(القسم الثالث)
الشيخ محمد تقي سبحاني(*)
ترجمة: السيد حسن مطر
دراسة حول التيارات الوسطيةــــــ
يجدر بنا هنا أن نشير إلى الموقع الفكري لبعض الجماعات الأخرى في الحوزة العلمية، التي ظهرت عليها أحياناً آثار تيار المتشرعة حيناً، وآثار المتحضِّرين تارة أخرى. وطبقاً لبعض الشواهد والقرائن يمكن عدّ (جامعة المدرِّسين في الحوزة العلمية في قم) واحدة من هذه الجماعات؛ إذ إنها، وعلى الرغم من مواكبة أكثر أعضائها لثورة الإمام الخميني، إلا أنه بسبب بعض الخصائص والرؤى الاجتماعية التي كانت سائدة في هذه الجماعة في السنوات الأولى كانت تبدي اقتراباً من تيار المتشرّعة. ففي تلك الأعوام، ورغم أن أكثر أعضاء هذه الجماعة قد آمنت بولاية الفقيه السياسية، ولكنها بالمقارنة بين الشريعة والحكومة أكثر شبهاً بتيار المتشرّعة. وهذا ما تثبته مواقفهم بعد الثورة بشأن الإسلام الفقهي، (أو إسلام الرسائل العملية)، وقضية تنظيم قانون العمل، والوقوف بوجه نشر كتاب «أسس الاقتصاد الإسلامي»، لمرتضى مطهري، والتفسيرات التي طرحت حول الحكومة والحكم الحكومي، الأمر الذي أدى إلى رسائل وخطابات الإمام الخميني التي وجَّهها إلى أعضاء هذه الجماعة. كلّ ذلك يؤكد هذه الرؤية. وطبعاً فإن الحكم على الماهية الفكرية لهذه الجماعة كان منذ البداية بسبب انعدام الفكر المنسجم والواضح، مصحوباً بالاحتمال والتشكيك، بمعنى أنه لا يمكن الحكم عليهم وعلى ماهيتهم الفكرية بضرس قاطع.
وللتعرف بشكل أدقّ على جامعة المدرّسين يجب التوجّه إلى تاريخ تشكيلها وتأسيسها. إنّ هذه الجماعة قد تكونت في نهاية عقد الثلاثينات في إطار سلسلة من التجمعات المتفرِّقة، التي بدأت أعمالها بغية إدخال إصلاحات في الحوزة العلمية. وبعد تأسيس حركة المؤسسة الدينية في مواجهة قانون الوِلايات والوَلايات اتخذت صبغة سياسية. ويبدو أنّ عدم الانسجام التنظيمي، وعدم ثبات الأعضاء من جهة، وعدم وجود أفق واضح ومنسجم من جهة أخرى، قد أدى بهذه الجماعة في نشاطاتها المشتركة إلى عدم اتخاذ موقف صريح، والاقتصار على النشاطات العامة. وربما لهذا السبب قام عدد من أعضاء هذه الجامعة عام 1342هـ ش، من الذين كانت لهم ميول متحضِّرة، بتأسيس (جمعية الأحد عشر)؛ للقيام بنشاطات أكثر جدوائية. وكان على رأسها مواصلة الكفاح ضد النظام الطاغوتي، والدفاع عن قوانين الإسلام، والسعي إلى تطبيق القوانين الإسلامية بشكل كامل، وعلى جميع الأصعدة. ويبدو أن هذه الجماعة المكوَّنة من أحد عشر شخصاً، ومن أهم الشخصيات فيها: الشيخ عبد الكريم رباني الشيرازي، والشيخ حسين علي منتظري، قد انهارت فيما بعد بسبب الضغوط السياسية التي وُجِّهت إليهم من قبل النظام الشاهنشاهي، وسجن ونفي الأعضاء الأساسيين في هذه الجماعة، الأمر الذي أدى بالتدريج إلى استبدالهم بأعضاء آخرين، لم يؤمنوا بتلك الأهداف المذكورة، مما أدى إلى عدم التطرق إلى تلك الأصول عملياً.
وربما كان لهذه الخصوصية والماهية التركيبية لأعضاء الجامعة أن منحت بعد سنوات من انتصار الثورة الإسلامية هويّة مختلفة لكل واحد من أعضائها. وللتعرف على تاريخ هذه الجامعة بشكل أكثر يمكنكم الرجوع إلى المصدر التالي:
1ـ جامعه مدرسين حوزة علمية قم، أز آغاز تا كنون، ج1 وج2 (جامعة المدرسين في حوزة قم العلمية، منذ البداية وحتى النهاية، الجزء الأول والثاني)، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1385هـ ش.
وفي هذا السياق يجدر بنا أن نشير إلى المرجع الكبير في حوزة قم العلمية في العقدين الرابع والخامس، ونعني به السيد محمد رضا الگلبايكاني؛ إذ إنه قد بحث ولاية الفقيه بمعناها الواسع سنة 1373هـ، أي قبل عشر سنوات من ثورة الإمام الخميني، ودرس تلك البحوث وقام بشرحها، ومن ثمّ تم نشرها عام 1383هـ([1]). كما أنّ حضوره الفاعل نسبياً في وقائع الخامس عشر من خرداد، ودعمه للثورة الإسلامية، شاهد على إيمانه بولاية الفقيه السياسية.
ولكن من جهة أخرى هناك قرائن تثبت أنه كان يميل إلى تيار المتشرِّعة. وربما كان هذا الاختلاف في الرؤى هو الذي أدى بعد انتصار الثورة إلى خيبة أمله تجاه نظام الجمهورية الإسلامية، وتعرُّضه للمسؤولين، وتوجيه النقد بشكل حادّ إليهم. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من الإصرار الكبير فإنه لم يوافق على إعادة طبع كتابه في ولاية الفقيه، بل إنه بعد انتصار الثورة، وربما قبلها ـ وطبقاً لنقل تلميذه البارز، ومقرِّر كتابه المذكور ـ، قد عدل عن رأيه السابق في ما يتعلق بولاية الفقيه([2]). وعلى أية حال فمن الضروري القيام بتحقيق أكبر بشأن الأفكار الاجتماعية لهذه الشخصية([3]).
المورد المختلف الآخر، الذي يستحق الدراسة والتحقيق، يتجلى في المواقف الاجتماعية للسيد كاظم شريعتمداري. فعلى الرغم من تواجده النسبي في تطورات الأحداث السياسية في أعوام 1341 و1342هـ ش، إلا أنه كان على الدوام يتخذ نهجاً تصالحياً وتنسيقاً سياسياً مع نظام الشاه، وتوسيعه لرقعة النشاطات الثقافية في الحوزة والمجتمع. الأمر الذي كان يؤدي بطبيعة الحال إلى ردود فعل شديدة في نقده من قبل الإمام الخميني وأنصاره. وعند قيام الثورة الإسلامية عام 1356هـ ش صرح رسمياً بمشروع النضال في إطار الدستور، بدلاً من شعار القضاء على الشاه، وتغيير نظام الحكم. وبعد الثورة قام بتأسيس (حزب الجماهير المسلمة)، وتعاون مع المجموعات التي تدعو إلى العودة إلى العهود السابقة. الأمر الذي تحول إلى مواجهة شاملة مع الثورة الإسلامية. وطبعاً إنّ بيان مدى ما لسلوكه والسلوكيات المشابهة من الجذور، التي تعود إلى أفكاره الاجتماعية، أو الأسباب السياسية والشخصية، يحتاج إلى مساحة أكبر من البحث والتحقيق.
ج ـ تيّار التحضر الإسلامي ــــــ
كان هذا التيار في الماضي يعرف بأسماء من قبيل: (حركة اليقظة الإسلامية)، و(إحياء التفكير الديني)، وإنْ كانت هذه الأسماء قد أطلقت على تيار التجديد الإسلامي أيضاً. وبعد انتصار الثورة الإسلامية، وبتأثير من الإعلام الغربي، أطلق على هذا التيار أول الأمر مصطلح (العصبية الدينية)، ممّا يحكي عن نوع من التمسّك الجاف بالموروث الفكري الديني، ولكن بعد ذلك ـ وبالتدريج ـ أخذ يُطلق عليه مصطلح (Fundamentalism)، الذي يعني الأصولية. وفي الآونة الأخيرة سعى بعض المحقِّقين الغربيين إلى الحيلولة دون الخلط بين هذا التيار وبين تيار السلفية، الذي ظهر في العالم الإسلامي قبل قرنين، وله في المسيحية جذور تاريخية طويلة أيضاً. فأخذ هؤلاء المحقِّقون يفضلون أن يطلقوا على هذا التيار الفكري الحديث، الذي ظهر بشكل أساس في حوزة التفكير الشيعي، مصطلح (الراديكالية الإسلامية)، أو (الإسلام السياسي). وقد راق لبعض الساسة الإيرانيين المقرَّبين من هذا التيار الفكري التعبير عنه بمصطلح (الأصولية الإسلامية)، ويعنون بذلك معناه الخاص. وعليه لا ينبغي الخلط بين هذا وبين التحضُّر، بمعنى النهج الفكري لهذا التيار، واعتبارهما شيئاً واحداً.
إنّ اختيار عنوان (التحضر الإسلامي) لهذا التيار، مضافاً إلى تعبيره عن جوهر هذا التيار، الذي هو فهم متحضِّر للدين الإسلامي، هو تكرار هذا المصطلح في كلمات المفكِّرين في هذا التيار، وخاصة في العقود الأخيرة([4]).
ثورة التنباك وانطلاق تيار التحضّر ـــــ
وغالباً ما تعتبر ثورة التنباك، بقيادة الميرزا حسن الشيرازي، الذي يعرف بالميرزا الكبير، نقطة انطلاق هذا التيار. وإنْ كان هناك مَنْ يرى أنّ السيد جمال الدين الأسدآبادي من روّاد هذا التيار أيضاً. وقد عرف هذا التيار في مراحل تكوينه المختلفة بمدارسه الثلاث، وهي: مدرسة سامراء؛ ومدرسة النجف؛ ومدرسة قم. ومن الجدير بالذكر من الناحية النظرية أنّ أفكار الميرزا الشيرازي تعود بجذورها إلى الفقه الجواهري (أي فقه الشيخ محمد حسن النجفي، المعروف بصاحب الجواهر)، وهو أستاذ الميرزا الشيرازي([5]).
وللتعرف على المدارس الثلاث المذكورة، ودورها في التطورات الاجتماعية في إيران، يعتبر المصدر التالي نافعاً إلى حدٍّ ما:
1ـ رهيافتي بر مباني مكتب ها وجنبش هاي سياسي شيعة (مدخل إلى أسس المدارس والحركات الشيعية السياسية)، لمظفّر نامدار، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، 1376هـ ش.
لا يسعنا بحث التيارات الإصلاحية في النجف (وبشكل عام في حوزة العراق الدينية) في إطار هذه الدراسة، إلا أنّه للتعرف إجمالاً على المناخ العام، وبعض هذه التطورات، يمكن الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1ـ جدل التراث والعصر، لعبد الجبار الرفاعي، مؤسسة الأعراف، 1419هـ.
2ـ تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية، لجودت القزويني، 1418هـ.
وقد ذكرنا سابقاً أن تأثير الحوزة العلمية في قم على الحوادث السياسية في إيران يعود إلى عقد الثلاثينات فما بعد، ولم يكن لها قبل ذلك تأثير واسع وحاسم. وللاطلاع أكثر راجع:
1ـ مكتب سياسي قم (المدرسة السياسية في قم)، لمحمد باقر پور أميني، انتشارات زائر، 1383هـ ش.
وإلى جانب الحوزات الثلاث المذكورة يجب أن نذكر الحوزة العلمية في طهران أيضاً، فقد كان لها تأثير فريد في تكوين حركة المشروطة. وإن دور ثورة التنباك، وشخصية الميرزا الشيرازي والسيد جمال الدين الأسدآبادي، في جرّ علماء طهران إلى الساحة السياسية والاجتماعية جديرٌ بالدراسة والتحقيق. وفي هذا المجال راجع:
1ـ روحانيت ومشروطه (المؤسسة الدينية والمشروطة)، لجمع من المحرِّرين في مجلة الحوزة، قم، مؤسسة بوستان كتاب، 1385هـ ش.
وللتعرف على الموقع الفكري للمتحضِّرين، والتطوّرات السياسية والثقافية التي حدثت في إيران المعاصرة، وغيَّرت من مواقف جماعة من العلماء والمتدينين في مواجهة الظروف السياسية، يمكن الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1ـ إيران در راه عصر جديد (إيران في طريق العصر الجديد)، لهانس روبرت رويمر، ترجمة: آذر آهنچي، دانشگاه طهران، 1380هـ ش.
2ـ جامعه مدني، دولت ونو سازي در إيران معاصر (المجتمع المدني، الحكومة والتحديث في إيران المعاصرة)، لمسعود كمالي، ترجمة: كمال بولاد، طهران، نشر مركز بازشناسي إيران وإسلام، 1381هـ ش.
وللتعرف على سابقة هذا التيار، وتكوين الفكر الإسلامي المتحضر، يمكن الرجوع إلى المصادر التالية، فإنها تحتوي على معلومات ثرّة في هذا المجال:
1ـ نخستين روياروئي هاي أنديشه گران إيران (باكورة المواجهات بين المفكِّرين في إيران)، لعبد الهادي الحائري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1372هـ ش.
2ـ نهضت بيداري در جهان إسلام (ثورة الوعي في العالم الإسلامي)، لـ أ. مراد وآخرون، ترجمة: السيد محمد مهدي جعفري، طهران، سهامي انتشار، 1362هـ ش.
3ـ چالش مذهب ومودرنيسم (تحديات المذهب والحداثة)، لمسعود كوهستاني نجاد، طهران، نشر ني، 1381هـ ش.
4ـ حوزه نجف وفلسفة تجدد در إيران (حوزة النجف وفلسفة التجديد في إيران)، لموسى النجفي، طهران، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، 1379هـ ش.
5ـ تشيع ومشروطيت در إيران (التشيع والمشروطة في إيران)، لعبد الهادي الحائري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1364هـ ش.
6ـ مدرنيته وعصر مشروطيت (الحداثة وعصر المشروطة)، مجموعة مقالات، قم، انتشارات مؤسسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني.
وإذا تجاوزنا المعلومات التفصيلية الواسعة يمكن؛ للتعرف على ثورة التنباك، ودور الميرزا الشيرازي، الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1ـ صده تحريم تنباكو (قرن تحريم التنباك)، لموسى النجفي ورسول جعفريان، بي جا، 1371هـ ش.
2ـ تحريم تنباكو در إيران (تحريم التنباك في إيران)، لنيكي كدي، ترجمة: شاهرخ قائم مقامي، طهران، انتشارات أمير كبير، 1358هـ ش.
وفي ما يتعلق بشخصيته العلمية والفكرية والاجتماعية، وكذلك خصائص المدرسة السامرائية، يمكن الرجوع إلى العدد الخاص من مجلة الحوزة (العددان 50 ـ 51).
ويجب الالتفات إلى أنّ ثورة التنباك لم تكن مجرّد فتوى أو حركة سياسية محدودة، بل هي نموذج لرؤية جديدة لمواجهة علماء الدين وطريقة تعاملهم مع الظروف السياسية المهيمنة على إيران. وللتعرف على مساحة هذه الثورة، ودور القادة الفكريين فيها، راجع:
1ـ حكم نافذ آقا نجفي (الحكم النافذ لآغا نجفي)، لموسى النجفي، بي جا، 1371هـ ش.
2ـ نقش مجتهد فارس در نهضت تنباكو (دور فقيه فارس في ثورة التنباك)، لمحمد رضا رحمتي، طهران، انتشارات بنياد تاريخ انقلاب إسلامي إيران، 1371هـ ش.
تقدم أن ذكرنا أنّ هناك اختلافاً حول أفكار وموقع السيد جمال الدين الأسدآبادي بين التيارات المذكورة. فهناك مَنْ يعتبر السيد جمال الدين مؤسِّس التنوير الديني أو التجديد الإسلامي، ولكن من وجهة نظر الآخرين يعتبر السيد جمال الدين مؤسِّس نهضة الوعي الإسلامي، أو التحضُّر الإسلامي. وللتعرف على وجهة النظر الأولى راجع:
1ـ سر آغاز نو أنديشي معاصر ديني وغير ديني (بداية تجديد الفكر الديني وغير الديني المعاصر)، لمقصود فراست خواه، شركت سهامي انتشار، 1377هـ ش.
2ـ روشنفكران عرب وغرب (المستنيرين من العرب والغربيين)، لهشام شرابي، ترجمة: عبد الرحمن عاصم، طهران، دفتر مطالعات سياسي وبين المللي، 1369هـ ش.
وأما في ما يتعلق بوجهة النظر الثانية حول تحليل شخصية السيد جمال الدين فيمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ بيدارگران أقاليم قبلة (هداة أهل القبلة)، لمحمد رضا حكيمي، قم، انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، 1362هـ ش.
2ـ سيد جمال الدين، جمال حوزه ها (السيد جمال الدين، شمس في سماء الحوزات العلمية، جمعٌ من المحرِّرين في مجلة الحوزة، دفتر تبليغات إسلامي، 1375هـ ش.
3ـ علل وعوامل ضعف وانحطاط مسلمين در أنديشه سياسي وآراي إصلاحي سيد جمال الدين أسدآبادي (أسباب وعلل ضعف المسلمين وانحطاطهم في الفكر السياسي والآراء الإصلاحية للسيد جمال الدين الأسدآبادي)، لأحمد موثقي، طهران، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، 1378هـ ش.
4ـ نهضت هاي إسلامي در صد ساله أخير (الثورات الإسلامية في القرن الأخير)، لمرتضى مطهري، طهران، انتشارات صدرا، 1372هـ ش.
ولحسن الحظ فقد اهتم السيد هادي خسرو شاهي بنشر مختلف الأعمال حول شخصية السيد جمال الدين، الأمر الذي يساعد على حلّ خفايا هذه المسألة. وللحكم حول هذا الخلاف يمكن الرجوع إلى الأعمال النقدية التي أوردها السيد جمال الدين على الفلسفة والحضارة الغربية، وخاصة نقده للسيد أحمد خان الهندي، فهو جدير بالملاحظة. ويمكن الرجوع أيضاً إلى الكتاب التالي:
1ـ سيد جمال الدين أسدآبادي وتفكر جديد (السيد جمال الأسدآبادي والتفكير الجديد)، لكريم مجتهدي، طهران، نشر تاريخ أديان، 1363هـ ش.
كما تفتح مقالة (السيد جمال الدين الأسدآبادي وجذور الرجعية في العالم الإسلامي) في الكتاب التالي نافذة على هذا الموضوع:
1ـ إيران وجهان إسلام (إيران والعالم الإسلامي)، لعبد الهادي الحائري، مشهد، انتشارات آستان قدس رضوي، 1368هـ ش.
لقد ظهر تيار التحضُّر في التاريخ الإيراني المعاصر بشكل محدَّد منذ حركة المشروطة في إيران، ومن خلال ظهور الخلاف العميق بين علماء الشيعة الكبار في إيران والنجف، وهو الخلاف الذي عرف فيما بعد بأنصار المشروعة وأنصار المشروطة. وقد عمل كل فريق على بيان وجهة نظره الاجتماعية، فظهرت أدبيات جديدة في الفكر الاجتماعي الديني. وللتعرف على الجذور التاريخية لتفكير تيار التحضُّر الإسلامي في المشروطة، وخاصة بالنسبة لقادة المشروطة، في مقابل أنصار المشروطة، يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ مباني نظري حكومت مشروطه ومشروعه (الأسس النظرية لحكومة المشروطة والمشروعة)، لحسين أباديان، طهران، نشر ني، 1377هـ ش.
2ـ رسائل مشروطيت، 18 رساله ولايحه درباره مشروطه (رسائل المشروطة، ثماني عشرة رسالة وقرار بشأن المشروطة)، لغلام حسين زركر نجاد، طهران، انتشارات كوير، 1374هـ ش.
3ـ نقش علما در سياست، أز مشروطه تا پايان قاجار (دور العلماء في السياسة، من المشروطة إلى نهاية العهد القاجاري)، لمحسن بهشتي سرشت، پژوهشكده إمام خميني وانقلاب إسلامي، 1380هـ ش.
4ـ تحليلي بر نقش عالمان شيعي در پيدايش انقلاب إسلامي (دراسة تحليلية حول دور علماء الشيعة في ظهور الثورة الإسلامية)، لفرهاد شيخ قريشي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1380هـ ش.
5ـ علما وانقلاب مشروطيت إيران (العلماء وثورة المشروطة في إيران)، للطف الله أجداني، نشر أختران، 1383هـ ش.
6ـ نقش علما در أنجمن ها وأحزاب دوران مشروطيت (دور العلماء في المراكز والأحزاب في عهد المشروطة)، لمريم جواهري، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1380هـ ش.
7ـ تعامل ديانت وسياست در إيران (التعامل بين الديانة والسياسة في ايران)، لموسى نجفي، طهران، مؤسسة مطالعات تاريخ معاصر إيران، 1378هـ ش.
8ـ مشروطه، فقيهان، واجتهاد شيعه (المشروطة، الفقهاء، واجتهاد الشيعة)، مجموعة مقالات، قم، انتشارات مؤسسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني.
إنّ المصادر المتقدمة تشرح المناخ العام للتفكير الاجتماعي الديني في عهد المشروطة، ولكن ينبغي؛ للتعرف على فكر المتحضِّرين في هذه المرحلة، تحليل أفكار قادة المشروطة الدينيين وأعمالهم في هذا المجال. ومن بين القادة الفكريين للتيار المتحضِّر في المشروطة يتردَّد اسم شخصيتين أكثر من غيرهما، وهما: الميرزا حسين النائيني، والآخوند محمد كاظم الخراساني. وقد تمّ تناول الشيخ النائيني في المصادر المتقدِّمة وغيرها كثيراً، ومن جملتها الكتابين التاليين؛ إذ تضمَّنا آراء مختلفة بشأن الأفكار السياسية للشيخ النائيني:
1ـ تبيان أنديشه (بيان الأفكار)، خلاصة مقالات، أنجمن آثار ومفاخر فرهنگي آستان أصفهان، 1379هـ ش.
2ـ سيري در آراء وأنديشه هاي نابغة بزرگ شيعة (جولة في آراء وأفكار عبقري الشيعة الكبير)، مجموعة مقالات المؤتمر التكريمي، أنجمن مفاخر فرهنگي آستان أصفهان، 1379هـ ش.
وقد نشرت مجلة الحوزة في عدديها (66 ـ 67) موضوعاً خاصاً حول الميرزا النائيني، وهو موضوع جديرٌ بالاهتمام، وخاصة مقابلة ابنه، وآراء معاصريه وطلابه. وقد نشر هذا الموضوع الخاص مؤخَّراً ضمن كتاب مستقلّ يحمل العنوان التالي:
1ـ علامه نائيني، فقيه نظريه پرداز (العلامة النائيني، الفقيه المنظِّر)، لجمع من الكتّاب، قم، مؤسسة بوستان كتاب، 1386هـ ش.
2ـ مرگي در نور (موت في النور)، السيرة الذاتية للآخوند الخراساني، لعبد الحسين مجدد كفائي، انتشارات زوار، 1358هـ ش.
3ـ سياست نامه خراساني (سياسة الخراساني)، (مقاطع سياسية في أعمال الملا محمد كاظم الخراساني)، لمحسن كديور، طهران، انتشارات كوير، 1385هـ ش.
رغم أنه ينبغي الاعتراف بأن الأفكار الاجتماعية لهاتين الشخصيتين، وخاصّة بعد إخفاق مشروع المشروطة، محاطة بالإبهام، فإنّ واحداً من الشاهدين والمقررين لوضعية الحوزات والمؤسسات الدينية في إيران والنجف، ورصد النزاع الذي احتدم بين أنصار المشروطة والمخالفين لها، هو السيد الآغا النجفي القوجاني، فراجع تقرير مشاهداته بقلمه في الكتاب التالي:
1ـ سياحت شرق (سياحة الشرق)، لآغا نجفي قوجاني، طهران، انتشارات أمير كبير، 1367هـ ش.
ومما يحتاج إلى التحقيق في هذا المجال هو دراسة نظرية هاتين الشخصيتين (الخراساني والنائيني) في باب مساحة ولاية الفقيه؛ إذ لا ترى رأياً إيجابياً وقاطعاً في مؤلَّفاتهم التقليدية، خلافاً لأعمالهم السياسية([6]).
استمرار تيار التحضّر في العهد البهلوي ـــــ
وقد استمر تيار المتحضِّرين حتى في عهد رضا خان. وإن أفكار علماء الدين في هذه المرحلة تتجلى بشكل أكبر في إطار المواجهات السياسية، فيجب استخراج مبانيهم النظرية منها. ومن بين الكتب التي تلقي ضوءاً على هذا الموضوع يمكن الإشارة إلى المصدرين التاليين:
1ـ چالش هاي روحانيت با رضا شاه (تحديات المؤسسة الدينية ضد رضا شاه)، لداوود الأميني، سپاس، 1382هـ ش.
2ـ علما ورضا شاه (علماء الدين ونظام رضا شاه)، لحميد بصيرت منش، عروج، 1377هـ ش.
لا شكّ في أن السيد حسن مدرِّس يمثل واحداً من الوجوه البارزة للتيار المتحضِّر في هذه المرحلة. لقد اشتهر مدرِّس بمواقفه السياسية النارية، ولكن لم يتمّ بيان أبعاد فكره الاجتماعي بالشكل المطلوب. وللتعرّف على أبعاد التيار المتحضِّر بشكل كامل نجد الكتب الكثيرة التي تناولت الشخصية السياسية للسيد مدرِّس مفيدة جداً. كما أنّ الكتاب التالي قد شرح أفكاره السياسية إلى حدٍّ كبير:
1ـ أنديشه سياسي شهيد مدرس (الفكر السياسي للشهيد مدرّس)، لرضا عيسى نيا، قم، مؤسسة بوستان كتاب، 1386هـ ش.
وفي ما يتعلق بدراسة تطوّر الفكر السياسي في هذه المرحلة يتمّ التأكيد على عدد من المحافظات بشكل خاص، مثل: طهران، وتبريز، إلا أنّ التحقيقات تثبت وجود جهود عملية كثيرة من قبل هذا التيار في بعض المدن الإيرانية الكبرى. ومن باب المثال: نجد الأفكار والسلوكية الاجتماعية للشخصيتين الكبيرين: السيد عبد الحسين اللاري؛ والسيد نور الدين الشيرازي، في منطقة فارس مثيرةً للانتباه.
وللتعرُّف على السيد عبد الحسين اللاري، الذي كان من تلاميذ الميرزا الشيرازي، والذي اقترب إلى مستوى إقامة حكومة إسلامية في المنطقة، يمكن الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1ـ آية الله سيد عبد الحسين لاري وجنبش مشروطه خواهي (آية الله السيد حسين اللاري وحركة المطالبة بالمشروطة)، لمحمد باقر الوثوقي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1383هـ ش.
2ـ ولايت فقيه زير بناي فكري مشروطه مشروعه، سيري در أفكار ومبارزات سيد عبد الحسين لاري (ولاية الفقيه القاعدة الفكرية للمشروطة المشروعة، جولة في أفكار وجهاد السيد عبد الحسين اللاري)، لمحمد تقي آية اللهي، طهران، انتشارات أمير كبير، 1363هـ ش.
وأما بالنسبة إلى السيد نور الدين الشيرازي، الذي تربّى في أسرة علمية وسياسية مرتبطة بالميرزا الشيرازي، والذي أعطى هذه الحركة دفعة جديدة، من خلال تأسيس (حزب برادران) في شيراز (عام 1314هـ ش)، ومواصلة أسلمة الحكومة، وفكرة الاتحاد بين علماء المسلمين، فيمكن الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1ـ رسائل سياسي ـ إسلامي دوره بهلوي، ج1 (الرسائل السياسية ـ الإسلامية في عصر البهلوي، ج1)، لرسول جعفريان، 1384هـ ش.
2ـ جريان ها وسازمان هاي مذهبي ـ سياسي إيران (التيارات والمنظمات الدينية ـ السياسية في إيران)، لرسول جعفريان، الطبعة السادسة، 1385هـ ش.
وقد تمّ عرض التقريرات والأفكار والمواقف السياسية للسيد نور الدين الشيرازي في المذكِّرات التي كتبها ابنه، وهي جديرةٌ بالقراءة:
1ـ خاطرات سيد منير الدين حسيني شيرازي (مذكرات السيد منير الدين الحسيني الشيرازي)، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1383هـ ش.
فقد اغتنم سماحته فرصة الحرية بعد شهريور عام 1320، وعمد إلى توسيع نشاط (حزب برادران)، ونشر عدد من الصحف والأسبوعيات، وكان من أهمها: صحيفة (آيين برادري). وقد عرض في النظام الداخلي لحزب برادران ـ كما في مقالاته ومؤلَّفاته ومن بينها: كتابيه: «الإسلام والعالم المعاصر»، و«الحقوق السياسية في الإسلام» ـ صورةً حضارية عن الإسلام.
وقد كانت محافظة أصفهان هي الأخرى مهداً للأفكار الجديدة بين صفوف المؤسسة الدينية والقوى السياسية ـ الدينية. وهذا يستدعي بحثاً أوسع. ومن بين ذلك يجب الخوض في الثورة الفكرية والسياسية المهمّة التي قام بها الحاج آغا نور الدين الأصفهاني. وقد أنجزت تحقيقات مهمة حول هذه الشخصية. ومن باب المثال: يمكن الرجوع إلى المصدر التالي:
1ـ أنديشه سياسي وتاريخ بيدارگرانه حاج آقا نور الدين أصفهاني (الفكر السياسي وتاريخ الوعي للحاج آغا نور الدين الأصفهاني)، لموسى نجفي، بي جا، 1369هـ ش.
وفي مشهد، علاوةً على الحضور الفاعل لجماعة من علماء الدين الكبار في ساحة المواجهة؛ بسبب أحداث نزع الحجاب، علينا أن نشير إلى مجموعة من النشاطات الأخرى، من قبيل: (كانون نشر حقايق ديني)، بإدارة محمد تقي شريعتي، الذي كان له دور كبير في المناخ الفكري في الأعوام التي سبقت انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية.
تيار التحضّر في أواسط القرن العشرين ــــــ
وأما السنوات التي أعقبت شهريور عام 1320هـ ش، وحتى ثورة الخامس عشر من خرداد عام 1342هـ ش / 1963م، فقد شكَّلت مرحلة تكوين القواعد والأسس لهذا التيار الفكري ـ السياسي في الحوزة العلمية في قم. ويبدو أنّ الحوزة العلمية في قم قد دخلت المعترك السياسي بشكل جادّ بعد رحيل الشيخ عبد الكريم الحائري. وفي هذا المجال من المهم لنا أن ندرس حركتين واصلتا نشاطهما في هذه الأعوام بشكل متزامن، وهما: الحركة الإصلاحية في الحوزة، بزعامة المرجعية المطلقة آنذاك، والمتمثلة بالسيد حسين البروجردي؛ والحركات الثورية لجيل الشباب في المؤسسة الدينية، ومن بينها: جماعة السيد نواب صفوي (فدائيان إسلام). وللأسف الشديد فإنّ شخصية السيد حسين البروجردي الاجتماعية لم تُفْرَد لها دراسة مستقلة وتفصيلية. لقد كان البروجردي مُقِرّاً بالموقع السياسي لولاية الفقيه. كما أنه كان أول فقيه يثبت في المرحلة المعاصرة ولاية الفقيه من طريق البرهان العقليّ([7]). كما أنه قد فتح أفقاً جديداً أمام الفقه الشيعي. وكان من المؤسِّسين لتيار (التقريب بين المذاهب)، وهو أمرٌ لم يكن يلقى كبير اهتمام في الحوزات الشيعية آنذاك([8]). وكذلك فقد أولى سماحته أهمية خاصة للتبليغ الديني في البلدان الأوروبية. وعلى الرغم من ذلك فقد كان البروجردي يتعاطى مع الشأن السياسي في الداخل باحتياط واحتراس شديد. فقد كان يراقب المسائل السياسية في البلاد بحساسية فائقة، وكان يتعاطف مع علماء الدين السياسيين، من أمثال: السيد أبو القاسم الكاشاني، إلا أنه لم يكن موافقاً على الحركات السياسية المتطرِّفة، مثل: (فدائيان إسلام). ولمزيد من المعرفة حول هذا الشأن يمكن الرجوع إلى العدد الخاص لمجلة الحوزة (العددان 43 ـ 44). وهناك مَنْ قال بأن السيد البروجردي قد تأثَّر في أفكاره التجديدية والاجتماعية بأستاذه السيد محمد باقر درجه إي([9]).
حركة فدائيان إسلام ــــــ
لم يتم التعرُّف على الأبعاد الفكرية والنظرية لـ (فدائيان إسلام) بشكل صحيح. وإن المصدر التالي يلقي الضوء إلى حدٍّ ما على انتماءاتهم الفكرية:
1ـ أنديشه وعملكرد فدائيان إسلام (فكر ونشاط فدائيان إسلام)، لداوود أميني، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1380هـ ش.
ألَّف السيد نواب صفوي كتاب «المجتمع والحكومة الإسلامية» عام 1329هـ ش، وقد عرض فيه برنامجاً إسلامياً للمؤسسات والوزارات المختلفة في الحكومة الدينية. إنّ هذا الكتاب الذي كتب بعبارات بسيطة، ورؤية سطحية للفكر الاجتماعي في الإسلام، قد أعيد طبعه بمجهود السيد هادي خسرو شاهي، مع توضيحات حول شخصية السيد نواب صفوي. ويمكن الرجوع في ذلك إلى المصدر التالي:
1ـ فدائيان إسلام (فدائيو الإسلام)، لهادي خسرو شاهي، طهران، انتشارات مؤسسة اطلاعات، 1375هـ ش.
وللتعرّف على الحركة الإصلاحية للمؤسسة الدينية، مضافاً إلى كتاب «التيارات والمنظمات المذهبية والسياسية في إيران»، الذي تقدَّم ذكره، يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ بيست سال تكابوي إسلام شيعي در إيران (عقدين من كفاح الإسلام الشيعي في إيران) (1320 ـ 1340)، لروح الله حسينيان، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1381هـ ش.
2ـ برگ هايي أز تاريخ حوزه علميه قم (صفحات من تاريخ الحوزة العلمية في قم)، لرسول جعفريان، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1381هـ ش.
3ـ گفتمان سياسي شيعه در إيران معاصر (العقيدة السياسية الشيعية في إيران المعاصرة)، لجلال درخشه، جامعة الإمام الصادق×، 1384هـ ش.
4ـ رسائل سياسي ـ إسلامي دوره بهلوي (الرسائل السياسية ـ الإسلامية في العصر البهلوي)، ج1، رسول جعفريان، 1384هـ ش.
وفي هذا السياق دراسة التيارات الإصلاحية في سائر الحوزات العلمية بأهمية قصوى أيضاً، وخاصة المواجهة بين تيار المتشرِّعة والتيار المتحضِّر في حوزة مشهد، والتي يمكن تتبعهما في المصادر المتقدمة، والوثائق التي تركت من قبل المنتمين لهذين التيارين. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الموضوع، والشخصيات، والمراكز التي ينتمي إليها المتحضِّرون في حوزة مشهد (في قسم المتشرِّعين). ولذلك لا نرى حاجة إلى التكرار. وإن هذا الجزء من التاريخ الفكري للمؤسسة الدينية بحاجة إلى تحقيق أوسع.
ما بعد رحيل السيد البروجردي ــــــ
وبعد رحيل السيد حسين البروجردي، وظهور العديد من مراجع الدين في إيران، وسعي النظام البهلوي إلى إلغاء المظاهر الدينية في المجتمع، ظهرت فرصة جديدة لتواجد التيارات السياسة على مستوى الحوزة العلمية في قم بشكل فاعل. وإن انتشار كتاب «بحث في المرجعية والمؤسسة الدينية»، (شركت سهامي انتشار، 1340هـ ش) وهو من الكتب المهمة، نموذجٌ للحضور الفاعل لتيار التحضُّر في الساحة الفكرية والاجتماعية في إيران. إنّ بعض المؤلِّفين لهذا الكتاب من أهم الناشطين في هذا التيار في السنوات التالية، وقد كانوا قبل ذلك بدأوا نشاطاتهم في الصحف التجديدية آنذاك، من قبيل: (الحكمة)، بإدارة فخر الدين البرقعي، و(مكتب إسلام)، بإدارة ناصر مكارم الشيرازي وآخرين، و(مذهب التشيع)، بجهود أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد جواد باهنر وآخرين. كما أنّ صحيفة (بعثت)، التي نشرت في تلك الأعوام (1342 ـ 1344هـ ش) من قبل جماعة من فضلاء الحوزة، وبشكل سرّي، وقد تمَّت إعادة طبعها مؤخَّراً، تعكس المناخ السياسي الذي كان سائداً آنذاك. وللتعرّف على التيارات الفكرية والاجتماعية في هذه المرحلة، والمقارنة بينها، يمكن الرجوع إلى المصدر التالي:
1ـ تحولات سياسي إيران اجتماعي بعد أز انقلاب إسلامي إيران، ج1 (التطورات السياسية والاجتماعية في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، ج1)، عروج، 1384هـ ش.
تيار التحضّر وإنطلاقة الثورة الإسلامية ــــــ
إلا أن حركة الخامس عشر من خرداد تعدّ بداية لمرحلة جديدة لتكوين التحضر الإسلامي من الناحية النظرية والمعرفية. وفي ما يتعلق بالجهود والتقدم الفكري لهذا التيار في المرحلة المذكورة نجد أنّ كتاب «التيارات والمنظمات الدينية والسياسية في إيران» قد قدّم الكثير من المعلومات والوثائق. وكذلك (مجموع الأعمال المدونة لتاريخ الثورة الإسلامية)، المنشورة من قبل مركز أسناد انقلاب إسلامي، وكذلك مجموعة (أنصار الإمام الخميني برواية السافاك)، والمنشورة من قبل مركز بررسي أسناد تاريخي وزارت اطلاعات، تضع بين أيدينا معلومات وثائقية في هذا الشأن.
ومضافاً إلى ما تقدم يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ تاريخ شفاهي انقلاب إسلامي (التاريخ الشفهي للثورة الإسلامية)، مجلَّدان، لغلام رضا كرباستشي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1380هـ ش.
2ـ چهارده سال رقابت إيديولوجيك شيعه در إيران (أربعة عشر عاماً من المنافسة العقائدية بين الشيعة في إيران 1343 ـ 1356هـ ش)، لروح الله حسينيان، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1383هـ ش.
3ـ سه سال ستيز مرجعيت شيعه (ثلاث سنوات من جهاد المرجعية الشيعية 1341 ـ 1343هـ ش)، لروح الله حسينيان، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1382هـ ش.
ولحسن الحظ فإنّ المصادر الفكرية لهذه الفترة متوفرة بشكل كبير، ومنها ما أعيد طبعه مراراً. وفي ما يتعلق بنشاط تيار المتحضِّرين في هذه المرحلة نحصل من خلال المعلومات والوثائق الموجودة في هذه المصادر على ما يلي:
1ـ يسعى التيار المذكور في هذه الفترة إلى إعداد بنيتين تحتيتين متزامنتين، إلى جانب النشاطات السياسية: إحداهما: تربية كوادر متخصِّصة، وعارفة بالمرحلة، بين الصفوف الحوزوية والجامعية؛ والأخرى: إعداد الأسس النظرية اللازمة لتبيين الرؤية الاجتماعية للإسلام. ويعد تأسيس المدارس الحوزوية والإسلامية الحديثة، ونشر المجلات والصحف التي تحمل توجُّهاً جديداً، وترجمة مؤلَّفات المجدِّدين من العلماء في العالم العربي، وبناء المؤسسات التحقيقية والتبليغية، وحضور المؤسسة الدينية في الأجواء الجامعية، ودعوة الجامعيين الموالين فكريّاً للتنسيق والتعاون في مجال الأنشطة التعليمية في الحوزة، من جملة النشاطات الثقافية الأخرى لتيار المتحضِّرين في تلك المرحلة.
2ـ إنّ تيار التنوير في هذه المرحلة التاريخية، تبعاً لهيمنة الماركسية والاشتراكية، يجنح نحو اليسار. ولا يستثنى أكثر المتنورين الدينيين في إيران من هذه القاعدة. وعليه تتخذ مواجهة تيار المتحضِّرين للحداثوية والتفكير الغربي في غالبها صبغة ماركسية. الأمر الذي ألقى بظلّه تلقائياً على أدبيات التيار المتحضِّر، حيث يميل إلى أسلوب اليساريين.
3ـ في هذا المقطع التاريخي تبدأ نقطة الانفصال والمواجهة بين التيار المتحضِّر وتيار التنوير الديني (التجديد الإسلامي). وطبعاً إن قصة الحرب والسلام بين هذين التيارين طويلة جداً، وهي بحاجة إلى مزيد من التحقيق. ففي الوقت الذي كان المتشرِّعون منذ البداية يقفون بشدّة، وبشكل صريح، ضدّ الأفكار التجديدية لتيار التنوير بين المسلمين، فإن غالبية المتحضِّرين كانوا أول الأمر ينظرون إليهم بحسن ظنّ، وكانوا يقومون بدعمهم معنوياً، بل ومادياً أيضاً. ولكن هذه الانتكاسة تفاقمت، وأخذت بالاشتداد تدريجياً. ويُعتبر الحوار النقدي المحتدم بين الشيخ مرتضى مطهري والمهندس مهدي بازرگان وأتباعه في جامعة المهندسين الإسلامية والمركز الطبي الإسلامي من جهة، ونقد محمد تقي مصباح اليزدي لعلي شريعتي، التي انطلقت شرارتها من مدرسة حقاني في بداية عقد الخمسينات في الحوزة العلمية في قم، الأمر الذي أثار تياراً ضد أفكاره، وفي نهاية المطاف المواجهة بين الشيخ مرتضى مطهري وعلي شريعتي في حسينية إرشاد، من بين مظاهر هذه الانتكاسة، واتضاح الهوّة النظرية بين هذين التيارين. إنّ قصة الرسالة المشتركة لمطهري وبازرگان في نقد أفكار شريعتي (بعد رحيله)، ومن ثم رسالة مهدي بازرگان المستقلّة، التي كتبها بضغط من أتباعه، من الوثائق الجديرة بالاهتمام والملاحظة. وللاطلاع على جانب من الأفكار المتبادلة في هذه المواجهات يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ شهيد مطهري إفشاكر توطئه تأويل ظاهر ديانت به باطن إلحاد وماديت (الشهيد مطهري كاشف مؤامرة تأويل ظاهر الديانة بباطن الإلحاد والمادية)، لعلي أبو الحسني (منذر)، دفتر انتشارات إسلامي، 1362هـ ش.
2ـ نقدي بر شهيد مطهري افشاكر توطئه تأويل ظاهر ديانت به باطن إلحاد وماديت (نقد كتاب الشهيد مطهري كاشف مؤامرة تأويل ظاهر الديانة بباطن الإلحاد والمادية)، لحسن يوسفي إشكوري، طهران، شركت سهامي انتشار، 1364هـ ش.
3ـ دكتر شريعتي جستجوگري در مسير شدن (الدكتور شريعتي باحث في طريق الصيرورة)، لمحمد حسين بهشتي، انتشارات بقعة، 1378هـ ش.
4ـ مصباح دوستان (أصحاب مصباح)، رضا صنعتي، هماي غدير، 1383هـ ش.
وللكتاب التالي قصة حول هذه الواقعة، وهي جديرة بالقراءة:
5ـ بار ديكر شريعتي (شريعتي مرة أخرى)، لمحمد مهدي جعفري، طهران، نگاه إمروز، 1381هـ ش.
التحوّل التجديدي وظهور الشيخ مطهري ـــــ
إثر إعلان منظمة مجاهدي خلق تغيير إيديولوجيتها عام 1345هـ ش، والذي أدى ـ عملياً ـ بالكثير من أعضاء الكادر الرئيسين إلى الاتجاه نحو الماركسية، حصلت انعطافة في تصاعد وتيرة المواجهة بين هذين التيارين، التي ميّزت المتحضرين بشكل كامل عن سائر المجموعات اليسارية. الأمر الذي أدى ـ حتى بالسيد محمود الطالقاني، الذي كان حتى ذلك الوقت يدعمهم بقوّة ـ إلى اتخاذ موقف معارض تجاههم (قصة رسالة حبيسة). وطبعاً فإن استعار شرارة الثورة الإسلامية قد غطّى عملياً على النزاع النظري بين المتحضِّرين والمتنوِّرين الدينيين.
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ مرتضى مطهري عمد في سنة 1356هـ ش، ومن خلال كتابه «الحركات الإسلامية في القرن الأخير»، إلى نقد المستنيرين الدينيين بشدّة، غامزاً من قناة علي شريعتي، وربما بني صدر أيضاً، معتبراً إياهم من مصاديق المجدِّدين المتطرِّفين، معتبراً ذلك من (آفات النهضة). وعلَّق على ذلك قائلاً: «نحن في غنىً عن التأسي بأمثال محمد عبده، وإقبال اللاهوري، وفريد وجدي، وسيد قطب، ومحمد الغزالي». وفي الكتاب نفسه أرجع سابقة النهضة الإسلامية إلى المؤسسة الدينية، واتَّهمها في الوقت نفسه بالتقصير، وعدم التنظير لمستقبل يبيِّن نوعية المجتمع المثالي في نظر الحكومة، والقانون، والحرية، والثروة، والملكية، والأسس القضائية، والأخلاقية، وما إلى ذلك.
وقد أشار الشيخ مرتضى مطهري في مقالات كتاب «حول الجمهورية الإسلامية» إلى خصائص التيار المتحضِّر أيضاً. وللاطلاع على رأيه بشأن المتنوِّرين راجع:
1ـ أستاد مطهري وروشنفكران (الأستاذ مطهري والمستنيرون)، طهران، انتشارات صدرا، 1373هـ ش.
4ـ إنّ التفكير الاجتماعي في التيار المتحضِّر في هذه الفترة يدور حول محورين رئيسين: أحدهما: السعي إلى بيان منهجي لمذهب الإسلام الشامل لجميع أبعاد الحياة الفردية والاجتماعية، ويبيّن استقلاله عن المذاهب الغربية الحديثة. وثانيهما: السعي إلى إظهار فاعلية الأحكام والمعارف الإسلامية في إدارة المجتمع المعاصر. إنّ الجمع بين هاجس (الأصالة) من جهة، وهاجس (فاعلية) الإسلام على المستوى العملي من جهة أخرى، الذي كان يدور في الغالب حول محور تفكير الحكومة الإسلامية، يشكِّل مضمون الحوارات النظرية لهذه الجماعة في تلك الأعوام. ومن باب المثال: يكفي الرجوع إلى المصادر التالية التي أُلِّفت في تلك الحقبة الزمنية:
1ـ حكومت در إسلام (الحكومة في الإسلام)، لمحمد حسيني بهشتي، 1338هـ ش.
2ـ سيستم حكومت إسلامي (نظام الحكومة الإسلامية)، ليحيى نوري، 1344هـ ش.
3ـ برنامه عمل (خطة العمل)، لجلال الدين الفارسي، 1345هـ ش.
4ـ جهاد وشهادت (الجهاد والشهادة)، لمحمود الطالقاني، 1385هـ ق.
5ـ إسلام ودموكراسي (الإسلام والديمقراطية)،لهادي خسرو شاهي، 1377هـ ش.
6ـ نظامات اجتماعي در إسلام (الأنظمة الاجتماعية في الإسلام)، لعلي گلزاده غفوري، 1349هـ ش.
7ـ طرح كلي أنديشه إسلامي در قرآن (الطرح العام للفكر الإسلامي في القرآن)، لعلي الحسيني الخامنئي، 1354هـ ش.
8ـ طرح كلي نظام إسلامي (الطرح العام للنظام الإسلامي)، لعلي الطهراني، 1355هـ ش.
9ـ نظام حكومت در إسلام (نظام الحكم في الإسلام)، لصادق روحاني، 1357هـ ش.
وفي هذا السياق تعدّ الأطروحة التحقيقية الشاملة التي كتبها السيد محمد حسيني بهشتي في عام 1349هـ ش، كبرنامج لمؤسسة تحقيقية إسلامية، خير شاهد على تكامل الفكر المتحضِّر([10]).
نواقص تيار التحضّر في عصر الثورة ــــــ
5ـ وعلى الرغم من ذلك فقد كان التحضر الإسلامي يعاني في تلك السنوات ضعفاً جادّاً في الأسس المعرفية، ولم يكن بإمكانه تلبية الحاجات الاجتماعية المستحدثة، والتي كان يطالب بها المجتمع وطبقة الشباب. وقد كان هذا الضعف يعود ـ من جهة ـ إلى فقدان الرؤية الاجتماعية والتطبيقية في الدروس الفقهية والفلسفية الشائعة في الحوزات العلمية، ومن جهة أخرى إلى عدم توفر المناخ السائد في الحوزات العلمية عند دخول علماء الدين في المجالات الثقافية والاجتماعية الجديدة. وقد دفع هذا النقص بهذه الجماعة إلى ترجمة واقتباس ما كتبه المستنيرون من المسلمين العرب، من أمثال: محمد عبده، وسيّد قطب، والمودودي، بل والترويج حتّى لمؤلَّفات المتنوِّرين الدينيين من الإيرانيين، من أمثال: مهدي بازرگان، وعلي شريعتي؛ وربما بسبب هذا الضعف النظري، بقي الكثير من هؤلاء الكتّاب المتحضِّرين حتى بداية العقد الخامس لا يستطيعون التمييز بين أُطُرهم النظرية، والمطالب التي يطرحها تيار التنوير الديني.
ومن الجدير بالذكر أنه طوال هذه السنوات كان لتفكير التيار المتحضِّر مؤيِّدون كثيرون من خارج الحوزات العلمية، وبين طبقة التجار، والجماهير المتديِّنة. كما أخذت مجموعات من الجامعيين تميل إلى هذا التيار بعد حوادث عام 1342هـ ش، وبالتدريج صار لهم مكوَّنٌ سياسي. وقد كانت هيئة المؤتلفين ـ وهم عموماً من التجار ـ، وحزب الملل الإسلامي ـ وهم في الغالب من الطلاب والمثقَّفين ـ، والمهديون ـ وهم من الجامعيين ـ، نماذج من هذه الجماعات. وإن المشكلة الكبيرة التي كانت تواجه جميع هذه المجموعات تكمن في غياب التفكير الاجتماعي الإسلامي، ولم يكونوا يحصلون على الدعم الفكري من قبل المؤسسة الدينية.
وهنا يجب علينا أن نشير إلى تأثير التيار التجديدي في حوزة النجف على نشر التفكير الاجتماعي بين المتحضِّرين في إيران، وإنْ كان الحديث عن العلماء غير الإيرانيين خارجاً عن اهتمام هذه المقالة، ولكننا نكتفي بمجرّد التذكير بأنه لا يكتمل التعريف بتيار المتحضِّرين في إيران المعاصرة إلا من خلال التعرُّف على جهود علماء من أمثال: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ محمد رضا المظفر، والسيد محمد باقر الصدر. وإنّ من الضروري القيام بتحقيق مستقل في معرفة التعاطي المتقابل والتعامل المتبادل بين حوزة النجف والحوزات الإيرانية في نشر وتعميق الفكر الاجتماعي الإسلامي. كما يمكن البحث عن الضلع الثالث من هذا التيار بين العلماء المتجدِّدين في الشام ولبنان، مثل: السيد محسن الأمين، والسيد عبد الحسين شرف الدين، والشيخ محمد جواد مغنيّة، وآخرين.
الإمام الخميني وريادة المرحلة ــــــ
وكما هو واضح فإنّ الذي أدى إلى الحركة والتقدُّم الجاد في تطوير مشروع التيار المتحضِّر هي القيادة الفكرية والسياسية للإمام الخميني، الذي بدأ الدعوة إلى نظريته بعد ثورته السياسية في خرداد من عام 1342هـ ش، وواصل دعوته هذه في منفاه في النجف. ويمكن العثورعلى ذروتها في سلسلة دروسه حول ولاية الفقيه سنة 1348هـ ش. والملفت هذه المرّة أن يتم طرح ولاية الفقيه، بوصفها (نظرية لإدارة الدولة)، من على منبر التدريس التقليدي للفقه في النجف الأشرف، ويعمد إلى نشرها بوصفها جزءاً من كتاب فقهي. وقد تمّ حالياً جمع أكثر المطالب والوثائق الفكرية للإمام الخميني. فهناك إلى جانب الأعمال والآثار الكاملة في صحيفة النور، وصحيفة الإمام، المجموعات الموضوعية لكلمات الإمام الخميني، التي تمّ نشرها من قبل مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني تحت عنوان «تبيان». وللاطلاع على مناخ تكوين حركته، ومعطياتها الفكرية في هذه المرحلة، يمكن الرجوع إلى كتاب (نهضت إمام خميني)، للسيد حميد الروحاني. وطبعاً يجب مقارنة المعلومات الواردة في هذا الكتاب مع غيرها من الوثائق والمستندات.
ويمكن مشاهدة خصائص تفكير التيار المتحضِّر في آراء ومواقف الإمام الخميني أكثر من أيّ موضع آخر. إنّ دراسة تاريخية في كلماته؛ للتعرُّف على مسار تكوين هذا التيار في فكر عالم شيعي، مسألةٌ مثيرةٌ للاهتمام. فهو لا يرى «أن من أهم أسباب انحطاط المسلمين هو ابتعادهم وغفلتهم عن تعاليم الإسلام الحقيقية، التي خلقت أنصع الحضارات الإسلامية في أكثر مراحل التاريخ ظلمة، وبلغ بأتباعه إلى قمّة الرفعة والاقتدار والسيادة» فحسب([11])، بل يرى أيضاً أنّ الخروج من هذه المعضلات إنما يكون من خلال تطبيق شامل للإسلام، ويعده ضمن إطار منظومة إسلامية شاملة، فيقول: «إنّ تطبيق المقاصد الإسلامية في العالم، وخاصة في المجال الاقتصادي، ومواجهة الاقتصاد الرأسمالي السقيم، والاشتراكي الشرقي، لا يتأتّى إلا بتطبيق الإسلام بشكل كامل»([12]).
إنّ أفكار ومشاريع الإمام الخميني حول الثورة الثقافية، والوحدة بين الحوزة والجامعة، واتحاد الأمّة الإسلامية، ودور الزمان والمكان في الاجتهاد، وولاية الفقيه المطلقة، وأحكام الدولة، وبالتالي تفسير الحكومة، بوصفها فلسفة عملية للفقه، من بين المنعطفات التي أدَّت إلى دفع عجلة التيار الإسلامي المتحضِّر طوال العقود الثلاثة المنصرمة، والتي لابد من أخذها بنظر الاعتبار في التعرُّف على التيارات. وفي هذا السياق يمكن الرجوع إلى المصدر التالي:
1ـ نهضت علمي وفرهنگي أز نگاه إمام خميني (الثورة العلمية والثقافية من وجهة نظر الإمام الخميني)، جماعة من المؤلِّفين، قم، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، 1386هـ ش.
ومن المفيد في هذا الشأن مراجعة سلسلة المقالات المنشورة من قبل المؤتمرات العالمية لإحياء فكر الإمام الخميني. وقد صدر منها حتى الآن في مجال التفكير الاجتماعي: «الإمام الخميني ودور الزمان والمكان في الاجتهاد»، و«الإمام الخميني وإحياء الفكر الديني»، وغيرهما.
ولا شكّ في أنّ تلاميذ الإمام كان لهم التأثير الأكبر في بلورة أفكار هذا التيار، حتى انتصار الثورة الإسلامية في عام 1357هـ ش،. وقد كان هؤلاء في الغالب من تلاميذ السيد محمد حسين الطباطبائي؛ إذ حضروا دروس التفسير والفلسفة تحت منبره. وأما العلامة الطباطبائي فبغضّ النظر عن بعض المواقف فإنّ دوره في التكامل المعرفي لهذا التيار المتحضِّر جديرٌ بالاهتمام والملاحظة، فإنه طوال حياته في قم، وعلى الرغم من معاصرته للكثير من الحوادث السياسية الحسّاسة في تاريخ حوزة قم، لم يسجِّل أي حضور عملي على الساحة السياسية. ويبدو أنه ـ وبغضّ النظر عن توقيعه على إعلان أو إعلانيين بشأن الوقائع الأولى من أحداث الخامس عشر من خرداد عام 1342هـ ش ـ قد ركز اهتمامه على التحقيق، وتعليم الطلاب، وإعدادهم([13]). كما أنه ليس هناك أي توثيق عن نشاطاته ومواقفه السياسية في مستهل انتصار الثورة أبداً. وأما من جهة أخرى فإنه، ضمن تأليفه لتفسير الميزان، كان يخوض في المسائل الاجتماعية، حتى أضحى مصدراً جيداً لتلامذته وأتباع هذا التيار في السنوات التالية. ومضافاً إلى ذلك فقد وفرت كتاباته الاجتماعية، التي كانت في غالبها عبارة عن رسائل مختصرة، وبعض المقالات، مادّة جيدة للمفكِّرين والكتاب من الشباب، من المنتسبين إلى التيار المتحضِّر. ويمكن الرجوع إلى مقالات «الولاية والزعامة في الإسلام»([14])، ضمن كتاب البحوث الإسلامية، انتشارات دار التبليغ الإسلامي، 1396هـ. فهو وإنْ لم يذهب إلى ولاية الفقيه السياسية، ولكنّه كان يؤمن بالحكومة الدينية، التي يقوم على إدارتها الخبراء من المسلمين العدول.
وفي هذا المضمار كان التأثير الفكري الأعمق للشيخ مرتضى مطهري. ولم يقتصر إدراك الشهيد مطهري لحساسية المرحلة، فاهتم برسم الخطوط الفكرية لهذا التيار قبل انتصار الثورة فحسب، بل كان هو السبّاق قبل الآخرين، في مستهلّ الثورة، وبعد انتصارها، وإلى حين استشهاده، في تحديد الفراغ النظري في هذا التيار، والسعي إلى ملء تلك الفراغات. وقد كان من الذين شمَّروا عن سواعدهم في بيان الحدود بين تيار المتحضِّرين والمجدِّدين، وذلك عندما أدرك ما عليه بعض المستنيرين من المتدينين من الفهم الخاطئ لمفاهيم الدين والأسس الإسلامية. وفي نهاية عام 1356هـ ش، وضمن تحذيره من تغلغل الأفكار الأجنبية باسم التفكير الإسلامي، كتب ما يلي: «إن أسلوب مواجهة هذا الخطر لا يتمّ عبر منعه ومقاطعته… إنّ المسؤولية هنا تقع على عاتقنا… إنّ أسلوب المواجهة يتمّ عبر عرض هذه المواضيع بشكل صحيح، وعلى جميع المستويات، وبلغة عصرية. إنّ على الحوزات العلمية، التي بدأت في الفترة الراهنة تخوض غمار النشاطات الاجتماعية بمثل هذا الاندفاع والحماس، أن تعي مسؤوليتها العلمية والفكرية العظيمة..، وعليها أن تدرك أنّ الاقتصار على الفقه والأصول لا يلبّي حاجة الجيل المعاصر»([15]).
ولحسن الحظ فإنّ الأعمال الكاملة والمخطوطات، وكذلك الدراسات الموضوعية في ما يتعلق بآرائه الاجتماعية، موجودة حالياً في متناول المحقِّقين، ممّا يساعد على دراسة وتحليل شخصيته ونشاطاته بشكل أفضل.
إلا أنّ أبرز وأهم اختبار خضع له التيار المتحضِّر تجلّى في انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1357هـ ش، ووقائع العقود الأخيرة. إن أصداء الثورة الإسلامية كانت في بدايتها سياسية في الغالب، الأمر الذي غطّى على بُعدها النظري. وربما تجلت الثورة في بدايتها على الصعيد الدولي. إنّ الإدراك الأول للمراقبين الأجانب عن الثورة الإيرانية كان في غالبه يعتبر هذه الثورة ثورة أصولية (دينية)، وأنها كسائر الحركات الدينية، لا يمكن لها البقاء في العالم الإسلامي. إلا أنّ كتابات أمثال: ميشال فوكو، وحامد الغار، وبرنارد لويس، وبابي سعيد، وإلى حدٍّ ما نيكي كدي، وآن لمبتون، فتحت أمثلة جديدة، وآفاقاً حضارية، للثورة على العالم الغربي إلى حدٍّ ما. وفي هذا البين كان دور ميشال فوكو أسبق وأكثر عمقاً، على الرغم من انتقاداته التالية للنشاط المتطرِّف، الذي نسبه إلى الثوّار الإيرانيين، إلا أن مقالاته الأولى قد تركت تأثيراتها على المحافل العالمية. وللتعرف على المناخ السائد آنذاك يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ إيران: روح يك جهان بي روح (إيران، روح عالم خالٍ من الروح)، لميشال فوكو، طهران، نشر ني، 1380هـ ش.
2ـ إيراني ها چه رويايي در سر دارند؟ (ماذا يدور في مخيلة الإيرانيين؟)، لميشال فوكو، طهران، انتشارات هرمس، 1377هـ ش.
3ـ هراس بنيادين (الفزع الأصولي)، لبابي سعيد، ترجمة: غلام رضا جمشيديها، وموسى عنبري، طهران، انتشارات دانشگاه طهران، 1379هـ ش.
4ـ ريشه هاي انقلاب إيران (جذور الثورة الإيرانية)، لنيكي آر. كدي، ترجمة: عبد الرحيم گواهي، طهران، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، 1375هـ ش.
وفي العقدين الأخيرين تم نشر الكثير من الكتب حول الثورة الإسلامية وأفكارها الأساسية باللغات الأوروبية. وبغية الحصول على تعريف وتوصيف نقدي لهذا النوع من المؤلفات راجع الكتاب التالي:
1ـ شرق شناسي نوين وانقلاب إسلامي (الاستشراق الحديث والثورة الإسلامية)، لمجموعة من المؤلِّفين، قم، انتشارات مؤسسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني، 1384هـ ش.
كما أنّ الكتاب التالي يقدم تحليلاً أساسياً لما عليه واقع الحركات في العالم الإسلامي، من خلال التأثُّر بالتفكير الجديد للثورة الإيرانية:
1ـ جنبش هاي إسلامي در جهان عرب (الحركات الإسلامية في العالم العربي)، لهرايرد كمجيان، ترجمة: حميد أحمدي، طهران، انتشارات مؤسسة كيهان، 1366هـ ش.
ولكن ربما كان أول ردّ فعل رسمي وعلمي للغرب تجاه الثورة الإسلامية هو المتمثِّل بعقد مؤتمر (تل أبيب) العالمي. إنّ هذا المؤتمر، الذي تلاه الكثير من المؤتمرات المماثلة، يُعدّ مصدراً جيداً لبيان التخبّط الذي يعاني منه التفكير الغربي والصهيوني تجاه النهج الفكري للثورة الإسلامية. ويمكن العثور على ترجمة مقالات هذا المؤتمر في الكتاب التالي:
1ـ تشيع، مقاومت، وانقلاب (التشيع، المقاومة، والثورة)، مجموع مقالات مؤتمر جامعة تل أبيب العالمية (1984م)، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1368هـ ش.
ومن جهة أخرى نجد أن المصادر التي بحثت في أسس الثورة الإسلامية في إيران قد تعرضت إلى حدٍّ ما للأسس النظرية للتيار المتحضِّر في عصر الثورة الإسلامية. ومن باب المثال: راجع:
1ـ إيديولوجي، رهبري، وفرايند انقلاب إسلامي (الإيديولوجية، القيادة، ومسار الثورة الإسلامية)، مقالات المؤتمر العالمي للثورة الإسلامية، عروج، 1382هـ ش.
2ـ إيديولوجي انقلاب إيران (إيديولوجية الثورة الإسلامية)، لحميد رضا إخوان مفرد، پژوهشگاه إمام خميني وانقلاب إسلامي، 1381هـ ش.
3ـ فلسفه انقلاب إسلامي (فلسفة الثورة الإسلامية)، لجلال الدين الفارسي، طهران، انتشارات أمير كبير، 1368هـ ش.
4ـ جرعه جاري (الشربة المتواصلة)، مجموعة مقالات، طهران، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، 1377هـ ش.
تيار التحضّر وتحدّيات انتصار الثورة ـــــ
إنّ المسألة التي تستحق الدراسة والتأمل هي مسألة المصادقة على الدستور، وفقاً لمتبنَّيات التيار المتحضِّر. ففي مسودَّة الدستور، التي كتبها عدد من الحقوقيين، لم يكن هناك أدنى إشارة لولاية الفقيه، وإنما كان عبارة عن بيان لما ينبغي أن يكون عليه وضع المؤسَّسات والتشريعات بأسلوب عرفي مطابق للقوانين الفرنسية والبلجيكية. والملفت أنه لم يتمّ استدراك ولاية الفقيه على هذه المسوّدة في الشورى الثورية، بل لم تردْ أية إشارة إلى هذا الموضوع حتّى في النقود التي طرحت من قبل المراجع الثلاثة (الگلبايكاني، وشريعتمداري، والمرعشي النجفي). بل إن الإمام الخميني نفسه، الذي أثار ستة إشكالات على هذه المسوّدة، لم يتطرّق إلى موضوع ولاية الفقيه. ويبدو أنّ مسألة ولاية الفقيه قد ظهرت في مستهلّ تأسيس مجلس الخبراء من قبل بعض الشخصيات أو الجامعات على نحو هامشيّ، ومن ثمّ تم تعزيزها والتأكيد عليها من قبل الإمام والخبراء([16]).
ومهما كان فإن الحماس السياسي الذي ساد الموقف بعد انتصار الثورة، بالإضافة إلى متطلبات المرحلة والظروف الاجتماعية، قد سيطر على النشاط الفكري في هذا الاتجاه، وقلَّل منه. إنّ استشهاد الشيخ مرتضى مطهري، والسيد محمد حسين بهشتي، والشيخ محمد جواد باهنر، والشيخ محمد مفتح، والسيد هاشمي نجاد، وغيرهم، من الذين كان بإمكان كلّ واحد منهم أن يسهم نوعاً ما بشكل جادّ في إثراء وتعميق الفكر الاجتماعي، قد شكَّل ضربة ماحقة للأسس النظرية لهذا التيار. وقد أدى اشتغال سائر المفكِّرين في هذا التيار بإدارة الدولة إلى مضاعفة هذه الأزمة.
ظهور التيارات الفكرية داخل خط الثورة ــــــ
وبعد انتصار الثورة كانت أول المساعي الجادّة لتوفير المستلزمات المعرفية في هذا التيار قد تكوّنت، من خلال تأسيس حركتين على هامش جامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم. وقد تمثَّلت الحركة الأولى بمشروع إصلاح العلوم الإنسانية الإسلامية، التي بدأت بالقيادة الفكرية للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، وأفضت إلى تأسيس (مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة). أما الحركة الثانية فكانت عبر تأسيس (مكتب المجامع التمهيدية لثقافية (أكاديمية) العلوم الإسلامية)، بمحورية السيد منير الدين الحسيني الشيرازي، ودعمها معنوياً من قبل السيد حسين راستي الكاشاني.
إنّ هاتين الحركتين قد عملتا على لفت انتباه الكثير إليهما، من خلال برنامجين مختلفين، ولكن في اتجاه واحدٍ يهدف إلى التأسيس لقواعد علمية للحكومة الإسلامية. وقد سعت الجماعة الأولى إلى إعادة صياغة العلوم الإنسانية الإسلامية من طريق نقد النظرية الغربية في هذه الفروع الدراسية، وتقديم النظرية الإسلامية بديلاً عنها. وأما الجماعة الثانية فقد اعتبرت العلوم الإنسانية الراهنة منبثقة في أساسها عن الفلسفة المادية، وعليه فإنها تسعى إلى تأسيس علوم مختلفة تماماً عن العلوم الغربية. وبسبب عدم تناغم نشاط هاتين الحركتين مع المناخ السائد في جامعة المدرسين فقد ابتعدا بالتدريج عن هذه الجامعة.
ظهور حركة الفقه المتقدّم في مواجهة جماعة المدرّسين ـــــ
وفي تلك السنوات بدأت حركة ثالثة بالظهور تدريجياً في الحوزة العلمية في قم. وقد بدأت منذ البداية بمواجهة جامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم علانية.. وقد عرف أتباع هذه الحركة في بداية أمرها بأنصار (الفقه المتقدِّم). وقد أعلنت هذه الحركة عن وجودها من داخل (مكتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلمية)، من خلال إصدارها مجلة (الحوزة)، ثمّ أخذت تتحوَّل تدريجاً ـ من خلال تأسيس مجموعات دراسية ـ إلى مركز فكري وثقافي يعمل على صيانة أفكار الحكومة الإسلامية. ومن الجدير بالذكر أنّ بداية الحركة الفكرية لمكتب الإعلام قد اقترن بتأسيس (المكتبة السياسية في الحوزة)، على يد السيد مهدي الهاشمي، ومَنْ كان على شاكلته الفكرية. وقد أدى تطرّفهم بكيان الحوزة العلمية إلى الوقوف بوجه المكتب، حتى أخذت جماعة مهدي الهاشمي بالابتعاد عن المكتب تدريجاً، وواصلت نشاطها من خلال الارتباط بمكتب الشيخ حسين علي منتظري، الذي كان يُعتبر آنذاك نائباً للإمام الخميني. ومهما كان فإن مجموع النشاطات العلمية لمكتب الإعلام انسجم فيما بعد في إطار (مركز الدراسات والتحقيقات الإسلامية). ويمكن القول: إنّ هذه الحركة قد حظيت في سنواتها الأولى بدعم محمد رضا الحكيمي، والشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني، على مستوى كبير. وربما أمكن تلخيص الغاية الأساسية لهذه الحركة في ضرورة نقد وإعادة النظر في العلوم الإسلامية المتداولة، وخاصّة علم الفقه؛ للوصول إلى أساليب ناجحة في إدارة الحكومة والمجتمع. وقد كان لهذه المجموعة طوال نشاطها التأثير الأكبر على المناخ التقليدي في الحوزة، وفتح آفاق جديدة للنشاط الفكري بين الفضلاء والشباب.
إنّ هذه الحركات الثلاث، التي تعدّ حالياً من أهمّ الحركات من ناحية تأثيرها على التفكير الاجتماعي للتيار المتحضِّر، قد عملت طوال العقدين المنصرمين ـ بموازاة بعضها ـ على نشر نشاطاتها، وتطوير وتكميل نهجهم الفكري. وأما في ما يتعلق بالحركة الأولى فتجب الإشارة إلى أنّ محمد تقي مصباح اليزدي يعدّ من روّاد التيار المتحضِّر قبل انتصار الثورة. وقد ابتعد بالتدريج عن القيادة المباشرة لمكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة. ومن خلال تأسيس (المركز الثقافي لباقر العلوم×)، ومن ثم (مؤسسة الإمام الخميني التعليمية والتحقيقية)، واصل ذات النهج الفكري الأول في الغالب، من خلال إقامة الدورات التعليمية على مستوى عال في العلوم الإنسانية، وكذلك القيام ببعض التحقيقات في هذا السياق.
وفي ما يتعلق بمؤسسة الإمام الخميني التعليمية والتحقيقية، والمكتب التنسيقي بين الحوزة والجامعة، الذي ارتقى في الوقت الراهن إلى المؤسسة التحقيقية بين الحوزة والجامعة، بإدارة علي رضا أعرافي، فإنّ فهرسة الكتب المنشورة، وعناوين المشاريع المطروحة، وكذلك الرسالات المناقَشة، لخير معينٍ للتعرف على معطياتهم النظرية. كما أنّ مجلات الحوزة والجامعة، والبحوث الاقتصادية، والمعرفة، والمعرفة الفلسفية، وسلسلة الكتب التعليمية (تاريخ إيران المعاصر)، توضِّح أبعاد نشاط هاتين المجموعتين. وكما تقدّم فإنّ أكثر النشاطات العلمية لهذه الحركة قد اقتصرت حتى الآن على نقد وتطوير نظريات العلوم الإنسانية الإسلامية، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت جهود جديدة من أجل بيان الأسس الفلسفية، ومعرفة مناهج العلوم الإنسانية. وإنّ لكل واحدة من هاتين المؤسستين منشورات تخصّها.
إلا أنّ نشاطات المكتب الثقافي للعلوم الإسلامية قد اتجهت من الناحية الكميّة ـ خلافاً للحركة الأولى ـ نحو الأفول، وخرجت بالتدريج عن المباحث الاقتصادية، واتجهت نحو البحوث الفلسفية الأساسية والمنهجية، التي تعدّ في رأي هذه الجماعة الأصل في فصل التفكير الإسلامي عن التفكير الغربي، وذهبت الغاية بالتدريج إلى ما هو أبعد من التأسيس للعلوم الإسلامية الحديثة، وأسلمة جميع فروع العلوم، ابتداءً من العلوم التجريبية، إلى الفلسفة، والمنطق. إنّ هذه الجماعة تعتقد حالياً أنها قد توصَّلت من خلال التأسيس لفلسفة جديدة إلى أساليب تنظيرية في العلوم، وصياغة أمثلة للإدارة، والسيطرة الخارجية. وتُنشَر أكثر أعمال المكتب الثقافي بشكل داخلي. ومن بين الأعمال المنشورة يمكننا أن نشير إلى كتاب «النظام المعقول»، لعلي رضا پيروزمند، كيهان، 1378هـ ش؛ و«العلاقة المنطقية بين الدين والعلوم التطبيقية»، لعلي رضا پيروزمند، أمير كبير، 1376هـ ش. ليس لهذا المكتب صحيفة خاصة، ولا يمتلك دار نشر مستقلة. وقد نشرت بعض أعماله بواسطة (مؤسسة فجر ولايت الثقافية). إنّ المسؤولية الراهنة لهذا المركز الثقافي تقع على عاتق السيد مهدي مير باقري.
وأما في ما يتعلق بالحركة الثالثة فيجب القول: إنّ مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية في قم، إلى جانب مركز الدراسات والتحقيقات الإسلامية، قد عمد إلى تطوير مراكزه التحقيقية في كلٍّ من: قم؛ وخراسان؛ وأصفهان. وقام كذلك بتأسيس (مؤسسة باقر العلوم التعليمية)، والتي ارتقت حالياً إلى (جامعة باقر العلوم)، بإدارة حميد پارسانيا. وقد تمركز في الآونة الأخيرة مجموع مراكز المكتب التحقيقية في قالب مؤسسة تحقيقية جامعة، تحت عنوان (مركز تحقيقات العلوم والثقافة الإسلامية). ويمكن العثور على الأفكار والمسار الفكري لهذه المجموعة من خلال فهرس الأعمال المنشور من قبل هذا المركز التحقيقي. وإن صحف «الحوزة»، و«نقد ونظر»، و«العلوم السياسية»، و«الفقه»، و«تاريخ الإسلام»، و«التحقيقات القرآنية»، و«پيام زن»، و«پگاه حوزة»، تعكس الواقع الفكري لهذه الحركة. ومن بين الصحف المتقدِّمة يجب التنويه إلى مجلة (الحوزة)، ودورها الخاص في عقد الستينات، من خلال طرحها للأفكار الدينية الحديثة، والتمهيد لإجراء الإصلاحات الحوزوية في إطار الحكومة الإسلامية([17]). وقد عمد قائد الثورة مؤخَّراً إلى تعريف مكتب الإعلام الإسلامي بأنه (نموذج التنوير في الحوزة)، مؤكِّداً على دوره المؤثّر في الحوزة العلمية.
وقد ظهرت خلال العقد الأخير بعض الحركات الصغيرة في حوزة قم العلمية إلى جانب الحركات الثلاث المتقدمة. وهي: مؤسسة الإمام الرضا للمعارف الإسلامية، بإدارة محمد عبد اللهيان؛ مؤسسة طه الثقافية، بإدارة علي رضا أميني؛ مكتب المرأة للدراسات والتحقيقات، التابع لإدارة الحوزة العلمية النسوية، وبإدارة محمد رضا زيبائي نجاد؛ مؤسسة بيت العقل، بإدارة مهدي هادوي طهراني.
لم يقتصر التيار الفكري المتحضِّر بعد انتصار الثورة على هذه الحركات المذكورة فقط. فقد كانت دروس المقالات الإيديولوجية في الحزب الجمهوري الإسلامي من قِبَل السيد محمد حسين لبهشتي، والتعليمات الفكرية والفلسفية لمحمد تقي المصباح اليزدي في إطار التعريف بالمنظومات المعرفية، وبعد ذلك خطبه في صلاة الجمعة في طهران حول الفكر السياسي والحقوق في الإسلام، وكذلك الدروس الفقهية للشيخ حسين علي منتظري في حوزة قم العلمية في إطار بيان مساحة الحكومة الإسلامية، وخطب الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني في صلاة الجمعة حول العدالة الاجتماعية في الإسلام، ودروس ومؤلفات الشيخ عبد الله جوادي الآملي في موضوعات مثل: أسس الحكومة الإسلامية، وحقوق الإنسان، وشخصية المرأة، ومؤلَّفات ومقالات محمد رضا الحكيمي حول التفكير الاجتماعي في الإسلام، ومؤلَّفات علي صفائي الحائري في باب الفهم الاجتماعي والتربوي للمفاهيم القرآنية، ومؤلَّفات عباس علي عميد زنجاني في مجال بيان الفقه السياسي والأبعاد الحقوقية للحكومة الإسلامية، قد سعت بأجمعها ـ رغم الاختلاف في أوجه النظر ـ إلى بيان الأطر النظرية لتفكير التيار المتحضِّر في مرحلة تأسيس الجمهورية الإسلامية. وكان من المفترض في تحقيقٍ يبتغي التعريف بالتيارات أن يبيِّن الخطوط الاجتماعية الفكرية في الشخصيات المذكورة، وتصنيفها ضمن طيف واحد.
تُمثِّل الحوزة العلمية في قم في الوقت الراهن المركز الأساس للتيار المتحضِّر، وإنْ كان هناك أيضاً بعض الناشطين والمنظِّرين في هذا المجال في الحوزات الأخرى، وكذلك في الجامعات أيضاً. وقد كانت هناك بعض الجهود من خارج الحوزة في قالب التكتُّلات السياسية، ولكنها لم تحصل على نجاح يذكر في القيام بالدراسات النظرية، رغم ما بذلته من الجهود والإصرار الكبير في هذا السياق. وفي هذا المجال يجب أن نذكر على وجه التحديد (الحزب الجمهوري الإسلامي)، و(منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية). وإنّ المجموعة الأولى، التي تعدّ التجربة الحزبية الأولى للتيار المتحضِّر، بعد (هيئة الائتلاف الإسلامي)، قد اتجهت نحو الزوال بعد تفجير مقر الحزب الجمهوري، واستشهاد السيد بهشتي، الذي كان يمارس دور الزعامة الفكرية لهذا الحزب. وقبل مدة طويلة من الإعلان رسمياً عن توقف نشاط هذا الحزب كان يواجه حالة من الركود والعزلة من الناحية الفكرية. وللتعرف على أنشطة الحزب الجمهوري الإسلامي، برواية مؤسِّسيه، يمكن الرجوع إلى المصدر التالي:
1ـ تشكل فراگير، مروري بر يك دهه فعاليت حزب جمهوري إسلامي (التكتل الشامل، جولة على عقد من نشاط الحزب الجمهوري الإسلامي) (أربعة أجزاء)، لعبد الله جاسبي، مكتب تحقيقات وتدوين تاريخ الثورة الإسلامية، 1382هـ ش فما بعد.
وأما الجماعة الثانية، أي منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، فقد صعد نجمها في أول الأمر من خلال تقديم التحليلات السياسية والنظرية في مناخ مليء بالفراغ الفكري بين التيار المتحضِّر، ولكن بعد ظهور الخلاف الحادّ بين أعضائها الرئيسيين، الذي كان يعود بجذوره إلى معرفتهم الدينية وأفكارهم الاجتماعية. وقد أخفقت هذه التجربة للتيار المتحضِّر أيضاً. وفي الحقيقة فإنّ ظهور هذا الخلاف يعود إلى الوقت الذي بدأ فيه ممثِّل الإمام الخميني في المنظمة، حسين راستي الكاشاني، وهو عضوٌ في جامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم، بطرح أفكاره في ولاية الفقيه، وكيفية إدارة الكيان السياسي الإسلامي. وقد أدَّت هذه البحوث إلى مخالفة جماعة من الأعضاء الأساسيين في هذه المنظمة، وبالتالي اضطرارهم إلى الاعتزال. وفي أواخر عام 1359هـ ش عمد أنصار ممثِّل الإمام، أي الذين يميلون إلى التيار المتحضِّر، إلى إدارة المنظَّمة، ونشر أعمالهم، دون وضع شعار منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية. وبسبب ضعف التنظيم، وانعدام المادة النظرية من جهة، وانتساب أكثر ما تبقى من الأعضاء إلى حرس الثورة وسائر الأجهزة من جهة أخرى، فقد بادر ممثِّل الإمام سنة 1365هـ ش إلى رفع عريضة إلى الإمام يسأله فيها تعطيل هذه المنظّمة. وقد وافق الإمام، فتمّ الإعلان عن تعطيل المنظَّمة رسمياً([18]). ولكنْ ـ كما تقدم ـ فإنّ هذه الجماعة نفسها، التي اعتزلت المنظَّمة، أعادت فتحها في عام 1370هـ ش، وأخذت تقترب ـ بالتدريج ـ من تيار التجديد الإسلامي.
وفي ما يتعلق بالمحيط الخارج عن الإطار الحوزوي تعدّ (جامعة الإمام الصادق) حالياً، بإدارة محمد رضا مهدوي كني، نموذجاً من المراكز الفكرية للتيار المتحضِّر. وأما (مدرسة الشهيد مطهري العليا)، بإدارة محمد إمامي كاشاني، و(الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية)، بإشراف عباس واعظ طبسي، فتأتيان في الدرجة الثانية من الأهمية. وفي السنوات الأخيرة أخذت (مؤسسة الثقافة والفكر الإسلامي)، بإدارة علي أكبر صادقي رشاد، وإلى حدٍّ ما (مؤسسة العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية)، بإدارة مهدي گلشني، تعتبران أيضاً من المؤسَّسات التي تتابع هذا الاتجاه الفكري. وقد نشرت في هذا السياق الكثير من المؤلَّفات. وإنّ مجلات من قبيل: كتاب النقد، وقبسات، والاقتصاد الإسلامي، والفقه والحقوق والذهن، من جملة إصدارات (مؤسسة الثقافة والفكر الإسلامي). كما تعد: الرسالة الصادقة، والعلم السياسي، التابعة لجامعة الإمام الصادق، من الأعمال المهمة في هذا المجال.
وإلى جانب هذه المجموعة يجب التذكير بـ (مؤسسة الإمام الخميني والثورة الإسلامية للأبحاث)، إلى جانب مؤسسة (تنظيم ونشر أفكار الإمام الخميني)، التي أضيفت بالتدريج إلى مراكز الأبحاث الأساسية، وتحوّلت إلى مركز للتنظير بشأن التيار المتحضِّر، مع نزعة مختلفة عن سائر المجموعات المتقدِّمة. ومن الطبيعي أنّ المؤسسة الأخيرة كانت تدعم التيار الأول ـ أي تيار التجديد الإسلامي ـ أيضاً.
وهنا لابدّ لنا من التنويه إلى دور قائد الثورة في توسيع وتعزيز التفكير المتحضِّر، وخاصّة في أواخر عقد السبعينات فما بعد. فقد كان سماحته يعدّ واحداً من المنظِّرين والمفكِّرين في هذا التيار في العقد الرابع والخامس، وأما بعد تصدّيه لمنصب قيادة الجمهورية الإسلامية فقد عمد،ضمن دعمه للأسس العلمية والبحوث الدينية في البلاد، إلى تحويل التفكير في التيار المتحضِّر، من خلال طرح أفكار من قبيل: الغزو الثقافي، وأسلمة الجامعات، وحركة التحرُّر الفكري، وثورة المعلومات، والهندسة الثقافية، والتنمية الإسلامية، وما إلى ذلك، إلى تيار فاعل في الحوزة والجامعة. ومع الرجوع إلى مجموعة الأعمال الكاملة وخطبه يمكن الرجوع أيضاً إلى المصدر التالي:
1ـ نهضت نرم أفزاري أز نگاه مقام معظم رهبري (ثورة البرمجيات من وجهة نظر سماحة قائد الثورة)، لمجموعة من المؤلفين، قم، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، 1386هـ ش.
العلاقة بين التيار المتحضِّر وتيار التجديد الديني بعد الثورة ــــــ
وأما المسألة الختامية في بحثنا عن تيار التجديد والتيار المتحضِّر فهي تدور حول دور الثورة الإسلامية في عملية الفصل بين هذين التيارين. إذا كانت حادثة المشروطة قد حولت اختلاف الرؤى بين المتنوِّرين العلمانيين وبين علماء الدين إلى مواجهة بينهما فإنّ الثورة الإسلامية قد مارست نفس الدور في ترسيخ الاصطفاف بين المتـنوِّرين الدينيين وعلماء الدين، وخاصّة التيار المتحضِّر. وكما تقدم فإنه منذ العقد الرابع ظهرت بوادر أزمة بين هذين التيارين، ولكن هذا الخلاف بقي محصوراً بين الخاصّة والنخب، وكان أكثر أعضاء التيارين منسجمين ومتفقين حتى انتصار الثورة، ولم تكن تلك الخلافات لتشكِّل أمراً مهماً لقادة التيارين. وربما أمكن القول بأن امتناع الإمام الخميني عن اتّخاذ موقف تجاه الدكتور علي شريعتي، وغيره من المتنورين الدينيين، من أهمّ الأسباب التي أبقت الشرخ الإيديولوجي بين التيارين طيّ الكتمان.
إلا أنّ الساحة العملية للحكومة في الجمهورية الإسلامية حالت دون ظهور أية بوادر للمماشاة وضبط النفس، فظهرت ألسنة نار الخلافات السياسية التي كانت كامنةً تحت ركامٍ من الرماد. وقد كان انتخاب المهندس مهدي بازرگان، وظهور الخلاف داخل (شورى الثورة)، نقطة البداية لهذه المواجهة. وقد عمد المهندس مهدي بازرگان، بعد استقالته من منصب رئاسة الوزراء في الحكومة المؤقَّتة، إلى شرح جذور هذا الاختلاف الفكري في مؤلَّفاته بالتفصيل. ومن باب المثال: راجع:
1ـ انقلاب در دو حركت (الثورة في حركتين)، لمهدي بازرگان، بي جا، 1363هـ ش.
2ـ جزوه، تفصيل وتحليل ولايت فقيه، كتيّب (تفصيل وتحليل ولاية الفقيه)، حركة الحرية في إيران، 1367هـ ش.
3ـ خدا وآخرت هدف بعثت أنبياء (الله والآخرة الغاية من بعث الأنبياء)، لمهدي بازرگان، رسا، 1377هـ ش.
ومن جهة أخرى تعرَّض الشيخ هاشمي رفسنجاني إلى هذه المواجهات والخلافات في مذكَّراته، إلا أنه ـ خلافاً للمهندس مهدي بازرگان ـ لم يؤكِّد على الخلافات الفكرية، وحدَّد الخلاف بالمساحات السياسية فقط.
إنّ المصادقة على فقرات من القانون الأساسي والدستور، وخاصّة ما كان منه متعلِّقاً بولاية الفقيه، ودور الدين في الحكومة، وكذلك طرح مسألة القصاص، أثارت اعتراض حركة الحرية (نهضت آزادي)، وسائر المتنوِّرين الدينيين. ومن جهة أخرى فإن أبو الحسن بني صدر، الذي كان حتى ذلك الوقت يتظاهر في كتاباته بأنه بعيدٌ عن تيارات التجديد، وأنه مؤمنٌ بأفكار الحكومة الإسلامية، عمد فور تسلُّمه منصب رئاسة الجمهورية إلى مخالفة التيار الأصولي. وبادرت منظمة مجاهدي خلق إلى اغتنام الفرصة، فقامت بدعم بني صدر، محدثةً فتنة الثلاثين من شهر تير من عام 1361هـ ش. وبذلك عمدت الجماعة الثانية من تيار المتنوِّرين الدينيين إلى فصل نفسها علناً عن التيار المتحضِّر، الذي كان آنذاك ممسكاً بزمام إدارة الجمهورية الإسلامية.
وبعد نشر الدكتور عبد الكريم سروش سلسلة مقالاته في مجلة (كيهان فرهنگي)، من أرديبهشت 1367 وحتى خرداد 1369هـ ش، تحت عنوان (قبض وبسط تيوريك شريعت)، ظهرت مساحة جديدة من المواجهة بين تيار المجدِّدين والتيار المتحضِّر. الأمر الذي جرف جماعة من الشباب، الذين كانوا حتى ذلك الحين يصنِّفون أنفسهم في خانة المدافعين عن ولاية الفقيه، نحو سروش، والذين هم على شاكلته الفكرية، من الذين كانوا يظهرون أنفسهم بوصفهم من أنصار الحكومة الديمقراطية الدينية. وقد شكلت هذه الانتكاسة المرحلة الثالثة من المواجهة بين هذين التيارين. وقد كانت هذه المرحلة من أكثر المراحل خصباً وغزارةً من ناحية الإنتاج الفكري والعطاء العلمي لكلا التيارين، فلم يقتصر الأمر على رفع مستوى الأعمال الفكرية، بل وأعطت المرحلة زخماً ودفعاً قوياً للإعداد الفكري لدى كلا الطرفين.
ويمكن العثور على النقطة الرابعة لاتساع الشرخ في الجدل السياسي المحتدم بين مجموعتين تابعتين للمؤسسة الدينية، وهما: (جامعة روحانيت مبارز)، و(مجمع روحانيون مبارز). إنّ هذا الجدال، الذي بلغ الذروة في الدورة السابعة من انتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية (الثاني من خرداد عام 1376هـ ش)، أدّى إلى ائتلاف المتنوِّرين الدينيين مع مجمع روحانيون مبارز، الذي يتكوَّن أعضاؤه من التيار المتحضِّر، وكذلك حزب كارگزاران سازندگي، المقرب من أكبر هاشمي رفسنجاني، الأمر الذي أدّى إلى امتزاج تيار التنوير الديني بآراء هذه المجموعة من القوى الثورية. وقد أدى هذا الأمر إلى ظهور مقدمات الردّة لدى بعضٍ من عناصر التيار المتحضِّر، والتحاقهم بالمتنوِّرين الدينيين. وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل اعتزال الشيخ حسين علي منتظري عن خلافة القيادة، وكذلك لا يمكن إنكار دوره في الأعوام السابقة على ذلك. وإنّ الحوادث الأخيرة، وخاصة تلك التي تلت المرحلة التاسعة من انتخابات رئاسة الجمهورية، والتي تكشَّفت عن إخفاق سياسة الإصلاحيين، تكشفت عن إعادة النظر الجزئي في الائتلاف السياسي ـ الفكري لتيار الإصلاح. وفي حدود علمنا قلّما أُخضعت التغيُّرات والتطورات الفكرية في هذه المرحلة لدراسة محايدة وغير سياسية.
وعلى هذا النحو بلغت المواجهة بين التيار المتحضِّر وتيار التجديد، الممتدّة لعقودٍ، ذروتها في هذه السنوات. ويبدو أنّ الأسس الفكرية والمعرفية لهذا النزاع قد بقيت مطوية خلف الستار بعد اختلاط الدوافع السياسية.
تنويه بالتيارات الأخرى ــــــ
تحدّثنا حتى الآن عن التيارات التي تدخل بشكل من الأشكال في الاتجاهات الثلاثة المتقدّمة. ولكن هناك ـ في الأقلّ ـ تياران آخران أيضاً. وكان لهما في العقود الأخيرة تأثير على مناخ التفكير الاجتماعي في إيران. فلابد من بيان موقعهما أيضاً في هذا التحقيق، الذي يتوخّى معرفة التيارات.
إنّ إحدى هاتين المجموعتين يتمثل في فئة عُرفت بالتيار التقليدي (transcendentalism). وإنّ مؤسِّس هذه الحركة الفكرية هو عارف ألماني يدعى فريتهوف شوان، الذي قاد بعد إسلامه حركة تدعو للعودة إلى السنن العرفانية العريقة، التي اعتبرها جوهر الأديان الإلهية. إنّ هذا التيار؛ وبسبب المواجهة، ونقد التطور، والدعوة إلى التراث الديني التقليدي، يشبه تيّار المتشرّعة. وغاية ما هناك أنهم ـ بدلاً من الشريعة الدينية ـ يستخدمون مفردة العرفان والمعنوية الدينية ملاذاً للإنسان عندما تضيق بهم السبل في العالم المعاصر. إنّ الشخصية البارزة في هذا التيار تتمثل بـ (حسين نصر)، الذي كان له الكثير من التلاميذ والأتباع، رغم عدم تواجده في إيران بعد انتصار الثورة. ومن جملة الشخصيات في هذا التيار يمكن الإشارة إلى: (مارتن لينغز)، و(رينه غينون)، و(آناندا كومارا سوامي). كما كان لأشخاص مثل: (هنري كوربن)، و(وليام شيتيك)، و(توشيهيكو إيزوتسو)، التأثير الكبير في الترويج لهذا التفكير، على الرغم من أنهم لم يكونوا من التقليديين بالمعنى الخاص. وللتعرف على مواقف التقليديين يمكن الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1ـ خرد جاويد (العقل الخالد)، مجموعة من المقالات في مؤتمر نقد التجديد من وجهة نظر التقليديين المعاصرين، جامعة طهران، 1382هـ ش.
2ـ در غربت غربي (غريب في الغرب)، السيرة الذاتية للسيد حسين نصر، بقلمه.
في كتاب (خرد جاويد) نشرت مقالة تحت عنوان: النزعة التقليدية والأصولية (سنت گرائي وبنياد گرائي)، لكاتبها: شهرام بازوكي. وقد تعرّضت للفوارق بين التيار التقليدي وتيار المتشرعة. ولوجود الفوارق الجوهرية بين هذين التيارين عمدنا إلى عدم إدراج التيار التقليدي ضمن تيار المتشرّعة. وحيث إنّ التيار التقليدي لا يقدّم رؤية واضحة حول كيفية تحسين الحياة الاجتماعية، ويكتفي بمجرّد نقد التطوّر وتبعاته، فقد أخرجناه عن التقسيمات الأصلية في التفكير الاجتماعي الديني.
إنّ بعض مؤلَّفات السيد حسين نصر ذات الصلة بموضوع الفكر الاجتماعي عبارة عن:
1ـ إنسان وطبيعت، بحران معنوي إنسان متجدِّد (الإنسان والطبيعة، الأزمة الروحية للإنسان المتجدّد)، طهران، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، 1379هـ ش.
2ـ إسلام وتنكناهاي إنسان معاصر (الإسلام وأزمة الإنسان المعاصر)، دفتر پژوهش ونشر سهروردي، 1381هـ ش.
3ـ نياز به علم مقدس (الحاجة إلى العلم المقدس)، طه، 1378هـ ش.
وفي هذا السياق كان لترجمة أعمال (رينه غينون) في السنوات المنصرمة تأثير كبير على الساحة الفكرية في إيران، وخيَّم على فضاء نقد التفكير الاجتماعي المعاصر.
ومن بين المؤلِّفين في العقدين الرابع والخامس هناك مَنْ تأثَّر بهذا التيار الفكري، من أمثال: داريوش شايكان، وإحسان نراقي. وقد مال كلاهما بالتدريج نحو معسكر التجديد العلماني. ومع إعلانهما التوبة عن ماضيهما فقد امتنعا عن نقد التطوُّر بشكل جذري. وأما في ما يتعلق بالمؤلِّفين المعاصرين، من الذين ينتهجون هذا النهج الفكري، يمكننا أن نشير إلى: غلام رضا أعواني، وشهرام بازوكي، ومحمود بينائي مطلق، وآخرين.
ومنذ ربيع عام 1354هـ ش تمّ إصدار نشرة تحت عنوان: (جاويدان خرد)، بإشراف السيد حسين نصر، من قبل (أنجمن شاهنشاهي فلسفة إيران)، باللغات الأوروبية والفارسية والعربية. وقد استمرّت حتى عام 1356هـ ش. وقد غيّرت هذه المؤسسة المذكورة، التي كانت تعدّ من أهم مراكز التيار التقليدي في إيران، اسمها بعد انتصار الثورة، وأصبحت تعرف بمركز الحكمة والفلسفة، وهي تعرف حالياً بمؤسسة پژوهشي حكمت وفلسفة، وهي كذلك من المراكز العلمية التي تروّج لهذا النهج الفكري.
والمجموعة الأخرى التي يجب علينا أن نذكرها هنا هم أنصار السيد أحمد فرديد. فقد ألَّف الكثير من الكتب، وأثَّر في جيل واسع من الجامعيين المسلمين طوال العقود الأربعة المنصرمة. وقد كان متأثِّراً بالفلسفة الوجودية لمارتين هايدغر (الفيلسوف الألماني المعاصر)، ومناخ ما بعد الحداثة، فانتقد الثقافة الغربية بشدّة، ودعا إلى قراءة جديدة في العرفان والفلسفة الإسلامية، ورفع شعار العودة إلى الهوية الإسلامية في العقد الرابع والخامس. وللتعرف على النهج الفكري لفرديد يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ آراء وعقايد سيد أحمد فرديد ، مفردات فرديدي (آراء وعقائد السيد أحمد فرديد، مفردات فرديد)، لموسى ديباج، نشر علم، 1383هـ ش.
2ـ ديدار فرحي وفتوحات آخر الزمان (لقاء فرحي وفتوحات آخر الزمان)، بمجهود: محمد مدد پور، نظر، 1381هـ ش.
3ـ نگاهي دوباره به مبادي حكمت أنسي (رؤية جديدة في أسس الحكمة الأنسية)، لعباس معارف، رايزن، 1380هـ ش.
4ـ هويت أنديشان وميراث فكري أحمد فرديد (معرفة الهوية والتراث الفكري لأحمد فرديد)، لمنصور الهاشمي، طهران، انتشارات كوير، 1383هـ ش.
إنّ المؤلفات التي كتبت في الآونة الأخيرة في نقد أفكاره تزيح الستار عن جوانب أخرى من شخصيته وتداعياته الفكرية. ومن أبرز تلك المقالات، مقالة داريوش آشوري، وعنوانها: (أسطوره هاي فلسفة در ميان ما)، في صحيفة إيران، مهر عام 1383هـ ش؛ ومقالة بيجن عبد الكريمي، بعنوان: (ميراث السيد أحمد فرديد)، في صحيفة إيران، فروردين عام 1385هـ ش. وإنّ مجموع هذه المقالات والكتابات، التي لا تخلو في غالبها عن الانحياز غير العلمي، قد تمّ نشرها في مجلة (آيينه أنديشه)، العدد الرابع، من السنة الماضية، من قبل معاونية التحقيق في مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية في قم المقدّسة.
لقد استقطب السيد أحمد فرديد الكثير من الأشخاص في العقد الرابع. بل إنّ أشخاصاً من قبيل: (داريوش آشوري)، و(داريوش شايكان)، اللذين ارتدا عنه في ما بعد، وأكثرا من نقده، كانا يُعتبران آنذاك من أتباعه وأشياعه. ومن بين كتّاب مرحلة ما قبل الثورة يمكن الإشارة بشكل خاصّ إلى شخصية (جلال آل أحمد)، الذي كان متأثِّراً بأفكار فرديد في كلّ من كتابيه: «الاستغراب (غرب زدگي)»؛ و«در خدمت وخيانت روشنفكران». ويقال: إن علي شريعتي قد تأثَّر في بعض كتاباته حول الهوية، من قبيل: العودة إلى الذات، وأليناسيون، وماشينيسم، بأفكار أحمد فرديد، بشكل مباشر أو غير مباشر. ولكنْ لا يوجد أيُّ شاهد على وجود أيّ ارتباط بينهما.
أما أهم المؤلِّفين المعاصرين في هذا المجال حالياً فهم: رضا داوري أردكاني، ومحمد مدد بور، وعباس معارف، وموسى ديباج، ومحمد رضا ريخته گران. ومن بين هؤلاء كان رضا داوري الأكثر تأثيراً على المناخ الفكري بعد انتصار الثورة. وللتعرف على آرائه يمكن الرجوع إلى المصادر التالية، التي تعكس أحدث أفكاره:
1ـ رساله در باب سنت وتجدد (رسالة في التقليد والتجديد)، لرضا داوري أردكاني، طهران، نشر ساقي، 1384هـ ش.
2ـ ما وراه دشوار تجدد (نحن والطريق الصعب إلى التجديد)، لرضا داوري أردكاني، طهران، نشر ساقي، 1384هـ ش.
إن مجموعة الكتابات النقدية بين رضا داوري وعبد الكريم سروش في بدايات العقد السادس ـ وقد تم نشرها في مجلة كيهان فرهنگي (من فروردين عام 1363هـ ش، العدد الأول فما بعد) ـ تبين بوضوح الفوارق بين هذه الجماعة وجماعة تيار التجديد المسلمين.
وبمجهود من شخصيات هذا التيار؛ وبسبب من الفراغ التنظيري الديني بعد انتصار الثورة، أبدى الكثير من جيل الشباب في عصر الثورة رغبتهم في هذا المجال. وإنّ الذي كان يدعو إلى انجذاب الجماعة الثورية إلى أفكار فرديد هو انتقاداته اللاذعة والمتطرفة للثقافة الغربية والتجديدية. وكان السيد مرتضى آويني، وآخرون، من هؤلاء الأشخاص. وقد نشرت هذه الجماعة عام 1373هـ ش صحيفة بعنوان: (مشرق)، ولكنها لم تستمر طويلاً.
إنّ هذه الجماعة؛ حيث كانت تروّج بشكل من الأشكال للعودة إلى الماضي، فهي أقرب إلى تيار المتشرّعة؛ ولدخولها مع التيار المتحضِّر في حوار نقدي مطالب بتجاوز مرحلة الحداثة فهي أشبه من هذه الناحية بالتيار المتحضِّر. ولكن يبدو لنا أنهم حيث لم يتوصَّلوا في النهاية إلى تفكير اجتماعي، ولم يقترحوا نهجاً واضحاً وبناءً لحلّ هذه المسائل، فإنهم يخرجون عن مساحة هذه المقالة، وينبغي التعرّض لهم في معرفة التيارات إلى جانب سائر التيارات الأخرى. ومن الطبيعي أنه في بحثٍ تحقيقي آخر حول معرفة التيارات المتعلقة بالتقليد والتجديد يمكن وضع التيارين المذكورين ـ أي التيار التقليدي؛ وأنصار فرديد ـ في دائرة الموضوع بشكل كامل.
وأما الملاحظة الأخيرة فهي أننا في هذا البحث الإجمالي لم نتعرَّض لذكر المقالات المطبوعة؛ بسبب كثرتها وتنوّعها. ولا شك في أنه من دون مراجعة العديد من المجلات والمقالات القيّمة، التي كتبت في الأعوام الأخيرة، سيكون البحث حول التعريف بالتيارات ناقصاً. ومن هنا فإننا نقترح، بالإضافة إلى المصادر المتقدّمة، أن يتمّ الرجوع إلى المجلات التالية، التي تعرضت في الغالب إلى هذه المسألة من الناحية التاريخية:
1ـ ياد، بنياد تاريخي انقلاب إسلامي.
2ـ تاريخ معاصر إيران (تاريخ إيران المعاصر)، مؤسسة مطالعات تاريخ إيران معاصر.
3ـ مطالعات تاريخي (الدراسات الإيرانية)، مؤسسة مطالعات وپژوهشهاي سياسي.
4ـ نامه تاريخ پژوهان (رسالة المؤرخين).
5ـ زمانه (العصر)، مؤسسة فرهنگي دانش وأنديشه معاصر.
كما أن سلسة الكتابين التاليين تحتوي مطالب نافعة، وخاصة في موضوع بحثنا هذا:
1ـ آموزش (التعليم)، مؤسسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني.
2ـ تاريخ معاصر إيران (تاريخ إيران المعاصر)، مؤسسة پژوهشي ومطالعات فرهنگي.
الهوامش:
(*) مسؤول مركز الحضارة للتنمية الفكرية في بيروت، باحث مهتمّ بقضايا المرأة والفكر الاجتماعي السياسي.
([1]) أحمد صابري الهمداني، الهداية إلى مَنْ له الولاية، تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلبايكاني، قم، 1383هـ .
([2]) مذكرات آية الله صابري همداني: 145، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي.
([3]) من باب المثال انظر: سيرة آية الله العظمى الگلبايكاني مدعومة بالوثائق، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي.
([4]) سنعثر على نماذج من هذه الأدبيات في البحوث.
([5]) وللتعرف على رؤية صاحب الجواهر في مجال قيادة العلماء الاجتماعية راجع: جواهر الكلام، 15: 421، و16: 177، و21: 390، و22: 155، و40: 8.
([6]) الخراساني، حاشية كتاب المكاسب؛ النائيني، تقريرات المكاسب والبيع. قارنوا هذه المؤلفات بكتاب تنبيه الأمة وتنزيه الملة، بقلم النائيني، وتقريظ الخراساني.
([7]) انظر: البدر الزاهر، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، 1362هـ ش.
([8]) قد تتبّع هذا الكتاب جذوراً لهذا النهج الفكري في القرنين السابع والثامن: رسول جعفريان، أنديشه تفاهم مذهبي. وطبعاً كان لمجمع التقريب بين المذاهب في السنوات الأخيرة جهود واسعة للعثور على جذور هذه النـزعة بين علماء الشيعة.
([9]) وللتعرف على شخصية الأخير راجع: ستاره إي أز شرق، سيد تقي درجه إي، اطلاعات، 1383هـ ش.
([10]) انظر: التعريف بفكرة، بنياد نشر آثار وأنديشه هاي دكتر بهشتي، 1380هـ ش.
([13]) يعرف هذان الموردان بـ (إعلان الشخصيات التسع)، و(الإبراق للسفارة التركية). ولمزيد من الاطلاع على إعلان الشخصيات التسع، الذين تمكن الإمام من إقناعهم على التوقيع بمشقّة بالغة، وكذلك رسالة فضلاء الحوزة العلمية في قم إلى السفارة التركية، راجع الكتاب التالي: حميد روحاني، نهضت إمام خميني، القسم الأول.
([14]) صرح العلامة الطباطبائي في هذه المقالة بأنه لا يبحث موضوع الولاية من زاوية فقهية، وإنما يبحثها من زاوية (الفلسفة الاجتماعية في الإسلام). ولم يذهب إلى القول بولاية الفقيه، لا في هذه المقالة ولا في سائر مؤلفاته الأخرى. ويرى أنّ الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة تقع على عاتق عدول المؤمنين (انظر: مرزبان وحي وخرد: 244، بوستان كتاب).
([15]) الحركات الإسلامية في القرن الأخير: 90.
([16]) انظر: الثورة والانتصار، مذكرات هاشمي رفسنجاني: 354.
([17]) في صحيفة الحوزة لم يكن يدرج اسم أيّ واحد من الكتاب، إلاّ أنّ هذه الصحيفة كانت تصدر في ضوء أفكار وتوجيه محمد رضا حكيمي مؤلّف كتاب: «هويت صنفي روحانيت»، وبجهود أشخاص من قبيل: محمد علي مهدوي راد، وعبد الرضا إيزد پناه، وعباس صالحي، وآخرين.
([18]) انظر: توجيهات ممثل الإمام في منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، من منشورات المنظمة.