قراءة في «تأملات إسلامية حول المرأة»
أ. سلمان العيد(*)
(a)
(b) مقدّمة
تحتل قضية المرأة موقعاً مميزاً في الفكر الإنساني المعاصر؛ إذ تتعدد النظريات والأفكار حول حقوقها، ودورها في الحياة العصرية، وموقعها في القانون والنظام العام.
ولعل من جملة الاتهامات التي يوصم بها الدين الإسلامي هو موقفه من المرأة، فتأتي بصورة أنه دين ينتهك بعض حريات المرأة، أو بصورة أنه يمارس دور التمييز بينهما وبين الرجل، الأمر الذي أحدث بعض الإرباكات الفكرية لدى العديد من أبناء الجيل الإسلامي المعاصر، ممَّنْ انطلت عليهم تلك المقولات، فكان لزاماً على المفكِّرين والفقهاء وعلماء الدين إيضاح كامل الصورة الإسلامية باستمرار، وإزالة بعض الالتباسات التي نشأت وعلقت بالأذهان؛ نتيجة البعد عن حقيقة الدين، أو بسبب النظر إليه من زاوية أخرى غير إسلامية.
وتأتي تجربة العلامة السيد محمد حسين فضل الله المدافعة عن النظام الإسلامي في نظرته إلى المرأة ضمن هذا السياق، وذلك في كتابه «تأملات إسلامية حول المرأة»، الصادر عن دار الملاك ـ بيروت.
تدور فكرة الكتاب حول جملة من المسائل والإثارات والاستفهامات حول موقف الإسلام من المرأة، وعلاقتها بالرجل، كأمّ أو كزوجة أو كامرأة أجنبية، ومن ناحية علاقاتها ودورها في العالم خارج إطار بيت الزوجية.
يقرّر المؤلِّف في تأملاته أنه لكي نفهم شخصية المرأة وموقعها في الإسلام ينبغي أن نتعمَّق أولاً في بعدها الإنساني، وننطلق ثانياً في فهم النصوص الدينية الشرعية، ثم ننظر إلى موافقة (أو مخالفة) تلك النصوص لذلك الواقع ثالثاً. إننا من خلال هذه العملية نرى أن لا فرق بين الرجل والمرأة في خصوص وعي المسائل الحياتية، اجتماعية أو فكرية، حتى أننا نرى في التاريخ نساءً أثبتن تفوُّقاً في هذه المجالات، وازت ـ أو ربما فاقت ـ دور الكثير من الرجال، مثل: خديجة الكبرى، وفاطمة الزهراء، وزينب، وقبلهنّ مريم، وآسيا بنت مزاحم، وغيرهنّ.
ومن خلال التاريخ أيضاً ـ وليس على صعيد الإيمان والعمل الصالح ـ نجد أن ملكة سبأ (بلقيس) كانت تمثِّل المرأة التي كانت تحكم الرجال؛ لما تميَّزت به من حكمة وعقل راجح، فهي حين وصلتها رسالة النبي سليمان× قامت باستشارة قومها، ولم ترضخ لانفعالاتها وتدخل معركة كان قرارها بيدها، بل إنها قامت بعملية دراسة لشخصية سليمان×، هل هو ملك يمارس دور الإذلال لمن هم دونه أو هو نبي يسعى لصلاح الناس؟ فأرسلت هدية تستنطق ذلك، فتأكد لها أن سليمان× نبي وملك، فقررت الدخول في الإسلام تحت راية وحكم النبي (سليمان). وبذلك هي تعطي صورة مغايرة عمّا يمكن أن ينظر فيه إلى المرأة على أنها ضعيفة، منهزمة، غير قادرة، وما إلى ذلك. والإسلام حين أورد هذه القصة في القرآن يمكن أن يتصور أن من ضمن أهدافه هو إيضاح أن لا فرق بين الرجل والمرأة من حيث الإمكانية للقيام بدورٍ ما في المجتمع. والأمر ذاته يتكرّر ـ بصيغة أخرى وموقف آخر ـ مع امرأة فرعون ـ التي أورد القرآن الكريم قصتها؛ لكي تكون مثالاً وأنموذجاً ـ ذات القوة الإيمانية، ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّة وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
إن هذه النماذج لتؤكد في الواقع الإنساني «أن اختلاف الجنس في الطبيعة الإنسانية لم يمنع الاتفاق على الوحدة الفكرية، والإرادة الصلبة، والمرونة العملية، لدى الرجال والنساء، مع توفر ظروف القوة والتوازن والإبداع»([1]).
(c) ماذا تقول النظرة الإسلامية في هذا الأمر؟
يلحظ أن بعض التعاليم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تنافي النظرة إلى العناصر المشتركة بين الرجل والمرأة، من حيث عناصر الشخصية الإنسانية في أصالتها، مثل: إن الإسلام يحدث تفاضلاً بين الرجل والمرأة في مسألة الإرث، حين يعطي ﴿لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾. وهناك تعليمات إسلامية توحي بأن المرأة نصف الرجل، كما في أداء الشهادة: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾. وهناك مجموعة من الأحاديث تشير إلى نقصان عقل المرأة وإيمانها وحظّها…إلخ. كذلك إن تشريع قوامة الرجل على المرأة يوحي بأن مستواها دون الرجل، فالرجال في الإسلام ﴿قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾.
والسؤال هنا: هل هذه التعليمات توحي بأن ثمّة اضطهاداً يمارسه الإسلام في حق المرأة؟
إن من يأخذ تلك التعاليم على ظاهرها، دون التعمق في معانيها ودلالاتها، يصل إلى تلك النتيجة. ولكن حين نعلم أن التشريع الإسلامي يلحظ الخصوصيات التي بين الرجل والمرأة تتضح الحقيقة بشكل كامل، ويظهر أن الرجل والمرأة في الإسلام سواء.
أما بالنسبة إلى تشريعات الإرث فهي لا تدل على الدونية، أو النيل من إنسانية المرأة، بل إن ذلك من طبيعة توزيع الثروة حسب المسؤوليات التي يتحملها الورثة في الوضع الاقتصادي، فلا يجب على المرأة النفقة على البيت، سواء أكانت بنتاً أم أمّاً أم زوجة، بالإضافة إلى أنها تأخذ مهراً مقابل الزواج، وليس لأحد أن يشاركها فيه، لهذا اقتضى نوعاً من التوازن الذي «نلاحظه في مفردات الحصص، التي قد تعلو فيها حصص الأبناء على الآباء، وهذا لا يفيد تفضيل الأبناء على الآباء في القيمة الإنسانية في التشريع»([2]).
كذلك الأمر بالنسبة للإدلاء بالشهادة، فإن المرأة قد تندفع بالنزعة العاطفية لديها، فهي بحاجة إلى امرأة أخرى تذكِّرها، حتى لا يحدث انحراف عن الحقّ في أداء الشهادة. ومثل ذلك تماماً حين اشترط الإسلام شاهدين في مسألة البينة، حيث لا يفيد ذلك نقصاناً من مقام الرجل الواحد، من حيث طبيعته العقلية أو الإنسانية.
وحول الأحاديث التي تتناول المرأة بكونها ناقصة عقل وإيمان وحظّ فذلك «لم يكن منطلقاً من عمق النظرة إلى المرأة في دائرة التأكيد على نقصان في إنسانيتها في الحظ والعقل والإيمان، بل قد يكون خاضعاً لبعض الظروف والأجواء الخاصة التي تفرض لوناً من ألوان التعبير الإيمائي، أو للواقع الذي تعيشه المرأة بشكل عام، من خلال تاريخ الجهل والتخلف المفروض عليها في طريقة تربيتها وتأهيلها للحياة الاجتماعية، بالقياس إلى الرجل. وهو ما جعل حركتها في الواقع خاضعة لطبيعة الأسلوب والمنهج التربوي في نتائجه السلبية على انفتاح شخصيتها في قضايا الحياة، بعيداً عن النقص الذاتي في الطبيعة الإنسانية»([3]).
وحين تتحدث بعض الروايات عن أن المرأة ناقصة الإيمان فذلك إشارة إلى أنها تقعد عن أداء واجباتها العبادية، كالصلاة والصوم، في فترات معينة، كفترة الحيض والنفاس.
وحتى قوامة الرجل على المرأة فإنها «لا تمثل خصوصية في انحطاط البعد الإنساني في المرأة عن البعد الإنساني في الرجل، بل تمثِّل خصوصية معينة في المسؤولية عن الحياة الزوجية»([4])؛ وذلك من خلال بعض الخصائص الذاتية التي يتميَّز بها الرجل، وتجعل من قدرته على مواجهة المواقف الصعبة أكثر وضوحاً، كما أن آية القوامة لا تدل إلا على قوامة الرجل في مسألة الإنفاق، وليس له أيّة علاقة بقوامة الرجل على الأمور العامة، كالقضاء في الحكم، كما قد يراها البعض.
من كل ما يظهر خلال التشريع الإسلامي نرى أن كافة التعليمات تشمل الرجل والمرأة؛ إذ وُعدا بالثواب وأُنذرا بالعقاب على حدٍّ سواء، في حال الطاعة أو المخالفة، دون أيّ فرق بينهما.
وعلى ضوء كل ذلك تأتي ضرورة بناء الشخصية الإنسانية للمرأة، عبر تنمية العمق الإنساني لديها. فما تعانية المرأة في واقعنا المعاصر من ضعف وتخلُّف هو نتيجة الإهمال الكبير لعناصر القوة والوعي في بقاء وجودها، وليس ذلك ناشئاً من ذات المرأة، وإنما هو ناشى ء من عدم تهيئة عوامل التقدم والقوة في الظروف المحيطة. «وإذا كان العنصر الأنثوي يعاني بعض الضعف في الجانب الجسدي إلاّ أنه يمكن تقوية نقاط القوة في الفكر والوعي عبر المعرفة والممارسة العقلية، من خلال منهج تربوي عملي متوازن، يحقق إمكانية بناء الدور الملائم» للمرأة في المجتمع.
ومن المهم حقيقة إيضاح الصورة حول بعض الالتباسات الذهنية، وأبرزها:
إن الحجاب يحول دون القيام ببعض الأدوار التي تقتضي الاختلاط.
ويردّ عليه بأن الأدوار الملائمة للمرأة ليست تلك التي تتمّ مع الرجال، فالدائرة النسائية الواسعة بحاجة إلى عناصر نسائية واعية متحركة. وكذلك فإن مسألة الاختلاط ليست محرمة بشكل مطلق، فالاختلاط المتوازن، الذي يضع الحدود الأخلاقية في نطاق متوازن، لا يبعد عن الإباحة الشرعية على أساس التربية الإسلامية، التي تعمل على تأكيد الالتزام الإسلامي في شخصية الرجل والمرأة.
(d) مسألة الأمومة
«حيث يعد الدور الإنساني البارز للمرأة، فتقف بموجبة بين دورها كعاملة في حقول الحياة العامة وبين دورها كأم وكزوجة، فلا مجال لإيجاد حالة من التوازن بين الدورين».
ويردّ على مثل هذه الملاحظة بالتأكيد على أن مسألة الأمومة مثل الأبوة، حيث إن الأب مسؤول عن أسرته، لتوفير كافة مقتضيات الحياة، ومع ذلك يملك حرية الحركة في ممارسة شخصيته كإنسان وكمسلم. فإنسانيته تفرض عليه نشاطات عامة وخاصة، على مستوى الثقافة والاجتماع والسياسة وكل ما يحتاجه المجتمع الإنساني من حوله، وكذلك إسلامه يفرض عليه ويدعوه للاهتمام بالمسلمين كمجتمع وكأمّة. فالإنسان لا يتجمَّد دوره كزوج أو كأب، بل ينطلق في نطاق العمل بتطلُّعاته الواسعة.
«إن التأكيد على مهمة المرأة في دور (ربّة البيت) كالتأكيد على أهمية الرجل في دور (رب البيت) لا يلغي ضرورة التحرك في الخط الإنساني الممتد في واقع الإنسانية، على هدى انفتاح الإسلام على كل قضاياه الكبيرة والصغيرة في استقامة الطريق في خط الأهداف، وفي الوقوف في وجه الانحراف»([5]).
إن المشكلة التي تعتمل في ذنية الكثير من الناس تظهر في أنهم ينظرون إلى المرأة على أنها (جنس) تنفتح الحياة عليها من موقع الاتصال الجنسي في طبيعته الغريزية، وفي نتائجه التناسلية. لهذا يرون لحديث عن دور المرأة في مجالات أوسع من هذا ضرباً من المزاح والتفكير الخيالي، لا يملك أية إمكانيات واقعية للحياة. بينما نرى «أن التفكير الإسلامي ينظر إلى إنسانية المرأة والرجل بمنظار واحد في مسألة التكوين، وفي مسألة المسؤولية، ويدعوهما معاً إلى صنع حركة الحضارة الإسلامية في حياة الناس، ويحمِّلهما معاً مسؤولية الانحراف والاستقامة، بالمستوى نفسه. ويوزِّع بينهما الأدوار والمهمات على أساس عملية التكامل الإنساني الذي يضيف فيه كل فريق، من الذكر والأنثى، شيئاً من خصائصه إلى الفريق الآخر؛ لتتحد الخصائص الإنسانية على مستوى النتائج في تكامل الأدوار والمسؤوليات»([6]). بالتالي فليست المرأة أداة للجنس وإمتاع الرجل فحسب.
إن المؤلف حين أطلق على الكتاب عنوان «تأملات إسلامية» لم يتطرق إلى المفاهيم الإسلامية للمرأة فحسب، وإنما ناقش مجموعة الإثارات والمقولات المستجدّة المتعلّقة بأوضاع المرأة، موضِّحاً موقف التشريع الإسلامي الحنيف.
أبرز هذه المقولات شعار (تحرُّر المرأة)، حيث يؤكِّد المؤلِّف بأنه شعار قد أتى من الواقع المتخلف الذي عاشته المرأة، واضطهدتها مجموعة التقاليد والعادات والمفاهيم البالية المتخلفة، والتي صورت المرأة على أنها مجرد متاع ثمين لدى الرجل، وحتى أن الأدوار المهمة التي تقوم بها المرأة كأمّ وكزوجة أصبحت أمراً مشوّهاً، قريباً من دور الخادمة، وبعيداً عن عملية التوعية والتربية والتوجيه. وضمن هذا الواقع فإن الحجاب، الذي جعل لحصانة المرأة وعفتها، تحوَّل قيداً وأداة لإبعادها عن كلّ أجواء العمل المادي. لهذا كله أصبحت المرأة مثالاً للإنسان المستعبد المقهور، وما (شعار تحرير المرأة) إلا دعوة أتت من نظرة سريعة إلى الواقع القائم، الذي ليس له أية علاقة بالشرع الإسلامي.
وعليه لابد من تحديد وفهم شامل لمسألة الحرية، ومن ثم معرفة نظرة الإسلام إلى الحرية من جهة، ونظرة دعاة الحرية إليها من جهة أخرى، حتى تتضح كل معالم المسألة، بمعنى أنه لابد أن نعرف ما هي الأمور التي ينبغي للمرأة أن تتحرَّر فيها؟
إن المؤلف وبعد تفصيل إيضاحي لمسألة الحرية في الإسلام يخلص إلى القول بأن «الحرية المسؤولة هي التي تلتقي بالمعنى الإنساني في حركة أبعاده المتنوعة، التي تتوازن فيها الخصائص والأدوار في النطاق الفردي والاجتماعي، وليست هي التي تلتقي بالأهواء الذاتية، التي تستغرق الإنسان في شهواته وغرائزه ومزاجياته، بعيداً عن واقع الحياة من خلال حاجة الوجود إليه»([7]).
إن الحرية بين أن تكون مقيَّدة بالأخلاق والقيم، وبين أن تكون مطلقة للأهواء والنزوات. والإسلام في نظرته إلى حرية المرأة يؤكّد على أنها مستقلة عن الرجل في شخصيتها وخصوصياتها، ومع ذلك يقيد حريتها ـ كما هو الحال بالنسبة إلى حرية الرجل ـ بحدود الأخلاق، والقيم التي نص الشارع عليها، والتي لا يجوز مخالفتها.
وما دام شعار تحرير المرأة ناتجاً من واقع التخلف فما هي مسؤوليتها عن هذا التخلف؟ وهل باستطاعتها أن تخرج منه؟ وبالتالي ما هو دورها المحدَّد في عملية التنمية؟!
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة يقدِّم المؤلِّف شرحاً وافياً لمصطلح التخلف، ويصل إلى أن «مسألة التخلف والتقدم مسألة نسبية بحسب طبيعة الأفكار التي تتقدم نحو التقدم أو نحو التخلف، والقصد من النسبية هنا أنه لا يوجد شيء اسمه تقدم بالمطلق أو تخلف بالمطلق، بل إن لكل فكر فلسفته وخطوطه التي ترسم للحياة خط التقدم والتخلف بحسب المفاهيم التي ترتكز في الواقع»([8]).
ولأن التخلف في المجتمع الإسلامي يشمل كلاًّ من الرجل والمرأة فإن واقعه داخل المجتمع الإسلامي ليس مسؤولية الرجل بذاته، ولا مسؤولية المرأة بذاتها، بل إن الرجل والمرأة هما ضحيتان للتخلف، بالتالي فإن تغييره يقع عل عاتق الاثنين.
وما دامت المرأة عضواً فاعلاً في المجتمع، ولها أن تلعب دوراً مهماً في عملية التنمية، سواء على صعيد اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، فإن على القائمين على الأمور في البلاد الإسلامية التي تعاني من التخلف إيلاء هذا العنصر (المرأة) مزيداً من العناية، لكي تعيش عناصر إنسانيتها، وتتحول من إنسان مشلول القدرات إلى إنسان مسؤول عن حركة الحياة. هذا إذا اعتقدنا أن عجلة التنمية لا تتحرك إلا بفعل الجهد البشري الإنساني، بمعنى أنه لابدّ أن تحظى المرأة بتربية وعناية فائقة؛ كي تعيش شخصيتها الإنسانية، التي تؤهِّلها للعب دورٍ ما في العملية التنموية، على أي صعيد كان.
ولكن السؤال المثار هنا: ألا يكون الإسلام عائقاً أمام (حق المرأة في العمل)، وبالتالي يحول دون أخذها دوراً ما في التنمية؟ إذ ليس من المتصور أن تلعب المرأة دوراً ما وهي محرومة من الحقوق الأساسية.
يجيب المؤلف عن هذ التساؤل ضمن موضوع (المرأة وحق العمل)؛ إذ يؤكِّد على أن الإسلام يعتبر الإنسان مستقلاًّ من الناحية القانونية. والمرأة مستقلّة تبعاً لهذا المبدأ، ليس لأحد ولاية عليها ما دامت بالغة رشيدة. بالتالي فلا سلطة للأب أو الزوج على المرأة أن يمنعها من العمل، ما دام عملاً مشروعاً مباحاً، بل حتى مسألة الجهاد في سبيل الله رغم أن الإسلام لم يوجبه على المرأة نراه لم ينصّ على تحريمه عليها، فيما إذا شاءت أن تقوم به. فالإسلام لم يُلْغِ إنسانية المرأة، لذلك لم يعفها من المسؤولية عن نظام الحياة بشكل عام.
كثيرة هي الملاحظات التي تثار حول أنوثة المرأة، وتأثير ذلك على الرجل، وعلى علاقته بالمرأة…
والمؤلف في حديثه عن (أنوثة المرأة) يقول: إن الإسلام لا يمنع المرأة أن تعيش أنوثتها بكل عناصرها الشعورية والجسدية، ولكن ضمن إطار الحياة الزوجية، وبشكل بعيد عن التحفظات، تماماً كما أراد للرجل أن يعيش ذكورته في هذه الدائرة الخاصة. لكنه لم يفسح المجال للمرأة في تحريك أنوثتها في غير هذه الدائرة، مثلما أغلق الباب أمام الرجل. ولا يمكن تفسير ذلك على أنه نوع من القمع والكبت والحرمان، خصوصاً إذا نظرنا إلى الواقع الموضوعي والنتائج من ذلك، حيث الحفاظ على الأعراف، وإعطاء قدسية للعلاقات الزوجية، واحترام خصوصياتها، وما إلى ذلك.
والإسلام في هذا المجال يراعي مسألة أن المرأة في كثير من الأحيان هي التي تقوم بدور الإثارة الجنسية للرجال، لذلك كان الشرع قد فرض عليها قيوداً في اللباس، وقد تعيش المرأة حالة لا شعورية لإظهار مفاتنها؛ لاجتذاب الرجل نحوها بطريقة ما، من خلال الزواج أو غيره. تجاه ذلك لا يقف الإسلام أمام المرأة في التعبير عن عاطفتها أو حالتها النفسية، ولكن شرط أن لا يؤدي ذلك إلى انحراف، مثله مثل الحكم الذي ينهى الرجل عن أن يتحدث مع المرأة بطريق عاطفية تؤدي إلى الانحراف.
«ويمكن أن تعبر المرأة عن عاطفتها للرجل إذا كانت تريد أن تتزوَّجه، ولكن بطريقة لا تصل إلى حدّ الميوعة والانحلال، كما أن للرجل أن يعبِّر عن عاطفته للمرأة إذا أراد أن يتزوجها. لكن هناك تقاليد معينة عند الناس لا يتحمل تبعتها الحكم الشرعي»([9]).
وفي التاريخ أن امرأة جاءت إلى الرسول|، وطلبت منه أن يزوِّجها، وتحدثت بذلك الأمر أمام الرجال، ولم يكن فيه أية غضاضة، ولم يتخذ الرسول| منها أي موقف شرعي رافض.
فالإسلام على ضوء ذلك لا يريد للمرأة أن تلغي أنوثتها، ولكنه يريد لها أن تنظم حركمة الأنوثة في حياتها، بحيث لا تتحول إلى عنصر يفسد على المرأة أخلاقها، فتنحرف عن عفتها؛ لأن «الأنوثة في الجانب الإنساني تتحرك في مجال الشعور والرقة والعاطفة والانفعال. وللمرأة الحق أن تبلور هذه العناصر بالطريقة التي تستطيع أن تغني التجربة الإنسانية كلها»([10]).
وفي المقابل نرى أن المجتمعات الأخرى تنظر إلى أنوثة المرأة بصورة غريزية، وحتى شعار تحرير المرأة واحترام أنوثتها لديهم تتمثل في إطلاق حريتها، بحيث تكون لها الحرية في التعبير عن حركة الأنوثة بالغريزة تماماً. لذلك نعتقد أن الإسلام قد احترم هذه الأنوثة عندما جعل لها ضوابط معينة، وعندما أراد لها أن تتحرك في خط التوازن، بينما أرادت الحضارة المادية أن تتحرك في خط الانحراف…»([11]).
عليه فإن للمرأة أن تقسم أية علاقة معينة مع الرجال، ولكن في جو سليم لا يثير المشاكل والانحراف في المجتمع، وإنما لخدمة حاجة المجتمع في العمل الإسلامي أو العمل الثقافي أو العمل الاجتماعي، هذا إذا اقتضى ذلك هذه العلاقة.
(e) ما هو الزواج في الإسلام؟ وما هي طبيعته؟ وما هي حقوق المرأة وواجباتها قبل وبعد الزواج؟
لقد تحدث المؤلِّف عن مسألة الزواج في الإسلام بصورة مفصَّلة، ضمن عناوين متفرقة، يمكننا إيجازها في النقاط التالية:
1ـ للفتاة حق اختيار الزوج المناسب، ولها أن تضع كل الصفات الشكلية والنفسية، من مال وجمال ومركز وثقافة، مع التأكيد على مسألتي (الخلق والدين). وللفتاة أن تلتقي بالرجل، ولكن في أجواء تحمي كلاًّ منهما، «فلم يرد عندنا في الشرع حرمة حديث الرجل مع المرأة أو جلوسه معها»، بغرض إنشاء علاقة تنتهي بالزواج.
2ـ التناسب أو التفاوت بين الزوجين هي مسائل نسبية، فلا ينبغي الانطلاق في مسألة الزواج من بعد واحد، كالمال أو الجمال أو العمر فقط.
3ـ الخطوبة دون إجراء عقد ليست زواجاً شرعياً.
4ـ الزواج علاقة إنسانية مقدسة، ليس فيها أي مجال لإلغاء الخصوصيات لأيٍّ من الزوجين.
5ـ ليس على المرأة القيام بأيٍّ من الواجبات المنزلية، أو رضاعة الأطفال، وما إلى ذلك، ولها أن تأخذ الأجر على ذلك.
6ـ يحدث في بعض الأحيان بعض المشاكل والهموم التي تعصف بالكثير من البيوت، وأبرزها:
أـ الغيرة من قبل الرجل أو المرأة على حدٍّ سواء: فالرجل؛ بدافع من العاطفة القوية تجاه زوجته، يخشى عليها من أيّ شخص، لذلك يعمل من أجل محاصرتها بالشكوك والضغوط؛ أو بدافع الخوف من الظروف الطبيعية التي تحيط به، كأن تكون المرأة تملك عناصر جذب للرجال.. والمرأة؛ نتيجة حبّها لزوجها والخوف من فقده، خاصة وأن من حقه أن يتزوج زوجة ثانية، أو من طبيعته القدرة على اكتساب إعجاب النساء، فتحدث الغيرة من كل طرف على طرف الثاني، فتحدث بعض المشاكل، ويمكن للزوجين تجاوزها بالتفاهم والكلمة الطيبة.
ب ـ الأنانية في الحياة الزوجية: حيث يعتقد بعض الرجال أنهم بالزواج قد امتلكوا زوجاتهم، ولهم الحق في إلغاء خصوصياتهن، ولكن البيت الزوجي الناجح هو الذي يسوده الشعور الإنساني بحاجة الواحد إلى الآخر، وليس لإلغاء أية خصوصية، أو فرض أية فكرة أو توجه معين.
ج ـ الرتابة في الحياة الزوجية: وهي ظاهرة طبيعية تنشأ بفعل أية علاقة تستمر زمناً طويلاً، ويعيش كل واحد مع الآخر بشكل مستمر، بحيث تفقد هذه العلاقة بعض بريقها. لهذا لابد من التجديد في كثير من تفصيلات الحياة المادية والمعنوية، حتى يتم تجاوز هذه الرتابة.
إن الأساس في حل مشكلات البيت الزوجي هو «التفاهم» ومحاولات الصلح، وإذا لم يتم ذلك فإنّ الطلاق هو الحلّ.
7ـ إن إدارة الحياة الزوجية تكون للذي هو أقدر على ممارسة التخطيط. وعادة ما يكون الرجل أكثر أهليّة في هذا المجال، ولكن إذا كانت المرأة تحمل القدرة نفسها فإن الإدارة إذا تمت بالمشاركة كانت أفضل.
8ـ لا يجوز شرعاً ضرب الزوجة، إلا في حالة «النشوز»، شرط أن لا يؤدي ذلك الضرب إلى إدماء لحم أو كسر عظم، وذلك بعد أن تنتفي جدوى الموعظة والهجر في المضاجع.
9ـ إذا أرادت المرأة أن تقوم بعمل جهادي فلابدّ من إذن الزوج، ولكنّ هذا الإذن محدود في الواجب الكفائي الذي لا تفرضه مصلحة الإسلام على المرأة، وهناك مَنْ يقوم به من المسلمين.
10ـ وهناك بعض المسائل المتعلِّقة بمسألة الزواج في الشرع الإسلامي، ومنها: الزواج المؤقَّت؛ العنوسة؛ تعدد الزوجات؛ الزواج من غير المسلمة.
أما بالنسبة للزواج المؤقت أو المنقطع فهو مباح لدى الشيعة، ومحرَّمٌ لدى المذاهب الإسلامية الأخرى؛ لحديث ورد عن الخليفة عمر بن الخطاب بقوله: «متعتان كانتا على عهد رسول الله، حلَّلهما، وأنا أحرِّمهما، وأعاقب عليهما»، فالبعض يرى ذلك نسخاً للحكم الشرعي، بينما يراه بعضٌ آخر (الشيعة) تحريماً إدارياً فرضته مصلحة معينة مؤقَّتة.
ويدعو المؤلف إلى ضرورة أن يكون هذا الزواج حالة طبيعية، مثل الزواج الدائم، وخاصة أنه يتصف بكل مواصفات الزواج الدائم، من المهر والعقد وإذن الولي (في حالة البكر) والعدة، وأن الأولاد الناشئين عن هذا الزواج يحملون كل صفات الأولاد الشرعيين، من حيث الاسم والإرث والرعاية…إلخ.
وبالنسبة للعنوسة فإنها تأتي في العادة نتيجة شروط الفتاة أو أهلها بصورة مبالغ فيها، أو نتيجة وجود الفتاة في عالم يبعدها عن أن يتزوجها أحد. وقد تتمدد العنوسة إلى ظروف اجتماعية يرغب الناس فيها عن الزواج من تلك البنت إذا بلغت سنّاً معينة. وهنا يأتي التوجيه للمرأة من نواح ثلاث:
أ ـ لا ينبغي للمرأة أن تبالغ في الشروط، إلا في مسألة (الخلق والدين).
ب ـ للمرأة أن تتزوج من الشخص الذي ترغب في الزواج منه، وليس لأحد سلطة فرض شروط معينة عل هذا الزواج.
ج ـ إن المرأة إذا لم تتزوج فإنها سوف تشعر بفراغ ونقص، مثل الرجل الذي لم يتزوج، ولكن ينبغي أن تعرف المرأة أن الزواج ليس كل السعادة، وإذا لم يتسنَّ لها ذلك فلا ينبغي أن تبقى أسيرة الهواجس والأحاسيس الخادعة، بل عليها أن تنطلق مقابل ذلك في الأدوار الثقافية والاجتماعية بكل قوّة واقتدار.
أما تعدد الزوجات فهو في الشرع الإسلامي جائز ومباح، للرجل دون المرأة؛ لجملة كثيرة من المبرِّرات الاجتماعية، وأبرزها أن عدد النساء في الأرض أكثر من الرجال، الذين هم عرضة للموت في أي وقت؛ بسبب الحروب والويلات وما إلى ذلك. وتعدد الزواج مقيَّد بالعدالة بين الزوجات.
أما الزواج من غير المسلمة فقد أجاز الشرع الإسلامي للرجل أن يتزوج من أية امرأة كتابية، يهودية أو نصرانية، ولكنه لم يُجِزْ للمرأة أن تتزوج من الرجل غير المسلم؛ لأن الرجل المسلم يحترم المرأة غير المسلمة في ديانتها، فلا ينظر إلى عيسى أو موسى أو مريم^ إلا بنظرة الاحترام والتقديس، وبالتالي فليس من المتصوّر أن يتدخل في خصوصية هذه المرأة.. بينما في حال زواج الرجل المسيحي أو اليهودي من المرأة المسلمة فإن هذا الرجل قد يستغل ضعفها، ويضغط عليها في دينها؛ انطلاقاً من نظرته على الإسلام، وإلى النبي|، والتي لا تتصف بأدنى درجات الاحترام والتقديس.
الهوامش
(*) كاتب وباحث، وناشط ثقافي وإعلامي، من المملكة العربية السعودية.
([1]) السيد محمد حسين فضل اله، تأملات إسلامية حول المرأة: 13.