ربما لا نجد لمصطلح الإرهاب بمدلوله المعاصر إلا ما يقابله في القرآن الكريم من مصطلح ـ الفساد ـ في النفس والبدن والعمل والأشياء الخارجة عن الاستقامة ويضاده الإصلاح وقد اتصل ذلك في حديث القرآن عن فساد الملوك بغزواتها وفساد الدول بظلمها: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل / 34)

ومن ضروب الإرهاب في كيده إفساد البر والبحر وإهلاك الحرث والنسل , ومن ذلك حديث القرآن عن فساد بني إسرائيل في الأرض مرتين وأخطر من ذلك كله إرهاب النفاق الذي يفسد في الأرض ويستتر بشعارات التقوى والإصلاح: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة / 11)

ومن أعظم سيئاته تلك الإضغان التي تقطع ما أمر الله به أن يوصل: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد / 25)

وفي القرآن الكريم إلفات إلى خطر الجريمة والفساد على الأمن العالمي: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة / 32)

ولم أجد في فقه القصاص عقوبة أشد من عقوبة المفسدين في الأرض: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة / 33).

ومن فتنة هذا الإرهاب في منازعه الدينية الافتراء على الله كذباً باسم الإسلام وتزوير الجوهر الأخلاقي في روح الدين:

1ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الصف / 7)

2ـ (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ “) (النحل / 116)

ومن أسوأ رذائله الاستفزاز بتهجير الآمنين وطردهم من أرضهم وديارهم: (وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء / 76)

فلا ضمير يحاسبه ولا خلق ينهاه عن فعل الشر ولا رقيب يردعه عن المنكر ومن طبعه أن يطعن في دينه ودين الآخرين: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المائدة / 79)

والإرهاب هو الطغيان الذي يتجاوز الحد في العصيان وبذلك يصح وصفه بالطاغوت , وهو في اللغة القرآنية عبارة عن كل معتد صارف عن طريق الخير ولا حرمة عنده لكرامات الناس وحقوقهم: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (هود / 85)

وهو من قبل ومن بعد من المؤتفكات التي تصرف عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل , ومن الصدق في المقال إلى الكذب , ومن الجميل في الفعل إلى القبيح: (قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة / 30)

ومن علاماته البغي لأنه يتجاوز الخير والحق إلى زيغ المشتبهات وظلمتها: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى / 42)

ويجيء معناه في الظلم وهو في أصله وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو زيادة. وفي مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني: ظلمت الأرض: أي حفرتها ولم تكن موضعاً للحفر , وتلك الأرض يقال لها المظلومة , والتراب الذي يخرج منها ظليم:(يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الإنسان / 31).

وهو من مذمومات القرآن بصريح قوله تعالى: (غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة / 173)

أي غير طالب ما ليس طلبه ولا متجاوز لما رسم له , وفي بعض النصوص المفسرة: غير باغ على إمام ولا عاد في المعصية طريق الحق ومن صفته التكبر والتجبر: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر / 35)

وهو على تحريب أشبه ما يكون بد ريبة الحرباء تجوس في تلاوينها , وهو ختار في محاريفه وتحريفه لقيم الأرض والسماء حتى يكون خبالاً في اضطراب جنونه يميل إلى حزب الشيطان , ويسعى في خراب الأرض وعمارتها, فهو في تعبير القرآن أخرق يفعل الفعل السيئ من غير تدبر ولا تفكر , وبذلك فهو يعاكس الخلق الذي لا يستقيم إلا بتقدير ورفق. ومن سخط الله وغضبه على المفسدين أن خاطبهم بقوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة / 65)

استهانة بإنسانيتهم التي لم يحفظوها ولم يرعوا أمانتها فالرجس من طبعهم وعقولهم.

ولم يرد مصطلح الإرهاب بلغته القرآنية إلا بمعنى الاحتراز والامتناع عن الإرهاب بمصطلحه السياسي المتداول في قوله تعالى: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال / 60)

 وعدو الله هو المراوغ بجميع أشكال الظلم والفساد والعدوان , وهو الزعاّق الذي يفزع الناس بصياحه , وهو الزنيم الذي ينتسب إلى قوم باسمه , وينحرف عن قيمهم وأخلاقهم , فهو أسفع وساقط وسفيه وقد انسلخ عن مبادئ الناس , وشت عن جمعهم. فهو من الأشرار وقد غلبت عليه شقوته بسوء خلقه , فهو من المتشاكسين مع إصراره على الحنث العظيم: (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ) (الواقعة / 46)

في سياقات هذه الأمثلة نلتمس تعريف الإرهاب والإرهابيين في عصرنا وفي إطار الحالات التي ذكرناها من أطوار الإرهاب وعلاماته نقف على نوازعه بوصفه ظاهرة عالمية: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم 41).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email