قد يحلو لأي قائد أن يحظى بالولاء المطلق ممن حوله، وأن تكون استجابتهم كاملة لآرائه وأوامره، فلا ينشغل باله برأي مخالف، ولا يُعرقل شيئاً من خططه وبرامجه موقف معارض.
لكن ذلك مما يستحيل حصوله عادة في المجتمعات البشرية، فمن يتصدى للقيادة والزعامة ـ دينية أو سياسية ـ ، لا يعدم مناوئاً أو مخالفاً أو منافساً، والامتحان الحقيقي لأي قيادة هو في التعامل مع مثل هذه الحالات.
إن النهج السائد المتبع عند الزعامات السياسية والدينية في المجتمعات غير الديمقراطية، هو رفض هذه الحالات وقمعها، بمختلف العناوين والمبررات، كالحكم عليها بالكفر والمروق، أو إدانتها بالخيانة والانشقاق، أو اتهامها بالإفساد والتخريب. وينبثق هذا النهج من عقلية الاستبداد، وتضخّم الذات، وحب الهيمنة والاستحواذ، ويؤدي إلى تهميش المجتمع، ووأد طاقاته وكفاءاته، كما يؤسس لحالات الانقسام والمواجهة والصراع.
والنبي 2 كقيادة دينية سياسية، واجه هذه الحالات داخل مجتمعه الذي أسسه وكان يقوده، فكيف كان منهج تعامله معها؟
إن الحديث ليس عن الأعداء المناوئين من خارج المجتمع الإسلامي، كاليهود والكفار، فمعاناة النبي 2 منهم، ومواجهته لهم، وحروبه معهم، معروفة واضحة.
إنما الحديث عن التيارات المناوئة، والعناصر المخالفة، داخل المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة، حيث تشير آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة الشريفة، وروايات السيرة النبوية، إلى وجود مثل تلك التيارات والعناصر.
إن الخطاب الإسلامي غالباً ما يركز على صور الاستجابة والإذعان من قبل الصحابة لرسول الله 2، وهي بلا شك صور رائعة مشرقة، تدلّ على عمق محبة رسول الله 2 في قلوب أتباعه، وصدق إيمانهم به، وشدة تأثرهم بشخصيته، حتى قال أبوسفيان بن حرب وهو في موقع المناوأة والمواجهة لرسول الله 2: «ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً»().
لكن هذا ينطبق على الصحابة الصادقين المخلصين، وليس على كل أفراد المجتمع المحيط برسول الله 2، حيث يؤكد القرآن الكريم وجود تيار داخل المجتمع الإسلامي يضمر العداء للإسلام، ويثير المتاعب في وجه رسول الله 2، هو تيار المنافقين، يقول تعالى:
>وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ< (التوبة: 101).
والصادقون في إسلامهم مع رسول الله 2 لم يكونوا ملائكة، ولا معصومين، لا تصدر من أحد منهم مخالفة أو معارضة، بل كانوا بشراً معرّضين لحالات الجهل والغفلة، وسيطرة الانفعالات العاطفية، والاندفاعات المصلحية، خاصة وأنهم حديثو عهد بالانتماء إلى الدين، ومن الطبيعي أن تبقى في النفوس رواسب وآثار من الحقبة الجاهلية.
لكل ذلك واجه رسول الله 2 من بعضهم مواقف مخالفة، وتصرفات مزعجة، وذاك أمر متوقع، ويهمنا في هذا البحث أن نتعرف على منهج رسول الله 2 في التعاطي مع حالات المعارضة والخلاف، سواء كانت ناتجة عن توجه عدائي مناوئ للدعوة، كما هو حال المنافقين، أو عن خطأ وسوء تصرف من قبل بعض المسلمين.
المنافقون والدور الخطير
استقطب الإسلام أبناء قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة، والتفوا حول رسول الله 2 حينما هاجر إليهم، وخضعوا لقيادته، ثم التحق بهم المسلمون من أبناء مكة وغيرهم، فتأسس في المدينة مجتمع جديد، بقيادة جديدة، خارج نسق الانتماءات القبلية.
لكن بعض العناصر، وخاصة من طبقة الأثرياء والنافذين، لم تذعن قلوبهم للإسلام، ورأوا في قيادته وتعاليمه إلغاءً لنفوذهم، وتحجيماً لمصالحهم، في ذات الوقت لم يكونوا قادرين على الوقوف أمام التيار الكاسح، فأظهروا الولاء للإسلام والخضوع لقيادته، بينما كانوا يضمرون غير ذلك.
وأطلق القرآن الكريم على هذه الازدواجية عنوان (النفاق)، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، كما يقول ابن منظور في لسان العرب.
والنفاق مأخوذ من النَفَق وهو: سَرَب في الأرض مشتق إلى موضع آخر.
وفي التهذيب: له مخلص إلى مكان آخر.
قال أبوعبيد: سمي المنافق منافقاً للنفق وهو السرب في الأرض، يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه.
وقيل إنه مأخوذ من السرب باعتبار الاستتار فيه لستره كفره().
وكلا الاعتبارين متوفر في حال النفاق، فهو إظهار الإسلام كغطاء وستار لواقع الكفر، يشبه استتار النفق تحت الأرض، وهو اتخاذ الإسلام معبراً وطريقاً وليس قصداً وغاية، كاستخدام النفق للولوج فيه من جهة والخروج من الجهة الأُخرى.
كانت هذه العناصر تنتمي إلى قبائل المدينة، وبعضها من قبائل البادية المحيطة بالمدينة، كما يذكر القرآن الكريم:
>وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ<، وإذا كان المنافقون من قبائل الأعراب في البادية يمارسون نفاقهم بشيء من البساطة، فإن منافقي المدينة قد تكرست عندهم خبرة النفاق >مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ<، أي مرنوا عليه ودربوا به، ومنه الشيطان المارد في الشيطنة.
وأغلب المنافقين كانوا من ذوي الثروة والنفوذ، أو الطامحين للزعامة والمواقع، كما يظهر من حديث القرآن الكريم عنهم. mإن الآيات الواردة في حق المنافقين ومرضى القلوب، تلهم روحاً أو مضموناً، أو روحاً ومضموناً في آن واحد، أن حركة النفاق إنما قام بها وتولى كبرها أفراد من البارزين في قومهم وعشائرهم قليلاً أو كثيراً، بل إننا لنكاد نقول استلهاماً من روح الآيات ومضمونها إن معظم أفراد هذه الفئة من تلك الطبقة، وإنه إذا كان اندمج فيها اُناس من طبقة السواد أو العامة، فإنهم لم يكونوا كثيرين وإنّما انساقوا فيها بتأثير أولئك، من ناحية زعامتهم وعصبية الأرحام التي تربط بينهم، أو من ناحية الإغراء والمنفعةn()، ومن أبرزهم عبدالله بن أُبيّ بن سلول الخزرجي، وكان مرشحاً لتولي زعامة المدينة قبل الإسلام، وكذلك الجدّ بن قيس، وكان زعيماً في قومه بني سلمة.
هذه العناصر بمكانتها القبلية، ولتسترها بالإسلام، واستغلالها للمشاعر العاطفية، وآثار العهد الجاهلي ورواسبه في النفوس، امتلكت مساحة من التأثير في المجتمع، ويشير قوله تعالى:
>فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ< (النساء: 88) إلى انقسام الرأي في المجتمع الإسلامي حول المنافقين ومواقفهم، فهناك من كان يحسن الظن بهم، ويدافع عنهم، انطلاقاً من العصبية الاجتماعية والمصالح المشتركة، أو من وحي البساطة والانخداع، وطلب مزيد من الفرصة لهم للهداية والإصلاح.
ويكفي لمعرفة حجم تأثيرهم، ما ينقله التاريخ من أن زعيمهم عبدالله بن أُبيّ حينما انسحب من جيش المسلمين في الطريق إلى اُحُد، انسحب معه ثلاثمئة مقاتل، أي حوالي ثلث الجيش الإسلامي، وكاد أن يؤثر على بني حارثة من الأوس، وبني سلمة من الخزرج، لينسحبوا معه.
وحصل مثل ذلك في غزوة تبوك، حيث انسحب عبدالله بن أُبيّ ومعه عدد غير قليل من مؤيديه، حتى قال ابن إسحاق: إن المعسكر الذي انسحب مع ابن أُبيّ ليس بأقل العسكرين()، أي أنه يوازي المعسكر الذي قاده رسول الله 2، ولعل في هذه الرواية شيئاً من المبالغة، لكنها تعبر عن حجم هذا التيار.
بيد أن الأهم إدراك مدى خطورة هذا التيار على مسيرة الدعوة وبناء المجتمع الإسلامي، فقد لعب دوراً خطيراً، وخاصة في مرحلة التأسيس، حيث كانت تحيط بالتجربة أخطار هائلة، وكان عود الإسلام غضاً طرياً، بعدُ لم تتمكن قيمه ومفاهيمه من القلوب والنفوس.
إن كثرة الآيات القرآنية التي تتحدث عن النفاق والمنافقين، وتسلط الأضواء على مواقفهم وصفاتهم، حتى لا تكاد تخلو منها سورة مدنية، لتكشف عن مستوى الخطورة التي كانوا يمثلونها.
1- فقد لعبوا دور الطابور الخامس داخل المجتمع لصالح مخططات الأعداء الخارجيين، كاليهود والمشركين، حيث كانوا يتواصلون معهم، ويشجعونهم على محاربة الإسلام، وينسقون معهم الجهود والمواقف.
إنهم جزء من المجتمع ظاهراً، لكن ولاءهم ليس للمجتمع، إنما هو لأعدائه، يقول تعالى:
>بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ< (النساء: 138 ـ 139)، فهم يخادعون المجتمع بإظهار انتمائهم إليه، بينما هم حلفاء للقوى المعادية، يقول تعالى:
>وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ< (البقرة: 114)، وشياطينهم هنا هم اليهود كما يقول المفسرون.
وحينما حاصر المسلمون يهود بني النضير بعد خياناتهم المتكررة، كان عبدالله بن أُبيّ وأتباعه من المنافقين، يتواصلون مع بني النضير لتشجيعهم على المقاومة والصمود، ولرفع معنوياتهم، مؤكدين تحالفهم وتضامنهم معهم، يقول تعالى:
>أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ< (الحشر: 11).
وواضح خطورة مثل هذا الدور في مجتمع يعيش حالة حرب ودفاع، ويحيط به الأعداء من كل جهة.
2- وهناك دور أخطر يتمثل في سعيهم المحموم لإضعاف الجبهة الداخلية، ببث الشكوك تجاه الدين وقيادة الرسول 2، وقد سجل القرآن الكريم بعض صور إشاعاتهم وأراجيفهم، كقوله تعالى:
>وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ< (التوبة: 124).
>إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ< (الأنفال: 49). ويسجل القرآن الكريم عنهم قولهم في غزوة الأحزاب:
>وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً< (الأحزاب: 12).
3- كانوا يسخرون من شخصية رسول الله 2 بصورة مؤذية، ويصفونه بالسذاجة والبساطة، وأنه يسمع ويقبل كل ما يقال له دون وعي وتمييز، كما نقل ذلك عنهم القرآن الكريم:
>وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ< (التوبة: 61).
وكانوا يشككون في سياساته الاقتصاديةأيضاً، يقول تعالى:
>وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ< (التوبة: 58)، واللمز القدح والإعابة.
4- ووصل بهم الأمر إلى الطعن في عرض رسول الله 2، واتهام عفة زوجاته، وذلك في حادثة (الإفك) التي ذكرها القرآن الكريم، وجاء في كتب السيرة النبوية أن النبي 2 لما قفل راجعاً من غزوة بني المصطلق، وفي آخر مرحلة من الطريق تأخرت زوجته عائشة لطلب عقد افتقدته، فظنوها في هودجها وسارت القافلة عنها، فلما وصلوا المدينة لم يجدوها في الهودج، فمر بها صفوان بن المعطل وأركبها على ناقته، وجاء يقودها إلى المدينة، فوجد عبدالله بن أُبي الفرصة سانحة للطعن في عرض رسول الله 2 فقال: «والله ما نجت منه ولا نجا منها». وتلقف قوله أصحابه فأشاعوه، وتأثر رسول الله لذلك حتى نزل الوحي ببراءة زوج رسول الله 2 وإدانة موقف المنافقين.
5- كانت لهم لقاءات واجتماعات للتآمر ووضع الخطط الكيدية، واكتشفهم الرسول 2 ونهاهم وحذرهم، لكنهم لم يتوقفوا عن ذلك الدور التآمري.
يقول تعالى: >أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ< (المجادلة: 8)، والمناجاة هي التحادث الخفي.
6- كانوا يقومون بدور الإرباك وتثبيط العزائم، وعرقلة أوامر القيادة، وإفشال البرامج والسياسات، فتارة يشيعون بين المتأثرين بهم الامتناع عن الإنفاق وتقديم المال، لإضعاف الوضع الاقتصادي، من أجل الضغط على أتباع الإسلام:
>هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا< (المنافقون: 7).
وعند كل معركة كانوا يبثون روح التخاذل، ويسعون لتعويق حركة الجهاد:
>قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً< (الأحزاب: 18).
7- وقد تجرؤوا على التخطيط لتصفية رسول الله 2 واغتياله، عند رجوعه من غزوة تبوك، إذ نصبوا له كميناً على عقبة في الطريق ليلاً، لتنفر ناقته وتقع به وسط الوادي، وكانوا أكثر من عشرة أشخاص ملثمين، فعرف رسول الله 2 خطتهم، وكشف لبعض أصحابه عن أسمائهم، وأنجاه الله تعالى من مؤامرتهم.
يصعب استقصاء كل الأدوار والممارسات التي قام بها المنافقون في مناوأة حركة الإسلام، ومواجهة قيادة رسول الله 2، وكان يكفي أي واحد من تلك الأدوار والمواقف، لتوجيه الضربات القاضية لرموزهم وأتباعهم من قبل رسول الله 2، وقد أشار كبار الصحابة على النبي 2 باستخدام القوة لردع المنافقين في مواقف كثيرة. كما أن آيات القرآن الكريم في فضح خطط المنافقين والتنديد بمؤامراتهم والتحذير منهم والأمر بمجاهدتهم، كانت توفّر للنبي 2 فرصة مواجهتهم وقمعهم لو أراد ذلك، كقوله تعالى:
>يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ< (التوبة: 73) ، وتكررت الآية بنفس النص في سورة (التحريم: 9).
لكن ما يثير الدهشة هو سعة صدر رسول الله 2، وعظيم احتماله لكل إساءاتهم الخطيرة، وممارساتهم العدائية. لقد تعامل معهم بنفس طويل، وصبر عميق، ومارس معهم سياسة الاحتواء والاستيعاب، والتي يمكن قراءتها ضمن البنود التالية:
أولاً: عدم اللجوء إلى القوة والقمع، رغم استفزازاتهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل منهم أحداً، ولم يسجن أحداً، ولم يجلد أحداً، ولم يطرد أحداً. ويؤكد الباحث الأُستاذ محمد عزة دروزة على «عدم ورود روايات موثقة تتضمن أن النبي 2 قد اعتبر المنافقين أعداء محاربين أو عاملهم كذلك، أو أمر بقتلهم، أو قتل بارزيهم، بسبب صفة النفاق، أو بسبب موقف منبعث عنهم من تلك المواقف الكثيرة التي حكتها الآيات التي نزلت في مختلف أدوار التنزيل عنهم، والتي احتوت صوراً كثيرة من الأذى والكيد والسخرية بالله ورسوله وآياته، والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، والتثبيط عن الجهاد والختل فيه، ودس الدسائس وإثارة الفتن والأحقاد، وإشاعة الفاحشة والإرجاف بين المسلمين بما يثير قلقهم وفزعهم، والتعرض لنساء المسلمين، بل لنساء النبي بالأذى والكيد، والتضامن مع أعداء الإسلام وموالاتهم.
إن النبي 2 قد اعتبر ما جاء في الآيات القرآنية بمثابة توجيهات متروك إليه أمر تقدير ظروف تنفيذها، والسير فيها بما يوافق مصلحة الإسلام والمسلمين؛ لا سيما أن بعض الآيات الواردة في هذا الصدد قد تخللتها جمل تلهم معنى التعليق على شرط، مثل جمل: >فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ<، و>لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ<، و>فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ<، و>إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً<. إلخ»().
ثانياً: لم يصادر أي حق من حقوقهم المدنية، فكانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كسائر المسلمين، يحضرون المسجد، ويدلون بآرائهم في قضايا المجتمع، ويأخذون نصيبهم من الغنائم وعطاء بيت المال.
ثالثاً: وأكثر من ذلك كان رسول الله 2 يبذل لهم الإحسان، ويحوطهم بمداراته، ويشملهم بكريم أخلاقه.
ومن أجل توثيق بنود هذه السياسة النبوية، وتوضيح معالمها، نلتقط بعض الصور من السجلات النبوية الشريفة:
في غزوة أُحُد وعندما تحرك جيش مكة لمهاجمة المدينة انتقاماً من هزيمتهم ببدر، وبلغ ذلك رسول الله 2 جمع المسلمين ليستشيرهم في الموقف، فكان رأي الأغلبية الخروج لمواجهة جيش المشركين، واستجاب الرسول 2 لرأيهم، وقاد الجيش، لكن عبدالله بن أُبيّ، وهو رأس المنافقين، كان معترضاً على قرار الخروج، مطالباً بالتحصن في المدينة، لكنه مع ذلك خرج مع الجيش الذي بلغ تعداده ألف مقاتل، وفي منتصف الطريق قرر عبدالله بن أُبيّ التراجع والانسحاب من الجيش، وانسحب معه ثلاثمئة مقاتل، أي ثلث الجيش، وذلك يعني تمرداً عسكرياً على القيادة في حال الحرب، وضربة لمعنويات معسكر المسلمين وقوتهم، وقد تصدى بعض الأصحاب لنصيحتهم ليعدلوا عن قرار الانسحاب، كعبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبدالله الأنصاري الذي خاطبهم بقوله: يا قوم أُذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم. لكنهم لم يستجيبوا للنصح.
وكاد أن يخلق انسحابهم اضطراباً في الجيش الإسلامي، حيث همّ بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج، أن ينسحبوا تأثراً بموقف ابن أُبيّ وجماعته.
وبينما رأى فريق من المسلمين ضرورة اتخاذ إجراء تأديبي تجاه هذا التمرد الخطير، فإن رسول الله 2 تجاهل تمردهم، وتركهم وشأنهم، واستمر في طريقه لمواجهة العدو.
ومرة أُخرى مارسوا نفس الدور في غزوة تبوك، حيث حشد رسول الله 2 جيشه لمواجهة الأخطار التي كانت تتهدد المسلمين من النصارى على حدود الجزيرة العربية طرف الشام؛ ليكون ذلك رسالة للروم الذين كانت تدور في أوساطهم فكرة اجتياح الجزيرة العربية للقضاء على الإسلام.
فكان أضخم جيش لرسول الله 2 يبلغ ثلاثين ألف مقاتل، وكان ذلك في فصل الصيف ذي الحرارة اللاهبة، وفي سنة مجدبة، لذلك أُطلق على تلك الغزوة اسم غزوة (العسرة).
وقد قام رسول الله 2 بتعبئة كبيرة في صفوف المسلمين لإنجاح هذا المسير، في المقابل كان المنافقون يقومون بدور مضاد، لتثبيط العزائم، ونجحوا في دفع بعض وحدات الجيش الإسلامي إلى التمرد والانسلاخ من المعسكر، وكان للجد بن قيس ـ من زعماء المنافقين ـ دور بارز في هذا السياق، وللتغطية على دوره الخياني استأذن رسول الله 2 في التخلف عن الجيش، فأجابه 2: قد أذنت لك. وكان عبدالله بن الجد بن قيس، وهو مؤمن صادق، قد عاتب أباه على تخلفه فأجابه أبوه: ما لي
وللخروج في الريح والحر والعسرة إلى بني الأصفر؟ والله ما آمن من بني الأصفر وأنا في منزلي!! ثم وجّه نداءً إلى قومه بني سلمة يحثهم على التخلف عن رسول الله 2.
أما عبدالله بن أُبيّ، فقد انخرط في الجيش، ثم انسحب مع جماعة كثيرة بغرض الإرباك، وعاد إلى المدينة متمنياً الهزيمة للمسلمين بقوله: يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟ والله لكأني أنظر إلى أصحابه غداً مقرنين بالحبال.
ولم يتخذ رسول الله أي إجراء ضدهم، بل لم تسمع منه كلمة لوم أو عتاب تجاههم.
إثارة الفتنة والنيل من القيادة
عند رجوع الجيش الإسلامي من غزوة بني المصطلق في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، حصل سوء تفاهم بين رجلين من المسلمين نتيجة التزاحم على الماء، أحدهما من المهاجرين، والآخر من الأنصار، فصاح كل منهما باسم جماعته لتنتصر له، كما هي أعرافهم في الجاهلية، فلما علم رسول الله 2 بذلك، بادر للحضور مستنكراً ما حدث قائلاً: ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها منتنة.. وانتهت الحادثة بتنازل الأنصاري المضروب عن حقه.
لكن عبدالله بن أُبيّ أراد اغتنام الفرصة لتأليب الأنصار على المهاجرين، وإثارة الفتنة، فكان يقول: ما رأيت كاليوم مذلة قط، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش هذه إلاّ كما قال الأول: (سمّن كلبك يأكلك) أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. مهدداً بإخراج رسول الله 2 والمهاجرين من المدينة. كما نقل ذلك الوحي:
>يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ< (المنافقون:8).
وصار يذكي في قومه روح العداء للمهاجرين قائلاً: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم دياركم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضاً للمنايا فقتلتم دونه ـ أي النبي 2 ـ فأيتمتم أولادكم، وقللتم وكثروا، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عند محمد!!
وقد نقل القرآن الكريم هذه المقولة بقول تعالى: >هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا< (المنافقون: 7).
أثارت هذه المقولات التحريضية والمسيئة للقيادة حفائظ المسلمين، وطلب عمر بن الخطاب من رسول الله 2 أن يسمح له بضرب عنق رأس النفاق عبدالله بن أُبيّ، قائلاً: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فرفض النبي 2 قائلاً: bدعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابهv().
فقال عمر: إن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر أنصارياً يقتله، فلم يوافق
النبي 2 على ذلك قائلاً: bإذن ترعد له أُنُفٌ كثيرة بيثربv، أي أنه سيغضب لقتله كثيرون من قومه().
فجاء عبدالله بن عبدالله بن أُبيّ، وكان مؤمناً صادقاً إلى رسول الله 2 فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أُبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرَّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أُبيّ يمشي بين الناس، فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر، فأدخل النار. فقال 2: bبل، نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معناv().
يهود بني قينقاع تقع منازلهم داخل المدينة، وقد عقد معهم النبي 2 معاهدة سلام، على أن لا يمسوا المسلمين بسوء، ولا يمدوا يدَ عونٍ لأعدائهم، لكنهم لم يلتزموا بالعهد، وصاروا يستفزّون المسلمين ويؤذونهم، ونصحهم رسول الله 2 وحذّرهم، فلم يرتدعوا، وظهرت معالم استعدادهم لمواجهة المسلمين، فبادر
النبي 2 لحصارهم منتصف شهر شوال من السنة الثانية للهجرة، فاعتصموا بحصونهم خمس عشرة ليلة، ثم فاوضوا على الاستسلام دون قيد أو شرط.
وكان عبدالله بن أُبيّ يراهن على صمود بني قينقاع ومواجهتهم للنبي 2، فلما رأى استسلامهم خابت آماله، لكنه طلب من النبي 2 العفو العام عنهم، باعتبارهم حلفاء الخزرج قبل الإسلام، قائلاً: يا محمد أحسن في مواليّ.
وغضب رسول الله 2 حتى رأوا لوجهه ظُللاً، ثم قال: bويحك! أرسلني!v.
قال ابن أُبي: لا والله لا أرسلك _ لا أدعك _ حتى تحسن في مواليّ، أربع مئة حاسر _ أي لا درع له ـ وثلاث مئة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، وإني والله امرؤ أخشى الدوائر!
فاستجاب لطلبه الملحّ، وعفا عنهم ليخرجوا جميعهم من يثرب سالمين.
بعد أن اكتشف المسلمون مؤامرة يهود بني النضير لاغتيال رسول الله 2، أنذرهم النبي 2 بالجلاء عن المدينة، وبدأ الاستعداد لمحاصرتهم، فبادر بعض المنافقين من بني عوف، وفيهم عبدالله بن أُبيّ، بالكتابة إلى بني النضير ضمن رسالة مستعجلة جاء فيها: «إن محمداً سائر إليكم فخذوا حذركم، وأدخلوا أموالكم حصونكم، واخرجوا لقتاله، ولا تخافوا منه، إن عددكم كثير، وقوم محمد شرذمة قليلون عزّل لا سلاح معهم إلا القليل».
واستمر تواصلهم لتحريض بني النضير على المواجهة والصمود، مبدين تعاطفهم وتضامنهم معهم، وقد فضح الوحي موقفهم، حيث نزل قوله تعالى:
>أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ< (الحشر: 11).
ولم يتخذ رسول الله 2 أي إجراء ضد هؤلاء المنافقين، مع اطلاعه على موقفهم الخياني.
بعد أن حقق الجيش الإسلامي انتصاره الكبير في غزوة تبوك، تآمر بعض المنافقين لتصفية رسول الله 2 في طريق عودته إلى المدينة، وكانت خطتهم أن يعملوا على تنفير ناقة رسول الله 2 التي يركبها، حين يكون على موقع مرتفع، لتسقط به في بطن الوادي، واختاروا عقبة تشرف على وادٍ سحيق، كموضع للتنفيذ، في ظلام الليل، ليبدو الأمر كأنه حادث طبيعي.
وعلم رسول الله 2 بمؤامرتهم، فأمر الجيش بتغيير اتجاه سيره ليسلك الوادي، وانفرد الرسول 2 مع ثلاثة من أصحابه ليعبروا تلك العقبة.
فغيّر المنافقون خطتهم منتدبين ثلاثة عشر منهم، كانوا ملثمين لتنفيذ المؤامرة، لكن رسول الله 2 اكتشفهم أيضاً، وأمر من معه وهو حذيفة بن اليمان بمهاجمتهم، فهربوا واختلطوا بالجيش حتى لا يعرفهم أحد.
وأخبر رسول الله 2 حذيفة بما كانوا تمالؤوا عليه، وسماهم له، وأمره بالكتمان، فقال: يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم؟
وحينما علم زعيم الأوس أسيد بن حضير بما حصل، قال لرسول الله 2: مر كل بطن ـ أي كل فرع من قبيلة ـ أن يقتل الرجل الذي همّ بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وإن أحببت والذي بعثك بالحق، فنبئني بهم، فلا تبرح حتى آتيك برؤوسهم، فإن مثل هؤلاء يُتركون يا رسول الله؟! حتى متى نداهنهم وقد صاروا اليوم في القلّة والذلة، وضرب الإسلام بجرانه، فما يستبق من هؤلاء؟
فقال رسول الله 2 لأسيد: bإني أكره أن يقول الناس: إن محمداً لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه!v.
فقال أسيد: يا رسول الله فهؤلاء ليسوا بأصحاب!
بعد غزوة تبوك توطدت قوة الإسلام، وتضاءل ـ تبعاً لذلك ـ تأثير المنافقين، لكن رسول الله 2 استمر في سياسته الحكيمة بالتعامل بأعلى درجات المرونة والتسامح معهم، فقد مرض رأس النفاق عبدالله بن أُبيّ، فجاء ولده عبدالله إلى النبي 2 وأبوه يجود بنفسه، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، إنك إن لم تأت أبي عائداً كان ذلك عاراً علينا.
فاستجاب رسول الله 2 وقام إلى عيادته، فدخل عليه وعنده جمع من المنافقين، فقال ابنه عبدالله: يا رسول الله استغفر له، فاستغفر له.
فقال عمر: ألم ينهك الله يا رسول الله؟
قال الواقدي: mومرض عبدالله بن أُبيّ في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسول الله 2 يعوده فيها، فلما كان اليوم الذي مات فيه، دخل عليه رسول الله 2، وهو يجود بنفسه.
فقال ابن أُبيّ: أبغضهم سعد بن زرارة، فما نفعه؟
ثم قال: يا رسول الله ليس بحين عتاب! هو الموت، فإن مت فاحضر غسلي وأعطني قميصك أُكفّن فيه. فأعطاه قميصه الأعلى، وكان عليه قميصان.
فقال ابن أُبيّ: الذي يلي جلدك. فنزع رسول الله 2 قميصه الذي يلي جلده فأعطاه.
ثم قال: صل عليّ واستغفر لي. فحضر رسول الله 2 غسله، وحضر كفنه، ثم حمل إلى موضع الجنائز، فتقدم رسول الله 2 ليصلي عليه، فلما قام وثب إليه عمر بن الخطاب, فقال: يا رسول الله، أتصلي على ابن أُبيّ وقد قال يوم كذا كذا، ويوم كذا كذا؟ فعدّ عليه قوله.
فتبسم النبي 2 وقال: bأخِّر عني يا عمر!v، فلما أكثر عليه عمر قال 2: bإني قد خيّرت فاخترت، ولو أعلم أني إذا زدت على السبعين غُفر له زدت عليهاv، وهو قوله عزّ وجلّ: >اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ<»().
وروي عنه 2 أنه قال: bما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله، والله إن كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومهv. وروي أنه أسلم بعد موته ألف من قومه لما رأوا تبرّكه بقميص النبي 2. وفي هذا ـ كما يقول النووي ـ بيان عظيم مكارم أخلاق النبي 2، فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء، وقابله بالحسنى، فألبسه قميصه وصلى عليه واستغفر له().
واجه رسول الله 2 لوناً آخر من الإساءات لشخصيته وموقعه القيادي، ومن المخالفات لقراراته وأوامره الدينية والسياسية، كانت تصدر من أفراد غير منتمين لتيار مناوئ كالمنافقين، وإنما هي نابعة من الجهل، أو الانفعال، أو الأغراض الشخصية، وبعض تلك الإساءات كانت شديدة تنال من مقام رسول الله 2، وتشكك في نزاهته، كما أن بعض المخالفات كانت ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى، لكن رسول الله 2 استقبل كل تلك الإساءات والمخالفات بسعة صدر مذهلة، واستوعب أصحابها بحلم وأناة لا مثيل لها من قائد في التاريخ. ولم يستخدم القمع والعنف في أية حالة من تلك الحالات، رغم توفر الأسباب والمبررات، ورغم إلحاح بعض من حوله من الأصحاب على ذلك، إلاّ أنه 2 التزم نهج السلم، ورجّح سياسة العفو.
وفيما يلي ننقل بعض النماذج والشواهد:
حينما عزم رسول الله 2 على فتح مكة، أحاط قراره بالكتمان الشديد، حتى لا تكون لقريش فرصة للاستعداد والتعبئة، وحشد 2 المسلمين دون أن يخبرهم بجهة قصده، بل بعث سرية عسكرية إلى ناحية نجد للتعمية والتمويه. ووضع حراسة على الطرق المؤدية إلى مكة حتى لا يتسرب أشخاص مشبوهون ينقلون الأخبار.
مع هذا الحرص الشديد على الكتمان لإنجاح الخطة، فإن أحد الأصحاب من المهاجرين من أهالي مكة، وهو حاطب بن أبي بلتعة، علم بطريقة خاصة عن قصد رسول الله 2، فبادر بالكتابة إلى زعماء مكة بما نصه: «إن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد بكتابي إليكم» واستأجر لإيصاله امرأة دفع لها مبلغاً من المال، وأخفت الكتاب بين شعر رأسها، واتجهت سريعاً نحو مكة.
هبط الوحي على رسول الله 2 يخبره بذلك، فبعث 2 علياً والزبير، وقال لهما: bأدركا امرأة قد بعث معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهمv.
فأسرعا حتى أدركاها في الطريق، وأنكرت الأمر في البداية، ثم هدّداها فاعترفت وسلمت لهما الرسالة، فتركاها ولم يتخذا أي إجراء ضدها، كما أمر رسول الله 2، وجاءا بالكتاب إلى رسول الله 2. فاستدعى حاطب، وقال له: bأتعرف هذا الكتاب؟v فلم ينكر، بل قال: نعم.
فقال 2: bما حملك على هذا؟v، فقال: والله إنني لمؤمن بالله ورسوله ما غيّرت ولا بدلت، ولكني كنت أمرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل. وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم وأهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فأحببت أن أتخذ فيهم يداً أحمي بها أهلي.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق. إلاّ أن النبي لم يوافق على اقتراح عمر، بل اتبع سبيل الصفح والعفو عن حاطب لمواقفه السابقة، وقال لأصحابه: bإنه قد صدقكم ولا تقولوا له إلاّ خيراًv().
هنا، لم تكن حسابات سياسية تمنع معاقبة حاطب، فهو لا ينتمي إلى تيار يُخشى، وليس له في المدينة قبيلة تراعى، وقد ارتكب خيانة عظمى، لكن نهج رسول الله 2 هو الصفح والعفو. بل، أعاد له الاعتبار حين أمر الأصحاب أن لا يقولوا له إلاّ خيراً.
لم يكن النبي 2 مجرد قائد يتمتع بالنزاهة والصدق، بل هو رسول من قبل الله تعالى، يؤمن به أتباعه كصلة بينهم وبين الله تعالى، يخبرهم عنه، وينقل لهم شرائعه.
من هنا، فإن أي تشكيك في نزاهة رسول الله 2 يناقض أساس العقيدة والدين، ويصطدم مع الثقة المطلقة التي يجب الإيمان بها في رسول الله 2.
وقد تجرأ بعض الأفراد على إعلان التشكيك في نزاهة رسول الله 2 عند بعض المواقف، لكنه 2 لم يتخذ تجاههم أي إجراء قمعي، ولم يستخدم العنف أبداً، بل اكتفى بالتأكيد على موقعيته الرسالية الثابتة.
1- جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال: أتى رجل رسول الله 2 بالجعرانة، منصرفه من حنين. وفي ثوب بلال فضة. ورسول الله 2 يقبض منها، يعطي الناس. فقال: يا محمد، إعدل!!
فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق.
2- وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله 2، من اليمن، بذهبة في أديم مقروظ. فقسمها بين أربعة نفر، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي 2 فقال: bألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءًv قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله، اتق الله.
فقال bويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللهv قال: ثم ولى الرجل. فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟
فقال 2: bلا، لعله أن يكون يصليv. قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
3- وجاء في السيرة النبوية أن رسول الله 2 قال لأصحابه قبل غزوة بدر: bإني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا ـ مع المشركين ـ كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب، عم رسول الله 2 فلا يقتله، فإنه إنما اُخرج مستكرهاًv.
فقال أبو حذيفة بن عتبة، وهو من المسلمين المهاجرين، لما بلغه قول رسول الله 2 ذلك: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا، ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنَّه السيف!!
قال: فبلغت رسول الله 2، فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟
فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه ـ أي أبا حذيفة ـ بالسيف، فوالله لقد نافق() . فرفض رسول الله 2 ذلك، ولم يسمح بأن يُمسّ أبوحذيفة بأي أذى.
4- وجاء في سنن الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: أُتي رسول الله 2 بمال، فقسمه، فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان: والله ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة، فتثبتُّ حين سمعتهما فأتيت رسول الله 2 وأخبرته، فاحمر وجهه وقال: bدعني عنك، فقد أُوذي موسى بأكثر من هذا فصبرv().
هذه السيرة النبوية العطرة كيف يجب أن يقرأها المسلمون؟
إنها ليست مجرد فضائل باهرة تزيدنا فخراً وإعجاباً برسول الله 2، ولا مجرد مواقف وصفات أخلاقية تتميز بها شخصيته الكريمة، بل يجب أن نقرأها كنهج لحياتنا الاجتماعية، وبرنامج لنظامنا السياسي.
فمن خلال هذه السيرة أراد رسول الله 2 أن يحدد معالم النظام السياسي لإدارة المجتمع الإسلامي، تلك الإدارة التي ترفض العنف لغة في التعامل مع الشعب، وتبني دولة اللاعنف، بحيث يجد الناس أمامهم فرصة التعبير عن آرائهم وأفكارهم، مهما كانت مخالفة لتوجه القيادة، دون أن يتعرضوا للتصفية أو التنكيل.
وما نراه الآن في واقع المجتمعات والاُمم المتقدمة، التي تضمن حرية الرأي لمواطنيها، وتوفر لهم فرص التعبير عن أفكارهم وتوجهاتهم السياسية، عبر الإعلام والمؤسسات والتجمعات السلمية، مهما كانت مخالفة لإرادة السلطة، إنما هو تطبيق معاصر لنهج سلكه رسول الله 2 قبل خمسة عشر قرناً بشكل أوفى وأكمل، وفي بيئة متأخرة متخلفة، قد ألفت الحروب والعنف، وانسجمت مع منطق القوة والسيف، باعتباره أفضل الوسائل والسبل للتعامل مع الرأي المضاد والموقف المخالف.
لذلك نقرأ إلحاح الأصحاب المحيطين برسول الله 2 على قمع أي معارض وضرب عنقه، دعني أضرب عنقه.. دعني أقتله. لكنه 2 رفض عنف الدولة، وأسس لدولة اللاعنف. مع أن الدولة الدينية أو الإيديولوجية بشكل عام عادة ما تكون أكثر شدة وعنفاً حسبما يسجل التاريخ.
بالطبع، نحن نعتقد أن تلك السياسة النبوية لا تنطلق من حالة ذاتية، وليست نابعة من قناعة فكرية شخصية عند رسول الله 2، أو ناتجة عن خلق نفسي خاص لديه 2، بل هي فوق ذلك شريعة إلهية، ووحي ربّاني، فإن خالق الناس هو الذي منحهم الحياة، وأنعم عليهم بنعمة العقل ليفكروا من خلاله، وأعطاهم القدرة على التعبير عن مكنونات أنفسهم وحركة عقولهم، كما يقول تعالى:
>خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ< (الرحمن: 3 ـ 4)، وبذلك فإنه تعالى لا يسمح لأحد أن يصادر من خلقه مِنَحه لهم، ونِعمه عليهم، إلاّ بمبرر قاطع واضح يقبله الخالق نفسه جلّ وعلا.
هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى، فإن الرسول محمداً 2، كان يدرك أنه يقوم بدور التأسيس والبناء لأُمّة يريد لها الله تعالى أن تكون خير أُمّة اُخرجت للناس، وهو يعلم أن سيرته الشريفة بما تشتمل عليه من أقوال وأفعال ستكون حجة ملزمة، وسنة شرعية، لذلك كان 2 حريصاً ومهتماً بحماية حقوق الناس، وحفظ كرامتهم، ورعاية مصالحهم، لتنتهج أُمّته نهج السلم الاجتماعي، ولتبتعد عن طريق القمع والعنف الداخلي، كما يقول تعالى: >رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ<، وكما حذر 2 أُمته من الانحدار إلى هوّة الاحتراب والعنف الداخلي، في أكثر من مورد.
ورد في صحيح البخاري عن أبي بكرة، عن النبي 2 قال: bأي شهر هذا؟ أليس ذا الحجة؟v. قلنا: بلى.
قال: bفإن دماءكم وأموالكم ـ قال محمد: واحسبه قال: وأعراضكم ـ عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم، وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلاَّلاً، يضرب بعضكم رقاب بعض، أَلا ليبلّغ الشاهد الغائبv، ثم قال: bألا هل بلغت، ألا هل بلغتv().
وعلى مستوى النتائج والآثار فإن ذلك النهج السلمي الذي سلكه رسول الله 2 هو الذي مكّنه من تحقيق انتصاره العظيم، وانجازه الحضاري الكبير، الفريد من نوعه في التاريخ، في مدة قياسية من الزمن، وبأقل قدر من الخسائر.
فلو استخدم رسول الله 2 العنف داخلياً، ومارس القمع تجاه المخالفين، لقاد ذلك إلى ردود فعل سلبية، على المستويات التالية:
أـ قد يزيد من تحدي المخالفين، ويدفعهم إلى تصعيد مناوءتهم، وبعضهم قد تكون مخالفته بسبب جهل أو انفعال وقتي، فإذا ما قوبل بالقوة والشدة فقد يدفعه ذلك إلى الإصرار والعناد، بينما كان حلم رسول الله 2 غالباً ما يدفع إلى التراجع والاعتذار، كما تنص على ذلك الشواهد الكثيرة. والقائد الحكيم كالأب الرحيم يريد صلاح ابنه وليس الانتقام منه.
إن بعض الدول حينما تسرعت في استخدام القمع تجاه معارضيها، دفعتهم لسلوك طريق العنف المضاد، مما يسلب أمن المجتمع، ويدخله في دوامة العنف والاضطراب.
ب ـ استخدام العنف يخلق حالة من التعاطف مع من يقع عليه، وخاصة في ذلك المجتمع الخاضع للعصبيات القبلية. بينما العفو والصفح، يعطي أثراً معاكساً، حيث يتوجه الآخرون باللوم والعتاب للمخالف، ويحمدون عفو المقتدر وصفحه. وهذا ما حصل في كثير من المواقف المذكورة في السيرة النبوية.
ج ـ سياسة العفو والتسامح وفّرت للدعوة الإسلامية، وللقيادة النبوية سمعة حسنة، ووجهاً مشرقاً أمام الرأي العام، مما ساعد على انتشار الإسلام، وإقبال الناس عليه، ودخولهم فيه أفواجاً، بينما لو تعامل رسول الله 2 بالشدة والعنف؛ لسبب ذلك تشويهاً لصورة الإسلام وشخصية النبي 2، وهذا ما كان يشير إليه 2 بقوله: bكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابهv.
لكن هذا النهج الحضاري الذي أرساه رسول الله 2 في إدارة المجتمع وممارسة الحكم والسلطة، تعرض لنكسات مؤسفة في وقت مبكر من تاريخ الأُمّة، بعد عهد الخلافة الراشدة، حيث شرع الحكام الذين جاؤوا بعد الخلافة الراشدة من أُمويين وعباسيين وغيرهم، سياسة القمع والعنف، وخالفوا نهج رسول الله 2 وخلفائه الراشدين في استيعاب الرأي الآخر، والرفق بالمعارضين والمخالفين.
ودخلت الأُمّة العربية والإسلامية نفق الاستبداد السياسي، وأخذتها دوامة العنف والعنف المضاد، إلى الوقت الحاضر مع تفاوت نسبي في الحالات بين الأزمنة والبلدان، فلا تكاد تجد عهداً يخلو من الثورات والانتفاضات وحالات التمرد.
وبينما طورت الأُمم الأُخرى تجاربها السياسية ـ الاجتماعية، وأصبحت تعيش حالة الاستقرار السياسي، والأنظمة الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، في حين بقيت أغلب بلاد المسلمين تعاني الاضطرابات والأزمات، وخاصة البلدان التي ابتليت بالانقلابات العسكرية، والحكومات الحزبية، والتي مارست بحق شعوبها أسوأ ألوان القمع والاستبداد، تحت مختلف الشعارات البراقة.
إن الرأي العام العالمي ينظر الآن إلى بلاد المسلمين باعتبارها خارج إطار عالم الحريات وحقوق الإنسان، وباعتبارها مسرحاً للعنف، ومصدراً للإرهاب، واندفعت مختلف الجهات الدولية لتقديم مشاريعها ووصفاتها لعلاج الواقع السقيم للعرب والمسلمين، كمشروع أمريكا للشرق الأوسط الكبير، والمشروع الاُوربي للإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.
إن البديل الصحيح لرفض هذه المشاريع الأجنبية، التي لا تخلو من المطامع والأغراض المشبوهة، هو العودة إلى النهج النبوي، والتأسي بسيرته الكريمة في نبذ العنف، وإرساء السلم الاجتماعي، وحماية الحقوق والحريات.
وكما أمرنا رسول الله 2 بأن نصلي كما كان يصلي لقوله 2: bصلوا كما رأيتموني اُصليv(). فإنه بالتأكيد يأمرنا أن نمارس الحكم والسلطة كما كان هو 2 يحكم ويدير، قال الله تعالى:
وقال تعالى:>مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا< (الحشر:7).
إن التحديات الكبيرة التي تواجهها الأُمّة لا تسمح لنا بالاسترسال في دوامة الصراعات الداخلية، فلا بدّ من التوافق والتراضي، ونبذ العنف وسيلة لحل الخلافات، واعتماد الحوار والنهج الديمقراطي السليم.
* * *
() ابن هشام، السيرة النبوية 3: 191.
() ابن منظور محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب 6: 694.
()محمد عزة دروزة، سيرة الرسول 2 2: 79.
() ابن هشام، السيرة النبوية 4: 173.
()مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، حديث رقم 2584/63.
() محمد أحمد باشميل، موسوعة الغزوات الكبرى، الأحزاب: 91.
() ابن هشام، السيرة النبوية 3: 320.
()محمد بن عمر بن واقد الواقدي، كتاب المغازي 3: 1043.
()محمد أحمد باشميل، موسوعة الغزوات الكبرى، تبوك: 158.
()المصدر السابق، فتح مكة: 91.
()مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، حديث رقم 1063.
() المصدر السابق، حديث رقم 1063/144.
() ابن هشام، السيرة النبوية 2: 240.
()محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم3896.
()محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم 5550.
() المصدر السابق، حديث رقم 631.