ترجمة: فرقد الجزائري
باستطاعتنا اعتبار العارف المتأله القاضي سعيد القمي وأخيه محمد حسن القمي من التلامذة البارزين للشيخ رجب علي التبريزي([1])، كما تتلمذ القاضي سعيد على الشيخ محسن الفيض الكاشاني، فكان يذكره في كتاباته بالأستاذ؛ ولكنه كان متأثراً بأفكار الشيخ رجب علي التبريزي أكثر من تأثره بالفيض الكاشاني.
وللقاضي سعيد كتابات كثيرة أبدع في بعضها، وسعى كثيراً للجمع بين الفلسفة والدين، جاعلاً ذوقه العرفاني أساساً ومعياراً لسعيه العلمي هذا، ومن الأمور الأساسية المهمة التي تناولها القاضي سعيد في مواضع متعددة، قضية أسماء الله وصفاته، وهي قضية ظلّت محلّ خلاف وجدال بين الفلاسفة من جهة والمتكلّمين من جهة أخرى، بل قد دار نقاش واسع بين المتكلمين أنفسهم حول هذه القضية.
وبإمكاننا تصنيف أهم الآراء في هذا المجال إلى قسمين: الأول تلك القائلة
بأن الصفات مغايرة للذات، والثاني آراء الذين يعتقدون بعينية الصفات لذات الباري تعالى.
وقد أشكل القاضي سعيد القمي على صنفي هذه الآراء ونعت جميعها بالخاطئة، وقد تطرّق لهذه القضية في مواضع متعددة من كتابه المهم bشرح توحيد الصدوقv، مدافعاً عن رأيه بصيغ مختلفة، كما طرحها في كتيّبه باللغة الفارسية bكليد بهشت: مفتاح الجنةv.
وننقل هنا نص عباراته حول هذه القضية من كتاب bكليد بهشتv، ثم نتابعها في كتابه bشرح توحيد الصدوقv.
يقول القاضي سعيد في كتاب bكليد بهشتv: bلا يخفى أن للعلماء في قضية اتصاف واجب الوجود بالصفات التي تسمى صفات ثبوتية آراء مختلفة؛ فيعتقد بعضهم أن صفات كالوجود والعلم والقدرة، زائدة على ذاته تعالى شأنه، أي غير ذاته؛ وهذا رأي مرفوض بتاتاً، إذ على هذا الرأي، لا يتعدّى الأمر حالتين: إما أن يكون واجب الوجود مجموع الذات والصفات، وإما أن تكون الذات لوحدها والصفات المذكورة خارجة عن وجوب الوجود، ولا دخل لها بتحققه؛ فإذا كان واجب الوجود مجموع الذات والصفات، لزم التركيب في ذاته تعالى، وهو الواحد من الجهات جميعها، وقد ثبت استحالة التركيب فيه، أمّا إذا كان واجب الوجود هو الذات لوحدها وجميع الصفات خارجة عن ذاته، لزم احتياجه في وجوده وسائر صفاته الضرورية وكماله
إلى غير ذاته، وهذا ما ينافي علوّ شأنه؛ إذ من المستحيل تحقّق كمال واجب الوجود بغيره.
إذن، لا يمكن للصفات المذكورة أن تكون مضافة على الذات، لهذا اعتبر أكثر العلماء هذا الرأي مستهجناً، واعتقدوا بأن صفات واجب الوجود عين ذاته، وهذا الرأي وإن كان أقلّ استهجاناً من سابقه، بيد أنه غير معقول أيضاً، فإذا كان لأحد فهم حقيقي لمعنى الذات والصفات، فلا يمكنه القول: إن الصفات هي الذات عينها، بل يعد الرأي هذا سخيفاً؛ لأن الصفة تابعة للذات ومتفرّعة عنها، بينما الذات هي الأصل والحقيقة التي تتبعها الصفات؛ فإذا كانت الصفة عين الذات كما يدّعون، لوجب أن يكون التابع عين المتبوع، وبطلان هذا الكلام واضح لدى
العقلاء جميعهم، إذاً يتضح أن الصفة لا يمكنها أبداً أن تكون نفس الذات أو أن تكون الذات نفس الصفة، ولا يعقل تفوّه العقلاء بآراء مضلّلة إذا ما نوقشت بانَ فسادُها.
لم نتعدّ فيما ناقشناه حدود اللفظ، لكننا لم نكتفِ بهذا المقدار، وقد أتينا بأدلة في رفضه عند الحديث عن الصفات السلبية، وبرهنّا على أن اتصاف واجب الوجود بأيّ صفة من الصفات أمر مستحيل، سواء كانت سلبية أو إيجابية.
ومحصل الكلام أنه يجب علينا معرفة واجب الوجود في جميع أوصافه على هذا الأساس، كي لا نقع في محذور أو بطلان، فتمام تلك الصفات تلحق بالموجود بمعناه المتعارف، والحال أن واجب الوجود لا ينطبق عليه هذا المعنى، فهو لا يشترك مع ممكن الوجود في نعتٍ من النعوت إلا من حيث اللفظ فقط؛ أي إن واجب الوجود محض ذات، وليس من المعقول ــ بأيّ وجه من الوجوه ــ نعته بصفات ما، سواء اعتبرنا الصفات عين ذاته أو غيرها، هذا هو الرأي الصوابv.
وقد طرح القاضي سعيد ــ بعد مناقشته هذه ــ رأياً مثيراً للاستغراب، قال: bيعود السبب في نعت الله سبحانه وتعالى بصفات معينة من قبل الأنبياء وكبار الفلاسفة إلى عجز الناس عن إدراك الأمر، فراعوا إدراكهم ونعتوا الله بصفات معينة، ففي الحقيقة لا يمكن نعت واجب الوجود بوصف من الأوصاف، ولا يتصور الأنبياء وكبار الفلاسفة هذا الأمر أيضاً، ومن المستحيل أن ينعت الأنبياء الله سبحانه وتعالى بصفات ما، بل ما يرومون إليه من أيّ صفة يصفون الله بها، هو أنه تعالى لا يتصف بنقيض ذلك الوصف، أي أنهم حينما يقولون: إن الله عالم، يقصدون أنه ليس جاهلاً، وحينما يقولون: إنه قادر، فمعناه غير عاجز و… وملخص الحديث: إن جميع الصفات في الحقيقة ترجع إلى السلب والنفي عنه لا نعته بهاv([2]).
وبهذا نسب القاضي سعيد مسألة نفي الصفات عن الباري تعالى إلى الأنبياء، مضيفاً أن جميع الفلاسفة المتقدمين قد تبنوا هذا الرأي أيضاً، ورعايةً للاختصار لم ينقل أقوال الفلاسفة، لكنه استند إلى الروايات ونقل حديثاً عن أبي الحسن u لإثبات ما ادعاه، وقد ادعى في مواضع عديدة من كتاباته أن ما تبناه في هذا المجال هو ما اقتضته روايات المعصومين %؛ بينما نستطيع العثور على خلفيات رأيه في مكان آخر.
وكما أشرنا في بادئ الحديث فإن القاضي سعيد كان متأثراً بأفكار الشيخ رجب علي التبريزي بقوة، وخلافاً لسائر فلاسفة العصر الصفوي كان الشيخ رجب علي التبريزي يعتقد أن الوجود مشترك معنوي بين الممكنات، وهو مشترك لفظي بين الواجب والممكن.
وقد ألّف الشيخ التبريزي رسالةً في هذا الموضوع باللغة الفارسية عرفت باسمه، وذهب القاضي سعيد القمي في كثير من تأليفاته، وخاصة في كتاب bكليد بهشتv إلى الرأي عينه الذي ذهب إليه أستاذه الشيخ رجب علي التبريزي، وقال: إن الوجود وسائر صفات الكمال مشترك لفظي بين الواجب والممكن؛ ففي حين لم يطلق الوجود كمشترك معنوي على الله سبحانه وتعالى، فمن غير الجائز إطلاق صفات العالم والقادر وسائر صفات الكمال عليه تعالى بنحو المشترك المعنوي.
ويعتقد القاضي سعيد أننا حينما نطلق صفة العالِم على الله سبحانه وتعالى، نعني بها أنه غير جاهل، وكذلك بالنسبة لسائر الصفات كالقادر؛ إذاً فجميع الصفات والعناوين التي تطلق على الله سلبيةٌ، تكشف عن شكل من أشكال التنزيه، أي أننا نقصد من نسبة الصفات لله تعالى ما ليس موجوداً، وبناء على رأي القاضي سعيد ومن اقتنع برأيه تغدو لغة الإثبات صمّاء، إذ لم يعد يمكننا الكلام عن الله بالإثبات، وما نقصده في هذا المجال سلبيّ لا يُنتج سوى التنزيه، والقاضي سعيد متنبّه إلى هذه النتيجة، ويعلم جيداً أن مقتضى رأيه هذا عدم الكلام عن واجب الوجود إلا سلباً؛ لذا سعى كثيراً لفتح بابٍ للكلام الإثباتي.
بين كانط والقاضي سعيد القمّي ــــــــــ
ويعتقد القاضي سعيد أن عدم الإذعان باستحالة معرفة أسماء الله وصفاته ليس خطأ في إدراك الأمر فحسب، بل هو ابتعاد عن العدل والسمات الإنسانية، ومما لا شك فيه أن لا معرفة للقاضي سعيد بفلسفة عمانوئيل كانط الألماني([3])، فلم تكن هذه الفلسفة قد ظهرت بعدُ في ألمانيا في الفترة التي عاشها القاضي سعيد في إيران، حيث توفي عام 1107هـ، بينما كانت ولادة كانط في عام 1103هـ، أي أن كانط لم يكن حين وفاة القاضي سعيد قد تجاوز الرابعة من عمره، وعلى الرغم من هذا يبدو ما طرحه القاضي سعيد حول أسماء الباري تعالى وصفاته مطابقاً لما طرحه كانط حول عجز العقل.
ولا أقصد هنا القيام بمقارنة ساذجة بين فلسفة كانط وأفكار القاضي سعيد؛ لأني أعلم جيداً أن هذين العَلَمين ينتميان إلى مدرستين فكريتين مختلفتين، والفاصل الفكري بينهما أكبر من أن يسمح بمقاربة فكرية، لكن في الوقت عينه أودّ التنبيه إلى ما أشار إليه كانط تحت عنوان تناقضات أحكام العقل وعجز الإدراك عن نيل ما هو فَوق طبيعي، إذ أشار إلى ذلك القاضي سعيد بمسمّيات أخرى، وعبّر عنه ببيان آخر عند الحديث عن وجود الباري تعالى وأسمائه وصفاته.
لقد كانت لكانط دوافعه الخاصة في سدّ طريق العقل للتوصل إلى الأمور الفَوق طبيعية؛ فقد كان يعاني ــ من ناحية ــ من مشاكل العلم وفيزياء نيوتن([4])، كما تأثر ــ من ناحية أخرى ــ بأفكار هيوم([5]) في مجال نفي الضرورة والعلية، وعلى حد تعبيره فقد استيقظ من سبات الوثوقية؛ فلدى تقسيمه القضايا إلى تحليلية وتركيبية، يرى الأمور الفَوق طبيعية في مأزق أيضاً، وفي كلمة واحدة نستطيع اعتبار مشكلة كانط الأساسية مشكلة المعرفة.
المنطلقات الفكرية للقاضي سعيد في نظرية الأسماء والصفات ــــــــــ
أما دوافع القاضي سعيد في اعتقاده باستحالة معرفة أسماء الباري تعالى وصفاته فليست واضحةً بالنسبة إلينا، كما أن أدلته غير مقنعةٍ في هذا المجال، فقد استند في كثير من كتاباته إلى أحاديث المعصومين %، واعتبرها دليلاً على ما يدّعيه، لذا يمكن القول بأن هدفه من نفي إمكان معرفة صفات الباري اتّباع مضامين بعض الروايات، وهذا الادعاء وإن بدا وجيهاً في بادئ الأمر، لكنه في الحقيقة غير مقبول؛ لأن الالتزام بالروايات لا يفرض علينا اعتبار باب معرفة أسماء الباري وصفاته مغلقاً؛ فكثير من العلماء ــ وعلى الرغم من التزامهم الشديد بالنصوص الحديثية ــ يعتقدون بإمكان معرفة أسماء الباري تعالى وصفاته، وعلى سبيل المثال، لم يذكر الشيخ محسن الفيض الكاشاني في أيّ من تصنيفاته استحالة معرفة أسماء الباري تعالى وصفاته، وهو الذي تلمّذ لديه القاضي سعيد ونهل من علومه سنوات عديدة، بل كان معروفاً بإحاطته بالروايات والالتزام بمضامينها ومدلولاتها، حتى عدّ من كبار المحدثين، كما ــ وخلافاً للقاضي سعيد نفسه ــ لم يكن الفيض ليعتمد أحكام العقل في المجالات كافة فحسب، بل كان يرى العقل أساساً والشرع مبنيّاً عليه في مجال علاقة العقل والشرع. ومن الواضح أنه إذا لم يكن الأساس موجوداً فلا وجود للبناء أيضاً، وبتعبير آخر: يشبّه العقل بالعين والشرع بشعاع النور، ومن الطبيعي أن لا تتم الرؤية بالعين من دون نور أو بالنور من دون عين، كما شبّه في موضع آخر العقل بالمصباح والشرع بزيته، فهو يعتبر الشرع عقلاً خارجياً والعقل شرعاً باطنياً. ومما لا جدال فيه أن العقل الباطني والعقل الخارجي لا يتعارضان، بل يكمل أحدهما الآخر.
ومن الجدير بالإشارة ما يذكره الفيض الكاشاني في مجال علاقة العقل بالشرع في قوله: السبب في أن الله سبحانه وتعالى وصف الكفار في بعض الآيات بأنهم قوم لا يعقلون، هو أن الشرع عقل خارجي ظاهر. فبما أن الكفار محرومون من نعمة الشرع، فهم محرومون من العقل الخارجي الظاهر.
ويعتقد الفيض الكاشاني أن بإمكاننا تسمية العقل بالشرع والشرع بالعقل، على أن العقل شرع باطني سمّاه الله تعالى بالفطرة، وقال عنها في الآية الكريمة: >فطرة الله التي فطر الناس عليها<، وبما أن هاتين الجوهرتين متحدتان، نستطيع حمل الآية الشريفة >نور على نور< عليها. أي أن نور العقل ونور الشرع نوران اتحدا؛ وعلى ضوء هذا الاتحاد يقول القرآن الكريم: >يهدي الله لنوره من يشاء<([6]).
ويثبت مما ذكر أن الفيض الكاشاني وعلى الرغم من كونه محدثاً ملتزماً بمضامين الروايات، إلا أنه كان معتقداً بحجية أحكام العقل في الأمور الدنيوية والمعنوية على السواء، ناظراً إليه قادراً على معرفة أسماء الباري تعالى وصفاته.
والنتيجة التي نستخلصها: ليس لأحد أن ينفي العقل ويسقط أحكامه في مجال أسماء الخالق وصفاته بحجة كونه أخبارياً أو ملتزماً بمضامين الروايات؛ فالفيض الكاشاني أخباري مؤمن بمضامين الروايات ومدلولاتها، لكنه لم يقف عند حرفية الألفاظ وقشورها، بل خاض بجدارة عالم معانيها، فهو معتقد بأن التفسير يدور حول قشور الألفاظ وظواهرها([7])، لكن التأويل يتناول المعاني الباطنية وعوالم الألفاظ، وينظر الفيض الكاشاني بالبصر والبصيرة للعالم، وبكليهما يخوض في عوالم المعارف والأسماء والصفات الربوبية.
نظرية القمي وسط مدرســتي الفلسفة في العصر الصفوي ــــــــــ
ومما لاشك فيه أن القاضي سعيد القمي حضر دروس الفيض الكاشاني ونهل من علمه واستنار بآرائه، لكنه ابتعد عن أستاذه في بعض الآراء أشواطاً بعيدة، وتكشف هذه القطيعة بين الفيض والقاضي سعيد عن تباين واختلاف بين تيارين فكريين كانا سائدين في ذلك العصر، وقد تزعم هذين التيارين اللذين لم يتفقا في كثير من الأمور الأساسية، صدرالمتألهين الشيرازي والشيخ رجب علي التبريزي، ومن الأمور التي اختلفا فيها الاعتقاد بأصالة الوجود أو أصالة الماهية، وكذلك الاعتقاد بالاشتراك اللفظي أو المعنوي بين وجود الواجب والممكن.
وقد اتبع القاضي سعيد رأي الشيخ رجب علي في المسألتين المذكورتين، وبنى منظومته الفكرية وآراءه عليهما، ومن الواضح أن القائلين بالاشتراك اللفظي للوجود ينفون أيّ تجانس بين وجود الواجب والممكن ويعتقدون بالتمايز والتفاوت، وعلى هذا الأساس يقول القاضي سعيد: كلّ ما يصدق على المخلوقات، سواء كان حقيقياً أو اعتبارياً، لا يصدق على الخالق؛ فإذا صدق على الخالق لزم ذلك اشتراك الخالق مع مخلوقه في أمر ما، ومن المسلمات في اعتقادنا أن bما به الاشتراكv يصبح مستلزماً لـ bما به الامتيازv إذا كان الأخير من الحيثيات والخصوصيات، ويجب علينا القول في هذه الحالة: إن من له حيثيتان bما به الاشتراك وما به الامتيازv، يكون مركباً لا محالة، وبما أن الله غير مركب، فلا يجوز اشتراكه مع الممكنات بحالٍ من الأحوال، وقد يقال: إن ما يوجب التركيب هو الاشتراك بين شيئين في أمر ذاتي، لكن حدوث شكل من أشكال الاشتراك بين الخالق والمخلوق في أمر عرضي لا يوجبه، فالتركيب في الأمر العرضي، والعرضي خارج عن الذات، وقد طرح هذا الإشكال في القضية المعروفة بشبهة ابن كمونة.
وقد التفت القاضي سعيد إلى هذا الإشكال وسعى للإجابة عليه وقال: أيّ اشتراك في الأمر العرضي يستلزم الاشتراك في أمر ذاتي، معتبراً ذلك من المسائل القريبة من البديهة([8]).
وربما يبدو أنه يشير إلى قاعدة فلسفية معروفة مفادها: bكلّ ما بالعرض لابد وأن ينتهي إلى ما بالذاتv، وبناءً على ما طرحه القاضي سعيد، ليس إطلاق عنوان الوجود والموجود على الله مشتركاً لفظياً فحسب، بل حتى إطلاق عناوين أخرى كالعالم والقادر والحي وأمثالها مشترك لفظي أيضاً؛ أي أنّ ما يراد من صفة bعالمv للإنسان يختلف تماماً عما يراد من الصفة عينها حينما تطلق على الله تبارك وتعالى، وكذلك الحال في الصفات الأخرى كالقادر والحيّ وغيرهما.
وقد نفى القاضي سعيد في كتاباته الصفات عن الله تعالى كلّما سنحت له فرصة، معتبراً تمايز الصفات بالنسبة للخالق أمراً ممتنعاً، وكان يرى أن اختلاف صفات الباري يمكن طرحه بأحد وجوه ثلاثة:
الأول: المراد من اختلاف الصفات تتاليها؛ أي يوصف أولاً بصفةٍ ما، ثم بمجموعة صفات واحدة تلو الأخرى.
الثاني: جزء من الباري تعالى صفة معينة وجزء آخر صفة أخرى.
الثالث: الصفات المختلفة جميعها ذات الباري عينها، والاختلاف بينها إنما كان لاعتبارات وجهات مختلفة.
ويعتبر القاضي سعيد الوجوه الثلاثة هذه باطلةً؛ لأنها تستلزم النهاية والمحدودية، وقد تحدّث بشكل مفصل حول كيفية استلزام كل وجه من الوجوه المذكورة المحدودية في حقّ الباري، لكن المقام لا يسع لنقل آرائه، ونكتفي بذكر أساس استدلالاته جميعها وهو أن الصفة نهاية الموصوف([9])، وقد طرح هذه المسألة بصيغ مختلفة وفي مواضع متعدّدة.
* * *
الهوامش
(*) أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة طهران، له مصنفات هامة مثل: مناجاة الفيلسوف، وحركة الفكر الفلسفي.
1 ــــ جلال الدين الآشتياني، منتخباتی از آثار حکمای الهی ايران (مقتطفات من تأليفات الفلاسفة المتألهين الإيرانيين) 1: 218.
2 ــــ القاضي سعيد القمي، كليد بهشت (مفتاح الجنة): 70، 71، انتشارات الزهراء.
3 ــــ عمانوئيل كانط (1724ـ 1804) (Emmanuel Kant) فيلسوف ألماني من أسرة اسكتلندية.
4 ــــ إيزك نيوتن (1642ـ 1727) (Isac Newton) عالم طبيعي إنجليزي.
5 ــــ ديفيد هيوم (1711ـ 1776) (David Hume) فيلسوف ومؤرخ وعالم اقتصاد اسكتلندي.
8 ــــ الفيض الكاشاني، أصول المعارف: 194، تصحيح: السيد جلال الدين الآشتياني.
9 ــــ المصدر نفسه: 190.
10 ــــ القاضي سعيد القمي، شرح توحيد الصدوق: 180، تصحيح: الدكتور نجفقلي حبيبي.
11 ــــ المصدر نفسه: 229.