نقد نظرية الإمامة عند الشهيد محمد باقر الصدر
ترجمة: محمدعبدالرزاق
.. وأما فيما يخصّ كتاب «الإسلام والتشيع» أو «نشأة التشيع الطبيعية في الإسلام» لمؤلفة الأستاذ والمفكّر المعاصر، السيد محمد باقر الصدر، فقد اطلعنا ــ ولحسن الحظ ــ على مؤلفاته القيمة كفلسفتنا واقتصادنا، وقد تضمّنت ــ إضافة إلى ما تحتوي عليه من ثقافة إسلامية ــ معالجات للطروحات المعاصرة في زماننا بلغةٍ مبسطةٍ ومعاصرة أيضاً، وهذه هي الخصائص الضرورية التي يجب أن يتمتع بها كل مفكر وعالم إسلامي في الوقت الحاضر، ذلك أنّ عصرنا غدا بأمسّ الحاجة لمفكّرين وعلماء من هذا القبيل.
وقد طرح ]الصدر[ فكرة نشوء التشيع في صدر الإسلام وصميم الدعوة الرسالية، بأسلوب علمي وتحليل دقيق، مؤكّداً على الحتمية الاستدلالية الملحّة لمبدأ «الوصاية»؛ لما لها من تأثير بالغ على مصير الدعوة ومستقبل الأمة الإسلامية، وقد تمكّن هذا المفكّر المحقق، والمطّلع على جوانب البحث كلّها، من الإلمام بالفرضيات المطروحة جميعها متجاوزاً العناصر والإشكاليات برمّتها، معتمداً ــ في ذلك ــ على التحليل الواقعي للمسألة، وتتبع جميع الاحتمالات وتفنيدها بكل شجاعة ومهارة، خوضاً في لجج المعاندين، ليخرج بعد ذلك كلّه، بدحضهم مرفوعَ الرأس ومحققاً نجاحاً كبيراً في هذا المجال.
هذا ما يتعلق بالفصل الأول للكتاب وحديثه: «كيف ولد التشيع؟»، وخصوصاً مسألة «الوصاية»، في مقابل الموقف السلبي من قبل الرسول 2 المتمثل بترك الأمة دون التخطيط لمستقبلها، أو العمل بنظام «الشورى»، وقد امتاز البحث العلمي بقوّة الاستدلال وأسلوبه الرصين والمدروس، ناهيك عن ميزة التداخل المترابط فيه ممّا قلّ نظيره في أكثر الكتابات الدينية، وخصوصاً في هذا المضمار.
أما الفصل الثاني «كيف وجدت الشيعة؟»، فقد تابع فيه مؤلّفه قوة الاستدلال المنطقي والتاريخي، بغية إثبات حقيقة التشيع، وأنه الامتداد الطبيعي والسليم للدعوة الثورية، النابع من صميم الإسلام والرسالة.
ملاحظات ناقدة:
لكن لو تسمحوا لي بإبداء رأيي في هذا الخصوص، كسائر القراء، وأن أشير إلى الإخفاق في قراءة مفكّرنا للوقائع والأحداث التاريخية والاجتماعية الكاشفة عن وجود اتجاهي التشيّع والتسنّن، فلم تكن نظرته هنا تعبر عن عمق وخصوصاً فيما يخص دراسة أهم مسألة في الإسلام، أعني مسألة ولادة التشيع في أكناف الأيديولوجيا الإسلامية والدعوة الثوريّة في التاريخ والمجتمع الإسلامي، فقد اقتصر هذا المبحث المهم على تحليل سطحي للجانب التاريخي للأحداث والشخصيات في صدر الإسلام، دون التعمّق في العوامل والأسباب الاجتماعية لذلك. وفيما يلي بعض ملاحظاتي في هذا الصدد:
1 ــ نقد مقولة عدم كفاءة الصحابة
من بين الطرق الثلاثة المقررة في البحث (ترك الأمة وشأنها، نظام الشورى، وتنصيب النائب للرسول 2 )، وفيما يخصّ تفنيده للطريق الثاني، أوعز الكاتب ذلك لانعدام الكفاءة والوعي في أصحاب الرسول 2، للقيمومة على الدعوة من بعده 2، فيما أثبت التاريخ والوقائع خلاف ذلك، لكن مشكلة الصحابة في هذا الصدد كانت معاصرتهم لشخصية فذة باسم الإمام علي B وحسب. من هنا كانت القيم والكفاءات كلّها تتصاغر في قبال صفاتهB، فلا يقاس بعلي B أحد، فهو عبارة عن يوتوبيا متجسّدة في رجل، وهو رجل السياسة الشجاع والوطني الثائر.
فعليّ ــ كما قلت سابقاً ــ «حقيقة من نوع الأساطير» و«هو إنسان يفوق الإنسانية»، حاولوا أن تنظروا للشخصيات المرموقة من المهاجرين والأنصار في غياب علي B، وبغض النظر عنه B، جربوا ــ مثلاً ــ مقارنة أبي بكر وعمر بجميع القادة السياسيين، والسلاطين والأباطرة ورؤساء الدول، على مرّ التاريخ، لقد رسم المؤلّف صوراً منبوذة للمهاجرين والأنصار ممن التفّوا حول الرسول 2، وتربوا في أكنافه، مساهمين في أكبر ثورة تاريخية عرفتها البشرية، بغيةً منه (المؤلف) لتهيئة الأرضية اللازمة للحكم عليهم مسبقاً، وتهميشاً لدورهم، وتعمداً منه لتتبّع زلاتهم ونقاط الضعف فيهم، مع تجاهل قيمهم وجداراتهم الشخصية جميعها، وهذا مما يبعث على استحقار القارئ لدور الرسول التغييري في المجتمع الإنساني، وما أنشأه من جيلٍ في تلك الفترة، ولا أعني بالقارئ، القارئ الشيعي طبعاً، بل القارئ المحايد أو المفكّر الاجتماعي المستقل، وفيما يلي قراءة لبعض نصوص الكتاب في هذا الصدد:
«لا نجد فيه (الجيل الأول) ملامح ذلك الإعداد الخاص للقيمومة على الدعوة، والتثقيف الواسع العميق على مفاهيمها»().
«لقد كانوا بمستوى محدود من الناحية الفكرية وسطحيين، بحيث كانوا يتحاشون من ابتداء النبي 2 بالسؤال، وكانوا يرون أن من الترفّع السؤال عن حكم قضايا لم تقع بعد»().
«ويمكننا أن نلاحظ بهذا الصدد، أن مجموع ما نقله الصحابة من نصوصٍ عن النبي 2 في مجال التشريع، لا يتجاوز بضع مئات من الأحاديث، بينما كان عدد الصحابة يناهز اثني عشر ألفاً على ما أحصته كتب التاريخ»().
«هذا الاتجاه هو الذي أدّى إلى ضآلة النصوص التشريعية التي نقلوها عن الرسول 2، وهو الذي أدى بعد ذلك الاحتياج إلى مصادر أخرى غير الكتاب والسنة، كالاستحسان والقياس، وغيرهما»().
«وأنهم لم يدققوا في المسائل الدينية التي سمعوها من الرسول 2 أو شاهدوها. (وذكر على سبيل المثال لذلك): الصلاة على الميت فإنها عبادة كان النبي 2 قد مارسها علانيةً مئات المرات، وأداها في مشهد عام من المشيّعين والمصلين، وبالرغم من ذلك يبدو أن الصحابة كانوا لا يجدون ضرورةً لضبط صورة هذه العبادة، ولهذا وقع الاختلاف بينهم بعد وفاة النبي في عدد التكبيرات في صلاة الميت، فما اختلفوا في ذلك حتى قبض أبو بكر، فلما ولى عمر أرسل إلى رجال من أصحاب رسول الله 2 وقال لهم: … فانظروا ما تجمعون عليه»().
«وهكذا نجد الصحابة كانوا في حياة النبي 2 يتكلون غالباً على شخص النبي 2 ولا يشعرون بضرورة الاستيعاب المباشر للأحكام والمفاهيم ما داموا في كنف النبي»().
«وكل ما تقدّم يدل على أن التوعية التي مارسها النبي 2 على المستوى العام في المهاجرين والأنصار لم تكن بالدرجة التي يتطلّبها إعداد القيادة الواعية الفكرية والسياسية لمستقبل الدعوة وعملية التغيير، وإنما كانت توعيةً بالدرجة التي تبني القاعدة الشعبية الواعية التي تلتفّ حول قيادة الدعوة في الحاضر والمستقبل»().
شخصياً، لا أتصور وجود مبرّرٍ لتهميش دور الصحابة أو القدح بهم، بغية إثبات عظمة الإمام علي ودوره وأهميّته، إننّي ركّزت ــ وكما تعلمون ــ في بحث الأمة والإمامة من منطلق اجتماعي، على إثبات الوصاية وضرورة وجود دور إيجابي للرسول 2 في تحديد مصير أمته ومستقبلها وعقائدها، وقد ارتكز البحث ]هناك[ على محاور منها: توفر النشاط والحيوية في المجتمع، والانقلاب التغييري، وكذلك إحياء دور عناصر المجتمع وقوة إرادتهم ومستواهم الأخلاقي والثقافي في الجاهلية وأشرافها، في عمق المجتمع الجديد، مؤكّداً على ضرورة استدامة الدعوة الثوريّة بقيادة تغييرية أيضاً تتسلّم زمام الأمور بعد رحيل الرسول2.
لكن ذلك لا يعني، الحط من قيمة الجيل الطليعي في صدر الإسلام، فقد كان من معاجز الرسول 2 التغيير النوعي في المجتمع الجاهل ليصنع من «أراذل الناس»، حسب التعبير القرآني ولسان حال طبقة الأشراف في المجتمع، شخصيات هامة لعبت دورها في المرحلة التغييرية آنذاك، فقد صنع 2 من ذلك البدوي «جندب بن جنادة» شخصيةً فذة، أصبحت فيما بعد «أبو ذر الغفاري»، وكذلك صنع من عبد ذليل «سالم» شخصيةً لها ثقلها في المجتمع، بحيث إن رجلاً كعمر قال فيه: «ولو كان سالم حياً لجعلت هذا الأمر إليه وما جعلتها شورى».
إن أولئك العبيد والأراذل أصبحوا ــ فيما بعد ــ قادةً واعين ذوي إبداع وكفاءات، بحيث أحدثوا هزة كبيرة في ذلك المجتمع، فأصحاب قوافل الجمال البدوية، أصبحت لديهم مناصب سياسية مرموقة في الإمبراطوريات، وأثبتوا أفضليتهم وأولوياتهم على الأسلاف من شخصيات حضارة الروم وإيران. إنّ الثورة التغييرية في تلك البيئة وشخصياتها تعتبر من معاجز الرسالة، والتنكّر له تنكّر وتجاهل لأبرز أبعاد الرسالة، وأنا متأكّد أن مراد الأستاذ ليس هذا طبعاً، فإن هذا الكتاب ذاته يدلّل على عمق وعيه واطلاعه على الأمور، حيث أثنى أحياناً عليهم كثيراً، لكنه هنا ومن أجل إثبات الحقيقة، أراد أن يصوّر الواقع بما تقتضيه المصلحة.
2 ـ نظرية الشورى في الخلافة
استند الكاتب وهو في صدد تفنيده لنظام الشورى، بوصفه نظاماً غير معروف في مستوى الوعي السياسي آنذاك، استند إلى أسلوب جديد وبديع لم نلاحظه سابقاً في المؤلفات، وما أكثرها في الحقيقة لكنها ليست سوى إعادة وتكرار لسابقاتها، أما الاستناد الجديد فكان عزفاً على الوتر الحسّاس في القضية، لكنه ولنفي نظام الشورى، استدل في أكثر جوانب حديثه بأقوال وأفعال شخصيات لم تحظ بتأييد من قبل الشيعة وخصوصاً في مسائل السياسة والخلافة، لكن السؤال المطروح هنا هو كيف يمكن لكاتب شيعي الاستدلال بهذه الشخصيات في معرض نفيه لنظام الشورى؛ فمثلاً استناده لاستدلال أبي بكر في محاججة الأنصار في السقيفة، عندما اقترحوا أن تكون الخلافة دوريةً بينهم وبين المهاجرين، بإثبات أصل القرابة ووصاية الرسول 2، نافياً نظام الشورى والانتخاب من قبلهم، فكيف يكون ذلك معبّراً عن حقيقة الاعتقاد لدى الشيعي دون اتفاق باقي الشيعة عليه والعمل به؟ إذن لا يمكن أن يكون إبدال أصل الشورى بأصل القرابة، دليلاً على عدم وجود نظام الشورى في صدر الإسلام ومجتمعه. ألم يستند أبو بكر وأصحابه في صدد محاججتهم لأصحاب علي B على أصل الشورى والانتخاب عندما استند أصحاب علي B إلى أساس القرابة والوصاية؟ إضافةً إلى أنّ الإمام علي B نفسه قد أشار إلى هذا التناقض فقال:
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهـــم فكيــــف بهــــــذا والمشـــــــــيرون غُيّـــــبُ
وإن كنت بالقربى حججتَ خصيمهم فغيــــــرُكَ أولـــــــى بالنبـــــــــي وأقــــــــربُ
أريد أن أقول: إنه وكما اقتضت مصلحتهم السياسية تجاهل «الوصاية» في غصب حق علي B، كذلك من الممكن أن يكونوا قد حاولوا التنكّر للشورى بغية إقصاء سعد بن عبادة، فما هو السبب الذي برّر التنكّر والتجاهل في مسألة «الوصاية» دون «الشورى»؟!
وإذا أردنا الاستناد في سياق معالجة موضوع الخلافة والقيادة إلى هذه الشخصيات وأفكارها ممن لعبوا الدور الأساسي في وضع سيناريو السقيفة وإرساء دعائم التاريخ الإسلامي والتحكّم بمصير الأمة بعد الرسول 2، فسوف نخرج ــ بالتأكيد ــ بنتيجة لا يؤيدها الفكر الشيعي نفسه، بل إن هكذا استدلال وبهذه الطريقة سوف يكون مخالفاً للفكر الشيعي والأسلوب العلمي أيضاً.
المسألة الأساسية هنا تكمن في التشكيك بحسن نواياهم السياسية، إنّ أولئك الرجال من المهاجرين والمجاهدين ممن كانوا بمثابة الحواريين للرسول 2 قد اتخذوا موقفاً سياسياً ضد «علي» بعد وفاة الرسول 2، لا بل انقلبوا على أعقابهم حتى قبل وفاة الرسول 2 عندما كان على فراش الموت، فقد تحوّلت المدينة التي وصفها الرسول 2 من حيث تغلغل الإيمان في صميمها كنفوذ الأفعى في حجرها، إلى محتدم من الصراعات والمؤامرات السياسية، بينما كان
الرسول 2 يلفظ أنفاسه الأخيرة، لتجدّد الجاهلية نفسها في المدينة، فكل شيء عاد غريباً إلى أن وصل بها الأمر للتنكّر لفاطمة الزهراء، وكأنها لم تكن تعرفها سابقاً. وذلك البيت الذي كانت روح رسول الله 2 ترفرف فيه والذي ضمته المدينة وعشقته سرعان ما تجاهلته، متناسيةً كل النداءات والمصاعب والمحن التي شهدها هذا البيت في إبلاغ الدعوة، ليخوضوا صراعاً جديداً مع الرسول 2 وبنمط جديد يتمثل بمحاربة علي وأهل بيت الرسول، وإقصاء بني هاشم عن الساحة السياسية، فأعلنوا موقفهم صريحاً: «إنّ الرسول كان من بني هاشم، فإذا كان خليفته من بني هاشم أيضاً فسوف يستولي بنو هاشم على الملك إلى الأبد، ولن يتسنى لأحد الوصول إلى الحكم».
ماذا تستبطن هذه الكلمات يا ترى؟! وما هي الدوافع والأهداف من وراء طرح هذه الأفكار، وانتشار النزعات العنصرية والطبقية بين هؤلاء؟! نعم، فهم لم ينتفعوا من أجواء المدينة ومعاصرتهم للرسول 2 وأصحابه، سوى انتحال الدين لتضليل الناس وممارسة أشكال التحريف والمؤامرة، وذلك طيلة نصف قرن من التاريخ، ابتداءاً من السقيفة، عام 11 للهجرة وحتى كربلاء، عام 61.
على أية حال، أعني من كلامي هذا أننا لو تتبعنا الأمور بحيادية، كما لو كان أي مستشرق أو مؤرخ يريد مناقشة مذهب سياسي في الإسلام دون الانحياز لجهةٍ ما، وأخذنا بعين الاعتبار وجهة نظر تلك الشخصيات فيما يخصّ النظام السياسي للحكومة والخلافة بمستوى استيعابهم لذلك في الفترة ما بين وفاة الرسول 2 إلى مقتل عثمان، فإننا ــ ومن خلال هذه الخمس وعشرين سنة ـــ سنتوصل للطريق الأول الذي فرضه المؤلف، من أنّ الرسول 2 وكما يقول أبو بكر وعمر، ذهب وترك الأمة دون التخطيط لمستقبل الدعوة بعد رحيله، وأنه أوكل ذلك لزعماء المهاجرين والأنصار.
وهذا ما يقوله أبو بكر من أن الرسول ترك أمر الخلافة والقيمومة للمهاجرين بما تقتضيه مصالحهم، أي أنّه قام بإلغاء جميع الأصول من «الوصاية» و«التنصيب» أو«الشورى وإجماع الأمة» وكذلك إجماع أهل الحل والعقد!.
أما إذا أردنا رفض هذا الاحتمال لأنه يتنافى مع شخصية الرسول القيادية الملمّة بخفايا الأمور، فلن يبق أمامنا سوى اختيار أحد الاحتمالين الآخرين، والذي يُستشف من الأحداث وكلام كبار الصحابة تأييدهم لنظام «الشورى والإجماع»، فرغم انكماش حركة الانحياز لموضوع الشورى، إلا أن أكثرهم صادَقَ عليه وعمل به، بمن في ذلك مخالفي الشيخين من الأنصار، بل حتى الإمام علي B، رغم أنّه كان يعتبر ذلك غصباً لحقّه، لكنهم عندما وصلت المسألة لوصاية الإمام علي B جحدوا بكل ما قد عملوا به سابقاً، وكأنهم لم يعرفوا ويسمعوا بهكذا مفهوم من قبل.
ولذلك نحن نقول: لا يمكن الاعتداد بأقوال وأفعال هؤلاء خلال ربع قرن، لنفي الشورى من الإسلام وسنة الرسول2، وزعم أنها لم تكن موجودة فيهما.
3 ــ أزمة الثقافة بين التعصّب المذهبي والكلّيانية المزيّفة
كان الحديث ــ إلى هنا ــ عن طريقة التعبير وأسلوب الاستدلال، لكني أودّ التطرّق إلى ما هو أهم من ذلك كلّه، فمع كامل تقديري واحترامي للمؤلّف المحقق، ولاعتزازي بالحقيقة، وتأسياً بأرسطو، سأبدي رأي وانتقادي للموضوع الذي أشرت له سابقاً، أعني التحليل السطحي للأحداث التاريخية، ودور الشخصيات السياسية في صدر الإسلام، وما حصل من تحول وصراعات في مجتمع المهاجرين والأنصار بعد وفاة الرسول 2 مما نجم عنه ظهور التشيع واثنينية الأمة إلى شيعة وسنة.
لقد حلّق المؤلف بتناوله هذا الموضوع الرئيسي بتحليل ودراسة في أعلى مستويات الجوّ مما أفقده السيطرة، فاضطر للهبوط العشوائي، كما يقول الطيّارون!.
وغالباً ما نصاب بهذا التأرجح الشديد، فتارة تقودنا البغضاء وسوء الظن والتعصّب للخروج عن النص والموازين الإسلامية، بل الأخلاقية أيضاً. يقول أحد رجال الدين ممن يملك رصيداً من الدراسات التاريخية، في هذا الصدد: «قد يجرنا تعظيم الخلاف بين الشيعة والسنة إلى القول بأن إلههم غير إلهنا، وقيامتهم غير قيامتنا، وأن قرآنهم ونبيهم وإسلامهم غير قرآننا ونبينا وإسلامنا».
من يكون عمر؟ عمر «المأبون» كان مع أبيه يجمع الحطب، ويحمله على كتفه فيتجول به بين الأزقة لبيعه … ومن يكون عمر؟ عمر لعين، وابن زنا… والإمام علي لم يبايع إلا حرصاً على نفسه، ولم يصلّ خلفهم طيلة خمس وعشرين سنة إلا حرصاً على نفسه، ولم يعط ابنته للخليفة عمر إلا حرصاً على حياته وسلامته…
انظروا إلى هذه الذهنيات واقرؤا الموازين التي تقيس علياً وطموحاته بمستوى طموحاتها المحدودة.
وتارةً أخرى، يقودنا حسن الظن والتفاؤل ويحكم حركتنا ومسيرنا، حتى أن أحد كبار الفقهاء المعاصرين الشيعة يعتبر الخلاف بين التشيع والتسنن، خلافاً بين فقيهين في استنباط الحكم الشرعي!.
أنا أعتقد أن هذين الاتجاهين ــ مع تضادهما في المنحى والتفكير ــ ابتعدا كليهما عن الواقع والحقيقة، وغالباً ما يكون وراء هذين الاتجاهين دوافع سياسية غير أنها متباينة فيما بينها، فأحدهما يتبع منهجية الوحدة الإسلامية وتوحيد صفوف المسلمين حيال التحديات الاستعمارية وأخطار الصهيونية والغزو الثقافي من قبل الإمبريالية الرامية للقضاء على الإيمان والقيم الأخلاقية، وهذا ما يبعث على التفاؤل لإرساء دعائم الوئام والوحدة الإسلامية بين قطبي العالم الإسلامي، لتأسيس أمّة إسلامية مستقلّة مقتدرة واعية في هذا العصر، والثانية بعكسها تماماً، إذ تهدف لإلقاء الرعب والتشاؤم وتأجيج نار الفتنة بتفكيك المجتمع الإسلامي بما يصب في منافع الإمبريالية العالمية وعملائها.
وبالإضافة للاختلافات فيما بينهما في العلاقات الاجتماعية، تتطلّع الحركة الأولى لإقامة علاقات عامة مع مفكّرين لهم أهداف سامية على المستوى العالمي، برؤية كونية أوسع تشمل جميع بقاع العالم على مرّ العصور، أما الثانية فتتقوقع على ثلاث مدن دينية تمثل رؤوس المثلث لمجتمعهم، وتشمل بقالي الأزقة، وعدداً من رهبان التجارة، ممن يتمتعون بظروف مالية جيدة بحمد الله، وقد تشمل مجموعة الدجل والخديعة الذين يرتدون ويخلعون زي الدين كالأفعى؛ تبعاً لمصالحهم، وأينما درّت معايشهم كأبي سفيان، فيتصنّعون الشعارات بذريعة ولاية علي بن أبي طالب B، فيدعون لملء المدينة «بالراكب والراجل» من جيوش الشرك والجاهلية، ليجتثوا أصول الإسلام ومبادئه، بالاتكال على رؤساء دار الندوة، وتكتلات بني غطفان الفوضوية، كما أن قاعدة خيبر ويهود بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير، من داخل المدينة وخارجها، لن يتقاعسوا عن تقديم مساعداتهم المالية لهم.
على كل حال، يجب أن لا يخضع التحقيق العلمي، سيّما ما يخصّ المبادئ الأيديولوجية، لأغراض ومصالح جانبية، تؤثر سلباً على نتائجه، لأن الوصول للحقيقة هو المصلحة الأولى والأخيرة في هذا الباب. وعلينا أن لا نحوّل الخلافات بين السنة والشيعة إلى صراعات أو مهاترة، تقودنا للتشكيك في إسلامهم وطهارتهم، والحكم على جميع المسلمين «غير الشيعة» بالوهابية والناصبية، وأنهم أعداء علي وأهل البيت، فنقوم بتقديم الصهاينة على مسلمي فلسطين ومصر وسورية.. لنبتهج ونشمت بهم عندما نشاهد الصواريخ والقنابل تسقط على النساء والأطفال الأبرياء، إضافةً إلى ما يعانون من تهجير وقتل وتعذيب من قبل موشي ديّان، وبن غوريون، وغولدامائير، بمساندة بريطانيا وأمريكا، فنغرس في أذهان الشيعة الموالين
لعلي B: أن أولئك يستحقون ذلك بما ظلموا حقّ أصحاب الكساء وذرية المصطفى، ونصبوا لهم العداء، نعم، هذا هو النص الصريح الذي سمعته مباشرةً من أحد مراجع الدين، عندما سُئل عن إعلان تضامنه مع المسلمين إبان العدوان الثلاثي على مصر.
إن ذلك من أبشع ألوان التضليل باستغلال مشاعر عامة الناس وحبهم
لعلي B بما يصب في المنفعة الشخصية والسياسية، لقد اتخذ اليهود والنصارى أولياء لهم بموازاة انتحالهم لولاية «أهل البيت»! فيجب أن لا ننخدع بهؤلاء المضلّين والمغالطين ممن انتحلوا لباس الدين، وانزووا في أزقة مدينتهم، معتمدين على عددٍ من المرتزقة المحيطين بهم الذين قضوا عمرهم في الزوايا المظلمة، فلم يروا بصيصاً من نور الحقيقة.
ومن ناحية أخرى، يجب أن لا يكون تآلفنا مع باقي المسلمين، واتساع رؤيتنا الكونية أو تطلّعاتنا لآفاق أسمى، سبباً في تهرّبنا من الحقيقة التاريخية والعلمية أو تحاشي تقصّي الحقائق فيما يخصّ أهم الأمور المصيرية للأيديولوجيا الإسلامية، وما طرأ على المراحل الأولى من تاريخ الأمة الإسلامية، ذلك أنّ الغاية من التحقيق التاريخي والتحليل العلمي، التوصّل للحقيقة، ومعرفة الواقع، وتتبّع الأصول والعوامل الأساسية للأحداث والمواقف التاريخية في صدر الإسلام.
إن تعدد المواجهات والجبهات وتناحر الأطراف لم يكن من نوع المناظرات الدرسية ومجرد اختلافٍ في الرأي أو المفهوم، بل لقد أدّت إلى صراعات حقيقية بين الفرق الإسلامية، فقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، يمثلون الجبهة الأولى في المواجهة، وطلحة والزبير وخالد بن الوليد ومروان بن الحكم وكعب الأحبار وعمر بن العاص، هم الجبهة الثانية، أما الثالثة: فكانت معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان والحجاج.. ذلك كلّه في مقابل عليّ وفاطمة وسلمان وأبي ذر وبلال والمقداد وعمار بن ياسر وأبي أيوب الأنصاري وخزيمة، كجبهة أولى.. والجبهة الثانية: هم الحسن والحسين وحجر بن عدي وسليمان بن ضرار وشهداء مرج العذراء وفخ وكربلاء والتوابون، أما الثالثة: فهم زيد ويحيى والثوار من زيديين وحسنيين ومن الطالبيين والمشعشة والإسماعيلية…
فهل من الممكن أن نمرّ على هذه الحقبة من التاريخ مرّ الكرام؟ وأن نعتبر اثنينية هذه الصراعات، ناجمةً عن اختلاف الفهم والاستيعاب()، او تعدّد الأفكار() بين الأصحاب؟ ]كما يقول محمد باقر الصدر[.
ولو أراد المؤمن المتفائل وصف الصحابة من منظار سطحي وساذج بغض النظر عما يختبئ خلف ظاهرهم المقدّس والمنزه من الوعي واللاوعي، ومن دوافع اجتماعية وطبقية، أو نزعات سياسية، فسوف يكون وصفه لهم كما يلي: «… وبالرغم من أن الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأوسع بذرة لنشء رسالي، حتى أن تاريخ الإنسان لم يشهد جيلاً عقائدياً أروع وأطهر وأنبل من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد..» ().
وعلى ما تقدم، نستنتج أن سبب انقسام أصحاب الرسول إلى اتجاهين معاكسين، تبلور أحدهما بالأقلية المنحازة لعلي، والثاني بالأكثرية المنحازة للشيخين، هو الاختلاف بين أفضل وأوسع بذرة لنشء رسالي، وأفضل الأجيال اعتقاداً ونجابة في تاريخ البشرية في فهمهم واستيعابهم لمفاهيم الإسلام والسنة()
وبعد كل ذلك، إذن ما هو هذا الاختلاف الذي وقع بين أفضل وأروع وأطهر الأجيال في تاريخ البشرية؟! وما هو نوع استيعاب وتفكير كل منهما؟!
مؤلّفنا الكبير، يتخذ ــ في إجابته على هذا السؤال ــ أسوأ التعابير وأضعف التبريرات فيقول:
والاتجاهان الرئيسيان اللذان رافقا نشوء الأمة الإسلامية في حياة النبي 2 منذ البدء هما:
1- الاتجاه الذي يؤمن بالتعبد بالدين وتحكيمه والتسليم المطلق للنص الديني في كل جوانب الحياة «وهم الشيعة».
2- الاتجاه الذي لا يرى أن إيمانه بالدين يتطلب منه التعبد إلاّ في نطاق خاصٍ من العبادات والغيبيات، ويؤمن بإمكانية الاجتهاد، وجواز التصرّف على أساسه بالتغيير والتعديل في النص الديني، وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة للمجتمع. وهذا ممكن فيما لو لم يخطئ فيعارض «المصالح الأخرى»().
إذن، فسبب الاختلاف بين علي وأصحابه (أولى جبهات الشيعة) مع مؤسّسي السقيفة والخلافة الأولى، يكمن في نوعية الاستيعاب لسنّة الرسول ومفاهيم الإسلام، بحيث كان اتجاه علي B هو التعبد أو (نظرية التعبد)، كما يقول المؤلف، بينما كان مخالفوه ــ وهم غالبية الأصحاب من الطليعة المؤمنة الزكية ــ من مؤيدي «نظرية الاجتهاد»!.
فأولئك كانوا لا يسمحون بأي نمط من أنماط الاجتهاد ولا يشعرون بضرورة التحول الزمني وما يطرأ من ظروف وحيثيات بما تقتضيه المصالح الاجتماعية، أما هؤلاء فكانوا الواقعيين والتقدّميين في مقابل المتعصبين للمذهب، يتطلعون للأمور من منطلق واقعي بتفكير منفتح ومتجدد، يراعي متطلّبات العصر المتغيرة، وما تقتضيه من حلول واجتهادات، وبالأخص في مسألة الحكم والسلطة، بمعنى الالتزام بالواجهة الاعتقادية للدين وأسسه الفكرية والمعنوية، أما الأحكام العملية والأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فإنها تخضع للاجتهاد والمطابقة. نعم ــ وكما يقول المؤلّف ــ : «هذا ممكن في ما لو لم يخطئ فيعارض المصالح الأخرى»!().
أيّها القارئ لهذه العبارات ــ بصفتك المسلم الواعي والمثقف لا بوصفك شيعياً ــ كيف يمكنك التمييز بين الحق والباطل؟ وهل أن الحق كان مع علي أم مع عمر؟ وما هو الفرق بين استيعاب وفهم هذين الاتجاهين للإسلام وأفعال الرسول؟ فلا شك أنك بهذه الطريقة سوف ترجح أصحاب «نظرية الاجتهاد» على «نظرية التعبد»، وأنا أعلم جيداً، أن انتساب الشيعة «للتعبد» جاء رداً على اتهامهم بالرافضة وادعاءات أهل السنة، محاولةً منهم للدفاع عن مبدأ التشيع وتبرئته، وقد أشرت في كتابي «علي: مكتب، وحدت وعدالت» إلى أن الشيعة أكثر الفرق الإسلامية تسنّناً، لكن هناك ملاحظات على طريقة التعبير والاستدلال، واختيار المصطلحات، وتأثيراتها على التفكير الواعي للجيل الجديد.
أما الجانب الإيجابي الوحيد في المسألة فهو ما أكّد عليه الفكر الشيعي مما يبعث على الفخر والغرور، من أن الاجتهاد إنما هو عندنا، وليس عندهم، إلا أنه استبدل مع الخصم، فأصبحنا نحن أهل التعبّد وهم أهل الاجتهاد!
وتبقى القضية المهمة في البحث ذاك التبرير السطحي لاختلاف جبهة الأقلية العلوية مع أكثرية السقيفة على أنه كان اختلافاً هامشياً يتبع المزاج، أو أنه كان من نوع المناظرات المدرسية في الفقه والكلام، صحيح أن هذا الخلاف لم يأخذ طابعاً انفعالياً في الظاهر، نظراً لما بذله علي من حكمة سياسية وتحمّل، لضرورة المحافظة على وحدة المسلمين في بداية بزوغ نور الإسلام، وما أحيط به من مخاطر خارجيّة من قبل إمبراطوريّات الشمال والشرق، ومخاوف حروب الردة من الداخل، ولهذا لم يحارب عليّ انتخابات السقيفة الانقلابية من قبل أصحاب أبي بكر، ولم يتجاوز الخطوط الحمراء، وعندما قطع الأمل في استرجاع السلطة والقيادة لم يمارس أي ضغوط لتضعيف جناح الأكثرية، بل وعلى العكس من ذلك تماماً، ساهم في إرساء دعائمها بمبايعته، لها ومشاركته في صلاة الجماعة، حتى أنه كان يعينهم في ظروفهم الحساسة بإرشاداته، باعتبارهم الممثل السياسي للإسلام، ذلك كلّه كان من أجل الحفاظ على بيضة الإسلام حيال أعدائه من الداخل والخارج، بغية إضفاء صورة مقتدرة وموحدة للمسلمين، بغض النظر عن الانقسام الداخلي بين الكتلتين الاجتماعيتين المتضادتين، والتي تمثل إحداهما الجماهير المضطهدة المحكومة، وبطبيعة الحال يستلزم كونها ثورية تطالب بإجراء العدالة، والأخرى الطبقة الحاكمة وتشمل نخبةً من الأشراف، لا تقتبس من الإسلام سوى مفاهيم ذهنية وعاطفية، حاولوا من خلالها الحفاظ على مصالحهم وعاداتهم ومكانتهم المتميزة في المجتمع.
وإذا أردنا قياس الانقلاب التغييري في الإسلام بالثورة الفرنسية، فسوف يكون تقسيم الاتجاهين في الإسلام إلى اليمين المحافظ واليسار الثوري، وكلا الاتجاهين كان لهما وجود خارجي في عهد الرسول 2، وهو ما يظهر جلياً في تصرّفات الصحابة في حروب النبي 2، كما هو الحال في موقف بلال مع عبد الرحمن بن عوف في بدر بخصوص قتل أمية بن خلف وابنه علي بن أمية، أو تركهما، وهذه مسألة طبيعية في كل حركة أو ثورة؛ ذلك أنها قد تخضع ــ بعد انتصاراتها وفراغها من الحروب وتحقيق أهدافها ــ لانشقاقات في وجهات النظر والأفكار، وخصوصاً فيما إذا فقدت زعيمها، وكذلك الحال الذي حصل بالنسبة للإسلام، فمثل هذا الانقسام كان موجوداً بين طياته، تمثل بعد رحيل النبي 2 بعلي B وأصحابه وهم الأقلية، مقابل الشيخين وأتباعهما وهم الأكثرية.
وعلى هذا الأساس، تكون نشأة التشيع نشأةً طبيعيةً ومن صميم الإسلام، إذن، كان هناك جناح ومتمرّد في المجتمع، مقابل جناح محافظ قائمٍ على أسس وركائز أصيلة وهم الأقلية، إذ لم ينطو اسم علي على سمات الأفضلية والأولوية فقط، بل كان يمثل حركةً متعالية ذات مواقف حازمة في عمق المجتمع الإسلامي وثورة التوحيد، وكذلك الحال بالنسبة للتيار المخالف، فلم يكن الجانب الوحيد فيه سلبياتهم الشخصية أو إخفاقاتهم العلمية، بل كانوا يمثلون تياراً معارضاً مع قاعدة شعبية أوسع من غيرها، من هنا، يجب علينا استعراض العوامل الأساسية عبر مطالعة الرواسب الطبقية للشخصيات التي أحاطت بعلي والتي تمثل الجناح المخالف له، ويتحتم علينا أيضاً تقصّي البنى التحتية لتلك الصراعات السياسية بين الطرفين.
وأنا أعتقد أن السيد الصدر هو الأجدر بدراستها وتحليلها، لضلوعه بالاقتصاد الإسلامي، ولكونه مفكراً مطلعاً على أمور زمانه، ليقرّر مصير الحقيقة من ثنايا تاريخ التشيع والتسنن، وما آلت إليه طبقات هاتين الحركتين.
وفي الختام، أستميحكم عذراً لإطالتي عليكم الحديث، فالظاهر أني عوّضت عن سكوتي طيلة السنين الماضية، وذلك شعوراً بالارتياح تجاه المستمعين وخلّص الأصدقاء، ومما لا شك فيه أن هذه الأمور لا تخفى على الأستاذ الصدر أو عليكم أنتم، وإنما كان هذا تذكيراً وتنبيهاً على فروق الفهم والاستيعاب بين القارئ المثقف المحايد، وبين القارئ المنحاز والمغرض، وعلى أية حال أرجو أن تعتبروني صديقاً لكم حاول أن يفضي لكم همومه، فاعذروني ]أخوكم علي (شريعتي)[.
) المفكّر الإيراني المعروف، حمل ما أسماه ثقافة الأيديولوجيا وأيديولوجيا الثقافة، ونادى بنوعٍ من البروتستانتيّة الإسلامية، ترك العشرات من المؤلفات، قيل: قضى شهيداً في عملية اغتيال آثمة، دفن في سوريا.
)الحمد لله، أن تلك العصبة من متعصبي الولاية لم تصدر أحكامها بشن الهجوم عليكم أو على الأستاذ الصدر، هؤلاء اتهموني بالوهابية، بينما كان إمام الوهابية في السعودية يعتبرني من غلاة الشيعة، ولطالما خسر قلمي الرهان مع علي، وقد اتهموني أيضاً بتأسيس فرقة جديدة في الإسلام عثمانية النـزعة، والحال أنّي وقبل 22عاماً عندما كنت تلميذاً في المدرسة شتمت عثمان وشهّرت به. فقد تنتظركم عواقب أسوأ من هذا باعتباركم عجنتم بمحبة علي، وكذلك بالنسبة للسيد الصدر لأن قلمه كان ذو الفقار علي.