شاكر الجوهري
200 مليون إفريقي قتلوا أو قنصوا وخطفوا لأمريكا
حمّل مشاركون في ندوة نظمها المنتدى العالمي للوسطية في العاصمة الأردنية عمان، الغرب المسؤولية عن الغلو الإسلامي، الذي يمارسه متطرفون، والذي جاء ردا على غلو الغرب.
الندوة التي ادارها المهندس مروان الفاعوري، الأمين العام للمنتدى، كانت الورقة الأولى فيها للنائب الإسلامي السوري الدكتور محمد حبش، بعنوان "قراءة في موقف الإسلام من التطرف والتكفير والعنف"، بدأها بالإشارة إلى أن العنف ظل إلى وقت قريب يرتبط بالغرب الطامع في خيرات المنطقة، واجداً وقوده وناره في ثقافة الإلحاد التي تبناها قسم كبير من الغربيين.
واستشهد حبش بأن القوى المستكبرة أكلت الشعوب الصغيرة، وأكل القوي الضعيف، ثم مضى الغرب إلى تمجيد البطش والقوة، وأعلن الفيلسوف فريدريه نيتشه موت الإله، وأوصى بوضع رفاته في المتحف، وأعلن الإنسان سوبرماناً ووحشاً، وأنه لا مانع اخلاقياً من إبادة نصف الناس، ليعيش النصف الآخر من الأقوياء والجبارين والمستبدين.
وأشار إلى أن الغرب بدأ الحروب الصليبية المدمرة والحروب الإستعمارية المتوحشة، ثم أحرق ذاته في حربين عالميتين، ونحو مائة حرب اقليمية أخرى خلفت نحو تسعين مليون قتيل ومعوق.
وانتقل حبش بعد ذلك إلى تحديد أن ما يعنينا في هذا المقام هو تقديم رؤيا اسلامية للعلاقة بين الجهاد والإرهاب، وواجب الأمة في احياء ثقافة الجهاد، وواجبها في نشر السلام والأمن في الأرض.
ولفت إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حذر من الدخول في الفتنة والتشدد في الدين، وقال غير أنه حين ظهر التشدد في الأمة، لم يبال المتشددون في إراقة دم المسلم وهدر دمه، وصولاً إلى قتل اثنين من خلفاء الرسول.. عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.. محتضراً كيف أن الخارجي عبد الرحمن بن ملجم، قاتل الإمام علي، قال لحظة ارتكاب جريمته "اللهم تقبل مني جهادي، فإنني ما قتلته إلا فيك وفي سبيلك"..!
لذا، طالب حبش قادة الأمة بالبحث عن الأدلة الشرعية التي تحدد فقه الجهاد، وتميز بين مسؤولية المسلم في الجهاد ومسؤوليته في اجتناب الفتنة، ذلك أن الإسلام الذي أمر بسل السيف ساعة الجهاد، أمر بكسر السيف يوم الفتنة.
ولفت حبش إلى وجود سبعة عشر مستوى من الآيات القرآنية تتحدث عن الجهاد، تتدرج من قول الله تعالى "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون"، وصولاً إلى قوله تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، وما شابه هذه الآية في المعنى.
وقال إن المشكلة تكمن في أن التيار التكفيري يرى في هذه الآيات ناسخاً لما تقدمها من الآيات البينات، وتشتهر عندهم عبارة "الأمر على ما مات عليه الرسول"، ما يعني أن الآيات الأخيرة ناسخة لما قبلها من نصوص القرآن الكريم.. رافضاً المحاضر هذا المنطق، الذي يؤمن كذلك بأن العالم فسطاط ايمان، وفسطاط كفر، لا مكان بينهما للون الرمادي.
وأكد حبش على أن "الشريعة كلفتنا بسل السيف لقتال البغاة والمعتدين، وهي ذاتها كلفت المسلم بكسر السيف يوم الفتنة"، ملاحظاً أن الثانية أصعب على النفس البشرية من الأولى.
ورفض حبش منطق التكفير بين الذين يقولون إن القتال الذي يخوضونه اليوم ضد المخالفين من المسلمين هو ما قرره الفقهاء تحت باب دفع الصائل، ذلك أن الصائل قد يباغتك في أي مكان، ومن غير المعقول أن تنتظر إذناً للدفاع عن نفسك. وقال الأصل هو قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار".
ويخلص حبش إلى أن الكفر الذي قررت الشريعة أنه يستوجب القتل والقتال هو الكفر المتصل بالحرابة والعدوان، لافتاً إلى أنه من غير المنطقي قتل ملايين من البشر لا ينطقون بالشهادتين من أهل كتاب وبوذيين وهندوس وعلمانيين ولا دينيين.
ويؤكد أن هؤلاء دمهم ليس مهدوراً، ولا يجوز قتلهم وسلب اموالهم، لأن الإسلام لا يؤسس لعلاقات دموية بين أمم الأرض، رافضاً منطق "أسلم تسلم وإلا ضربت عنقك"، موضحاً أن هذا يكون فقط في أرض المعركة.
ويختم حبش بقول الله تعالى "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً"، ملاحظاً أن الله لم يقل من قتل مؤمناً أو مسلماً، أو سنياً أو شيعياً، وإنما قال من قتل نفساً.
الورقة الثانية قدمها الداعية الدكتور أحمد نوفل، استاذ الشريعة الإسلامية، وكانت بعنوان "الوسطية مشروع الأمة الحضاري"، دون أن يلتزم بما كلف به من اعداد ورقة عن التطرف من افغانستان إلى زمن العولمة.
تحت العنوان الذي اختاره أحد الذين حشدوا لـ "الجهاد في افغانستان"، قال الدكتور نوفل إن الوسطية هي "مطابقة الفطرة، والفطرة هي الدين.. فالوسطية هي الدين والفطرة وحسن التطبيق وحسن التعامل معهما، إنها بحبوحة الطريق والتطبيق والفسحة التي تتسع لكل السالكين: السابقين وأصحاب اليمين وحتى الذين هم لأنفسهم يظلمون، أخذاً بيدهم إلى التغيير والتحسين".
وتحدث عن مشروع النهوض قائلاً "ينبغي أن يكون شاملاً للدين كله وللأمة كلها، وطاقات الفرد برمتها: في الصعد كلها: السياسية والعسكرية والثقافية والأدبية والاجتماعية".
وأضاف "إن اسيء فهمه وحكم عليه بالأحكام الجائرة، كل ذلك جره تخلفنا فكان لزاماً وجوب الخروج من هذا التعطل الحضاري وبأسرع من المستطاع".
وقرر نوفل "لعد عانت البشرية من الغلو والتطرف ما عانت، والغلو ليس حكراً على أحد وليس أحد من الأمم منه بمنجاة، فهو مرض يصيب الأمم كلها، كما تصيب الأمراض الناس جميعاً".
وقال "إن ما تعيشه الأمة من ظرف استثنائي قد يوحي بفعل متطرف كحل لمشكلتنا، والعكس هو الصحيح".
وأكد أنه لا نجاح للمشروع النهضوي إلا مع الوسطية. وتساءل "فكم من محاولات للنهوض أو الجهاد أو طرد المستعمر، انتهجت الغلو والتطرف فما حققت إلا مزيداً من انتكاس الأمة وتجذر المستعمر".
وختم ورقته قائلاً "صحيح وحق ما يقال أن اوطاننا استعمرت وإن ثرواتنا قد نهبت وإن حقوقنا قد غصبت وإن مقدساتنا قد هددت، ومع كل هذا فإن الجراحة المطلوب منا اجراؤها ما هي إلا جزء من رحمتنا بهذه الإنسانية".
ورقة العمل الثالثة والأخيرة في جلسة العمل الأولى كانت للدكتور محمد الخطيب استاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة الاردنية، الذي عرف الخوارج في عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بأنهم جماعة مستقلة ظهرت مع حادثة التحكيم التي وقعت بعد معركة صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، عندما قبل علي بالتحكيم في الخلاف بينه وبين معاوية بعد أن حمله الخوارج انفسهم على ذلك، ولما جاء أمر التحكيم بغير ما يرضون قالوا "لم حكمت الرجال في أمر الله؟ لا حكم إلا الله".
ويقول إن الإمام علي بقبوله التحكيم قد حكم الرجال في أمر الله الذي يقول عنه تعالى "إن الحكم إلا لله".
ويعدد الخطيب من اشكال غلو الخوارج تكفيرهم عثمان، وطلحة، والزبير، وعائشة، وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم، وسائر المسلمين معهم، وتخليدهم في النار جميعاً.
كما أنهم اباحوا قتل اطفال المخالفين والنساء معهم. وقرروا اسقاط الرجم عن الزاني، إذ ليس في القرآن ذكره، وإسقاط حد القذف عن قذف المحصنين من الرجال، مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء. وقالوا إن اطفال المشركين في النار مع آبائهم. وقرروا أن التقية غير جائزة في قول ولا عمل.
وبعد كل ذلك جوزوا أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته، أو كان كافراً قبل البعثة. واجتهدوا أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة، خرج به عن الإسلام جملة، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار.
ويخلص الخطيب إلى أن الأزارقة، وهم فرقة من الخوارج لم يكونوا يعرفون الأمر الوسط بين الإيمان والكفر، فالإنسان عندهم إما أن يكون مؤمناً وإما أن يكون كافراً، وأن الإيمان قول وعمل، وأنه أمر كلي لا يتجزأ فمن حقق الإيمان بجميع اقواله وأفعاله فهو مؤمن، وإلا فهو كافر.
جلسة العمل الأخيرة، كان أول المتحدثين فيها منتصر الزيات، محامي الجماعات الإسلامية في مصر، الذي أكد عدم جواز تناول هذا الملف باستخفاف ولامبالاة. واستعرض صفحات من هذا الملف من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث تم التعامل مع هذا الملف من زاوية أمنية، دون الاهتمام بإدارة حوار فكري وفقهي حقيقي وموضوعي مع المتشددين الإسلاميين.
وقال إنه في عهد عبد الناصر اوكل ملف الحوار مع الإسلاميين إلى حمزة البسيوني قائد السجن الحربي الشهير، ولذا لم تقدم تلك البدايات شيئاً.
وتطرق الزيات إلى الوساطة التي قام بها بعض رجال الدين والمفكرين البارزين في مصر برعاية الشيخين الكبيرين الراحلين الشعراوي والغزالي، معتبراً اياها أول محاولة جادة لإدارة حوار حقيقي وموضوعي نزيه مع جماعات العنف والتشدد، لكنه قال إن حوارات كثيرة تدخلت وأعاقت وأجهضت المحاولة، وذلك حتى كانت مبادرة الجماعة الإسلامية في مصر التي اطلقها بعض شيوخ الجماعة وقياداتها التاريخية داخل السجون في يوليو 1997 التي فتحت الباب واسعاً لحوارات داخلية بين القيادات والكوادر لإعادة تقييم الأفكار والمعتقدات وقراءة الأحداث في ضوء هذه المراجعات، لم تكن المحاولة سهلة.. بل قابلتها عقبات كؤود من الجانبين.. الرسمي ودوائر داخل الجماعات نفسها، حيث كان أبرز ما يمكن رصده بالخصوص حادث الأقصر الأسود الذي هوجمت فيه مجموعة من السياح الألمان.
وقدم الزيات عددا من النقاط قال إنه يجب مراعاتها في الحوار مع الإسلاميين المتشددين منها:
1ـ صنع مناخ موضوعي ومناسب لإجراء هذه الحوارات.
2ـ أن تكون أي معالجات للمتطرفين والمتشددين ضمن رؤية متكاملة أمنياً واجتماعياً وسياسياً وفي إطار القانون وليس خروجاً عنه.
3ـ التركيز على ضرورة عدم احتكارهم الحديث باسم الإسلام ونفي الآخر.
4ـ ضرورة اشاعة ثقافة العلم والفقه في دوائر المتدينين الشباب.
الورقة الثانية كانت للباحث ابراهيم الغرايبة، وكانت بعنوان "الغلو والتطرف الديني بين المقاربة الفكرية والأمنية".
وقد بدأ الغرايبة ورقته بالقول "تحظى دراسة الجهود والحركات الإسلامية الإصلاحية الحديثة بأهمية كبرى في هذه المرحلة ربما تفوق أي مرحلة سابقة، فقد حدثت تحولات وأحداث مهمة تبدت فيها اولويات واحتياجات جديدة يجب ادراكها، وظهرت خارطة جديدة من الامتدادات والحركات، وثمة تحديات وعيوب كثيرة رافقت العمل الإصلاحي يجب الالتفات إليها".
وأشار الغرايبة إلى أن "التطرف والغلو وإن كان مذموماً ومنهياً عنه في القرآن والتقاليد والتجارب الإنسانية، فإنه في أصله التزام، ينطوي على قدر كبير من التطهر والنبل والبحث عن الأفضل، والمتطرفون في فهمهم وتطبيقهم للدين يستخدمون غالباً النصوص الدينية الصحيحة التي يستخدمها سائر الفئات الأخرى من المتدينين، فالاختلاف هو في الفهم والتقدير وملابساتهما، وذلك يعني بالتأكيد ضرورة مواصلة الحوار والجدل والتعلم حتى تصل الأمم إلى الفهم الأفضل والتطبيق الأصح للدين".
وأشار الغرايبة إلى أن العمل الإصلاحي بدأ بمبادرات ومشروعات نهض بها مصلحون ومفكرون مثل محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، وجمال الدين الافغاني في مصر والدولة العثمانية، ومحمد عبده ورشيد رضا في مصر، وعبد الرحمن الكواكبي في الشام، وسعيد النورسي في تركيا، ومحمد بلحسن بلحجوي وعلال الفاسي في المغرب، وعبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي في الجزائر، والطاهر عاشور في تونس، ثم في حركات تحررية واستقلالية مثل السنوسية في ليبيا والمهدية في السودان والمريدين في القفقاس، ثم استوعبت هذا التراث الإصلاحي والنهضوي حركات اسلامية منظمة وشعبية مثل الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا تلميذ رشيد رضا، والجماعة الإسلامية في القارة الهندية، والحركة الشيعية في ايران، والحركة الإسلامية في تركيا (حزب السلامة، ثم حزب الرفاه، ثم حزب الفضيلة، ثم حزبا السعادة والعدالة والتنمية).
وأضاف تطور مشهد العمل الإسلامي اليوم الى خارطة معقدة وشاملة تشمل دولاً قامت على أساس حركات وأفكار اسلامية أو متأثرة بها، مثل السعودية وايران والسودان وافغانستان، وتجارب ومحاولات للحكم والمشاركة السياسية مثل حزب الرفاه ثم حزب العدالة والتنمية في تركيا، والجبهة الإسلامية وحركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح في الجزائر وحزب الله.
ولاحظ أنه نشأت أيضاً حركات اسلامية تتخذ من العنف والتطرف وسيلة للعمل والتغيير، مثل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر، والجماعات الإسلامية في الجزائر، وشبكات وخلايا اسلامية منتشرة في العالم يعتقد أنها تنظمها شبكة القاعدة بقيادة اسامة بن لادن، ويعتقد أنها مسؤولة عن مجموعة كبيرة من أحداث العنف أهمها بالطبع تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، أو ما اصطلح على تسميتها بأحداث 11 سبتمبر 2001.
ويرى الغرايبة أنه "ربما يلخص كتاب أيمن الظواهري "الحصاد المر: الإخوان المسلمون في ستين عاماً" الخطوط والمبادئ العامة لجماعات العنف والتشدد أو جزء كبير منها. ويقول "الكتاب وإن كان يقدم بوضوح وتفصيل الخلاف بين جماعة الإخوان المسلمين وجماعة الجهاد، فإنه يصلح لفهم الأسس الفكرية والمنهجية لجماعة الجهاد".
ويعرض الظواهري، وفقاً للغرايبة جولة مضنية وطويلة من الأمثلة والشواهد من اقوال الإخوان وممارساتهم التي هي كما يقول الظواهري جزء قليل من ركام هائل، وهي أمثلة على تأييد الإخوان للحكام في مصر، ومواقفهم المؤيدة للدستور والديمقراطية ورفضهم العنف وقبولهم بالأحزاب العلمانية وغير الإسلامية، وقبولهم ومشاركتهم في عمليات تداول السلطة والتنافس عليها سلمياً، وقبولهم بالقوانين والأنظمة والتشريعات القائمة في مصر والعالم الإسلامي.
ويتابع الغرايبة الاستشهاد بكتاب الظواهري ناقلاً قوله "وأما قتال الإخوان المسلمين في فلسطين وفي قناة السويس عام 1951 عندما كان الإنجليز يهيمنون عليها فهو كما يراه الظواهري من الانسجام مع الاتجاهات الرسمية التي كانت تريد القتال، ثم إن القتال في فلسطين (يقول الظواهري) أقل وجوباً من قتال الحكام المرتدين، لأن قتال المرتد مقدم على قتال الكافر الأصلي، ولأن تحرير فلسطين والبلاد الإسلامية المحتلة يكون بعد اقامة حكم الله، أو كما كتب الظواهري مرة في نشرة جماعة الجهاد تحرير القدس يبدأ بتحرير القاهرة".
ويستعرض الغرايبة دور الاستخبارات العسكرية الجزائرية في استدراج المتطرفين الجزائريين نحو ارتكاب العنف.
ورقة الدكتور طلابي
الكلمة الثالثة والأخيرة في الجلسة الثانية، والأكثر اهمية من سابقاتها كانت للعلامة المغربي الدكتور محمد طلابي، الذي تحول من تجربة تزيد على الخمسة عشر عاماً في قيادة التنظيمات اليسارية في المغرب إلى العمل الدعوي الإسلامي.
طلابي قدم عرضاً متكاملاً لظاهرة التشدد والتطرف الإسلامي، والعلاج الذي يراه لهذه الظاهرة.
بدأ طلابي ورقته بالتأكيد أن مدرسة الغلو هي غربية في الأساس فقست مدارس ارهابية في العالم كله.
ولاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست سنة 1927 بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918، وأن منظمات ماركسية مثل بادر ماينهوف في المانيا، والجيش الأحمر في اليابان، والألوية الحمراء في ايطاليا تشكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، التي هزمت فيها هذه البلدان، حيث تعرضت ايطاليا للاحتلال، والمانيا للاحتلال والتقسيم، واليابان للضرب بالقنابل الذرية..!
واعتبر طلابي كل هذه المدارس الإرهابية الإسلامية والماركسية مدارس شرعية في مدرسة الإرهاب الغربي.
وتساءل طلابي: ما البديل..؟ وهل هو بديل استراتيجي أم آني يومي..؟
وواصل التساؤل: لم عاد خوارج الفتنة الكبرى من جديد في عصر العولمة، بعد أن اسسوا دولاً ثم انقرضوا ولم تبق لهم غير جذور بسيطة..؟
واعتبر أن انقراضهم دليل على أنهم كانوا في وضع غير طبيعي. وقال: ذات الأمر ينطبق على كل الفرق المتشددة، ملاحظاً أن عدد المسلمين الشيعة في العالم يبلغ مائتي مليون، مقارنة بمليار ومائتي مليون مسلم سني في العالم. ورد سبب كثرة السنة إلى منهجية الوسطية دون افراط أو تفريط، التي ينتهجونها.
وكرر: "التطرف ينقرض مع الزمن كيفما كان، لأنه يتصادم مع الفطرة القائمة على الوسطية في كل شيء".
ورد العلامة طلابي عودة التطرف مطلع الألفية الثالثة إلى مفاهيم الغلو لدى العقل الغربي القائد للحضارة الغربية والعالمية في الوقت الحالي.
وقال إنه عقل قائم على مفاهيم مغالية ومتشددة، انتهت إلى تبني مسلكية غربية انتهت إلى ممارسة العدوان.
وحدد طلابي اركان العقل الغربي الذي انتج هذه المسلكية العدوانية في:
أولاً: المفكر الايطالي مكيافللي الذي قرر أن السياسة لا تخضع للأخلاق، وأن الغاية تبرر الوسيلة.
ثانياً: تشارلز داروين وكارل ماركس، إذ صاغ الأول نظرية التطور، وصاغ الثاني نظرية صراع الحضارات والطبقات. وقرر كلاهما أن البقاء هو للأقوى، وأن القوة هي العدل.
ثالثا: اعتبار تحقيق الشهوات وملذات الجسد والمال والفرج والبطن والسلطة أساس كل العمران.
وقال طلابي: هذا العقل الغربي تشكل خلال قرون، بدءاً من القرن الخامس عشر.
ولخص ما سبق بالتأكيد على أن المفاهيم الغربية قائمة على الغلو والتطرف، ونفي القيمتين الدينية والأخلاقية. وقال إن نتيجة هذا العقل كانت العدوان على الشعوب الأخرى واستعبادها.
في اطار ممارسات هذا العقل، قال طلابي: تم قتل أو قنص ما بين 100 و200 مليون افريقي، نقل الأحياء منهم إلى امريكا، وذلك في أكبر جريمة ارتكبت في تاريخ البشرية، إلى جانب جريمة افناء أمة الهنود الحمر، الذين كان تعدادهم مطلع القرن السادس عشر ستين مليون نسمة، انقرضوا في نهاية ذات القرن إلى اثني عشر مليون نسمة فقط، في حين كان مفترضاً أن يزداد عددهم إلى مائة وعشرين مليون نسمة.
ولم يستبعد طلابي أن يؤدي هذا العقل الغربي إلى تدمير الكرة الأرضية في نهاية المطاف، بسبب شرعنة الشهوة.
وأعاد إلى الأذهان أنه كانت توجد مطلع القرن العشرين ألفا منظومة ثقافية في العالم، بقي منها في الوقت الحالي فقط اربعمائة منظومة ثقافية، وذلك بسبب تعميم نموذج الثقافة الغربية بشكل قسري، من خلال اللجوء إلى استخدام القوة وتحطيم ادوات الإنتاج الحضاري للأمة الإسلامية.
واعتبر طلابي أن تصفية الإخوان المسلمين في مصر في خمسينيات القرن الماضي، منتجاً للتطرف الإسلامي في مصر، رداً على التطرف العلماني.
وختم العلامة طلابي ورقته، بتحديد سبل العلاج من ظاهرة التطرف الإسلامي في النقاط التالية:
أولاً: اصلاح العقل الغربي، ذلك أنه لا تعايش ولا حوار إن ظل العقل الغربي قائماً على العنف والشهوة والتناحر. وقال إن اصلاح العقل الغربي يحتاج إلى عدة قرون، مؤكداً أن الحوار مع الغرب هدفه انقاذ الغرب.
ثانياً: اصلاح طرائق التفكير في المدرسة الإسلامية، ومن ضمنها الوسطيون، وليس فقط عند أهل الغلو. وتساءل: أين هي الديمقراطية لدى المنظمات الإسلامية المعتدلة..؟
واعتبر اصلاح طرائق التفكير لدى المعتدلين الإسلاميين، اسهل من اصلاح العقل الغربي.
ثالثاً: الحوار مع العلمانيين في بلاد المسلمين، خاصة الوطنيين، مؤكداً وجود اسلاميين علمانيين.
رابعاً: تحقيق اصلاح سياسي اجتماعي في العالم الإسلامي.
خامساً: الجدية في حوار الحضارات، منادياً بالخلاص من الإسلام فوبيا، والغرب فوبيا. مؤكداً وجوب اللجوء إلى الجهاد المدني في حالة عدم وجود الدبابة والمدفع لدى العدو. وقال: رأس الجهاد هو الديمقراطية.
أما في حال تعرض المجتمعات الإسلامية للعدوان بالدبابات والمدافع والطائرات، فإن الجهاد يجب أن يكون بالرصاص.