دراسة نقدية في نظرياته حول القرآن والنبوّة
أ. محمد علي مهدي(*)
مقدمة ــــــ
يشهد العصر الراهن تصعيداً ضد الإسلام، وقد بلغ هذا التصعيد ذروته من خلال نشر عشرات الكتب والمقالات، وإنتاج الأفلام المهينة، والكاريكاتورات الوقحة، والقتل الذريع في الكثير من البلدان الإسلامية، كالعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين. وما هذه المفردات إلا جزء من مؤامرة مدروسة يدبّرها أعداء الإسلام. وفي ظل هذه الظروف التي يبذل فيها أعداء الإسلام كل جهودهم في القضاء على الإسلام نجد بعض الكتاب ممن كان في يوم محسوباً على الإسلام يزيد في طنبور العدو نغمة، ويقوم بما يعود بالضرر على الإسلام، من خلال آرائه الخاطئة والضعيفة وغير المستدلة. ومن هذه المحاولات الحوار الذي أجراه القسم العربي من إذاعة هولندا مع السيد عبد الكريم سروش، ونقلت ترجمته إذاعة (زمانة) الفارسية، كما نقل نصّ الحوار على عدة مواقع إلكترونية مباشرة.
يذهب الكثير من المحققين إلى عدم استحقاق آراء سروش الردّ؛ لأنها مجرد أصداء لما قاله الكثير من المستشرقين أو من ردّدوا أقوالهم، وأشبعت ردّاً ونقداً من قبل العلماء، فليس على من يريد معرفة الرد على سروش سوى مراجعة تلك الردود.
ولكن يبدو أن إعادة هذه الأمور قد تؤدي إلى حدوث شبهات لدى بعض الأفراد الذين لا يتمتعون بعمق في المعارف القرآنية، وعليه يجب على العلماء في مثل هذه الموارد أن يتصدوا للإجابة عنها، عملاً بأمر النبي الأكرم ‘، حيث يقول: «إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم، والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم؛ لئلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة»([1]).
وكأن الدكتور عبد الكريم سروش قد نسي رسالته الاستنكارية، حيث قامت بعض الصحف الغربية بتوجيه رسوم كاريكاتورية استهزائية تستهدف شخص الرسول الكريم ‘، وقد جاء في تلك الرسالة: «إن على تلك الصحف غير المسؤولة (في كلّ من السويد والنرويج والدانمارك وإسبانيا) أن تستحي، وتعتذر من القلوب الدامية والعيون الدامعة والأرواح الجريحة؛ بسبب فعلتها القبيحة»([2]).
وعليه فإننا هنا نوجه مضامين رسالته الاستنكارية هذه إليه، ونسأله: ألا يعد الانسياق وراء الكفرة في عصر الجاهلية، وتسمية النبي الأكرم شاعراً، إساءة؟! ألا يؤدي ذلك إلى جرح مشاعر المسلمين، ويضطر بعضهم إلى القول: إذا كان النبي في الجاهلية القديمة قد تعرض من قبل المجانين إلى القذف بالحجارة وكسر رباعيته وشقّ جبهته الشريفة، وإذا كان الملأ من قريش قد قذفوه بأنه شاعر ومجنون، فقد تكرر الأمر في الجاهلية الحديثة أيضاً؛ حيث أخذ الجاهلون يوجهون له الإهانات عبر رسوم الكاريكاتور، ويتّهمه العلماء من طلاب الدنيا بأنه شاعر ومجنون، وكما في الجاهلية القديمة يعتبرون القرآن (أساطير الأولين).
وعلى كل حال فإننا ــ مثل الأستاذ السبحاني وسائر المخلصين ــ ندعو السيد سروش؛ باحترام ونيّة حسنة، وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الدينية، إلى العودة إلى أحضان الإسلام.
والمسألة الأخيرة التي أرى ضرورة التذكير بها قبل الدخول في الإجابات التفصيلية هي أن السيد سروش، وإن بدا في جوابه عن رسالة الشيخ السبحاني يحاول جمع الماء المراق، إلا أن تبريراته لم تؤدِّ إلى حل المشكلة، بل فاقمتها وزادت من تعقيداتها، حيث كانت في رأي المحققين المدققين كرّاً على ما فرّ منه، وكما أنه وصف نظريات الآخرين بالمثلث ذي الأضلاع الثمانية، أو الحديد الطيني، أو الخلّ المعدني([3])، يجب تذكيره بأن نظريته هي أيضاً من هذا القبيل، حيث لا يمكن الجمع بين الإسلام ووصف النبي بنفس الصفات التي كان الكفار في صدر الإسلام يصفونه بها، وهذا ما سنبحثه بالتفصيل.
الجذور التاريخية للبحث ــــــ
يمكن تقسيم آراء سروش إلى عدة أقسام؛ فمنها ما هو تكرار لما كان يقوله المشركون في عصر نزول القرآن، وأعيد اجتراره على ألسنة المستشرقين، وقد سعى الدكتور سروش إلى إضفاء مسحة بلاغية عليه، إلا أن الطبقة البلاغية كانت باهته جداً بحيث لم تستطع التغطية على الصدأ الكامن خلفها، الأمر الذي دعا سروش في جوابه عن رسالة الأستاذ السبحاني إلى اللجوء للسفسطة، حيث قال: إن الشعر الذي أعنيه يختلف عن الشعر الذي عناه المشركون: «لابد من الالتفات إلى أن الشعر في مفهومه المعاصر؛ بوصفه إبداعاً فنياً عالياً، يختلف عن الشعر الذي يراه أمثال أبي جهل وأبي لهب».
وواضح أن هذا النوع من التبريرات لا يُبقي أي محل للاستدلال، حيث يجوز لكل شخص التفوّه بكل شيء، بل ويجوز له كيل الشتائم، ثم يعتذر بأنّ مراده من الشتيمة مفهومها العصري، ثمّ يصنف نفسه في زمرة أولياء الله، وينصح الذين يشكلون على كلامه السخيف قائلاً: «ووصيتي للمنصفين ــ أما الغرضين فلست أدري ماذا أقول لهم ــ هي وصية مولوي، حيث قال: إياكم وسوء الظن بأولياء الله، ولا تفصلوا بينهم وبين الحق، ولا تنزلوهم من منزلة القرب والولاية».
وعلى أية حال فإن تاريخ هذه الشبهة يعود إلى عصر النبي الأكرم ‘، وقد كان هناك على الدوام من يظهر بين المسلمين ويلجأ إلى تأويلات غريبة مخالفة للسيرة والمنطق والعقل والدين، ولكن هذه الشبهات لم تَلْقَ أي اهتمام من المحققين، فمثلاً: ينقل الماتريدي (323هـ) في تفسير (تأويلات أهل السنة) عن الباطنية قولهم: إن الله قد أنزل القرآن على مخيلة النبي، ولم يكن في قالب لفظي، فقام النبي بصياغته في ألفاظ عربية مبينة.
وبناءً على التحقيق الذي قام به المحقق المعاصر السيد خرمشاهي يقع السير سيد أحمد خان الهندي (1817 ــ 1898م) على رأس قائمة المجددين، حيث ذهب إلى «أن النبوة ملكة طبيعية خاصة، كسائر القوى البشرية التي تتفتق إذا توفرت شروطها ومقتضياتها، كما هو الحال بالنسبة إلى الثمار والأزهار..، وقد ذهب إلى أن قوّة النبوّة موجودة في جميع أفراد البشر دون استثناء، ولكنها تختلف شدّة وضعفاً…»، إلا أن سيد أحمد خان هذا نفسه قال في مقدمة تفسيره: «وأما ما قاله بعضٌ من أن ما نزل على النبي هو صرف معاني القرآن، وأما ألفاظه فإن النبي هو الذي صاغها في إطار ألفاظ عربية هي لغته، فهذا ما أخالفه بشدة». وذكر خرمشاهي أن السيد جمال الدين الأسدآبادي كتب ردّاً على تفسير وآراء سيد أحمد خان جاء فيه: «إن الفارق بين سيد أحمد خان والزنادقة المتقدمين أنهم كانوا علماء وهو رجل جاهل، والغريب أنه تنزل بمقام النبوة الإلهية إلى مستوى المصلحين»، ثم قال مخاطباً أحمد خان: «إذا كان الإلحاد يؤدي إلى تقدّم الأمم لكان عرب الجاهلية في طليعة الأمم المتحضرة».
ومن أولئك الأشخاص أمين الخولي (1904 ــ 1969م)، الأستاذ في جامعة القاهرة، والذي أسس بالتعاون مع عدد من مؤيِّديه مذهباً تفسيرياً لغوياً للقرآن، وقد تخرج على يده أفراد مثل: نصر حامد أبو زيد (1943م)، المفكِّر والمجدد والباحث القرآني المصري، وقد تخطى نصر حامد حدود النقد الأدبي للقرآن إلى نقده فلسفياً واجتماعياً ونفسياً، واتخذ لذلك منهجاً تأويلياً جسوراً، وقد أدت بعض آرائه غير المسبوقة منذ العام 1993 وحتى عام 1996 للميلاد إلى إثارة جدل واسع في الأوساط المصرية، أصدر الأزهر بموجبه حكم الارتداد بحقّه، وقد كان له أنداد وأنصار في الفكر في العالم الإسلامي بين المجدِّدين والاصلاحيين في إيران، من أمثال: محمد أركون، وحسن حنفي، وغيرهما، ولم تكن نظرياتهم إلا استنساخاً لأقوال بعض المستشرقين، وأقوال السير أحمد خان الهندي، ونصر حامد أبو زيد.
وإنما نقلنا هذه النبذة التاريخية لأن سروش قد ادعى أنه لم ينفرد بهذه النظريات، وإنما كان هناك من سبقه إليها، وأنه إنما يكرر أقوالهم.
وكما رأينا فإنه لم يكن هناك من المسلمين المعتقدين منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا من يوافق سروش في نظريته، وإذا تحدث بها بعض المغمورين من هنا وهناك فلا يمكن عدّه من العلماء المسلمين الذين يُستشهد بآرائهم.
كما أن مجرد قدم النظرية ليس دليلاً على صحتها، فقد ظهرت الكثير من العقائد المنحرفة والغريبة، مثل: المرجئة، والحشوية، والجبرية، والمجسّمة، ومع ذلك لم يكن قدمها دليلاً على صحتها، بل كانت سبباً للخروج عن ربقة الإسلام، في حين كان أصحابها قبل الجهر بها من المسلمين.
التجربة الدينية ــــــ
أكّد الدكتور سروش في هذه المقالة على التجربة الدينية، ولذلك نرى من المناسب قبل الخوض في الرد على المقالة أن نفهم معنى التجربة الدينية.
1ـ ما هي التجربة الدينية؟ ــــــ
التجربة الدينية ترجمةٌ حرفية للعبارة الإنگليزية (religious experience)، والمراد الدقيق منها هو الشعور والإحساس الديني، أو اللحظة الدينية([4]).
والتجربة الدينية مصطلح ساد المجتمع الغربي الحديث في القرون الثلاثة الأخيرة، وحظي باهتمام المختصين بالشؤون الدينية، وبذلك اكتسب الدين معنى أوسع مما كان عليه في السابق، حيث أخذ يشمل أدنى المظاهر، وجميع أنواع الشعور والمشاهدة الشخصية التي تربط الإنسان بنحو من الأنحاء بالعالم الغيبي وما وراء الطبيعة، وبهذا المعنى العام فإن التجربة الدينية تشمل حتى الكشوفات التي تتجلى لبعض المؤمنين أحياناً.
وأما التجربة الدينية بالمعنى الخاص فتطلق على التجربة التي يبدو فيها للشخص وكأنّ الله قد تجلى للإنسان بنحوٍ ما.
وبعبارة أوضح: إن التجربة الدينية تطلق على ثلاثة أمور:
الأول: نوع من المعرفة غير الاستنتاجية، ومن دون واسطة، شبيهة بالمعرفة الحسية عن الله، أو الأمر المفارق والمتعالي (the trancendent)، أو الأمر المطلق (the absolute)، أو الخارق للطبيعة (numinous). وهذا النوع من المعرفة هو نوع من العلم الحضوري والشهودي.
الثاني: الظواهر المعنوية التي تحصل بفعل البحث في الذات، ويرى المؤمنون أنها معلولة للمعرفة والدوافع الذاتية والفطرية للإنسان عن الله تعالى.
الثالث: المشاهدة المباشرة للحوادث الخارقة، كالمعجزات والكشوفات والكرامات الحاصلة لأولياء الله، واستجابة الدعاء.
وإنما تسمى هذه المظاهر الثلاثة بـ «التجربة» لوجود المشاهدة والمعرفة المباشرة. غاية ما هناك أن هذه المعرفة قد تتعلق بالله، وهي النوع الأول؛ وقد تتعلق بالأمور النفسية والروحية، وهي النوع الثاني، وقد تتعلق بتدخل غير مباشر في بعض الحوادث، وهي النوع الثالث؛ وأما سبب تسميتها بالدينية فللادعاء المؤيد لبعض المسائل الواردة في النصوص الدينية([5]).
وفي ما يتعلق بأسباب ومناشئ ظهور هذا النوع من الأفكار ينبغي القول: بعد إخفاق المذهب العقلي المفرط، وكذلك الإلهيات الطبيعية من جهة، وإنكار الإلهيات والوحي من جهة أخرى، أخذ المتكلمون من النصارى يبحثون عن طريق آخر للحفاظ على المعنويات، وقادهم التقاء هذه الحقيقة مع بلوغ النزعة الإنسانية ذروتها إلى هذا الاتجاه من البحث عن سبل النجاة والحقائق في ذات الإنسان، الأمر الذي أدىّ إلى ظهور التجربة الدينية([6]).
2ـ أوجه الشبه والاختلاف بين الوحي والتجربة الدينية ــــــ
هناك من يصرّ على اعتبار الوحي الإلهي نوعاً من التجربة الدينية، إلا أن هذا يمهد السبيل للكثير من المغالطات([7])، فمثلاً: طبقاً لما يعتقده السيد سروش في بسط التجربة النبوية يعد الوحي تجربة دينية، وبذلك فإن الوحي يصل إلى مرحلة التكامل بفعل التكرار؛ لأن هذه هي طبيعة التجربة، وبذلك توصل سروش إلى نتيجة مفادها أن النبي بمرور الزمن وتكرار الوحي أضحى أكثر بصيرة وإدراكاً للرسالة والمسؤولية المناطة به، كما يحصل ذلك للعالم في مجال اختصاصه وعمله بفعل التكرار والتجربة([8]).
والمغالطة الموجودة هنا هي من نوع المغالطة في الاشتراك اللفظي التي لا يخفى بطلانها على كل ذي مسكة؛ لأنّ التجربة في مصطلح التجربة الدينية تختلف عن التجربة بمعنى الاختبار في مجال العلوم التجريبية، والعلاقة بينهما أشبه بالاشتراك اللفظي. ان كلمة (experience)، وإن كانت مأخوذة من كلمة (pericuim) اللاتينية، والتي تعني التجربة والاختيار، إلا أنها استعملت في الإنكليزية المتأخرة في معان أخرى، مثل: الإحساس والحالة، بل وحتى الإدراك، وإن المراد من (religious experience) في الفلسفة الدينية هو المعاني الأخيرة، ولأن الدكتور لم يلتفت إلى هذا الاختلاف فقد وقع في الاشتباه، أو مغالطة أخرى، حيث يعتقد بأن الوحي لما كان تجربة دينية، وأن التجربة الدينية تحدث لسائر الناس، لذلك فإن تجارب الآخرين الدينية تزيد الدين ثراءً، ومع مرور الزمن يحدث بسط وتوسعة في الدين، وبعبارة أخرى: إن تجربة العرفاء الدينية مكمِّلة ومتمِّمة وموسِّعة لتجارب الأنبياء الدينية، ونتيجة لذلك فإن دين الله سيبلغ مرحلة النضج والكمال بالتدريج، وإن هذا النضج والبسط والاتساع لا يكون في المعرفة الدينية، بل في نفس الدين والشريعة([9]).
ولكنْ حتى لو أطلقنا التجربة الدينية على الوحي الإلهي مسامحةً يبقى هناك بون شاسع بين الوحي النازل على الأنبياء وتجارب العرفاء؛ ومن هنا كان موقف عرفاء المسلمين الكبار على النقيض من هذه الآراء، حيث يصرِّحون بأن الشريعة الإلهية لا تنزل إلا على الأنبياء، وإن على العرفاء والأولياء اتّباع الأنبياء في أخذ الشريعة بشكل كامل([10]).
ومن نقاط الاختلاف بين الوحي والتجربة الدينية ما يلي:
أ ــ إن من أهم خصائص الوحي صحته وعصمته من الخطأ، قال تعالى: {ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}؛ لأن الريب والشك إنما يكون في الموارد التي يمتزج فيها الحق بالباطل، وهذا ما يمكن تصوره في حق الكشوفات التي تحصل للعرفاء، فقد يتراءى للعارف صوراً خيالية ويحسبها واقعية([11]).
ب ــ إن التجربة النبوية تحمل في طياتها رسالة يتعيّن على النبي إيصالها إلى الناس.
ج ــ إن العارف في تجربته الدينية إنما يتحدث عن تجربته الخاصة، التي قد تكون ناقصة أو خاطئة أو متأثرة بثقافة العصر أو ذهنية العارف نفسه؛ أما التجربة النبوية أو (الوحي الإلهي) فليس فيها شيء من ذلك، حيث ضمن الله صحتها من كل ناحية.
الحوار الأخير للدكتور سروش ــــــ
تقدم أن الدكتور سروش ذكر مثل هذا الكلام سابقاً، وأن ما قاله مؤخراً اجترارٌ لعدة نقاط يمكن تلخيصها في سطر واحد على النحو الآتي: «إن الوحي هو التجربة الشعرية التي يحسّ بها الشعراء، ولا تفاوت جوهري بينهما. وإن النبي هو الخالق للقرآن، فإن المحتوى، وإن كان من الله، إلا أن الألفاظ إنما هي من إبداع النبي، وإن علم رسول الله عرضة للخطأ، وهو لا يتجاوز مستوى معلومات أهل عصره».
اعتبار رسول الله شاعراً ــــــ
قال سروش: «إن الوحي (إلهام)، وهو التجربة التي يخوضها الشعراء والعرفاء، وإن كان النبي يخوضها بدرجة أرفع وأسمى. في العصر المتطور يمكننا فهم الوحي من خلال الاستعارة الشعرية، كما قال أحد الفلاسفة المسلمين: الوحي أسمى درجات الشعر. إن الشعر أداة معرفية تختلف في وظيفتها عن العلم والفلسفة، فالشاعر يتصور أن مصدراً خارجياً يلهمه، وإن الشاعرية استعداد وقريحة، مثل الوحي تماماً، فيمكن للشاعر أن يفتح آفاقاً جديدة أمام الناس، وأن يريهم العالم من زاوية أخرى»([12]).
كلنا يعلم أن سياسة الدكتور سروش في الجدل تتمثل في إلقاء كلمات ذات حدّين، ليتمكن من التهرب إذا واجه إشكالاً، ويقول: إن ما فهمتموه ليس مراداً لي. وهذا ما قام به في الكلام المتقدِّم، إلا أننا لو قرأناه مراراً وبدقة سيتضح بما لا يترك مجالاً للشك بأن الدكتور سروش يذهب صراحة إلى اعتبار الوحي نفس تجربة الشعراء والعرفاء، مع فارق بسيط، وهو أن النبي يمارس هذه التجربة على مستوى أعلى. والعجيب أن الدكتور، بعد أن أدرك أنه قد جرح مشاعر المسلمين، وأنهم أدركوا أنه يكرِّر اتهامات الكفار في مكة والمدينة، وتحول إلى بوق لأبي لهب وأبي جهل، قال في جوابه للأستاذ السبحاني: إن مرادي ليس هو ما فهمتموه: «وأما قصّة الشعر فإن مرادي هو الاستعانة بظاهرة الشعر الملموسة (والإبداع الفني بشكل عام) لدرك ظاهرة الوحي الغريبة، والتعرف عليها بشكل أفضل، وذلك في مقام التصوير فقط. وقد سبق أن ذهب الغزالي إلى أبعد من ذلك، حيث قال: لكي ندرك ظاهرة الوحي يمكننا الاستعانة بظاهرة الوساوس الشيطانية، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أولِيَائِهِمْ}.
ينبغي الالتفات إلى أن الشعر بحسب المفهوم المعاصر، الذي يعد بمنزلة الفن الخلاق المتسامي يختلف كثيراً عن الشعر بالمفهوم الذي كان يختلج في ذهنية أمثال أبي جهل وأبي سفيان. وإن توظيف الفن لتقريب معنى الوحي لا يقلل من شأن القرآن شيئاً، ولا يزيد من شأن أبي لهب خردلة. كما أن العلامة الطباطبائي يعتبر الوحي شعوراً خفياً، وأما أنا فأرى التعبير بالفن الخفي أنسب([13]).
وهنا نسأل السيد سروش:
1ــ هل الوحي والإلهام والتجارب العرفانية والتجارب الشعرية ذات معنىً واحد؟
2ـ ألا يعد هذا النوع من الكلام جرأة في استخدام المغالطات؛ ليتمكن الدكتور من تجاوز حدود البرهان والخطابة والشعر والجدل والتشبيه وعدم رعاية الحدود والتعاريف؛ ليقوم مثل السفسطائيين بالخلط بين المفاهيم؟
3ـ ألم يُنسَب القرآن إلى الشعر أو تجارب الكهنة والرهبان في زمن النبي من قبل الشعراء والكهنة والرهبان، وأُجيب عن اتهاماتهم وأُفحِموا؟
إن أبا لهب وأبا جهل والمعتزلة وغيرهم من الأفراد الذين يتحدث عنهم الأستاذ سروش أحياناً، ويفسر كلامهم أو يُحرِّفه، غير موجودين حالياً؛ ليشكلوا على اتهامه إياهم، ولكن ألا يوجد من الأحرار والعقلاء من يقرأ هذه النصوص ليسألوا الدكتور: ما هو دليلك على اختلاف مفهوم الشعر الراهن عما كان يجول في ذهن أمثال أبي جهل وأبي لهب؟ ولو سنحت لسروش فرصة مراجعة التاريخ لما تفوّه بهذا الكلام، حيث قال علماء اللغة في بيان وجه تسمية الشعر والشعراء: «إنما سمي شعراً، لأن الشاعر يفطن له بما لا يفطن له غيره من معانيه»([14]). ولسنا هنا بصدد نفي أن يكون في الشعر وزن وقافية، وإنما نحن بصدد إيضاح بطلان النفي المطلق الذي استند إليه سروش في كلامه، ونثبت ــ كما أشار الشيخ السبحاني ــ أن نظرية سروش ما هي إلا تكرار لاتهامات مشركي مكة، حيث كانوا يقولون: إن القرآن يوحى لمحمد كما توحى لامرئ القيس قصائده. ومن المعلوم أن مرادهم من الشعر ليس هو الكلام المنظوم والمقفّى، وإنما المراد من ذلك هو التصورات والخيال، سواءٌ صبّ في قالب شعري أو نثري([15]).
4ـ إن وصف القرآن بالشعر لا يعدّ كلاماً جديداً، فهي تهمة تعود في جذورها إلى عصر النزول، هذا في حين أن ماهية الشعر، التي هي نوع من الشعور والعبقرية التي تستمد مقوماتها من خيال الشاعر، تختلف اختلافاً جذرياً عن الوحي، الذي هو شعور خفي يتلقى فيه الإنسان علوماً قدسية ولدنية من خارج وجوده.
5ــ لقد أنكر القرآن هذه التهمة بشدة، حيث قال: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} (الحاقة: 41)، وقال: {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} (الأنبياء: 5)، وقال: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} (الصافات: 36)، وقال: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ} (الطور: 30).
وقد ردّ القرآن في الوقت نفسه هذه التهمة بجميع أشكالها، حيث قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (الحاقة: 40 ـ 42).
بل نجد القرآن يتعدى إلى أكثر من نفي هذه التهمة، حيث يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} (يس: 69).
وخلاصة القول: إن محتوى نظرية سروش لا يختلف عن الذين صنفوا النبي في عداد الشعراء، وإن أضاف إليها عبارة: «في مستوى أرفع»؛ فإن جميع المستويات تعود إلى أصل واحد.
6ــ لا بد لكل شخص أن يثبت دعواه بدليل عقلي أو نقلي أو علمي ووجداني، لا أن يكوّن مجرد تصوّر أو توهّم، وإن نظرية سروش من هذا القبيل، حيث لا تقوم على أي سند أو دعامة علمية حصينة.
7ـ إذا كان الوحي مثل الشعر كان ينبغي أن يكون جميع الشعراء من الأنبياء، وإن ما قام به المدعي من إضافة العرفاء إلى هذه المجموعة لا يحل المشكلة، وإنما يفاقمها، ومن ذا الذي يمكنه أن يدعي نبوّة جميع الشعراء، والحال أن بعض الأشعار تحتوي أموراً غير معقولة، بل وباطلة أيضاً، بل إن الشعر كلما ابتعد عن الحقيقة كان أدعى للتأثير وأقرب إلى الجمال والقوة، ولذلك قال تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ} (الشعراء: 224).
8 ـ إذا كان منشأ الوحي عبارة عن إلهامات فنية فلماذا تم حصره من بين أنواع الفنون بالشعر فقط؟ إذ لو كان الوحي مجرّد عملٍ فنيّ لوجب أن تكون اللوحة الفنية التي يبدعها الرسام، والمقطوعة الموسيقية التي يؤلفها الموسيقار، والرواية التي تجود بها قريحة القاصّ، من مقولة الوحي أيضاً، وباختصار يجب عدّ جميع الفنانين من الأنبياء!!
9 ــ تكلم الدكتور سروش جاعلاً من الوحي والإلهام أمرين مترادفين، في حين أنهما مختلفان، بل إن الوحي استُعمل في القرآن في أكثر من معنى، والمراد منه في هذا البحث هو الوحي الرسالي.
10ــ من الغريب أن يستشهد الدكتور سروش لفهم ظاهرة الوحي بقوله تعالى: {إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أولِيَائِهِمْ} (الأنعام: 121)، وهي مغالطة مفضوحة ومكشوفة؛ لأن المراد في بحثنا ــ كما تقدم ــ هو الوحي الرسالي، وليس كل نداء باطني، وكأن الدكتور سروش تجاهل تعدد المعاني اللغوية لمفردة الوحي، ومنها: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والخطاب، والكلام الخفي، والإعلام السريع الخفي، والسرعة، والعجلة، وكل ما ألقيته إلى غيرك ففهمه فهو وحي. قال الراغب الأصفهاني: «أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة قيل: أمر وحيٌ (أي سريع)، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة».
قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} (القصص: 7)، أي ألهمناها، في حين ينبغي ـ طبقاً لاستشهاد الدكتور سروش بقوله تعالى: {إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أولِيَائِهِمْ} ـ أن تكون أمّ موسى نبية؛ بقياس الأولوية.
دور النبي في خلق القرآن ــــــ
القسم الآخر من كلام الدكتور سروش يتعلق بدور النبي في خلق القرآن، حيث سأله الصحفي الهولندي: «إنك تذهب إلى ضرورة اعتبار القرآن نتاج عصره، فهل يتضمن ذلك أن يكون للنبي دور فعال وحاسم في إبداع هذا النص؟».
فكان جواب سروش كالتالي: «طبقاً للرواية التقليدية لم يكن النبي سوى وسيلة، حيث يؤدي إلى الناس ما يأتيه به جبريل، ولكنني أرى أن النبي كان له دور محوري في خلق القرآن. وإن الاستعارة الشعرية تساعد على توضيح هذه الحقيقة. فالنبي يحسّ مثل الشاعر تماماً أن قوة خارجية تستحوذ عليه، ولكنه في الواقع وفي جميع الأحوال يقوم بكل شيء. وفي الحقيقة كون هذا الإلهام نابعاً من الداخل أو من الخارج لا موضوعية له هنا؛ إذ لا تمايز بين مستويات الوحي على الصعيد الداخلي أو الخارجي. إن هذا الإلهام ينبثق من (نفس) النبي، و(نفس) كل شخص إلهية، إلا أن النبي يختلف عن سائر الأشخاص؛ ذلك أنه أدرك إلهية هذه النفس، ويخرج ما بالقوة إلى ما بالفعل، وقد اتحدت نفسه مع الله. وأرجو عدم إساءة فهم كلامي هذا، فإن هذا الاتحاد المعنوي مع الله لا يعني صيرورة النبي إلهاً، فهذا الاتحاد اتحاد محدود بحدود النبي ومحتواه البشري، وليس بما لله من سعة مطلقة في الأبعاد، وقد بين جلال الدين المولوي الشاعر العارف هذا المعنى الموهم للتناقض بأبيات شعرية مفادها: «إن اتحاد النبي مع الله مثل صبّ مياه المحيط في الدورق»، إلا أن النبي خالق للوحي بشكل آخر، فالذي يحصل عليه من الله هو مضمون الوحي، ولكن هذا الوحي لا يمكن بيانه للناس بذلك المضمون؛ لأنه يفوق مستوى فهمهم، بل هو فوق مستوى الكلمات، فهذا الوحي فاقد للصورة، وعلى النبي أن يصوغه في إطار صوري؛ ليجعله في متناول فهم الجميع، فيقوم كما يفعل الشاعر بصياغة هذا الإلهام بأدواته اللغوية وأسلوبه الخاص، وما يتوفر له من علم وثقافة، كما أن لشخصيته دوراً مهماً في صياغة هذا النص، وكذلك سيرته وحياته، بما في ذلك والده، ووالدته، ومراحل صباه، وحتى حالاته الروحية، ولو قرأتم القرآن تشعرون أن النبي أحياناً يكون في قمة الجذل والفصاحة، بينما يكون في أحيان أخرى مفعماً بالملل، وتجده عادياً في كلامه، وجميع ذلك قد ترك تأثيره على النصّ القرآني، وهذه هي الناحية البشرية التامة من الوحي»([16]).
وهذه ليست هي المرّة الأولى التي يصدر فيها عن سروش مثل هذا الكلام، فقد تقدّم منه أن قال في مقالة له: «إن النصوص التي ظهرت في الأديان، وخاصّة في الإسلام، تنقسم إلى قسمين: الأول: الصورة الأسطورية التي أسقطت على الحقيقة؛ والثاني: يتعلق بالحياة والمعاملات والتشريعات التي ظهر الله فيها آمراً وناهياً، بل إن الآمر والناهي هو النبي، وإن الله يقرّ تشريعاته». وقال في مقالة (الإسلام والوحي والنبوّة): «رؤيتي هي أن النبي هو الذي يباشر تشريع الأحكام الفقهية، فالنبي هو المقنِّن، وإن الله يصادق تشريعه وتقنينه..».
وهو يستنتج من هذه النظرية ما يلي: (إن جميع الأحكام الفقهية في الإسلام مرحلية ومؤقتة، وإنها متعلقة بمجتمع النبي وعصره والمجتمعات المشابهة لمجتمع عصر النبي، إلا إذا ثبت الخلاف).
وترد على هذا الكلام إشكالات كثيرة نشير إلى بعضها:
1ــ التناقض الذي تضمنته هذه الأسطر، فقد ذهب الدكتور فيها إلى اتحاد نفس النبي مع الله، وعليه لا يمكن تصور الخطأ والجهل على مثل هذا الشخص، ومع ذلك يصرح سروش بعد عدة أسطر بإمكان تطرق الخطأ إليه، وقال بأن مستوى معرفته لا تتجاوز المعرفة الناقصة في عصره. وهذا تناقض بيّنٌ، إلا إذا كان الدكتور سروش يجيز الخطأ على الله، وما ذلك عليه ببعيد.
2ــ إن قول سروش: «لو قرأتم القرآن تشعرون أن النبي أحياناً يكون في قمة الجذل والفصاحة، بينما يكون في أحيان أخرى مفعماً بالملل، وتجده عادياً في كلامه، وجميع ذلك قد ترك تأثيره على النصّ القرآني، وهذه هي الناحية البشرية التامة من الوحي»، وإنه يمكن للوحي أن يخطئ، يعود في جذوره إلى صدر الإسلام واتهامات قريش للنبي، وقد أنكرها النبي ‘ صراحة، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: كنت أكتب كل شيء سمعته من رسول الله ‘؛ أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله ‘، ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب؛ فأمسكت عن الكتابة، حتى ذكرت ذلك لرسول الله ‘، فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حقٌّ».
3 ــ إن جميع الآيات التي استعملت فيها مفردة «اقرأ» بجميع مشتقاتها تدل على أن وظيفة النبي هي قراءة ما نزل عليه بواسطة جبرئيل، مثل: قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}، حيث بدأت النبوّة كما نرى بلفظ {اقرأ}، والقراءة هي عين الكلام الذي ينشأ، وليس محتوى الكلام؛ وقوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: 16 ـ 19).
وهذه الآية تدل بما لا يبقى معه أدنى شك على أن جبرئيل كان يقرأ الآيات على النبي ‘([17]).
ومن هنا يتعيّن على الدكتور سروش أن يدرك أن القراءة إنما تكون إذا كان هناك مقروء يُقرأ كما هو، دون زيادة أو نقصان، لا أن يترجمه بأية لغة يختارها.
وقد استعملت كلمة (القراءة) في سائر آيات الكتاب، حيث أمر الناس بقراءة القرآن، فهل يحق لهم بدلاً من قراءة القرآن أن يفسِّروه كما يحلو لهم، مدَّعين أن هذا هو القرآن؟ قد لا يجد الدكتور سروش حرجاً في الإجابة عن ذلك بالإيجاب، ولكنه بذلك سيخرج عن إطباق الأمة الإسلامية بجميع مشاربها.
4ــ إن مفردة (تتلو) المستعملة في القرآن تثبت أن القرآن ليس من تأليف النبي؛ وذلك أنّ (تلا) في اللغة العربية تعني الاتباع([18])، وفي القرآن تعني القراءة المصحوبة بالاتباع([19]). إذاً حينما يقول الله تعالى لنبيّه: {وَاتْلُ مَا أوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} (الكهف: 27) لا يمكننا أن نتصور شيئاً آخر غير أن يكون هناك كلمات قد نزلت على رسول الله ‘، وأنّ عليه أن يتبعها، وليس عليه أن يتلوها ويتبعها فحسب، بل لا يجوز له أن يبدّلها أو يغيرّها، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أو بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (يونس: 15)، وقال تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ القُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ المُنذِرِينَ} (النمل: 92)، وواضحٌ أن القرآن إنما يتلى بلفظه. وهكذا حينما يقول تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ…} فإن المعنى هنا تلاوة ألفاظ القرآن أيضاً، وليس بيان محتوى لا صورة له. ولم يذهب لغويٌّ واحدٌ إلى أن من معاني التلاوة المحتوى الذي لا صورة له. وهكذا الأمر بالنسبة إلى سائر الآيات الأخرى.
5ــ هناك الكثير من الآيات التي تتحدث عن نزول القرآن بلسان عربي، وواضحٌ أنّه لو كان النازل على النبي هو المحتوى المجرد عن الصورة ـ كما يدعي سروش ـ لما صحّ منه تعالى التأكيد على نزوله بلغة عربية، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف: 2)؛ وقال {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} (الرعد: 37)؛ وقال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (النحل: 103)؛ وقال: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أو يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} (طه: 113)، فلو كان النازل على النبي هو المحتوى الفاقد للصورة فما هو نوع هذه الاستدلالات القرآنية؟! إلى غير ذلك من الآيات([20]).
ولو كان ادعاء الدكتور سروش صحيحاً لما كان هناك من داع للتأكيد على نزوله بالعربية، إلا إذا كان الناس يتصوَّرون نزوله باللغة الفارسية أو التركية، فيكون هناك مبرر بزعمكم لتأكيد الله على نزوله بالعربية دون غيرها؟!
6ــ تحتوي بعض الآيات على مفردة «قل» ومشتقاتها. أليس من الأفضل حذف هذه الألفاظ التي تتجاوز الثلاثمائة مفردة حتى لا نقع في مشكلة عويصة لا يمكن الخروج منها؟!
ولو كان الذي ينزل على رسول الله هو الوحي المجرد عن الصورة فلماذا لم يستغنِ النبي عن هذه المفردات؟! إننا لو سألنا شخصاً عن شيءٍ، وأردنا منه جوابه، فهل يجيبنا بقول: قل كذا وكذا، أو أنه يعطينا الجواب مجرَّداً عن لفظ «قل»؟! وإنك إذ أخذت محتوى نظريتك من بعض المستشرقين، وعملت على صياغتها بأسلوبك، هل تجيب عن أسئلتنا بمفردة «قل»، أو أنك تجيبنا إجابة مباشرة؟!
7ــ إن النبي الأكرم ‘ لم يُبعث إلا بعد الأربعين من عمره الشريف، وطوال المدة التي سبقت البعثة وبعدها لم يصدر منه كلام له أسلوب القرآن، وقد قال تعالى: {قُل لَّوْ شَاء اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}، فإذا كان النبي هو الذي يصوغ الآيات القرآنية بأسلوبه فلماذ اختلف أسلوبه هذا عن الأحاديث التي صدرت عنه، بل وحتى الأحاديث القدسية التي رواها خارج نطاق القرآن؟ وهذا ما يؤكد أن القرآن، بجميع مفرداته، قد نزل عليه وحياً، ولم يكن للنبي أدنى تدخل في صياغتها.
8 ــ إن النظم الدقيق للآيات، والإعجاز المعنوي الذي أشار الكثير من عباقرة الأدب إلى بعض أنحائه بلغة علمية، لخير دليل على سماوية آيات القرآن. ويكفي للوقوف على ذلك الرجوع إلى كتاب «نظم القرآن»، لمؤلفه الدكتور مهدي بازرگان، لإدراك أن الله وحده هو القادر على صياغة القرآن بمثل هذه الصياغة، وليس شخص أُمّي، عرَّفه الله بأنه {بَشَرٌ يُوحَى إِلَيْهِ}، ولا نريد بهذا الكلام الهبوط بمستوى النبي الأكرم، وإنما نحاول رفع القرآن الكريم إلى مكانته الطبيعية دون اللجوء إلى السفسطة.
9ــ إن اختلاف الأحاديث النبوية عن الآيات القرآنية كان معروفاً للقاصي والداني، بل كان مفهوماً حتى للكافرين أنفسهم، فمنذ الوهلة الأولى التي نزل فيها الوحي على النبي، ورجع به إلى أهله، أدركوا أن كلام الوحي لا يشبه شيئاً مما سمعوه من النبي من قبل([21])، ولذلك كانت كلمات الوحي تختلف عندهم عن الكلام الذي يقوله النبي ابتداءً.
وقد أدرك المشركون والكفار أن آيات القرآن مستقلة عن شخصية النبي، فمثلاً: حينما كان النبي يتلو آيات القرآن كانوا يطالبونه بالرجوع إلى مصدره السماوي للإتيان بغيرها، لا لأنهم لم يؤمنوا بها، بل لأنها كانت تتعارض مع أهوائهم، وتضرب مصالحهم، قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أو بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (يونس: 15)، بل وتمنى الكفار أن يتصرفوا في الوحي الذي كان مستقلاً عن شخصيته، وأن يوقعوا النبي في الخطأ، وأن يخلط بين أقواله وأقوال الوحي، غافلين عن أن الله تعالى قد تكفَّل بضمان سلامة القرآن الكريم، قال تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} (الإسراء: 73).
10ــ إن القرآن الكريم لا يؤكد على نزول الآيات فحسب، وإنما يصرح أيضاً بنزول سور بكاملها، وهذا أصرح دليل على أن القرآن نزل على النبي ‘ بشكل آيات أو سور. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بقوله: {يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} (التوبة: 64). وواضحٌ أن معنى نزول السورة هو نزول بضع آيات، وليس مجرد محتوى من دون صورة؛ ليقوم النبي بإعطاء هذا المحتوى الصورة التي يشاؤها.
11ــ تحدّى القرآن بالإتيان بسورةٍ، كما في سورة البقرة، حيث قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 23)؛ وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَاْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (يونس: 38)؛ وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَاْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (هود: 13)، فإن كان النازل على النبي هو المحتوى المجرد عن الصورة فأية علاقة بين كلام النبي الأكرم الذي جمع على شكل سورة مع كون المحتوى وحياً. وبعبارة أخرى: لو صحّ ما ادعاه الدكتور سروش من أن النازل على النبي لم يكن إلاّ المحتوى المجرّد عن الصورة فسيفقد التحدي معناه ومفهومه الحقيقي، وهذا من قبيل أن يتحدث خطيب عن الأخوّة، ثم يأتي شاعر، مثل: حافظ إبراهيم، أو الجواهري، ويصوغ محتوى موعظة الخطيب في قالب قصيدة شعرية، وعندها يقوم ذلك الخطيب بتحدّي الناس بأن يأتوا بمثل تلك القصيدة، أفلا يُعَدُّ ذلك غريباً؟!
12ـ لم يكن الوحي خاضعاً لإرادة النبي في كيفيته أو زمانه أو توقُّفه؛ فكان الوحي يأتيه أحياناً دون أن يتوقعه؛ وأحياناً يكون بأمسّ الحاجة إلى الوحي بغية الإجابة عن تساؤل أو مشكلة فيحبس عنه الوحي، ولا يأتيه، فيطول عليه انقطاع الوحي، ويبدأ أعداؤه بالإرجاف، قائلين: إن رب محمد قد نسيه، وفي هذا الشأن نزل قوله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}([22])، فلو كان المحتوى من الله، والكلمات من النبي، أفلم يكن بإمكانه تلاوة ذلك المحتوى على الناس متى ما شاء، فلا تثار هذه الشبهات؟ ولا يكون هناك من حاجة إلى أن ينزل الله محتوى جديداً، ويجيب عن هذه الشبهات؟!
والنموذج الآخر لذلك نشاهده في واقعة الإفك، حيث اتُّهم النبي في عرضه، فانتظر الوحي، ولم يأتِه إلا بعد مدة طويلة([23]).
وفي بعض الموارد أصدر النبي حكماً شرعياً ابتداءً، فنزلت الآيات على خلاف حكم النبي، كما حصل ـ على المشهور ـ بالنسبة إلى الآيات الأولى من سورة المجادلة في قضية الظهار.
13ــ ثم أضاف الدكتور بعد تشبيهه النبي بشاعر يتصوّر أن قوّة خارجية تسيطر عليه، وأن هناك أموراً تلهم إليه: «في الحقيقة كون هذا الإلهام نابعاً من الداخل أو من الخارج لا موضوعية له هنا؛ إذ لا تمايز بين مستويات الوحي على الصعيد الداخلي أو الخارجي».
وكأنه لم يلتفت إلى أن الذي يميز إحساس الشعراء عن وحي الأنبياء هو ذلك الأمر الذي لم يُولِه الدكتور سروش موضوعية، حيث يدرك الشعراء أن مصدر إلهامهم داخلي، في حين أن مصدر إلهام الأنبياء خارجي. وإن الأنبياء يصرِّحون ويؤكِّدون على أن ما يقولونه هو وحي إلهي مئة بالمئة، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى} (النجم: 1 ـ 5).
والنقطة البارزة التي تميز الأنبياء من الشعراء تكمن في هذين النوعين من الإلهام.
وإن الذين يقصر باعهم عن المسائل الفلسفية والعرفانية لا يمكنهم التمييز بين هذين النوعين من الإلهام والشعور؛ ولذلك كان المشركون في عصر النبوّة يستغربون أن يُلْهَم شخص من خارجه، ويؤمر بهداية الناس، قال تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أوحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} (يونس: 2).
14ـ ذهب بعض المحققين إلى أن اعتبار الدكتور سروش الإلهام ينبع من نفس النبي، وأن نفس كل شخص إلهية، يشبه العقائد البوذية، أو البوذية الجديدة، إلى حدًّ كبير([24]).
15ــ وأخيراً فإن ما قاله الدكتور سروش من أنّ «النبي يحسّ مثل الشاعر تماماً أن قوة خارجية تستحوذ عليه، ولكنه في الواقع وفي جميع الأحوال يقوم بكل شيء» ليس بالشيء الجديد؛ فقد سبقه إليه بعض المستشرقين ممَّن أنكر سماوية الوحي صراحة، حيث قال: لما أدرك النبي خرافة ما عليه قومه من المشركين أخذ يختلي مع نفسه كثيراً، حتى أيقن أنه مرسل من قبل الله لهداية الناس، وكان هذا مجرّد تصوُّر وتوهُّم منه([25]).
العصمة وعلم رسول الله ‘ ــــــ
قال سروش في موضع آخر من كلامه: «هناك الكثير من المفسِّرين يذهبون إلى اقتصار عصمة الوحي على المسائل الدينية البحتة، مثل: صفات الله، والحياة بعد الموت، وأسس العبادة، وأما في ما يتعلق بمسائل هذا العالم والمجتمع الإنساني فيمكن للخطأ أن يتطرق إلى الوحي من وجهة نظر هؤلاء المفسِّرين، فليس من الضروري أن يكون ما ذكره القرآن من الوقائع التاريخية وسائر الأديان والموضوعات العلمية صحيحاً، ودليل هؤلاء المفسرين أن هذا النوع من الأخطاء في القرآن لا يؤثر سلباً على نبوة النبي؛ لأنه إنما نزل منسجماً مع المستوى الفكري السائد في المجتمع آنذاك، وموافقاً للغته. أما أنا فأذهب إلى رأي آخر، حيث لا أتصور أن النبي قد تكلم بلغة قومه مع أنه يتمتع بعلوم ومعارف مختلفة، وإنما كان النبي مؤمناً بما يقول حقيقة، فكانت تلك هي لغته، وكان الفكر فكره، ولا أتصور أن علمه بشأن الأرض والكون وتكوين الإنسان أكثر من المعاصرين له؛ فإن العلم الذي وصلت إليه الإنسانية حالياً لم يكن للنبي علم به، وهذا لا يؤثر على النبوّة سلباً؛ لأنه إنما كان نبياً، ولم يكن عالماً أو مؤرخاً»([26]).
وهنا عدة إشكالات على هذا الكلام من الدكتور سروش:
1ـ إن ما ذكره من وجود الكثير من المفسرين الذين يذهبون إلى وجود الخطأ في الوحي كذبة كبيرة؛ فإن بين أيدينا مئات الموسوعات التفسيرية من كلا الفريقين، قديماً وحديثاً، وليس فيها أيّ أثر لما ادعاه الدكتور سروش.
2ـ إن الدكتور سروش لم يقم أي دليل على دعواه التي قال فيها: إن علم النبي لم يكن ليزيد على مستوى علوم عصره، والتي كانت سائدة بين عرب الجاهلية.
3ـ لم يعترف أحد بالكفرة، من أمثال: كسروي، المقلِّد للمستشرقين وأذنابهم، ومثل: زعيم القاديانية، وبعض المثقَّفين من المصريين، الذين عزفوا على نفس النغمة التي أخذ الدكتور سروش يعزف عليها مؤخَّراً، ولم يعتبروهم من المفسِّرين.
4ـ إن ما قاله الدكتور سروش ليس هو كلامه، وإنما هو استنساخ لما سبقه إليه كسروي، بعد تحليله الخاطئ عن الآية 86 من سورة الكهف، متَّهماً القرآن بإنكار كروية الأرض، حيث قال: «بماذا يمكننا تفسير ذلك؟! يجب على هؤلاء إما إنكار أن تكون هذه الآية وأمثالها من القرآن؛ أو يجب عليهم إنكار كروية الأرض، والتنكُّر لجميع الأدلة البديهية في إثبات كروية الأرض؛ أو أن يذهبوا إلى تعمّد النبي للكذب. وما نعرفه نحن أنه لا يصحّ شيءٌ من ذلك، فهذه الآية قرآنية، كما أن الأرض كروية، وإن مؤسِّس الإسلام لم يكذب. وبذلك نتوصل إلى حقيقة مفادها أن النبي قد تحدث بحدود معلوماته، حيث كان يعلم من الأمور ما توصَّل إليه العلم في عصره»([27]).
يبدو أن الذي أوقع الدكتور سروش هو الذي أوقع الكسروي ومن لفّ لفّه، فحيث عجزوا عن التوصل إلى تفسير دقيق وصحيح لبعض آيات القرآن لم يسمح لهم غرورهم أن يعترفوا بعجزهم، واللجوء إلى أخذ العلم من أهله، فمالوا إلى التفسير بالرأي، حتى أدّى بهم ذلك إلى إنكار سماوية القرآن الكريم.
5ــ ما معنى هذه الانتقائية في القول بإمكان الخطأ على النبي، حيث يفرق بين ما يخبر به النبي عما وراء الطبيعة والغيب، فيكون مصيباً للواقع؛ وأما في المسائل الملموسة فقد يجانب الحقيقة والواقع؟
6ــ لقد وصف القرآن علم النبي بأنه أفضل النعم الإلهية عليه، حيث قال تعالى: {وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء: 113).
7ــ هناك عشرات الموارد الدالة على الإعجاز العلمي في القرآن، والتي أذعن بها حتى المنصفون من المستشرقين، حيث صرحوا بأن ما جاء في القرآن يفوق العلم الذي كان معروفاً في عصر النبوّة، تقول المستشرقة الايطالية (لورا فيشا فاغليري)، الأستاذة في جامعة نابل: «إن كتاب المسلمين السماوي نموذج للإعجاز…؛ إذ كيف يكون مؤلفه هو محمد ‘، وهو رجل أمّي، ومع ذلك نجد فيه من الكنوز والذخائر العلمية التي تفوق مستوى أذكى الرجال والفلاسفة والساسة والمقننين». هذا وقد ألفت الكثير من الكتب في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ومن بينها: «حدود الإعجاز»، للشيخ السبحاني؛ و«الإعجاز العلمي في القرآن»، للدكتور رضائي أصفهاني.
8 ــ إن الوحي لم يكشف عن الحقائق المجهولة من طريق القرآن فحسب، بل قد ظهر ذلك حتى في أخبار النبي وفي أحاديثه وما علَّمه الإمام علي × وأبناءه المعصومين، فظهر في نهج البلاغة والصحيفة السجادية. إن من غير العدل التنكر لهذه الحقائق العلمية الواردة في هذه الكتب، والاعتذار عن ذلك بأن محمداً إنما كان نبياً، ولم يكن عالماً([28]).
ولو تدبر الدكتور سروش في القرآن لوقف على هذه البديهة التي أكدها القرآن بعد ذكر الأنبياء، وأنه تعالى قد منّ عليهم بعلم كثير، ومنها ما قاله تعالى بشأن نبيّه يعقوب ×: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 68)؛ وعن الخضر ×: {عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} (الكهف: 65)؛ وعن النبي داود ×: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (الأنبياء: 80).
9ــ إن كون النبي عالماً بمستوى علوم عصره يقتضي أن يكون نبياً لعصره فقط؛ إذ كيف يكون له حينها أن يكون نبياً لجميع الناس في جميع العصور، وكيف يكون هادياً لمن هو أعلم منه، ولو في الآيات التكوينية؟!
يبدو أن السادة يريدون إنكار النبوّة، ولكنهم لا يصرِّحون بذلك خوفاً، فيتكلمون بكلام لا تكون نتيجته إلا إنكار النبوة. وهؤلاء إما يجهلون التاريخ والروايات (المتواترة بين الفريقين)، أو أنهم يتكلمون بهذا الكلام رغم علمهم ببطلانه؛ طلباً للشهرة وحبّ الظهور، فيكونون بذلك مصداقاً لقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} (النمل: 14).
الذاتي والعرضي في الدين ــــــ
قال الدكتور سروش في موضعٍ آخر من حواره: «إن اعتبار القرآن بشرياً يسهّل عملية التمييز بين جوانبه الذاتية والعرضية، فبعض المسائل الدينية قد تكونت على نحو تاريخي وثقافي، ولم يعد لها موضوعية في العصر الراهن، وهذا الأمر يصدق على العقوبات الجسدية المذكورة في القرآن، فلو كان النبي يعيش في بيئة أخرى لما شغلت هذه العقوبات حيّزاً من رسالته الدينية، وعلى المسلمين المعاصرين أن يعملوا على ترجمة القرآن وفقاً لمقتضيات الزمن؛ حيث بالإمكان العثور على مثلٍ آخر يحمل نفس الروح والمعنى، وهذا شبيهٌ بترجمة الأمثال من لغة إلى أخرى، حيث لا تتم ترجمتها حرفياً، وإنما تبحثون عن مثل آخر يحمل نفس الروح والمعنى والمضمون»([29]).
وقد احتوى هذا الكلام على مغالطات وإشكالات كثيرة، إن لبّ كلام سروش يعود إلى بحث الذاتي والعرضي في الدين الذي تحدث عنه في كتاب «بسط التجربة النبوية»، وقد تحدث في مقالة (الذاتي والعرضي في الأديان) من هذا الكتاب في خمسة مقامات؛ تعرض في المقام الأول إلى بحث ماهية الذاتي والعرضي؛ وفي المقام الثاني تحدث عن التفاوت بين جوهر الدين وأصدافه مع بيان القشر واللب أو الشريعة والطريقة والحقيقة؛ وتحدث في المقام الثالث عن العرضيات في المثنوي؛ وفي المقام الرابع سعى إلى التأسيس للموازين التي يتم بها التفريق بين الذاتي والعرضي في الدين؛ وأما في المقام الخامس فقد عدد الذاتيات والعرضيات في الإسلام،فمن عرضيات الدين عربية لغة الإسلام، وثقافة القرآن، والألفاظ غير العربية المستعملة في القرآن، الألفاظ المستعملة في القرآن والمأخوذة من أدوات الحوار المتداولة بين التجار والقوافل العربية آنذاك، والتصديقات والنظريات الواردة في الدين، والأسئلة والأجوبة الواردة في القرآن والسنة، والحوادث التاريخية الواردة في القرآن والسنة؛ وأما كون الإنسان عبداً لله، وأن السعادة الأخروية هي أهم هدف لحياة الإنسان وأخلاق الدين، وحفظ الدين والعقل والنسل والمال والروح، فهي من ذاتيات الدين([30]).
وهناك عدة إشكالات على هذا الكلام:
1ـ إن الدكتور قد قدم في المقام الأول تعريفاً ناقصاً وخاطئاً عن الذاتي والعرضي، وقد أدّى به هذا التعريف الناقص إلى سائر المغالطات الأخرى، فبدلاً من أن يقدم تعريفاً دقيقاً ومنطقياً للعرضي قدم تعريفاً لا يشتمل إلا على العرض المفارق دون العرض اللازم، وبذلك يقيم الدكتور أدلته على أساسٍ متداعٍ، كالذي يقيم بنيانه على جرفٍ هارٍ.
2ــ لقد تأثر كاتب هذا المقال بشخصيتين: إحداهما هندية؛ والأخرى أوروبية. ففي تقسيم الدين إلى ذاتي وعرضي، أو الجوهر والصدف، تأثر بـ (هيگل)، في حين أن هيگل إنما لجأ إلى هذا التقسيم لحلّ معضلات المسيحية، وإن قياس الإسلام بالمسيحية باطل؛ كما تأثر في بيان مصاديق العرضي في الإسلام بـ (شاه ولي الله الدهلوي)، أحد مشايخ الصوفية في الهند.
3ــ وأما إشكالات المقام الخامس فكثيرة جداً، ومنها:
أ ــ إن الموارد التي عدّها من الذاتي والعرضي ليست سوى ادعاءات لم يدعمها بدليل، وقد تأثر فيها بشاه ولي الله الدهلوي.
ب ـ ولو سلمنا وجود الذاتي والعرضي في الإسلام فإن العربية في الإسلام، واستعمال الألفاظ العربية في القرآن، من الذاتيات التي قام عليها الإعجاز القرآني، ولا يمكن عدّها من العرضيات، ولو أننا حذفنا العربية من ثقافة القرآن والروايات فإن المضامين والمفاهيم بدورها ستتغير وتنقلب رأساً على عقب، ولن يبقى هناك من ذاتي في الدين.
ج ــ والعجيب أن الدكتور في بيان الذاتي في باب العقائد ينظر إلى الناحية السلبية، فيعد (الإنسان ليس إلهاً) من الذاتيات، ولا يتعرض إلى مسألة وجود الله، وأنه واحد وحكيم وهاد وما إلى ذلك، ويكتفي بحفظ الدين والعقل والنسل والمال والروح، ويعدها من الذاتيات في الدين، ولكنه لا يوضح أي دين([31])!
وهنا يحق لنا أن نتساءل: لو أننا حذفنا التوحيد وسائر الصفات الإلهية وأبحاث المعاد والنبوة وجميع فروع الدين والأخلاق والعبادات والمعاملات فما الذي سيبقى لنا من الدين؟!
ما هي حقيقة نظرية جلال الدين الرومي؟ ــــــ
ذكر الدكتور سروش في هذا الحوار أن المولوي يرى إمكان الخطأ على القرآن، حيث قال: «من باب المثال نجد المولوي يقول: «القرآن مرآة ذهن النبي»، ومعنى ذلك أن شخصية النبي وحالاته المتغيرة، وأوقاته السعيدة والعصيبة، منعكسة في القرآن؛ أما ابن المولوي فقد ذهب إلى أكثر من ذلك، حيث قال في واحد من كتبه: إن تعدد الزوجات إنما أجيز في القرآن لأن النبي كان يحبّ النساء، ولهذا السبب أباح لأتباعه الزواج من أربع نساء!»([32]).
وهذا الكلام بعيد عن الحقيقة جدّاً، الأمر الذي أثار استغراب الكثير من العلماء. ومن باب المثال: فإن أحد المعاصرين من الباحثين في الشؤون القرآنية، والمساهمين في تدوين كتاب «القرآن والمثنوي»([33])، قال، مستنداً إلى عدة قصائد من أشعار المولوي: «وأما مولانا جلال الدين العارف الكبير والمفكر العظيم فهو من أشد الشعراء والعرفاء والمفكرين الإيرانيين المسلمين اعتقاداً بالقرآن…، فما هذا البهتان الذي ينسب إلى هذا العلم العملاق في العرفان الإسلامي؟».
وقال الشيخ السبحاني في هذا الخصوص: «إن إلصاق التهم سهل، ولكن إثباتها صعب وعسير، ففي أي بيت من أشعار المولوي ذكر ما يوهم النتيجة التي توصل إليها الدكتور سروش؟ هذا في حين هناك مئات الأبيات الشعرية الموجودة في ديوان المولوي التي تثبت عكس هذا الاستنتاج»، ثم ساق عدة أمثلة على ذلك([34]).
الربط الخاطئ بين بشرية القرآن وحدوثه ــــــ
من البحوث التي تطرق إليها الدكتور سروش بحث قدم القرآن وحدوثه، حيث أراد ربط هذا البحث بمدعاه، فقال: «إن الاعتقاد بكون القرآن نتاج بشري، وهو معرّض للخطأ بالقوّة، وهذا ما نجده في عقائد المعتزلة تلويحاً».
وهذا الربط عجيب للغاية، حتى قال الأستاذ رضا محمدي: إن الاعتقاد بخلق القرآن وعدم قدمه، والنزاع الذي احتدم في نهاية القرن الثاني بين العدلية (الشيعة والمعتزلة) والجبرية (الأشاعرة)، لا ربط له بما قاله سروش من كون القرآن مخلوقاً للنبي محمد ‘، فقد ذهب الأشاعرة إلى القول بأن القرآن علم الله، وأن علم الله هو أحد القدماء الثمانية، ولذلك قالوا بقدم القرآن، في حين أن العدلية يؤمنون بأن القرآن كلام الله، إلا أنه حادث وغير قديم، وأن الله قد خلقه كما خلق سائر المخلوقات الحادثة الأخرى، وقد اختلطت الأمور على الدكتور سروش، أو أنه تعمد المغالطة.
وأخيراً نختم هذا البحث بكلام الفقيه والمتكلم البارز الشيخ السبحاني، في رده على هذا الموضع من كلام الدكتور سروش: «إن المعتزلة، رغم انقراضهم وعدم بقاء شخصية علمية بارزة منهم، إلا أن كتبهم بمتناول الجميع، وحاشا هذه الفرقة أن تقول بخلق القرآن، بمعنى كونه من صنع النبي ‘.
وأساساً فإن هذه المسألة ــ مورد البحث ــ إنما تم طرحها لأول مرة في القرن الهجري الثاني من قبل النصارى في البلاط العباسي، حيث أثاروا مسألة كون القرآن حديثاً أو قديماً؟ فذهبت جماعة إلى قدمه؛ بينما ذهبت جماعة أخرى إلى حدوثه؛ فقال المحدّثون بقدم القرآن؛ وقال المعتزلة بحدوثه؛ إذ لا قديم بالذات سوى الله، وجميع ما سواه حادث، ومنها: القرآن؛ لأنه فعل الله، وفعله لا يخرج من دائرة الحدوث، وإذا قالوا بكونه مخلوقاً فبمعنى أنه مخلوق لله، لا أنه مختلق، وأنه من صنع بنات أفكار النبي، ولذلك أصرّت رواياتنا على عدم وصف القرآن بالقدم أو الحدوث؛ لما في القدم من شائبة الشرك؛ ولما في وصفه بكونه مخلوقاً من محذور إساءة الاستفادة والذهاب إلى اختلاقه وأنه من صنع النبي، ولذلك كان المشركون في عصر رسول الله ‘ يستخدمون هذا التعبير، ويقولون: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاّ اخْتِلاقٌ} (ص: 7).
الهوامش
(*) باحث في فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد.
([1]) الكليني، الكافي 2: 375؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 41: 434.
([2]) رسالة سروش الاستنكارية، بتاريخ 18/ بهمن / 1384، المنشورة على موقعه.
([3]) رسالة حول المثقف الديني عبد الكريم سروش، 1383هـ ش.
([4]) إن مصطلح التجربة الدينية بمعناه المعاصر يعود في جذوره إلى مؤلفات (وليم جيمز)، في حين يميل (شلاير ماخر) إلى اللحظة (moment)، ولم يستعمل مصطلح التجربة الدينية إلا نادراً. راجع: جستارهائي در كلام جديد: 157.
([5]) للاطلاع أكثر راجع: جستارهائي در كلام جديد: 155؛ التجربة الدينية، لعلي شيرواني؛ ونقد ونظر، العدد: 4، 5، 23، 24، اقتراح درباره تجربة ديني.
([6]) للاطلاع أكثر راجع: جستارهائي در كلام جديد: 155؛ الكلام الجديد، لعبد الحسين خسرو پناه: 295.
([7]) كما حصل ذلك لـ (نينيان سمارت)، حيث أخذ بدراسة الأديان الإلهية من زاوية مادية، تحت عنوان (التجربة المذهبية عند البشر).
([8]) راجع: بسط التجربة الدينية، لعبد الكريم سروش: 10 ــ 13، انتشارات صراط.
([9]) راجع المصدر المتقدم: 25 ـ 28، و6.
([10]) راجع: كتاب ما، العدد: 25، «ضرورة إتباع الشريعة في السلوك العرفاني»، لعلي شيرواني.
([11]) جستارهائي در كلام جديد: 164.
([12]) حوار مع الدكتور عبد الكريم سروش حول القرآن، نقلاً عن إذاعة (زمانة).
([13]) جواب عبد الكريم سروش للشيخ جعفر السبحاني.
([15]) الشيخ السبحاني، المصدر المتقدم.
([16]) حوار مع الدكتور سروش حول القرآن، نقلاً عن إذاعة زمانة.
http://radiozamaaneh.com/2008/01/post_236.html
([17]) راجع أيضاً: الإسراء: 106، والشعراء: 199، والقيامة: 17، والأعلى: 6.
([19]) مفردات القرآن، الراغب الإصفهاني: 75.
([20]) مثل: الشعراء: 195، وفصلت: 3، والشورى:7، والزخرف: 3، والأحقاف: 12.
([21]) راجع: التفسير المنسوب للإمام العسكري ×: 157، وتفسير الميزان، للعلامة الطباطبائي 2: 328.
([23]) مجمع البيان 1: 230؛ جوامع الجامع 2: 110؛ تفسير الصافي3: 423؛ التفسير الأصفى 2: 838، تفسير الميزان 15: 100؛ جامع البيان 81: 123؛ تفسير أبن كثير 3: 281؛ تفسير الجلالين: 579.
([25]) حوار مع الدكتور سروش حول القرآن، المصدر السابق.
([26]) حوار مع الدكتور سروش حول القرآن، المصدر السابق.
([28]) السبحاني، المصدر السابق.
([29]) حوار مع الدكتور سروش حول القرآن، نقلاً عن إذاعة زمانة
http//radiozamaaneh.com/idea/2008/01/post_236.html
([30]) راجع: قبض التجربة النبوية أم بسطها، لعبد الحسين حزد پناه، مجلة الصباح، العدد: 2.
([31]) راجع: قبض التجربة النبوية أو بسطها، المصدر السابق.
([32]) حوار مع الدكتور عبد الكريم سروش حول القرآن، المصدر السابق.
([33]) القرآن والمثنوي، تدوين: سيامك مختاري وبهاء الدين خرمشاهي.
([34]) مقال السبحاني في الرد على سروش، بعنوان (الأفكار الجاهلية في إطار الأدب المعاصر).