د. يحيى يثربي(*)
تقع الكتب السماوية الموجودة بين أيدينا على قسمين مختلفين:
أما القسم الأول فيشتمل على التوراة والأناجيل (الكتاب المقدس بعهديه العتيق والجديد)، وليست من إنشاء الأنبياء، وإنما هي تقريرات تاريخية كتبها الآخرون حول حياة الأنبياء وسيرهم وأقوالهم. وإن أتباع هذه الكتب من اليهود والنصارى لا يعتبرون هذه الكتب وحياً إلهياً، وإنما هي تقريرات لنشاط الأنبياء وبعثتهم، فإنجيل يوحنا كتبه يوحنا، ورسائل بولس، التي هي جزء من الإنجيل المقدس، كتبها الرسول بولس، وعليه لا أحد من أتباع هذه الأديان يعتبر الكتاب المقدس كلاماً نبوياً، وإنما هو بمنزلة كتب السيرة التي كتبت حول النبي الأكرم’، مثل: سيرة ابن هشام، وغيرها.
والقسم الآخر يتمثل في القرآن الكريم، والقرآن ليس كلام النبي، ولا هو عملية تأريخية كتبها الآخرون كبيان لسيرة نبي الإسلام، وإنما هو نص إلهي أنزله جبرائيل نجوماً على النبي الأكرم’، ولم ينشئ النبي أيّاً من آياته، وهذا ما أيده القرآن مراراً.
هذا ولم يسبق أن ادّعى هذا الأمر أيّ من الأديان والمذاهب الموجودة، وإنّ القرآن وحده هو النص الإلهي الموجود، قد صرّح القرآن بوجود كتب سماوية سابقة، إلا أن أتباع تلك الديانات قد عمدوا إلى تحريفها وإبدالها بكتابات خطتها أيديهم.
إن أسلوب القرآن لا يشبه الأشعار العربية بأيّ وجه من الوجوه، ولم يدع أحد حتى الآن أنّ القرآن نوع من الشعر، وحتى لو أخذنا الشعر بمعناه المنطقي فمع ذلك نجد القرآن يعرف نفسه بوصفه (برهاناً) ، وليس شعراً، أو عملاً من هذا القبيل.
ولو أخذنا الشعر بمعناه الجاهلي، واعتبرناه من قبيل (سجع الكهان)، فإنه، وإن عمد أعداء الإسلام إلى اعتبار السور المكية من هذا النوع من الأشعار، إلا أن القرآن رفض هذه التهمة في الكثير من الآيات.
وعليه ربما أمكن إنكار القرآن بالمرّة، ولكن لا يمكن اعتباره من إنشاء النبي’، أو الذهاب إلى أنه تجربة شعرية، بينما نجد أن جزءاً من الكتاب المقدس هو من نوع الشعر، وهذا ما يعترف به اليهود والنصارى أنفسهم.
ولم يدّع أحد حتى الآن أن القرآن من صنع النبي، وإن ما ذهبت إليه المعتزلة من (خلق القرآن) لا يعني أنه من إنشاء النبي محمد’، فالمعتزلة والأشاعرة متفقون على أن القرآن كلام الله، غير أنهم يختلفون في حدوثه وقدمه.
فالأشاعرة يقولون: بما أن القرآن كلام الله، فهو صفة له، فلا بد أن يكون قديماً مثلهُ؛ أما المعتزلة فإنهم ـ رغم إيمانهم بأن القرآن كلام الله ـ وفقاً لمقتضيات الزمان والمكان يرون أنه مخلوق وحادث، فهو كسائر الوجودات بالرغم من كونه كلام الله، فهو حادث، وليس بقديم.
إن منهجي في الحياة يقوم على عدم التدخل في المسائل العلمية إذا اتخذت منحىً سياسياً وحزبياً؛ ولا أرى من الصلاح أن يغدو العلم والتحقيق سلاحاً بيد الجهلة، لإثارة الضجيج والضوضاء.
__________________________________________
(*) أستاذ جامعي، وعضو الهيئة العلمية في جامعة طهران، ورئيس قسم الفلسفة في معهد الثقافة والفكر الإسلامي.