في صلاتي الجمعة والجماعة
مقدمة
من القضايا التي يجب البحث وإعادة النظر فيها مجدّداً قضية شرط الذكورة في إمامة الجماعة والجمعة، فحين إثبات عدم وجوب هذا الشرط لربّما تتهيّأ الظروف الملائمة لعددٍ أكبر من المؤمنين لأداء هذه الفريضة المقدّسة.
شرط الذكورة في كلمات الفقهاء
قال ابن إدريس الحلّي: ولا يجوز إمامة المرأة للرجال على وجهٍ…([1]).
وجاء عن العلامة الحلّي([2])، والشهيد الأول([3])، والمحقّق الأردبيلي([4])، والمحقّق الحلي في المعتبر: ولا تؤمّ امرأةٌ رجلاً ولا خنثى؛ لاحتمال كونه رجلاً، وعليه اتّفاق العلماء، ولقوله×:«أخّروهنّ من حيثُ أخّرهنّ الله»؛ ولأنّ المرأة مأمورة بالخفاء والاستتار والإمام بالظهور والاشتهار، ويلزم من الاحتمال المذكور أن لا يؤمّ الخنثى رجلاً…([5]).
وقد جعل المرحوم النراقي شرط الذكورة سادس شرطٍ من شروط إمام الجماعة، وقال: السادس: الذكوريّة، إذا كان الإمام ذكراً أو أُنثى، فلا يجوز إمامة المرأة لرجلٍ باتّفاق العلماء كما عن المعتبر، بل الإجماع المحقّق المحكي في التذكرة والمفاتيح وشرحه، وعن المنتهى والروضة والذكرى وغيرها، وهو الدليل عليه، مضافاً إلى التأييد بالنبوي المشهور والمرتضوي المروي في الدّعائم اللذين ضعفهما بالعمل مجبور، لا تؤمّ المرأة رجلاً، وإنّما جعلناهما مؤيدين لاحتمال الجملة المنفية غير الصريحة في التحريم ([6]).
وأمّا صاحب الجواهر فبعد أن نقل عبارة الشرائع، قال: يشترط في الإمام الذكورة إذا كان المأموم ذكراناً، أو ذكراناً وإناثاً، فلا يجوز إمامة المرأة لهم، بلا خلاف أجده فيه نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف والمنتهى والتذكرة والذكرى والروضة، وعن غيرها، الإجماع عليه([7]).
بناءً على ما تمّ ذكره من كلام الفقهاء، حيث اقتبسنا مقداراً يسيراً من آرائهم([8])، نلاحظ أنّ علماء الاسلام قد اتّفقت آراؤهم على كون إمام الجماعة رجلاً إذا كان المأمومون رجالاً أو رجالاً ونساءً معاً.
أدلة اشتراط الذكورة في إمام الجماعة
أـ أصالة الاشتغال وقاعدة الاحتياط
أصالة الاشتغال وقاعدة الاحتياط، اللتان مجراهما الشكّ بالمكلّف به، نجريهما بعد العلم بالتكليف، أي أنّ الشكّ يكون في مقام سقوط التكليف، على عكس إجراء قاعدة البراءة التي يكون الشكّ فيها ناشئاً عن ثبوت التكليف؛ وبعبارة أُخرى: إنّ الإنسان عندما يكون متيقّناً من أصل التكليف والإلزام فإنّه يشكّ في المكلف به، أي إنّه يشكّ في ما أُلزم على فعله (الوجوب) أو في ما نهي عن فعله (الحرمة)، بناءً على هذا الأصل فإنّ المكلف يجب أن يعمل على تحصيل اليقين من خلال أدائه للتكليف، حيث إنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
والاشتغال هو عبارة عن حكم الشارع أو العقل بلزوم أداء أو ترك جميع احتمالات التكليف حين الشكّ فيه، أي اشتغال ذمة الانسان بالتكليف المحتمل؛ وبعبارة أُخرى: إنّه حينما يكون الإنسان متيقّناً من أصل التكليف والإلزام، ولكنّه مردّدٌ بين وجوب هذا التكليف وحرمته، فإنّه استناداً إلى هذا الاصل يتوجّب عليه أداء هذا التكليف ما لم يحصل له اليقين بسقوطه.
وأما أصالة الاحتياط فيٍجريها المكلّف في مورد الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي، وبلا شكّ فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، وبما أنّ الصلاة واجبة على المكلّف المسلم فإنّنا لا نعلم بأنّ القراءة أثناء الصلاة، والتي هي جزء منها، تسقط من عهدة المكلّف حين إقامة صلاة الجماعة بإمامة المرأة أو لا؟
وطبقاً لما تقتضيه أصالة الاشتغال وقاعدة الاحتياط يمكن القول بأنّ الأصل هو عدم سقوط قراءة فاتحة الكتاب.
تحليل ونقد
1 ـ تكون لهذا الاستدلال ثمرة عملية إذا ما تمّ إثبات شرط الذكورية بالدليل القطعي أولاً، ولكن عندما لا يتحقّق مثل هذا القطع فإنّ الاستناد على هذا الدليل يعتبر مصادرة للمطلوب.
2 ـ يعتبر هذا الأصل معارضاً لأصل آخر، أي إنّه معارض لأصل عدم اشتراط الذكورة، وتوضيحه يكون على هذا النحو: إنّنا نشكّ بأنّ الذكورة شرط في إمام الجماعة أو لا؟ والأصل هو عدم اشتراطها، وبناءً عليه، واستناداً على هذا الأصل، فإنّه لا يبقى لدينا شكّ في ثبوت التكليف (قراءة سورة الفاتحة) بالنسبة لإمام الجماعة غير الرجل، وحينها لا نحتاج إلى إجراء أصالة الاشتغال.
3 ـ بما أنّنا لا نعلم بوجوب ثبوت شرط الذكورة في إمام الجماعة، ومن جهة أُخرى فإنّ جواز أو عدم جواز اقتداء الرجال بالنساء في صلاة الجماعة منوط بهذا الشرط، لذلك باستطاعتنا القول: إنّه تزول شرطية الذكورة؛ استناداً لـ «رُفع…ما لا يعلمون»، حيث نقدّم هذا على أصل الاشتراط؛ لانّه أعمّ من المؤاخذة، لذلك فإنّ أيّ تكليف لا نعلم حاله يتمّ رفعه عن ذمّة المكلف بالاستناد إلى حديث الرفع؛ لأنّ عدم التكليف ظاهر من الشرع.
4 ـ عند الشكّ بين الأقل والأكثر في مسألة ما فإنّ آراء الفقهاء مختلفة حينها، ولكن رأي المشهور هو إجراء أصالة البراءة في مورد الأكثر؛ وهنا أيضاً يمكننا القول: هل أنّ جزءاً آخر من أجزاء الصلاة، مثل قراءة الفاتحة، هو جزء من صلاة المأموم أو لا؟ والأصل هو البراءة، فتكون جزئية الفاتحة في الصلاة بالنسبة للمؤتمّ بالمرأة مرتفعة، ولا يوجد مورد حينها لإجراء قاعدتي الاشتغال والاحتياط هنا، وإنّ الشكّ في وجوب القراءة أو عدمه عند الاقتداء بالمرأة ناشئ عن اشتراط أو عدم اشتراط الذكورية في إمام الجماعة، فعند إجراء الأصل في السبب فإنّه لا يبقى مجال لإجرائه في المسبّب، أي إنّه لا تصل النوبة إلى إجراء أصالة الاشتغال؛ لأنّ الأصل السببي مقدّم على الأصل المسبّبي.
5 ـ نجري أصالة الاشتغال حينما لا يكون لدينا دليل على سقوط التكليف، بينما في هذه المسألة يوجد لدينا دليل على سقوط التكليف، والأصل لا يعارضه، لأنّه عند وجود الأمارة لا يبقى لدينا مجال لإجراء الأصل العملي؛ فقد وردت رواية تشير إلى أنّ الرسول الأكرم’ أمر أُمّ ورقة أن تؤمّ أهلها في صلاة الجماعة؛ وبما أنّ كلمة (أهل) تشمل الذكور والإناث على حدٍّ سواء فيكون من المعلوم حينها أنّ المرأة يمكن أن تكون إماماً للجماعة، بما فيهم الرجال، وتزول أصالة الاشتغال حينها.
6 ـ الإطلاقات والعمومات الموجودة في الأدلّة، والتي تمسّك بها الفقهاء في باب صلاة الجماعة واستحبابها.
7 ـ اشتراك الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية يمكن اعتباره هنا دليلاً على ما ندّعي؛ لأنّ الأصل العملي (الاشتغال) لا يمكن إعماله في الموارد التي توجد أمارة عليها.
ب ـ الحديث النبوي:«أخّروهنّ من حيثُ أخّرهنّ الله»
قال في الحدائق: الثالث: «إنّه لا خلاف في أنّه لا يجوز أن تؤمّ المرأة الرجل، نقل ذلك غير واحد من الأصحاب، واستدلّوا عليه بما روي عن النبي’ قال:«لا تؤمّ المرأة رجلاً»، وعنه’ أنّه قال: «أخّروهنّ من حيثُ أخّرهنّ الله…»([9])».
وأمّا المرحوم الأصفهاني فقد قال:«…منها: الذكورة إذا كان في المأمومين رجل، ومدرك الاعتبار أخبارٌ ضعافٌ منجبرةٌ باستناد المشهور إليها والاستدلال بها في كتبهم…»([10]).
تحليل ونقد
1 ـ هذه الرواية فيها ضعف من ناحية السند والمضمون، فمضمونها يُعتبر مخالفاً للضوابط ومخالفاً لدليل الاشتراك في الأحكام بين الرجل والمرأة، علاوة على كونه مخالفاً للآيات القرآنية التي تُثبت أنّ الرجل والمرأة من جنس واحد.
2 ـ بغضّ النظر عن سند ومضمون الرواية، ففي هذه الحالة يكون التمسّك بالدليل في مورد الشبهة المصداقية مخصّصاً لها؛ لأنّ كون المكلف إمام جماعة متقدّم رتبةً وكونه مأموماً متأخرٌ رتبةً هو أوّل البحث، ولذا فإننا لا نستطيع أن نستدلّ بهذه الرواية على شرط الذكورية في إمام الجماعة.
ج ـ حديث «لا تؤمّ المرأةُ الرجالَ، وتصلّي بالنساء وتتقدّم وسطهنّ»([11])
والاستدلال بهذه الرواية يكون بهذا الشكل: «لا تؤمّ» عبارة عن نهي، أي إنّ الشارع، وحسب منطوق الرواية، يمنع المرأة من أن تؤمّ الرجال.
تحليل ونقد
1 ـ يوجد في هذه الرواية احتمالان:
الأول: «لا تؤمّ» يفيد النهي.
الثاني: «لا تؤمّ» يفيد النفي، وليس نهياً.
وفي مثل هذا المورد هناك مبانٍ مختلفة يتبنّاها العلماء، حيث قال صاحب الكفاية: إذا وعد الشارع المكلّف بالثواب، فهذا لا يدلّ على الإلزام.
2 ـ إذا ما سلّمنا بكون «لا» هنا للنهي، حينها يوجد احتمالان لهذا النهي، وهما الحرمة أو الكراهة.
3 ـ احتمال كون عبارة «لا تؤمّ» للنفي قويٌّ، وفي هذه الحالة فإنّ أقصى ما يمكن استنتاجه من الرواية هو كون إمامة المرأة للرجال أمراً مرجوحاً، وليس كونه أمراً غير مشروعٍ؛ وذلك لأنّ الجمل الصريحة في النهي هي التي تكون ظاهرة في الحرمة وعدم الجواز، وليس الجمل المنفية، وبالنسبة إلى ما نقل عن الآخوند الخراساني وغيره من كون دلالة ظاهر النفي على الحرمة آكد فبحسب اعتقادنا ـ وطبقاً للذوق العرفي ـ فالنفي لا يؤكّد الحرمة، بل إنّه لا يستفاد منه أكثر من الرجحان والمرجوحية.
4 ـ هذه الرواية لم تكن معتمدة في كتبنا الفقهية، وحتى استناد الأصحاب إليها لم يكن ثابتاً، بل الواضح أنّ الاصحاب لم يستندوا إليها، حيث إنّه قبل عهد الشيخ الطوسي، والذي ذكرها في كتابه الخلاف، لم يتعرّض لها أحد، لذا فإنّه ليس من الممكن جبران ضعفها بعمل الأصحاب بها.
د ـ رجحان الاستتار للمرأة والاحتجاب
نحن نجد أرجحية أو مطلوبية الاستتار للمرأة وكونها مأمورة بذلك، بينما نجد عكس ذلك في إمام الجماعة، أي إنّ الاشتهار يعتبر من صفاته، وهذان الأمران (الاستتار والاشتهار) متضادان.
هذا الكلام ورد في كتب عددٍ من الفقهاء والأصحاب، كالمحقّق الحلّي في المعتبر، والفاضل النراقي في المستند، والسبزواري في الذخيرة، وصاحب الجواهر الذي قال: يستفاد من ذوق الشارع ومن بعض الروايات في أبوابها المختلفة أنّ الشارع أراد من المرأة أن تكون مستورةً وأن تشتغل في أُمور منزلها، لذلك فإنّنا لا نجد حكماً في الإسلام يستدعي عدم ستر المرأة وخروجها من المنزل واتّصالها بالرجال، كتولّي منصب القضاء والمرجعية وإمامة الجماعة وغير ذلك.
وأمّا السيد الخوئي، الذي هو من الفقهاء المعاصرين، فقد بيّن هذا الدليل ووسّع نطاقه، وقال: ولم يُرضَ بإمامتها للرجال في صلاة الجماعة، فما ظنّك بكونها قائمةً بأُمورهم ومديرة لشؤون المجتمع ومتصدّية لزعامته الكبرى([12])؟!
تحليل ونقد
1 ـ ما ورد في الأدلة المشار إليها هو بخصوص الحجاب وعفاف النساء، وإذا ما وجد دليل آخر في هذا المضمار فهو متعلّق بكيفية الملبس الخاص بهنّ، ولا علاقة له بخروجهنّ من المنزل؛ ولا نجد في ديننا الاسلامي دليلاً على كون المرأة سجينة الرجل في البيت، وكونها محرّماً عليها الحضور في التجمّعات، والتحدّث مع سائر أبناء المجتمع.
2 ـ لا يوجد لدينا حكم في الدين الإسلامي يدلّ على أنّ أداء الوظائف المنزلية تقع على عاتق المرأة، ولم يُفتِ أيُّ فقيهٍ بوجوب ذلك عليها، وكذلك فإنّ المرأة بإمكانها أن تمتنع عن أداء هذه الأمور، بل وبإمكانها أن تمتنع عن إرضاع الطفل مجّاناً، ولها الحقّ في طلب الأُجرة على ذلك من الزوج، وكذلك فإن باستطاعتها أن تمتنع عن أداء بعض الأُمور إلاّ ما يتعلّق بالاستمتاع، وفي جميع هذه الموارد لا تعتبر المرأة ناشزاً.
3 ـ إذا ما وُجِد دليلٌ على ذلك فإنّه يمكن أن يكون من باب الاستحباب، ويختصّ فيه ولا يتعداه، أي إنّه لا يكون أمراً إلزامياً وواجباً حتى يمكنه أن يسدّ الطريق على أدلّة الاشتراك.
4 ـ أضِف إلى ذلك أنّ مثل هذا الاستنتاج من الأحكام الإسلامية يعتبر مخالفاً لكتاب الله عزّ وجلّ؛ وبما في ذلك قصّة النبي موسى× مع بنتي شعيب وزواجه من احداهما، وكذلك قصّة ملكة سبأ التي أشار إليها القرآن الكريم ولم يذمّها، وبما أن ّ القرآن الكريم ليس كتاباً قصصيّاً، بل هو كتاب هداية للمتّقين وصراط للمهتدين، فإنّه حين وجود أمرٍ مستقبحٍ في حدثٍ يذكره يشير إليه كي يجتنبه الناس.
5 ـ نستوحي من الشرع والأحكام الشرعية بأنّ الأمر بالستر لا يمكنه أن يكون مانعاً من أداء الأحكام التي لا تتلاءم مع الستر، مثل: إحرام النساء في الحج، وعدم وجوب ستر وجوههنّ، وطوافهنّ مع الرجال في المسجد الحرام، ووقوفهنّ في منى وعرفات، وكذلك عندما كنّ يحضرن صلاة الجماعة في عهد رسول الله’، وجواز نيابتهنّ في بعض الأمور، كالحج، والذي يستلزم خروجهنّ من المنزل؛ ولم يقل أحدٌ بأنّ هذه الأُمور مستحبّة للنساء أو أنّها غير واجبة، لذلك فإنّه لا يمكن سلب هذه الأُمور عن النساء بذريعة المستورية.
6 ـ علاوة على ذلك فإنّ الشواهد التاريخية تؤيّد ما ذكرنا، حيث إنّ التاريخ يذكر لنا أنّ فاطمة الزهراء÷ كانت معلِّمةً، وأنّها كانت تخرج أيام الاثنين والخميس لزيارة مرقد أبيها رسول الله’، ولم يذكر لنا التاريخ أنّ الأئمة^ ذكروا في حديثٍ معتبرٍ أنّه ليس على النساء القضاء والفتوي، أو يحرم عليهنّ الحضور في صلاة الجمعة أو الجماعة.
7 ـ الروايات الواردة في جواز حجّ المرأة نيابة عن الرجل، كقوله×:«ربّ امرأةٍ أفقه من رجلٍ»([13])، وكذلك الإطلاقات والعمومات المستفادة من الأحاديث والآيات، والتي تشير إلى عدم وجود مخصّص بكونِ هذه الأحكام مختصّة بالرجال دون النساء، مثل قوله جلّ وعلا: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}، وقوله ’: «علماء أُمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل»، وقول المعصوم×:«أُنظروا إلى من روى أحاديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا»، وما إلى ذلك.
هـ ـ نصوص ناهية عن تقدّم المرأة في الصلاة
الروايات التي تنهى عن تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة أو وقوفها في محاذاته أو أمامه، فعن القاسم بن الوليد قال: «سألته عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد معهما النساء؟ قال×: «يقومُ الرجلُ إلى جنبِ الرجل، ويتخلّفنَ النساء خلفهما» ([14]).
وكذلك مارواه الشيخ في الصحيح عن فضيل بن يسّار قال: قلتُ لأبي عبد الله×: أُصلّي المكتوبة بأُمّ علي، قال×:«نعم، تكون عن يمينك، يكون سجودها بحذاء قدميك»([15]).
تحليل ونقد
1 ـ تذكر هاتان الروايتان، وما شاكلها من روايات، قضية تقدّم المرأة على الرجل من حيث المكان عندما تكون مأمومةً، بينما النقاش يدور حول تقدّم المرأة من حيث كونها إمام جماعة، وكذلك فإنّ بعض هذه الروايات ناظرة إلى الصلاة فرادى، والكلام حول صلاة الجماعة.
2 ـ الاختلافات بين هذه الروايات موجودة بشكلٍ كبيرٍ، وقلّما نرى مثل هذه الاختلافات في موارد أُخرى.
3 ـ هذه الروايات يمكن أن تُحمل على كونها تشير إلى الكراهة وقلّة الثواب، وإذا ما صارت المرأة إماماً للجماعة فإنّ الثواب عندئذٍ يكون أقلّ من إمامة الرجل، أي إنّه مثل الفرق بين صلاة المسافر وصلاة الحاضر، والتي لا مانع منها.
4 ـ عدم جواز تقدّم المرأة في هذا المورد لم يُفتِ به جميع العلماء، وغالباً ما يذكرون كراهية ذلك.
لذلك فإنّ هذه الروايات لا يمكنها أن تكون شرطاً لكون إمام الجماعة ذكراً، بل إنّها تشير إلى التقدم المكاني، فإنّنا نرى في رحاب بيت الله الحرام، وعندما يزدحم الناس، فإنّهم يقولون: «لا بأس به»، وإنّه عند وجود حائلٍ يمكن أن تكون المرأة إماماً للجماعة، وأن تتقدم على الرجل ([16]).
و ـ عدم كون الأذان مجزياً إذا ما أدّته امرأة
استدلّوا على ذلك بهذا الشكل: بما أنّه لا يجوز للمرأة أن تؤذّن فكذلك لا يجوز لها أن تكون إماماً للجماعة.
تحليل ونقد
في ما يخصّ عدم إجزاء أذان المرأة بالنسبة للرجال يقول الشيخ الطوسي: إنْ أذّنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدّوا به ويقيموا؛ لانّه لا مانع منه ([17]).
وصاحب الجواهر أيضاً له نفس الرأي في هذا المضمار، حيث تمسّك بإطلاقات الأدلّة، وبكون سماع صوت الرجل من قبل المرأة وسماع صوت المرأة من قبل الرجل ليس حراماً ([18]).
وكذلك فإنّه يمكن تبرير النهي عن قيام المرأة بالأذان بسبب ظروف ذلك الزمان وعدم استساغة الناس آنذاك له.
ز ـ عدم اشتهار إمامة النساء في صلاة الجماعة في عهد الرسول
وقد استدلّوا بهذا المدعّى على عدم قيام المرأة بإمامة الناس في صلاة الجماعة، وقالوا: لو أُجيز لامرأةٍ إمامة الناس في صلاة الجماعة، ولو في يومٍ واحدٍ، لكان ذلك معلوماً لدينا مثل علمنا بوجود الشمس في وضح النهار، لذلك مادامت المرأة لم تنصّب لأداء هذه الوظيفة فإنّ الذكورة شرط في إمام الجماعة.
ـتحليل ونقد
بما أنّه في عهد رسول الله’ كان جميع المسلمين تقريباً يشاركون في صلاة الجماعة، وفي أيام حياته صلوات الله عليه لم يكن من الصحيح أن تقوم بناته مثلاً، ومن ضمنهنّ السيدة فاطمة الزهراء÷، بإمامة الناس في صلاة جماعة مستقلّة، لذلك فإنّ التمسّك بهذه السيرة، بكونها ذات صفة استمرارية في كل زمانٍ، ليس صحيحاً.
إضافة إلى ذلك فإنّ المجتمع آنذاك لم يكن يتفاعل مع مثل هذا الأمر، أي قيام النساء بإمامة الناس جماعةً، وعليه يتّضح ضعف رأي صاحب مفتاح الكرامة([19]).
ح ـ انحصار التساؤلات المتشرعية في إمامة المرأة لمثلها
جميعُ الأسئلة التي طرحت على الأئمة^، تخصّ إمامة المرأة للمرأة، وهذا بحدِّ ذاته دليلٌ على عدم استطاعة المرأة أن تؤمّ الرجال، كما ورد عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي‘ قال: سألته عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدُّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال×: «بقدرِ ما تُسمَع»([20]).
تحليل ونقد
1 ـ مجرّد كون الأسئلة تدور حول إمامة النساء للنساء لا يمكن اعتباره دليلاً على عدم جواز إمامة المرأة للرجال؛ لأنّ السؤال في الرواية كان يدور حول ما إذا كانت المرأة إماماً للجماعة فإلى أيّ حدٍّ تستطيع أن ترفع صوتها؟ وكان جواب المعصوم× أنّها تستطيع ذلك إلى الحدّ الذي تُسمع صوتها مَن يصلّي خلفها من النساء، والسؤال هنا عن أصل صلاة الجماعة.
2 ـ محتوى بعض الروايا عبارة عن أنّه بإمكان المرأة أن تؤمّ النساء أو لا؟ فعند عدم السؤال عن إمامة المرأة للرجال لا يمكن الاستنتاج بعدم صحّة ذلك، أي إنّ الروايات التي سُئل فيها المعصوم× عن جواز إمامة المرأة للنساء لا تعتبر دليلاً نستنتج منه عدم جواز إمامتها للرجال، أي (إنّ الناس لم يسألوا المعصوم عن إمامة المرأة للرجال؛ لأنّه كان ثابتاً لديهم أنّه غير جائز، فهذا الاستنتاج باطلٌ ولا صحة له.
3 ـ من الممكن أن يكون عدم السؤال عن هذا المورد في ذلك الزمان هو عدم الابتلاء به حينها، مثل: عدم سؤالهم عن جواز إمامة الخنثى للجماعة، ولا يمكن الادّعاء أنّ منع ذلك كان يجول في ذهنهم؛ لأنّه ربّما كان العكس هو الصحيح، أي أنّه يجول في ذهنهم جواز ذلك.
4 ـ ربّما كان عدم سؤالهم بسبب التقيّة والخوف.
5 ـ قد جاء النفي والإثبات في الروايات في هذا المورد، فقد أمر رسول الله’ أمّ ورقة أن تؤمّ أهلها، وكلمة أهل تشمل الرجال والنساء على حدٍّ سواء، لذلك فإنّ هذه القضية كانت متداولة حينذاك، ولم يكن الحال أنّ الحرمة هي التي تجول في ذهن الجميع.
وهنالك رواية ذكرت في دعائم الإسلام أشارت إلى عدم جواز ذلك؛ وعند تعارض الروايتين فإنّهما تسقطان، ونرجع إلى الإطلاقات والعمومات.
6 ـ يمكن الإجابة على الروايات المانعة بالقول: استناداً إلى الاطلاق المقامي للروايات، فإنّ الذكورة ليست شرطاً؛ وذلك أنه ذكر في الرواية «خمسةٌ لا يَؤمنّ…»([21])، ولم تذكر المرأة بين هؤلاء الخمسة، والرواية في مقام بيان من لا يجوز تصدّيهم لإمامة الناس في صلاة الجماعة.
7 ـ إلغاء الخصوصية والاشتراك في الحكم، أي إنّه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، بحيث إنّه إذا كان الرجل عادلاً فبإمكانه أن يؤمّ الناس، وكذلك هو الحال بالنسبة للمرأة، غاية ما في الأمر أنّه ينبغي للمرأة الاستتار ولازمة إمام الجماعة هو الاشتهار، وهذا أيضاً لا يستند إلى دليلٍ خاصٍّ.
طـ ـ دليل الإجماع
ذكروا أنّ الإجماع دليلٌ على عدم جواز إمامة المرأة للرجال.
تحليل ونقد
لا يمكن الاستناد إلى هذا الدليل لأسبابٍ، منها:
1 ـ بما أنّ هذه القضية ذات وجوه واعتبارات مختلفة فإنّه ليس بإمكاننا أن نجعل هذا الإجماع دليلاً كاشفاً عن الحكم التعبّدي هنا.
2 ـ لم يكن هذا الإجماع متحقّقاً عند الإمامية ولا في الروايات، والشيخ الطوسي لم يستطع أن يحصل في هذا المورد على فتاوى القدماء، مثل ابن أبي عمير وزرارة وغيرهم، لذلك فإنّه يتوجّب علينا الرجوع إلى النصوص الفقهية في بطون الكتب، كالمقنع والهداية ورسالة ابن بابويه وما شاكلها، لكي يتحصّل لنا العلم بأنّ هذه المسألة قد ذكرت فيها أو لا.
3 ـ يمكن أن يكون هذا الإجماع مستوحىً من وجوه اعتبارية، كاستتار المرأة، لذلك لا يمكننا الاعتماد عليه.
إمامة المرأة في صلاة الجمعة
البحث في مورد إمامة الجمعة يتمحور في نظريّتين:
النظرية الأُولى: مبنى من جعل صلاة الجمعة مختصّةً بزمان حضور الإمام المعصوم×، وفي أثناء غيبته فإنّه لا شرعيّة لها، بناءًً على أنّ الحاكمية قد جُعلت للإمام المعصوم×، واختصّت به دون غيره، حتّى وإن قلتم بجواز حكومة الفقهاء، مثل: الأمر بالطاعة الذي ورد في الآية الشريفة: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ}، فهذه الطاعة من مختصّات الائمة المعصومين^، ولا تتعدّى إلى مَن سواهم، وكذا إمامة الناس في صلاة الجمعة من حقوق الحاكمية، وإنّ الحاكمية غير ثابتة للفقهاء، لذلك فإنّ صلاة الجمعة في زمان الغيبة غير مشروعة، ففي هذه الموارد يكون البحث والتحليل عديم الثمرة أساساً؛ لأنّ صلاة الجمعة من مختصّات عصر الظهور، والبحث في كون إمام الجمعة رجلاً أو امرأةً لا فائدة منه، وهذا من مختصّات إمام العصر#، كما هو الحال في باب الحدود إذا قلتم: إنّها من مختصّات إمام العصر#، كما تبنّاه السيد أحمد الخوانساري&([22]).
النظرية الثانية: مبنى من اعتقد بكون صلاة الجمعة واجباً تخييرياً، أو من اعتقد بكونها واجباً عينياً، كالشهيد الثاني([23]) والفيض الكاشاني، لذلك فإنّ البحث هنا عن ثبوت شرط الذكورة أو عدم ثبوته في إمام الجمعة تكون له ثمرة وفائدة.
قال صاحب الجواهر وآخرون: إنّ اشتراط الذكورة في إمام الجمعة يُستند إليه بأدلّة إمام الجماعة، ولا يوجد لدينا دليلٌ آخر بخصوص إمام الجمعة، أي إنّه لم يتمّ البحث فيه بشكلٍ مستقلٍ؛ وبناءًً عليه يمكننا القول: إنّ من يشترط الذكورة في إمام الجماعة فهو أيضاً يشترطها في إمام الجمعة.
نتيجة البحث
عند التأمّل في الأدلّة المذكورة يمكننا الاستنتاج أنّ شرط الذكورة في صلاتي الجمعة والجماعة لا يستند إلى دليلٍ قطعي، وعليه فإنّ المرأة بإمكانها أن تؤمّ الرجال جمعةً وجماعةً، واستدلال ورأي الفقيه ومرجع التقليد الشيخ صانعي يؤيّد هذا الرأي حينما تعرّض للتعليق على شروط إمام الجماعة في تحرير الوسيلة، فقد ورد في تحرير الوسيلة: ويشترط فيه أُمور: الإيمان وطهارة المولد والعقل والبلوغ… والذكورة اذا كان المأموم ذكراً، بل مطلقاً على الأحوط…([24])، وقد قال الشيخ صانعي معلّقاً عليه: وإن كان جواز إمامة المرأة لمثلها لا تخلو عن قوّة، بل وجواز إمامتها للرجال أيضاً؛ لقاعدة الاشتراك، وإطلاق أخبار الجماعة وعمومها الدالّ على استحباب الجماعة مطلقاً، بل وبعض الاخبار الناهية عن الصلاة إلاّ خلف من تثق به مثلاً، ممّا تدلّ على أنّ الشرط في صحّة الجماعة كون الإمام موثوقاً به، فإنّه المناط في الصحة، رجلاً كان أو امرأة، مثل قوله×:«لا تصلِّ إلاّ خلف من تثق بدينه»([25])، هذا مضافاً إلى أنّ الموضوع فيه أيضاً كلمة الموصول الشاملة للمذكّر والمؤنّث جميعاً، هذا مع ما في النبوي أنه ’ أمر أمّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها، وجعل لها مؤذّناً([26])، وهو المروي في كتب الفروع لأصحابنا([27])، مستدلّين به لجواز إمامة المرأة لمثلها، والظاهر أنّ الأهل أعمّ من المرأة.
ولا يخفى عليك أنّ ما استدلّوا به لعدم جواز إمامتها للرجال من الوجوه الكثيرة كلّها مورد للمناقشة والإشكال، وغير قابلة للاستدلال([28]).
الهوامش
(*) أستاذ مساعد في الفقه والحقوق في جامعة قم، من إيران.
([1]) ابن إدريس الحلي، السرائر 1: 281.
([2]) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء 4: 285، قال: يشترط في إمام الرجال والخناثي الذكورة…
([3]) الشهيد الأول، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 4: 393، قال: الذكورة شرط في إمام الرجال والخناثي، فلو أمّ الرجالَ امرأة بطل الاقتداء إجماعاً منا…
([4]) المحقّق الأردبيلي، مجمع الفائدة 3: 250، قال: ولا يجوز إمامة اللاحن والمبدل بالمتيقّن، ولا المرأة برجلٍ…، ويرى المحقّق أنّ دليل عدم إمامة المرأة للرجال هو الإجماع المنقول والأخبار.
([5]) المحقّق الحلّي، المعتبر 2: 438، مطبعة سيد الشهداء، قم.
([6]) المحقّق النراقي، مستند الشيعة، 8: 34، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1416.
([8]) العلامة الحلي، نهاية الأحكام 2: 15؛ الشهيد الثاني، المسالك 1: 313؛ السيد محمد العاملي، مدارك الأحكام 4: 351؛ المحقّق السبزواري، ذخيرة المعاد 2: 307؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام 1: 254؛ ومصادر أخرى.
([9]) البحراني، الحدائق 1: 169.
([10]) الأصفهاني، صلاة الجماعة: 208، مؤسسة النشر الاسلامي، الطبعة الثانية، 1409.
([11]) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، باب 18، صلاة الجماعة.
([12]) التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 224.
([13]) البروجردي، جامع أحاديث الشيعة 1: 285، المطبعة العلمية، حديث 874.
([16]) العلامة الحلي، منتهى المطلب 1: 7، قال: عدم جواز تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة؛ الشهيد الثاني، شرح اللمعة 1: 554، قال: ويكره تقدّم المرأه على الرجل أو محاذاتها في حالة صلاتهما من دون حائل أربعة عشر ذراعاً على القول الأصح؛ السيد محمد صادق الروحاني، المسائل المنتخبة، المسألة رقم 220، ذكر الكراهة أيضاً.
([17]) الشيخ الطوسي، المبسوط 1: 96ـ97، قال: وليس على النساء أذان ولا إقامة، فإن فعلنَ كان لهنّ فيه الثواب غير أنّهنّ لا يرفعن أصواتهنّ بحيث يُسمعنَ الرجال، وإن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدّوا به ويقيموا؛ لأنه لا مانع منه؛ وقال السيد محمد العاملي في مدارك الأحكام 3: 269: جعْلُ الذكورةِ من جملة الشرائط غيرُ مستقيمٍ على إطلاقه؛ لأنّ أذان المرأة صحيح اتّفاقاً، ويعتدّ به النساء والمحارم، بل والأجانب أيضاً على ما قطع به في المبسوط.
([18]) النجفي، جواهر الكلام 9: 53ـ54.
([20]) العلامة الحلي، منتهى المطلب 1: 368.
([21]) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، (طبعة قديمة) 1: 145.
([22]) الخوانساري، جامع المدارك، مكتبة الصدوق، مؤسّسة اسماعيليان، الطبعة الثانية 1364، قال: أمّا لو افتقر إلى الجرح أو القتل لم يجز إلا بإذن الإمام، وكذا الحدود لا ينفّذها إلاّ الإمام أو من نصّبه.
([23]) الشهيد الثاني، الرسائل: 50، من منشورات مكتبة بصيرتي، قم، وفيه: فأقول: اتّفق علماء الإسلام في جميع الأعصار وسائر الأمصار والأقطار على وجوب صلاة الجمعة على الأعيان في الجملة.
([24]) تحرير الوسيلة(مع تعليقة الشيخ صانعي) 1: 332.
([25]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب10، الحديث2.