإخراجها من تحت نفوذ (ملك محمود السيستاني)، ثمّ انتقل ــ بعد ذلك ــ إلى مواجهة قوّات أشرف؛ فالتقى الجمعان في منطقة (مهماندوست) التابعة لـ (دامغان)، وتمكّن نادر من الانتصار على الغلزائيين وإلحاق الهزيمة بهم.
استمرّت المعارك بين نادر والغلزائيين؛ فوقعت إحداها في (سورده خور) التابعة لطهران، والثانية في (مورجه خورت) التابعة لإصفهان، وقد أدّت هذه الأخيرة إلى هروب أشرف أفغان من إصفهان باتجاه منطقة فارس.
وفي عام 1142هـ دخل نادر مدينة إصفهان، وفي جمادى الثاني من العام نفسه تمكّن من القضاء على بقايا الغلزائيين في فارس، وبمقتل أشرف أفغان انتهت الحركة الأفغانية.
عقب هذه الأحداث، عزم نادر على استعادة الأراضي التي مُنحت للروس والعثمانيين؛ فبدأ بشنّ حروب عديدة على الدولتين، استمرّت حتى عام 1148هـ، تمكّن خلالها من هزم جيوشهما، وإبرام اتفاقيات ثنائية لحسم الأمور وترسيم الحدود.
كانت إحدى إنجازات نادر المهمّة في عام 1145هـ عزله طهماسب الثاني، بحجّة خسارته أمام الدولة العثمانية وتقديمه تنازلات لها، من خلال اتفاقيات مهينة، وأقرّ مكانه شاه عباس الثالث، الذي لم يكن قد بلغ الحلم حتى ذلك الحين.
بعد ثلاث سنوات من هذه الأحداث، وبعد انتصاراته المتلاحقة.. قرّر نادر الإمساك بزمام السلطة؛ ففي التاسع من شهر رمضان عام 1148هـ قدِم إلى صحراء (مغان) وأعدّ العدّة لعزل الصفويين، وفي 24 شوال من العام نفسه احتفل بمراسم تتويجه مَلِكاً على إيران.
عام 1151هـ قرّر نادر الهجوم على محمد شاه الغورغاني، حاكم مدينة دلهي، وفعلاً تمكّن في ذي الحجة من العام نفسه من احتلال المدينة والسيطرة عليها.
وقد أدّت هذه الحادثة إلى تكوين نظرة سلبية في الرأي العام الإسلامي الذي يقطن تلك الديار، وباتت بقعة سوداء في صفحة العلاقات الإيرانية ــ الهندية.
قبل ذلك، أي في عام 1148هـ، عقد نادر اتفاقيات عدّة مع الدولة العثمانية، وسعى لتطبيع العلاقات؛ بتكريس موضوعة المناسبات الدينية المشتركة بين البلدين، وقد أبدى الطرف العثماني تعاوناً ومرونة أثناء عقد هذه الاتفاقيات.
لكن الحال لم تبقَ على هذه الصورة؛ فقد عادت المعارك بين نادر والعثمانيين، بدءاً بالعام 1156هـ وحتى 1158هـ، حقّق فيها نادر انتصارات، حافظ فيها على مستوى قدرته.
وقد تراجع نادر عن بعض شروطه التي ألزم بها الدولة العثمانية، والمتمثلة باعترافها بالمذهب الجعفري ضمن المذاهب الرسمية للدولة، لكنّه أصرّ على إلحاق العراق أو آذربيجان بالأراضي الإيرانية، وقد استمرت هذه المواثيق والعهود فاعلةً حتى عام 1160هـ.
وفي هذه الفترة، تعرّض نادر لنوع من الأزمات النفسية، قام على إثرها بتصفية معظم رجالات الحاشية والمرافقين له، لكنّه لم يمكث طويلاً بعد ذلك، فقد تمكّن بعض أعوانه من الانقلاب عليه وتصفيته جسدياً، لتعود ــ إثر مقتله ــ الاضطرابات مرّةً أُخرى تعصف بالمدن الإيرانية.
أُطروحة نادر شاه لتوحيد المذهبين، الشيعي والسنّي ــــــــــ
مع غضّ النظر عن سلوكيات نادر، وصحّة أو سقم الآراء التي كان قد طرحها في مسألة توحيد المذاهب، وكذلك مع صرف النظر عن النوايا التي كان يبيّتها وراء طرحه هذا، لكن لابدّ من الاعتراف بأنّ أطروحته في التوفيق بين المذهبين: السنّي والشيعي، كانت من أحدث الأطروحات وأبرزها من حيث الشفافية والصراحة؛ رغم أنها جاءت على حساب المذهب الشيعي.
والجدير بالذكر في هذا المجال، أنّ نادر لم يكن يريد من أطروحته في التوحيد، التوحيد السياسي أو الاجتماعي بين الطائفتين، وبعبارة أخرى: لم يكن يسعى من وراء التوحيد بين الطائفتين الحصولَ على مكاسب سياسية، إنّما كان في صدد وحدة تضمن للمذهبين تحوّلات جذرية في طبيعة المواقف، وبالأخص موقف المذهب الشيعي.
ولا يخفى أنّ التغيير في المواقف باتجاه الوحدة السياسية سيستتبع تحوّلات في أصل المذاهب، كما ينعكس على طبيعة النفوس في كيفيّة تعاطيها مع الآخر.
لقد كان نادر معتقداً بأنّ على الطائفتين إجراء تعديلات على المحتوى العقائدي لهما، في الوقت نفسه، لم يكن ينفي وجود بعض الميول الطائفية وبقائها.
ومن التركة التأريخية الموجودة بين إيدينا، بالإمكان ملاحظة الوثائق التي تحمل عناصر التغيير التي كان على المذهب الشيعي القيام بها، وهي على أنحاء متعددة.
أولاً: على الشيعة الابتعاد عن كلّ لفظٍ يشكّل إهانة لساحة الخلفاء الراشدين، بل يلزمهم التوقير والإجلال فيما لو أتوا على ذكرهم.
ثانياً: يلزم على الطائفة الشيعية السير على نهج الطائفة السنّية في هذا الأمر، وفقاً لمعاهدة صحراء مغان عام 1148هـ ([5])، والتي تلزم الناس bالابتعاد عن المعتقدات الفاسدة والأقوال الكاسدة، والتي شاعت بين الإيرانيين بظهور الشاه إسماعيلv، كما يجب bالتبرّي من رفض الإقرار بالخلفاء الراشدينv.
وفي رأي نادر bإنّ سائر البدع والانحرافات والخلافات كانت نتيجة لممارسات الشاه اسماعيل الطائفية، وإلاّ فمنذ الصدر الأوّل للإسلام وحتّى ظهوره، كان الناس يدينون بدينٍ واحد وطريقةٍ واحدة ويسيرون وفق مناهج وأصول ثابتة وموحدةv.
وعلى سؤال وجّه له، مفاده: هل للاختلاف بين المسلمين جذور علمية أم لا؟ أجاب نادر قائلاً: bعلى مرّ العصور وتصاريف الأعوام والشهور، حصل الاختلاف بين العلماء في بعض الفروع من قبيل الصوم والصلاة والحج وغيرهاv.
وبهذه الإجابة حصر نادر الاختلافات في الأمور الفقهية، تاركاً الإشارة إلى الشعائر التي يؤدّيها الشيعة، والتي تجسّد موقفهم إزاء خلافة الخلفاء الأوائل، إضافةً لذلك، أصدر نادر حكماً مناهضاً للمآتم التي تقام على الإمام الحسين % في نفس صحراء مغان، يقضي بمنع إقامة العزاء على سيد الشهداء المدفون بأرض كربلاء أبي عبد الله الحسـين%([6]).
ما الذي سوف يبقى للتشيّع بهذه القرارات يا تُرى؟ سيما وأنّ نادر قد حدّد التشيّع وحصره ضمن الدائرة الفقهية، وجعله مذهباً فقهياً مستقلاً تحت اسم المذهب الجعفري؛ فمن وجهة نظره، على المسلمين أن يتفقوا في سائر الأصول الإسلامية، واختلافهم إنّما يكون في المجال الفقهي فقط؛ ومن هذا المنطلق لا يمتاز الإيرانيون عن سواهم إلاّ في المجال الفقهي؛ حيث يتبعون المذهب الجعفري في ذلك.
وقد اشترط نادر ــ عند استلامه للسلطة، التي وافق عليها بعد ضغوط مارسها عليه كبار القبائل، وقد جاءت هذه الضغوط ضمن سيناريو أعدّ له من قبل، اشترط قائلاً: bعلى هذه الأمّة([7]) التي خالفت مذهب أسلافنا الكرام المبجلين نوّاب الهمايون، نبذ طريقتهم والتمسّك بمذهب أهل السنّة والجماعة، وفيما يتعلّق بجناب الإمام جعفر بن محمد الباقر %، فبما أنّه يُعد من ذرية النبي الأكرم 3 وممدوح سائر الأمم، وبما أنّ الإيرانيين واقفون على نهجه ومسلكه، فسيكون على رأس مذهبهم، يتّبعوه في تعيين الأحكام الفرعيةv.
ومنذ هذه اللحظة بات التشيّع مذهباً فقهياً ــ فحسب ــ على غرار المذاهب السنية الأربعة، يحمل اسم المذهب الجعفري ([8]).
لقد كان استقبال أهل السنّة للفقه الجعفري أسهل بكثير من استقبال الشيعة للمرونة الشديدة التي تعامل بها نادر مع المذهب الشيعي، ولذلك فقد تمّ رفض عروضه من جانب الشيعة([9]).
ولم يكن الشرط الذي وضعه نادر عند قبوله السلطة مقتصراً على قبوله لها، إنّما جعله ــ أيضاً ــ شرطاً أساسياً في صلحه مع الدولة العثمانية.
من ناحية أخرى، تعهّد نادر ــ مقابل أطروحته الإصلاحية للمذهب الشيعي ــ تعهداً ضمنياً، بل على الأحرى بصراحة تامّة، أن يفرض هذه الإصلاحات على العثمانيين أيضاً؛ إلاّ إنّ العثمانيين رفضوا المبادرة التي تقدّم بها، ممّا دعاه لشنّ الحرب عليهم، واحتلال العراق، وخلال هذا الاحتلال استطاع نادر تشكيل مؤتمر يجمع علماء إيران والعراق وسائر المناطق الإسلامية الأُخرى في مدينة النجف، ليلزمهم بإعداد وتنظيم وثيقة من شأنها توحيد المذاهب الإسلامية، ومن ثمّ الإمضاء عليها، وهو ما عُرف فيما بعد بـ bوثيقة النجفv، المؤرخة 21 ــ 24 رمضان 1156هـ ([10]).
اشتملت المادّة الأولى للوثيقة على الفقرة التالية: bبما أنّ أهل إيران عدلوا عن العقائد السالفة، ونكلوا عن الرفض والسبّ، وقبلوا المذهب الجعفري الذي هو من المذاهب الحقّة، فالمأمول من القضاة والعلماء والأفندية الكرام الإذعان بذلك وجعله خامس المذاهبv.
وجاء في المادة الثانية ما يلي: bإن الأركان الأربعة من الكعبة المعظمة في المسجد الحرام، التي تتعلق بالمذاهب الأربعة، فالمذهب الجعفري يشاركهم في الركن الشافعي، وبعد فراغ الإمام الراتب فيه من الصلاة، يصلّون ــ أتباع المذهب الجعفري ــ بإمامهم على طريقة الجعفريةv ([11]).
وبموجب هذه المادّة، يتمّ في كل سنة تعيين أمير للحاجّ الإيراني من قِبل الحكومة الإيرانية على نحو الاستقلال، ومن حيث المرتبة فإن bمرتبة أمير الحاج الإيراني في الدولة العليّة العثمانية تأتي بعد أمير الحاج المصري والشاميv ([12]).
وقد كان نادر نصّ على ذلك كلّه في معاهدة صحراء مغان.
وقد كتب لفيفٌ من علماء النجف وكربلاء في ذيل الوثيقة / المحضر تأييداً لما جاء فيها، وبعد تدوين مقدّمة أتت على مجمل ما جاء فيها، جاء ما نصّه: bإنّ عقيدة الدعاة الإسلامية تكون على النهج المسطور أدناه: نقرّ الخلفاء الراشدين ــ رضوان الله عليه أجمعين ــ على الترتيب، ونعتقد بأنّ سيد المرسلين هو الخليفة (على التحقيق)، ولا شك لنا ولا شبهة في ذلك، ونتبرأ من الرفض والتبرّي، ونتمسّك بمنهج الإمام الصادق %، ونتبنّى عقيدته الراسخة؛ انطلاقاً من قبول المذهب الجعفري من قِبَل قدوة العلماء والأعلام: شيخ الإسلام، وأفندية الدولة العلية العثمانية العظامv([13]).
وقد نُقل عن الميرزا مهدي خان موقف من هذه الوثيقة جاء فيه: bلقد حضر ركبه الأقدس علماء كلّ من إيران وبلخ وبخارا والأفغان وجميع مَن في بلاد توران، ولقد كرّس حضرته جهده الجهيد للعمل على وحدة المذاهب الإسلامية ونزع الخلافات القائمة بين أمّة سيّد الأنام، وقد شمل الحضور في الآستانة العلوية والعتبة البهية الغروية، علماء المشهدين الشريفين، وعلماء الحلّة وأطراف بغداد ونواحيها، وعقدوا ومجلساً تبادلوا فيه الآراء وتداولوا في الحديث، نبذاً لأسباب الفرقة وقلعاً لجذور الاختلافv، ناقلاً نصّ الوثيقة عقب ذكره هذا الكلام ([14]).
وفيما يتعلّق بكيفية حصول نادر على إقرار علماء كلّ من إيران والنجف وكربلاء، فلا خلاف في استخدامه القوّة في ذلك، لكن ما لا يمكن تجاوزه هو وجود أفراد نذروا أنفسهم للقيام بهمّة تلقينه تلك البنود والأعراف.
لقد كان نادر يكتب مطالبه إلى العثمانيين باستمرار، وكان يطلب منهم إرسال شخص يقوم بدور المشرف والمراقب لإنجازات نادر الرامية إلى الحدّ من مظاهر الاختلاف الطائفي، وكان يتوقّع ــ في المقابل ــ أن تستغلّ الدولة العثمانية، الحفاظ على الموقف الإيراني الجديد، فيشكّل لها ذلك دافعاً للاستجابة لمطالبه ومقترحاته؛ فقد كتب في رسالة وجهها إلى شيخ الإسلام العثماني، السيد مصطفى أفندي، (1148ـ 1158هـ) ما نصّه: bوبصدد هذا الأمر العظيم الذي كُرِّس له خالص جهدنا وأثار اهتمام نواب الهمايون، لابدّ لأهل الحلّ والعقد والخيّرين القائمين على هذه الدولة العليّة من العمل على جعل هذا المسلك المحمود وهذه الطريقة الأنيقة الجعفرية، خامس المذاهب الأربعة، ويرجون له، بمباركة زعماء أهل الإسلام، نصيباً من المسجد الحرام ويشركوه ــ المذهب الجعفري ــ في ركنٍ من أركان بيت الله الحرام، ويقرّرون بأن يكون في كل عام أحد أمراء إيران أمير الحاج لذلك العام؛ ليتمكّن الحاجّ الإيراني من التشرّف بطواف البيت الحرام وزيارة مرقد خير الأنام ــ عليه الصلاة والسلام ــ والخلفاء الراشدين ــ رض ـv ([15]).
ولأجل فتح باب الحوار الديني وإثبات صدق نواياه، قام نادر بإرسال شيخ الإسلام الأوّل في بلاده الملا علي أكبر الخراساني، الملقّب بعلامة العلماء وأفضل الفضلاء، ومدرّس خراسان، وإمام المفتقر للألطاف الدائمة والحَكَمُ الديّان، إلى عاصمة الدولة العثمانية لمتابعة هذا الموضوع.
لكن ــ وعلى مدى أعوام ثماني من المراسلات والمكاتبات ــ أي من عام 1148 وحتى 1156هـ، لم تبدِ الدولة العثمانية أيّ مرونة أو استجابة لمطالب الدولة الأفشارية؛ وإثر هذا الإهمال المتوالي لمطالب نادر الرامية إلى الاعتراف برسمية المذهب الشيعي من قبل الدولة العثمانية، عادت بوادر الحرب تظهر في سماء الدولتين مرّة أُخرى، وعلى مدى سنتين متواليتين (من سنة 1156 وحتى 1158هـ)، دقّت طبول الحرب بين الجيشين لمرّات عديدة.
وبعد أن استولى اليأس على نادر من الاستجابة لمطالبه قرّر عدم الاكتراث لها بعد الآن، وبعث بكتاب إلى السلطان محمد العثماني سنة 1159هـ، أي قبيل عامٍ واحد من وفاته، جاء فيه: bسلفَ أن كلّفنا الدولة العلية (القانية) بأمر تخصيص أحد الأركان بمذهب الإمام جعفر الصادق ــ عليه السلام ـ، ومع انتفاء المحذور العقلي لهذا الأمر إلاّ أنّ العلماء الأعلام وأعيان هذه الدولة المخلّدة تمسكوا بأعذار عدّة، وأعرضوا عن القيام به، وبعد حدوث قضية القائد (سر عسكر) محمد باشا، وخلوّ خاطرنا سوى من إلقاء المحبّة والتأليف بين الملّة، لكن بعدما سالت كلّ هذه الدماء رأينا في الإصرار على مطالبنا زيادةً في القتل والدماء، فقررنا، من باب حسن النيّة والتورّع، الغضّ عن المبالغة فيها والنكول عن التكاليف التي أوعزناها، ورأينا تركها أولى، وليؤدّي الحجاج الإيرانيون صلاتهم على أحد المسالك الأربعة في أيّ مكان أو مقامٍ اتفق، فالمهم ــ وله الحمد ــ أنّ وحدة المذاهب والملّة قائمة على حالها، والألفة والمحبّة تامّة، ظاهراً وباطناًv ([16]).
لكنّها في الحقيقة لم تكن ــ مع الأسف ــ سوى وحدة من طرفٍ واحد فحسب.
دوافع نادر وراء طرح مشروع الوحدة ــــــــــ
لم تكن لنادر أي خلفيات سنيّة ولم يسبق له عهد بالتسنّن، ليس هذا فحسب وإنّما هناك قرائن كثيرة تشير إلى أنّه وحتّى عام 1148هـ كان متمسّكاً بالتشيّع مؤمناً به إيماناً تامّاً؛ ففي هذه الفترة، أي الأعوام التي سبقت عام 1148هـ، علاوةً على قيامه بحملة إعمار شاملة للعتبات المقدّسة، قام نادر بضرب سكّة باسم الإمام
الرضا % ([17]).
وقد ذكر محمد كاظم المروي في كتابه (عالم آراى نادرى) أسفار نادر إلى كربلاء والنجف، وإلى أيّ مدى كان سعيه في إعمار مشهد الإمام الحسين (، وbقد مكث ــ نادر ــ ليلتين في مرقد الإمام خاضعاً أشدّ الخضوع إخلاصاً له واعتقاداً بهv، بعد ذلك قصد نادر مدينة النجف bوفي قلبه ينوي، إذا ما وفق الله الجيش وسدّده بالغلبة فقد نذرتُ تلبيس القبّة التي تعلو مقام الإمام الهمام بالذهب؛ لتكون منيرةً كالشمس والقمرv، وكانت الأموال التي أنفقها نادر في عمارة المرقد العلوي قد بلغت حدّاً هائلاً حتى ضرب المثل بها فقيل: (تبذير نادر في النجف) ([18]).
وكانت العبارة الذي نقش بها خاتمه والمذكورة في نهاية وصيته (الوقفنامه) المدوّنة عام 1145هـ هي: bلا فتى إلاّ علي، لا سيف إلاّ ذو الفقار، بلطف الله نادر في عصري، وعبدٌ للثمانية وللأربعةv([19]).
وعلى الرغم من وجود قرائن تثبت لنادر روح التسامح المذهبي قبل عهده بالسلطة، إلاّ أنّه يجب الإقرار بأنّ أطروحة الوحدة الإسلامية أو (وحدة المذاهب الإسلامية) على حدّ قوله، تزامنت مع طرح موضوع السلطة بصورة رسمية.
وقد كان القضاء على البدع والعودة إلى مرام الآباء والأجداد الإيرانيين، أي التمسك بخلفاء السلف، من أبرز المسائل وأهمّها من وجهة نظر نادر وحاشيته، هذا بحسب الظاهر، أمّا خلف الستائر السياسية فهل كانت تكمن غايات أخرى أم لا؟ هذا ما يلزمنا التطرّق له والتعرّف إليه.
إنّ دوافع نادر من طرحه مشروع الوحدة يمكن دراستها ضمن المحاور التالية:
أ ـ القضاء على الاختلافات المذهبية والآثار التخريبية الناجمة عنها ــــــــــ
إنّ الذي دفع نادر للقيام بهذا المشروع ــ في الدرجة الأولى ــ وما صرّح به شخصياً خلال البيانات والكتب التي أصدرها، هو القضاء على النفرة والخصومة القائمة بين الدولة العثمانية والإيرانية.
فمن وجهة نظره تزامن ظهور هذه الخصومات مع صعود نجم الدولة الصفوية، وعزّزها أولاً، ما يطرحه الشيعة من الشعائر في المآتم وأيام العزاء وثانياً، التنفّر والتبرّي من المخالفين لأهل البيت وغاصبي الإمامة منهم، الأمر الذي وسّع الهوّة بين الإيرانيين والأتراك، وقد أدّت هذه الخصومة إلى حروب لا طائل لها وخسائر فادحة وجمّة.
لقد كان نادر يرى أن السبيل للقضاء على الاختلاف يكمن في إعادة الاتجاه المذهبي في إيران على ما كان عليه قبل العهد الصفوي، وكان يروم إلى أمر قد بدا هامّاً بالنسبة إليه، وهو موضوع تكفير السنّة للشيعة، والذي أدّى إلى إزهاق كثير من النفوس من الجانبين، وقد أشرنا سابقاً إلى التبرير الذي عبّأ بواسطته الأفغان الغلزائيين أفرادهم لاحتلال إصفهان، وهو الفتوى التي حصلوا عليها من علماء مكّة، وضمّت سبعين مورداً عقديّاً يتمسّك به الشيعة، يكفي كلّ واحد منها ــ بصورة مستقلّة ــ لإثبات كفرهم([20]).
وقد أورد نادر في معاهدة صحراء مغان، وكذلك في وثيقة النجف، مجموع الخسائر الناجمة عن النزاع القائم بين الإيرانيين والعثمانيين منذ بداية العهد الصفوي، قائلاً: bبعد شيوع هذه الفكرة وانتشارها، قام أهل السنّة والجماعة بتبنّي الروح العدوانية ونبذ الصلح والصفاء، وأباحوا القتل والنهب والأسر في هذه الفرقة ــ الجعفرية ــ وقد أدّى هذا الأمر إلى تفشي الفوضى والتصادم، وإيقاد نار الفتنة بين المسلمينv([21]).
وقد أشارت الوثائق المتوفرة من ذلك العهد بصورة متكررّة إلى بث
الفتنة وتكريس الضغينة في بداية العهد الصفوي، فيما حملت الندم والأسف عمّا
قام به الشاه إسماعيل من زرع النفاق وإيجاد النزاع بين المسلمين وأمّة سيّد المرسلين([22]).
جاء في وثيقة النجف أنّ الشاه إسماعيل bأوجد بغضاً عظيماً بين أبناء المسلمين، ونشر راية النفاق والاختلاف، بحيث بات الكفّار آمنين مطمئنين في أرجاء البلاد، فيما فروج المسلمين ودماؤهم عرضة للتهديد والاغتصابv.
وربّما كانت الوثيقة تريد بالكفّار، الإفرنجيين الذي لعبوا دوراً هامّاً في دفع إيران تجاه الحرب مع الدولة العثمانية، وجدير بالذكر أنّ العداوة التي كانت قائمةً بين هاتين الدولتين بلغت من الشدّة، حتى لم تعد بحاجة إلى من يدفعها أو يكرّس جهده للزيادة من حدّتها وأوارها.
وقد كان نادر مدركاً أن القضاء على هذه العداوة يتناسب ــ طردياً ــ مع القضاء على التركة التي خلّفها الشاه إسماعيل الصفوي، ففي أحد الأوامر التي أصدرها ذكر ما يلي: bإنّ الخاقان المغفور له([23])، حرصاً منه على دولته، ترك العمل بذلك المذهب، ونشر المذهب الشيعي وجعله مسلكاً يُتّبع، وكرّس السبّ والرفض، اللذين يمثلان عملاً رخيصاً وأمراً داعياً للفساد، وجعلهما مجرى ألسنة العامّة
من الناس، وأوقد نار الشرور؛ فعرّض الدولة إلى الإباحة والفساد، ومادام هذا
الأمر السيء متفشياً؛ فلا يمكن القضاء على المفاسد التي انتشرت بين أهل الإسلامv([24]).
يقول السويدي، الذي أُرسل من قبل أحمد باشا ــ حاكم بغداد ــ إلى النجف؛ لخوض الجدال المذهبي عام 1156هـ تلبيةً لدعوة نادر: bعندما التقيت بنادر رحّب بي وسألني عن صحّة أحمد باشا، ثم قال لي: هل تعلم ما السبب الذي دعاني إلى استدعائك لحضور المؤتمر ــ مؤتمر النجف ـ؟ لأنّ في مملكتي فرقتين ــ تركستان وأفغان ــ يقولون للإيرانيين أنتم كفّار، فالكفر قبيح، ولا يليق أن يكون في مملكتي قوم يكفّر بعضهم بعضاً، فالآن أنت وكيل من قبلي ترفع جميع المكفّراتv([25]).
ب ـ العمل على حفظ الأمن الإيراني ــــــــــ
إلى هذه الفترة، كان الطابع المذهبي هو المخيّم على مسرح الأحداث، لكن من جهة ثانية كانت لنادر دوافع سياسية كثيرة تختفي خلف ستائر الأحداث؛ فمن وجهة نظره أفقد النزاع الطائفي إيران استقلالها، وفي هذه الحالة ــ بحسب رأيه ــ يتحتّم عليه إيجاد سبيل لتوفير الاستقرار والثبات للدولة الإيرانية، بوصفه منقذاً لها([26])، ذلك أنّ البلد إذا كان مهدّداً من أكثر من جانب، وخصوصاً إذا كان التهديد من النوع الطائفي، يفقد استقراره بالضرورة.
إذن، للقضاء على الدوافع التي تدفع باتجاه الحرب ضدّ ايران، سواء من
الشرق أو الغرب، لابدّ من معالجة هذه الدوافع والإجهاز عليها، ولا يتمّ ذلك إلاّ
من خلال إيجاد نوع من التقارب المذهبي بين سكان المناطق التي تهدّد الكيان الإيراني.
ج ـ كسب الرأي العام المحلّي لبلدان الشرق الإسلامي ــــــــــ
تعتبر الشرعية في الحركة لدى نادر ذات أهمية بالغة، فقد كانت طموحاته ترمي إلى السيطرة على سائر أرجاء الشرق الإسلامي، بدءاً بالهند، تليها أفغانستان وتركستان و.. لتبلغ حتّى الحدود الشرقية للدولة العثمانية، ومن الطبيعي أنّ يغدو تسيير بلاد بهذا الحجم ــ مع تفشي النزاع الطائفي بين أقاليمها ــ أمراً شبه مستحيل.
كان نادر يعتقد أن إرساء الأمن ينحصر في القضاء على التوتّر الطائفي، فقد كان عازماً على إدخال السنّة في قوى الجيش مع الشيعة؛ وذلك فترة احتلاله منطقة هرات، باستخدام مجموعة من الأفغان (الأبدالي) في هجومه على بغداد، وقد أخلص هؤلاء لنادر بشكل كبير، لكن ما حصل كان قيام مجموعة من (الغزلباش) بإهانة مقام أبي حنيفة النعمان انطلاقاً من عادةٍ قديمة توارثوها، الأمر الذي أثار حفيظة الأفغان الأبداليين ممّا حدى بهم إلى الإصرار على نادر أن يتخذ موقفاً بحيث bلا يتعرّض أحد إلى المرقد الطاهر لزعيم أهل السنّة، ممّا يجعلنا في حرج وحزنٍ وهوان أمام التأريخv، وبذلك أصدر نادر أوامره بفرش المقام بالسجاد ونصب القناديل bبحيث يصبح المرقد الشريف للإمام الأعظم أكثر جمالاً وروعةً مما كان عليه بألف مرّةv([27]).
قال نادر ذات مرّة (للسويدي) عليك أن تدعوني bبسلطان إيران وسلطان تركستان، وسلطان الهند وسلطان الأفغانv([28])، وكيف يمكن، يا تُرى، تحقيق مثل هذه السلطة بالاعتماد على التشيّع بمفرده؟!
يمكن أن يقال: إنّ الصفويين تمكنوا من الإمساك بالسلطة اعتماداً على التشيّع فحسب، لكن يردّ ذلك: أولاً: إنّ طموحات نادر كانت أبعد وأوسع بكثير، وثانياً: كان نادر يسعى لاجتياز نقاط الضعف التي وقع فيها الصفويون، والتي من جملتها سقوط عاصمته بواسطة هجوم قد يقوم به السنّة.
د ـ تعزيز الرأي العام الخارجي لصالح الدولة الأفشارية ــــــــــ
كانت العقبة السياسية بالنسبة لنادر تتمثل في طرح نفسه لدول الجوار بوصفه شاه إيران ومؤسّس السلسلة الجديدة، وتكمن العقبة في سرعة قبول الدول بهذا الأمر، ولذلك كان عليه التمظهر بمظهر أهل السنّة، والحفاظ على المذهب الجعفري، فقط، لتعزيز مكانته محليّاً.
لقد اعتمد نادر ــ في بلورة وجهة نظهره هذه ــ على التجارب التي سبقه إليها الشاه إسماعيل، لكن من زاوية مخالفة طبعاً، إذ كان هذا الأخير ــ وبحسب رأي نادر ــ غير تارك التسنّن أو متمسّك بالتشيّع إيماناً منه بذلك، إنّما الذي دعاه لذلك إصلاح شؤون دولته.
والآن، فقد توصّل نادر إلى قاعدة مهمّة، وهي أنّه إذا ما أراد صلاح الدولة الأفشارية فلا سبيل له إلاّ التوافق مع ميول جيرانه والتخلّص من كل أمرٍ يفضي إلى التمييز والنزاع.
يكتب محمد كاظم المروي في إجابته عن السؤال الموجّه إليه والذي مفاده: ما الذي دعا الشاه إلى تعميم مشروع الوحدة بمجرّد قبوله السلطة ودون فاصل زمني؟ bبسبب تردّد (إيلجيان) الروم في البلاد، ولخطورة أمر الدولة، الذي من ضمنه جعل اثنين وسبعين فرقة في دائرة الانصياع والاستجابة، منقادين لأوامر جناب الظلّ الإلهي ونواهيه، خصوصاً أن ممالك الروم وتركستان والهند وجلّ طوائف إيران جميعهم متمسّكون بالمذهب السنّي، ومخلصون في ولائهم للخلفاء الثلاثة، فإنّ صلاح الحكم وتحقيق انقياد الفرق واستجابتها أثناء تردد الـ (إيلجيان) المذكورين سلفاً، يحتّم علينا إصدار أوامر صارمة وشديدة بهذا الأمر إلى جميع أهالي إيران وأنحائها، بدءاً بحدود دربند وحتى نهاية كابل وبيشاور ومروشاهجان، التي تقع في الوسط بين إيران وتركستانv، وقد ذيّل هذا النص بالقرار الذي أصدره، والذي تعرّض للاختلافات المذهبية الموجودة في إيران.
وورد في وثيقة ثانية، أنّ هدف نادر من وراء مشروع الإصلاح الطائفي هو التمكّن من كسب الترك، وجعلهم يقرّون له بالملك، ويقيمون الصلح معه([29])؛ ومن الطبيعي إذا ما شاهد المسلمون في دول الجوار، إصرار الملك الجديد على التمسّك بالتسنّن، فسيشقّون عصى الطاعة فيما لو أرادت دولتهم القيام بشنّ حرب على نادر.
ينقل أحد الكتّاب: bيروي المعاصرون لتلك الأحداث أنّ الأوامر المتتالية التي أصدرها نادر شاه، والتي تلزم سائر أتباعه بالرجوع عن التشيّع، أرعبت الحكومة العثمانية، ذلك أنّ العثمانيين قد اتخذوا العبرة ممّا قام به أشرف أفغان من الحيل الدبلوماسية معهمv([30])، ولقد أشرنا سابقاً إلى الحيلة التي افتعلها أشرف، وقام بهزم الجيش العثماني مستغلاً ذريعة تسنّنه، وربّما كان نادر يرجو ــ بهذه الأعمال ــ تحقيق مكاسب ومطالب من الدولة العثمانية من خلال إيجاد الاختلاف والتناحر بين زعمائها.
هل تعدّت ــ يا تُرى ــ طموحات نادر تركستان وإيران والهند والأفغان، لتشمل القسطنطينية أيضاً؟ وهل جاء طرحه لمشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية في سياق هذه الخطّة الموسّعة ومن أجل تحقيقها؟
رغم وجود من احتمل مثل هذا الأمر ([31])، إلاّ أنّ القرائن التي تؤكّد ذلك ليست كافية، إذ إنّ فكرة احتلال الدولة العثمانية بمساحتها الممتدّة الشاسعة لم تكن ــ إلى ذلك الحين ــ ضمن قائمة الأفكار السليمة والعملية عند نادر.
هـ ـ سلب الشرعية عن الصفويين وسدّ تمام منافذ العودة ـــــــــ
كانت أحد أهمّ الأهداف المبيّتة لدى نادر سلب الشرعية عن الدولة الصفوية، وذلك من خلال تحجيم دور التشيّع والقضاء عليه، باعتباره يمثل الأيديولوجية التي كرّسها الصفويون لقيام دولتهم، بعبارة أخرى، كانت أهمّ مشكلة تواجه نادر هي تكوين العقل العام المتمسّك بالمبادئ الصفوية والتي عجن بها على مدى مائتي عام، كما كان مجرّد دوام الدولة الصفوية واستمرارها يعزّز، بشكل كبير، شرعيتها لدى الرأي العام([32]).
ولذلك كان على نادر ــ الآن ــ أن يعمل على تشويه سمعة الدولة الصفوية؛ ليتمكّن من شرعنة استخلافها دون متاعب.
ولا يخفى أنّ الأيديولوجيا التي كرّستها الدولة الصفوية كانت تحوّلت إلى ثقافة غائرة العمق لدى الناس، بحيث كانت آثارها باديةً على السلوك الاجتماعي بشكل ملحوظ، وكانت هذه الآثار مرتبطةً إرتباطاً وثيقاً ومتداخلاً مع الثقافة الشيعية، بناءً على ذلك، من شأن التعرّض لها توجيه ضربة قوية لشرعية الدولة الصفوية لدى الرأي العام.
ومن الطريف أن نادر كان يقارن نفسه بالشاه إسماعيل، ويسعى لذمّ الأخير في كلّ أمر أو مكتوب يصدره([33])، ومنشأ هذه المقارنة يكمن في اعتباره نفسه مؤسّساً لسلسلة جديدة، وهو ــ بالطبع ــ يشترك في هذا الأمر مع قرينه الشاه إسماعيل الذي باتت شجاعته مضرباً للأمثال.
في الواقع كما كان نادر بحاجة لتكريس شرعية حركته لدى الرأي العام الإقليمي والدولي، كذلك لم يكن غافلاً عن سلب الشرعية عن الصفويين وإثباتها لنفسه، وتعزيز ذلك لدى الرأي العام المحلّي.
وفي كتاب بعثه نادر إلى شيخ الإسلام مصطفى أفندي كتب: bظاهر وجليّ للعيان أن ما وقع من التناحر والنزاع بين أهالي الروم وإيران، لم يكن سببه إلاّ البدع في الدين المبين التي أوجدها وبثها الشاه إسماعيل، وأنّ الجميع هم أمّة نبيّ واحد وأهل كتاب واحد وقبلةٍ واحدة، تجمعهم الأخوّة والصلة والوئامv.
والآن، فقد بنى الناس آمالهم على المشاريع الإصلاحية الجديدة ، فعليهم ــ إذاً ــ التخلّي عن الثقافة الصفوية واتباع رائد الإصلاح الجديد ــ ولا أحد سوى نادر ــ فيسلّموه زمام الحكم، ولذلك فقد أضاف في ذيل الكتاب السابق قائلاً: bولحفظ المشروع الخيري من التعرّض لبوادر النقص والتغيير والتبديل وصونه وحراسته عن ذلك، نتخلّى عن البيعة للسلسلة الصفوية، ونجعل قائدنا نائب (الهمايون) على عرش الملك والرئاسة، فإنّه وارث السلالة التركمانية الجليلةv.
وجاء في نص آخر: b.. وافق الجميع على هذه المبادرة، وخوفاً منهم أن تتعرّض للفساد والبغي والعناد في حال تمسّكوا ببيعة السلسلة الصفوية، اختاروا نائب (الهمايون) ملكاً ورئيساً عليهم؛ لأنّه وارث السلالة التركمانية الجليلةv.
وهذان النصّان كفيلان بالكشف عن هدف نادر من وراء الإصلاحات المذهبية، وهو سدّ جميع الطرق والمنافذ أمام عودة الصفويين، وتقديم نفسه المنقذ الأوحد لإيران.
كانت مشاريع نادر بالنسبة للمحافظين المتمسّكين بالصفوية مروقاً عن الدين، وكان أحد هؤلاء المحافظين الميرزا محمد خليل المرعشي الصفوي صاحب كتاب (مجمع التواريخ)، فبعد سرده لرواية مقتل طهماسب الثاني وعبّاس الثالث على يد نادر يكتب: bبعد مقتل هذين الملكين وعودته من سفر الهند، ونظراً لكفره بالنعمة التي أنعمها عليه بارئه، غطّى السواد مزاجه وخُتم على قلبه، بحيث أدى به للمروق عن الدين، ففي البداية ــ وتحت ذريعة تأليف قلوب أهل الروم وغيرها ــ أوقف بعض ما يمثل شعار الشيعة وطريقتهم في سائر أرجاء البلاد، مثل إقامة المآتم على خامس آل العباء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، شهيد صحراء كربلاء، في العاشر من المحرّم، كما منع الاحتفال بأعياد غدير خم والنيروز وغيرها، bفأرسى الخيمة على عمود واحدv، ومنع أيضاً تلاوة القرآن الكريم بصورة علنية، بل الأكثر أنّه منع حتّى من امتلاك القرآنv([34])
و) نادر والرغبة الحقيقية في إقامة الوحدة الدينية والطائفية ــــــــــ
بغض النظر عن البعد السياسي للمسألة، لا يمكن التردّد في نزعة وحدوية لدى نادر آنذاك، فهناك روايات تفيد أنّ تفكيره لم ينحصر بالوحدة الإسلامية، إنّما كان يسعى لإيجاد سبيل يتمكّن من خلاله العمل على توحيد سائر الأديان التوحيدية.
ويمكن مقارنة نادر ــ من هذه الجهة ــ بعاهل الهند (أكبر شاه) الذي ابتكر ديناً جديداً؛ بغية توحيد الهنود والمسلمين في ظلّ عقيدة واحدة.
ينقل عن (هان وي)، أنّه كانت هناك رغبة للشاه في إيجاد مذهب جديد يجمع الإسلام والمسيحية ويكون أفضل من كليهما. وخير دليل على وجود مثل هذه الرغبة إصرار نادر على ترجمة نصوص الكتب المقدّسة؛ إذ يذكر السفير الروسي الثابت في إيران في ذلك الوقت، في تقريره المؤرخ 31/5/1741م (1151هـ): أنّ نادر استدعى في اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر كلاً من الأسقف الأرمني والكاثوليكي والملاّ والحاخام، وطلب منهم القيام بترجمة إنجيل الحواريين والتلمود ([35])، وعندما قرءوا عليه الترجمة، قال نادر: إنّ القادر المتعال منحنا العَظَمة والقدرة والشهرة، وجعل في قلبنا نوراً نميّز به الاختلاف بين كلّ هذه الأديان، ونختار من بينها ما نشاء لنُنشئ مذهباً جديداً نرضي به الله، ويكون لنا شفيعاً ناجياً؛ ذلك أنّ الأديان باتت من الكثرة بحيث كثر الاختلاف فيما بينها، يُلغي بعضها بعضاً، ويرى كلّ منها الأحقية لنفسه، وهذه الأديان الآن متعددّة، لكنّ الله واحد، فلابدّ أن تكون هي الأخرى واحدة([36])
ز ـ غرور نادرــــــــــ
يمكن استعراض ما نُقل عن تأثير غرور نادر في تغيّر متطلّباته، لكن الذي لا يمكن هو الاطمئنان إلى ذلك والتصديق به.
فمن جملة ما نُقل ما جاء في تقارير الهولنديين عن لسان نادر أنّه قال ــ في شأن إقامة المآتم على الإمام الحسين % ـ: bإذا كان إيمان الناس بهذين الشخصين، اللذين ناضلا في عهد عمر، يدفعهم إلى ضرب الرؤوس وإرهاق الأبدان وغيرها من الأفعال، فإني أخاف إذا ما متُّ أن يقوم الناس بالانتحار من أجلي؛ نظراً لكلّ ما قمت به من أجلهمv([37]).
وفي تقرير آخر لـ (بازن)، الطبيب الخاص لنادر، يروي فيه أنّ نادر: bكان يعلن جهاراً أنّه ليس أقلّ شأناً من النبي 3 وعلي %، ذلك أنّ سرّ عظمتهما تكمن في كونهما مقاتلين بارعين، وإذا كان كذلك، فهو الآخر قد حقّق من الشهرة في البراز ما يجعله قريناً لهماv([38]).
إنّ تصديق مثل هذه الروايات أمر صعب.
نادر وفشله في مشروع الوحدة ــــــــــ
ما كان لمشاريع نادر أن تُثمر دون عامل الضغط والقوة، إذ كان عليه مواجهة فترة زمنية تتجاوز المائتين والثلاثين عاماً من تكريس الثقافة الشيعية، وخصوصاً أنّها كانت من النوع الإخباري الذي يعدّ أكثر تزمّتاً وحدّة.
لكن مع ذلك، تمكّن نادر ــ بإنقاذ إيران من هجمة الغلزائيين واستعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس والعثمانيين ــ من تعزيز موقفه بالشكل الذي دعاه إلى مقارنة نفسه بالشاه إسماعيل الصفوي، وجَعَله يفكر في إيجاد تغيير مذهبي في إيران على غرار ما أوجده الشاه إسماعيل.
كان بالإمكان أن تثمر مشاريع نادر، فيما لو خلَفه مَن هو على قدر من الكفاءة، وفيما لو كانت الدولة الأفشارية ــ كسابقتها الصفوية ــ ذات أسس قويّة ومتماسكة، لكن الذي حدث أنّه ــ وبمجرّد رحيله ــ لم تتمكّن الدولة الأفشارية من الاستمرار، وبذلك ذهبت كلّ آماله وطموحاته أدراج الرياح.
إنّ التأريخ الإيراني يفتقد إلى أي شاهدٌ يفيد أنّ أحداً ــ حتى من المقرّبين ــ قد تفاعل مع المشاريع التي طرحها نادر.
يذكر السويدي في كتابه بصراحة: أنّه بعد انتهاء المجادلات في مؤتمر النجف ونجاح الأمر، صعد خطيب الجمعة في مسجد الكوفة واتهم الخليفة الثاني كنايةً بعدم العدالة والمعرفة ([39]).
ومع أنّ السويدي نفسه قد اعترف رسمياً بالمذهب الجعفري في المؤتمر ــ مع جميع الشروط التي أملاها ــ لكنّه، وفي الكتاب نفسه، يعدّ دراسة ينتهي من خلالها إلى أن هؤلاء لا ينتمون إلى مذهب الإمام جعفر الصادق % بأيّ وجه من الوجوه؛ وهذا ما يرشدنا إلى حقيقة أن المؤتمر لم يستطع أن يؤثر أدنى تأثير في أيّ طرف من الأطراف المتجادلة، إضافةً إلى ذلك لا يوجد أيّ عمل فقهي أو كلامي، تمّ في تلك الفترة أو ما بعدها، يشير إلى تأثير هذه المجادلات. والأغرب من ذلك كلّه أنّ الميرزا مهدي الاسترابادي، الشخصية الأقرب إلى نادر، ومدوّن كتبه وأوامره، ترك ــ إضافةً إلى وثيقة النجف الأشرف ــ رسالتين، ذكر فيهما تمسكه بالتشيّع بشكل مفرط جدّاً، الأولى تحت عنوان (الغديرية)، والثانية تحت عنوان (زوال شمس النبوّة) يحكي فيها قصّة رحيل النبي 3([40]).
والجدير بالذكر أنّ نادر نفسه في كلمة له عام 1149هـ في إصفهان، عزا انتصاراته الأخيرة إلى bكرم وفضل الحضرة الإلهية المقدّسة، وعون الأئمة الاثني عشرv([41]).
تبقى مشكلة أساسية واحدة في هذا السياق، وهي أنّ الدولة العثمانية لم تشأ أن تبدي أيّ مرونة أو تنازلات؛ فقد تمكّن نادر من إيجاد تحوّل في جهة واحدة، وهي الجهة الإيرانية، وذلك باستخدامه القوّة، وبذلك حقّق نجاحاً في مشروعه الوحدوي في الجهة الإيرانية، لكنّ في الجهة الثانية، حيث تقع الدولة العثمانية، لم يكن هناك أدنى تنازلات عن الموقف القديم؛ مما شكّل عاملاً مهمّاً في إجهاض العملية الوحدوية التي كان يسعى لها نادر.
إن القراءة المنصفة للواقع تفيد أنّ الدولة العثمانية لم تكن تملك أي مسوّغ يبرّر لها هذا الإصرار، ولم يكن بإمكانها التخلّص من تزمّت الأفندية الأسلامبولية؛ ففي رسالة وجّهها الميرزا مهدي خان الاسترابادي إلى الصدر الأعظم العثماني، ضمّنها اعتراضه على ذلك، مشيراً إلى عهد النبي 3 وأنّ الإتباع إنّما كان في ذلك العهد لمذهب واحد، لكن بالتدريج bومن أجل رفع النزاع والفساد جعلوا التقليد للمذاهب الأربعةv، وكتب في صدد عدم الاعتراف بالمذهب الجعفري الذي فيه صلاح الأمّة ما نصّه: bما الذي يدعو إلى رفض هذا الأمر الذي فيه صلاح الأنام وبه خير أهل الإسلام؟ بحمد الله إن الوزير ذو رأي صائب، وهو عارفٌ بصلاح الأمور وفسادها، فهل من الإنصاف أن يتناحر أهل الإسلام فيما بينهم، ويغتنم الكفّار الفرصة ليأسروا المسلمين ويتطاولوا على بلادهم ينهبونها، يبيعون الأسراء في الأسواق ويستعبدونهم في الكنائس، فإذا اقتضى رفع الفساد في السابق تعدّد المذاهب إلى أربعة فما المانع في صيرورتها خمسة في عهدنا هذاv([42]).
لكن هذه الأدلّة لم تكن ــ هي الأخرى ــ قادرةً على التأثير في موقف الدولة العثمانية.
وقد خاطب نادر الشيخ عبد الله السويدي عند انتهاء المؤتمر قائلاً له: bإنما هذا ــ أي رفع السبّ عن الشيخين ــ أمرٌ يسّره الله تعالى ووفقني له؛ حيث كان رفع سبّ الصحابة على يدي، مع أن آل عثمان منذ كان السلطان سليم إلى يومنا هذا، كم جهّزوا عساكر وجنوداً، وصرفوا أموالاً، وأتلفوا نفوساً؛ ليرفعوا السبّ في إيران فما وفقوا في ذلكv([43]).
وبعد انتهاء محادثات مؤتمر النجف، بعث نادر بالسيد نصر الله الحائري إلى مكّة، وقد كانت قرارات المؤتمر تجيز له قراءة الخطبة وإقامة الصلاة في الركن الشامي، لكن بعد فترة وجيزة وصل مرسوم من اسطنبول، وفيه أمر بأن يُقبض على الحائري ويسلّم إلى أمير الحج الشامي كي يأخذه معه إلى الشام ويسجنه في قلعة دمشق، وبعد أن أودع الحائري سجن القعلة طلبه السلطان فسيقَ إلى اسطنبول، وعندما وصلها وُشي به إلى السلطان بفساد المذهب؛ فحكم عليه ــ بأمر من السلطان ــ بالقتل([44])، وأما زمان استشهاده فقد اختلفوا في تحديده.
بعد أن يأس نادر من نجاح محاولاته، كتب في أحد أواخر كتبه إلى السلطان محمود العثماني عام 1159هـ، ما أبدى فيه أسفه على رفض طلبه في الاعتراف بالمذهب الجعفري والامتناع عن تخصيص ركن من أركان الكعبة للطائفة الشيعية، مستغرباً تصرّف الدولة العثمانية؛ إذ رفضت الشروط وقبلت (بسفك كلّ هذه الدماء). لكن مع ذلك ذكر في الكتاب أنّه: bبعون الله ورعايته، فإنّ مذهب أهل السنّة والجماعة المتمثل في الإقرار بأحقية الخلفاء الراشدين ونبذ البدع، قد انتشر في إيران انتشاراً واسعاً ورسخ رسوخاً عميقاً ، بحيث تمسّك به الكثير بإخلاص تام، إلاّ طائفة رغبت عنه جهلاً منها به، وقد وفقنا لإجبارها على اتباعه والتمسّك به، سواءً عن رضى منها أو غير رضىv، لكن في مقابل هذا التراجع عن مطالبه، شرط نادر على الدولة العثمانية إما العراق أو آذربيجان اللتين تعدّان bفي الحقيقة إرثاً لهذا المخلصv bيتم منحها لهذا الصادق الولاء من باب الإحسان والتواصل، وبالطبع فإنّ النصف الآخر سيكون حلالاً طيباً للدولة الباهرةv([45]).
لقد كان السلطان العثماني قبل هذا الكتاب قد مُني بهزيمة منكرة، فبعث في الجواب بادياً رغبته في الصلح، وشاكراً لنادر رفعه البدع والأعمال المنكرة، واعداً إياه أن يُعامل الحجّاج الإيرانيون معاملةً طيبة، تختلف عن معاملة بقيّة الحجاج والزوّار([46]).
على أيّ حال، رفض المطلبان الأولان من مجموع مطالب نادر الخمسة من قبل الدولة العثمانية بذريعة (المعاذير الشرعية)، وقد قبل نادر هو الآخر تلك المعاذير([47]).
وبعد موته عام 1160هـ لم تسنح فرصة أخرى لتحقيق مطلبه ومتابعة أمر تسليم العراق للدولة النادرية.
إن مشكلة نادر الأخرى أنّه طرح مشروع الوحدة بين المسلمين دون الاستناد إلى أيّ خلفية علمية وثقافية؛ إنما اعتمد على تجربة سياسية سابقة، ظانّاً أن السيف قادر على تلبية ما يسعى إليه، إضافة إلى ذلك فقد كان ينطلق في جلّ محاولاته من الهاجس السياسي، والحال أنّ مجتمع إيران في تلك الحقبة لم يكن بوسعه إدراك سائر أبعاد المشاريع الجديدة، ولم يكن بإمكان حكومة نادر اتخاذ القرارت في فترة زمنية محدودة؛ ممّا دعاه لاستخدام منطق القوّة؛ الأمر الذي خلق ردود أفعال اجتماعية أدت إلى رفض مشاريعه التقريبية.
ويُحكى أنّه على الرغم من كتبه التي كان يبعثها للقائمين على الدولة العثمانية والتي تحوي مساعيه الرامية إلى التقريب بين مسلمي إيران وباقي المسلمين والتوحيد بينهم، إلاّ أنّ الأيام الأخيرة شهدت ــ للمرة الثانية ــ نزوع نادر للتشيّع؛ ففي عام 1159هـ رفع أحد الوكلاء الروس تقريراً مفاده أنّ نادر ينوي التواجد في مشهد أثناء عيد النوروز، وأضاف: bعلى ما يبدو، إن جناب الشاه لم يعد يرى أيّ رغبة من الجانب العثماني في اقتراحه الرامي إلى التأليف بين الفرق المحمدية، ممّا دعاه ليرائي في موقفه الإيجابي المذهب الشيعي في إيرانv([48]).
نادر شاه والمؤسسة الدينية ــــــــــ
لا شك في أنّ نادر لم يكن بوسعه الاستعانة بطبقة رجال الدين في المواقف السياسية التي كان يتخذها؛ والسبب الرئيس هو أنّهم ــ مثلهم مثل أكثر الناس ــ لم يكن موقفهم إيجابياً إزاء تغيير الحكم، ومن الطبيعي أن يكونوا ــ طيلة فترة حكمه ــ تحت المقصلة.
السبب الآخر أن الزيّ المذهبي الذي كان نادر يسوّقه بقوّة السيف، لم يكن أمراً يتقبّله رجال الدين بهذه السرعة؛ وممّا كرّس موقفهم السلبي هذا، تطرّف نادر في مشروعه الوحدوي.
يضاف إلى تلك الأسباب إصرار نادر على الاستحواذ على الأراضي الوقفية التي كانت تموّل الأماكن الدينية والمدارس العلمية وتشكّل دخلاً فردياً هامّاً بالنسبة لرجال الدين؛ فقد كان ينوي تأمين المجهود الحربي من خلال ضمّ تلك الموقوفات إلى خزينة الدولة([49]).
ذلك كلّه، كان يدفع المؤسسة الدينية للمناهضة والثورة، وكان السيف هو الطريقة الحصرية التي استخدمها نادر لإخضاعهم؛ فعندما أبدى الملا باشي رأياً مخالفاً في صحراء مغان ولم يؤيد نادر في تغيير الحكم الصفوي، قام الأخير بخنقه في خيمته.
وقد سبق أن أشرنا إلى رسالة نادر المتضمّنة مناهضة مشاريعه والتي جاء فيها: bبحيث تمسّك به الكثير بإخلاص تام، إلاّ طائفة رغبت عنه جهلاً منها به، وقد وفّقنا في إجبارها على الاتباع والتمسّك به، سواءً عن رضى منها أو غير رضىv ([50]).
إذن، من الطبيعي أن تكون المؤسسة الدينية في طليعة المعارضين لنادر، لكنهم عندما شاهدوا مقتل أبي الحسن ملا باشي في صحراء مغان، وعلى حدّ قول المروي: bلم يجرؤ أحد بعد ذلك على إبداء رأي مخالفv([51])، ويقول همو: قتل نادر الكثير من شعراء العراق ورجالاته([52])؛ وسبب ذلك يعود ــ كما يقول مروي ــ إلى ميولهم للسلالة الصفوية.
لكن ومع عدم اكتراثه بالعلماء، لم يكن بإمكان نادر عزلهم عن القرارات التي كان يتخذها؛ فقد كان إقرارهم لمشاريعه أمراً ضرورياً بالنسبة إليه، وعندما لك يكن يحصل عليه كان يلجأ إلى القوّة في ذلك، وقد جمع لفيفاً من العلماء وشيوخ الإسلام في المدن واصطحبهم معه إلى صحراء مغان، وأجبرهم على قبول مطالبه، وبعد أن حصل على موافقتهم، ذكر في نصّ المعاهدة والأوامر الصادرة عنه أنّ هذا القرار إنّما تمّ bباستفتاء واستشارة العلماء الأخيار والفضلاء المؤمنين الذين لزموا الركب المنير وشرّفوه بحضورهمv، وطبعاً لم يكن بإمكان هؤلاء إلاّ إمضاء تمام ما كان نادر يقرّره.
ونورد هنا أسماء بعض العلماء الذين تمّت تصفيتهم على يد نادر أو الذين حضروا إلى صحراء مغان، ونذعن ــ في الوقت عينه ــ بأنّ حضورهم هناك لا يعني تأييدهم لما طرحه نادر، كما لا يدلّ على إقرارهم بشرعية الدولة الأفشارية.
كان نادر قد أصدر أمراً يطلب فيه حضور مجموعة من العلماء ممثلّين عن كلّ مدينة، اضافةً إلى أعيان الإيرانيين ورؤساء العشائر والقبائل، إلى صحراء مغان؛ فعلى سبيل المثال كان من حضر صحراء مغان من علماء وأعيان مدينة كاشان: القاضي عبد المطلب الغفاري، والميرزا أبو القاسم شيخ الاسلام، والسيد حسين بيشنماز، وعبد الكاظم الكاشاني، والميرزا عبد القدير الكاشاني([53])، وكان على رأسهم شيوخ إسلام المدن؛ إذ كان يلزمهم الحضور؛ بناءً على طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
وقد ورد في ذيل وثيقة النجف أسماء بعض العلماء تحت عنوان (أسماء طلبة الركب)، ومن ضمنهم أسماء شيوخ إسلام كلّ من مدن كرمان، ودامغان، وسبزوار، واستراباد، وشيروان، وطهران، وشيراز، ونيشابور، وقم، وكاشان، ونائين، ويزد، وجيلان، وخلخال، ومراغه، وإيروان، وإصفهان، وسمنان، وأروميه، وشوشتر، ومشهد، وتبريز، ومازندران، وقزوين، وكرمانشاه، وكازرون، إضافةً إلى قضاة كلّ من هرات، وجام، وأردبيل.
وكانت الأسماء الأخرى المذكورة هي: الميرزا محمد علي بن ملا شفيع نائب الصدارة العليّة العالية، والميرزا محمد حسين بن الميرزا عبد الكريم قاضي عسكر، والسيد محمد إمام جماعة قم، والملا نصير المازندراني، وآغا مهدي لاريجاني، وآغا مسيح دهدشتي، والحاج مهدي نائب الصدارة في الأرض المقدسة، وخطيب الأرض المقدسة، والميرزا مقيم خادم الروضة الرضوية، ومحمد علي خادم الروضة الرضوية، والمير مهدي إمام الجماعة([54]).
وقد كان السويدي ــ المبعوث من قبل أحمد باشا إلى مؤتمر النجف والمدوّن لما جاء في المؤتمر ومترجم وثيقة النجف إلى العربية ــ قد ذكر هو الآخر أسماء جملة من العلماء الذين حضروا المؤتمر، ومن جملتهم شيوخ إسلام المدن الإيرانية([55]).
أمّا بالنسبة إلى أسماء باقي الحضور، فقد وردت في مصادر أخرى كالتالي:
1 ــ الميرزا أبو الحسن ملا باشي، الذي كان يتولّى منصب (الملا باشي) لدى حكومة نادر، وإنتهى تولّيه له بمقتله في مغان عندما اعترض على تغيير السلالة الصفوية، ونهض ينصح نادراً بأن يحصر جهوده في القضايا الدنيوية ويترك القضايا الدينية للمختصّين بها، يقول مروي: قد نقل عنه ــ الملا باشي ــ أنه قال في سنة 1148هـ: كلّ من قصد التمسّك بالسلالة الصفوية، ستكون نتيجته الرحيل عن دار الدنيا، وقد نقل الجواسيس هذا القول إلى مسامع الهمايون، فوضع الحبل في رقبته وخنقه عند الأرض المقدّسة. ولم يجرؤ أحد من أعوانه ومناصريه على الاعتراض، ولم ينبسوا ببنت شفة([56]).
2 ــ الملا علي أكبر الخراساني، الذي كان يتولّى منصب (الملا باشي) عند نادر، وقد حضر معه معظم لقاءاته واجتماعاته السياسية والطائفية مع الدولة العثمانية، ومع ذلك صار ضحيةً للجنون الذي أصاب نادر أواخر أيامه، فقتل بأمر منه عام 1160هـ، ويبدو أن الملا علي أكبر كان تولّى منصب (الملا باشي) بعد مقتل أبي الحسن الملا باشي الأسبق في مغان([57])، وقد حكي عنه أنّه كان قوي الحجّة متين البرهان مع الخصم إذا ما خاض حواراً مذهبيّاً([58])، وقد تعرّض السويدي لوصف شخصيته في رسالته التي كتبها حول حواراته مع العلماء الشيعة([59])، وأغلب الظن أنّه كان الشخص الثاني الذي اهتمّ بطرح مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية بعد نادر، وفي الوقت ذاته يظهر من خلال حواراته مع السويدي (المبعوث من قبل الدولة العثمانية لخوض المحادثات المذهبية) أنّه كان مؤمناً بالأسس المذهبية الشيعية إلى أبعد الحدود.([60])، وقد مرّ أنّ نادر كان وصفه بـ (إمام المفتقر للألطاف الدائمة الربانية)([61])، وقد أورد الجزائري سيرته بصورة إجمالية([62]).
3 ــ الميرزا أبو القاسم الكاشاني، وكان ــ هو الآخر ــ أحد المقرّبين لنادر، وله علاقة وثيقة به، وكان معه منذ البدء كالملا علي أكبر الخراساني، وكان نادر أولاه منصب (صدر الصدور) في مغان، ويحكى أنّ نادر ــ عند مطاردته لأشرف أفغان عام 1143هـ، مرّ بكاشان وأُعجب هناك بالميرزا أبي القاسم، شيخ إسلام المدينة، إعجاباً بالغاً؛ ممّا دعاه إلى إسقاط الضرائب عن المدينة برمّتها، وقد دعاه نادر للانضمام إلى ركبه فلحق به، كما لعب الميرزا أبو القاسم دوراً هامّاً في أخذ الموافقة من طهماسب لتزويج أخته من رضا قلي بن نادر، إضافةً إلى ذلك، فإن أهمية دوره في معاهدة مغان كانت بالغة، حيث تمّ إيلاؤه منصب (صدر الصدور) كما مرّ([63]).
4 ــ الميرزا محمد إبراهيم، وكان مقرّباً من نادر، وقد وافته المنيّة في 21 ذي الحجّة عام 1181هـ([64])، التقى به الجزائري في آذربيجان أثناء تجمّع صحراء مغان، وقد كان قاضي مدينة إصفهان لمدّة من الزمن، ليصبح بعدها شيخ إسلام المدينة([65]).
5 ــ آغا محمد رضا بن مولانا صدر الدين محمد الشيرازي المتأخر، والذي تمّت تصفيته في شيراز على يد نادر، وقد وقع ذلك في الأيام الأخيرة للعهد النادري في أحداث ثورة تقي خان الشيرازي، ولم يذكر أنّه كان من جملة الحاضرين في صحراء مغان([66]).
6 ــ حيدر العاملي المشهدي، وكان قاضي نادر في مدينة مشهد، متّهماً بالتسنّن، رغم دفاع القزويني عنه في (تتميم أمل الآمل)([67]).
7 ــ الميرزا محمد حسين بن الميرزا عبد الكريم المشهور (بالبير)([68])، وكان قاضياً في جيش نادر، وتمّ إقصائه عن القضاء بعد مدّة من الزمن وجعله زعيماً لمدينة إصفهان، تمّت تصفيته عام 1151هـ على يد نادر، ولم نعثر على سبب ذلك، أما بالنسبة إلى حضوره صحراء مغان فهو الآخر غير واضح([69])، لكنّ اسمه كان ورد ضمن أسماء (طلبة الركب) عند الإمضاء على وثيقة النجف كما سبق، وقد شكّك في مقتله عام 1151هـ.
8 ــ الآغا حسين بن الآغا إبراهيم المشهدي، وكان قاضياً في جيش نادر، وممثلاً عنه في تعيين شيوخ إسلام المدن وقضاتها، ولم يشر القزويني إلى حضوره في مغان، لكنّه نوّه إلى بقائه في منصبه حتى أواخر عمره عام 1158هـ([70])، وقد
جاء اسمه في ذيل وثيقة النجف، وورد أنّه كان يتولّى منصب شيخ إسلام البعثة المعلاّة([71]).
9 ــ المولى محمد رفيع الجيلاني، وكان من علماء مشهد وسكّانها، وإلى منزلته يشير القزويني قائلاً: على الرغم من خباثة نادر وسطوته إلاّ أنّه كان يجلّه ويعظّمه تعظيماً بالغاً، وكذلك كان يفعل ابنه رضا قلي([72]).
10 ــ الحاج محمد زكي القرميسيني (الكرمانشاهي)، وكان من أبوين سنّيين، لكنّه تحوّل إلى التشيّع، وأصبح من العلماء الكبار، أولاه نادر منصب القضاء العسكري، لكنّه قام بتصفيته عام 1159هـ([73])، التقى به الجزائري في معسكر آذربيجان وتحدّث إليه([74])، وقيل: إنّ الذي وشى به إلى الملك (نادر) هو الملا علي مراد أفندي، الذي كان من مستشاري نادر السنّة في أمر التقريب بين المذاهب([75]).
11 ــ السيد عبد الله الموسوي الجزائري، صاحب كتاب (الإجازة الكبيرة)، وقد أشار ــ في كتابه ــ عدّة مرات إلى أنّه كان كثير التواجد في معسكر آذربيجان، ممّا أتاح له اللقاء بأشخاص كثيرين تحدّث عنهم في كتابه فيما بعد، ولا نرى في الكتاب ميولاً منه إلى ما كان يطرحه نادر، وقد كان برفقة الملا علي أكبر ــ الذي كان يتولّى منصب الملا باشي آنذاك ــ ونقلت عنهما حوارات عديدة([76]).
12 ــ المير محمد حسين خاتون آبادي، يكتب عنه القزويني: إنّ نادراً في بداية أمره عندما أراد شن الحرب على الدولة العثمانية، طلب منه تكفير العثمانيين، لكنّه رفض هذا الأمر ([77]).
13 ــ حسين ملا محمد، وكان حاضراً في مؤتمر النجف، وقد ذكره السويدي واصفاً إياه بإمام لاهيجان ([78]).
14 ــ شريف مفتي مشهد الرضا، وقد ذكره السويدي أيضاً، وكان حاضراً هو الآخر في مؤتمر النجف ([79]).
15 ــ الميرزا مهدي بن الميرزا نعيم العقيلي الاسترآبادي، وهو مترجم الأناجيل الأربعة، قام بهذا العمل استجابةً لطلب نادر، يذكر الجزائري: أنّه كان حاضراً معاهدة مغان ([80]).
16 ــ المولى محمد قاسم بن المولى محمد صادق التنكابني، كان التقى به الجزائري في معسكر آذربيجان، وكان قاضي مدينة مازندران ([81]).
17 ــ الميرزا محمد علي، وهو ابن أخ المولى رفيع الدين، شاهده الجزائري في معسكر آذربيجان، وكان يتولّى منصب القضاء العسكري ([82]).
18 ــ ابن السيد صالح خاتون آبادي، وكان في مغان عام 1148هـ، وبحسب ما أورد الجزائري، فقد استشهد فيها ([83]).
19 ــ الشيخ محمد تمامي الجزائري الشيرازي، شاهده الجزائري في مغان، وارتحل سنة 1158هـ ([84]).
20 ــ المولى صدر الدين القاضي سعيد القمّي، شاهده الجزائري في آذربيجان، وقد ارتحل بعد فترة وجيزة من تولّيه منصب القضاء ([85]).
21 ــ جعفر العاملي، وكان من العلماء الحاضرين في صحراء مغان ([86]).
* * *
الهوامش
(*) رئيس قسم التاريخ في كلية مكتب التعاون بين الحوزة والجامعة في إيران، مؤرّخ بارز، وصاحب دراسات عديدة في تاريخ التشيع في إيران و…
1 ــــ اشتهرت طائفتان من الأفغان هما (الغلزايي) و (الأبدالي)، أبان العهد الصفوي، واستقرت الطائفة الأولى في مدينة سمرقـند وأطرافها، فيما اتخذت الثانية من هرات ونواحيها مقرّاً لـــــها. وقد تمركز الغلزائيون على الحدود الإيرانية الهندية، ممّا أتاح لهم فرصاً كثيرة للتدخل المستمر والفعّال في الحروب التي نشبت بين الدولتين، كما رجّحوا كفّة الدولة الإيرانية على الهندية واعتبروا أنفسهم من جملة مواطنيها وسكّانها، كان الولاة على قندهار يتمّ تعيينهم من قبل السلطة الحاكمة أبان عهد الدولة الصفوية. وعند ضعف الأخيرة بسبب عدم كفاءة الحكّام بدأت الأمور تزداد سوءاً في قندهار، وبدأت حدّة التوتّر تشتدّ بين الناس والولاة، الأمر الذي أدى إلى خلق جوّ يسوده التفكير بالاستقلال بل عزل الحكومة الصفوية نهائياً، والأخذ بزمام أمور الدولة، وممّا تجدر الإشارة إليه أن هذه المجموعة ــ آنفة الذكر ــ تعتبر إحدى الطوائف الأفغانية، وهي تمتاز عمّا هو معروف لدينا اليوم باسم الشعب الأفغاني.
[2] ــــ جونـز هنوي، هجوم الأفغان وزوال الدولة الصفوية: 255، ترجمة إسماعيل دولتشاهي، طهران، يزدان، 1367ش/1989م.
[3] ــ المصدر نفسه: 259، 260.
[4] ــــ استمرّ النفوذ السياسي لنادر شاه ما بين الأعوام 1142 و 1148هـ، وباشر الحكم في عام 1148 وحتى عام 1160هـ.
[5] ــــ أورد مترجم كتاب (نادر شاه ) للكاتب ركهارت في صفحة 144 نصاً مناقضاً لنصّ هذا القرار، فراجع: ركهارت، نادرشاه، ترجمة مشفق همداني، طهران، 1331ش/ 1952م.
[6] ــــ محمد كاظم مروي، عالم آراى نادري 3: 981 ــ 982، بمساعي محمد أمين رياحي، طهران، إنتشارات علم 1369ش/1990م.
[7] ــــ المراد من الأمّة في هذا الخطاب الطائفة الشيعية.
[8] ــــ يبدو أن نادر قلي لم يكن أوّل من جاء بمثل هذه الفكرة، فالمظنون أن الشريف المرتضى الذي عاش في بغداد في العهد البويهي كان سبقه إليها. يروي صاحب كتاب (روضات الجنات) أن الشريف المرتضى كان قد اتفق مع الخليفة العباسي القادر بالله على أن يأخذ من الشيعة مائة ألف دينار ليجعل مذهبهم في عداد المذاهب السنية؛ فترتفع التقية والمؤاخذة على الانتساب إليهم، وقد كلّف المرتضى الشيعة أن يجمعوا نصف المبلغ، ويدفع هو النصف الآخر من خاصّة ماله، فلم يوفقوا إلى ذلك، راجع: علي الوردي، لمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث 1: 120، طبعة الشريف الرضي، 1371ش/1992م، نقلاً عن كتاب روضات الجنات: 378.
[9] ــــ يروى أن رئيس المجتهدين كان حاضراً فلم يقبل بهذه الشروط، ونهض ينصح (نادر قلي) أن يحصر جهوده في القضايا الدنيوية ويترك القضايا الدينية للمختصّين بها، ولكن الموت الفجائي الذي نـزل به جعل الآخرين يحجمون عن إبداء أيّ رأي معارض، راجع: الوردي، لمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث 1: 119 (المترجم).
[10] ــــ ذُكر النصّ الكامل لهذه الوثيقة أو معاهدة علماء السنّة والشيعة من بلدان العراق، وإيران، وأفغانستان، وتركستان، في: عبد الحسين نوائي، نادر شاه وبازماندكانش: 328 ــ 340، مطبعة زرين، 1368ش/1989م، طهران.
[11] ــــ نُقل عن مينورسكي أنّ نادراً طالب في معاهدة مغان بركنٍ خامس للشيعة، لكنّ ما جاء في وثيقة النجف كان إشراك الشيعة مع الشافعية في ركنهم، فانظر: مينورسكي، تاريخجه نادرشاه (تأريخ نادرشاه)، ترجمة رشيد ياسمي، مطبعة أمير كبير، 1356ش/1977م، طهران. وما جاء في كتاب جهان كشاي نادري هو: أن إشراك الشيعة في ركن الشافعية قد نصّ عليه في معاهدة مغان. فراجع: مهدي خان استرآبادي، جهان كشاي نادري: 270، تصحيح عبد الله انوار، مطبعة المؤسسة الوطنية للآثار، 1341ش/1962م، طهران.
[12] ــــ عالم آراي نادري 3: 980.
[13] ــــ جهان كشاي نادري: 393.
[14] ــــ المصدر نفسه: 378، 388، وقد جاء نصّ الوثيقة في الصفحات: 388 ــ 394.
[15] ــــ الوثائق والمكاتبات التأريخية الإيرانية (عهد الدولة الأفشارية): 93، إعداد وتنظيم محمد رضا نصيري، جهاد دانشكاهي، 1364ش/1985م، كيلان.
[16] ــــ المصدر نفسه: 124، 125.
[17] ــــ رضا شعباني، تاريخ اجتماعي ايران در عصر افشاريه: 118 ــ 121، مطبعة نوين، 1369ش/1990م، طهران.
[18] ــــ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث 1: 124، نقلاً عن ماضي النجف وحاضرها 1: 64.
[19] ــــ نادر شاه وبازماندكانش: 432؛ والمراد من الثمان والأربع هو مجموع الأئمة الإثني عشر عليهم السلام. (المترجم).
[20] ــــ دو سر سو، علل سقوط شاه سلطان حسين صفوي: 98، 99، ترجمة ولي الله شادان، كتاب سرا، 1364ش/1985م، طهران؛ ورحلات كروسينسكي: 35، 36، ترجمة عبد الرزاق دنبلي بمساعدة مريم مير احمدي، طوس، 1363ش/1984م، طهران.
[21] ــــ عالم آراي نادري 3: 984.
[22] ــــ الوثائق والمكاتبات التاريخية الإيرانية (عهد الدولة الأفشارية): 82.
[23] ــــ ويقصد به الشاه إسماعيل الصفوي (المترجم).
[24] ــــ عالم آراي نادري 3: 980؛ وجهان كشاي نادري: 270.
[25] ــــ عبد الله أفندي بن حسين البغدادي المشهور بالسويدي، الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية: 11، القاهرة، 11324، طبع هذا الكتاب عام 1367 تحت عنوان (مؤتمر النجف)، وعلّق عليه محبّ الدين الخطيب ــ المشهور بمناهضته للشيعة ــ وجاء للردّ على الحجج القطعية كتاب (قامعة المبدعين) للسيد مهدي بن السيد صالح الموسوي القزويني.
[26] ــــ عالم آراي نادري 1: 268.
[27] ــــ المصدر نفسه: 268.
[28] ــــ كتب نادر على خاتمه شعراً ترجمته: عندما فقدت ايران جوهرة الدين والدنيا أفاء الله عليها بنادر.
[29] ــــ وليام فور، حكومة نادر شاه: 71، ترجمة أبو القاسم سري، طوس، 1368ش/1989م، طهران.
[30] ــــ راجع ــ في هذا الشأن ـ: آرنوا، زعماء دولة نادر شاه أفشار: 161، ترجمة: حميد مؤمن (حميد أمين)، شبكير، 1356ش/1977م، طهران.
[31] ــــ لكهارت، نادر شاه: 140، 141؛ ولمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث 1: 119.
[32]ــــ بقيت شرعية الدولة الصفوية تسيطر على العقل الإيراني لعدّة عقود من الزمن، وفي هذا الصدد يذكر أمين رياحي في مقدمة كتاب (عالم آراي نادري) ص17: (لا يمكن إغفال هذه الحقيقة، وهي رغبة الناس الشديدة آنذاك في عودة الصفويين إلى سدّة الحكم، ولذلك كانت كثير من الثورات التي قامت ضدّ الأفغان أو ضدّ نادر ــ فيما بعد ــ يدّعي قادتها الملوكية الصفوية، كما أن بعضهم، أمثال محمد خان بلوج، وتقي خان الشيرازي، وعليمراد البختياري، برّروا قيام الثورة للأخذ بثارات الصفويين والدفاع عن مظلوميّتهم، كما أنّ كريم خان الزند (زعيم السلسلة الزندية) أضفى على نفسه لقب وكيل الدولة ونائباً عن الرضيع إسماعيل الثالث الصفوي، وبعد رحيل هذا الأخير لقّب نفسه بـوكيل الرعايا.
[33] ــــ ومن الطريف أن نادراً رفع يده ــ في الفترة الأخيرة ــ عن مشاريعه الطائفية، واكتفى باحتلال إما العراق أو آذربيجان. واستدلّ على أحقية إيران بأحد هذين البلدين قائلاً: (إنّهما ــ البلدين ــ كانا في الفترة السابقة تحت سيطرة السلاطين التركمان، وبسبب النـزاع الذي أوجده الشاه إسماعيل عادتا إلى الدولة العليّة العثمانية)! راجع: نادر شاه وبازماندكانش: 381، يقول لكهارت في الصدد ذاته: سعى نادر لتدمير سائر المباني والعمارات التي أنشئت باسم الشاه عباس، وبنى محلّها أبنيةً أخرى باسمه، انظر: نادر شاه: 329.
[34] ــــ الميرزا محمد خليل مرعشي الصفوي، مجمع التواريخ: 84، تصحيح عباس إقبال، سنائي وطهوري، 1362ش/1983م، طهران.
[35] ــــ لمعرفة المزيد حول ترجمة الإنجيل بأمر نادر، راجع كتاب نادر شاه: 350، 351، وينقل الجزائري أنّ مترجم الأناجيل الأربعة هو الميرزا مهدي بن الميرزا نعيم العقيلي الاسترآبادي، راجع له: الإجازة الكبيرة: 191، تصحيح محمد سمامي الحائري، مكتبة المرعشي النجفي، 1409هـ، قم، وتوجد نسخة من هذه الترجمة في الخزانة الملكية، وقد استعارها في آذربيجان شيخ إسلام مدينة كرمانشاه ليقرأها، انظر: الإجازة الكبيرة: 140.
[36] ــــ إدوارد براون، دولة نادر شاه الأفشاري: 156، تاريخ ادبيات ايران از صفويه تا عصر حاضر: ترجمة بهرام مقدادي: 143، مرواريد، 1369ش/1990م، طهران، سرجان ملكم، تأريخ إيران 2: 104، ونقل مثل هذه الأطروحات لنادر الكاتب الإنجليزي سرمار تيمر ديوراند في كتاب قصصي ألّفه تحت عنوان (نادر شاه)، كتب فيه عن حياة نادر، وادعى أنّه حاول أن لا يكون بعيداً عن الحقائق التأريخية في هذا الكتاب، وبسط البيان في ذلك في الصفحات: 195، 196.
[37] ــــ وليام فلور، حكومة نادر شاه: 61.
[38]ــــ دولت نادر شاه افشار: 156.
[39] ــــ الحجج القطعية: 26.
[40] ــــ التراث الإسلامي الإيراني، الكتاب الثاني: 204 ــ 236، مكتبة آية الله المرعشي، 1374ش/1995م.
[41] ــــ عالم آراي نادري 2: 480.
[42] ــــ نادر شاه وبازماندكانش: 325.
[43] ــــ الحجج القطعية: 25.
[44] ــــ راجع في هذا الصدد: علي نقي منـزوي، الكواكب المنتشرة، آغا بزرك الطهراني: 775 ــ 778، جامعة طهران، 1372ش/1993م؛ وعباس العزاوي، تأريخ العراق بين احتلالين 5: 270، الرضي، 1369ش/1990م، قم؛ ولمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث 1: 141، نقلاً عن روضات الجنات: 727، ومما أورده الشيخ آغا بزرك الطهراني تتضح عظمة السيد نصر الله.
[45] ــــ الوثائق والمكاتبات التأريخية الإيرانية (عهد الدولة الأفشارية): 132؛ نادر شاه وبازماندكانش: 364.
[46] ــــ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث 1: 143.
[47] ــــ نادر شاه وبازماندكانش: 375.
[48] ــــ دولة نادر شاه: 163، 164.
[49] ــــ يقول فريزر: إن الشاه تطرّق في كلمته في صحراء مغان إلى الأموال الهائلة التي تؤمّنها منطقة آذربيجان. فأجابه العلماء بأنّها موقوفات تؤمّن دخل العلماء والطلاب والمساجد، وهم يدعون في كل يومٍ وساعة للشاه ودولته، فأجابهم نادر: إنّ دعاءكم لا يستجاب، ذلك أنّ الشعب ــ وعلى مدى خمسين عاماً ــ يعيش الفقر والحرمان، وإن هجوم الأعداء من الخارج والثورات من الداخل قد أنهكت البلاد، إلى أن قدّر الله تعالى وفتح على يد جنودنا ونصرهم ونجّى إيران بهم، واليوم فإن سائر الجند يفدون أنفسهم للحفاظ على عظمة إيران وسموّها، وهؤلاء ــ الجند ــ لا يملكون من المال شيئاً، فيلزم السعي الحثيث لرفع حاجاتهم؛ لذلك فقد صار الرأي الملكي إلى أن يتمّ وضع اليد على سائر الموقوفات ومنافعها وصرفها للجند. انظر: جيمز فريزر، تاريخ نادر شاه أفشار: 178 ــ 181، نقلاً عن كتاب تاريخ اجتماعي ايران در عصر افشاريه 1: 269؛ ورحلات جون اوثر (عهد نادر شاه): 137، ترجمة علي اقبالي، جاويدان، 1363ش/1984م، طهران.
[50] ــــ الوثائق والمكاتبات التأريخية الإيرانية (عهد الدولة الأفشارية): 132؛ ونادر شاه وبازماندكانش: 364.
[51] ــــ عالم آراي نادري 2: 455.
[52] ــــ المصدر نفسه: 457.
[53] ــــ حسن النراقي، التاريخ الاجتماعي لمدينة كاشان: 151، المطبعة العلمية الثقافية، 1365ش/1986م، طهران.
[54] ــــ نادر شاه وبازماندكانش: 335 ــ 337.
[55] ــــ الحجج القطعية: 18، 19.
[56] ــــ عالم آراي نادري 2: 455؛ الكواكب المنتشرة: 421، 422؛ جهانكشاي نادري: 704.
[57] ــــ التاريخ الاجتماعي لإيران في عهد الدولة الأفشارية 2: 145.
[58] ــــ المصدر نفسه: 148، 149؛ ويكتب لكهارت: لعب الملا باشي دوراً هاماً في هذه المحادثات، وباستخدامه المنطق القويّ والدليل المتين جعل ممثلي الدولة العثمانية في حيرة من أمرهم، نادر شاه: 148.
[59] ــــ ذكر السويدي ذلك في مذكراته في مكّة تحت عنوان (النفحة المسكية). وقد طبعت خلاصة هذا الكتاب تحت عنوان (الحجج القطعية لاتحاد الفرق الإسلامية) عام 1323، بضميمة رسالة للكاتب زيني دحلان، تحت عنوان كيفية المناظرة مع الشيعة والردّ عليهم؛ وتوجد نسخة من هذا الكتاب في مكتب آية الله المرعشي. كما توجد نسخة من كتاب النفحة المسكية في الرحلة المكية، في مكتبة الملك: 895، ج1، ص772، وهي تعود للمؤلّف محمد سعيد بن أحمد بن عبد الله السويدي (1180 ــ 1246)، وهو حفيد السويدي حسب الظاهر؛ ويُعلم مما جاء في نهاية الكتاب أن (النفحة ..) هو نفس كتاب (الحجج القطعية ..) استنسخه حفيد السويدي من كتاب جدّه، والعبارة التي كتبها في الكتاب المستنسخ من (النفحة ..) هي: (قال الوالد في النفحة المسكية في الرحلة المكيّة..).
[60] ــــ الكواكب المنتشرة: 496 ــ 499.
[61] ــــ الوثائق والمكاتبات التاريخية الإيرانية (عهد الدولة الأفشارية): 83، 88، 99.
[62] ــــ الإجازة الكبيرة: 155، 156.
[63] ــــ التأريخ الاجتماعي لمدينة كاشان: 150، 151.
[64] ــــ السيد مصلح الدين مهدوي، حياة العلامة المجلسي 1: 292، حسينية عماده زاده، إصفهان (فارسي).
[65] ــــ الإجازة الكبيرة: 145.
[66] ــــ عبد النبي القزويني، تتميم أمل الآمل: 153، 154، تصحيح أحمد الحسيني الإشكوري، مكتبة آية الله المرعشي، 1407هـ، قم.
[67] ــــ المصدر نفسه: 139 ــ 141.
[68] ــــ البير: تعني العجوز (المترجم).
[69] ــــ تتميم أمل الآمل: 129، 130.
[70] ــــ المصدر نفسه: 129.
[71] ــــ نادر شاه وبازماندكانش: 336.
[72] ــــ المصدر نفسه: 160.
[73] ــــ المصدر نفسه: 167.
[74] ــــ الإجازة الكبيرة: 140.
[75] ــــ الكواكب المنتشرة: 75.
[76] ــــ الإجازة الكبيرة: 155، 156.
[77] ــــ تتميم أمل الآمل: 126.
[78] ــــ الكواكب المنتشرة : 498 (حاشية).
[79] ـــ المصدر نفسه.
[80] ـــ الإجازة الكبيرة: 191.
[81] ــــ المصدر نفسه: 183.
[82] ــــ المصدر نفسه: 182.
[83] ــــ المصدر نفسه: 179، 180.
[84] ــــ المصدر نفسه: 174، 175.
[85] ــــ المصدر نفسه: 142.
[86] ــــ الكواكب المنتشرة: 138.