حازم خيري
أول ما يسعى فكرنا الأنسني(2) إلى تثمينه، هو حق الإنسان، في كل زمان ومكان، في النضال من أجل الحقيقة، وعدم مشروعية ـ أو أخلاقية ـ مُصادرة هذا الحق، مهما كانت الذرائع والحجج! فالحرية هدية الله للبشر، وحرمانهم منها خطيئة! يُولد البشر أحراراً متساوين في الحقوق، وفي هدية الله لهم تكمن كرامتهم!
المفكرون الأنسنيون، في نضالهم الدؤوب والمُستدام، لا يُماثلون غيرهم من المفكرين الرائجة بضاعتهم، في انحيازاتهم الضيقة والمُبتذلة، فنراهم يهاجرون بفكرهم إلى أخوة إنسانية رحبة، تسمح لهم بتعرية السطو على الأديان، وكذا مناهضة الاتجار بآلام البشر! محبو الحقيقة منارات يهتدى الأحرار دوماً بنورها!
من منا مثلاً ينسى المارتينيكي فرانز فانون، ذلك الثائر الأنسني، الذى وهب حياته لتحرير الجزائر الطيبة، وهو ليس منها! وأوصى أن يُدفن في ثراها!
ومن منا أيضاً ينسى المفكر العملاق إدوارد سعيد، الذي انحاز لقضايا الضعفاء والمُهمشين، في وقت يُباهي الأخ "زويل" بكونه مُستشاراً لمن يُتاجر بأهله ووطنه(3)! لا لشيء إلا لنيله "جائزة"، وجدت بين الغربيين أنفسهم من يتعففها(4)!
ومن منا ينسى إقبال أحمد، المفكر الأنسني والأكاديمي الباكستاني المرموق! من ينسى هؤلاء وغيرهم من عشاق الحرية! وإذا نسيناهم، فمن نذكر؟!
على أية حال، لنبدأ رحلتنا مع موضوع بحثنا وهو: الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا الكسيرة، وكنت قد ألمحت في بحث سابق لي(5)، عنوانه "إشكالية الوافد والموروث في الثقافة العربية"، إلى أهمية تعهد هذه الظاهرة المؤرقة بالدراسة..
لا يخفى على أي مراقب لثقافتنا العربية في الآونة الأخيرة، أن الاهتمام بالطقوس الدينية، قد وصل إلى حد الهوس، ولاسيما في العقدين الأخيرين، ولم يزل هذا الهوس المُخيف في ازدياد! نظرة سريعة على الشارع المصري، على سبيل المثال(6)، لا تترك لصاحبها فرصة للتردد في القول بأن الهوس بالطقوس الدينية في مجتمعاتنا، قد صار هو شغل الناس الشاغل! وأصبح يسيطر على كل مجالات حياتهم، ابتداء من تحيتهم وحتى التضحية بحياتهم، على نحو ما نرى..
فبمجرد أن تطأ قدماك الشارع، في بلادي، تسمع أذناك وترى عيناك تأثير الهوس الطقوسي في ملبس الناس ولغتهم، في مظهرهم وأفكارهم، في أنشطتهم وأوجه إنفاقهم. وإذا ركبت "سيارة أجرة" تجد السائق يستمع لعظة ومظهره وردوده تشي بالهوس الطقوسي! وعندما تسمع رغماً عنك أحاديث الراكبين معك في القطار أو حتى "رنات" تليفوناتهم المحمولة، تجد بصمة الهوس الطقوسي عميقة!
هوس مُضحك ومُبك! يزيد من كارثيته كونه مجرد قشرة، يلمس من يخدشها، انحطاطاً أخلاقياً مُخيفاً! هذه المقالة، أناقش فيها هذا الواقع الكارثي، في ضوء رؤيتي للفكرالأنسني، على أمل الاسهام في تمزيق ستائر الصمت المُسدلة..
قارئي الكريم، ثمة مسألة مُلحة أود الاشارة إليها قبل المضي قُدماً في تشريح الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا! أقصد حاجتنا المُزمنة لمعرفة المزيد عن الحضارة الاسلامية ـ بما فيها ثقافتنا العربية الاسلامية ـ، والتى تضرب بجذورها في أعماق التاريخ(7)! فالحاصل هو أن أغلب الجهود الجادة التى تُعنى بالدراسة النقدية لحضارتنا الأم، لا ينتمي أصحابها لهذه الحضارة(8)، وهو ما يُجبر أمثالي على اللجوء للدراسات الاستشراقية، لا لشيء إلا لكونها الأهم والأكثر استحقاقاً للتثمين! أقول إن هذه الدراسات هي الأهم والأكثر استحقاقاً للتثمين، رغم قناعتي المتنامية بالتآمر الجبان لكثير من المستشرقين الغربيين وسعيهم الآثم للتمكين لحضارتهم، على نحو ما يُحذرنا إدوارد سعيد في رائعته "الاستشراق"(9)!
وليس لك قارئي الكريم أن تتسرع، فتعزو استيائي من هؤلاء المستشرقين إلى هتكهم، في أحيان كثيرة(10)، لستر بعض الأمور المسكوت عنها في حضارتنا! على العكس، قد تكون هذه ـ وتلك هي المفارقة ـ حسنتهم الوحيدة!
استيائي إنما ينبع من تعمدهم الآثم اثارة انزجار أبناء حضارتنا، فينفروا من النور إلى الظلمة، ومن الحرية إلى العبودية! شعوبنا ـ ويالشقائها ـ تُدفع بدم بارد إلى المكان الذى لا ينبغي لها، ولا يليق بها، التواجد فيه! تلك هي المؤامرة!
والسؤال: لماذا لا نتمتع نحن أبناء الحضارة الاسلامية في دراستنا لحضارتنا بحرية النقد، لا النقض(الهدم)، التي يتمتع بها غيرنا من أبناء الحضارات الأخرى، خاصة الغربية، عند دراستهم لحضارتنا؟! لماذا يُراد لنا أن نظل في احتياج مُذل لمن يكشف لنا أسرار حضارتنا؟! لماذا تُترك مفاتيح تاريخنا في يد غيرنا ليتلاعب به وبنا كيفما شاء، في وقت نُحرم نحن أبناء الحضارة الاسلامية من إمتلاك هذه المفاتيح، بزعم الحفاظ على القداسة والخصوصية؟!
أي خصوصية هذه، والمستشرق الغربي يعرف عن حضارتنا الاسلامية أكثر مما نعرفه نحن أبناء الحضارة نفسها؟! أي خصوصية هذه، وأبناء حضارتنا الاسلامية يعبرون البحار والمحيطات ليطلبوا عند غيرهم أصول حضارتهم؟! أي خصوصية هذه، وأبناء حضارتنا يُحال بينهم وبين نقد، ولا أقول نقض، حضارتهم؟! وكيف لأبناء حضارتنا الاسلامية أن يُطوروا ويُثمنوا ما يجهلونه؟!
على أية حال، لنمض قُدماً في تشريح الانحطاط الأخلاقي لمجتمعاتنا العربية المتخلفة، وليتسم تعاطينا(الاضطراري) مع الدراسات الاستشراقية بالحذر!
أعني بالثقافة العربية هنا طريقة الحياة الشاملة التى يأخذ بها أبناء عالمنا العربي، على اختلاف مشاربهم الدينية أو اللغوية أو السلالية! مع احترامي وتثميني للتفاوت القائم(والمنطقي)، في ارتباط أبناء أوطاننا، بهذه الثقافة السائدة..
كانت صحراء العرب في الماضي مجالاً تنتقل بين أنحائه قبائل بدوية مستقلة، وكان هؤلاء البدو يُرسلون عقولهم الحرة في تأمل عالمهم الرتيب، حيث كان شن الغارات أكثر ما يستلفت النظر، وكانت الذخيرة الفكرية عندهم ما تتوارثه القبيلة جيلاً بعد جيل! بيد أن الرقي المعرفي لم يرتفع له شأن بينهم إلا بأطراف تلك الصحراء، حيث قامت دول منظمة كثيراً ما كانت تعاني غارات أولئك البدو!
وهكذا كانت الحال في الجنوب حيث امتد الأجل بمملكة سبأ القديمة إلى ما بعد المسيح تحت سيادة الأحباش أو الفرس. وفي الغرب كانت تقع مكة والمدينة(يثرب) على طريق تجاري قديم. وكانت مكة، بوجه خاص، نظراً لسوقها ولوقوعها في كنف البيت الحرام، مركزاً لحركة تجارية قوية. أما في الشمال، فقد نشأت مملكتان من العرب كان لهم شطر السيادة: إمارة الغساسنة في الشام على تخوم الروم، وإمارة اللخميين في الحيرة على تخوم الفرس! هكذا كانت الخريطة!
على أن مظهراً من مظاهر الوحدة في الأمة العربية كان يتجلى في لغتها وشعرها! واختلفت الآراء حول ما إذأ كان الحكام وقتها هم أهل الفكر أم الشعراء! فقصائد الشعراء الساحرة ـ بحسب دي بور ـ كانت تنزل منزلة وحي الكهانة، ولاسيما عند قبائلهم، بل إن تأثير الشعراء كثيراً ما كان يتعدى حدود القبائل(11)!
ظهور الإسلام بين العرب لم يكن سبباً في قطع الصلة تماماً بينهم وبين ميراثهم الثقافي، فالنبي محمد(ص) لم يلبث أن اضطلع بنقد وتطوير هذا الميراث، على نحو راديكالي، في أحيان كثيرة، كما في العبادات وفي كثير من السلوكيات!
جاء الإسلام بعقيدة جديدة جوهرها التوحيد، أي عبادة الله الذي لا اله غيره. وانطوت العقيدة الجديدة على إقامة الإنسان المسلم شعائر بعينها، تقرباً منه لله وتضرعاً منه إليه. وفى مقابل هذا الرفض الإسلامي القاطع للعبادات العربية السائدة آنذاك، تراوح التعاطي الاسلامي مع السلوكيات العربية بين الرفض القاطع والقبول الصريح. الرفض القاطع لأمور بعينها كالزنا والخمر والميسر، والقبول الصريح لأمور بعينها كمبدأ تعدد الزوجات، رغم جعله مشروطا. وبين الرفض القاطع والقبول الصريح، اتسم التعاطي الاسلامي بما يعتبره البعض غموضاً نسبياً في أمور بعينها، كطبيعة النظام السياسي للدولة واسترقاق الإنسان لأخيه الإنسان!
قارئي الكريم، أراني قانعاً بوجوب تجاوز الحديث(التقليدي) عن ظهور الاسلام وانتشاره خارج حدود الصحراء! فالمناهج التعليمية في أوطاننا، لا تدخر جهداً في هذا الصدد! الملاحظات التالية استبدلها بالحديث(التقليدي) المُشار إليه:
الإسلام ليس مجرد نظام من العقائد والعبادات، إنه أرحب من ذلك كثيراً، هو حضارة كاملة! ولو بحثنا عن لفظ مقابل له لقلنا العالم المسيحي ولم نقل المسيحية، ولقلنا الصين بدل أن نقول ديانة كونفوشيوس! يشمل الاسلام مزيجاً كاملاً من الثقافات التى نمت حول الأصل الديني أو ارتبطت به في معظم الأحوال مع تعديل قليل أو كثير. فهو مزيج ذو خصائص يتميز بها في تكوينه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفي تصوره للقانون وفي نظرته الخلقية ونزعاته العقلية وأساليبه في الفكر والعمل، وهو بعد يضم عدداً عظيماً من الشعوب المختلفة في الجنس واللغة والخلق والتراث الموروث، غير أنها على اختلافها مرتبطة لا بوشيجة الأصل الديني فحسب، ولكنها ترتبط ارتباطاً أشد قوة بتشاركها في حضارة واحدة(12)!
الحاصل هو أن الاسلام(كحضارة كاملة) يُعامل مُعاملة الأصل الديني، وهنا تكمن الكارثة!! لأنه إن اعتُرف للأصل الديني، وأنا أفعل بالطبع، بالحُرمة والقداسة، فلا يجوز ولا ينبغي للإسلام(كحضارة كاملة)، أن يحظى بالامتياز نفسه، بل يجب أن يُثمن من جانب أبنائه، ليعود إلى التاريخ..
وأراني لا أقصد بالأصل الديني للإسلام سوى الأمور الواردة في تعريف المعجم الفلسفى للأديان، فطبقاً للمعجم نفسه، يتصف أى دين بما يأتى(13):
أولا: ممارسة شعائر وطقوس معينة.
ثانيا: الاعتقاد فى قيمة مطلقة لا تعدلها أية قيمة أخرى.
ثالثا: ارتباط الفرد بقوة روحية عليا، قد تكون متكثرة أو أحادية.
وعليه، لا يصح أن تنسحب القداسة التى نعترف بها للأصل الديني على أمور هي من صميم الإسلام كحضارة كاملة، أعني التاريخ والسياسة والقانون والأخلاق والفن..إلخ! أمور حياتية كهذه لا يصح أن تُشفر ضد النقد والتطوير! فحياة الإنسان في حراك دائم، ومن يحلم بتأبيد اللحظة يُراود المستحيل، ويُورث نفسه وأبناء حضارته الهوان! ولنتعظ بمأساتنا!
ترتب على الخلط الشائع والمُزمن بين الأصل الديني للاسلام(منظومة العقائد والعبادات)، وبين الاسلام كحضارة كاملة نشأت وتطورت في كنف هذا الأصل الديني المُشار إليه تواً، تشوه صورة الأصل الديني للاسلام في عيون الكثيرين، داخل الحضارة الاسلامية وخارجها، على نحو ما نرى!
من ناحية المبدأ لا يوجد في الاسلام كهنوت او كنيسة(كما في المسيحية)، فالأئمة مجرد قادة يئمون الصلاة، والعلماء، عارفون بالتعاليم الدينية والشرعية، لكن دون مركز كهنوتى لهم، والجامع نظرياً هو مكان بكل بساطة! كان الأمر هكذا في المراحل المبكرة من تاريخ الاسلام، لكن مع مرور الزمن، اكتسب الأئمة والعلماء تدريباً مهنياً وشهادة، واصبحوا، بالمعنى الاجتماعي إذا لم يكن بالمعنى الديني، طبقة رجال دين، بدون أسرار كهنوتية! بقي الجامع عبارة عن بناء، لكن العلماء جمعوا أنفسهم في تراتبيات، فيها صفوف عليا وصفوف دنيا(14). واضطلعوا بتأويل الشرع(القانون المقدس) والوصاية عليه. المكانة والتأثير وأحياناً الثروة، كلها مغانم، يرفل هؤلاء الكهنة في غلائلها! إنهم دكاترة القانون المقدس!
الاسلام(كحضارة كاملة) نشأ وتطور في كنف الأصل الديني للاسلام، كما ذكرت، ومن ثم تدين ثقافتنا العربية الاسلامية، بوصفها رأس الزاوية في الحضارة الاسلامية، في نشأتها إلى هذا الأصل الديني للاسلام، فهو الذى أكسب أبناء هذه الثقافة هويتهم، وساهم بقوة في صياغة طريقة حياتهم! الدين(أعني الأصل الديني للاسلام وأديان أخرى كالمسيحية)، يُعد ـ بحق ـ الطريق الأكثر شيوعاً وأُلفة أمام أبناء ثقافتنا العربية، لنُشدان الحقيقة!
ساعد على هذا، افتقاد ثقافتنا العربية، وعلى خلاف ثقافات أخرى، كالثقافات الأوروبية، لظهير فلسفي يُعتد به! بمعنى أن أبناء ثقافتنا العربية لم يمروا بتجربة "النقاء الفلسفي"، فالشعوب العربية قبل الاسلام لم تعرف الفلسفة! أضف إلى ذلك الافتقاد الشديد للأجواء المواتية للنضال من أجل الحقيقة في ربوعنا! يُروى أن أحد الفلاسفة وقع سجيناً فأراد رجل أن يشتريه ويسترقه، فسأله: لأى عمل تصلح؟ فأجاب: أصلح لأن أكون حراً!
9. لا يعني ذلك بطبيعة الحال أن حضارتنا الاسلامية، وثقافتنا العربية الاسلامية بصفة خاصة، لم تعرف التفلسف! فالتاريخ الاسلامي يخبرنا أن في الحضارة الاسلامية رجال كثيرون لم يستطيعوا أن يردوا أنفسهم عن التفلسف، خاصة مع انتشار الاسلام وتعرض أبناء حضارتنا لمفكرين ينتمون لثقافات متميزة في تناولها للتساؤلات الأساسية عن الحياة والوجود! وفلاسفتنا، وإن اتشح أغلبهم برداء اليونان، فإن رداء اليونان لا يُخفي ملامحهم الخاصة! ولا يُخفي كونهم مدرسة فلسفية تتحسس طريقها(15)!
10.كثيراً ما يُقال إن الغزالي قضى على الفلسفة في الحضارة الاسلامية قضاءً مُبرماً(16)، لم تقم لها بعده قائمة، وهو قول أراني أقره! غير أني أزيد عليه أن الغزالي بمواقفه الكارهة والمناهضة لحق أبنا حضارتنا الاسلامية في التفلسف(النضال من أجل الحقيقة)، يُؤرخ على الأرجح لميلاد "فلسفة الضرار"! وأعني بها الفلسفة حين تتنكب لمهمتها، وينتهي بها الأمر إلى التهافت في دوجماطيقية، في معرفةٍ موضوعة في صيغ، نهائية كاملة، تنتقل من واحد إلى آخر بالتعليم! فلسفة الضرار تُصيب هدفين(17): أولاً، إضعاف قيمة وأهمية نُشدان الحقيقة. وثانياً، إشاعة العُقم الفلسفي، فأقصى ما يستطيعه فلاسفة الضرار هو فهم الفلسفات القائمة والتشدق بمقولاتها!
11.صفوة القول، إن الحضارة الاسلامية، ومنها ثقافتنا العربية، لا تقف غالباً حجر عثرة في سبيل تطوير العلوم(كالطب والفلك والذرة..الخ)، بدافع المنفعة العملية وحدها في أغلب الأحيان، ولكونها معنية بالمادة، وليس بنقد وتطوير ثقافة الانسان(18)، أما الانسانيات(كالفلسفة، والتاريخ، والسياسة، والفن، والأخلاق،..الخ)، فهي محفوفة بالتحريم، كونها معنية بالإنسان!!
الأخلاق القائمة في عالمنا العربي، نشأت وتطورت في كنف الأصل الديني للاسلام(وأديان أخرى كالمسيحية)، وذلك لسببين: أولهما، كون الدين(أعني الأصل الديني للاسلام وأديان أخرى كالمسيحية)، الطريق الأكثر شيوعاً وأُلفة أمام أبناء ثقافتنا لنُشدان الحقيقة! ثانياً، الأخلاق جزء أصيل من الاسلام(كحضارة كاملة)!
إلى هنا ولا مشكلة! الكارثة هي أن ميدان الأخلاق في عالمنا العربي يتمتع بامتياز الحُرمة والقداسة الذى يُعترف به كحق أصيل لـ(الأصل الديني للاسلام والأديان الأخرى)، وعليه لا يُستفاد من الجهد الفلسفي، في هذا الميدان الحيوي!
يحدث هذا، رغم الاختلاف الواضح بين ميدان الأخلاق، من حيث انفتاحه للنقد والتطوير، وبين الطبيعة المكتملة والمقدسة لـ(الأصل الديني للاسلام والأديان الأخرى)! والسؤال: إلاما الاعتماد على الوازع الديني وحده في التمكين لمكارم الأخلاق؟! ولماذا لا يُستعان بالفلسفة أيضاً لـ: 1ـ ضمان احتفاظ التربية الأخلاقية بزخمها وراهنيتها. 2ـ مناهضة الهوس بالطقوس الدينية. 3ـ مناهضة استخدام الطقوس كبديل لمكارم الأخلاق. 4ـ مناهضة استخدام الطقوس كغطاء.
قارئي الكريم، أراني لا أنكر كون الوازع الديني، الذى هو بحق ثمرة حُلوة للأديان، في كل زمان ومكان، خطوة هائلة على طريق التمكين لمكارم الأخلاق في حياة الانسان على الأرض، لكنه ليس ـ ويالحكمة الله ـ، ولا ينبغي له، أن يكون الخطوة الوحيدة أو الأخيرة، على طريق نُشدان الانسان ـ ولا أقول ادراكه ـ للكمال الأخلاقي! صحيح أن الوازع الديني هو الأكثر تأثيراً في قلوب وعقول البسطاء، في مجتمعاتنا الكسيرة! إذ يكفى لتحريكه أن تُذكر أهوال ما بعد الحياة!
غير أننا في العالم العربي، نكون من السذاجة بمكان، إن نحن أسرفنا في الاعتماد على الوازع الديني وحده في تزخيم التربية الأخلاقية! لا لشيء، إلا لبعد المسيرة الزمنية بيننا وبين موقظين عظام، كالنبي محمد والمسيح! والأهم سطو أخوة لنا على الأديان، وسعيهم للحيلولة دون تثمين أبناء أوطاننا الكسيرة لثورية هؤلاء العظام، عبر محاكاتهم، في نقدهم وتطويرهم، لثقافات نشأوا في كنفها..
دافعٌ آخر للقول بسذاجتنا إن نحن تمسكنا بالاعتماد على الوازع الديني وحده في تزخيم التربية الأخلاقية، يتمثل في التعقد المتنامي لشخصية الانسان ولظروفه الحياتية، على كافة الأصعدة! شعوبنا في حاجة لأكثر من تحديد المسالك الشرعية! إنها في حاجة لبناء وجدان أخلاقي، أعني بنية تحتية أخلاقية صلبة، قادرة على تمكينها من التعاطي الأخلاقي الكفء مع المُستجدات الحياتية المُتداخلة، وقادرة أيضاً على تمكينها من لجم الهوس بالطقوس الدينية، لا المُزايدة عليها!
عارٌ أن يُقتات بالفتوى! وآثم من يُسترق، وتُصادر كرامته، باسم الله!
إننا إذا اكتفينا بتلقين الإنسان في عالمنا العربي مجموعة من الأفكار الأخلاقية الشائعة التى تعيش عليها مجتمعاتنا منذ قرون، فقد نستطيع إلى حد ما أن نضمن حياة أخلاقية متوسطة لهذا الانسان. ولكن هذا لا يعدو ان يكون الحد الأدنى للحياة الأخلاقية، ولا تستطيع أمة أن تكتفي بذلك! ولكي تستطيع أمة كأمتنا الكسيرة أن تحيا حياة أخلاقية صحيحة فلا يكفي أن يبتعد السواد الأعظم من أبنائها عن اقتراف الآثام الوضيعة كالقتل والسرقة والاختلاس وما إلى ذلك. فالمجتمع الذى تسود العلاقات السليمة بين أفراده وينتفي فيه النزاع والمشاحنة، اذا اقتصر على ذلك وحده فانه لا يكون إلا في مستوى تافه من مستويات الحياة الأخلاقية!
اذ يجب أن يكون له فوق ذلك مثالاً أعلى يتوق إليه، يجب أن يضع أمامه خيراً يعمل على تحقيقه ويشترك بنصيب وافر فعال في زيادة تراث الانسانية الأخلاقي. فالتعطل يوسوس بالشر، وينطبق ذلك على الجماعات كما ينطبق على الأفراد سواء بسواء! فاذا لم يجد النشاط الفردي ما يشغله فانه ينقلب ضد نفسه!
وكذلك اذا ظلت القوى الأخلاقية في مجتمع ما خامدة بدون أن تُوجه نحو نشاط ما فانها تنحرف عن اتجاهها الأخلاقي وتُستخدم في صورة منحرفة ضارة. وكما أن الانسان تزيد حاجته للعمل كلما ارتقى في سلم المعرفة، فكذلك المجتمعات كلما ارتقى نظامها الأخلاقي والفكري وتعقد، ازداد شعورها بالحاجة لتزويد نشاطها المتزايد بغذاء جديد. مجتمعاتنا العربية لا تستطيع أن تقنع بما انتقل اليها من تراث أخلاقي! يجب أن تنقد وتُطوِر، وتفتح آفاقاً جديدة في هذا الميدان(19).
قد تكون الميزة الوحيدة للانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية، أن الباحث لا يجد صعوبة أو حتى حاجة لاثباته، فهو يتحدث عن نفسه، في جرأة!
لذا، أستأذنك قارئي الكريم في القفز مباشرة إلى مناقشة مدى إمكانية مناهضة الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا، خاصة وأنه يلتحف الهوس الطقوسي!
الحقيقة أن هناك إمكانية نظرية لمناهضة الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا، عبر تمكين محبي الحقيقة، أعني الفلاسفة، لا فلاسفة الضرار المُشار إليهم سلفاً، من الاسهام في نقد وتطوير ميدان الأخلاق، ومن ثم الاسهام في التمكين للرقي الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية، دون التخلي عن الوازع الديني، ودوره الأصيل!
لكن الأمر يختلف كثيراً على الصعيد العملي، إذ يعمد تجار الآلام من محترفي التبرير الديني، وفلاسفة الضرار، للتشكيك في إمكانية التثمين المتبادل أو مجرد التعايش السلمي، بين الجهد الفلسفي والوازع الديني، في ميدان الأخلاق! وليس لنا أن نتصور أن هذا التشكيك محض حماقة، وأن تجار الآلام، من محترفي التبرير الديني، وفلاسفة الضرار، وهم كُثرُ، مجرد مجموعات عشوائية، يُمكن أن يُنال منها بسهولة، وأن يُقوض نُفوذها وسُلطانها! لا، الأمر أعقد وأخطر بكثير!
تُجار الآلام من محترفي التبرير الديني، وفلاسفة الضرار، ليسوا إلا حلقة في سلسلة الآخرية العربية(20)! ومن الحماقة والغفلة رميهم بالعشوائية والتخلف!
أعني بالآخرية العربية هنا، النخب الحاكمة(بوصفها رأس الزاوية في الآخرية العربية)، ونخب الظل (أو النخب البديلة، ومعظمها يُجاهر بالسطو على الأديان)، والأخيرة هي الأكثر تكريساً لانحطاطنا الأخلاقي(21)، لأسباب منها:
استخدامها المُستدام واللاأخلاقي للاسلام(سواء كأصل ديني أو كحضارة كاملة)، في لعبة المُزايدة والمُناورة، وعدم وجود سقف لهذا الاستخدام! على خلاف النخب العربية الحاكمة، التى لا تُفرط في المُزايدة على ورقة الدين، فجرابها ملآن بأوراق، كالقومية العربية، والمصلحة الوطنية..الخ
مُجاهرتها بحتمية الخلط بين الأصل الديني للاسلام وبين الاسلام كحضارة كاملة، ومن ذلك ترويجها للربط بين الولاء للاسلام كديانة، والولاء للحاكم المسلم، في حين تكتفي النخب العربية الحاكمة بالتطبيق العملي لذلك!
طنطنتها بالوصاية على الاسلام كحضارة كاملة، ومناهضتها لمحاولات نقد وتطوير هذه الحضارة، بزعم صيانة وحماية الأصل الديني للاسلام! وهو نفس ما تفعله النخب الحاكمة في هدوء، عبر فلاسفة الضرار، ومحترفي التبرير الديني! فلهذه النخب أيضاً من يُدافع عن وصايتها على الاسلام..
تغلغلها وانتشارها في الشارع العربي، واستحواذها على تعاطف السُذج! ومن ذلك نجاحها المُبهر في إشاعة الهوس بالطقوس الدينية، واعتبارها إياه تظاهرة إسلامية، تُبرز قوتنا معشر المسلمين، ويُباهي بها الله ملائكته..
لا أخلاقية الغالبية العظمى من كوادرها، فغالباً ما يتم تصفية الشرفاء منهم على يد النخب الحاكمة، لرفضهم الدخول في لعبة المُزايدة والمساومة! تتشابه نخب الظل في لا أخلاقية الغالبية العظمى من كوادرها، مع النخب الحاكمة، بيد أن الاختلاف، ربما الوحيد، هو أن القاعدة العريضة الساذجة في نخب الظل(22)، تتأثر بكلمة "الدين"، بنفس القوة والحماسة، التى تتأثر بها القاعدة العريضة في النخب العربية الحاكمة بكلمتي "السلطة" و"المال"!
قارئي الكريم، ذكرت سلفاً قناعتي بوجود إمكانية نظرية لمناهضة الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا، عبر تمكين محبي الحقيقة، أعني الفلاسفة، من الاسهام في تزخيم التربية الأخلاقية، ومن ثم الاسهام في التمكين للرقي الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية، دون التخلي عن الوازع الديني، ودوره الأصيل! وهو أمر لا تمل الآخرية العربية/المحلية مناهضته والحيلولة دون حدوثه، ولسوف أجتهد في السطور التالية، لقراءة أفكار هذه الآخرية الآثمة في مناهضتها الدؤوبة والمُستدامة لاستعانة مجتمعاتنا بجهد محبي الحقيقة، في التمكين لمكارم الأخلاق.
لابد أن الآخر العربي/المحلي(المدعوم من الآخر العالمي والآخرالاقليمي)، يعي جيداً خطورة دعوتنا للاستعانة بالجهد الفلسفي في مكافحة جائحة الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية! يعي انطوائها على تهديد، لمكاسبه، بل لوجوده!
الاستعانة بالجهد الفلسفي، في تزخيم التربية الأخلاقية، تراه الآخرية العربية/المحلية، سابقة خطيرة، وغير مأمونة العواقب، كونه: 1ـ يفتح الطريق أمام شعوبنا للمطالبة بمساواتها ببقية شعوب الأرض، والسماح لها بالنضال من أجل الحقيقة، أي بالتفلسف! 2ـ يُمهد لزوال الحاجز النفسي أمام الاشتغال بالانسانيات(كالفلسفة، والتاريخ، والسياسة، والفن،..الخ)! 3ـ والأهم هو أنه يفتح أبواب الحرية أمام أبناء ثقافتنا العربية، لاستعادة حقهم المشروع في نقد وتطوير ثقافتهم! ربما لأول مرة، منذ بعثة النبي محمد(ص)، وميلاد حضارتنا الاسلامية!
وتلك أمور إن حدثت، ستُسفر بدورها عن تداعيات لا تقل عنها ثورية، كحرمان الآخرية العربية/المحلية، بنخبها الحاكمة والبديلة، من مواصلة السطو على الأديان، وعلى المشاعر الجماعية الأخرى، كالقومية العربية، وحب الوطن..
الآخرية العربية/المحلية، مُطالبة إذن بالدفاع عن مكاسبها، بل الدفاع عن وجودها! تخويف البسطاء على خصوصيتنا الثقافية، وميراثنا الأخلاقي، الضارب في أعماق التاريخ، سلاح رئيسي في حوزة الآخر العربي/المحلي، أظنه لن يُفلته!
إننا نولد وننشأ في بيئة ثقافية بعينها، لم نخترها، نظل أسرى لها، لسنوات طويلة، فطفولة الانسان واعتماده على أبويه، تظل هي الأطول والأكثر إرهاقا للأبوين، مقارنة بطفولة الحيوان، ولذلك حكمة بالطبع، وهي أنه مؤهل للاضطلاع بما لا يضطلع به الحيوان، وهو نقد وتطوير ثقافته، التي نشأ وعاش في كنفها!
يعني ذلك أن الانسان ينبغي له أن يُعد خلال سنوات اعتماده على أبويه، لهذه الفتوحات المُطالب بإحرازها في نقد وتطوير ثقافته، خاصة في شقها الأخلاقي! فضول الانسان الحاد ونزوعه الغريزي للاستكشاف، لا ينبغي وأده أو تسفيهه، وإنما نحن مُطالبون بتثمينه وتزخيمه، لئلا ينشأ الانسان عاجزاً عن نقد وتطوير ثقافته، فيعمد إما إلى الوقوع في عبودية التكرار التقليدي، أو انه يستبدل بثقافته التي نشأ في كنفها ثقافة أخرى، على نحو ما نرى في مجتمعاتنا المتخلفة!
أقول هذا لتعلم قارئي الكريم أن دعوتنا للاستعانة بالجهد الفلسفي، في تزخيم التربية الأخلاقية لشعوبنا، كفيل بلجم، بل محو، انحطاطنا الأخلاقي! وهو ما يعني تثمين خصوصيتنا الأخلاقية، لا التخلي عنها والذوبان في ميعان أخلاقي، يُناقض تراثنا الأخلاقي، لمجرد شيوعه في مجتمعات تسبقنا في الرقي المعرفي!
الحرية تعني العري، والشذوذ، والزنا، والتجديف في المقدسات، والانفلات الأخلاقي، وشيوع الموبقات! مُغالطات لم ينفك الآخر العربي الآثم يُروج لها..
سلاح آخر أتوقع أن الآخر العربي/المحلي، لن يتردد في استخدامه، كعادته دائماً، لتسفيه دعوتنا للاستعانة بالجهد الفلسفي في مكافحة جائحة الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية! سيزعم الآخر العربي/المحلي، أن الحل الوحيد هو تجديد الخطاب الديني، والتمكين لمكارم الأخلاق، عبر تقوية الوازع الديني!
مُزايدة رخيصة، لأسباب عديدة، أذكر منها: 1ـ أن تجديد الخطاب الديني، ينهض به، في الغالب، بحكم الضرورة العملية والواقع القائم، تُجار الآلام من محترفي التبرير الديني، وهم مجرد حلقة في سلسلة الآخرية الآثمة! 2ـ أن تجديد الخطاب الديني، لن يتجاوز بحال تقوية الوازع الديني لدى الأفراد، عبر استبدال الترغيب في إتباع المسالك الشرعية، بالترهيب والتخويف من عذابات يُذيقنا الله إياها. وهو ما يعني أن تظل البنية التحتية الأخلاقية، على خوائها الراهن. 3ـ أن تجديد الخطاب الديني، إن هو حدث، لا ينبغي له أن يجُب الاستعانة بالجهد الفلسفي في مكافحة جائحة الانحطاط الأخلاقي في مجتمعاتنا! لعدم وجود تعارض يُذكر، علاوة على إمكانية التثمين المتبادل بين الجهد الفلسفي والوازع الديني!
وأخيراً، قد يعمد الآخر العربي/المحلي، كعادته دوماً، إلى خلط الأوراق، فيُبدي عدم ممانعة لدعوتنا، ويعمل في الوقت نفسه على تفريغها من مضمونها، بأن يستعين بفلاسفة الضرار، رغم تهافتهم وعقمهم الفلسفي، على نحو ما يحدث في كثير من الأحيان، بهدف تضليل السُذج، وإيهامهم عدم محاربته للفلسفة..
فلاسفة الضرار كُثرُ في دوائرنا الفكرية والأكاديمية، غير أني لم أقع على جهد فلسفي، يرقى أو على الأقل يقترب في ثقله وزخمه المعرفي من جهود محبي الحقيقة(الفلاسفة)، في المجتمعات التي تسمح بالنضال من أجل الحقيقة(23)!
الضمير، والقيم الأخلاقية، والواجب، والفضيلة، والمسئولية والحرية، ومبادئ الحياة الأخلاقية، كلها صروح رائعة مهيبة! فلنبدأ بتشييدها في ربوعنا!
(1) اختتم الثائر الأنسني فرانز فانون كتابه القيم والمُمتع "بشرة سوداء..أقنعة بيضاء"، بمقولة رائعة ومُلهمة، هذا نصها: يا جسدي، اجعلني دائماً إنساناً يسأل! راجع: فرانز فانون، ترجمة خليل أحمد خليل، بشرة سوداء..أقنعة بيضاء، (الجزائر؛ بيروت: منشورات آنيب & دار الفارابي، 2004)، ص 246.
(2) المقصود بالفكر الأنسني هنا رؤيتي المقترحة له، وفيها لا تعني الأنسنية سوى أن يُحقق الإنسان، أي إنسان، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية..إلخ، أكبر قدر ممكن من التطابق بين أقواله وأفعاله، شريطة انطواء تلك الأقوال والأفعال على تثمين لقول الأنسنية بالإنسان كأعلى قيمة في الوجود، وهدفها الماثل في التمحيص النقدي للأشياء بما هي نتاج للعمل البشري وللطاقات البشرية، تحسباً لسوء القراءة وسوء التأويل البشريين للماضي الجمعي كما للحاضر الجمعي. وكذا شريطة وقوعها في إطار الخصائص العامة للأنسنية والتى تتمثل فيما يلي: 1ـ معيار التقويم هو الإنسان. 2ـ الإشادة بالعقل ورد التطور إلى ثورته الدائمة. 3ـ تثمين الطبيعة والتعاطي المتحضر معها. 4ـ القول بأن التقدم إنما يتم بالإنسان نفسه. 5ـ تأكيد النزعة الحسية الجمالية. للمزيد راجع للكاتب: مقالات في الفكر الأنسني، كتاب منشور على الانترنت.
(3) "أنا هنا كمستشار للرئيس الأمريكي ـ للعلوم والتكنولوجيا لمنطقة الشرق الأوسط ـ، ولن أجيب على أي أسئلة سياسية"، بهذه الكلمات رفض أحمد زويل، وهو أمريكي من أصول مصرية، مُنح جائزة نوبل في الفيزياء، الاجابة عن سؤال حول ما إذا كان سيرشح نفسه لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2011! راجع: جريدة المصري اليوم، 12/1/2010.
(4) مُنح الفيلسوف الفرنسي الشهير سارتر جائزة نوبل في الأدب عام 1964، ورفضها! راجع: جان بول سارتر، ترجمة أحمد عمر شاهين، صورة شخصية في السبعين، (القاهرة: دار شرقيات للنشر والتوزيع، 1995)، ص 131.
(6) يُركز الكاتب على الشارع المصري، لا لشيء إلا لكونه يعيش في مصر، ومعلوماته عنها أوفر بطبيعة الحال من معلوماته عن بقية المجتمعات العربية!
(7) لا يختلف مفهوم الحضارة عن نظيره الخاص بالثقافة كثيرا، فكلاهما يشير إلى طريقة حياة شعب معين، غير أن الحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع، أو بمعنى آخر هي أعلى تجمع ثقافي من البشر وأعرض مستوى من الهوية الثقافية يمكن أن يميز الإنسان عن الأنواع الأخرى. وهى تعرف بكل من العناصر الموضوعية العامة مثل اللغة، والتاريخ، والدين، والعادات، والمؤسسات، والتحقق الذاتي للبشر. وهناك مستويات للهوية لدى البشر، فساكن القاهرة قد يعرف نفسه بدرجات مختلفة من الاتساع: مصري، عربي، مسلم. والحضارة التي ينتمي إليها هي أعرض مستوى من التعريف يمكن أن يعرف به نفسه، أي أنها "نحن" الكبرى التي نشعر ثقافيا بداخلها أننا في بيتنا، في مقابل "هم" عند الآخرين خارجنا. وقد تضم الحضارات عددا كبيرا من البشر مثل الحضارة الصينية، أو عددا قليلا مثل الكاريبي الأنجلوفوني. وعلى مدى التاريخ وجدت جماعات صغيرة كثيرة ذات ثقافات مائزة وتفتقر إلى معين ثقافي أوسع لهويتها. وكانت الفروق تتحدد حسب الحجم والأهمية بين الحضارات الرئيسية والفرعية أو بين الحضارات الرئيسية والحضارات الجهيضة. وطبقا لهنتنجتون تتمثل الحضارات الرئيسية المعاصرة في الصينية، واليابانية، والهندية، والإسلامية، والغربية، والروسية الأرثوذوكسية، والأمريكية اللاتينية، فضلا عن الأفريقية. إلا أن الباحثين وإن اتفقوا بشكل عام في تحديدهم للحضارات الرئيسية في التاريخ وتلك الموجودة في العالم الحديث، فإنهم غالبا ما يختلفون على إجمالي الحضارات التي وُجدت في التاريخ. لمزيد من المعلومات راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 67 ـ 80.
(8) راجع في هذا الصدد: جان سوفاجيه وكلود كاين، ترجمة عبد الستار الحلوجي وعبد الوهاب علوب، مصادر دراسة التاريخ الاسلامي، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، رقم 31، 1998).
(9) إدوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، الاستشراق، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 2003). ـــــ، ترجمة وتحرير صبحي حديدي، تعقيبات على الاستشراق، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996). ـــــ، ترجمة كمال أبو ديب، الثقافة والامبريالية، (بيروت: دار الآداب، 1997).
(10) على سبيل المثال، راجع هذه الدراسة: تيودور نولدكه، ترجمة جورج تامر(وآخرين)، تاريخ القرآن، (بيروت: مؤسسة كونراد ـ أدناور، 2004).
(11) راجع: ت. ج. دي بور، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، تاريخ الفلسفة في الاسلام، (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، بدون تاريخ)، ص3ـ4. وراجع أيضاً: أدونيس، الشعرية العربية، (بيروت: دار الآداب، 1985).
(12) هـ. ا. ر. جب، "مقدمة للمشرف على التحرير"، في هـ. ا. ر. جب(محرر)، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، وجهة الاسلام ـ نظرة في الحركات الحديثة في العالم الاسلامي، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2009)، ص9.
(13) مراد وهبة، المعجم الفلسفي، (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1979)، ص199.
(14) برنارد لويس، ترجمة حسن كامل بحري، الهويات المتعددة للشرق الأوسط، (دمشق: دار الينابيع، 2006)، ص 49.
(16) راجع: الامام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، تهافت الفلاسفة، (بيروت: دار الكتب العلمية، 2000).
(18) هانز هينرش شيدر، ترجمة عبد الرحمن بدوي، روح الحضارة العربية، (بيروت: دار العلم للملايين، 1949)، ص 101. وللمزيد راجع: هوارد ر. تيرنر، ترجمة فتح الله الشيخ، العلوم عند المسلمين، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، رقم 644، 2004). إدوارد ج. براون، ترجمة أحمد شوقي حسن، الطب العربي، (القاهرة: سلسلة الألف كتاب باشراف الادارة العامة للثقافة، إدارة التعليم العالي، مؤسسة سجل العرب، رقم 630، 1966).
(19) للمزيد راجع: إميل دوركايم، ترجمة السيد محمد بدوي، التربية الأخلاقية، (القاهرة: وزارة التربية والتعليم، الادارة العامة للثقافة، إدارة الترجمة، بدون تاريخ).
(20) في تثمينها لقدر الإنسان في الزود بشرف عن حرية عقله وقلبه، تذهب رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني إلى القول بأن تطور التاريخ الإنساني إنما يُعد نتاجاً لصراع طويل ومرير بين إنسان (ذات) لا يملك سوى حرية عقله وقلبه التي وهبه الخالق إياها، ليستعين بها على ترويض الحياة، وبين (آخر) يُصر على الاستئثار بالحرية، ليتسنى له العبث بمقدرات رفاق الحياة! فـ (الآخر)، في رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني، عادة ما يعمد إلى آليات بعينها لتكريس تنازل أخيه (الذات) عن حقه في نقد وتطوير ثقافته، أي طريقة حياته الشاملة، ليظل هذا الأخ المسكين (الذات) تابعاً ذليلاً طيلة مقامه في ضيافة الحياة، يستهلك فقط ما يجود عليه به عقل (الآخر)، حتى أنه بمرور الزمن، يفقد هذا التابع الذليل تماماً قدرته على النقد والتطوير ويُصبح مسخاً عاجزاً، لا يملك سوى الانتظار! للمزيد عن الآخرية العربية، راجع للكاتب: تهافت الآخر، كتاب منشور على الانترنت.
(21) التركيز هنا على محاولات السطو على الأصل الديني للاسلام، لكونه الديانة الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي.
(22) راجع على سبيل المثال، مذكرات علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص لجماعة الاخوان المسلمين: علي عشماوي، التاريخ السري لجماعة الاخوان المسلمين، (القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية، 2006).
(23) للتحقق من ذلك، راجع: عبد الرحمن بدوي، الأخلاق النظرية، (الكويت: وكالة المطبوعات، 1957).