في مسيرة الإنسان تكمن الأسرار وتتفجر المفاجآت ، فالقرآن كان صريحا في حكايته عن الإنسان حيث قال الله تعالى :” يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” الانشقاق – ٦
هي مسيرة كادحة في طبيعتها ، وهي سنة الحياة وقانونها ، ومن يعاند هذه السنة سيترتب على مسيرته التعاندية أثار ترتد عليه وعلى محيطه ، وسيتضرر كإنسان في كرامته ، كون الكرامة لها مقتضيات وأهمها السير وفق السيرة والسنن الالهية كي تتحقق تلك الكرامة .
والسلوك هو نتاج اختيار الانسان وإرادته ، والسلوك هو ظاهر باطنه ما يكتنزه العقل من أفكار تشكل عقيدته ومبانيه .وبالتالي تحرك خياراته وإرادته وتوجهها والسلوك.
فالفكرة لها أهمية كبيرة في صناعة الإنسان وخلق مسارات كدحه ، لكنها في نفس الوقت قد تتحول لسلاح وأداة في عدة اتجاهات .
أهمها في الاغلب الأعم :
– سلاح في يد صاحبها يستضعف به الأقل علما وثقافة ، بحيث يوجه عقولهم باتجاه أفكاره .
– سلاح يستغل بها الأقل علمه في تحقيق مشاريعه ومصالحه للوصول إلى منصب أو نفوذ أو سلطة .
– سلاح يخدر بها ذاته المتضخمة ، ويخدر بها أيضا المحيط الاجتماعي .
– سلاح يرتقي بذاته به ويرتقي بمحيطه نحو الحق والكدح على الصراط المستقيم .
– المجتمع بين الفكرة والثورة :
المجتمعات الإنسانية تتفاوت في الفهم والإدراك بين الشدة والضعف ، في الفكرة والثورة ، ونادرا ما نجد مجتمعا جامعا لكليهما باتزان .
فهناك مجتمعات تتميز بغزارة افكارها ونشاطها الميداني الذي تحول فيه أفكارها لمشاريع عمل تخدم المجتمع في بعده الثقافي والديني والفكري ، لكن هذه المجتمعات ذاتها تجدها عاجزة عن رفع الظلم الواقع عليها ، واخذ الحق المسلوب منها ، ومواجهة السلطان الجائر المتحكم في مصيرها ، رغم الزخم الفكري والعلمي المحيط بها ، إلا أن الثورة كفكرة ومنهج غائبة عن وعيها وعزمها وإدراكها .
وهو ما يدلل على أن ما تملكه من ثراء فكري وثقافي وديني ناقص ، كونها رضيت بالظلم والاستعباد خوفا .
وهنا الخوف دلالة على عدم قدرة هذا الفكر على تحرير الذوات أي على عدم فهم الحرية الحقيقية وعيشها في الكيان الداخلي للإنسان لتتحول لثورة ناهضة في سلوكه ومفاصل حياته اليومية .
هذا الانفصال يتطلب إعادة نظر ، وتحرر حقيقي كي تتحول هذه الأفكار إلى نهضة ترفع الظلم وتعيد الحقوق المسلوبة وترمي الطواغيت في بحر موسى وطوفانه الهدار بالعبودية لله.
وفي الوضع الطبيعي تبني المنظومة الفكرية حالة الاتزان الثوري وترسم له مساراته السليمة التي تناسب مقاماته ، إذ لكل مقام مقال ، فالثورة لا نعني بها هنا بالضرورة العسكر فقط ، ولا نعني بها المواجهة الصريحة المباشرة فقط ، بل من مضامين الثورة كلمة حق في وجه سلطان جائر ، وهنا يفترض أن ما نملكه من غزارة فكرية يكون القلم الذي يخط لنا منهجية الثورة المناسبة ومراحلها في مواجهة النظام الظالم ،فأي ثورة لابد أن تكون لها مقومات تتقوم بها أهمها :
– القيادة الصالحة الواعية المتصلة بالسماء
– أهداف تدمج بين الملكوت والملك ، السماء والأرض
– منظومة فكرية قادرة على رسم المنهج الذي يحق الأهداف بأليات وأدوات صالحة
– المثل الأعلى – النموذج – الذي يشكل مرجعية في الفكرة والثورة.
فمجرد امتلاك غزارة فكرية واقبال جماهيري على العلم والثقافة لا يعني بالضرورة امتلاك القدرة على الحركة والمواجهة ، وهذا تبنيه الجماهير في سلوكها الاجتماعي ونظامها السلطاني.
وهناك مجتمعات تميزت بغزارة ثورتها وقدرتها على التضحية في سبيل العيش بكرامة وعزة ، إلا أن هذه الغزارة لم تنشأ من فكرة الثورة كبذرة سقيت بالعلم والمعرفة لتنمو في العقل وتنقش على القلب وتتحول إلى فكرة شاملة لكل الحياة .
بل تحولت فكرة الثورة إلى دلالة من دلالاتها الكثيرة وباتت الثورة تعني في ذهنية هذا المجتمع فقط بذل النفس ،وما لهذا المعنى من عمق قيمي سامي فهو أعلى مراتب البر ، لكن الدم المبذول أمانه في عنق المجتمع ، وهو وقود لثورة شاملة توجه خطى قوافي حروفنا لترسم بها كلمات تنهض بوعينا وعقلنا ، لتصنع أفكارا تثبت الهوية وتجعل أقدام افكارنا كالأوتاد الثابتة في أرض عقولنا، لا تهزها كل رياح العولمة ولا يُمَيِّعُها جبر التعايش في مجتمعات خليطة في الفكر والهوية .
فالثورة منفردة لا تستطيع الحفاظ على ما سقط من دماء في طريق التحرير والكرامة والعزة وصناعة الأمجاد ، بل تحتاج الثورة إلى تجسير مع الأفكار كي تقيم بنيان مرصوص يكمل مسيرة الوعي والتحرر من الذات إلى كل العالم.
فلا يكفينا الترويج لمفهوم البذل والفداء والتركير على العاطفة للجذب لأجل البذل ، فإن ذلك قد يذوب عند أول هبة ريح فتنة أو شهوة وفساد، بل يتحول لسلاح يسطو به الأقوياء باسم الدم على المستضعفين .
إن بناء مفهوم التضحية والبذل بناءا فكريا وتحويله لمنهج حياة لا يقتصر على بذل النفس بل يتعداه ليتحول لفهم ثوري تغييري في كل مفاصل الحياة فكرا وعقيدة ونهضة.
إن أصل فكرة المقاومة تحوي منهجا حياتيا يحقق الكرامة والعزة على كافة المستويات ويقلل من فرص الاستغلال والفساد باستغلال شعار المقاومة والتضحية والبذل.
إن المجتمعات الجامعة للفكر والثورة تجدها مجتمعات مبدعة ، مكتفية ذاتيا ومنتجة لكل افكارها وثورتها ، فثورتها الشاملة تمنحها عزة وكرامة وحرية تدفع بالعقول للابداع في الافكار الدافعة لعجلة التنمية في كل المجالات، كي تكمل مسيرة التحرر والعيش الكريم بامتلاك ادواته كافة كي لا تصبح مكسر عصا لأي جهة .
إنالجامعيةبينالفكرةوالثورةتحميالمجتمعاتمناستعبادالذاتواستعبادالآخر،وتبنيهويتهاوتعمقانتماءهالتلكالهوية،وترفعمنسوبوعيهاإلىمستوىتكونفيهقادرةعلىصناعةمستقبلهاواختيارمنيقودمسيرتهابشكلتكونهيشريكةفيالقراروصناعةتاريخأمتها،شراكةنديةتحترمالآخروتستفيدمنهدونأنتفقدمالديها