يفرض الموقع الحسّاس الذي تحتله الرؤية السياسية أهميّةً متزايدة تمنحها التيارات والاتجاهات والأيديولوجية المختلفة لهذا الحقل الفكري، ويشكّل طرح مضمون واضح ومحدّد للبنية السياسية التحدّي الأكبر أمام أيّ مشروع يقدّم تصوراته عن الآلية التي يقترحها ضمن إطار الإسهام في رسم حركة المجتمع العامّة.
وتختلف مستويات المشروعية والكفاءة تبعاً لتنوّع مصادرها ومرجعيّاتها المعرفية والمنهجية، والمعيار الذي تنتقي على ضوئه الآليات والأساليب والضوابط، مما سيترك أثره الجسيم على نوع أداء الهيكلية السياسية المطروحة، بوصفها فعلاً اجتماعيّاً سياسيّاً يظل لصيقاً بالمحاور الأساسية لما تخضع له الشعوب من خطط تنمية حضارية وما تخوضه من صراعات شرسة في عالم تتقاطعه الدوافع المتناشزة وتحرّكه رغبة الإنسان العارمة في البقاء، فيما لا يؤمّن ذلك ــ بالضرورة ــ المصالح الأساسية لأطراف اللعبة الآخرين.
من جانب آخر، تمثل المرجعية المعرفية نقطةً بالغة الخطورة في عملية التنظير السياسي بوصفه جانباً من الفكر الذي لا يعبّر بالضرورة عن أداة إثباتية بقدر ما يتحرّك لإضفاء الطابع المنطقي على سلوكيات ومواقف واتجاهات تتوخى تأمين مصالح الدوائر الأيديولوجية أو الفئوية، كما يلوح لمن يطالع التاريخ الإنساني المعقّد.
وفي الدائرة الإسلامية، يكفي أن نطالع ما جمعه باحثٌ واحد من عناوين موضوع <الإمامة والسياسة> في سرد ببليوغرافي، لنرى أربعة آلاف عنوان أنتجه التراث الإسلامي من مجمل رصيده المدوّن باللغة العربية فقط([1]).
ولا ريب أن التركة الفكرية الإسلامية في هذا المجال لم تكن دوماً ــ بالطبع ــ صفحةً مشرقة تدعو للاعتزاز، وإنما انطوى العديد منها على عوامل التردّي والانحطاط الذي أصاب مجمل التجربة التاريخية للمسلمين، لتنعكس ــ من ثمّ ــ على جوانب حياتهم الحديثة والمعاصرة، غير أنّ من التجنّي أيضاً الحكم على الفكر السياسي الإسلامي بالعجز الكلّي عن تقديم الأفكار الممثلة لمضامين الدين النقية، وحاجات المجتمع المتراكمة طبقاً للظروف والمتغيرات.
الفقه السنّي ونظريات الفكر السياسي
في رواية عبدوس بن مالك، نجد الإمام أحمد بن حنبل ينصّ على أنّ من <غلب بالسيف حتى صار خليفةً وسمّي أمير المؤمنين، لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً عليه، براً كان أو فاجراً>، ونلاحظ في روايةٍ أخرى للمروزي دعوة ابن حنبل للأمّة أن تترك السلطان وشأنه فيما له من خصوصيات وملكات خلقية: <فإن كان أميراً يُعرف بشرب المسكر والغلول يغزو معه، إنما ذاك له في نفسه>.
وبرغم ما ينقل عن إمام المحدّثين، ممّا يعارض هذه النصوص، كقوله عن المأمون العباسي: <كان لا مأمون>، فإن الذي يظهر ما يبديه من حرص شديد في الفتوى على وحدة المسلمين؛ لذا فهو يوصي أتباعه قائلاً: <عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقّوا عصا المسلمين>([2]).
بيد أننا نلمح في رؤيةٍ لأبي حامد الغزالي، تحديده لما هو أبعد من قضية الحرص على وحدة المسلمين، مما ساهم في تكوين الفكر السياسي التبريري الخادم للجور السلطاني، حيث يقرأ الغزالي فتاوي ممالأة السلطان، في إطار تردّي مستوى الإيمان والتقوى عند العلماء وأهل الفقه، فبعد أن يستعرض طبيعة المعارضة العلمائية لسلاطين الظلم، يوجز حال ما عاصره من ظرف قائلاً: <وأما الآن، فقد قيّدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا، وإن تكلّموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حقّ العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء.. وفساد العلماء باستيلاء حبّ المال والجاه، ومن استولى عليه حبّ الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر؟>([3]).
هكذا نجد الأزمة السياسية تتواشج مع أزمة فكرية تستند إلى مأزق تقوائي وأخلاقي، مما جعل دائرة بحث الإشكالية تتسع عند مفكّر آخر من نمط إمام الحرمين الجويني (478هـ)؛ إذ يردّد الجويني في توصيف ذلك الظرف، الذي تحسّست أجيال عديدة مرارته وقسوته: <قد عمّ من الولاة جورها واشتطاها، وزال تصوّن العلماء واحتياطها، وظهر ارتباكها في جراثيم الحطام واختباطها، وانسلّ عن لجام التقوى رؤوس الملة وأوساطها>([4]).
وبعد أن يؤكد الجويني انسلال رؤوس الملّة وأوساطها عن التقوى، لا يرى جدوى في ذكر السلاطين عنصراً في الأزمة، بل ينعطف دهشةً وأسفاً على النخبة العلمائية وممثلي المتشرّعة والمتدينين: <.. ليت شعري، ما معتصم العباد إذا طما بحر الفساد.. وبُلى المسلمون بعالم لا يوثق به لفسقه، وزاهد لا يقتدى به لخرقه؟.. أيموج الناس بعضهم في بعض مهملين سدى؟>([5]).
إنّ هذا التردّي والانحطاط قاد الجويني إلى الإفتاء ــ بشجاعة ــ بأنّ السلطة السياسية مجرّد آلية لاستيفاء المصلحة ودرء المفسدة، على ضوء فهمه لمقاصد الشريعة، مؤكداً على جواز استقلال الناس حينئذ في الأمور الدينية والقانونية والعسكرية، باعتبار أنها مقاصد لا يجوز تعطيلها حتى لو شغر الزمان عن السلطة المشروعة([6]). كما لا ينبغي إيكال الأمر إلى رؤوس وأوساط الملة التي انسلّت عن الورع، ولا ريب أنّ تفعيل هذا المنهج في التعامل مع الواقع من شأنه أن يمنح الرؤية الإسلامية متانةً أكثر ويعمل على تجاوزها للعديد من الأزمات الخانقة، وهو يبرهن على حجم جاهزية الشريعة لتحرير الإنسان خلافاً لما تكرّس تاريخياً ضمن صفحات الفقه السلطوي.
من جهةٍ أخرى، تجعلنا نظائر هذه النصوص المبكّرة والجريئة في تفحّص الواقع ومعالجته، نتوقف عند نتائج بعض التعميمات والتصنيفات التي تلجأ إليها في هذا السياق كتابات يطبعها الحماس غير المنضبط([7])؛ إذ إنّ مطالعة التأريخ السياسي لا تكاد تفيد وجود أثر كبير للخصوصية المدرسية أو المذهبية في ممارسة التخادم مع السلطان الزمني، لقد كان لكلّ بلاط أن يزخر بفقهائه ووعاظه كما يتزين بفرسانه وأدبائه وجواريه، ونجد استحقاقات هذا الحضور، من مظاهر التبرير وخدمة السلطان، في البلاط العثماني (السنّي) والصفوي (الشيعي) ــ مثلاً ــ على السواء([8]).
أزمة الفقه السياسي المعاصر
إنّ الفكر الإسلامي المعاصر تجاوز شبهة شقّ عصا المسلمين، واستبعد الرغبة بالوحدة الزائفة تحت ظلّ السلطان الجائر، وراح اتجاهٌ يطرح التساؤل التاريخي العتيد على من لا يزال به حنينٌ إلى وحدة السلف تلك، أياً كان، وفي أي إطار، فـ <..عندما يعمّ الفسوق وينتشر الظلم ويسود الجور ويصبح الفسّاق هم الأئمة والحكّام والولاة بل والمفتون في مجتمع الإسلام، فأيّة حقوق ومصالح ونظم للخلق تدعوهم إلى أن يدفعوا ــ ثمناً للحفاظ عليها ــ الخضوع لدولة الفسّاق؟>([9]).
نعم، لقد تجاوز الفكر الإسلامي تلك اللافتة الانهزامية، أو هكذا يفترض، لكن هل استنفد هذا الفكر ــ على الصعيد السياسي ــ مهامّه العالقة والملحّة؟ وبادر بشجاعة ووعي للاستجابة إلى ما يواجهه من تحدّيات؟ وهل تمكّن خطابه من تثقيف الأمة بمبادئ محمد 2 العظيمة، بما يرتفع إلى مستوى التحدّيات الراهنة وبقدرٍ كاف من الواقعية والصراحة، بعيداً عن العمليات المألوفة من الاستجابة للتحدّي واستحداث نماذج معدّلة من الأزمات تظلّ منطوية على ذات عناصر التأزم؟
حركاتنا وكياناتنا الإسلامية التي تعبّئ الجماهير ضدّ الأنظمة المستبدّة والجائرة، هل قدّمت مضموناً نظرياً يطمح للتكامل ويطرح بديلاً خالياً عن المحتوى المريض للجور والاستبداد، أم أنّ العديد منها راح يضيف ــ فيما يضيف ــ أزمات جديدة؟ ولا زلنا نشاهد أناساً يطمحون لتدشين تجارب سياسية لا تلزم فيها الشورى حاكماً، ويحرم ضمنها عمل المعارضة السياسية، ويعدّ الكلام في عُرفها عن حقوق الإنسان بدعة([10])! في تكريسٍ لشتى مظاهر التدهور السياسي التاريخية التي عانينا منها الأمرّين.
لعلّ الخطاب السياسي الإسلامي مكلّف اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، بإعادة اكتشاف تاريخنا كأمّة، وتقديم أكبر قدر من الاستيعاب، والوفاء أيضاً لشرعنا الحنيف، وتجسيد ذلك سلوكاً وممارسة ولوناً في الخطاب ذاته ومضامين في الأدبيات، وسعياً دائباً للتوفر على قراءة الأطروحات السياسية الإسلامية المعاصرة؛ بهدف مراجعتها وبناء المشروع الكبير بتواصلٍ واضطراد، وهو ما يحتاج ــ بالطبع ــ إلى تهيئة أفق أرحب، وحرية نظر، ونبذ لأشكال متنوّعة من التعصّب والانحياز وعبادة الأشخاص والعناوين؛ لتفعيل آلية النقد الذاتي البنّاء، وإلا فهل نستبعد أنّ قطاعات احتجاجيّة واسعة ستغيّر معادلة الصراع، كما صنع الجويني قديماً، وستفتح ــ مضطرّةً ــ جبهة جديدة داخلية هذه المرّة، حين تكتشف سريان الداء خارج دائرة الاستبداد الرسمي؟!
الصدر، رؤية تحاول الاستجابة للتحدّي
في إطلالته المبكرة على القرّاء، ضمن نزاله الفلسفي المتميّز مع المادية الديالكتيكية، وعد الإمام الشهيد محمد باقر الصدر بإعداد دراسة خاصّة تحت عنوان (مجتمعنا)، يتناول فيها مفاهيم الإسلام عن الدولة والمجتمع([11])، إلا أنه أجّل ذلك البحث ليبادر إلى تقديم أطروحة (اقتصادنا)؛ إحساساً منه بأولويتها، طبقاً لنمط الصراع الفكري الدائر آنذاك بين الإسلام والاتجاهات الأخرى، أو إيماناً بضرورة استناد المفهوم السياسي للدولة إلى قضايا ومفاهيم تؤسّس في نظائر الحقلين: الفلسفي والاقتصادي، ليتسلّح بهما المشروع الكبير الذي يُراد له أن يقدّم بديلاً واقعياً متماسكاً يتوافر على محتوى إسلام تأصيلي دون أن يتشرنق في حجاب من اللافتات الأيديولوجية المفرّغة من مضامينها.
يبدو أن الشهيد الصدر ــ وهو يحارب على جبهات متعددة، اجتماعياً وفكرياً وسياسياً ــ وجد نفسه مثقلاً بالمسؤوليات المختلفة؛ فغاب في زحمة مزاولته لمهام التدريس وإعداد الكوادر العلمية، ومسؤوليات الكفاح السياسي والإصلاح الاجتماعي، ليظهر ــ بعد ذلك ــ بأطروحة <الأسس المنطقية للاستقراء> أوائل السبعينيات، مطوّراً ما بدأ يتبلور لديه من رؤى تتعلّق بنمو المعرفة البشرية وآلية تكوّنها، في ثنايا البحث الفلسفي أو دروسه الأصولية ومجمل مراجعاته لمباحث الإبستمولوجيا الحديثة، ولكنه ما إن انتهى من ذلك حتى أثقلته هموم التصدّي للمرجعية الدينية في العقد الأخير من عمره، والتي اقترنت مع تصاعد المواجهة بين التيار الإسلامي في العراق ونظام البعث الحاكم، فيقوده ذلك إلى الشهادة المروّعة في نيسان 1980م، وهو لا يتجاوز السابعة والأربعين من العمر.
ومع ذلك، بادر ــ كعادته ــ لتناول إشكاليات الواقع الملحّة، وقدّم بعد تشكيل النظام الإسلامي في إيران عدّة أطروحات موجزة، تعبّر عن تصوّراته حول مفهوم الدولة والقيادة والأمة والمجتمع، في سلسلة حلقات <الإسلام يقود الحياة>، التي أعدّها قبيل استشهاده، وشكّلت هذه البحوث المقتضبة المصدر المهمّ للباحثين في فكره السياسي، وذلك بالطبع إلى جانب نصوص قديمة هامّة كتبها في ريعان شبابه، حينما ابتدأ المشروع السياسي منذ الخمسينيات، وهو ما عرف بـ <الأسس الإسلامية>؛ حيث استخدمت على نطاق واسع من قبل كوادر الحركة الإسلامية في العراق لتثقيف الشباب في حلقات التنظيم السياسي والإرشاد والتوعية الفكرية. فيما عبّرت عن الحقبة الأولى من تصوّراته السياسية.
وبقدر ما حرمتنا تلك المرحلة من نتاج صدري فذّ أكثر تفصيلاً في الفكر السياسي أو الاجتماع السياسي العام، نلاحظ تفرّد المفاهيم والقضايا التي طرحها بخصوصيات مهمة تفوّقت على العديد من الأفكار السائدة، وستعين الباحثين كثيراً ــ عبر أساسها النظري ــ في مراجعة الفقه السياسي الإسلامي وتقويمه، بوصفه استجابةً لأكثر التحدّيات الداخلية حساسيةً وخطورة.
قراءة تاريخية لتطوّر الفقه السياسي الشيعي في العصر الحديث
دخل العقل السليم تحت ضغط من أزمات المجتمع وانتكاساته في تجربة قاسية من الاعتزال الحضاري أو الاستقالة ربما، خياراً لجأ إليه الأسلاف فجمعوا أسس حضارتهم وهربوا بها إلى المساجد والخانقاهات وأقبية التأمل الممزوج بالأسى، ظنّاً بأنّ في ذلك عافيةً للدين والدنيا، بعد أن نستثني عدداً كبيراً من فقهاء البلاط الذين ظلّوا يسجّلون الحضور (الفاعل) عبر الدخول في تحالفات غير نزيهة مع السلطة.
ومع ملاحظة السياق التاريخي، فإنّ فقهاء المذهب الإمامي بدوا أكثر تعبيراً عن ذلك الانزواء، لمواجهتهم قدر العزلة السياسية في وقت مبكر بعد دخولهم في صراعات مع السلطة، حملت ــ إضافةً إلى الخلاف السياسي الجادّ ــ بُعداً عقدياً وكلامياً، مما فسح المجال إلى توسيع نظرية (التقية)، بوصفها سلوكاً مرحلياً كان ذا أهمية بالغة في مواجهة القمع السلطوي، وتحويلها إلى استراتيجية عامة لا تكاد تترك فرصةً للحديث عن المفردات المباشرة في الفقه السياسي.
وقد ولدت هذه الاستراتيجية ــ كنموذج متطرّف للتقية ــ الأجواء المواتية للانفتاح على نصوص شرعية وروائية معيّنة بشكل يعزلها عن ملابساتها الموضوعية، لتنتج تياراً شيعياً كاملاً يحرّم الخوض في حديث الحكم الإسلامي ويفتي بمنع تشكيله، ويتخذ، نظير ما ورد عن الأئمة ( من أنّ كل راية ترفع قبل قيام المهدي فصاحبها طاغوتٌ يُعبد من دون الله([12])، مرجعية نهائية ومطلقة تخوّل الاستسلام الكامل لمجمل الظروف والمتغيّرات، ومع أن المحاكمة العلمية لهذه الروايات قد تسقطها من ميزان الاستدلال، غير أنها تبقى بإيحاءاتها المختلفة تشكّل جواً ذا تأثير سلبي حيال فكرة الحكومة الإسلامية([13])، مما قلّص الفقه السياسي واختزله في دائرة <المسائل التي كانت تبتلى بها الشيعة في جميع العصور، كالخراج والمقاسمة والتولّي عن الحاكم الجائر وغيرها>([14])، مما ليس بعنصر أساسي في هيكل البحث السياسي.
وعلى ضوء من تأثيرات هذه الأعراف، نلاحظ أنه وفي اللحظات المصيرية التي تخللتها فرص نادرة للعمل، كانت أصوات التيار التحريمي ترتفع بمعارضة كلّ جهد شعبي أو نخبوي يسعى إلى الإصلاح السياسي، كما تجلّى ذلك بشكل مثير في القرن الهجري الماضي؛ حين دخلت بعض القيادات الدينية الشيعية في صراع دستوري مع ملوك القاجار الإيرانيين ضمن ما عرف بحركة المشروطة، فبينما كان فقهاء من الطراز الأول قد بادروا إلى تدشين مرحلة جديدة من التكيّف الإيجابي مع حركة المجتمع تنادي بتقييد سلطات الملك، انبرى فريقٌ علمائي ــ بارز هو الآخر ــ ليفتي، وفق قناعاته المتكوّنة في سياق تاريخي خاصّ وملابسات لا تزال غامضة، بأنّ تدوين الدستور بدعة، وأنّ الالتزام به بدعةٌ أخرى، ومعاقبة من خالفه بدعة ثالثة([15])!
إنّ دخول هذه المعارضة الشديدة حيّز الجدل الفقهي كان من المفترض أن يحفّز على إنهاء القطيعة مع قضايا الفقه السياسي، كما حصل في خضمّ الحركة الدستورية ــ أطروحة النائيني مثالاً ــ غير أنّ ما انتهت إليه تلك الحركة وما أعقبها من تطوّرات، عاد ليكرّس ظاهرة الانقطاع والتجاوز لفكرة الحكم الإسلامي، وأقصى هذا الموضوع عن هموم مدرسة النجف العلمية، بل جعلها <تنظر إلى هذا الأمر بقلقٍ وتحفّظ وهي تتذوق الطعم المرّ، وتعاني من خيبة الأمل.. لما آلت إليه تجربة المشروطة في إيران التي انتهت بحكم أسرة بهلوي>([16]).
وليس بعيداً عن تلك الأجواء ما حلّ بالشيخ محمد عبده، رفيق الأفغاني الثائر، حيث راح يردّد بعده متبرّماً: <ما دخلت السياسة في شيء إلا أفسدته.. أعوذ بالله من السياسة، ومن كل أرضٍ فيها السياسة، ومن ساس ووسوس وسائس ومسوس>([17])، مما لا يدعنا نستغرب حرق النائيني لبحوثه السياسية أو إلقاءه لها في نهر الفرات، وتبرّؤه من كتابه <تنبيه الأمة وتنزيه الملّة>، الذي كان يعدّ (زبور الحركة الدستورية).
لم يمنع هذا التحفظ الشديد قيام بعض الأفذاذ بخرق قاعدة الانزواء الاجتماعي والسياسي، فتطالع مراجع تأريخ تلك الحقبة أسماء حركية متعدّدة، برزت من الحوزات العلمية في النجف الأشرف، نظير الشيخ محمد جواد الجزائري، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وغيرهم.. مما ولّد بمجمله إرهاصات العمل الإسلامي في العراق.
إلا أنّ تلك الجهود التي بذلت، وخضوعاً منها لقساوة المرحلة، اتسمت بطابع فردي لم يكتب له التواصل والتكامل، بوصفه مشروعاً مبرمجاً يتجه إلى غاية محدّدة، باستثناء جهود الحلقة العلمائية التي يتقدّمها المجدّد الشيخ محمد رضا المظفر (1964م)، حيث راح نشاطها ــ منذ الثلاثينيات ــ يكوّن تيار وعي متميز، رفد الحركة الإسلامية بزخم فكري ورسالي هام عبر المؤسّسات التربوية والتعليمية التي شكّلها في النجف([18])، وإضافةً إلى أهمية هذه الجهود، كان لبروز الجماعات والأحزاب غير الإسلامية دور رفع مستوى الإحساس بالمسؤولية تجاه مستقبل البلاد ووعي الأمة، مما أدى إلى تفعيل فكرة تأسيس تجمّعات تنظيمية مشابهة تعتمد الرؤية الإسلامية، وهو ما كان جمال الدين الأفغاني قد دعا إليه قبل ذلك بكثير، وبادر بنفسه إلى تأسيس عدّة تجارب تنظيمية، كالحزب الوطني الحرّ الذي قاد الثورة العرابية، وجمعية العروة الوثقى السرّية التي أصدر صحيفتها من باريس([19])، مما وجد له صدى واسعاً في أوساط المسلمين السنّة فيما بعد ــ تجربة الإخوان المسلمين مثالاً ــ وتأخّر إلى حدّ كبير عند الشيعة؛ لأسباب لسنا بصدد الخوض فيها([20]).
محاولة <الأسس الإسلامية>، ثورة على نظرية العزلة السياسية
كان الشهيد الصدر في طليعة النخبة التي حملت أعباء العمل الإسلامي نهاية الخمسينيات، فبعد أن تكوّنت لديه القناعة الكافية بالعمل المنظّم، كتب رسالةً برهن فيها على وجوب قيام الحكومة الإسلامية في زمن غيبة الإمام المعصوم، وذلك على أساس نظام الشورى من خلال آيات الشورى في القرآن الكريم، كما يروي السيد محمد مهدي الحكيم([21])، وبذلك تكوّنت النواة الفكرية الأولى في تلك المرحلة، للاتجاه السياسي الإسلامي في العراق، تلك الرؤية التي مثلت ثورة علمية تغييرية في مواجهة تيار الاستقالة والانزواء، ليصبح ما كتبه الشهيد الصدر آنذاك (الأسس الإسلامية) النصَّ التوجيهي الممثل لمادّة الحوار في حلقات التوعية السياسية التي نشطت بعد انقلاب 1958م، ويتحدّث السيد محمد مهدي الحكيم عن هذه الأسس قائلاً: <الواقع أنّ السيد الشهيد (الصدر) قدّم أطروحةً رائعة، وفي وقتها لم نكن نتصوّر أنها بهذا الشكل، فهي تحتوي على تصوّرات لدولة فيها رقابة شعبية، وهنالك مجلس شورى محلّي إلى جانب هذه الرقابة..>([22]).
معالم الفقه السياسي عند الصدر في <الأسس الإسلامية>
عالج الصدر في تلك الأسس([23]) مفردات عدّة، تتعلّق مباشرةً بالفكر السياسي الإسلامي، فبيّن مفهوم الإسلام بوصفه عقيدةً وشريعة ومبدأ كاملاً ينبثق عنه نظام اجتماعي وقاعدة فكرية، ومفهوم المسلم وتحديداته. والمرتد الذي تقبل الدولة الإسلامية توبته حتى لو كان فطرياً، استناداً إلى رأي فقهي تتبناه تلك الأسس، ثم تتطرّق إلى مفردة الوطن الإسلامي واستحقاق الدولة الإسلامية للأرض، وقسّم الدولة إلى ثلاثة أنواع.
ويعتقد الصدر في هذه الأسس أنّ شكل الحكم الإسلامي يجب أن يكون مستمداً من التحديدات الشرعية، ويقدّم في هذا المجال نظام الحكم القائم على الشورى>وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ<، محذّراً من تسليم زمام الأمر إلى الفسّاق أو الفجار؛ لأنّ الإسلام لم يرتض أقوالهم في شهادة القضاء فضلاً عن حمل مسؤولية الحكم، ويشير الشهيد الصدر هناك إلى أنّ اختيار شكل الحكم وفق النمط المناسب كما يتوقف على وعي الأمة للإسلام يناط أيضاً بوعيها للظروف الحياتية والدولية، وحينئذ يتساوى في ممارسة حقّ الحكم كلّ المكلفين بأحكام الإسلام، ومن الملاحظات المهمة التي تحدّد علاقة دستور الدولة الإسلامية بالشريعة، التمييز الذي يطرحه بين أحكام الشرع والتعاليم، حيث إنّ الأولى هي المبيّنة بأحد الأدلة الأربعة المعروفة، أمّا التعاليم والقوانين فهي أنظمة الدولة التفصيلية التي تقتضيها طبيعة الأحكام الدستورية لظرفٍ من الظروف المتطوّرة، ولم ترد في الشريعة بنصّ محدد وإنما تستنبط على ضوء الأحوال المتبدلة، كقوانين الأمن والتعليم، الاستيراد والتصدير، والعمل، وغير ذلك، كما يفرد الصدر في هذه الأسس حيزاً مطولاً نسبياً لمناقشة شكل السلطة القضائية، وكيفية ممارستها لمهامها، وآليات تعيين القضاة، وتعدّد البدائل الاجتهادية، وما يتصل بحرية الرأي في الدولة الإسلامية ونحو ذلك([24]).
والملاحظ، أن هذه الأسس اشتملت على بذور الأفكار المنضجة التي طرحها الصدر بعد ذلك في أبحاثه الرئيسية، كحاكمية الأمة، وفكرة منطقة الفراغ التشريعي، ومبدأ الفصل بين السلطات، مما سنلحظه ونعرض إليه لاحقاً.
حقبة التحوّل والتطوير عند الصدر، من نظرية الشورى إلى ولاية الفقيه
أخرج الشيخ الصدوق توقيعاً مهماً عن الإمام الثاني عشر %، ورد فيه قوله: <وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم>([25])، وينقل عن الشهيد الصدر أنه كان يواجه مشكلةً سندية في الاعتماد على هذا النصّ، غير أنه تغلّب عليها وتوصّل إلى موثوقية النص المذكور من خلال بلورته لنظرية (التعويض السندي) الرجالية([26])، ويبدو أن توصّله لهذه النظرية وبالتالي اعتماده حديث الشيخ الصدوق، ساهم في تطوير نظريّته السياسية حول الشورى، في الأسس التي كتبها نهاية الخمسينيات، إلى ولاية الفقيه على أساس النصوص المعروفة التي تجابه عادةً بمشكلات سندية ودلالية مختلفة؛ فالذي يظهر من بعض نصوصه الإفتائية([27]) أنه تبنّى ولاية الفقيه على ضوء فهم خاص للحديث المذكور، يعمّم سلطة الفقهاء لتستوعب الحوادث الواقعة كافة.
وحيث يصرّ اتجاه فقهي واسع على أن ما ورد في نص الحديث المنقول في التأكيد على حجية الفقهاء أو رواة الحديث على العامّة، إنما هو حجيّة الفتوى وبيان الأحكام، وأن الولاية ــ بمعنى التصرّف والحكم ــ لا معنى للحجية فيها، إذ لا ملازمة بين الحجيّة بذلك المعنى والولاية بوجه([28])، فإن الشهيد الصدر يقدّم فهماً أوسع يمنح الفقيه مهمات أخرى خارج دائرة الإفتاء التقليدي، ويبدو أنّ هذا التحول الذي طرأ على تصورات الصدر اقترن مع بداية تكوّن اتجاه فقهي سرعان ما دعمته المواقف السياسية والثورية، بعد أن بدأ في الستينيات مع الإمام الخميني الذي كان يشدّد على القول بولاية الفقيه.
تأرجح نظرية الصدر بين الشورى وولاية الفقيه
وبالرغم مما ينقله بعضٌ بشأن مرحلة التحوّل هذه([29])، والتي يؤكد فيها أن من أسبابه الرئيسة طروء تغير أساسي على فهم الصدر لأدلّة الشورى في القرآن، نتيجة بعض الاعتراضات العلمية، مشيراً إلى نصوص ينقلها عنه في رسائل متبادلة بينهما([30])، إلا أن الطرح الأساس والأهم الذي قدّمه الصدر أواخر حياته كنصّ علمي مكتوب وواضح، ظلّ يحتفظ بجزء كبير من أفكاره السياسية الأولى التي طرحها في (الأسس)، بل إنّ المقارنة العلمية تفيد أنّ ما قدّمه الصدر من تصوّرات مثلت المرحلة النهائية لأفكاره السياسية، يشكل تعديلاً وتطويراً لذات مفردات التصور السياسي المتضمّن في (الأسس الإسلامية).
ومن الضروري أن يشار هنا إلى وجود اختلاف بين الباحثين في تقسيم المراحل التي مرّت بها تصوّراته السياسية؛ فالسيد محمد باقر الحكيم يسعى في كتاباته إلى دمج مرحلة تبنّي الصدر لولاية الفقيه مع أطروحة حاكمية الأمة وإشراف الفقيه الأخيرة، متجاهلاً أيّ فرق بينهما، كما أنّ هذا يلاحظ في بعض الأعمال الأخرى([31])، وكذلك عند بعض الباحثين الغربيين الذين تناولوا الفكر السياسي للشهيد الصدر، كالأمريكي ريتشارد هيرر([32])، لكنّ السيد كاظم الحائري يميّز بشدّة بين المراحل الثلاث، ويترك مساحةً مستقلة للشورى (المرحلة الأولى) وولاية الفقيه (الثانية) وحاكمية الأمّة مع إشراف الفقيه (الثالثة والأخيرة)([33]). ويبدو أن تصوّر السيد الحائري هو المنسجم مع ما تتضمّنه أعمال الشهيد الصدر الموجودة كما يتضح.
الأهمية المنهجية والسياسية لفقه الصدر السياسي
في مطالعتنا الآتية للنصّ السياسي الذي قدّمه الصدر إبّان الثورة الإسلامية في إيران، سنلاحظ أنّه استطاع التغلّب على ما ينقل أنه واجهه من مشاكل علمية إزاء تبنّيه فكرة الشورى وحاكمية الأمة، وقد ساهم بالطبع في تجاوز تلك المشاكل ما أنجزه الصدر من تطوير منهجي لأساليب البحث، وآليات معالجة الدليل الشرعي، وتدعيم قراءة النصّ بمجموعة مفاهيم وتصوّرات إسلامية، تستند إلى مرجعية قرآنية وفهم مستوعب لحركة التاريخ والمجتمع الإنساني، مما أهّله لطرح نظرية ترتكز على فلسفة اجتماعية وأسلوب منهجي تمكّن من الارتفاع بمستوى تصوراته ومعالجاته عن مجمل المناقشات التقليدية التي تقدّم عادةً في هذا الإطار، حيث تفاعلت تصوّراته السياسية مع إبداعه لمنهج التفسير الموضوعي أو التوحيدي للقرآن الكريم، الممثل لمرحلة مطوّرة من نمط تعامله مع النص الشرعي في (اقتصادنا) وغيره، إذ قدّم لنا في محاضرات ألقاها أواخر مزاولته للتدريس (1979م) شكلاً موضوعياً للتعاطي مع النصّ القرآني يختلف عن الشكل التجزيئي السلبي الذي يبدأ بتناول الآيات، محاولاً تحديد المدلول على ضوء ما يُسعفه اللفظ والظهور والقرينة.. عبر <حركة من النصّ إلى الواقع>، بينما يؤكّد الصدر أن الأنموذج الأوفى بحقّ العملية التفسيرية للنص هو التفسير الذي يبدأ من الواقع ليتحرّك نحو النصّ، فيركّز نظره ــ كما يقول ــ على موضوع من موضوعات الحياة، ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول الموضوع وما طرحه التطبيق التاريخي، ثم يطرح بين يدي النص موضوعاً مشرّباً بعدد كبير من الأفكار والمواقف البشرية، ويبدأ مع القرآن عملية حوار واستجواب، ليلتحم المدلول القرآني مع الواقع وينفتح الوعي التفسيري لأفقه المرن، فلا يمارس مماحكات لفظية ولغوية منعزلة ومنفصلة عن الواقع وتراث التجربة البشرية([34]).
إنّ الشهيد الصدر بدأ في (اقتصادنا) بطرح المنهج الشمولي الذي يقصي النمط الأحادي من الملاحظة، وأكّد ضرورة تركيب الأحكام بمعنى ملاحظة كلّ منها بصفته جزءاً من كلّ، وجانباً من صيغة عامة مترابطة؛ لتنتهي إلى اكتشاف القاعدة العامة التي يعكسها المركّب([35])، وقد أضحى هذا اللون المتفوّق من المعالجة القرآنية والمنهجية سمةً بارزة نلحظها في عمله السياسي الأخير، ضمن (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) و(لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية)، وهما حلقتان من سلسلة: (الإسلام يقود الحياة).
وبغضّ النظر عن أهمية أفكار الصدر هذه على مستوى التفرّد والامتياز العلمي والمنهجي، فقد تنبّه عديدون ــ خارج دائرة الإسلاميين ــ إلى مدى الأهمية التي تنطوي عليها أفكاره سياسياً، سواء على المستوى القطري أو الإقليمي أو الإسلامي بعامّة، ويؤكّد خبيرٌ بقوانين الشرق الأوسط ــ بعد أن يذكر مساهمة الإمام الخميني في حقل الفكر السياسي الإسلامي ــ : <إنّ ثمّة مساهمة أكثر أهمية في هذا المضمار (إشارة إلى أفكار الصدر الأخيرة)، قدّمت مباشرةً قبل الثورة الإيرانية>، ويضيف: <وحظيت هذه المساهمة التي قدّمها محمد باقر الصدر بمزيد من التقرير في الغرب خلال الأعوام الأخيرة، بوصفها عملاً بارزاً أسهم ــ إلى حدّ كبير ــ في قيام نظام حكم إسلامي دستوري>([36]).
ونجد هذه الملاحظة كذلك عند الأمريكي ريتشارد هيرر، الذي تناول الفكر السياسي للصدر، باعتباره الفكر الذي تأسّست في إطاره الحركة الإسلامية في العراق، حيث يؤكّد <أهمية دور باقر الصدر كأحد الآباء الفكريين للدستور الإسلامي الإيراني، وأنّ هذا الدور مجهول نسبيّاً>([37])، ويضيف: <إنّ الدلائل تشير إلى أنّ آية الله العربي هذا قد ساهم بشكل ملموس في تشكيل الإطار.. للنظام الإسلامي في إيران>([38]).
ومن الملفت للنظر أنّ هناك باحثاً إيرانياً راح ــ في سياق عرضه لأهمية أفكاره السياسية ــ يؤكّد أثره على الدستور الإيراني حتى وصف بالإفراط في ذلك([39]).
من المهم كذلك ملاحظة أنّ التأثيرات تلك تجاوزت الجغرافيا المذهبية؛ لتترك أثرها على مختلف الدوائر الإسلامية، كما يؤكّد باحث تونسي في معرض حديثه عن المرجعية الفكرية والأيديولوجية للتيارات الإسلامية في تونس([40]).
أطروحة خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، إطار قرآني تاريخي لنظام الحكم
في هذه الأطروحة الموجزة (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء)، يقدّم الصدر تصوّراته التي يفلسف من خلالها بُنية المجتمع التوحيدي القائم على الأسس الإلهية، وهو ما سينعكس مباشرةً على شكل نظام الحكم الذي يتبنّاه، فيوضح وجود خطّين (ربانيين) يتكوّن منهما المجتمع: الأول خطّ الخلافة. والثاني خطّ الشهادة، حيث بيّن الصدر ــ عبر آيات قرآنية متعدّدة ــ موقع الإنسان من الكون بوصفه خليفةً لله سبحانه وتعالى، ينوب عنه في إعمار الأرض وبناء الحضارة، حيث يستلّ هذا المفهوم من عدّة نصوص قرآنية، كقوله تعالى: >وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خليفة..< (البقرة: 35)، >ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ< (يونس: 14)، وغيرهما، وهذه الخلافة ــ عند الصدر ــ تشريف وتكريم للإنسان، وتمييز له عن سائر عناصر الكون، استحقّ بها أن تسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كلّ قوى العالم، حيث لم تكن تلك الخلافة استخلافاً لشخص آدم % فقط، وإنما كانت للجنس البشري كلّه؛ لأنّ من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ــ وفقاً لمخاوف الملائكة التي عكسها نصّ الاستخلاف القرآني ــ ليس هو آدم بالذات، بل الآدمية والإنسانية على امتدادها التاريخي، وهذا التعميم في الاستخلاف يتضح من الآيات الأخرى التي خاطبت المجتمع البشري في مراحل متعددة: >إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ< (الأعراف: 69)، وإنما كان آدم هو الممثل الأول لها، بوصفه أوّل إنسان أخذ هذا الموقع فسجدت له الملائكة ودانت له قوى الأرض([41]).
إنّ هذه الخلافة التي أوتيها المؤمنون، كما يعبّر أبو الأعلى المودودي، خلافة عمومية (popular vicegerency)، لا يستبدّ بها فردٌ أو أسرة، كما جاء في الحديث: <كلكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيته>([42])، كما أنها ليست خلافة في حدود استصلاح بقاع الأرض وإنمائها فقط، وإنما تشمل أمور الحكم؛ لأن الإنسان إذا كان مسؤولاً ومكلفاً بالعناية ــ حتى بالبهائم وتدبير شؤونها ــ فإنه بالأحرى مسؤولٌ عن تدبير نفسه ومجتمعه، أي الخلافة في الحاكمية([43])؛ لذا فإن التفكيك بين نحوي الخلافة الإنسانية والفصل بين التشريعي والتكويني، بافتراض أنّ أدلة الاستخلاف يمكن صرفها إلى معاني استنماء الأرض وعمرانها([44])، غير ممكن بملاحظة التلازم الوثيق بين مسار التنمية العامة والمسار الإداري والسياسي، وكم هو دقيق تفسير الإمام موسى بن جعفر % لقوله عز من قائل: >ويحي الأرض بعد موتها< (الروم: 19)، بأنه سبحانه إنما يبعث رجالاً يحيون العدل فتحيا الأرض لإحياء العدل([45]).
فأيّ تنمية يمكنها مواكبة رهانات التاريخ وتدافع الحضارات، في ظلّ نظام لا يوفّر للأمم حقوقها؟ وأيّ استبداد إنساني، وأي غطرسة بشرية تفرغ جموح ساديتها وعقدها وشعورها الجارف بالنقص والانحطاط، يمكنها أن تمنح الأمم سوى تكريس مظاهر السقوط الاجتماعي المؤلم، الذي ينسجم لوحده مع ما تطمع إليه تلك الغطرسة واللاشرعية من استحواذ واستعلاء ووجاهة مزيفة.. أياً كانت مضامينها ونسيجها القيمي والفلسفي والديني المندرجة في إطاره؟! إنّ لعملية الاستخلاف ــ بهذا المفهوم الواسع عند الصدر، وبارتكازها على فهم تاريخي وقرآني محكم ــ معطيات مهمّة على أكثر من مستوى؛ فهي تعني انتماء الجماعة البشرية إلى محور استخلافي واحد، هو الله سبحانه وتعالى، بوصفه بديلاً عن سائر الانتماءات الأخرى. مما يبرز المحور الثوري للدين الرافض لألوهية ووصاية ومالكية ما سوى الله سبحانه وتعالى([46])، كما أن الخلافة هذه تعني تقديم الأساس المتين للتساوي في عبودية الله وتجسيد روح الأخوة العامة التي نادى بها الدين الإسلامي([47]).
ومن المعطيات المهمة أيضاً تعبير الاستخلاف عن الاستئمان الإلهي لبني البشر؛ ولذا عبّر القرآن الكريم عنه بالأمانة: >إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان< (الأحزاب: 72)، حيث تصبح الجماعة المستخلفة غير مخوّلة بأن تعمر الأرض بهواها أو باجتهادها المنفصل عن التوجيه الإلهي، كما تكشف من جانب آخر أنّ الإنسان حرّ؛ إذ بدون الاختيار والحرية لا يبقى مجالٌ للمسؤولية والتكليف.
خصائص الشهيد والخليفة
في قراءته لمسار خطّ خلافة الإنسان تاريخياً، يحدّد الشهيد الصدر خصوصيات الخليفة أو الإنسان الأول الذي بدأ حياته بفارق جوهري عن بدايات الآخرين، حيث لم يمرّ بمرحلة الطفولة التي يجد فيها المرء نفسه في حضانة عائلته، فكان آدم % بحاجة إلى دار حضانة استثنائية تؤهله لممارسة دور الخليفة على الأرض، وهي ما عبّر عنها القرآن بالجنّة، التي مرّ فيها آدم مع حواء بتجربة خاصة نما خلالها إحساسهما الخلقي وشعورهما بالمسؤولية، وذلك بعد الهزّة الروحية التي أعقبت ارتكاب الخطيئة([48]).
إنّ هذه الرعاية التي تلقّاها آدم % هي التي ستتطوّر وتتبلور في مستوى أعلى بشكل عملية توجيه وإشراف أوسع، لابد أن تتحدّد بكيان يمارس دوره على الأرض ويتولّى توجيه مسار خطّ الخلافة الإنسانية، وهو ما يسمّيه الصدر: خطّ الشهادة، الممثل للتدخل الرباني من أجل صيانة الإنسان، حذراً من تحوّل وجوده إلى مجرّد عبث يكرّس النزوات والشهوات، وفي اعتقاد الصدر فإن القرآن قسّم الحاملين لأعباء هذا الخطّ إلى ثلاثة مستويات، في قوله عز من قائل: >إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ الله وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء< (المائدة: 44)، فالأصناف الثلاثة: النبيّون ــ الربانيون ــ الأحبار، وهم الشهداء، حيث يمثل الربانيون ــ عند الصدر ــ درجةً وسطى بين العلماء والأنبياء، هي مرتبة الإمامة، بينما يفسّر الأحبار بالعلماء وأهل الاختصاص في الشريعة، وحيث إنّ المستوى الثالث من الشهداء (الأحبار = العلماء) لا يتوفر فيهم عنصر العصمة عن الخطأ، فإنه بدوره بحاجة إلى شهيد ورقيب يعبّر عن المقياس الموضوعي([49]) الذي يحتكم إليه في تقييم ممارسة (الحبر) لمهامه؛ وذلك ما سيتمثل عند الصدر بالرقابة الشعبية.
إنّ خطي الشهادة والخلافة منفصلان في الحالة الطبيعية، حيث يمثل الخليفة بالأمة والجماعة الإنسانية التي تتولّى الإدارة للأرض، بينما يمارس الشهيد دور التوجيه والإشراف، وهكذا بدأت الجماعة الإنسانية خلافتها على الأرض؛ فكان الأنبياء ( يمارسون مهمة الإشراف الرباني على الأمّة الحاكمة والمعمّرة للأرض.
لكن، وفي بعض مراحل المسيرة الإنسانية، يكون المجتمع غير مؤهّل لتمثيل خطّ الخلافة الإلهية، حين يخالف عهد الله ويخون الاستئمان الرباني ويحكم بالأهواء ويظهر الفساد (صدق نبوءة الملائكة)، فيجرّ الله سبحانه الظلمة من موقع الخليفة، وأما المستضعفون فهم مغلوبون على أمرهم ولا يمكنهم ممارسة هذا الدور الكبير، فيندمج خطّ الخلافة مع خطّ الشهادة، بمعنى أن الأنبياء والربانيين والأحبار يتسلّمون ــ مؤقتاً ــ منصب الخليفة، إضافةً إلى منصب الشهيد، بحكم ضرورات مشروع التغيير الواعي الذي يهدف إلى إعادة تأهيل الإنسان لتحمّل الأمانة الإلهية.
ويشترط الصدر في الاندماج هذا توفّر درجة عالية من العصمة عن الخطأ، لكي يكون الفرد هو (الشاهد) وهو المشهود عليه (الخليفة)، غير أن أنموذج الأحبار (العلماء) يستطيع أيضاً تولّي هذا الدور ــ مع عدم عصمته ــ في حال تكون الأمّة عنده محكومة للطاغوت، إذ إنّ خط الخلافة لن يتمثل حينئذاك ــ عملياً ــ إلا في حدود ضيّقة، وفي نطاق تصرّفات الأشخاص ودوائر الحسبة البسيطة، أمّا إذا حرّرت الأمّة نفسها وأمسكت بمقاليد الأمور، فإنّ خط الخلافة سوف ينتقل إليها ويأخذ موقعه الطبيعي بعد تأهّل الإنسان لحمل أعبائه مرّةً أخرى، وتستأنف الأمّة ممارسة دورها في حكم الأرض سياسياً واجتماعياً على أساس الاستخلاف الرباني([50]).
وهكذا يبدأ الصدر بترتيب مفردات شكل الحكم الإسلامي بعد تحديد معالم الخطّين اللذين يكوّنان محور حركة المجتمع في ضوء انفتاحة الواعي على المفهوم القرآني وأنساق حركة التاريخ.
نظرية الصدر في شكل النظام السياسي
قام الشهيد الصدر باستخدام نتائج هذا المنهج في بناء شكل الدولة الإسلامية الذي يراد له الاستجابة لكلّ من خطوط الشريعة العامّة ومقاصدها، ومتطلّبات الواقع، وطبيعة المؤسّسات السياسية والإدارية المعاصرة، وذلك كما نراه في <لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية>.
يقرّر الصدر أنّ إقامة الدولة الإسلامية التي تأتي ــ موضوعياً ــ بعد ثورة الأمّة وتحريرها لمقدراتها، تعيد حقّ الخلافة إلى الأمة وتفصله عن خطّ الشهادة، فتمارس الأمّة دورها السياسي والقيادي في إدارة البلاد، طبقاً لقاعدتين قرآنيتين:
أ ــ قوله تعالى: >وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ< (الشورى: 38)، حيث يعطي هذا النص الأمّة صلاحية تولّيها لحكم البلاد بطريق الشورى، ما لم يرد نصّ شرعي واضح يستثني مورداً ما.
ب ــ قوله تعالى: >وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ< (التوبة: 71)، حيث يتحدّث هذا النص عن ولاية المؤمنين، وأنّ كل واحد منهم يتولّى المؤمنين الآخرين، ويريد بالولاية تولّي أمر الآخر والمسؤولية عنه على ضوء من اقتران ذلك ــ قرآنياً ــ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واضح في سريان الولاية بين كلّ المؤمنين بصورة متساوية، وينتج عن ذلك لزوم الأخذ بمبدأ شورى الأكثرية عند الاختلاف، بصفته آلية عملية للحكم والولاية الجماعية.
نظرية الشورى: مقارنات ومناقشات
تقترب فكرة الشهيد الصدر عن الشورى ــ تاريخياً وسياسياً ومعرفياً ــ من الاتجاه الفقهي المنتمي ــ مدرسياً ــ إلى المذهب السنّي، فضلاً عن التقائها مع أطروحات شيعية متميّزة، حيث يتمّ الاعتماد على إلزامية رأي الأكثرية، في ترتيب شكل الحكم الإسلامي، كما نلاحظ في قانون جماعة الإخوان المسلمين ــ كنص تنظيمي ــ وآراء وفتاوي غير واحد من المنظّرين، كالشيخ محمود شلتوت والشيخ مصطفى السباعي، والشهيدين: سيد قطب وعبد القادر عودة([51])، وذلك في مقابل اتجاه آخر طرح ــ مع التزامه بفكرة الشورى ــ إشكاليةً في اتخاذ الأكثرية معياراً لفرز الآراء وتعيين اللازم منها.
يعتقد أبو الأعلى المودودي في بعض كتبه أنّ الأمور وإن قضت إلزامية الرأي الأكثر في عامة الأحوال، إلا أن الإسلام لا يجعل العدد ميزاناً للحقّ والباطل: >قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ< (المائدة: 100)، فإنه من الممكن في نظر الإسلام أن يكون الفرد أصوب رأياً من سائر أعضاء المجلس النيابي([52])، كما يصرّ العلامة الطباطبائي على أنّ النظرية الإسلامية تمتاز عن هذا النظام المعهود في الديمقراطيات الغربية؛ إذ ليس المقياس هو أكثرية الأصوات، وإنما اتّباع الحقّ([53])، وفي هذا السياق، نجد محاولات أكاديمية لطرح مضمون جديد لمفهوم الأغلبية والأكثرية؛ إذ تفسّرها بأنها <أغلبية حجّة وبرهان ومنطق وفكر لا أغلبية عددية>([54]).
غير أنّ محاولة سلب الأصوات الأكثر سمة المعيار والمقياس في إطار العمل الشوروي، فضلاً عن أنها تفرغ الشورى عن مضمونها، لا تقدّم البديل العملي المتيسّر الذي يمكن على أساسه فرز الحقّ من الباطل، ونلاحظ أنّها عالجت هذه المشكلة بطرق غير سليمة؛ فاضطرّت بعضها أن تعود إلى الاستبداد وإيكال القرار النهائي عند الاختلاف إلى (الأمير) كما صنع المودودي([55])، وانتهت أخرى إلى معيارية البرهان والحجة! غافلةً عن أنّ ذلك هو ما يدّعيه كل واحد من الفرقاء([56])، وعوّلت ثالثة، بفذلكة غير منهجية أبداً، على طبيعة المجتمع الإسلامي الذي تسوده التقوى والفضيلة، مما ينتج عدم تعدّي أكثرية الأصوات حدود الصالح الاجتماعي([57])، فيما هو في الحقيقة ــ بغض النظر عما يحفل به من مثالية ومدى ابتعاده عن واقع الملابسات التي تكتنف تجارب ممارسة الحكم والسلطة ــ محاولة خاصة لاستئناف فهم (الأكثرية) كآلية توفر الحدّ الأدنى من ضمان الحقّ في دائرة معقّدة ومتناشزة الدوافع والقناعات، بمعزل تام عمّا يحمله المجتمع من ناظم قيمي.
إنّ هذه الحقيقة ــ كما يبدو ــ هي التي دعت أبا الأعلى المودودي إلى القول أخيراً بإلزامية الأكثرية والتراجع عن تصوّره الأولي([58])، بعد أن لم يجد معياراً آخر غير العودة المرّة إلى استبداد الأمير، وهذه الحقيقة نفسها هي التي سوّغت للعديد من منظّرينا القول: إنه لا يعرف طريقاً لحلّ الاختلاف في شؤون الحكم إلا بأكثرية الأصوات، كما ترمي إليه عبارة المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية([59]).
آليات الحكم والنشاط السياسي عند السيّد الصدر
تمارس الأمة ــ بصفتها خليفة ــ مهامها السياسية عند الصدر، عبر آليات متعدّدة، كما يلي:
أولاً: يعود للأمة انتخاب رئيس السلطة التنفيذية.
ثانياً: ينبثق عن الأمة بالانتخاب المباشر مجلس نيابي تتمثل صلاحياته في:
أ ــ يقوم هذا المجلس بمنح أو حجب الثقة عن أعضاء الحكومة التي يشكّلها رئيس السلطة التنفيذية.
ب ــ على المجلس أن يحدّد أحد البدائل الفقهية التي كثيراً ما تجتمع في الموضوعات المختلفة إثر تعدّد الاجتهادات في الفقه.
وهنا لا يذكر الصدر <الأعلمية الفقهية> مرجعاً للبديل الفقهي، كما اعتاد المنهج المألوف في مجال الترجيح عند الاختلاف والتعارض، بل يمنح نوّاب الأمّة مطلق الصلاحية باختيار الأوفق من الآراء والأكثر تأديةً للصالح العام، موظفاً ــ بذكاء ــ ظاهرة تعدّد الاجتهادات الفقهية في حلّ إشكاليات متعدّدة، منها مسألة مواكبة الشريعة للتطوّرات المستمرة([60])، قريباً من فكرة الشيخ محمد عبده في هذا المجال، والتي يعبّر عنها بالتوفيق والتلفيق بين آراء المذاهب والاتجاهات الفقهية والحقوقية المختلفة([61]).
ج ــ يتولّى هذا المجلس ملء ما يعبّر عنه بـ <منطقة الفراغ التشريعي>؛ بوضع قوانين مناسبة تستلهم من روح الشريعة وتراعي فيها المصالح العامة.
ويشير بعض الباحثين إلى أنّ فكرة منطقة الفراغ موجودة عند متقدّمي الفقهاء، حيث كانوا يطلقون عليها (منطقة العفو) الذي سكت فيه الشرع ولم يُبد رأياً([62])، ونجد أنّ الشهيد الصدر قام ببلورة الفكرة وتنضيجها ثم زجّها في حلّ إشكالية ثبات الشريعة ومرونتها، حيث يذهب إلى أنّ الشارع ترك منطقة فراغ لم يملأها بالتشريعات الإلزامية، وأناط بالدولة ملء تلك المنطقة على ضوء الظروف المتطوّرة، دون أن يدلّ ذلك على وجود نقص أو إهمال في التشريع، بل يعبّر عن استيعاب وقدرة في الشريعة على مواكبة الحياة عبر تركها دائرة مباحث واسعة([63]).
وبقدر ما تمثله فكرة دائرة الفراغ هذه من إبداع، فإنها تعبّر في سياقها المعرفي الحسّاس عن إعادة اكتشاف خصائص الشريعة، وتشكّل المنهج للعلاقة بين الوحي والتاريخ([64])، في إطار محاولة أنصار الوحي أن يستوعبوا من خلاله الحركة التاريخية بأقدارها الشائكة.
لقد أناط الشهيد الصدر في <اقتصادنا> ملء مساحات الفراغ التشريعي بولي الأمر، انسياقاً مع إيمانه في تلك المرحلة بولاية الفقيه، غير أنه عاد ــ كما لحظنا ــ واعتبرها من صلاحيات ممثلي الأمة في طرحه السياسي الأخير، استجابةً لمفهوم الاستخلاف، وكان من المفترض أن يعمّم هذا في سائر أعماله، إلا أنه وفي بعض حلقات (الإسلام يقود الحياة)، ظلّ يردّد مفردات (اقتصادنا) ذاتها؛ فاعتبر أنّ ملء الجانب المتحرّك والمتغير من الاقتصاد الإسلامي يدخل ضمن صلاحيات الحاكم الشرعي، مع إيجابه رجوع الحاكم إلى أصحاب الاختصاص([65]). وقد سبّب هذا حيرة بعض الباحثين، كالسيد كاظم الحائري، الذي ظلّ متردّداً في تعيين رأي الشهيد الصدر إزاء من يتولّى ملء دائرة الفراغ([66]).
لكن ملاحظة نصوص الصدر في (خطوط تفصيلية عن اقتصاد..) تفيد أنه لم يكن هناك بصدد الحديث عن منح الفقيه سلطة ملء منطقة الفراغ، وكان يتحدّث ــ تحديداً ــ عن معالجة الجانب المتحرّك من الاقتصاد الإسلامي، بلا إشارة إلى المساحات المتحرّكة الأخرى من الشريعة، وهي أوسع بكثير طبعاً من شؤون الحقل الاقتصادي؛ ولذا فإنه وضمن الموضع الأصلي المخصّص أساساً للحديث عن الدولة، ينيط شأن منطقة الفراغ بالأمّة ومجلسها، ولابد من اعتبار ما ورد في (صورة تفصيلية..) مجرّد إشارة إلى قضية تدخل الدولة في نظام المجتمع الاقتصادي عن طريق ذكر الحاكم أو وليّ الأمر كمثال وحسب، كما أنّ ذلك يمكن أن يكون انسياقاً مع لغة (اقتصادنا) الخاضعة لمرحلتها الخاصّة التي أشرنا إليها.
وعلى أعلى التقادير، فإنه بذل المزيد من الاهتمام بالجانب الاقتصادي واستثناء له من موارد منطقة الفراغ الواسعة التي يتحرّك عمل المجلس النيابي خلالها، لم يحمل هذا الحقل من طابع تخصّصي معقد مثلاً؛ حيث نلاحظ ذلك أيضاً في تشديده هناك على لزوم استشارة الفقيه لأهل الاختصاص.
وعلى أية حال، فهذا الاختلاف لا ينبغي أن يُلقي بالغموض على نصوص الشهيد الصدر الواضحة في (لمحة تمهيدية) و(خلافة الإنسان..)، وإنما نؤكّد هذه القضية على أساس من إلزام منهجي يوفره استناد هيكل الدولة الذي طرحه الصدر إلى تفسيره المعمّق لحركة التاريخ وبُنية المجتمع التوحيدي، على ضوء خطي: الخلافة والشهادة، اللذين يفرضان تمايزاً وظيفياً هاماً بين الأمّة والفقيه، فلو أوكل الشهيد الصدر ملء منطقة الفراغ للفقيه أيضاً فإنه لا يكاد يُبقي أيّ مضمون محصّل لحاكمية الأمة وخلافتها التي برهن عليها وفصّل مقتضياتها وطبيعتها، وأكّد على حجم معطياتها السياسية والاجتماعية والتنموية، إضافةً إلى أنّ الفقيه سيتحوّل حينئذ إلى (شاهد) و(خليفة) في آن واحد خارج الحدود الضيّقة لمورد الاندماج ــ الذي أكّد على استثنائيّته ــ بين الاتجاهين التاريخيين: الخلافة والشهادة، كما فصّله هناك واستعرضناه.
د ــ مهامّ هذا المجلس الرئيسة هي الإشراف على سير تطبيق الدستور ومراقبة عمل السلطة التنفيذية، ومساءلة أعضاء الحكومة إن تطلّب الأمر([67]).
الحقوق السياسية للأمة
يتجلّى في هذا الفهم لدور الأمّة اعتراف الشهيد الصدر ذو المدى الواسع بقدر كبير من الحقوق السياسية للأمة والأفراد، تلك الحقوق التي لا يقيّدها بالعمل المؤسّساتي التابع إداريّاً للحكومة، وإنما يوسّعها لتشمل الحقّ في مزاولة مختلف ألوان النشاط السياسي المستقلّ([68]).
كما أنّ نقل منصب الخلافة مفهومياً وموضوعياً وسياسياً من الأشخاص / السلاطين ــ حسبما تكرّس تاريخياً ــ إلى الأمّة الجامعة لقطاعات الجمهور وشرائحه المتنوعة، يمثل خطوةً هامة في تهشيم المتراكمات التاريخية العسيرة التي كرّست مفهوم (الرمز) و (الكاريزما) الإنساني المستبدّ، الممثل لإله آخر يستمدّ ألوهيته من مبرّرات لاهوتية خاصّة، مضافاً إلى ما ينطوي عليه مفهوم الخلافة ــ كما طرحه الصدر ــ من أهمية فلسفية واجتماعية وسياسية متزايدة، وذلك إذا ما لوحظ وجود تيار آخر في الفكر الإسلامي يستهلك الإنسان ويحجّم دوره ويقيله من موقع المسؤولية؛ فيُسلمه إلى متاهات القدر تحت غطاء من عُقد كلامية عسيرة، تعمل على استلاب وجودية الإنسان وقوانين الكون، بالاقتصار على قدرة الفاعل الإلهي الأعلى بحيث تنفي في دائرتها وسائط التأثير الإلهي.
ففي إطار الصورة التي قدّمها الشهيد الصدر لمكانة الإنسان، في دائرة الإيمان بجدلية منصفة للإنسان والغيب والطبيعة، كما يسمّيها بعض الباحثين، لا يبقى مجال للفهم الاستلابي للحاكمية السياسية، الذي يحاول التأكيد على حاكمية الله، بشكل يوظّفها في إلغاء إرادة الإنسان وبنحو يسحق مكانه ويجرّده من صلاحياته الطبيعية([69])، فيما يكون في الحقيقة تحكيماً لأطراف إنسانية أخرى، ستدّعي نيابتها عن الإله في الاستبداد بالسلطة.
المرجعية الموضوعية، مشروع إداري إصلاحي
هذا فيما يرتبط بموقع (الخليفة = الأمة)، أما خطّ (الشهيد = المؤسّسة المرجعية)، فإنّ الصدر يوليه أهميةً كبيرة على ضوء من قناعته بضرورة وجود هذا الخط (الشهادة) متمثلاً بـ (الأحبار)، كمشرف على مسير خطّ الخلافة وموجّه له. وبينما فسّر الصدر ــ مبدئياً ــ الأحبار بالعلماء في النص القرآني المعتمد من قبله، إلا أنه راح يعبّر عن مصاديقه بالمرجعية الرشيدة([70])، مشيراً ــ بوضوح ــ إلى أطروحته المعروفة بالمرجعية الموضوعية أو المرجعية الصالحة، التي صنّف فيها المرجعية الدينية إلى مرجعية الشخص الذاتية، ومرجعية المؤسّسة الموضوعية.
ففي العقد الأخير من حياته، كان الصدر ينظّم اجتماعاً أسبوعياً، يضمّ عينةً من تلاميذه البارزين، ويتداول فيه شؤون الأمّة الإسلامية المختلفة، في سياق تفكيره الدائب لوضع استراتيجية عامة للعمل الإسلامي، تتبنّاها زعامته الدينية والفكرية، وكان ضمن ما طرحه في تلك الاجتماعات ــ على ما يذكر تلاميذه ــ مشروع المرجعية الموضوعية. أي الشكل المعدّل والمنقح من الأنموذج المرجعي السائد، والذي كان يسجّل عليه ملاحظات عدّة([71]).
ويريد الصدر بالمرجعية الموضوعية الجهاز المؤسّساتي الذي يرأسه المرجع الديني (الذات)، ويمارس من خلاله مهامه المتعدّدة من خلال (موضوع)، أي مجلس، يضمّ علماء الأمّة والقوى الممثلة لها دينياً، بنحو يرتبط المرجع نفسه بهذا المجلس في ممارسته للعمل المرجعي، وبذلك تكون هذه المرجعية أسلوباً موضوعياً مشتركاً يتميّز عن المرجعية (الذاتية) المتمثلة بشخص الفقيه فقط، بوصفه عاملاً واحداً في الممارسة تنتهي مرجعيّته بموته، ويؤكّد الصدر على هذا الهيكل المؤسّساتي؛ <لئلا ينتكس العمل المرجعي بانتقال المرجعية إلى من لا يؤمن بأهدافها الواعية> على حدّ تعبيره([72]).
وهكذا يريد الصدر أن ينتقل بالممارسة المرجعية من الشكل الفردي المعهود تاريخياً إلى الأنموذج الموضوعي، الذي يتمّ في إطار مجلس ولجان متعدّدة المهام، تشترك في صنع القرارات وتنظيم شؤون المؤسّسة الكبيرة، الأمر الذي سيؤهّل الجهاز المرجعي لأن <يصون.. عمله.. من التأثر بانفعالات شخص المرجع>، كما يصرّح، وسيكون هذا الجهاز المنظم ــ الذي ينيط به مهمّة (الشهادة) ــ بديلاً عن <الحاشية (البطانة) التي تعبّر عن جهاز عفوي مرتجل، يتكوّن من أشخاص جمعتهم الصدف والظروف.. لتغطية الأهداف (الآنية) بذهنية (تجزيئية) وبدون أهداف محدّدة وواضحة> كما ينصّ؛ وذلك لأنّ المرجعية الدينية المألوفة والتي أخفقت ــ باعتقاده ــ في الارتفاع إلى مستوى الأمة، تمارس عملاً عشوائياً وبروح تجزيئية وبدافع من ضغط الحاجات الجزئية المتزايدة، دون أن تعمل برؤية استراتيجية عامة تكون بمستوى حاجات المجتمع.
إنّ أطروحة (المرجعية الموضوعية) هي مشروع لتأهيل (الأحبار) إلى ممارسة دور (الشهادة) على حركة (الخليفة = الأمة)، عبر جعل عملية (الشهادة = الإشراف) تطبيقاً مؤسّساتياً حديثاً ومنظماً يخضع بدوره إلى أطر استشارية (داخلية = لجان وهيئات ومستشارين)، تضمن ــ قدر الإمكان ــ التقليل من آثار محدودية الشخص غير المعصوم وضعفه، والتي تمثل تحدّياً حقيقياً لمسيرة التنمية السياسية التي تعتمد عليها بشكل أساس استراتيجية الإسلام في الدعوة إلى الحقّ ونشر الهدى وتحرير الإنسان.
* * *
الهوامش
([1]) لاحظ: الرفاعي، عبد الجبار. موسوعة مصادر النظام الإسلامي ج8، قم، مركز الدراسات والأبحاث الإسلامية، 1417هـ.
([2]) لاحظ النصوص الثلاثة في: الفراء، أبو يعلى محمد بن الحسين. الأحكام السلطانية: 20 ـ 21، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1406هـ.
([3]) الغزالي. إحياء علوم الدين 2: 351، القاهرة، البابي الحلبي.
([4]) الجويني، أبو المعالي. غياث الأمم في التياث الظلم، الفقرة العاشرة، نهضة مصر، 1401هـ، ط11.
([5]) المصدر نفسه.
([6]) انظر: الصغير، عبد المجيد، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام: 360، دار المنتخب العربي، 1994م.
([7]) لاحظ مثلاً: يعقوب، المحامي أحمد حسين. طبيعة الأحزاب السياسية العربية: 194، بيروت، الدار الإسلامية، 1997م، حيث يفترض الفقه السياسي عند المذاهب الأربعة الكبرى مقتصراً على تبرير وجود الغالب والجائر وتطويع النص الديني من أجل ذلك.
([8]) لاحظ وصفاً جيداً لمدى إغراء السلطة الصفوية أهل العلم، وحجم استجابتهم لذلك الإغراء، وما كان يفعله بعض شيوخ الإسلام، والصدر الأعظم.. في تواطئهم ضدّ المساكين من المسلمين، في: الوثيقة النقدية القديمة (حديقة الشيعة)، لعبد الحيّ الرضوي الكاشاني المتوفى حدود القرن الثاني عشر، تنظر في: جعفريان، رسول، دين وسياست در دوره صفوي: 338 وما بعد، قم، انصاريان، 1991م؛ وكذلك: الحائري، عبد الهادي، تشيّع ومشروطيت. طهران، 1985م.
([9]) عمارة، د، محمد، تيارات الفكر الإسلامي: 150، القاهرة، دار الشروف، ط2، 1997م.
([10]) الغزالي، محمد، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، نقلاً عن: النفيسي، د. عبدالله (تحرير وتقديم) الحركة الإسلامية.. أوراق في النقد الذاتي: 147، الكويت، 1989م، ط1.
([11]) فلسفتنا: 344، المجمع العلمي للشهيد الصدر، قم، 1408هـ.
([12]) ينظر: الحر العاملي. وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، ح 6.
([13]) آل حيدر، حيدر، ولاية الفقيه والشورى: 23، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1409هـ.
([14]) السبحاني، جعفر، معالم الحكومة الإسلامية: 204، مكتبة أمير المؤمنين، إصفهان.
([15]) الغرباوي، ماجد، الشيخ محمد حسين النائيني: 133 ـ 135، قم، 1999م.
([16]) شمس الدين، الشيخ محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام: 13، قم، دار الثقافة، 1992م.
([17]) مجلة العالم. (اللندنية) العدد 87، 12/10/1985، ص60.
([18]) يراجع بشأن ذلك: الآصفي، الشيخ محمد مهدي. الشيخ محمد رضا المظفر وتطوّر الحركة الإصلاحية في النجف، قم، مؤسسة التوحيد للنشر الثقافي، 1998م.
([19]) عمارة، د. محمد. تيارات الفكر الإسلامي: 292.
([20]) كمقارنة أولية بين بدايات العمل السياسي الإسلامي وأساليبه لدى السنّة والشيعة، ينظر: المؤمن، علي. سنوات الجمر: 29، لندن، دار المسيرة، 1993م.
([21]) لاحظ: مذكرات العلامة الشهيد محمد مهدي الحكيم: 37، قم.
([22]) المصدر نفسه: 42.
([23]) نشرت هذه الأسس في إصدارات حزب الدعوة الإسلامية المختلفة، كما نشرت ملحقاً ضمن عدة أعمال منها: الحسيني، محمد. الإمام الصدر.. دراسة في سيرته ومنهجه، بيروت، 1989، وكذلك: الملاط، شبلي، تجديد الفقه الإسلامي: محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم، ترجمة: غسان غصن، بيروت، دار النهار، 1998م؛ والشامي، السيد حسين بركة، المرجعية الدينية، لندن، دار الإسلام، 1999، وننقل هنا عن الأخير.
([24]) لاحظ نصّ الأسس: الشامي، المرجعية الدينية، الملاحق، وقد أورد الأسس التسعة المعروفة، لكن الأستاذ محمد عبد الجبار وآخرين، يؤكّدون أنها أكثر من ثلاثين أساساً كتبها الشهيد الصدر ولم يحتفظ إلا بتسعة.. وهو ما لم يتحقّق من الوثائق بعد، انظر: شبلي الملاط، تجديد الفقه الإسلامي، الفقرة المخصّصة للحديث عن (الأسس).
([25]) يلاحظ في: وسائل الشيعة للحرّ العاملي، أبواب صفات القاضي، الباب 11، ح 9.
([26]) لاحظ: الحكيم، محمد باقر، النظرية السياسية عند الشهيد الصدر، مجلة الموسم، العدد 26 ـ 27، 1416هـ، وللاطلاع على فكرة التعويض السندي وتوظيفها مع نتائج حساب الاحتمال ومنطق الاستقراء، يلاحظ: العميدي، ثامر هاشم، الجديد في علمي الدراية والرجال عند الشهيد الصدر، قضايا إسلامية، العدد 3: 109، 1996م.
([27]) كما في تعليقته على منهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم، بيروت، 1410هـ، هامش المسألة الخامسة والعشرين، ورسالته العملية (الفتاوى الواضحة)، بيروت، ط7، 1410هـ، في المسألة الثالثة والعشرين.
([28]) انظر: التوحيدي. الميرزا محمد علي. مصباح الفقاهة 5: 45، من تقرير بحث الأستاذ أبي القاسم الخوئي، قم، انصاريان، ط4، 1996م.
([29]) لم يقتصر تصريح الصدر بولاية الفقيه على نصوصه الإفتائية، وإنما ظهر قبل ذلك في كتاب اقتصادنا، لاحظ فصل mمبدأ تدخل الدولةn؛ حيث ينيط ملء منطقة الفراغ بوليّ الأمر والحاكم الشرعي.
([30]) محمد باقر الحكيم، النظرية السياسية عند الشهيد الصدر، مصدر سابق.
([31]) المذهب السياسي في الإسلام، وزارة الإرشاد، طهران، 1405هـ.
([32]) ينظر: دكمجيان. ريتشارد هيرر، الأصولية في العالم العربي: 188، ترجمة وتعليق: عبد الوارث سعيد، دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط2، 1989م.
([33]) مباحث الأصول ج1 من ق2: 103، تقرير الدروس العليا للشهيد الصدر في أصول الفقه، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1407هـ.
([34]) الصدر، السيد محمد باقر. التفسير الموضوعي للقرآن: 18 وما بعد، دار التعارف، بيروت، 1981م.
([35]) اقتصادنا: 375، مشهد، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417هـ.
([36]) الملاط، شبلي، تجديد الفقه الإسلامي: محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم: 37.
([37]) ويتشارد هيرر، الأصولية في العالم العربي: 186.
([38]) المصدر نفسه.
([39]) انظر ـ جمشيدي، حسين، دور فكر الشهيد الصدر في الثورة الإسلامية في ايران، مجلة قضايا إسلامية (قم)، العدد الثالث: 258، 1996م؛ ولاحظ بشأن الوصف بالإفراطية، المصدر نفسه: 474.
([40]) الهرماسي، عبد الباقي، الإسلام الاحتجاجي في تونس: 257، منشور ضمن: الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية بالاشتراك مع جامعة الأمم المتحدة ط4، 1998م.
([41]) خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء: 8، بيروت، دار التعارف، 1979م.
([42]) المودودي. أبو الأعلى، نظرية الإسلام وهديه: 59، دار الفكر.
([43]) السبحاني، الشيخ جعفر، معالم الحكومة الإسلامية: 211.
([44]) لاحظ مثلاً: المنتظري، الشيخ حسين علي، دراسات في ولاية الفقيه 1: 501، قم، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، 1408هـ.
([45]) ينظر: وسائل الشيعة، كتاب الحدود، الباب الأول، ح 3.
([46]) لقد زخرت رؤية الشهيد الصدر للدين ولأصل التوحيد بمفاهيم تغييرية وثورية عالية، لاحظ عن ذلك دراسة عن دور الشهيد الصدر في تجديد علم الكلام في: منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي: 118 وما بعد، لعبد الجبار الرفاعي، قم، سلسلة رواد الإصلاح التي تصدرها مؤسّسة التوحيد، ط2، 1999م.
([47]) لاحظ: خلافة الإنسان: 13.
([48]) المصدر نفسه: 30.
([49]) المصدر نفسه: 25.
([50]) المصدر نفسه: 53.
([51]) ينظر: سعد الدين، عدنان، من أصول العمل السياسي للحركة الإسلامية المعاصرة، منشور ضمن: الحركة الإسلامية.. أوراق في النقد الذاتي: 276.
([52]) لاحظ: المودودي، نظرية الإسلام وهديه: 59.
([53]) راجع: العلامة الطباطبائي، محمد حسين. نظرية السياسة والحكم في الإسلام: 49، بيروت، الدار الإسلامية، 1982م؛ ولاحظ أيضاً: المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 1: 567.
([54]) جعفر، هشام عوض، الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية: 132، فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1995.
([55]) المودودي، نظرية الإسلام وهديه.
([56]) هشام عوض، الأبعاد السياسية.
([57]) العلامة الطباطبائي، نظرية السياسة، مصدر سابق.
([58]) سعد الدين، عدنان، من أصول العمل السياسي: 277.
([59]) مغنية، الشيخ محمد جواد، الإمام الخميني والدولة الإسلامية: 66 وما بعد، بيروت، دار العلم، 1979م.
([60]) انظر بهذا الشأن: مهريزي، مهدي. الفقه والزمان، ضمن mمدخل إلى فلسفة الفقهn: 63، سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، قم، 1998م، حيث عدّ خمس جهات، أبرزها الشهيد الصدر في النظام القانوني الإسلامي، تعبّر عن العناصر المتحرّكة من الشريعة.
([61]) المصدر نفسه: 58.
([62]) القرضاوي، يوسف، الخصائص العامة للإسلام: 223، القاهرة، مكتبة وهبة، 1989م، نقلاً عن: مهريزي، مصدر سابق.
([63]) اقتصادنا: 685، ضمن مبحث mمبدأ تدخل الدولةn.
([64]) اللاوي، د. محمد عبد، فلسفة الصدر: 379، لندن، دار السلام، 1999م.
([65]) الإسلام يقود الحياة: 44، 47، طهران، وزارة الإرشاد الإسلامي، من حلقة (خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي).
([66]) الحائري، السيد كاظم. ولاية الأمر في عصر الغيبة: 128 وما بعد، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1414هـ.
([67]) لاحظ عن هذه المهام: لمحة تمهيدية…: 18 وما بعد، بيروت، دار التعارف، 1979م، ط2.
([68]) المصدر نفسه: 19.
([69]) انظر المعالجة القيمة لهذه الرؤية الاستلابية ونظائرها في: حاج حمد، محمد أبو القاسم. العالمية الإسلامية الثانية. (International studies & Research bureau British west indies): 39، الطبعة الثانية، 1996م.
([70]) انظر: لمحة تمهيدية.. مصدر سابق.
([71]) انظر: الحائري، السيد كاظم الحسيني. مباحث الأصول ج1، ق2: 91 فما بعد.
([72]) نحيل هنا إلى ما كتبه الإمام الشهيد بقلمه، ونقله السيد الحائري في المصدر السابق.