ترجمة: عقيل البندر
الكتاب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([1]).
المؤلف: مايكل كوب([2]).
ترجمه إلى الفارسية: أحمد نمائي([3]).
نشر: مركز الأبحاث الإسلامية، مشهد، الطبعة الأولى، 1384ش/2005م.
مقدمة([4])
يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المكر جزءاً مهمّاً من الثقافة القرآنية الخالدة، وله أثر كبير في إعداد المجتمع السوي والحدّ من انحرافاته الاجتماعية والخلقية، وكان هذا العنصر المهم ـ كبقية مفاهيم القرآن ـ محلاً لسوء الفهم والتطبيق من بعض الأفراد والجماعات المسلمة، وراح بعض حكّام المسلمين يصوّرونه بأشكال وصور قبيحة بعيداً عن واقعه وحقيقته.
وهذا الكتاب يتناول عرضاً تأريخياً فقهياً مقارناً لهذه المسألة طبق ما تراه المذاهب الإسلامية المختلفة سواء الفقهية منها أم الكلامية منذ العصور المتقدّمة وإلى عهد قريب.
الهدف من هذا الكتاب
مساء يوم 22 سبتمبر عام 1988م تعرّضت امرأة في محطّة للقطار في ولاية شيكاغو الأمريكية إلى التحرّش الجنسي على مرأى ومسمع جمع غفير من الناس، ولم يتحرك أحد لنجدتها سوى «رَندي كايلز»، وقد علّل فعله بما يلي: «شعرت بعدم صحة هذا العمل، فيمكن أن تكون هذه المرأة أمّي أو عمتي أو خالتي أو إحدى صديقات والدتي (الكتاب: 15 ـ 16)». وأضاف المؤلف عندما نقل هذا التقرير عن صحيفة «نيويورك تايمز»([5]): «إن على المرء عندما يصادف مثل هذه الحوادث إما أن يفعل شيئاً، أو يأتي بعذر مقبول عن صمته إزاء ذلك». نحن نشعر بأن ثمة وظيفة ملقاة على عاتقنا، فبالإضافة إلى وجوب سلوك الطريق الصحيح والقيام بالعمل المناسب، كذلك يجب منع الآخرين من فعل شيء غير لائق بحق أبناء جنسهم.
ولا يوجد في الغرب تعريف خاصّ ومعنى معيّن لشرح مثل هذا الأمر ووعيه، بل لا يوجد اسم محدّد لمثل هذه الوظيفة، وإن كان الحقوقيون والفلاسفة قد وضعوا كلمة «مساعدة أو نجدة»، في حال يوجد في الإسلام وظيفة أخلاقية كبيرة ومهمّة باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (المصدر نفسه: 17 ـ 19).
من هنا، كان هدف المؤلف عرض تقرير مسهب عن هذه الوظيفة على غرار ما جاء في النصوص الإسلامية، وإن كان يرى أن هذا البحث يقتصر على الوظيفة الفردية للمؤمنين عندما يواجهون المنكرات كشرب الخمر والموسيقى وسفور المرأة، وتحدّث على هامش ذلك عن وظائف الحاكم وواجبات موظفي الحكومة (الحسبة).
والهدف الأخير الذي يصبو إليه المؤلف ـ انطلاقاً من كونه مؤرخاً فكريّاً ـ أنه كيف وصل الإسلام إلى هذه الشعيرة وأسّس هذا المبدأ؟ ولماذا اختلفت هذه الفكرة في المجتمعات الإسلامية على أشكال وصور متعدّدة؟ وانطلاقاً من كونه مؤرخاً اجتماعياً أراد البحث في التغييرات التي حدثت في المجتمع والتي نشأت فيها هذه السنّة العظيمة، وهو يعترف أخيراً بأن ما وصل إليه وما فهمه في هذا المجال كان محدوداً ويسيراً جدّاً (المصدر نفسه: 21).
أسلوب البحث ومنهج الدراسة
ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف، خصّص كوك القسم الأوّل من الكتاب لعرض وتحليل الأصول والقواعد القرآنية بنهج توصيفي، إلى جانب ذكر التفاسير والأحاديث مع الاستفادة من كتب الرجال لمعرفة أحوال المسلمين القدامى، واختصّ القسم الثاني بعرض عقائد الحنابلة. وتركّز القسم الثالث على بيان أفضل المدارس وأثراها منابعاً وأصولاً في عرض التأريخ الفكري لهذه الوظيفة، وهي المدرسة الاعتزالية والزيدية والإمامية، وجاء القسم الرابع لسرد بقية الفرق والمذاهب: الحنفية والشافعية والمالكية والإباضية والفكر الغزالي، وقد ختم المؤلف هذا القسم بفصل أخير عرض فيه طرحاً كلياً للإسلام الأوّل الأصيل، وقد عنون القسم الخامس بـ (اضمحلال الإسلام الأصيل)، والذي بحث فيه مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات الإسلامية المتنوعة بشكل مقتضب؛ لأن مايكل كوك يجيد اللغة العربية والفارسية والتركية، وتعرّض كوك في القسمين الأخيرين إلى تعاطي هذه الوظيفة في المجتمعات قبل الإسلام وقارنه بالمجتمعات والثقافات الأخرى غير الإسلامية، ومنها الإشارة إلى الغرب المعاصر. وقد طالع المؤلف ـ لإكمال هذا البحث ـ ما يقارب 1700 كتاب ومقالة في غضون 12 سنة، إلى جانب الاستفادة من الفرص العلمية والمنح الدراسية الأخرى.
القرآن وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يرى كوك أن القرآن الكريم لم يفصّل في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذكره حوله من مطالب كان قليلاً، وحتى مصاديقه وتطبيقاته لم تعرض بشكل واضح، ويمكن ملاحظة ذلك في الكثير من الكتابات والبحوث القرآنية، فبعد مرور أربعة عشر قرناً على نزول القرآن وتدوينه ومع وجود الموروث التفسيري الهائل لم نسمو بطرق البحث والتحقيق في القرآن الكريم إلى المستوى المنشود من حيث الأساليب الناجحة والدراسات الهادفة.
إن العلوم والمعارف القرآنية مع أنها قليلة مصابة أيضاً بعلل كثيرة ([6])، وإلى الآن لا ندري أيّ سورة أو آية يجب مطالعتها للبحث في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فغالباً ما يتّجه الباحث الذي يروم فهم آية ما إلى التفاسير والترجمات وأسباب النزول والروايات وأمثال ذلك، فهذه المصادر وإن كانت من الأهمية بمكان حيث تساعدنا كثيراً في معرفة الموضوع وفهمه، لكن متى وكيف؟ وإلى أي مذهب ورأي في ذلك نرجع؟ وما هو الأساس والأصل الذي نحكّمه في صحة وبطلان الأفكار والتوفيق ما بينها؟ فإن كل ذلك مهم في الوصول إلى نتيجة من وراء المطالعة والبحث([7]).
وفي بحثه المختصر عن بعض الآيات، ومن جملتها قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104)، طرح كوك مجموعةً من الأسئلة: من هو المخاطب هنا؟ ما هي خصوصيات ومزايا هذه الوظيفة؟ من الذي يقوم بها؟ (ص: 48 ـ 49) وانطلاقاً من كون القرآن {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} (يوسف: 7) فإن التساؤلات التي تدعو إلى التدبر والتفكّر مرحلة مهمّة في البحث القرآني، وعن طريق ذلك يمكن فهم مجموعة لا بأس بها من الأسئلة، ووعي مفاهيم أوسع وأكمل من الآيات القرآنية، من قبيل: هل أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب القيام بها من خلال اللسان؟ ما هي مصاديق المعروف والمنكر وما هي الموارد التي تنطبق عليهما؟ هل تقف المنكرات عند حدود ما تراه العين من أعمال قبيحة أو تشمل جميع الأقوال والأفعال لتتسع لكل أساليب العمل غير الصحيحة والناقصة في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والإدارية والتعليمية و… المختلفة؟ من حيث الأصل: أي هدف وأيُّ فلسفة يمكن أن تقام وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأجلها؟ ما هي العلاقة بين المعروف والعرف في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199)؟ إضافة إلى مئات من الأسئلة الأخرى.
إن مصاديق المعروف والمنكر لم تكن واضحة تمام الوضوح فعلاً، ويبدو أن الحديث عن ذلك قليل أيضاً، وهو ما يشي بكثرة وتنوّع دائرتي المعروف والمنكر ومصاديقهما، وعدم تحدّدها بزمان ومكان أو جماعة معيّنة، وبعبارة ثانية: إن المعروف والمنكر لا يجريان بحقّ جميع الأفراد والمجتمعات المختلفة ولا يصحّ تطبيقهما في جميع الظروف والمناسبات، ومن الممكن أن يتغيرا تبعاً للتطورات الزمكانية ويختلفا من شخص لآخر ومن مجموعة لأخرى([8])، وعليه فكيفية أداء هذه الوظيفة ليست مطلقة أيضاً ولا متساوية.
من جهة أخرى، من خصوصيات القرآن الأولى احتواؤه على ثقافة وأيديولوجيا لا تتقيّد بالزمان والمكان ولا بالقومية، فالنزول والإبلاغ وتعليم القرآن التدريجي قد أحدث تغييرات جذرية لدى المسلمين في صدر الإسلام وفي مجالات حياتهم المختلفة، وهو نفسه الذي حصل في مجتمعات بشرية أخرى، من هنا يمكن لمعرفة طريقة تعامل القرآن الكريم مع المنكرات وقت النزول ـ الذي يتصف بالجنبة المثالية([9])ـ والمنكرات الأخرى التي تعرّض سلامة الإنسان والمجتمعات الإنسانية الأخرى للخطر، يمكن لمعرفتها أن تساهم في تشريح مفهوم المنكر وأبعاده وعلل تحقّقه وطريقة التعامل معه، فكيفيّة تعاطي القرآن الكريم مع الخمر ومراحل تحريم شربه مثالٌ جدير بالعناية والتدبّر في هذا المجال (انظر: البقرة: 219، والمائدة: 90 ـ 91).
وبناء على ذلك، لو استطعنا إيجاز هدف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفلسفته بما يلي: «تنظيم أمور المجتمع وإنارة الدرب أمامه بهدف إيجاد ظروف مناسبة لحياة طيبة لجميع أفراد البشر في بيئة مناسبة على أساس الإيمان بالله والآخرة والقيام بالعمل الصالح».. عندئذٍ يمكن القول: إن مجموعة الأفعال التي تساعد على توسيع هذه الظروف وتثبيتها وترسيخها وتوفيرها يقال لها: أمرٌ بالمعروف، ومجموعة البرامج والأساليب والأفعال المباشرة وغير المباشرة التي ترسم وتدوّن من أجل تحقيق الظروف والإمكانات التي تساهم في الحدّ دون وقوع ما يخالفها.. يقال لها: نهيٌ عن المنكر، وعليه فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلاهما ينتج الأفعال بشكل مناسب، كما يحدّ من صور الجريمة والانحراف ومراقبتها([10]).
وعندما يبيّن القرآن الكريم الحقوق والحاجات الأساسية للإنسان، فهو يوجد نظاماً أساسياً ومُثُلاً وعلاقات فردية واجتماعية على أساس الإيمان بالله والآخرة، وكلما كانت علاقة الفرد بالله والناس أشدّ ـ وهي في الحقيقة نوع من العلاقة النقية المعتدلة ـ انبسطت ونشطت قياساً بالعلاقات الأخرى، وأصبحت قابلة للتكيّف مع الظروف والملابسات بحسب «الوسع» والقدرة، وعن طريق أداء العمل الصالح بشكل فعال يمكن للبشر الحصول على «الحياة الطيبة في المجتمع السعيد» وهو الهدف الكامن وراء تشريع الدين الإسلامي الحنيف.
بعبارة أخرى: لقد اعتنى القرآن الكريم بالبُعد الداخلي للإنسان عن طريق دعوته لتعلّمه وحمله في القلب وتثقيف الإنسان على ذلك على المستوى الباطني، مضافاً إلى تنظيم الجانب الخارجي والظاهري عن طريق تأسيس الأنظمة المتعلّقة بالتربية والاقتصاد والسياسة والحقوق، والدعوة إلى أصول وبرامج ناجعة للحياة.
وبناءً على ما تقدّم، يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ بوصفهما وظيفة عامّة ـ وجوب شعور كل فرد بالمسؤولية تجاه مصيره ومصير بني نوعه والمجتمع الذي يعيش فيه حسب العلم والوعي والتجربة والتخصّص الذي يملكه، مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع الشروط والجوانب المختلفة عند القيام بهذا التكليف، حيث يفضي التدبر في الآية 104 من سورة آل عمران والآية 22 من سورة التوبة إلى إلزام جميع الأفراد المتخصّصين والمسؤولين من أيّ صنف أو مجموعة كانوا بالبحث المستمر في المعروفات والمنكرات التي تتعرّض لها مجموعتهم على أساس العدالة والتقوى والمعايير والقيم القرآنية الأخرى، والعناية بحفظ سلامة المجتمع، وتقديم أفضل السبل للقيام بوظائفهم على نحو أفضل والقضاء على كل الأمراض والانحرافات السائدة ([11]).
عقم التفاسير الإسلامية لآيات الأمر بالمعروف
يبدأ كوك بحثه في آراء المفسرين للإجابة عن أسئلته القرآنية، بعرض الخلل التفسيري التالي، وهو أن المفسرين يميلون غالباً إلى تفسير النهي عن المنكر في إطار المذهب الذي يعتقدون به، وليس تفسيره بناءً على ما ورد في القرآن الكريم ([12]) (ص: 54). فهل كلمة «من» في «منكم» تعني إناطة هذه الوظيفة بمجموعة من المؤمنين، مما يربطها بنخبة ذات مزايا معيّنة؟
يذهب الطبري (310هـ) إلى أن الأمر بالمعروف هو كل ما أمر به الله تعالى ونبيّه، والنهي عن المنكر هو جميع ما نهيا عنه (ص: 65). ويرى الراغب الإصفهاني أن الأمر بالمعروف هو (الحسن) أو كلّ عمل يعدّ حسناً عقلاً وشرعاً، ويعتقد الزّجاج (311هـ) أن العرف أو الشرع طريقان لمعرفة المعروف؛ من هنا ذهب كوك إلى أن خلاصة ما فهمه المفسّرون من الكتاب والسنّة لتمحيص نظرية النهي عن المنكر انتهت مباشرة إلى عدم فهمهم للآيات، فرأوا أن وجوب هذا التكليف يقتصر على المؤمنين ويلزم كل واحد منهم تجاه الآخر، وتنحصر دائرته ابتداءً في النهي عن السلوك السيئ ولا يشمل الاعتقادات الكلية والمسائل الأخلاقية(ص: 77)؛ فكوك يرى أنّ ما يقولونه في ذلك ليس واضحاً من الآيات القرآنية، فهل ما بيّنوه من عرض لهذا التكليف يمكن فهمه من الأفكار الإسلامية الحديثة؟ خصوصاً أن هذا الغموض كان يلف العهد الأول من التفاسير (ص: 89).
الحديث الشريف والنصوص المتعارضة إزاء فريضة النهي عن المنكر
يرى كوك أن الروايات المتعلّقة بموضوع الأمر بالمعروف والنهي يمكن جعلها على قسمين:
1 ـ الروايات التي تقف من هذا الموضوع موقفاً إيجابياً، وهي الروايات التي تحثّ المؤمنين على القيام بهذه الوظيفة.
2 ـ الروايات التي تقف منه موقفاً سلبياً، وهي التي لا تعطي مزيداً من الاهتمام له، وهي أقل تحفيزاً إذا ما قيست بروايات القسم الأوّل.
ويرجع كوك هذا التعارض إلى المنشأ الجغرافي لصدور هذه الروايات، حيث كانت الكوفة المناخَ الجغرافي الذي صدرت فيه روايات القسم الأوّل، وهي على ما يبدو ضعفي المجموعة الثانية التي صدرت في المناخ الجغرافي الآخر وهو البصرة والشام والحجاز؛ فالشام ـ بالخصوص ـ كانت المصدر الأوّل لصدور مثل هذه الروايات، فيجب ملاحظة هذا الاختلاف الجغرافي والسياسي، لا سيما في حقبة الحكم الأموي؛ لأن الكوفة كانت مركز قيادة المعارضة المحلية، والشام مركز الحكومة (ص: 97 ـ 98)، ومن ثم لا تعارض بين ما ورد من روايات كلتا المجموعتين، مثلاً ما ورد عن النبي(ص): «لا ينبغي للرجل أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يكون فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق يما ينهى، عالم بما ينهى، عدل فيما ينهى» (ص: 95)، هذا النصّ يوافق روايات المجموعة الأولى ويكمّلها.
إن معرفة ظروف وأسباب صدور الرواية، الزمان المكان والمخاطب الأوّل بها من المبادئ الأساسية في علم الحديث، وهي مؤثرة في فهم الرواية وتحليلها([13])، الأمر الذي أكّدت عليه تعاليم المعصومين كما في موضوع الناسخ والمنسوخ، فالأحاديث تبدو متعارضة ظاهراً ـ على فرض صحة صدورها ـ لكنها ناظرة في الواقع إلى ظروف وملابسات مختلفة.
وفي الختام، ينتهي كوك إلى أن الحديث لم يقتصر في عرضه للموضوع على الجوانب المبهمة والعامة كما هي الحال في القرآن الكريم هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يقنّن له مقررات مفصلة ودقيقة.
سيرة المسلمين في صدر الإسلام
جاء هذا الفصل (ص: 100 ـ 156) لعرض حال الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في القرن الأوّل والثاني والثالث وكيفية أدائهم لهما، وهذه الكيفيّة على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: المواجهة مع الحكومة. المرحلة الثانية: مواجهة المنكرات المستفحلة في المجتمع، وهي على ثلاث صور: شرب الخمر، سفور المرأة، والموسيقى. المرحلة الثالثة: الدفاع عن الحياة الشخصية.
ويذكر كوك في مقدمة هذا الفصل (ص: 103) فيقول: «لا شك أن الرسول(ص) قد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر([14])، لكن الأحاديث والمعلومات المتعلّقة بأداء هذه الوظيفة حال حياته كانت بسيطة وقليلة في المصادر المتوفرة<، والتعجّب الذي أورده كوك هنا راجع إلى فهمه الخاص للنهي عن المنكر، وإلاّ فإن جميع حياته الفردية والاجتماعية وفي أصعدة مختلفة: علمية واجتماعية واقتصادية وحقوقية وعسكرية وثقافية يجب أن تعدّ أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
مضافاً إلى ذلك، يعدّ القرآن الكريم أهم وأصح مصدر في معرفة سيرة النبي والاطلاع على طريقته وسلوكه وعمله وفعله بوصفه الأسوة الحسنة ([15]) في مجالات متعدّدة ومن جملتها طريقة أداء هذا التكليف في ذلك الوقت.
وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى مزايا سيرته(ص) حيث كان يعالج المنكر عادة بطريقة غير مباشرة وبالاستعانة بتعاليم القرآن الموزّعة في طيّاته، فإن تأسيس النظام التعليمي ونشر تعاليم القرآن بلغة واحدة ([16]) كان من العوامل المهمة لانتصار النبي الأكرم ونجاحه.
لغة القرآن وثقافته
اللغة هي القاعدة الأساسية في مجموعة الظواهر الثقافية وهي الوسيلة الأولى للاتصال بالعالم، فلا تجد ظاهرة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية إلا وتضمّنت نوعاً من الارتباط الصريح أو الضمني، على نحو يتمّ الابتعاد فيه عن مختلف أنواع الصعوبة والانطواء؛ لتتألف شبكة معقّدة من الاتصال يتمكن أعضاء المجتمع من خلالها من فهم (تام أو ناقص) بمقدار متفاوت وعلى درجات مختلفة، ذلك كلّه يتم عبر تشكيل تلك المنظومة، ومن ثم يمكن أن تكون اللغة مبدءاً أساساً حيّاً لخلق الفكر وإبداعه([17])، ويمكن أن تضفي لوناً وصبغة خاصّة على السلوك البشري سواء كانوا أفراداً أم مجموعات، وفي مقابل ذلك فإن للثقافة وللنظرة الشمولية إلى العالم تأثيراً خاصّاً على اللغة، كما أن اللغة تترك أثرها على الفكر والثقافة والرؤية الشموليّة للعالم، بل وتغييرها، وهذا التفاعل والتلاقح يسيران بشكل نشط وفعّال([18]).
وعليه، فتفعيل النظام الأفضل لتعليم القرآن في زمن النبي(ص) أدّى إلى حفظ القرآن في القلب وتعلّم لغته من قبل أصحاب النبي وطلاب القرآن، إلى جانب ذلك تسهيل عملية التدبر وأخذ معاني القرآن ومقاصده والعمل به في جميع لحظات حياتهم، بحيث أصبحت اللغة والثقافة القرآنية القاعدة التي يعتمد عليها في رؤية العالم، وأساساً في الفكر والعواطف والمشاعر والأحاسيس، مضافاً إلى جعلها أصلاً في تصحيح ما يصدر عنهم من سلوك مذموم.
هذا، ولكنّ لغة القرآن وثقافته غير اللغة والثقافة السائدة عند العرب سابقاً وحتى حاضراً([19])؛ من هنا كانت رسالة خاتم الأنبياء محمد’ أبديةً شملت العالم أجمع {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (الأعراف: 158)، وكان التطابق ما بين لغة رسالة الأنبياء ولسان قومهم أصلاً أساسياً في بعثتهم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4)؛ فلغة القرآن لغة عالمية تنظر إلى المصالح العامة وتجيب عن الحاجات الأساسية لجميع البشر في كل عصر ومصر، فيجب في تعلّم ثقافة القرآن تعلّم لغته بوجه خاص وفريد، وفي هذا المجال لا فرق بين العربي وغيره، كما قال النبي: «إن ربي علمني (هذا الكلام) فتعلّمت، وأدّبني فتأدبت»([20]). وبعبارة أخرى: إن إدراك الهداية والفوائد القرآنية الأخرى المادية منها والمعنوية يتصل بميزان المعرفة وانسجام لغة الفرد وإيمانه وطهارته مع النص القرآني، هذا من جهة ومن جهة أخرى فهو يتعلّق بدرجة علم ووعي الفرد بنفسه والمجتمع والنظام الذي يحيط به.
مضافاً إلى ذلك، إن تعاليم الأئمة^ في ميادين مختلفة تعدّ مصداقاً بارزاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مميزات سيرتهم الدعوةُ العملية للناس لسلوك سبل الخير والقيام بالعمل الحسن «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية»([21]).
المذاهب الإسلامية (المدارس الفقهية والكلامية)
طرح كوك ثلاثة أقسام لدراسة آراء الفقهاء والمتكلمين من المذاهب المختلفة، ولاحظ التأثير المتبادل بينها (ص: 159 ـ 490)، وتشير الدراسات التاريخية في الفقه الإسلامي «إلى أن هناك علاقة مباشرة بين مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنزلتهما وما بين رؤية المذاهب السياسية لهما؛ فقد كانت طريقة عرض مسائل الأمر بالمعروف متناسبة مع المنعطفات السياسية لتلك المذاهب، أي أن احتكاك نشاطات الآمرين والناهين مع حقوق الأفراد المعنيين بالأمر والنهي ومع وظائف ومآرب الحكومات دعا كل واحد من المذاهب المختلفة إلى البحث في خصوصيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحدّدت دائرتهما من الناحية العملية على أساس المنحى السياسي الخاص([22]).
الحنابلة وتأصيل الفريضة في مناخ العزلة السياسية
تجلّت رؤية أحمد بن حنبل (241هـ) للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال نهجه الذي يرى الابتعاد عن السياسة والمواجهة مع الحكومة على نحو «أن ينأى الإنسان بنفسه عن السلطة من غير مواجهة معها ولا العمل لها، وعند مواجهة المنكر فإن كان فاعله لا يمتثل ولا ينتهي فالأفضل تركه»(ص: 190).
وعندما يبحث كوك العقائد السابقة لحنابلة بغداد وتطورها (إلى آخر الخلافة العباسية سنة 656هـ) يشير أيضاً إلى حنابلة دمشق، ونجده أيضاً يذكر أن هناك تناسباً طردياً بين موقف هؤلاء تجاه الحكومة وبين نهوضهم بهذه الوظيفة، فكلما التزموا بتأييد الحكومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة قلّت ممارسة النهي عن المنكر (ص: 222)، وإن كانت الفتاوى الصادرة عن ابن حنبل لا تظهر موافقة الحنابلة لأهداف السلطة وسيرة بعضها المخادعة آنذاك، لكن مع ذلك لم تكن أعماله الفكري منسجمةً مع أنصاره ومريديه (ص: 239) كما نقل عن بعضهم كشيخ الحنابلة البربهاري (329هـ)، فقد قام هو وأنصاره بعدّة ثورات ضدّ الشافعية وتمردوا عليهم في بغداد وآذوازط/كربلاء حينها.
ابن تيميّة (728هـ) وربط الفريضة بالزعماء الدينيين والسياسيين
تعتبر أصالة الفائدة ورعاية المصالح من الخصوصيات الأساسية في فكر ابن تيمية، فيجب في أداء هذه الوظيفة أن تغلب المصلحة على المفسدة وأن لا ينتهي الأمر إلى العصيان والتمرّد، ويعتقد هذا المفكّر الحنبلي أن «أولوا الأمر» (النساء: 9) هم العلماء والأمراء ومشايخ كل طائفة، وبشكل عام كل من له أتباع، فتناط هذه الوظيفة به قبل أيّ شخص آخر؛ لأن هذا التكليف متعلّق بالقدرة، ومعلوم أن أولياء الأمر يتمتعون بجزء كبير منها، فهم المسؤولون عن أداء هذه الوظيفة بين عامّة الناس المطيعين لهم، وبالمقابل على أتباع كل ولي إطاعته واتّباعه في طاعة الله لا في غيرها([23]) (ص: 263 ـ 264).
نهضة الوهابية وإدخال الفريضة في النظام الإداري للدولة
بدأ محمد بن عبدالوهاب (1206هـ) وأتباعه النهي عن المنكر من خلال الحرب ضدّ الشرك على اعتبار الكثير من أعمال المسلمين شركاً، فيما كان الهدف الأساسي من وراء ذلك الحصول على النفوذ السياسي عن طريق التسلّط ومساعدة آل سعود لفتح الحجاز وتشكيل الدولة السعودية (ص: 293)، واعتمد محمد بن عبدالوهاب في دعواه على مجموعة من الآيات والروايات وأوّلها ما يتفق مع محاربة الشرك ـ حسب ما يفهمه ـ فكانت الأساس في عقيدته، فمن الآيات قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}(التوبة: 5)، ومن الروايات قوله’: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله..».
هذا، ولكن التدبر في الآية المذكورة وملاحظة السياق الذي وردت فيه ـ وهو الآية (1، 6، 7، 16)([24]) من سورة التوبة ـ مضافاً إلى قراءة السيرة النبوية الشريفة، يفيد أن التعاليم الواردة في تلك الآيات تتعلق بالوقت الذي يكون فيه المشركون ناقضي عهد أو متآمرين على المسلمين ومسببين للفتنة بينهم: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4؛ وانظر الآية: 7).
وبناءً على ما هو المتعارف في قواعد علم الحديث، لا يمكن قبول الحديث المنقول عن النبي’ عندما يتعارض مع القرآن والسيرة النبوية، كما في: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99)، و {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود: 118)([25]).
وقد شُكّلت منظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ الدولة السعودية الثانية (1238 ـ 1305) واستمر حتى نهاية عهد الدولة الثالثة (1319 ـ 1373هـ) فصار النهي عن المنكر أساساً في النظام الإداري للدولة السعودية. يقول الريحاني الذي ذهب إلى الرياض في سنة 1341هـ: «كانوا يُضربون بسبب تناولهم للسكائر ولعدم حضورهم للصلاة و … وفي كل مساجد المدينة ينادى بالأسماء لمعرفة الحاضرين من غيرهم»([26]).
المعتزلة وقراءة فريضة الأمر والنهي
يعتقد كوك بعدم إمكانية تصنيف المدرسة الاعتزالية بوصفها عقيدة خاصّة كما هي العقائد الإسلامية الأخرى، بل هي عقيدة تكوّنت من مجموع عقائد أخرى؛ فأمكن أن يكون الشخص معتزلياً حنفياً أو معتزلياً إمامياً وحتى معتزلياً يهودياً، وبعبارة أخرى: يمكن وصف هذه المدرسة بأنها مدرسة عقلية تقليدية خالية من العادات والطقوس السياسية والاجتماعية (ص: 321).
وتمتاز آراء المعتزلة في النهي عن المنكر بثلاث مميزات: 1 ـ إنها تتمتع بصياغة تحليلية. 2 ـ عدم تغيّر الآراء رغم اختلاف الزمان والمكان. 3 ـ البُعد العملي على اختلاف المجالات والأصعدة.
الزيديّة وتخصيص الفريضة بالأئمة
سعت الزيدية جادّةً ـ إلى جانب الإمامية ـ إلى نشر الأحاديث والعلوم الفقهيّة، وكلاهما يرى مذهب المعتزلة في علم الكلام (ص: 368)، ومن خصوصيات المذهب الفكري للزيدية فيما يرجع للنهي عن المنكر هو القيام المسلّح ضد الحكومة الظالمة من أجل استتباب الأمر للإمامة الشرعية (ص: 374)، ويعدّ الزيدية النهي عن المنكر من خصائص عمل الأئمة^ ونظائرهم من الشخصيات حتى تتحقق لهم السلطة السياسية (ص: 382).
يقول ابن مرتضى اليمني ـ وهو أحد رموز الفقه الزيدي، والذي نحى في علم الكلام منحى المعتزلة أيضاً ـ: «يجب مساعدة الظالم في نشر المعروف والقضاء على المنكر شريطة أن لا يؤدّي إلى تقويته في ظلمه». ثم يأتي بمراتب الإنكار وهي «اللّوم والتوبيخ، الإهانة والتحقير، كسر آلات القمار، الضرب بالسياط، والمواجهة المسلّحة».
الإمامية وأهم دراسة إسلامية لفريضة الأمر والنهي
يعتبر كوك الفكر الإمامي الفكرَ الأفضل في تحليل وتفصيل وبسط الكلام في موضوع النهي عن المنكر، حيث ألّف الإماميون فيه تصانيف نادرة ومتنوّعة، وفي ضوء ذلك يقسّم كوك تاريخ الفكر الإمامي إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: هي الزمن المعاصر للأئمة، وفي حينه لم تصل آراء المعتزلة إلى منزلة الفكر الإمامي عندما كان يعتمد في سننه وتفسيره على القرآن الكريم.
المرحلة الثانية: زمان علماء الإمامية المتقدّمين من القرن الرابع إلى الثامن الهجري.
المرحلة الثالثة: زمان علماء الإمامية المتأخرين من القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر (ص: 407 ـ 408).
روايات الإمامية في النهي عن المنكر
جاء ما يقارب عشرين حديثاً عن النهي عن المنكر في كتابي فروع الكافي وتهذيب الأحكام، وهو ما جاء نصفه تقريباً في روايات أهل السنّة أيضاً (ص: 409 ـ 410). وفيما يلي أنموذج رائع من تلك الروايات المأخوذة من تعاليم أهل البيت: «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وترد المظالم وتعمّر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر (….) فلا يجب على الضعيف الذي لا يهتدي إليه سبيلاً، بل على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر»([27]).
تفسير الإمامية القديم لآيات النهي عن المنكر
فسّرت بعض الروايات مقاطع من بعض الآيات المتعلّقة بموضوع النهي عن المنكر تفسيراً يتناغم ورؤية الإمامية للأئمة المعصومين، كما أوّل تعبير: {خَيْرَ أُمَّةٍ} (آل عمران: 110) بخير أئمة، من هنا اعتبر كوك ـ خطأً ـ مثل هذه التأويلات تصحيحاً للقرآن (ص: 421). والحال أنّ هذه الطائفة من الروايات ناظرة إلى «القراءات التفسيريّة»([28]) للآيات، وهي من باب «الجري والانطباق»([29]) وبيان المصاديق التامّة لذلك، مضافاً إلى أن التأويل أصل في التعاليم النبوية وغير منحصر بالفكر الإمامي، بل نجده في قراءات الصحابة والتابعين وغيرهم من القرّاء الكثر([30])، علماً أن هدفهم من ذلك قابل للتحليل والفهم، لا سيّما وأنّه في سياق نشر القرآن وتعليمه([31]).
ونلاحظ في المرحلة الثانية من تاريخ الفكر الإمامي تركيزاً على البحث في آراء المتقدّمين من الإمامية، والتي تبدأ بالشيخ الصدوق (381هـ) وتنتهي بالعلاّمة الحلي (726هـ)، ولربما يكون الشيخ الطوسي (460هـ) مثالاً حسناً لباقي العلماء من حيث بسطه لبحث الأمر بالمعروف (ص: 428).
وتجدر الإشارة إلى أن الحاجة إلى إذن الإمام أو نائبه المنصوب من الأصول المهمّة لدى الإمامية في هذا المجال، خصوصاً عندما يتطلّب النهي عن المنكر الخشونة والعنف والمواجهة (ص: 460)، بل يعدّ الشيخ الطوسي في كتاب: النهاية، إذن السلطان والحاكم أمراً ضرورياً أيضاً([32]).
ويعتبر كوك أن بحوث علماء الإمامية في هذه المرحلة كانت متأثرة بأفكار وعقائد معتزلة بغداد والبصرة، خصوصاً إذا ما لاحظنا عناوينها، مثل «العقل والوحي» و «تقسيم المعروف والمنكر إلى واجب ومستحب» و «عيني وكفائي» و «شروط التكليف» وذلك يشير إلى واقع مجالس الدرس وليس واقع الأزقة والأسواق (ص: 453).
البحث الإمامي المتأخر في النهي عن المنكر، اتجاه نحو المرونة
يرى كوك أن تاريخ البحث العلمي عند الإمامية في هذه المرحلة يتسم ـ إلى جانب الأصالة والمحافظة ـ بالمرونة والجذابية، فمهمة التجديد هي الميزة الفارقة بينه وبين الفرق الأخرى، وعند ملاحظة مصنفات المتأخرين نجد ميلاً شديداً للبحث والتمحيص في آراء علماء الإمامية في موضوع النهي عن المنكر مع المحافظة على مقامهم السامي (ص: 454). ويذهب الشيخ محمد حسن النجفي (1266هـ) إلى أن المراد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيجاد المعروف والابتعاد عن المنكرات، وليس مجرّد القول على نحو الأمر والنهي، وأفضل وسيلة للقيام بهذا التكليف هو الرقي والتكامل والتزام السلوك الأخلاقي والوقاية من الممارسات القبيحة، وأن يستكمل الإنسان نفسه بالأخلاق الكريمة وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإن لكل مقام مقالاً، ولكل داء دواء، بناءً على ذلك فإن أداء هذه الوظيفة يتعلّق بظروف مرحلية مختلفة([33]).
ومن التطورات التي أحدثتها هذه المرحلة ـ وتحديداً في أوائل العصر الصفوي ـ عرض النظرية التي تقول: يمكن للفقيه الجامع للشرائط الإذن بالمواجهة المسلّحة للنهي عن المنكر في زمان الغيبة (ص: 459) في حين يرى المحقق الأردبيلي (993هـ) أن الجرح والقتل ليسا مصداقاً للأمر والنهي، ويذهب الفيض الكاشاني (1091هـ) إلى أن البحث في موضوع (إذن الإمام) مضيعة للوقت؛ لأن الأولى بكل شخص معرفة الطريقة المناسبة لأداء هذا التكليف ضمن الظروف والملابسات المختلفة (ص: 460).
ويذكر الأردبيلي أن البحث في هذا الموضوع ـ سواء كان عقلياً أم شرعياً ـ بحثٌ بلا نتيجة ولا فائدة؛ لأننا نعلم أننا مكلفون به من قبل الوحي، من هنا يعتبر تفسير واقع النهي عن المنكر أهم من الحديث عن مفهومه الكلي أو عن عينيّة وجوبه أو كفائيته (ص: 468).
الحنفيّة وفردية الفريضة
الحنفيّة نتيجٌ لفرقة المرجئة، وهي الفرقة التي شكّلت المحيط الاجتماعي لمدينة الكوفة في القرن الثاني الهجري، والمذهب الحنفي أقدم مذهب فقهي سنّي، وينقسم ـ من ناحية كلامية ـ إلى خمس فرق: معتزلة الأحنف، وأشاعرة الأحناف، ومحدّثي الأحناف، والنجاريّة والماتريديّة، وقد تعرض كوك لرأي فرقة الماتردية من بين الفرق الحنفية الأخرى.
ويعدّ الأمر بالمعروف عند معتدلة الحنفية من العقائد الأساسية، أما الحنفية من أهل السنّة والجماعة فجعلوه محدوداً في المجال الفردي، فذهب أبو اللّيث السمرقندي (373هـ) إلى أن المعروف كل أمر وافق العقل والشرع، وما خالفهما فهو منكر، ويرتبط أداء هذه الوظيفة بالعلم والنية الخالصة والشفقة والعطف والصبر والعمل على ذلك (ص: 500)، ويؤكّد أبو السعود (982هـ) على أن القيام بهذه التكليف يحتاج إلى تعلّم الفقه والعمل المتواصل (هامش ص: 506).
الشافعيّة، البدء مع السلطان ثم المؤسّسة الدينية
ظهر المذهب الشافعي ـ بوصفه مذهباً كلامياً ـ بحلّة أشعريّة، وأقدم أثر في المذهب الشافعي يتعرّض لمسألة الأمر بالمعروف ما نقل عن أبي عبد الله الحليمي الجرجاني (403هـ)؛ حيث يعتبر هذا التكليف متعلّقاً ـ بدواً ـ بسلطان المسلمين لوجود القدرة التنفيذيّة عنده، وعليه أن يعيّن في كل مدينة وقرية رقيباً عالماً مقتدراً حسن الأخلاق يملك الخبرة والتشخيص الصحيح، وإذا لم ينهض السلطان بذلك وجب على العلماء والصالحين من المجتمع القيام به، ويجب أن لا ينتهي سلوك الناهي عن المنكر إلى ذهاب ماء وجه المسيء أو المقصّر. فلم يرَ الجرجاني اختلافاً جوهرياً بين النهي عن المنكر وبين الجهاد؛ لأنه يعتقد أن الهدف منهما هو دعوة الناس إلى الإسلام (ص: 542 ـ 545)؛ فأساس الإسلام عنده مجموعةُ الأحكام الفقهيّة والعقائدية التي يراها مذهبه.
ويعتقد النووي (676هـ) أن تكليفنا وإن لم يصل إلى إجبار المذنب على الامتثال، لكنه لا يسقط مع احتمال عدم التأثير (ص: 559 ـ 590).
المالكية ووظيفة الأمر والنهي
نحى المالكية منحى الأشاعرة أيضاً في علم الكلام، فذهب ابن رشد (520هـ) إلى عدم جعل وجود المعصوم من شروط النهي عن المنكر؛ لأنه ـ وحسب ما يراه ـ حتى الأنبياء لم يكونوا خالين من النقص (ص: 577)، وذهب ابن العربي الأندلسي (543هـ) إلى أن استخدام السلاح في أداء هذه الوظيفة مختصّ بالحاكم؛ إذ لو لم يكن الأمر كذلك فسيؤدّي إلى وقوع ضرر وفتنة أكبر (ص: 581).
الإباضيّة والتأكيد على الأمر والنهي اللسانيين
وهي فرقة معتدلة من فرق الخوارج([34])، وتقطن الآن في سلطنة عمان وشمال أفريقيا (ص: 621)، ولم تختلف آراء الإباضية عن الرؤية الإسلامية بشكل عام فيما يرجع لمسألة النهي عن المنكر، إلاّ أنهم يؤكّدون على أداء هذه الوظيفة لفظيّاً وإن لم يتقبل المذنب (ص: 671).
الغزالي (505 هـ) وإعادة هيكلة نظرية الأمر بالمعروف
تخطت آراء الغزالي في النهي عن المنكر حدود مدرسته الفقهية (الشافعية)، وإن لم تتوفر فيها السليقة العقلية لبعض المعتزلة ولم يصل الأمر إلى مهارة علماء الإمامية (ص: 673)، ورغم ذلك أثرت أفكاره الإصلاحية على الكثير من مفكّري الإسلام وحتى المسيحيين (2: 706 ـ 721)، واتصف تحليله للموضوع بدراسة واسعة منظمة ومبتكرة ذات أسس وأصول، إضافة إلى نحته للألفاظ واشتقاق الكلمات الجديدة مع بيان النكات العلمية لهذه الوظيفة، فهو يعتبر إصطلاح «الحسبة» من الاصطلاحات العامّة التي يرجع إليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينبغي جعل موارد الاختلاف في موضوع الحسبة ساريةً في مسألة الأمر بالمعروف، مثلاً لا يجوز للحنفي توبيخ الشافعي على أكل الضبع (ص: 687).
ويجب في المحتسب توفر ثلاثة أمور: العلم والورع و «حسن الخلق والسيطرة على الغضب وتحمّل ردود الفعل المختلفة» (ص: 694)، ويذكّر في الفصل الثالث من كتابه: إحياء علوم الدين، ببعض المنكرات التي صارت عادةَ بعض الناس، كالقراءة الملحونة للقرآن الكريم، وإخفاء عيوب المبيعات، وتحميل الحيوانات أكثر من طاقتها (ص: 695 ـ 700).
الصوفية وغموض النظرية
وهم مجموعة من الزهّاد والمتعفّفين الذين لا تشكّل القوانين الشرعية والسياسية الدينية الركن الأساس في عقائدهم، يبدأ الاتجاه الصوفي عندهم من الزهد الحادّ وينتهي بالعرفان الذي يعتمد على الإيمان دون العمل.
ولا يمكن الحصول على نظرية خاصّة واضحة في موضوع النهي عن المنكر في الفكر الصوفي (ص: 771)، فقد يكون النهي عن المنكر بلوغاً لذروة الإيثار، وفي الوقت عينه نوعاً من عبادة الأنا؛ من هنا يشترط في النهي من المنكر أن لا يكون مشتملاً على اتّباع هوى النفس (ص: 724)، وكيف كان الأمر فإن فكر العرفاء وفهمهم للنهي عن المنكر لا يمكن أن يعترف به ويتبنّى فقهاً محورياً للإسلام.
الفكر الإسلامي الحديث والموقف من فريضة النهي عن المنكر
وننتهي هنا إلى الإشارة إلى تحولات الفكر الإسلامي التي حدثت في العصور المتأخرة والمتزامنة مع نفوذ الفكر والثقافة الغربية بين السنّة والإمامية، وبشكل عام فقاعدة الاستنباط الجديد في هذا الموضوع تقوم على التبليغ والإعلان المنظم عن القيم الإسلامية وأحكامها في داخل الجسد الإسلامي وخارجه (ص: 808).
يقول سيد قطب: التكليف الأساسي هو أن نضع مجتمعاً فاضلاً بالمعنى الواقعي للكلمة، وهو مقدّم على إصلاح المنكرات الصغيرة والجزئية (ص: 827). والى ذلك يذهب السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي يرى أن الأمر والنهي يحتاج في عصرنا إلى إعداد برنامج متكامل وواضح، كما هي الحاجة في وضعه للبرامج والخطط الصناعية (ص: 848). ويرى الشيخ نوري الهمداني أن برنامج العمل بحاجة إلى تعديل كلي يشمل المجال الأخلاقي والعقائدي والاقتصادي والاجتماعي لنتمكّن من الوصول إلى نتائج أفضل في تطبيق هذا التكليف. وكان الأستاذ المطهري يرى أن العمل الفردي ـ لا سيما في الوضع الراهن ـ لا يؤدّي إلى نتيجة؛ لذا فالاشتراك في العمل ضرورة ماسّة، وهو يعتبر النهي عن المنكر مساوقاً للمواساة والتآزر والمشاركة في العمل ونحوه.
وعندما يقارن كوك بين أهل السنّة والشيعة الإمامية يشير إلى أمر هام، وهو أنه «نادراً ما يتفق وعي كتّاب أهل السنّة لنظريات الإمامية» (ص: 858). والمشكلة الأكبر وجود التعصّب المانع من تعرّف أتباع كل مذهب من هذين المذهبين الكبيرين على الآخر، ولو أشار بعضهما لنظريات البعض الآخر فإنّما يكون على سبيل العجالة والتعصّب ودون التحقق التام من زوايا النظرية المطروحة من منابعها وأصولها، ليتجه الأمر إلى تخطئة وتكفير وتحقير أحدهما للآخر.
هذا، لكنّ سيرة كبار العلماء، كالإمام الخميني والسيد البروجردي والشيخ شلتوت كانت على خلاف هذا النهج الخاطئ([35]).
الهوامش
(*) باحث في الحوزة والجامعة، من إيران.
([1]) Commanding right and Forbidding in Islamic thought 2002, Cambridge, united kingdom.
وقد ترجم محمد حسين ساكت جزءاً من هذا الكتاب بعنوان «شايست وناشايست در انديشه اسلامى» والذي نشرته مؤسسة نكاه معاصر سنة 1384ش/2005م، وطبعته طباعة جيدة.
([2]) Cook, Michael Allen ؛ مستشرق ومؤرخ انكليزي، ولد عام 1940، وقد طبع له إلى الآن ما يقارب من 30 كتاب ومقالة في التفسير والفقه والحديث وتاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية وأثر الدين في المسيرة التكوينية.
([3]) مدير فريق دائرة المعارف في الحضرة الرضوية (مشهد).
([4]) أرقام الصفحات التي استعملها الكاتب في متن مقالته هذه، ترجع إلى صفحات نصّ الكتاب المترجم، ولم يستعملها السيد مايكل كوك.
([5]) The new york times سبتمبر 1988، ص33.
([6]) راجع: محمد علي لساني فشاركي، قران شناسي، محور مطالعات قراني، كلستان قرآن، رقم 126.
([7]) راجع: محمد حسين الطباطبائي، قران در اسلام؛ ولساني فشاركي، مقدّمة الميزان في تفسير القرآن؛ وروح الله الخميني، الآداب المعنوية للصلاة: 191 ـ 203، نشر مؤسسة تنظيم ونشر آثار إمام خميني، الطبعة الأولى.
([8]) مثلاً حرم القرآن أكل الميتة، إلا في صورة الاضطرار، فيجوز الأكل منها بمقدار حفظ النفس من الهلاك، البقرة: 173.
([9]) ضمن حركة التغيير التي أحدثها القرآن الكريم كانت الأصول الثقافية الخاطئة عند عرب الجاهلية محلاً للنقد والمراجعة، فطرح ذلك عنواناً لانحراف ثقافة الإنسان وفكره ليشعره بأن مسؤولياته وتكاليفه منوطة بالتعاليم الإلهية، وبعبارة أخرى: بعض الصور المنحرفة التي كانت سائدة بين العرب آنذاك وإن لم توجد في وقتنا الحاضر، لكن جذور تلك الانحرافات وروحها لازالت ـ وبأبعاد أوسع ـ تضيق الخناق على مسيرة الإنسان التكاملية، مثلاً عندما ذكر الباري سبحانه حكاية أبي لهب في سورة المسد أراد من ذلك تعريف الطواغيت والمشركين لأهل التقوى والمتدينين من الناس. أولئك الذين اتخذوا البشر عبيداً وخدماً وتحت عناوين وصور متعددة سواء كانت عقائديّة أم اقتصادية أم ثقافية، وأرادوا الاستخفاف بالناس وإذلالهم، من هنا جاء تفسير الإمام علي× لفلسفة وجود النبي: «فإن الله تبارك وتعالى بعث محمداً بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته.. بحكم قد فصّله وتفصيل قد أحكمه وفرقان قد فرقه وقرآن قد بيّنه» انظر: العلامة المجلسي، بحار الأنوار ، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403هـ.
([10]) انظر: علي سليمي ومحمد داورى، جامعة شناسى كجروى، بزوهشكاه حوزه ودانشكاه، الطبعة الأولى.
([11]) انظر: س وأخرون، قبولى دراخشان، آسيب شناسى امر به معروف ونهي از منكر با نظريه تجارب تاريخ، مطالعات اسلامى، العدد 69: 73 ـ 100، خريف 1384ش/2005م.
([12]) إضافة على ذلك، فإن التفاسير التربوية لا يمكن أساساً ـ بغض النظر عن نهجها التفسيري ـ أن تتبنى عرض موضوع واحد من جميع زواياه وجوانبه.
([13]) راجع: علي أكبر رشد، سنّت بزوهي، مجلة فقه وحقوق، العدد 3، شتاء 1383ش/2004م.
([14]) الأعراف: 157، 199.
([15]) الأحزاب: 21.
([16]) راجع: لسانى فشاركى، طرح بزوهشى آموزش قران، مركز تحقيقات دانشكاه إمام صادق×، خرداد 1379ش/2000م.
([17]) رومن ياكبسون، روندهاى بنيادين در دانش زبان: 32 ـ 50، ترجمة: كوروش صفوي، طهران: هرمس، 1376ش/1997م.
([18]) لطف الله يارمحمد، مناسب زبان فكر رفتار جمعى واصطلاح شناسى، مجموعة مقالات نخستين هم انديشى مسائل وازه كزيني واصطلاح شناسى: 391 ـ 407، طهران، 1378ش، الطبعة الأولى 1385ش/2006م، مركز نشر دانشكاهى.
([19]) مهدي غفارى، آموزش قران: عامل استمرار وتجديد هويت فرهنكى، قران وتوسعة فرهنكى، مشرق زميني 1382، ج2: 78.
([20]) بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1: 380، تحقيق: مرعشلى وآخرون، بيروت، دار المعرفة.
([21]) محمد بن يعقوب الكليني، الأصول من الكافي 2: 78، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1388هـ.
([22]) أحمد باكتجي، جايكاه امر به معروف در دانش فقه، دائرة المعارف بزرك اسلامى 10: 204 ـ 208، طهران 1380ش/2001م.
([23]) المصدر نفسه.
([24]) الركوعات القرآنية (الوحدة الموضوعية) أفضل وسيلة لفهم سياق الآيات القرآنية، فبالإضافة إلى اشتمال القرآن على 114 سورة و6236 آية، وسبعة أحزاب، يحتوي أيضاً على 555 ركوعاً. راجع: لساني فشاركي، روش هاى مطالعه وتحقيق در قرآن مجيد: 16 ـ 18، المؤتمر الثامن لتكريم العلامة الطباطبائي، جامعة تبريز، 1382ش/2003م.
([25]) انظر: لسانى فشاركى، تفرقة (1)، دانشنامه جهان اسلام 7: 614 ـ 617، طهران 1382ش/2003م.
([26]) للأسف يجب الاعتراف بوجود مثل هذه الأعمال الخاطئة ـ وهي بنفسها من المنكرات الكبيرة ـ إلى الآن في الكثير من العوائل وبعض المدارس وحتى في بعض الثكنات العسكرية في إيران، فقد شاهد كاتب هذه المقالة ضرب مدير إحدى المدارس الثانوية عام 1369ش/1990م، مجموعة من طلاب السنة الثانية ـ قسم الرياضيات ـ وركلهم مصاحباً ذلك بالكلام البذيء، عندما كانوا قد بدأوا للتو بحلّ المسائل الرياضية في الصف، وذلك بحجّة عدم رعايتهم لأوقات الصلاة وعدم استعدادهم لأدائها، فراحوا يستعدّون للصلاة ـ مجبورين ـ في الممرّات الضيقة للمدرسة، وعلى الفرش الوسخة، والهواء البارد الآتي من الشبابيك الخالية من الزجاج، من هنا يجب التفتيش في سلوكيات بعض المصلين الخاطئة وكلماتهم مما قد يكون سبباً لترك الكثير من أفراد المجتمع للصلاة، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}.
([27]) الكليني، الفروع من الكافي 5: 56، طهران، دار الكتب الإسلامية 1362ش/1983م.
([28]) راجع: عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: 243، تصحيح: م. ديب البغا، دمشق ـ بيروت، دار ابن كثير، 1996م.
([29]) انظر: الطباطبائي، الميزان 1: 42، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1973م.
([30]) راجع: ابن داود، المصاحف: 45 ـ 103، بيروت، دار الكتب العلمية، 1985م.
([31]) انظر: محسن رجبي، بررسى بنيان كذارى قرائت وكتابت قرآن كريم توسط بيامبر اكرم.
([32]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 21: 381، تصحيح: علي آخوندي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة السابعة، 1392هـ.
([33]) المصدر نفسه: 381 ـ 383.
([34]) ينبغي أن يعدّ الخوارج الفرقة الثالثة للمسلمين، فهي ليست من الشيعة ولا من السنّة.
([35]) راجع: مقابلة مع محمد واعظ زاده الخراساني، مجله حوزه، العدد 43 ـ 44: 195 ـ 237، 1370؛ وأيضاً: واعظ زاده الخراساني، طرق تقريب المذاهب ووحدة المسلمين، مجلة مطالعات اسلامى، العدد 60: 19 ـ 50، ربيع 1382ش/2003م.