٢١ – ١ – ٢٠٢٥م
ورد في كتاب “أحاديث أمير المؤمنين عليّ عليه السلام برواية عبد العظيم الحسني، وبإملاء القاضي جعفر بن أحمد اليماني(573هـ)” وهو من مخطوطات الزيديّة، وقد حقّقه أخونا الفاضل المتتبّع الشيخ محمد العافي الخراساني حفظه الله.. ورد في هذا الكتاب عن أمير المؤمنين قوله لقيس بن سعد ـ لما قدم عليه من مصر ـ: «يا قيس، إنّ للمحن علامات (غايات) لا بدّ ينتهي (تنتهي) إليها، فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها، فإنّ مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادةٌ فيها». وتشبه هذه الرواية روايةٌ أخرى، نقلها صاحب كتاب “غرر الحكم” أيضاً جاء فيها: «إنّ للمحن غايات، وللغايات نهايات؛ فاصبروا لها حتى تبلغ نهاياتها».
الفكرة التي تقولها هذه الرواية ـ الحكمة، نجد لها أصداء في نصوص أهل البيت النبوي، ومن جملة أصدائها النقاشات التي وقعت بين الزيديّة وأنصار الإمامَين: الباقر والصادق، في القرن الثاني الهجري، حيث تضمّنت بعض النصوص خلافاً جوهريّاً بين رؤية الصادق ورؤية الزيديّة، فالصادق يعتبر أنّ للدول أعماراً، وأنّ مواجهتها في مقتبل عمرها ضربٌ من السذاجة، وأنّ المواجهة لا تكون إلا في لحظات تاريخيّة ومصيرية من عمر هذه الدولة، كي تكون المواجهة ناجحة، وقد تحدثتُ بالتفصيل عن هذا الموضوع في كتاب “فقه الحرب والسلم في الشريعة الإسلاميّة.”
اختلاف هذه الرؤية بين الباقرَين والكثير من الشيعة، تسبّب ـ في تلك الفترة ـ بانقسامات نعرفها جميعاً، لكن وَعَوْداً إلى أصل الرواية ـ الحكمة هنا، فإنّ الفكرة التي تريد قولها هي أنّ المصيبة إذا نزلت، والمحنة والعسر إذا حلّا، يفرضان على الإنسان الصبر، لتمرّ عاصفتهما؛ إذ لا بدّ لمسار الأمور أن يصل إلى لحظة معيّنة مناسبة، أمّا العناد والمكابرة والمواجهة المباشرة للمحنة في لحظة أوجها فربما تكون شجاعةً عبثيّة، وكلّ شجاعة لا تحكمها الحكمة فهي تهوّر، بل الرواية تشير إلى أنّ هذه المكابدة في لحظة إقبال المحنة قد تزيد في المحنة نفسها.
ولكنّ الصبر لا يفترض أن يعني الكسل والخمول، بل العمل بطريقة مختلفة تناسب الظرف والمرحلة.
وفّق الله جميع العاملين في مختلف الحقول للخدمة في سبيله، إنّه قريبٌ مجيب.