تشويه قيمة العدالة ومعايير تحقيقها وقلب موازينها، سيؤدي حتما إلى انقلاب الرؤية وتغيير الواقع.
الاستراتيجيات الناجحة هي تلك القادرة على التغيير الهادئ والإحلال المتدرج للقيم والمعايير، التي تستطيع من خلالها تنفيذ أهدافها وتحقيق خططها وفق مرحلية زمنية طويلة، قد تحصد ثمارها الأجيال القادمة.
ولا يخفى على أحد أن تدجين العقل وقولبته في قالب معياري وقيمي مرسوم المعالم ومعروف المآلات، هو استراتيجية تكتيكية ضمن مسارات الاستعمار والهيمنة التي تعمل بالتوازي مع القوة العسكرية، بحيث ما تعجز عنه تلك الجهات في تحقيقه على مستوى العسكر يمكنها إنجازه وفتح الطريق أمامها عن طريق الهيمنة على العقل.
وما يكون عصياً عليها في التدجين والقولبة تستطيع باستخدام القوة العسكرية تحقيقه وإنجازه على أرض الواقع.
معركتها في ساحة العقل هي في إعادة رسم مسطرة القيم ولوحة المعايير بطريقة تمكنها من الهيمنة من جهة على مقدراتنا، وعلى تمكين السلطات الحاكمة الموالية لها من جهة أخرى.
فحينما تنقلب موازين العقل ومعاييره وتتغيّر قيمه، فإن ذلك يكون سبباً جوهرياً في بعده عن واقع الأمر، وفي دخوله في الوهم على أنه حقيقة، بالتالي حينما يعتبر العقل الوهم حقيقة وتتغير معالم قيمه ومعاييره، فإن ذلك سيبنى على أساسه كثير من المناهج والرؤى التي ترسم لهذا الانسان مساراته في الحياة، سواء على مستوى علاقته بالسلطة، أو وظيفته في هذه الدنيا وفي مجتمعه ووطنه وتتجلى لديه معايير الفساد والقوة والضعف والنجاح والحق والظلم، لكنها معايير تنطلق من فهم وهمي رسمته له تلك الاستراتيجيات التغييرية الهادئة وحوّلتها في عقله إلى حقيقة.
إضافة إلى أن تغيير معالم تلك المعايير والقيم يتبعه بشكل قهري تغيير الأولويات والأهداف والمناهج والسبل في تحقيق تلك الأهداف، وبذلك تتشوّه معالم العدالة بكل أسسها، وتشويه قيمة العدالة ومعايير تحقيقها وقلب موازينها سيؤدي حتما إلى انقلاب الرؤية وتغيير الواقع.
فبينما تشق العدالة طريقها وفق معايير وقيم السماء، التي لا تتحمّل أنصاف الحلول، تتحول تدريجيا إلى معايير وقيم الأرض التي تقبل بأنصاف الحلول، وتتلاقى مع الظالم في مساحات مشتركة بعناوين شعاراتية وهمية.
لذلك كان انقلاب المعايير وإعادة موازينها السماوية ونصب قيمها بشكل سليم واقعي أولى خطوات كشف الواقع كما هو ورؤية الوضع الأقرب إلى الحقيقة، وبالتالي الخروج من عمليات التدجين وقولبة العقل وإعادة رسم الأولويات وتصحيح الأهداف وإعادة رسم مسارات تحقيقها بشكل منهجي مبدئي قيمي سليم بعيد عن أنصاف الحلول.
وبالتالي تحقق مقومات الإصلاح الثوري في ذلك المجتمع، الذي أدرك وأعاد الميزان إلى معاييره وقيمه وفق إرادة السماء، فاعتدلت وأنصفت فثارت، لأنها رأت الواقع كما هو وكشفت زيف التسلّط على رقاب الناس.
إن الوعي وإدراك الواقع وتظهير القيم والمعايير وفق إرادة السماء أولى خطوات التغيير والاصلاح الثوري، الذي يجب أن تتبعه خطوات عملية تكمل عملية الإصلاح للنهوض بواقع الأمة، وأهمها على الإطلاق الابتعاد عن الذرائعية والبراغماتية والذاتية سواء ذاتية حزبية أو شخصية أو مذهبية أو قبلية في تحقيق أهداف الإصلاح الثوري، ليكون الإنسان كإنسان هو محل الاشتغال وبه يتحقق الإصلاح الثوري التغييري على كل المستويات