نظرية الحكم الإسلامي
عند أبي الصَّلاح الحلبي (447هـ)
أ. مصطفى جعفر بيشه فرد(*)
المقدمة
البحث عن الخلفية التاريخية لمسألة ولاية الفقيه يُعدّ من أهم البحوث النظرية التي تجب معالجتها، نظراً لما أثير حولها من وجهات نظر متناقضة. وممّا لا شك فيه أنَّ الإمام الخميني(قده) يعدّ أوّل فقيه استطاع تطبيق هذه النظرية، وخوض تجربتها وتنفيذها، بوصفها أساساً للنظام السياسي في البرهة المعاصرة.
لكن مسار البحث يتجه نحو نظرية ولاية الفقيه نفسها، بوصفها فكرةً، ومعرفة ، ما يثير سؤالاً مفاده: هل هي من إبداعات مؤسس الجمهورية الاسلامية أيضاً أو لا؟
وقد ذهب بعض النقّاد في تحليلاته، إلى أنّ موضوع ولاية الفقيه لم يرد بحثه في مصادر الفقه الشيعي والسنّي، كما لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة الشريفة. فلو رجعنا ـ والقول لهؤلاء النقَّاد ـ القهقرى قليلاً لوجدنا أنّ أول من طرق هذا الموضوع هو المحقق أحمد النراقي؛ وذلك قبل ما يقل عن قرنين، معتبراً أنّ انتظام الأمور الدنيوية للناس بيد الفقيه. وعليه، فلم يكن موضوع ولاية الفقيه إلى ما قبل النراقي ذا طابع سياسي.
وبشكل عام، فإنّ ما يراه هؤلاء النقَّاد يتمثل في أنّ نظرية الحكم في الفقه الشيعي كانت حصيلة الاجتهادات الفقهية المتأخرة في القرنين الأخيرين، وأنّه لم يكن للشيعة قبل ذلك نظرية في نظام الحكم. وأن كثيراً من فقهاء الشيعة يرون التفكيك بين الأمور العرفية والأمور الشرعية، فالذي يتولى النحو الأول ـ في ما يرونه ـ هم الملوك، فيما يتولى النحو الثاني الفقهاء.
وتأسيساً على هذا، فإن الفقهاء ـ برأي هؤلاء ـ ساندوا النظام الملكي، وأقرّوا بشكل عملي فكرة فصل الدِّين عن السياسة!
وما يبدو هو أنّ هذا الرأي ينطلق من منظار معاينة الأمور من خارجها؛ وذلك في الوقت الذي نجد فيه أن بعض الفقهاء البارزين ـ ممّن له ثقل فقهي وعلمي معترف به في الأوساط العلمية ـ يطرح دعوى الإجماع، أو اتفاق الأصحاب على ثبوت الولاية للفقيه، واعتبار ذلك أمراً ارتكازياً ومن مقتضيات الفقه الشيعي، بل ومن البديهيات التي يكفي في تصديقها محض التصور الصحيح لها.
ولكن ينبغي الالتفات في الوقت نفسه إلى أنّه يوجد بين الفقهاء من يشكّك في ثبوت ولاية الفقيه، بل يظهر منه الإنكار لها كالشيخ الأنصاري الذي يتربّع على قمّة الفقاهة؛ حيث يرى أن دون إثباتها خرط القتاد على حد تعبيره. غير أنّ من له أدنى اطّلاع على البحوث العلمية ـ سيما الفقهية والأصولية منها ـ يجد أنّ اختلاف الرأي في البحث العلمي أمر طبيعي، فقد يرى فقيه ما وجوب صلاة الجمعة وجوباً عينياً فيما يذهب آخر إلى حرمتها.
وفي الوقت الذي لا نستبعد فيه وجود دوافع سياسية لدى بعض النقّاد، في ما يطرحونه في هذا الخصوص، نؤكد أنّ البحث في ولاية الفقيه كان مثاراً ـ قبل الفاضل النراقي ـ بمدّة مديدة ضمن حلقات الدرس، وفي إطار الجو العلمي الهادئ البعيد عن الأغراض السياسية.
إنّ الإلمام بالخلفيّة التاريخية للبحث، والاطّلاع على مراحل سيره يوقف الباحث ـ بلا شك ـ على كنز قيّم من الأفكار الجديدة والراقية التي تعدّ طيّبة لجهود فقهائنا على مدى مئات السنين.
كما أنّ الإحاطة بالأبعاد المختلفة لهذه النظرية، طوال التاريخ وكذلك مبدأ نشوئها لدى علماء الشيعة، يعطي الفرصة لروّاد الحقيقة ومن يريد التعرّف إلى الفكر السياسي للشيعة، لمواصلة البحث بشكل أفضل في هذه النظرية، بغية الإسهام في إنمائها وتطويرها.
وقد كُتبت، في هذا المجال، مقالات معدودة، إلاّ أنها ناقصة ومحدودة، وربما لم يكن بعضها ليخلو من غرض غير علمي. والذي تمّ إنجازه حتى الآن لا يعدو أن يكون عرضاً لأقوال الفقهاء بصورة تفكيكية ومجزأة، مجرّدة من الشمولية ومن مراعاة المتغيرات السياسية والاجتماعية في دراسة هذه النظرية.
إنّ دراسة رأي أي فقيه يستدعي بالضرورة الإلمام والإطّلاع على خلفية الموضوع الذي يراد بحثه واستدعاء جميع القرائن الحافّة به ومقتضيات الزمان والمكان التي تساعد على فهمه وتفسيره، كما هو الأمر في تفسير الآيات، حيث يلاحظ فيها شأن النزول، والكلام نفسه ينطبق على دراسة الأحاديث.
والذي نطمح إليه، في هذا البحث، هو استخلاص قراءة لبعض جوانب نظرية ولاية الفقيه في مختلف مراحل سيرها التأريخي وإجراء استطلاع لأقوال أبرز الفقهاء العظام في كلّ عصر في الأبواب المرتبطة بفقه الدولة في الفقه الإمامي، كإقامة الجمعة وجباية الزكاة والخمس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء والحدود والشهادات والوصية والأوقاف والحجر، أو بعض النظريات المتعلّقة ببحث الإمامة في علم الكلام، لنرصد من مجموع ذلك كلّه سير نظرية ولاية الفقيه وتطورها في جميع مراحل حركتها ومنعطفاتها.
ومن خلال البحث والتتّبع، يمكن تقسيم المراحل التاريخية لسير نظرية ولاية الفقيه إلى سبع مراحل:
المرحلة الأولى: عصر النص
وهي مرحلة التأسيس لنظرية ولاية الفقيه. وهنا مسألتان ينبغي الالتفات إليهما في هذا المجال هما:
الأولى: إنّ الفقهاء المنصوبين، بشكل خاص ،من قبل الأئمة(ع)، كانوا مبثوثين في البلاد بشكل مترابط ومنظّم سيّما في عصر الإمام الرضا(ع) وما بعده. وكانوا يتصدّون ـ إضافةً إلى أخذ الأخماس ـ للإجابة عن المسائل وحل المشكلات الكلامية والفقهية في الوسط الشيعي، والقيام بدور المحور في تثبيت الإمامة للإمام اللاحق وتدعيمها في المناطق التي كانوا يتواجدون فيها.
وتقسّم المناطق التي ينتشر فيها الوكلاء الى أربعة أقسام: 1 ـ بغداد، المدائن، السواد، الكوفة 2 ـ شمال البصرة والأهواز 3 ـ قم وهمدان 4 ـ الحجاز، اليمن، مصر.
وكان هؤلاء الوكلاء يرتبطون بالإمام(ع) عن طريق المكاتبة.
إن التأمل في نصوص المكاتبات والرسائل يكشف عن مدى صلاحيات الوكلاء العاميّن، وكذلك عن ارتباط الوكلاء الخاصين في المناطق الصغيرة بهم.
الثانية: تتركز على الروايات والنصوص الواردة عن الأئمة(ع) والدالة على ولاية الفقيه. وسوف نعرضها في الأدلّة النقلية لإثبات النظرية.
المرحلة الثانية: عصر الغيبة إلى وفاة الشيخ الطوسي (460 هـ)
وأبرز الفقهاء في هذه المرحلة هم: الشيخ المفيد، وأبو الصلاح الحلبي، والسيد المرتضى، وسلاّر الديلمي، والشيخ الطوسي، (قدست أسرارهم).
والذي يظهر من كلمات الشيخ المفيد، باعتباره أول فقهاء عصر الغيبة الكبرى وأشهرهم، أنّ فكرة ولاية الفقيه قد اقترنت مع ولادة الفقه والاجتهاد في المذهب الشيعي. ويعدّ كتاب “الكافي في الفقه” لأبي الصلاح الحلبي أول كتاب فقهي يتناول البحث في ولاية الفقيه في قسم مستقل تحت عنوان “تنفيذ الأحكام”.
وتنتظم هذه المرحلة في مستويين: الأول، ويتناول فيه بشكل عام رأي الشيخ المفيد وأبي الصلاح الحلبي. والثاني، ويتناول فيه رأي السيد المرتضى، وسلاّر الديلمي، والشيخ الطوسي.
المرحلة الثالثة: عصر الطوسي حتى ابن إدريس الحلّي (598هـ)
وتعدّ هذه المرحلة، بلحاظ مضايقات السلاطين ممّن سيطرت عليهم العصبيات المذهبية من جهة، وبلحاظ سيطرة آراء الشيخ الطوسي على الساحة العلمية وحالة الجمود التي انتابتها ـ حتى عرف ذلك العصر بـ“عصر المقلِّدة“ أو “عصر القدرة“ ـ من جهة أخرى، مرحلة سكون وركود بالنسبة لنظرية ولاية الفقيه، حيث نلاحظ تحفّظاً من قبل الفقهاء في تلك المرحلة عن إبداء الرأي في هذه النظرية، وعدم نقلهم لآراء من قبلهم في ذلك، فضلاً عن القبول بها أو الردّ لها، بل إنهم لم يتطرقوا في تلك المرحلة إلى منصب القضاء إلاّ من طرف خفي، مع أنه يمثّل القدر المتيقن من ولاية الفقيه.
ومن أبرز فقهاء هذه المرحلة: القاضي ابن البراج، وإبن حمزة، والقطب الراوندي، وابن زهرة، والكيدري، وابن أبي المجد الحلبي، والحمصي الرازي.
المرحلة الرابعة: عصر ابن إدريس إلى عصر المحقق الكركي (940هـ)
لقد تعرض ابن إدريس ـ بإعلانه نهاية عصر الركود العلمي ـ إلى بحث نظرية ولاية الفقيه، مقتفياً في ذلك أثر أبي الصلاح الحلبي؛ حيث جاء في فصل “تنفيذ الأحكام“ على ذكر مختلف أبعادها.
ثم جاء دور المحقّق الحلّي بعد ابن إدريس ليصطلح على الفقيه “من إليه الحكم“ أو “من له حق النيابة“، كما يصطلح على الأمور التي ترتبط بمنصب الإمامة ـ ممّا هو أعم من القضاء ـ بـ“الحكم“ ومن ثم تطبيقه على “الفقيه“.
ومن فقهاء هذا العصر، أيضاً، العلاّمة الحلّي الذي كان يرى أنّ الفقيه المأمون منصوب من قبل الإمام(ع)، وله طبقاً لهذا المنصب ـ إضافةً إلى نفاذ حكمه وإقامة الحدود ـ التمتع بسائر المناصب الأخرى أيضاً، كإقامة الجمعة، وتولّي سهم الإمام، وجمع الزكاة. ويرى العلاّمة الحلّي أنّ مصطلح “الحاكم“ في مقبولة عمر بن حنظلة ينطبق على ثلاثة مناصب، وهي: القضاء، والإفتاء، والأمور الولائية الأعمّ من القضاء.
ومن فقهاء تلك المرحلة، أيضاً، الشهيد الأول، حيث يرى ثبوت النيابة العامّة للفقيه، معتبراً إيّاها الدليل على مشروعية إقامة الجمعة وإجراء الحدود.
من فقهاء تلك المرحلة أيضاً ـ إضافةً إلى ابن إدريس والمحقّق والعلاّمة الحليّان ـ يحيى بن سعيد الحلّي، وفخر المحقّقين، والفاضل المقداد، وابن فهد الحلّي.
ويوافق رأي هؤلاء الأكابر ـ غالباً ـ رأي من ذكرنا من الفقهاء ولا يختلفون معهم في هذه المسألة.
المرحلة الخامسة: عصر المحقّق الكركي إلى المحقّق النراقي (1245هـ)
تمتاز هذه المرحلة بأهمية خاصّة؛ وذلك من جهة الاعتراف الرسمي فيها بالمذهب الإمامي في إيران، ودعوة الفقهاء للمشاركة في أمر الدولة والحكومة.
وفقهاء هذه المرحلة هم: المحقّق الكركي، الشهيد الثاني، المحقّق الأردبيلي، صاحب المدارك، والفقهاء الأخباريون (نظير: العلاّمة المجلسي ووالده، والفيض الكاشاني)، وكاشف الغطاء، والميرزا القمي، والسيد محمد المجاهد.
ويعدّ المحقّق الكركي ثالث فقيه يتطرّق لبحث ولاية الفقيه بشكل واضح ومستقل، ويدافع عن مبدأ نيابة الفقهاء العامّة. وقد وافقه على ذلك من تلاه من الفقهاء، وتمسّك المحقّق الكركي بالإجماع بوصفه دليلاً من الأدلّة التي طرحها في المسألة.
ومن البحوث المهمّة المتميزة التي طرحت في هذه المرحلة: المبنى الفقهي الذي اعتمد عليه الفقهاء لدخولهم في أمر الحكومة الصفوية. وتشير الشواهد والمستندات التاريخية في تلك المرحلة إلى أنّ المستند الذي اعتمد عليه الفقهاء لتلك المشاركة كان الاعتقاد بولاية الفقيه، إضافةً إلى رعاية المصلحة العامّة والضرورة الاجتماعية آنذاك. ويمكن تقسيم المرحلة الخامسة إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ عصر المحقّق الكركي والشهيد الثاني والمحقّق الأردبيلي 2 ـ عصر الأخباريين 3 ـ عصر تجديد الاجتهاد (الوحيد البهبهاني وتلامذته).
المرحلة السادسة: عصر المحقق النَّراقي حتى زمان الإمام الخميني (قده)
يعدّ المحقّق النَّراقي من الروَّاد الأوائل لعصر جديد في نظرية ولاية الفقيه، إذ تعرّض لتنقيح المناصب المختلفة للفقهاء، واستقراء الأدلّة ـ بما فيها الإجماع ـ على ذلك. كما تعرّض لبحث هذه النظرية أيضاً صاحب كتاب العناوين، ووافقه عليها حكماً وموضوعاً.
ومن فقهاء هذه المرحلة الفقيه الكبير صاحب الجواهر الذي صرّح، بضرس قاطع، بثبوت ولاية الفقيه بالنصب، معتبراً ذلك ممّا يقتضيه الذوق الفقهي، ولكنه في الوقت نفسه لم يعدّ الولاية على الأنفس والأموال شيئاً يتجاوز الولاية على تدبير الأمور ونظمها.
وممّن يرى ثبوت ولاية الفقيه ـ من فقهاء تلك المرحلة أيضاً ـ الشيخ الأعظم الأنصاري، الذي تدين له الحوزات العلمية بمستوى البحث الفقهي الذي وصلت إليه نتيجة تأثير آرائه وتدقيقاته العميقة.
وبالرغم من ذهاب الشيخ الأنصاري، في كتابه: “المكاسب” إلى مثل ما ذهب إليه صاحب الجواهر من عدم ثبوت الولاية على الأنفس والأموال، وأن ثبوتها دونه خرط القتاد، إلاّ أنّه يرى في سائر مصنفاته، ككتاب القضاء، إطلاق الولاية للفقيه استناداً إلى ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة من التعبير بـ”الحاكم“ و“حجتي“.
وثمّة وجه للجمع بين رأييه هذين سوف تأتي الإشارة إليه.
وممّن يرى ثبوت الولاية أيضاً للفقهاء: الفاضل الدربندي، والآقا رضا الهمداني، والسيد محمد آل بحر العلوم، والآقا النجفي، والسيد عبدالحسين اللاري.
ويستند المحقّق النائيني ـ وهو ممّن يرى ثبوت ولاية الفقيه الانتصابية العامّة طبقاً لتقريرات المرحوم الآملي ـ في دعمه للحركة الدستورية إلى أنّ خلع يد الغاصب للحكم ـ وهم غير الفقهاء ـ لمّا كان غير ميسّر ولا بممكن، فلا بد من القبول إذاً بالحركة الدستورية. فهو لا يرى هذه الحركة من الناحية النظرية في عرض نظرية ولاية الفقيه، وممّن تبع المحقق النائيني من الفقهاء في الاعتقاد بولاية الفقيه والدفاع عن النيابة العامّة للفقهاء كل من: المحقّق المامقاني، والآقا ضياء العراقي، وآية الله البروجردي.
ومن فقهاء هذه المرحلة أيضاً: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ مرتضى الحائري اليزدي والشيخ عبد الكريم الزنجاني، والسيد محمد رضا الكلبايكاني، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والشهيد الصدر كما وردت آراؤهم في تقريرات بحوثهم.
وبالرغم ممّا يراه بعض فقهاء هذه المرحلة من اعتبار ولاية الفقيه محدودة بحدود الحسبة، أو اعتبار التصرف وفاقاً لها من باب القدر المتيقن، فإنَّ الكثير من الفقهاء الكبار من أمثال النائيني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عبد الكريم الزنجاني، والسيد كاظم الحائري (معاصر) يرون ـ مع أخذ مفهوم الحسبة بنظر الاعتبار ـ انطباقها على الولاية السياسية.
ولم تواجهنا حتى هذه المرحلة نظرية أخرى ـ غير نظرية ولاية الفقيه بالنصب ـ تطرح بوصفها نظرية لإدارة الحكم.
وتشتمل المرحلة السادسة على ثلاثة عصور أيضاً، وهي: 1 ـ عصر النراقي 2 ـ عصر الشيخ الأنصاري 3 ـ عصر المحقق النائيني.
المرحلة السابعة: منذ عصر الإمام الخميني (قده)
لقد مرّت نظرية ولاية الفقيه، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ـ كونها تمثل الأساس للنظام الإسلامي على مستوى الدولة ودستورها ـ بتحديات كبيرة. فقد وجّهت إليها صنوف النقد من مختلف الأوساط العلمية والثقافية والسياسية، وهذا موضوع نترك الخوض فيه هنا إلى محلّه.
النَّظرية السِّياسيّة عند أبي الصلاح الحلبي (347ـ447هـ)
في كتاب “الكافي في الفقه”
يعدّ الشيخ تقي بن نجم الحلبي، المعروف بأبي الصلاح الحلبي، أحد أبرز فقهاء الإمامية في بدء عصر الغيبة، ومن معاصري الشيخ المفيد (المتوفى 413هـ). وقد كان ـ كما ذكرت ذلك كتب التراجم والرجال ـ من تلامذة السيد المرتضى (355 ـ 436هـ)، والشيخ الطوسي (385 ـ 460هـ.).
وكان خليفة السيد المرتضى في حلب كما أشارت إلى ذلك إحدى إجازات الشهيد الثاني، وعدّه المحدّث النوري خليفةً للشيخ الطوسي أيضاً في بلاد الشام. وقال العلاّمة الحلّي في صفته: “تقي بن نجم الحلبي أبو الصلاح، رحمه الله، ثقة، عين، له تصانيف حسنة ذكرناها في الكتاب الكبير“(1).
ومن أشهر مؤلفات الحلبي كتابه: “الكافي في الفقه“، وقد بقي هذا الأثر محطّ أنظار الفقهاء طوال تاريخ الفقه الإمامي. وسوف نتعرض، في وقفة مقتضبة مع هذا الكتاب، إلى نظرية هذا الفقيه المعروف في مجال الفكر السياسي، ونظام الحكم في عصر الغيبة، وتفصيل ذلك سوف يأتي تحت عنوان “ولاية الفقيه بالنصب“.
لقد وافق الحلبي شيخه المفيد في جميع ما أسّسه من أصول موضوعية لنظرية ولاية الفقيه، معتبراً إيّاها جزءاً من آراء الشيعة وعقائدها الضرورية التي لا تقبل التغيير، وتلك الأسس هي:
1- إنّ تدخّل الدين في الأمور السياسية والاجتماعية يعدّ هدفاً من أهداف بعث الأنبياء، كما أنّ إنزال الكتب السماوية وتشريع القوانين هو لغرض حفظ مصالحِ العباد وتنظيم حياتهم الفردية والإجتماعية(2).
2- تفسير الإمامة بمعنى الرئاسة وثبوتها للأئمة المعصومين(ع)؛ حيث يرى الحلبي أنّ الإمامة عبارة عن الرئاسة، وهي عنده من باب اللطف الإلهي، فلا مجال فيها للانتخاب والرأي. ويرى أيضاً أنّ من شروط الرئاسة: العصمة، وأن يكون الرئيس أفضل الرعية وأشجعهم، وأعلمهم في أمور السياسة والأحكام. ثم تعرّض لإثبات هذا المعنى من الإمامة لأهل البيت(ع) (3).
3- إنّ تنفيذ الأحكام الشرعية، والحكم بمقتضى التعبّد بها من فروض الأئمة(ع) المختصّة بهم من دون سواهم ممّن لم يؤهَّل لذلك، فإن تعذّر تنفيذها عن طريقهم(ع) أو بوساطة المؤهل لها من قبلهم لأحد الأسباب لم يجز لغير شيعتهم تولّي ذلك ولا التحاكم إليه(4).
4- الاعتقاد بغيبة الإمام الثاني عشر آخر الأئمة المعصومين(ع)، وأنه لا يجب عليه ـ بحسب الظاهر ـ تنفيذ الأحكام(5).
5- عدم تعطيل الأحكام في عصر الغيبة؛ إذ الغاية من الإمامة كونها رئاسة للمجتمع ومراعاة مصالحه ومفاسده، وهذا أمر مستمر غير قابل للتعطيل(6).
6- انتهاء مرحة النصب الخاص، فلا يوجد من ينوب عن الإمام(ع) بشكل خاص، أو من يكون واسطة بينه وبين الأمّة(7).
معالم النظرية السياسية عند أبي الصلاح الحلبي
يتألّف كتاب الكافي من الناحية العلمية من قسمين، هما: “الكلام” و”الفقه“. ويتناول الكتاب في البدء موضوع “التكليف” مبيناً حقيقته، وما ينطوي عليه من مفاهيم، ثم يقسّم التكليف إلى قسمين: “التكليف العقلي“، و“التكليف السمعي“.
ثمّ يدرج المهم من مباحث الكلام في التكليف العقلي كمباحث التوحيد، والصفات، والعدل، والنبوة العامة والخاصة، والإمامة والمعاد، باحثاً بعد ذلك الأدلّة على وجود هذه التكاليف ولزومها في هذا القسم من جهة العقل.
أمّا القسم الثاني من الكتاب فهو عبارة عن قسم الفقه، ولذا يبتدئ ببيان “التكليف السمعي”، وتنقسم التكاليف السمعية ـ والتي يكون المنشأ فيها سماع الكتاب والسنّة ـ إلى ثلاثة أقسام هي: 1 ـ العبادات 2 ـ المحرمات 3 ـ الأحكام(8).
1 و2 ـ العبادات: وتطلق ـ عند الحلبي ـ على مجموع الواجبات الشرعية، وليس المراد بها الاصطلاح الشائع لها الآن، وهو “الواجب المشروط بالقربة، بحيث لا يسقط بدون قصدها“، بل تطلق العبادات وقتئذٍ على مجموع “التعبّديات والتوصّليات”، فالصلاة ـ يومية وغيرها ـ والزكاة والخمس والصوم والحج وأداء الدين والوديعة والأمانات والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجهيز الميت تندرج عنده في قسم العبادات.
وتتمثّل المحرمات عنده مجموع في النواهي التي لا يجوز للمكلّف فعلها، وتشمل النواهي: جميع الأفعال والسلوكيات الصادرة من الإنسان، فينضوي تحتها ما يحرم من المأكل والمشرب والمنكح وما يحرم سماعه والتكسّب به.
3 ـ باب الأحكام: ويعدّ من أهم الأبواب الفقهية في التقسيم الذي اعتمده كتاب الكافي.
لقد نظّم الحلبي كتابه بطريقة يلاحظ من خلالها شطراه: “الكلام” و”الفقه” من منظار واحد وهو “التكليف”، ولا يختلفان في هذا المنظار إلاّ من حيث كونه ـ أي التكليف ـ سمعياً أو عقلياً. ويقسِّم باب التكليف السمعي المختص بالفقه ثلاثة أقسام هي: العبادات والمحرمات والأحكام، وهو لا يرى في الأحكام قسماً مستقلاً عن العبادات (الواجبات) والمحرمات؛ إذ إنه يفسر الأحكام بأنّها “مجموع القوانين التي يجب الالتزام والعمل بها طبقاً لما خطّته الشريعة“، فيدخل في ذلك المحرمات.
وتشتمل الأحكام على ثمانية أقسام هي: 1 ـ أحكام العقود المبيحة للوطء.
2 ـ أحكام الإيقاعات الموجبة لتحريمه. 3 ـ أحكام الزَّكاة وما يناسبها. 4 ـ أحكام العقود والأسباب الموجبة للاستحقاق وإباحة التصرف في ملك الغير. 5 ـ أحكام القصاص. 6 ـ أحكام الديات. 7 ـ قيم المتلفات وأرش الجنايات. 8 ـ أحكام الحدود والآداب(9).
وهنا، وطبقاً لـهذا التقسيم لابدّ من ملاحظة أنّ مسألة الحكومة تندرج ضمن أي قسم من هذه الأقسام؟ ومن الطبيعي أن تدخل القضايا الدستورية الأساسيّة، ومسألة الإمامة بالأصل في إطار بحث إمامة الأئمة(ع) وولايتهم. ولما كانت الإمامة بالأصل تتعلّق بعصر الحضور، فلا بدّ من أن نقف على رأي الحلبي في مجال الحكومة في عصر الغيبة.
وجواباً على هذا السؤال، يمكن القول ـ وكما أشرنا سابقاً ـ إنَّ رأي الحلبي في ذلك هو القبول بـ“ولاية الفقيه”. ويمكن إثبات ذلك بعدّة بيانات:
البيان الأول: مصاديق ولاية الفقيه
أولاً ـ الولاية على الأموال والحقوق الشرعية
تقدّم أن العبادات هي التكاليف السمعية الثلاثة، وهي: المحرّمات، والأحكام، والعبادات. وتنقسم العبادات ـ التي يعبر عنها بالواجبات بحسب الاصطلاح الشائع اليوم ـ إلى عشرة أقسام، القسم الثاني منها هو “حقوق الأموال”، وتشمل حقوق الأموال تسعة أمور، هي: 1 ـ الزكاة. 2 ـ زكاة الفطرة. 3 ـ الخمس. 4 ـ الأنفال. 5 ـ في سبيل الله. 6 ـ النذور. 7 ـ الكفارات. 8 ـ صلة الأرحام. 9 ـ برّ الإخوان(10).
ويرى أبو الصلاح الحلبي أنّ الحقوق الأربعة الأولى من هذه الحقوق المالية تكون إدراتها بيد الفقيه المأمون في عصر الغيبة. قال (رضوان الله عليه): “يجب على كل من تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال، أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله سبحانه، أو إلى من ينصبه ليقبض ذلك من شيعته، ليضعه مواضعه. فإنْ تعذّر الأمران، فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذّر أو آثر (وآثر .خ ل) المكلّف، تولى ذلك نفسه. فمستحق الزكاة والفطرة، الفقير المؤمن العدل دون من عداه“(11).
ومن خلال هذا النص نعلم أنّ الزكاة، والفطرة، والخمس، والأنفال تدفع بالدرجة الأولى إلى السلطان المنصوب بالنصب الإلهي، وإلى من ينصبه السلطان بالنصب الخاص بالدرجة الثانية، وتدفع في زمان الغيبة ـ عند تعذّر الدفع إلى إمام الأصل أو إلى منصوبه الخاص ـ إلى الفقيه المأمون ليصرفها في مواردها، فإذا تعذّر الوصول إليه، دفع المكلّف في المرتبة الرابعة الزكاة والفطرة التي بيده إلى عدول المؤمنين.
وقال (قدس سره) في الخمس والأنفال: “ويلزم من وجب عليه الخمس إخراجه من ماله وعزل شطره لولي الأمر انتظاراً للتمكن من إيصاله اليه، فإن استمر التعذّر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه وبصيرته ليقوم في أداء الواجب مقامه، وإخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل علي(ع).. ويلزم من تعيّن عليه شيء من أموال الأنفال أن يصنع في ما بيّناه في شطر الخمس، لكون جميعها حقاً للإمام“(12).
والمراد بولي الأمر ـ بقرينة ما في صدر الكلام “فإن تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون“ ـ هو الفقيه المأمون؛ إذ لا يمكن الوصول قطعاً في عصر الغيبة إلى الإمام أو نائبه الخاصّ، إذاً فلا بد من دفع سهم الإمام في الخمس وجميع الأنفال الى الفقيه المأمون باعتباره النائب العامّ عن الإمام، ويعزل مع تعذّر الإيصال إليه، ثم يدفع له إذا زال العذر.
إذاً، فالمتعيَّن أن تُدفع الأنفال، وسهم الإمام إلى الفقيه المأمون، كما يترجّح إيصال الزكاة والفطرة إليه أيضاً. وبناءً على ذلك، يجب على الشيعة ـ كما سيأتي ذلك في بحث تنفيذ الأحكام في المصداق الثاني ـ أن يدفعوا الحقوق الشرعية إلى الفقيه الذي له أهلية الولاية ـ من حيث العلم وسائر الشروط الأخرى ـ والانصياع لأمره: “وإخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم وحمل حقوق الأموال إليه والتمكين من أنفسهم لحدّ أو تأديب تعيّن عليهم، لا يحل لهم الرغبة عنه ولا الخروج عن حكمه“(13).
وللأنفال دور كبير من بين هذه الحقوق، وهي ـ في ما يراه أبو الصلاح الحلبي ـ عبارة عن: 1 ـ الأرض المفتوحة عنوة. 2 ـ الأراضي الموات. 3 ـ الأرض التي تركها مالكها ثلاث سنوات. 4 ـ رؤوس الجبال. 5 ـ الأودية. 6 ـ البحار. 7 ـ الآجام. 8 ـ تركات من لا وارث له. 9 ـ غير ذلك من الموارد(14).
وجميع هذه الثروات العظيمة، أو أغلبها في العالم، إنما هي تحت تصرف الدول وإدارتها، وتعدّ، من الحقوق الوطنية. فالأنفال ـ وكما هي عليه سير العقلاء ـ تقع تحت تصرف الدولة، ويتمّ الانتفاع بها تحت إشرافها.
كما أنّ هناك تلازماً بين الأنفال والحقوق الدستورية على نحو القضية الكبرى الكلية. وإن كان ثمّة نقاش واختلاف نظر في الصغرى حول من تكون له الأنفال؟
فقد يقال: إنّها ملك لجميع المواطنين، ولكن الإسلام يرى أن ملكيتها لله والرسول(ص)، والأئمة المعصومين(ع). وتناط هذه الثروة في عصر الغيبة ـ حسب ما يراه فقهاء الشيعة ومنهم أبو الصلاح الحلبي ـ بالفقيه الجامع للشرائط(15).
ومع قطع النظر عن ذلك، فإنّ سير العقلاء قائمة على أساس التلازم بين حق الحاكمية والأنفال، كما أنّ إجماع المسلمين القطعي قائمٌ على أنّ الأنفال بيد إمام المسلمين الذي يدير أمورهم، إذ لا يمكن التفكيك بين أمرها وأمر الولاية، بأن تكون هذه الثروة العظيمة بيد جهة والولاية بيد جهة أخرى. ومن المعلوم أنّ بعض الدول ترتكز في اقتصادها وميزانيتها ـ خصوصاً التي تعتمد على النفط منها ـ على الأنفال بشكل رئيسي.
ثانياً ـ الولاية على تنفيذ الأحكام
والأحكام كما يعرّفها أبو الصلاح ـ كما أشير ـ هي: “الأحكام الوضعية غير التكليفية التي يجب على المكلّف مراعاتها والعمل على وفقها في مقام التنفيذ”.
وتنقسم “الأحكام” في كتاب الكافي ـ والتي يمكن تفسيرها بالمعاملات بالمعنى الأعم ـ إلى ثمانية مجاميع: 1 ـ العقود المبيحة للوطء. 2 ـ الإيقاعات المحرّمة للوطء. 3 ـ أحكام التذكية. 4 ـ العقود والأسباب الموجبة للاستحقاق وإباحة التصرف في ملك الغير. 5 ـ القصاص. 6 ـ الديات. 7 ـ قيم المتلفات وأرش الجنايات. 8 ـ الحدود والآداب (التعزيرات).
لقد جعل الشارع طبقاً للحكمة الإلهية هذه المقررات على اختلاف أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأسرية وغيرها لكي تنفّذ وتطبق في المجتمع.
ويعدّ تنفيذ الأحكام بالدرجة الأولى، حسب رأي أبي الصلاح الحلبي، من “فروض الأئمة المختصّة بهم“ ولا اعتبار لتنفيذ غيرهم. ويجب على من يجد شروط النيابة العامّة التنفيذ والتصدّي لذلك الأمر في عصر الغيبة؛ إذ لا يجوز تعطيل الأحكام بأيّ شكل من الأشكال، سيما وأن الحكمة من تشريعها متوافرة في كل عصر. وأمّا شروط من يجب عليه القيام بذلك فهي: “العلم بالحق في الحكم المردود إليه، والتمكّن من إمضائه على وجهه، واجتماع العقل والرأي، وسعة الحلم، والبصيرة بالوضع، وظهور العدالة، والورع، والتدين بالحكم، والقوة على القيام به، ووضعه مواضعه“(16).
والشرط الأول المذكور أعلاه، وهو: “العلم بالحق في الحكم المردود إليه“ تعبير آخر عن الفقاهة، فإنّه يشترط العلم في أمر الحكومة وإدارة الأمور باعتبار أنّ الحاكم يخبر عن الله سبحانه وتعالى، ولا يكون هذا العلم عن تقليد بل عن اجتهاد؛ لأن الفاقد لملكة الاجتهاد جاهل بالأحكام ولا يسوغ له تنفيذها: “لأنّ الحاكم إذا كان مفتقراً إلى مسألة غيره، كان جاهلاً بالحكم، وقد بيّنا قبح الحكم بغير علم“(17).
وعلى ضوء ذلك، فإنّ الحلبي (رحمه الله) يرى أنّ تنفيذ الأحكام من وظائف جامعي الشرائط من الفقهاء، وهم مأذونون في التصرف من قبل الأئمة(ع) إذا كانوا واجدين لشرائط النيابة العامّة.
وعنده أنّ ولاية القضاء غير الولاية على تنفيذ الأحكام، فالأولى لرفع الاختلاف والتنازع بين الناس، فيقضي الفقيه بينهم على أساس استنباطه لحكم الله، أمّا الثانية فتتضمن بعداً تنفيذياً للأحكام الشرعية التي قد لا ترتبط بمنازعات الأفراد ومخاصماتهم، مثل إجراء الحدود، والقصاص، والديات، وتتعلّق جميعاً بسلطان الإسلام، وهي من – فرض الأئمة(ع) – التي يتكفّلها الفقيه.
وعليه، وعلى ضوء ما يراه أبو الصلاح الحلبي من أنّ للفقيه الجامع للشرائط ثلاثة مناصب هي: تولي الحقوق المالية والأنفال، وولاية تنفيذ الأحكام، وولاية القضاء، وأنّ هناك تلازماً بين هذه المناصب الثلاثة من الولاية والولاية السلطانية، يمكن استنتاج عدم انحصار ولاية الفقيه بالقضاء، وأنّ للفقيه الجامع للشرائط أن ينوب عن الأئمة(ع) في جميع ما هو ثابت لهم من الوظائف الظاهرية.
البيان الثاني: الاستظهار من مصطلح «سلطان الإسلام» وما شابهه
يطلق مصطلح “سلطان الإسلام“ بشكل واضح وصريح على الولاية السياسية، وقد تكرّر ورود هذا المصطلح في كتاب الكافي، ويمكن حمله ـ لقرائن عديدة ـ على الفقيه الجامع للشرائط.
وهنا نشير إلى أهم الموارد التي ورد فيها استعمال هذا المصطلح:
1- تناول أحد المفطرات في شهر رمضان، فإن لسلطان الإسلام أن يقيم الحدّ على الإفطار بحق المرتكب ويعزّر على انتهاك حرمة شهر رمضان(18).
2- وديعة الغاصب والكافر الحربي: لما كان الغاصب غير مالك للمال، والحربيّ غير محترم المالية، فلا حرمة لما يودعانه، فيرد المودِع المال المغصوب إلى صاحبه، ويحمل أموال الحربي الى سلطان الإسلام: “فعلى المودع أن يحمل ما أودعه الحربي إلى سلطان الإسلام العادل(ع) ويردّ المغصوب إلى مستحقه، فان لم يتعين له ولا مَن ينوب منابه حملها إلى الإمام العادل” (19).
3- فتردّ الوديعة في المرتبة الأولى إلى سلطان الإسلام، وفي المرتبة الثانية إلى نائبه الخاصّ، وفي المرتبة الثالثة إلى الإمام العادل. والإمام العادل ظاهر في الفقيه الجامع للشرائط.ـ القذف: يتولّى حدّ القذف السلطان العادل، “وعلى القاذف أن يقيد نفسه إلى سلطان الإسلام، أو من يصحّ منه إقامة الحدّ “(20)، و“من يصحّ منه إقامة الحد“ هو الفقيه.
4- الجهاد: إعلان الجهاد بيد سلطان الإسلام، ويدعوهم بالموعظة قبل بدئهم بالحرب، فاذا استجابوا كفّ عنهم القتال وولّى عليهم فقيهاً: “فإذا أجابوا إلى الحق، ووضعوا السلاح أقرّهم في دارهم إن كانوا ذوي دار ولم يعرض لشيء منها، وولّى عليهم من صلحاء المسلمين وعلمائهم من يفقههم في دينهم ويحمي بيضتهم ويجبي أموال الله تعالى منهم“(21).
إنّ الفقاهة شرطٌ في الولاية حتى في عصر الحضور، فلا تنحصر ولاية الفقيه بعصر الغيبة فحسب، بل حتى في عصر الحضور أيضاً، فلا ينتخب لأمر الولاية غير الفقيه. ووظائف الفقيه المنصوب هي:
أ ـ تعليم الدين والأحكام ب ـ حفظ الأمّة والدفاع عنها ج ـ قبض الأموال والحقوق.
ويقوم السلطان أو من ينوب عنه ـ عند دفاعه وحربه مع المفسدين وقطّاع الطريق ـ بدعوتهم لقبول الحق ويحذرهم من تنفيذ الحدّ فيهم: “ويخوفهم من الإقامة على المحاربة من تنفيذ أمر الله فيهم…“(22).
5- الفسق: إن المعصية تستوجب الفسق، ومع ثبوت الفسق يعمل وفاقاً لحكم الله، وإجراء حكم الله يقع على عاتق سلطان الإسلام ونائبه، وينقسم حكم الله في هذه الموارد إلى خمسة أقسام:
أ ـ الحدود ب ـ التعزيرات ج ـ القصاص د ـ الديات هـ ـ أرش الجناية(23).
6- الوصية: إذا كان الوصي ضعيفاً كان على الناظر في أمور المسلمين أن ينصب أميناً لمساعدته، وإذا تعدد الأوصياء نصب لهم من يفصل في اختلافهم إذا اختلفوا، فاذا قضى الوصي نحبه كان على الناظر في أمور المسلمين تنفيذ وصيته. ثم يصل الدور بعد الناظر في اُمور المسلمين إلى الفقهاء: “وإذا فقد الناظر العادل فلفقهاء الحق المأمونين النظر في ذلك إذا تمكّنوا“(24)، و“الناظر في أمور المسلمين“ ظاهر في “سلطان الإسلام“.
7- ولاية المحجور عليهم: قال (رحمه الله) في هذا الصدد: “ويلزم كل ناظرٍ في أمور المسلمين أن يوكل لأطفالهم وسفهائهم وذوي النقص من ينظر في أموالهم ويطالب بحقوقهم“(25).
البيان الثالث: سلب الولاية عن غير الفقيه الجامع للشرائط ووظيفة الناس في هذا الخصوص
1- تنفيذ الأحكام الشرعية: من المناصب الخاصّة و(فروض الأئمة(ع)) الثابت لهم مباشرتها أو من ينوب عنهم هو إجراء الأحكام وتنفيذها.
2- لا يجوز لصنفين تولّي ولاية تنفيذ الأحكام في حال الغيبة أو التقية:
أ ـ غير الشيعة، فإنّه ليس لهم حق الولاية: “لم يجز لغير شيعتهم تولّي ذلك (تنفيذ الأحكام) ولا التحاكم إليه، ولا التوصل بحكمه إلى الحق، ولا تقليده الحكم مع الاختيار“(26).
ب ـ الشيعة غير الواجدين للشرائط، فإنه ليس لهم حقّ الولاية.
3- الفقيه الجامع للشرائط، حيث إنه مأذون من ولي الأمر(ع)، وله أهلية تنفيذ الأحكام، وإن كانت ولايته من قبل الظالم المتغلب؛ إذ المفروض أن ولايته ممضاة من قبل إمام الأصل.
4- ولاية تنفيذ الأحكام: من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً لا تكليفاً. وليس للفقيه الجامع للشرائط أن لا يلي ذلك: “فمتى تكاملت هذه الشروط فقد أذن له في تقلّد الحكم، وإن كان مقلّده ظالماً متغلباً، وعليه متى عرض لذلك أن يتولاه؛ لكون هذه الولاية أمراً بمعروف ونهياً عن منكر تعيّن فرضها بالتعريض للولاية عليه، وإن كان في الظاهر من قبل المتغلب، فهو نائب عن ولي الأمر(ع) في الحكم ومأهول له، لثبوت الإذن منه وآبائهم(ع) لمن كان بصفته في ذلك، ولا يحلّ له القعود عنه“(27).
والجدير بالملاحظة، في العبارة المنقولة، هو استخدامها لمصطلح “الولاية”. وقد تقدّم أنّه لا تلازم بين مفهوم الولاية ومفهوم الحجر والقيمومة؛ إذ إنّ الولاية عبارة عن تولّي الأمور السياسية وإدارتها كما لاحظنا ذلك في النص السابق.
5- إنّ الناس مكلّفون بمدّ يد البيعة للفقيه الجامع للشرائط وإطاعته. لذا فهنا طرفان ووجهان للتكليف لكي يصل عنوان الفقاهة الجامع للشرائط إلى مقام الولاية، أحدهما يتعلّق بوجود الفقيه الجامع للشرائط الذي يتولّى زمام الأمور ويتقلّد مهامها، والآخر يتعلّق بالأمّة التي يجب عليها الطاعة له، فشخصية الفقيه الحقوقية هي الواجدة لشرائط النيابة فيجب عليه العمل بمقتضاها وإن لم يولّه الظالم المتغلّب؛ لأنّها حقّه الذي لا بد من أن يزاوله.
وبيعة الناس وانتخابهم له ليست توكيلاً له أو صيغة لمشروعية ولايته، بل هي تعبير عن تهيؤ الأرضية اللازمة لإعمال حكم الله وإمكان تطبيقه، فهو ليس مرجعاً للناس في منازعاتهم حسب، بل مرجعيته عامّة لجميع الأحكام، كدفع الأخماس والزكوات والأنفال وغيرها إليه؛ لكي يتمكن من إدارة الأمور وتدبيرها بحكم نيابته عن الإمام الحجة(ع):
“وإخوانه (الفقيه الجامع للشرائط) في الدين مأمورون بالتحاكم وحمل حقوق الأموال إليه، والتمكين من أنفسهم لحدّ أو تأديب تعيّن عليهم، لا يحل لهم الرغبة عنه ولا الخروج عن حكمه، وأهل الباطل محجوجون بوجود من هذه صفته، مكلّفون بالرجوع إليه وإن جهلوا حقه؛ لتمكنهم من العلم؛ لكون ذلك حكم الله سبحانه وتعالى، الذي تعبّد (يعتد ـ خ) بقوله وحظر خلافه“(28).
إنّ الفقيه المبسوط اليد عندما يتصدى ـ من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنيابة عن الإمام الحجة(ع) ـ لتنفيذ الأحكام وصرف الأموال الخاصة بمنصب الولاية على ضخامتها في مواردها الخاصّة، فإنّه لا يتصدّى لذلك من باب الحسبة أو الوكالة عن الأمة، بل باعتباره مؤهّلاً لتلك الولاية ومنصوباً لها بنيابة عن الإمام الحجة(ع).
خلاصة البيان الثالث
يجب على الأمّة العمل على انتخاب من تتوافر فيه مواصفات خاصّة، وتحول دون وصول كل من لا تتوافر فيه هذه المواصفات إلى سدّة الحكم ومبايعته في عصر الغيبة، وهذه المواصفات هي:
1 ـ أن يكون المنتخب لمقام الولاية إمامياً إثنا عشرياً. 2 ـ أن يكون فقيهاً عادلاً من أبناء الشيعة. 3 ـ يجب عليها الرجوع إلى جامعي الشرائط من الفقهاء باعتبار وجود عنوان الفقاهة فيهم، فتأخذ الأمة منهم أحكامها، وتوكل إقامة الحدود والتعزيرات إليهم، وتدفع إليهم الحقوق المالية. وتعيّن الأمة الفقيه الجامع للشرائط إذا كان واحداً، وتختاره من بين جماعة على نحو التخيير العقلي إذا كانوا متعددين. ورأي الأمة وبيعتها شرط تكويني لفعلية الولاية وليس مصدراً لمشروعيتها. 4 ـ أنّه يجب على الفقيه التصدّي لهذا المنصب، وليس له حق التمرد على ذلك.
شروط ولاية الفقيه عند أبي الصلاح الحلبي
تعرّض أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) إلى شروط ولاية الفقيه بشكل أكثر تفصيلاً ودقّة مما بحثه الشيخ المفيد.
وهذه الشروط عنده هي:
1 ـ العلم بالأحكام: إذ لابدّ من أن يكون المتصدّي للولاية عالماً، لا مقلّداً، لأنّ العلم عن تقليد جهلٌ في واقعه. كما يجب أن يكون الاجتهاد مطلقاً، فلا بدّ من أن يكون مجتهداً في أحكام الشريعة، ولا يشترط في المتصدي الأعلمية.
2 ـ القدرة على تنفيذ الأحكام: يشترط في تصدّي الفقيه أن يكون قادراً على تنفيذ أحكام الله.
3 ـ اجتماع العقل والرأي: إذ من دون العقل والرأي الصائب لا يمكن الوصول للحكم الصحيح.
4 ـ سعة الحلم: باعتبار أنّ الولي يتعامل مع أنماط مختلفة من الناس، فيلزم أن يكون واسع الحلم.
5 ـ البصيرة بالأمور: فلا بد من أن يكون الولي عارفاً بأمور الناس وأوضاعهم.
6 ـ الورع: وهي صفة لازمة لكي لا يرجو ولا يخاف غير الله سبحانه.
7 ـ الزهد.
8 ـ القوة والمنعة في تنفيذ الأحكام بشكل صحيح، فلا يكون ضعيفاً في تنفيذها، لأنّ الضعف مانع من تنفيذ الحكم بموجبه(29).
وكما نلاحظ فإنّ الحلبي قد اشترط ـ خلافاً للشيخ المفيد الذي اقتصر على اشتراط العدالة ـ في الحاكم الورع والزهد والتدين، وبذلك فانه يفترض فيه أعلى درجات العدالة بما يؤهله لأن يكون تالي تلو المعصوم. وهذه النقطة غاية في الأهمية في مسألة ولاية الفقيه، لأن إحرازها يدفع كثيراً من الشبهات والشكوك في هذه المسألة.
الأدلّة على ولاية الفقيه عند الحلبي
من الفروق الملحوظة بين الشيخ المفيد وأبي الصلاح الحلبي، في ما تناولاه بالبحث من ولاية الفقيه، هو خوض الأخير في تفاصيل الأدلّة النقلية على ولاية الفقيه، حيث استدلّ بما يقرب من إحدى عشرة رواية عليها، من قبيل مقبولة عمر بن حنظلة، ومشهورة أبي خديجة، والمستفاد من هذه الروايات هو الولاية العامّة لا خصوص ولاية القضاء فحسب. فإنها تُثبت ولاية الأحكام والقضاء وحقوق الأموال.
ولا تنحصر الأدلّة عند أبي الصلاح بخصوص الأدلة النقلية، بل نجده يقيم الدليل العقلي على ولاية الفقيه عند بحثه في شروط الفقاهة والعلم بالأحكام قبل الخوض في الاستدلال بالروايات، حيث يقول: “لكون الحاكم مخبراً بالحكم عن الله سبحانه وتعالى، ونائباً في إلزامه عن رسول الله(ص) وقبح الأمرين من دون العلم“(30).
وتستوقفنا في رأي هذا العالم الفذّ أمور نشير إليها:
1- إنّ ولاية الفقيه تثبت بالنصب، وإنّ الفقهاء الواجدون للشروط مأذونون في الولاية، وهم مؤهلون للتصدّي لها.. ولا ترتبط مشروعية هذه الولاية بانتخاب الناس، رغم أنّ لرأيهم دوراً في تنفيذ هذه الولاية وفعليّتها، لذا فعلى الناس أن يسلّموا لولايته كما يسلّمون لولاية المعصوم(ع).
2- إن ولاية الفقيه ليست لمحض الإشراف والنظارة، بل لتنفيذ الأحكام، ولا يتوقّف هذا التنفيذ عند حدود المعاملات والعقود والإيقاعات فحسب، بل يغطّي جميع الفقه وأحكامه، نظراً لثبوت التعزير أو الحد عند ترك كل واجب أو ارتكاب محرم.
3- إنّ الولاية ثابتة للفقهاء على نحو العموم البدلي، من دون أن يلزم من ذلك إشكال ثبوتي أو إثباتي.
4- إنّه لا يشترط في ولاية الفقيه الأعلمية، بل يكفي العلم بالأحكام وبطريقة الاستنباط في جميع الأبواب الفقهية.
5- إنّ ولاية الفقيه نيابة عن الإمام الحجة(ع) في البعد الظاهري والأمور التشريعية، ولا ربط لها بالتكوين والولاية الباطنية.
6- إنّ ولاية الفقيه مقدّمة لتنفيذ الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه فهي تكليف للناس من جهة، وتكليف لشخص الفقيه كفرد ـ أي بعنوانه الحقيقي ـ من جهة أخرى.
7- إنّ التصدّي لولاية الفقيه وتطبيقها أمر متحرك وتابع للظروف، فلو كانت الظروف ظروف تقية وخوف، فإنّه يطبق منها ما أمكن وإن كان قليلاً، وإن كانت الظروف تساعد على بسط اليد وتشكيل الحكومة وجب القيام بذلك والتصدّي له.
8- تستمر الولاية ما دام الفقيه جامعاً للشرائط، فإذا اختلّ أحدها انعزل من منصبه قطعاً ولم تكن تصرفاته مشروعة، ولا تجب على الناس طاعته ولا دفع الحقوق المالية له، بل إنّه يحرم عليهم ذلك.
9- إنّ الفقاهة شرط حتى في عصر الحضور بالنسبة للمنصوب الخاص من قبل الإمام(ع).
إنّ النظرية السياسية، عند أبي الصلاح الحلبي والتي لها من العمر ما يقارب من العشرة قرون، تشكل ـ في الواقع ـ ردّاً مناسباً لما قد يتفوّه به بعضهم من أنّ فكرة ولاية الفقيه هي فكرة مبتدعة في الفقه الإمامي، وأنها من نتاج فكر الإمام الخميني أو الفاضل النراقي (قدس سرهما)، وذلك بغرض إعاقة تطبيق الشريعة في المجتمع الإسلامي من جانب، والتمهيد لاختراق الاستكبار الثغور الفكرية والجغرافية للأمة من جانب آخر.
فالمفاهيم التي طرحها الفقيه الحلبي عن “سلطان الإسلام” و”تنفيذ الأحكام” و”حقوق الأموال” تكشف عن معالم نظريته في النظام السياسي في عصر الغيبة الكبرى.
أجل، لقد تصور بعضهم ـ خطأً ـ أنّ أول من أثار موضوع ولاية الفقيه من الفقهاء هو الفاضل النراقي، وكأنهم استهدفوا من خلال طرح هذا التصور زعزعة الخلفية التاريخية لنظرية ولاية الفقيه والتشكيك في جذورها، ولكن العرض المتقدِّم لنظرية ولاية الفقيه عند أبي الصلاح الحلبي وبحثه لها بحثاً مستقلاً في بدايات عصر الغيبة يفصح عن خطأ هذا التصور.
إن أهم مسألة ركّز عليها الحلبي وكان يعتقد بضرورة توضيحها ـ وذلك ضمن تطرّقه إلى فلسفة جعل الأحكام وتشريعها وأنّ الغرض من ذلك هو تطبيقها في المجتمع وإلاّ يلزم اللغو من التشريع ـ هي تشخيص من له الحق في تنفيذ الأحكام وتطبيقها، حيث يقول: “المقصود في الأحكام المتعبّد بها تنفيذها، وصحّة التنفيذ تفتقر إلى معرفة من يصحّ حكمه ويمضي تنفيذه ممّن لا يصحّ ذلك منه“(31).
ثم يتعرض، في فصل مستقل، إلى الأبعاد المختلفة المرتبطة بمن له حق تنفيذ الأحكام وولاية الفقيه.
ويعدّ أبو الصلاح الحلبي أول فقيه يتعرض إلى الروايات المرتبطة بولاية الفقيه بما فيها مقبولة عمر بن حنظلة في موضع واحد، ويصفها بـ”المتناصرة” ويرى أنّ بعضها يعضد بعضها الآخر(32)، ليتلو عصره ابن ادريس الذي عقد فصلاً خاصاً تحت عنوان “تنفيذ الأحكام” في كتابه السرائر بحث فيه صلاحيات من له تنفيذ الأحكام(33).
الهوامش:
(*) باحث من إيران. ترجمة: صفاء الدين الخزرجي.
(1) معجم رجال الحديث، ج. 3، ص377. مقدمة الكافي في الفقه.
(2) الكافي في الفقه، ص . 64.
(3) م. ن، ص. 85.
(4) م. ن، ص. 421.
(5) م. ن، ص. 105 و106.
(6) م. ن، ص. 172.
(7) م. ن.
(8) م. ن، ص. 109.
(9) م. ن، ص. 287 ـ 291.
(10) م. ن، ص. 113.
(11) م. ن، ص. 172.
(12) م. ن، ص. 173 و174.
(13) م. ن، ص. 423.
(14) م. ن، ص. 170 ـ 171.
(15) انظر مهدي الحائري (حكمت وحكومت) بالفارسية ص. 106 ـ 116.
(16) الكافي في الفقه، ص. 421.
(17) م. ن، ص. 426.
(18) م. ن، ص. 183.
(19) م. ن، ص. 231.
(20) م. ن، ص. 244.
(21) م. ن، ص. 248.
(22) م. ن، ص. 251.
(23) م. ن، ص. 263.
(24) م. ن، ص. 366.
(25) م. ن، ص. 337.
(26) م. ن، ص. 421.
(27) م. ن، ص. 423.
(28) م. ن، ص. 423.
(29) م. ن، ص422 و423.
(30) م. ن، ص422.
(31) المصدر السابق: 421.
(32) م. ن، ص. 421 ـ 428.
(33) السرائر، ج3، ص. 537.