أحدث المقالات

نحو إبداع نهج لحركة إسلامية جديدة

 

بقلم:أ/غريبي مراد(*)

 

– مدخل-

لم أكن لأكتب هذه السطور، لولا تلك الرسالة الالكترونية التي وصلتني من أخي الأكبر وصديقي الأعز المقيم بإسبانيا الأستاذ المهندس عبد الرزاق، حيث كان مضمون الرسالة كعادته، رغبته في إطلاعي على مقال،وهذه المرة كان مقالا حول الحركة الإسلامية، حيث يحاول صاحبه الوقوف على أسباب فشل الحركة الإسلامية في قيادة الأمة، كعادتي فتحت رابط المقال وطالعته بتمعن، حيث توقفت على عدة ملاحظات منهجية وتحليلية، وحتى معوقات ابستمولوجية أثرت على سياق الأفكار ودقة الخلاصات،الأهم أنهيت المقال وفي نفسي وفكري حاجة…؟!

هذه الحاجة تتعلق بموضوع الحركة الإسلامية كبحث علمي – إستراتيجي، أراه من إختصاص عالم الأمة المنفتح على الحياة وليس عالم المذهب (أو الطائفة أو الدولة أو الذات أو الحزب) المنغلق في مصالح الجهة.

وبعد تفكر دقيق رجعت بذاكرتي لسنة 1999م، حين وصلني من بيروت كتاب للعلامة الفقيه المجدد آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله "رضوان الله عليه" (الحركة الإسلامية: هموم وقضايا-الصادر عن دار الملاك-) هذا الكتاب مهما تحدثت عن مضمونه سأكون منتقصا ومتطفلا على عبقرية صاحبه وجدارته ببحث موضوع الحركة الإسلامية، ناهيك عن فرادة المنهج ودقة التحليل وثقافة التأمل وأسلوب النقد والمعالجة والتقويم، ثم إن عنوان الكتاب ومطلعه لوحده في مقدمات كل طبعاته، تكفي المسلم المهتم بأمور أمته والباحث عن المنهج الحركي لنصرة الأمة وتوحيد كلمتها، لأن تلك المقدمات مع كل طبعة كانت تعكس قراءة مميزة ودقيقة للساحة الإسلامية في خط الزمن، وتؤمن بشعار لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، كما تبرز الرؤية الإسلامية المعاصرة للتوجه والتطلع نحو الدعوة الحكيمة للحق والحقيقة بالصدق في التوجه والموضوعية في القراءة والمرحلية الواقعية في التطلع، كما أن شخصية العلامة الفقيه المجدد (رض) هي الشخصية العلمائية الحاضرة بجد واجتهاد في مراقبة الواقع وتحليل التطورات ومعاينة المستجدات بحكمة وورع وسداد، دون أن تظلم أي عنوان بالساحة الإسلامية ككل، مهما اختلفت معه في الرأي أو الموقف، كانت شخصية عارفة بعمق الإسلام وشريعته ومتحركة في واقعه وفق ذلك كله وليس بإملاءات الذات الجهوية والطائفية أو المذهبية الواجدة من الآخر ومشاريع الوحدة والتعاون من أجل مستقبل الأمة.

كتاب الحركة الإسلامية للعلامة الإمام الفقيه المجدد فضل الله (رض)، بتأملاته الثاقبة ونصائحه الرائعة، من جهة قدم-ولا يزال- للحركة في الحياة من خلال الإسلام، روحا جديدا وعقلا ناضجا وفلسفة للتعامل مع التحديات، متجددة ورفيقة بالتنوع وصادقة في التوجه، لأن العلامة السيد فضل الله (رض) كان ينتج الفكر والفقه والحركة والتجديد والإصلاح من وحي القرآن والسنة الشريفة…

ومن جهة أخرى هذا الكتاب أربك العديد من رموز الحركة بعنوان الإسلام من كل الأطياف،كما أنه بقدر ما أدهش الإسلاميين المثقفين حين صدوره وقتها، لكن قلة من استفاد مما ورد فيه، وأذكر حينها أن العديد من رموز الحركة الإسلامية بالمغرب العربي (الجزائر والمغرب وتونس)، ممن وصلتهم نسخ من الكتاب، ما استفادوا – للأسف – من أفكاره في مشوار إصلاح حركتهم بإسم الإسلام…!

 

المدخل

في مقدمة الطبعة الثالثة يذكر العلامة الفقيه المجدد(رض) أن: (الواقع الذي يعيشه الإسلام الحركي في مواجهة القوى العالمية المضادة في المواقع الفكرية والسياسية والأمنية، من خلال المعارك الجديدة المفتوحة على أكثر من جانب،و المتحركة مع أكثر من عاصفة-يفرض علينا- كإسلاميين حركيين، أن نواجه قضايا الحركة الإسلامية في تصويب حركتها، وتثبيت مواقعها، وتأصيل مفاهيمها وإثارة الحوار مع كل الذين يريدون الحوار في الداخل والخارج والنفاذ إلى كل الثغرات المفتوحة في جدار الاستكبار العالمي والتأكيد على دلالات المصطلحات في القاموس السياسي والإعلامي…). نلاحظ في هذه الفقرة من المقدمة أن سماحة السيد (رض) يفتح مساحة للحوار في الساحة الإسلامية، داعيا كل الفاعلين فيها إلى اللقاء والجدية في التعاطي مع التحديات المهددة للأمن العام للمسلمين، ويضيف في ذات السياق رضوان الله عليه: (إن على الإسلاميين أن يفكروا في هذه المرحلة التي يواجهون فيها حربا عالمية ثقافية وسياسية وأمنية واقتصادية أن ينطلقوا في حركة نقد للذات حتى لا يسقطوا تحت تأثير أخطائهم، وفي حركة وعي للواقع حتى لا يقعوا في خطأ الحسابات للأعداء والأصدقاء والقضايا السياسية المتحركة في ساحة الصراع وفي عودة إلى أصالة المفاهيم الإسلامية بعيدا عن مفاهيم الجهل والتخلف التي علقت بالإسلام من خلال العصور المظلمة)، هكذا يرتفع رضوان الله عليه من خلال الوعي الحركي المنفتح على الإسلام، والحكمة المستوحاة من الثقافة القرآنية والأسوة النبوية والولاية الإمامية الممتدة في تفاصيل الحياة، ليرسم محددات الانطلاق في بناء الحركة الإسلامية الجديدة الخلاقة للوحدة والشهادة والحضارة…

ويختم بمقدمته للطبعة الثالثة آملا: (أن ينطلق الإسلام (الإنسان) مع الكتاب في عملية فكر وحوار ونقد، لأن الحركة الإسلامية تحتاج إلى أكثر من إثارة فكرية وعملية لأن ذلك هو الذي يكشف لها معالم الطريق، ويحدد لها اتجاهات الريح، ويثبت لها مواقع أقدامها في المسيرة الطويلة ويمنحها الثبات في حالات الاهتزاز ويمنعها من الانحراف ويبقى معها في الخط المستقيم…).

وعليه نفهم أن هذا الكتاب جاء متواضعا بتواضع شخص الإمام الفقيه المجدد (رض)، على الرغم من الغنى الثقافي والتأصيلي والاستشرافي، الذي سنستوحيه خلال الرحلة الاستكشافية لمواضيع الكتاب، ثابتين عن نهج معلمنا (رض) المستكين المتواضع، حيث نلمس روح البحث العلمي ومشاورة الرجال والأجيال، بعيدا عن كل مواقع الضعف الإنساني في العاطفة وغياب النباهة وتقلب الظروف، ذلك ماهومثبت عنه -رضوان الله عليه- في خاتمة تقديم الطبعة الرابعة بقوله: (لقد حاولت أن أكون موضوعيا فيما كتبت، بالرغم من أن الظروف التي كتبت فيها هذه الكلمات كانت عاصفة تنطلق في أجواء الرياح العاتية والزلازل الرهيبة، وقد أثارت بعض هذه الموضوعات الكثير من الجدل والتهويل مما اعتادته الساحة الإسلامية في الأفكار غير المألوفة التي تثير المشاعر والحساسيات الانفعالية…).

و بكل رحابة صدر يرجو : (من الباحثين المزيد من النقد الموضوعي والمناقشة العلمية الهادئة لأن ذلك هو السبيل إلى بلورة هذه الموضوعات، وتأصيل هذه الأفكار التي كان عنوانها الكبير تأملات في مسيرة العمل والعاملين لتتحول في هذا الكتاب "الحركة الإسلامية…هموم وقضايا"…و لعل قيمة هذه التأملات أنها تصلح أن تكون عنصرا من عناصر الإثارة الفكرية التي تخطط للمنهج الفكري الذي يحاول إبداع نهج لحركة إسلامية جديدة تعمل بكل قوة ووعي وتدقيق من أجل أن يكون الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة …)

من هنا نتوكل على العزيز الحكيم لننطلق في تأملات حركية رسالية في رحاب إحدى روائع الفكر الإسلامي المعاصر والنهج الحركي التجديدي الخلاق، حيث نطل على كل تلك التأملات التي تركها لنا الإمام الفقيه المجدد السيد محمد حسين فضل الله –رضوان الله عليه- أمانة في أعناقنا ومعالمًا في طريق تجديد الحركة الإسلامية، لنواصل المسيرة من بعده، راجيا منا بأبوته النقية التقية أن نتأمل أكثر لنكتشف عناصر حكمة بالغة توصلنا للحقيقة التي تنير لنا درب العمل من أجل الإسلام، موصّيا إيّانا كجدّه أمير المؤمنين (ع) بنظم أمورنا كيلا نستغرق في الماضي ونتيه في حاضرنا، وحتى لا ننسى المستقبل، كما سأعتمد في بعض المحطات على أفكار من كتب أخرى (من أجل الإسلام، خطوات في طريق الإسلام، قضايانا على ضوء الإسلام) والمحاضرات وتفسير من وحي القرآن للعلامة الإمام الفقيه المجدد السيد محمد حسين فضل الله رضوان الله عليه، ليكون هذا الجهد مختصرا لمشروع "إبداع نهج لحركة إسلامية جديدة"…

والله من وراء القصد…

الهوامش:

(*) كاتب وباحث إسلامي

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً