الشيخ محمد عباس دهيني([*])
يلاحِظ المتأمِّل في بعض الآيات القرآنيّة أنّ في هذه الآيات مصطلحاتٌ وتعابيرُ قد تفيد معانيَ تتعارض مع ما تسالم عليه المسلمون من العقائد أو التشريعات.
ومن هذه الآيات قوله تعالى، في سورة يونس%: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ﴾(يونس: 94).
ويتمحور الكلام في هذه الآية في المراد من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾، حيث قد يُتوهَّم معارضة هذه الفقرة لما تسالم عليه المسلمون من السنّة والشيعة ـ باستثناء أهل الحديث من العامّة، وسيأتي بيان ذلك ـ من أنّ النبيّ– لا يشكّ في ما ينزل عليه من عند ربّه من الوحي؛ إذ لا يخلو هذا الشكّ من حالَيْن:
1ـ أن يكون شكّاً في واقعيّة المخبَر به، مع علمه– بأنّه قد نزل من عند الله.
وهذا باطلٌ؛ إذ هو يخالِف العصمة، وإذهاب الرجس عنه–، كما نصّت آية التطهير. وفي الكافي والبصائر مسنَداً عن أبي بصير، عن أبي عبد الله%، قال: الرجس هو الشكّ، ولا نشكّ في ديننا أبداً([1]). وقال العلاّمة الطباطبائيّ: «وليست الطهارة إلاّ زوال الرجس من القلب، وليس القلب من الإنسان إلا ما يُدرِك به ويريد به، فطهارةُ القلب طهارةُ نفس الإنسان في اعتقادها وإرادتها، وزوالُ الرجس عن هاتين الجهتين، ويرجع إلى ثبات القلب في ما اعتقده من المعارف الحقّة، من غير ميلان إلى الشكّ، ونوسان بين الحق والباطل، [والنبيُّ– من المطهَّرين، فلا مجال لحصول الشكّ في نفسه الشريفة]»([2]).
بل هو يوجب الكفر، بإجماع المسلمين؛ لاستلزامه ـ والعياذ بالله ـ رمي الله بالكذب.
2ـ أن يكون شكّاً في واقعيّة المخبَر به؛ لاحتمال أن يكون هذا الذي وقع في نفسه– من تسويلات إبليس، ونتيجةَ تخيُّلاتٍ باطلةٍ في نفسه، لتبدو له بصورة وحي.
وهذا باطلٌ أيضاً؛ فـ «النبيُّ أكرم على الله من أن يدَعَ للشيطان أن يستحوذ على مشاعر نبيّه الكريم: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾(الطور: 48)»([3]).
ورُوي عن الإمام الصادق%: «أبى الله أن يُعرَف باطلٌ حقّاً، أبى الله أن يجعل الحقّ في قلب المؤمن باطلاً لا شكّ فيه، وأبى الله أن يجعل الباطل في قلب الكافر المخالِف حقّاً لا شكّ فيه، ولو لم يُجعَل هذا هكذا ما عُرِف حقٌّ من باطلٍ»([4]).
وقال أبو عبيد الهرويّ، في بحثه حول معنى كلمة «شكك»: «وفي الحديث: «أنا أولى بالشكّ من إبراهيم». تأويله: إنّه لمّا نزل عليه ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ قال قومٌ سمعوا الآية: شكّ إبراهيم، ولم يشكّ نبيّنا، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، تواضعاً منه، وتقديماً لإبراهيم على نفسه: «أنا أحقّ بالشكّ من إبراهيم»، والمعنى: أنا لم أشكّ، وأنا دونه، فكيف يشكّ هو»([5]).
وقال القاضي عيّاض: «لا يصحّ أن يتصوّر له الشيطان في صورة الملك، ويلبس عليه، لا في أول الرسالة، ولا بعدها؛ والاعتماد في ذلك دليل المعجزة، بل لا يشكّ النبيّ أنّ ما يأتيه من الله الملك ورسوله حقيقةً؛ إمّا بعلمٍ ضروريٍّ يخلقه الله له؛ أو ببرهانٍ يظهره لديه، لتتمّ كلمة ربّك صدقاً وعدلاً لا مبدِّل لكلماته»([6]).
وقال الألوسي: «…إنّ الشكّ لا يتصـوّر منه عليـه الصلاة والسلام لانكشاف الغطاء له»([7]).
وقال الزرقاني: «…أمّا هو ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فإنّه يسمع ويعي ما يوحى إليه، ويعلم علماً ضروريّاً أنّ هذا هو وحي الله، من دون لبسٍ ولا خفاءٍ، ومن غير شكٍّ ولا ارتيابٍ»([8]).
وقال الطبرسيّ: «إنّ الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلاّ بالبراهين النيِّرة، والآيات البيِّنة، الدالّة على أنّ ما يوحى إليه إنّما هو من الله تعالى، فلا يحتاج إلى شيءٍ سواها»([9]).
وقال السبحاني: «وأمّا الوحي الذي يختصّ به الأنبياء فإنّه إدراكٌ خاصٌّ، متميِّزٌ عن سائر الإدراكات؛ فإنّه ليس نتاج الحسّ، ولا العقل، ولا الغريزة، وإنّما هو شعورٌ خاصٌّ لا نعرف حقيقته، يوجده الله سبحانه في الأنبياء، وهو شعورٌ يغاير الشعور الفكريّ المشترك بين أفراد الإنسان عامّةً، لا يغلط معه النبيّ في إدراكه، ولا يشتبه، ولا يختلجه شكٌّ، ولا يعترضه ريبٌ في أنّ الذي يوحي إليه هو الله سبحانه، من غير أن يحتاج إلى إعمال نظرٍ، أو التماس دليلٍ، أو إقامة حجّةٍ، ولو افتقر إلى شيءٍ من ذلك لكان اكتساباً عن طريق القوّة النظريّة، لا تلقّياً من الغيب من غير توسيط القوّة الفكريّة»([10]).
وقال معرفت: «النبيّ$ لا يخطئ في ما يوحى إليه، ولا يلتبس عليه الأمر قطّ. النبيّ كان عندما يوحى إليه يُكشَف عن عينه الغطاء، فيرى حقيقة الحقّ النازل عليه بشعورٍ واعٍ، وبصيرةٍ نافذةٍ، كمن يرى الشمس في وضح النهار، لا يحتمل خطأً في إبصاره، ولا التباساً في ما يعيه»([11]).
وقال أيضاً: «وأمّا احتمال تلبيس إبليس، ليتدخّل في ما يوحى إلى النبيّ$، ويجعل من تسويلاته الشيطانيّة في صورة وحيٍ، ويلبسه على النبيّ$ ليزعمه وحياً من الله، فهو أمرٌ مستحيلٌ؛ لأنّ الشيطان لا يستطيع الاستحواذ على عقليّة رسل الله وعباده المكرَمين: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (الإسراء: 65). نعم، ذهب أصحاب الحديث من العامّة إلى إمكان استحواذ الشيطان على عقليّة الرسول$، كما جاءت روايتُهم لقصّة الغرانيق»([12]).
فهل الآية معارِضةٌ للمسلَّمات حقيقةً؟ وما معنى الشكّ في الآية؟
هذا ما سنعرفه من خلال هذا البحث الذي يتركّز كلامنا فيه في نقطتين:
1ـ معنى الشكّ في اللغة.
2ـ آراء وأقوال كبار المفسِّرين من السنّة والشيعة في تفسير الآية الكريمة.
لمّا كان القرآن الكريم قد نزل بلغة العرب: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ كان لا بدّ في فهم معاني ألفاظه من الرجوع إلى أصول معانيها في تلك اللغة.
ونحن، في هذه الآية ـ مورد البحث، ملزمون بالرجوع إلى كتب اللغة العربيّة؛ لمعرفة معنى «شكّ» فيها، لنرى بعد ذلك: هل في ظاهر هذه الآية ما يخالف المسلَّمات العقائديّة لدى المسلمين أم لا؟
قال الخليل: «الشكُّ نقيضُ اليقين»([13]).
وقال ابن فارس: «الشين والكاف أصلٌ واحدٌ، مشتقٌّ بعضه من بعضٍ، وهو يدلّ على التداخل. ومن هذا الباب الشكّ الذي هو خلاف اليقين. وإنّما سمّي بذلك لأنّ الشاكّ كأنّه شُكّ له الأمران في مَشَكٍّ واحدٍ، وهو لا يتيقّن واحداً منهما، فمن ذلك اشتقاق الشكّ، تقول: شككتُ بين ورقتين، إذا أنت غرزتَ العود فيهما، فجمعتهما»([14]).
وقال الراغب: «الشكّ اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، والشكّ ضربٌ من الجهل، وهو أخصّ منه؛ لأنّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأساً. فكلُّ شكٍّ جهلٌ، وليس كلُّ جهلٍ شكّاً. قال [تعالى]: ﴿فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾، ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾، ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾. واشتقاقُه إمّا من شككتُ الشيء، أي خرقتُه، فكأنّ الشكَّ الخرقُ في الشيء، وكونُه بحيث لا يجد الرأي مستقرّاً يثبت فيه، ويعتمد عليه؛ ويصحّ أن يكون مستعاراً من الشكّ، وهو لصوق العضد بالجنب، وذلك أن يتلاصق النقيضان فلا مدخل للفهم والرأي؛ لتخلُّل ما بينهما»([15]).
وقال ابن منظور: «الشكُّ نقيضُ اليقين، وجمعه شكوك. وشكّه بالرمح، والسهم، ونحوهما، يشكّه شكّاً: انتظمه»([16]).
وقال الفيّوميّ: «الشكّ الارتياب. قال أئمّة اللغة: الشكُّ خلافُ اليقين، فقولهم: خلاف اليقين هو التردُّد بين شيئين، سواء استوى طرفاه أم رجح أحدهما على الآخر»([17]).
والمتحصَّلُ ممّا تقدّم أنّ الشكّ بمعنى الارتياب، أو خلاف اليقين، وهو التردُّد بين شيئين، سواء استوى طرفاه أم لا.
وخالف الراغبُ الإصفهانيُّ، فاشترط أن يكون الطرفان النقيضان متساويين، واعتبر الشكّ جهلاً مطلقاً. وذكر لذلك شواهد، منها الآيةُ ـ موردُ البحث. فكأنّه يرى أنّ الشكّ في الآية هو بمعنى الجهل، ولعلّه يرى أنّ معنى الآية: فإنْ كنتَ في جهلٍ ببعض التفاصيل، من القصص التي أخبرناك بها، فاسأل الذين يقرؤون الكتاب.
وهذا المعنى صحيحٌ، على القول بأنّ الله لم يُطلِع نبيّه على كامل تفاصيل القصص التي أنزلها عليه، وأنّ الذي ذُكر في القرآن هو الأحداث الهامّة منها فقط.
ولكنّنا نجد في بعض الروايات أنّ النبيّ– كان يُسأل عن بعض التفاصيل الدقيقة جدّاً ـ كأسماء بعض الشخصيّات ـ فكان يجيب بالحقّ، الذي يعرفه أهل الكتاب، ويكون ذلك مدعاةً لإسلامهم([18]).
وعلى أيّة حال سيأتيك، في معرض ذكر التفاسير المختلفة لهذه الآية، أنّ النبيّ– قال: «لا أشكّ ولا أسأل». ولو فسّرنا الشكّ بالجهل فيكون المعنى: لا أجهل ولا أسأل، وبهذا يكون المعنى المحتَمَلُ كونُه مراداً للراغب باطلاً، فلا يعوَّل عليه.
وتحصَّل أيضاً أنّ الشكَّ مشتقٌّ من التداخل، فكأنّ الشاكّ قد تداخل عنده الحقّ والباطل فلا يعرف أحدهما من الآخر؛ أو من الخرق، فكأنّ الشاكّ لا يمتلك أرضيّةً ثابتةً سليمةً يتّكئ عليها في معرفة الحقيقة، ولا يجد الرأيُ عنده مستقَرّاً يثبت فيه، ويعتمد عليه؛ أو من لصوق العضد بالجنب، فكأنّ النقيضان يتلاصقان، فلا مجال لتمييز أحدهما من الآخر.
هذا وقد ذكر جملةٌ من المفسِّرين أنّ لـ «الشكّ» في أصل اللغة معاني أخرى، ومنها: الضمّ([19])، وضيق الصدر([20]).
ولكنّهما يعودان إلى معنىً واحدٍ؛ فإنّ الشيء إذا ضُمَّت أطرافه إلى بعضها ضاق، فكذلك الهموم والأحزان تملأ الصدر فيضيق.
ويكون معنى الآية حينئذٍ: «إنْ ضقت ذَرْعاً بما تلقى من أذى قومك فاْسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك كيفَ صبر الأنبياء على أذى قومهم، واصبر كذلك»([21]).
أو «إنْ ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر، واْسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك يخبروك بصبر الأنبياء من قبلك على أذى قومهم، وكيف كان عاقبة أمرهم»([22]).
ولكنّ الألوسيّ لم يرتضِ هذا التفسير، واعتبره خلاف الظاهر، بل وصفه بالبعيد جدّاً([23]).
وقد لاحظنا عدم ذكر هذه المعاني في كتب اللغة. ولعلّ الذاكرين لها قد اعتمدوا على ما ذكره علماء اللغة من معاني الشكّ، ومنها: التداخل، والانتظام، يُقال: شككتُ الورقتين إذا جمعتُهما إلى بعضهما ونظمتُهما بإبرةٍ ونحوها، وهذا يعني الضمّ، ويعني بالتالي تضييق مساحة حركتهما، فلا ينفصلان عن بعضهما إلاّ بمؤونةٍ.
وخلاصةُ الكلام: إنّ الشكُّ ـ لغةً ـ يعني الارتياب، وخلاف اليقين، وهو نوعٌ من الجهل.
وقد استُعمل في عدّة موارد من القرآن الكريم في هذه المعاني أيضاً. ومن تلك الموارد الآيةُ ـ محلُّ البحث. فهل ارتاب النبيّ أو جهل؟! وإذا لم يرتَبْ ولم يجهَلْ ـ كما هو الصحيح ـ فما هو معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾؟!
2ـ آراء وأقوال كبار المفسِّرين من السنّة والشيعة في تفسير الآية الكريمة
قد عرفتَ في ما تقدَّم أنّ لا سبيل للشكّ إلى قلب النبيّ–، ولا جهل لديه، حتّى بأدقّ التفاصيل المتعلِّقة بالأحداث التي وقعت في الأمم السابقة، سواء أكانت قصص الطواغيت، وتجبّرهم وطغيانهم، أم قصص الأنبياء، وصبرهم وتحمّلهم لأذى قومهم.
وهنا نتساءل: إذاً ما هو المرادُ من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ…﴾؟
ولمعرفة ذلك كان لزاماً علينا الرجوع إلى كتب التفسير، عند الخاصّة والعامّة، فماذا وجدنا فيها؟
2ـ1ـ مع علماء الشيعة في تفسير الآية
قال الطوسيّ)(460هـ): «هذا خطابٌ من الله تعالى لنبيّه محمّدٍ–، والشكُّ هو توقُّف النفس في ما يخطر بالبال عن اعتقاده على ما هو به، وعلى ما ليس به.
وقيل: إنّ هذا، وإنْ كان خطاباً للنبيّ–، فإنّ المراد به الذين كانوا شاكّين في نبوّته.
وقال قومٌ: إنّ معناه: فإنْ كنت أيّها السامع في شكٍّ ممّا أنزلنا على نبيّنا إليك، ومثلُه قولُ القائل لعبده: إنْ كنتَ مملوكي فانتبه إلى أمري.
وحكى الزجّاج وجهاً ثالثاً، وهو أن يكون معنى «إنْ» معنى «ما»، والتقدير: ما كنتَ في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاْسأل الذين…، أي لسنا نريد أمرك [بالسؤال] لأنّك شاكٌّ، لكن لتزداد بصيرةً، كما قال لإبراهيم: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾(البقرة: 260).
ووجهٌ آخر، وهو أنّه إنّما أمره أن يسألهم إنْ كان شاكّاً، ولم يكن شاكّاً فلا يجب عليه مسألتهم، وهذا معنى ما رُوي عنه– أنّه قال: «ما شككتُ، ولا أنا شاكٌّ».
ويقوّي أنّ الخطاب متوجِّهٌ إلى النبيّ والمراد به غيره قولُه بعد هذا: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ﴾([24]).
أوّلها: قال الزجّاج: إنّ هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها، وخوضهم فيها، وفي السورة ما يدلّ على بيانها، فإنّ الله سبحانه يخاطب النبيّ$، وذلك الخطابُ شاملٌ للخلق. فالمعنى: فإنْ كنتم في شكٍّ فاسألوا. والدليلُ عليه قولُه في آخر السورة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي…﴾، فأعلم الله سبحانه أنّ نبيَّه% ليس في شكٍّ. ومثلُ هذا قولُه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ﴾، فقال: طلّقتم، والخطابُ للنبيّ$ وحده. وهذا مذهب الحسن، وابن عبّاس، وأكثر أهل التأويل.
وثانيها: إنّ الخطاب لرسول الله$، وإنْ لم يشكّ، وعلم الله سبحانه أنّه غيرُ شاكٍّ، ولكنّ الكلام خرج مخرج التقرير والإفهام، كما يقول القائلُ لولده: إنْ كنتَ ابني فبُرَّني، يريد بذلك المبالغة. وربما خرّجوا في المبالغة ما يستحيل، كقولهم: بكت السماء لموت فلانٍ، أي: لو كان تبكي سماءٌ على ميتٍ لبكت عليه. وكذلك هاهنا يكون المعنى: لو كنتَ ممّنْ يشكُّ، فشككتَ، فاْسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك. [وهذا منقولٌ] عن الفرّاء، وغيره.
وثالثها: إنّ المعنى: فإنْ كنتَ أيّها المخاطَب، أو أيّها السامع، في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك على لسان نبيّنا محمّد$، فيكون الخطابُ لغيره.
ورابعها: ما ذكره الزجاج من أنّه يجوز أن يكون في معنى «ما»، فيكون المعنى: ما كنتَ في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك، فاْسأل الذين يقرؤون الكتاب، أي: لسنا نريد بأمرك أن تسأل لأنّك شاكٌّ، ولكنْ لتزداد إيماناً، كما قال إبراهيم%، حين قال له: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾: ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾، فالزيادة في التعريف ليست ممّا يبطل صحّة العقيدة»([25]).
وقال محمد بن مرتضى الكاشاني)(القرن11هـ): «لمّا أسري به إلى السّماء، وأوحى اللّه إليه في عليّ% ما أوحى، وردّ إلى البيت المعمور، وجمع له النبيّين وصلّوا خلفه، عرض في نفسه من عظم ما أوحي إليه في عليّ%، فنزلت»([26]).
وقال محمد بن حبيب الله السبزواري(القرن14هـ): «وقيل: إنّ المراد بالشكّ الضيق والشدّة، أي: فإن كنت تضيق ممّا تعانيه من عناد قومك وأذاهم فاسأل الذين يقرؤون الكتب، ويعرفون صبر الأنبياء من قبلك على أذى أقوامهم»([27]).
وقال الطباطبائيّ)(1402هـ): «الشكُّ: الريب. والمعنى: فإنْ كنتَ أيُّها النبيّ في ريبٍ وشكٍّ ممّا أنزلنا إليك، من المعارف الراجعة إلى المبدأ والمعاد، وما قصصنا عليك إجمالاً من قصص الأنبياء، الحاكية لسنّة الله الجارية في خلقه، من الدعوة أوّلاً، ثمّ القضاء بالحقّ، فاْسأل أهل الكتاب، الذين لا يزالون يقرؤون جنس الكتاب، منزَّلاً من السماء، من قبلك.
وهذا لا يستلزم وجود ريبٍ في قلب النبيّ$، ولا تحقّق شكٍّ منه، فإنّ هذا النوع من الخطاب كما يصحّ أن يخاطَب [به] مَنْ يجوز عليه الريب والشكّ كذلك يصحّ أن يخاطَب به مَنْ هو على يقينٍ من القول، وبيّنةٍ من الأمر، على نحو التكنية عن كون المعنى الذي أخبر به المخبِر ممّا تعاضدت عليه الحجج، وتجمّعت عليه الآيات، فإنْ فُرض من المخاطَب أو السامِع شكٌّ في واحدةٍ منها كان له أن يأخذ بالأخرى. وهذه طريقةٌ شائعةٌ في عرف التخاطب والتفاهم، يأخذ بها العقلاء فيما بينهم، جرياً على ما تدعوهم إليه قرائحهم، فترى الواحد منهم يقيم الحجّة على أمرٍ من الأمور، ثمّ يقول: فإنْ شككتَ في ذلك، أو سلّمنا أنّها لا توجب المطلوب، فهناك حجّةٌ أخرى على ذلك، وهى أنّ كذا كذا، وذلك كناية عن أنّ الحججَ متوفّرةٌ متعاضِدةٌ.
وأظنُّكَ إنْ أمعنتَ في تدبُّر الآية، وسائر الآيات التي تناسبها، ممّا يخاطِب النبيّ$ بحقّيّة ما نزل إليه من ربه، ويتحدّى البشر بعجزهم عن الإتيان بمثله، وما يصف النبيّ$ أنّه على بصيرةٍ من أمره، وأنّه على بيّنةٍ من ربّه، أقنعكَ ذلك في ما قدّمناه من المعنى، وأغناك عن التمحُّلات التي ارتكبوها في تفسير الآية، ممّا لا جدوى في نقلها، والبحث عنها»([28]).
وقال محمّد حسين فضل الله)(1431هـ): «وهذا أسلوب قرآنيّ يخاطب فيه الله نبيّه، لا ليوجّه الخطاب إليه بالذات، بل ليوجّهه إلى الأمّة التي يمكن أن يضلّلها الآخرون من اليهود وغيرهم، ليثيروا في داخلها الشك والريبة حول صدق هذا القرآن، ومدى ارتباطه بالوحي، وانسجامه مع الكتب التي أنزلها اللَّه على رسله، ليقودها ـ من خلال هذا الخطاب ـ إلى مواجهة هذا الشكّ بالحجّة القاطعة في التأكيد على ارتباط مفاهيمه وأحكامه بما جاء في الكتاب الذي سبقه، وهو كتاب موسى، الذي أنزله اللَّه إماماً ورحمة. أمّا كيف يثبت ذلك فهو بالسؤال للذين يقرؤون الكتاب ليتّحداهم بإظهار ما يخفونه منه ليدخل في مقارنة معه.
﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ﴾ وذلك بما ربما يثيره هؤلاء من التهاويل، من حيث طبيعة الوحي، وغير ذلك، ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، وتحدّاهم أن يظهروه ويقرؤوه للناس ويفسِّروه لهم، فستجد أنهم لا يجرؤون على ذلك، بل يتراجعون أمام هذا التحدي؛ لأنهم يعرفون كيف تظهر الحقيقة من خلال ذلك، وكيف تؤكّد للنبيّ صدقه، كما تؤكِّد للآخرين ذلك»([29]).
وقال ناصر مكارم الشيرازيّ>: «لمّا كانت الآيات السابقة قد ذكرت جوانب من ماضي الأنبياء والأُمم السابقة، وكان من الممكن أن يشكّك بعض المشركين ومنكري دعوة النبيّ$ في صحّة ذلك، فقد طلب القرآن من هؤلاء أن يراجعوا أهل الكتاب؛ للتأكّد والعلم بصحّة هذه الأقوال، وليسألوهم عن ذلك؛ لأنّ كثيراً من هذه المسائل قد ورد في كتب هؤلاء، إلاّ أنّه بدل أن يوجّه الخطاب لهؤلاء خاطب النبيّ$.
ويُحتمل أيضاً أنّ الآية تطرح بحثاً جديداً ومستقلاًّ في صدق دعوة النبيّ–، وتعلّم المخالفين أنّهم إن كانوا في شكٍّ من أحقّيّته فليسألوا أهل الكتاب عن علاماته التي نزلت في الكتب السابقة، كالتوراة والإنجيل.
ونُقِل في بعض التفاسير([30]) سببٌ آخرُ للنزول، وهو يؤيِّد هذا المعنى، وهو أنّ جمعاً من كفّار قريش كانوا يقولون: إنّ هذا القرآن لم ينزِل من الله، بل إنّ الشيطان يُلقيه على محمّد. وقد سبَّب هذا الكلام أن يقع عدّة أشخاصٍ في وادي الشكّ والتردُّد، فأجابهم بهذه الآية.
ويُمكن أن يتراءى للنظر في البداية أنّ هذه الآيات تحكي عن أنّ النبيّ$ كان شاكّاً في صدق الآيات التي كانت تنزل عليه، وأنّ الله سبحانه قد أزال شكّه عن الطريق أعلاه، ولكنّ واقع الأمر أنّ النبيّ$ كان يتلقّى مسألة الوحي مع الشهود والمشاهدة ـ كما تحكي آيات القرآن هذا المعنى ـ، ومعه لا يبقى أيّ معنىً للشكّ في هذا المورد.
إضافةً إلى أنّ هذا الأُسلوب، من خطاب القريب من أجل تنبيه البعيد، رائجٌ في العرف. وهذا هو المراد من المَثَل المعروف: إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة. وتأثيرُ مثل هذا الكلام أكبرُ من الخطاب الصريح في كثير من الموارد.
إضافةً إلى أنّ ذكرَ الجملة الشرطيّة لا يدلّ دائماً على احتمال وجود الشرط، بل هو للتأكيد على مسألةٍ ما أحياناً، أو لبيان قانونٍ كلّيٍّ عامٍّ. فنقرأ مثلاً في الآية (23) من سورة الإسراء: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾. وينبغي الانتباه إلى أنّ المخاطب في الآية هو النبيّ ظاهراً، إلاّ أنّه لمّا كان النبيّ$ [قد] فقد أباه قبل ولادته، وأُمّه في طفولته، فإنّ من الواضح أنّ احترام الوالدين طُرح هنا كقانونٍ عامٍّ، بالرغم من أنّ المخاطَب ظاهراً هو النبيّ$.
ويُلاحَظ نظير هذا الموضوع في الآيات المرتبطة بالمسيح عندما يسأله الله يوم القيامة: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فإنّه يُنكر هذه المسألة بصراحةٍ، ويضيف: ﴿إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ (المائدة: 116).
ومن جملة القرائن التي تؤيّد أنّ المقصود الأساس في الآية هم المشركون والكافرون الآياتُ التي تتلو هذه الآية، والتي تتحدّث عن كفر وجحود هؤلاء: ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾؛ فإنّ هذه الآية قرينةٌ واضحةٌ على أنّ المقصودَ من الآية السابقة عمومُ الناس، بالرغم من أنّ الخطابَ موجَّهٌ إلى شخص النبيّ$؛ لأنّ من البديهيّ أنّ النبيّ$ لم يكن يكذّب الآيات الإلهيّة مطلقاً، بل كان المدافِعَ المستميتَ الصَّلْبَ عن دينه»([31]).
وقال محمّد تقي المدرّسي>: «لم يشكّ الرسول في صحّة رسالة الله التي أنزلت إليه، ولكن خشية الرسول كانت من عدم تطبيق الرسالة؛ بسبب جحود الكفّار، وبسبب حكمة الله البالغة التي قد تقتضي تأجيل نصر الله لرسالته، كما كانت خشية موسى% حين ألقى السحرة حبالهم فسحرت أعين الناس، كانت خشيته آنئذٍ من أن تشاء حكمة الله أن لا ينصر رسالته في تلك اللحظة؛ فتنةً للناس، وابتلاءً للرسول.
بيد أنّ هذا الشك وهذا الخوف يقلّ حينما نراجع التاريخ، ونسأل الذين يقرؤونه، حيث ينصر ربنا سبحانه رسالته في لحظة الحرج وساعة العسرة»([32]).
وقال بعض أساتذتنا ـ ولو على نحو الاحتمال ـ: إنّ الشكّ هنا بمعنى التعجُّب، لا بمعنى الترديد. ويكون المعنى: لو كنتَ متعجِّباً ممّا أنزلنا إليك في بني إسرائيل، من تفضيل الله إيّاهم، وكفرانهم، وتمرّدهم، وعصيانهم، فاسأل…..
الروايات الشيعية المفسِّرة للآية
في تفسير العيّاشيّ: إنّ موسى بن محمّد بن الرضا% أخبر أنّ يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل فيها: وأخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، مَنْ المخاطَب بالآية؟ فإنْ كان المخاطَب فيها النبيّ– أليس قد شكّ في ما أنزل الله؟ وإنْ كان المخاطَب به غيره فعلى غيره إذاً أُنزل الكتاب؟ قال موسى: فسألتُ أخي عن ذلك، قال: فأمّا قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ فإنّ المخاطَب بذلك رسول الله–، ولم يكُ في شكٍّ ممّا أنزل الله، ولكنْ قالت الجهلة: كيف لم يبعث إلينا نبيّاً من الملائكة؟ إنّه لم يفرِّق بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق، فأوحى الله إلى نبيّه: ﴿فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ بمحضر الجهلة: هل بعث الله رسولاً قبلك إلاّ وهو يأكل الطعام ويشرب ويمشي في الأسواق، ولك بهم أسوةٌ، وإنّما قال: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾، ولم يكن، ولكن ليتبعهم، كما قال له%: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾، ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيئون للمباهلة، وقد عرف أنّ نبيّكم مؤدٍّ عنه رسالته، وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النبيّ عليه وآله السلام أنّه صادقٌ في ما يقول، ولكنْ أحبّ أن يُنصف من نفسه([33]).
وفي تفسير العياشي أيضاً: «عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله%، في قول الله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾؟ قال: لما أسري بالنبي– ففرغ من مناجاة ربّه ردّ إلى البيت المعمور، وهو بيت في السماء الرابعة بحذاء الكعبة، فجمع الله النبيين والرسل والملائكة، وأمر جبرئيل فأذّن وأقام، فتقدَّم فصلّى بهم، فلما فرغ التفت إليه فقال: ﴿فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ إلى قوله: ﴿مِنْ المُمْتَرِينَ﴾»([34]).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ: «حدثني أبي، عن عمرو (عمران) بن سعيد الراشدي، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله%، قال: لما أسري برسول الله– إلى السماء فأوحى الله إليه في عليّ صلوات الله عليه ما أوحى، ما يشاء من شرفه وعظمه عند الله، ورد إلى البيت المعمور، وجمع له النبيين، فصلوا خلفه، عرض في نفس رسول الله– من عظم ما أوحى إليه في عليّ%، فأنزل الله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، يعني الأنبياء، فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك..، فقال الصادق%: فوالله، ما شكّ، وما سأل»([35]).
وفي علل الشرائع: عن أحدهما‘ في قول اللهq لنبيّه–: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، قال: قال رسول الله–: «لا أشكّ ولا أسأل»([36]).
وفي التبيان: رُوي عنه– أنّه قال: ما شككتُ، ولا أنا شاكٌّ.
وقال سعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وأبو عبد الله%: لم يسأل النبيّ–([37]).
وفي مجمع البيان: رُوي عن الحسن، وقتادة، وسعيد بن جُبَيْر، أنّهم قالوا: إنّ النبيّ$ لم يشكّ، ولم يسأل. وهو المرويُّ أيضاً عن أبي عبد الله%([38]).
وجاء في الخرائج والجرائح: «ومنها [أي من روايات الخاصّة]: أن أبا جعفر% قال: إن رسول الله– لما أسري به نزل جبرئيل% بالبراق، وهو أصغر من البغل، وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عيناه في حوافره، خطاه مدّ بصره، له جناحان يحفزانه من خلفه، عليه سرج [من] ياقوت، فيه من كلّ لون، أهدب العرف الأيمن، فوقفه على باب خديجة، ودخل على رسول الله–، فمرح البراق، فخرج إليه جبرئيل% فقال: اسكن، فإنما يركبك [خير البشر] أحبّ خلق الله إليه، فسكن. ثم خرج رسول الله– فركب ليلاً، وتوجَّه نحو بيت المقدس، فاستقبل شيخاً، فقال جبرئيل%: هذا أبوك إبراهيم، فثنى رجله وهمَّ بالنزول، فقال جبرئيل%: كما أنت، فجمع مَنْ شاء الله من أنبيائه ببيت المقدس، فأذَّن جبرئيل، فتقدَّم رسول الله– فصلّى بهم. ثم قال أبو جعفر% في قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾: هؤلاء الأنبياء الذين جمعوا..، قال: فلم يشكّ رسول الله–، ولم يسأل»([39]).
ونُقل عن ابن شهرآشوب قوله: «سئل الباقر% عن قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾؟ فقال: «قال رسول الله–: لما أسري بي إلى السماء الرابعة أذَّن جبرئيل وأقام، وجمع النبيين والصديقين والشهداء والملائكة، ثم تقدّمت وصلّيت بهم، فلما انصرفت قال لي جبرئيل: قل لهم: بمَ تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن عليّاً أمير المؤمنين»([40]).
2ـ 2ـ مع علماء السنّة في تفسير الآية
«قال ابن عطاء: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ﴾ ممّا فضَّلناك به وشرَّفناك ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، وهم الأعداء، كيف وجدوا وصفك في كتبهم، وكيف رأوا فيها نشر فضائلك. ويدل عليه قوله– حين أنزلت عليه هذه الآية: «لا أشكّ، ولا أسأل»»([41]).
قال ابن قُتيبة(276هـ): «وأمّا قوله سبحانه: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ…﴾، ففيه تأويلان:
أحدهما: أن تكون المخاطَبة لرسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، والمرادُ غيرُه من الشكّاك؛ لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلّها، وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثِّلهم: إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة.
والتأويل الآخر: أنّ الناس كانوا في عهد النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) أصنافاً؛ منهم كافرٌ به، مكذِّبٌ، لا يرى إلاّ أنّ ما جاء الباطل؛ وآخر مؤمِنٌ به، مصدِّقٌ، يعلم أنّ ما جاء به الحقّ؛ وشاكٌّ في الأمر، لا يدري كيف هو، فهو يقدّم رجلاً ويؤخِّر أخرى، فخاطب الله سبحانه هذا الصنف من الناس، فقال: فإنْ كنت أيّها الإنسان في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمّد(صلّى الله عليه وسلّم) فسَلْ الأكابر من أهل الكتاب والعلماء الذين يقرؤون الكتاب من قبلك…»([42]).
وقال الطبريّ(310هـ): «يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد(صلّى الله عليه وسلّم): فإنْ كنتَ يا محمّد في شكٍّ من حقيقة ما أخبرناك وأنزل إليك من أنّ بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوّتك قبل أن تبعث رسولاً إلى خلقه؛ لأنّهم يجدونك عندهم مكتوباً، ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوفٌ في كتابهم، في التوراة والإنجيل.
فإنْ قال قائلٌ: أَوَكان رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) في شكٍّ من خبر الله أنّه حقٌّ يقينٌ، حتّى قيل له: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ…﴾؟
قيل: لا، وكذلك قال جماعةٌ من أهل العلم.
فإنْ قال: فوجهُ مخرج هذا الكلام إذاً إنْ كان الأمر على ما وصفت؟
قيل: قد بيّنا في غير موضعٍ من كتابنا هذا استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه: إنْ كنتَ مملوكي فاْنتهِ إلى أمري، والعبدُ المأمورُ بذلك لا يشكّ سيّدُه القائلُ له ذلك أنّه عبده. وإنّ ذلك من كلامهم صحيحٌ مستفيضٌ فيهم. وذكرنا ذلك بشواهد. وإنّ منه قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، وقد علم جلّ ثناؤه أنّ عيسى لم يقُلْ ذلك.
وهذا من ذلك. لم يكن(صلّى الله عليه وسلّم) شاكّاً في حقيقة خبر الله وصحّته، والله تعالى بذلك من أمره كان عالماً، ولكنّه جلّ ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضاً؛ إذ كان القرآن بلسانهم نزل.
ولو قال قائلٌ: إنّ هذه الآية خوطب بها النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) والمراد بها بعضُ من لم يكن صحّت بصيرته بنبوته(صلّى الله عليه وسلّم)، ممّن كان قد أظهر الإيمان بلسانه، تنبيهاً له على موضع تعرف حقيقة أمره الذي يزيل اللبس عن قلبه، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾، كان قولاً غير مدفوعةٍ صحّتُه»([43]).
وقال أبو عبيد الهَرَويّ(401هـ): «الخطابُ للنبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، والمرادُ غيرُه، ممّن شكّ في تنزيل القرآن، والعربُ تفعل ذلك، تخاطب الرجل، وتريد بمخاطبتها غيره، ممّن يسمع أو يبلغ»([44]).
وقال الزمخشريّ(538هـ): «فإنْ قلتَ: كيف قال لرسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ…﴾، مع قوله في الكفرة: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾؟
قلتُ: فرقٌ عظيمٌ بين قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾، بإثبات الشكّ لهم على سبيل التأكيد والتحقيق، وبين قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾، بمعنى الفرض والتمثيل، كأنّه قيل: فإنْ وقع لك شكٌّ مثلاً، وخيَّل لك الشيطان خيالاً منه تقديراً، فاسأل الذين يقرؤون الكتاب.
وقيل: خوطب رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) والمرادُ خطاب أمّته، ومعناه: فإنْ كنتم في شكٍّ ممّا أنزلنا إليكم، كقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ (النساء: 174).
وقيل: الخطاب للسامع ممّن يجوز عليه الشكّ، كقول العرب: إذا عَزّ أخوك فهُنْ. وقيل: «إنْ» للنفي، أي: فما كنتَ في شكٍّ، فاسأل، يعني لا نأمرك بالسؤال لأنّك شاكٌّ، ولكـن لتزداد يقيناً، كما ازداد إبراهيم% بمعاينة إحياء الموتى»([45]).
وقال الفخر الرازيّ(606هـ): «المسألة الثانية: اختلف المفسرون في أنّ المخاطَب بهذا الخطاب مَنْ هو؟ فقيل: النبيّ عليه الصلاة والسلام؛ وقيل: غيره.
أمّا مَنْ قال بالأوّل فاختلفوا على وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ الخطاب مع النبيّ عليه الصلاة والسلام في الظاهر، والمرادُ غيرُه.
ويدلّ على صحّته أمور:
الأوّل: قوله تعالى في آخر السورة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾ (يونس: 104). فالمذكورُ في أوّل الآية على سبيل الرمز هو المذكورُ في هذه الآية على سبيل التصريح.
الثاني: لو شكّ النبيّ في نبوّته لكان شكّ غيره في نبوّته أولى، ومعه تسقط الشريعة بالكلّيّة.
الثالث: بعد أن تقرّر أنّ ما في أيدي أهل الكتاب من التوراة والإنجيل مصحّفٌ محرّفٌ فلا يزول شكّ النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) بسؤالهم، حتّى لو كان سؤاله لخصوص المؤمنين منهم.
فثبت أنّ الحقّ هو أنّ الخطاب وإنْ كان في الظاهر مع الرسول(صلّى الله عليه وسلّم)، إلاّ أنّ المراد هو الأمّة.
الوجه الثاني: قد علم الله أنّ الرسول لم يشكّ في ذلك، ولكنّ المراد أن يصرّح النبيّ متى سمع هذا الكلام، ويقول: «يا ربِّ لا أشكّ، ولا أطلب الحجّة من قول أهل الكتاب، بل يكفيني ما أنزلته عليّ من الدلائل الظاهرة».
الوجه الثالث: إنّ محمّداً عليه الصلاة والسلام كان من البشر، ويجوز حصول الخواطر المشوّشة والأفكار المضطربة في قلبه، وهي لا تندفع إلاّ بإيراد الدلائل. ووجودُ ما أخبر الله تعالى به عند أهل الكتاب دليلٌ على صحّته. وعليه فالآية تدلّ على أنّه لو حصل هذا الشكّ لكان الواجب فيه هو فعل كذا وكذا، ولا دلالة فيها على وقوع هذا الشكّ أو عدمه.
الوجه الرابع: إنّ المراد من هذا الكلام استمالة قلوب الكفّار، وتقريبهم من قبول الإيمان. وذلك بتقرير أنّ طلب الدليل بعد الدليل ممّا لا عيب فيه، ولا يحصل بسببه نقصان، وإذا لم يكن ذلك قبيحاً منه(صلّى الله عليه وسلّم) فهو غير قبيح من الكفّار من باب أولى.
الوجه الخامس: إنّ تقديره: أنّك لستَ شاكّاً، ولو كنتَ شاكّاً لكان لك طرقٌ كثيرةٌ في إزالة ذلك الشكّ.
الوجه السادس: قال الزجّاج: إنّ الله خاطب الرسول في قوله: ﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾، وهو شاملٌ للخلق.
الوجه السابع: إنّ لفظ «إنْ» في قوله: ﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾ للنفي، أي: ما كنت في شكٍّ قبل، يعني لا نأمرك بالسؤال لأنّك شاكٌّ، لكن لتزداد يقيناً، كما حصل مع إبراهيم%.
وأمّا من قال بالثاني، وهو أن يُقال بأنّ هذا الخطاب لغير الرسول، فقرّبوه بأنّ الناس في زمانه(صلّى الله عليه وسلّم) كانوا فرقاً ثلاثةً: المصدّقون به؛ والمكذّبون له؛ والمتوقّفون في أمره، الشاكّون فيه، فخاطب الله الفرقة الثالثة منهم، فقال: إنْ كنت أيّها الإنسان في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمّد فاسأل أهل الكتاب؛ ليدلّوك على صحّة نبوّته [وهذا الخطاب يشمل كلّ من يدخل في هذه الفرقة الثالثة، ولو بعد نزول الآية]»([46]).
وقال القرطبيّ(671هـ): «الخطاب للنبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، والمرادُ غيرُه، أي لستَ في شكٍّ، ولكنّ غيرَك شكَّ.
وقال القتيبيّ: هذا خطابٌ لمن كان لا يقطع بتكذيب محمّدٍ، ولا بتصديقه(صلّى الله عليه وسلّم)، بل كان في شكٍّ.
وقيل: المراد بالخطاب النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، لا غيره. والمعنى: لو كنتَ يلحقك الشكّ في ما أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشكّ. وقال الحسين بن الفضل: الفاء مع حروف الشرط لا توجب الفعل، ولا تثبته. والدليلُ عليه ما رُوي عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) أنّه قال لمّا نزلت هذه الآية: والله لا أشكّ»([47]).
وقال القرطبيّ في موضعٍ آخر: «و«إنْ» بمعنى «ما» في القرآن في مواضع خمسةٍ:… الثاني: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾…»([48]).
وقال ابن كثير(774هـ): «هذا شرطٌ، والشرطُ لا يقتضي وقوعه. ولهذا جاء عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) أنّه قال: لا أشكّ، ولا أسأل»([49]).
وقال الشوكانيّ(1250هـ): «والخطاب للنبيّ$، والمراد غيره، كما ورد في القرآن في غير موضع.
قال أبو عمر محمّد بن عبد الواحد الزاهد: سمعتُ الإمامين ثعلباً والمبرّد يقولان: معنى ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾ أي قُلْ يا محمّد للكافر: فإنْ كنتَ في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك. فأمر الله سبحانه نبيّه أنْ يرشد الشاكّين في ما أنزله الله إليه من القرآن أن يسألوا أهل الكتاب الذين قد أسلموا.
وقيل: معنى الآية الفرض والتقدير، كأنّه قال له: فإنْ وقع لك شكٌّ مثلاً، وخيّل لك الشيطان خيالاً منه تقديراً، فاسأل الذين يقرؤون الكتاب، ثمّ عقّبه بالنهي للنبيّ$ عن الامتراء في ما أنزل الله عليه، بل يستمرّ على ما هو عليه من اليقين، وانتفاء الشك. ويمكن أن يكون هذا النهي له تعريضاً لغيره، كما في مواطن من الكتاب العزيز. وهكذا القول في نهيه$ عن التكذيب بآيات الله، فإنّ الظاهر فيه التعريض، ولا سيّما بعد تعقيبه لقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾، وفي هذا التعريض من الزجر للممترين والمكذِّبين ما هو أبلغ وأوقع من النهي لهم أنفسهم؛ لأنّـه إذا كان بحيث يُنهى عنه مَنْ لا يُتصوَّر صدوره عنه، فكيف بمَنْ يمكن منه ذلك»([50]).
وقال الألوسي(1270هـ): «﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ أي في شكٍّ يسيرٍ. والخطابُ؛ قيل: له(صلّى الله عليه وسلّم)، والمرادُ: إنْ كنتَ في ذلك على سبيل الفرض والتقدير؛ لأنّ الشكّ لا يتصوّر منه عليه الصلاة والسلام؛ لانكشاف الغطاء له، ولذا عبّر بـ «إنْ»، التي تستعمل غالباً في ما لا تحقّق له، حتّى تستعمل في المستحيل عقلاً وعادةً، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ﴾ (الزخرف: 81)، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ﴾ (الأنعام: 35). وصـدق الشرطيّة لا يتوقّـف على وقوعها، كما هو ظاهرٌ.
…ومحصَّل ذلك أنّ الفائدة دفع الشكّ إنْ طرأ لأحدٍ غيره(صلّى الله عليه وسلّم) بالبرهان…، وليس الغرض إمكان وقوع الشكّ له(صلّى الله عليه وسلّم) أصلاً؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حين جاءته الآية، على ما أخرج عبد الرزّاق وابن جرير عن قتادة: لا أشكّ، ولا أسأل.
وزعم الزجّاج أنّ «إنْ» نافيةٌ، وقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلْ﴾ جوابُ شرطٍ مقدَّرٍ، أي ما كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك، فإنْ أردت أن تزداد يقيناً فاسأل.
وهو خلاف الظاهر، وفي ما ذُكر غنىً عنه.
وقيل: الخطاب له(صلّى الله عليه وسلّم)، والمرادُ به أمّتُه، أو لكلّ مَنْ يسمع، أي إنْ كنتَ أيّها السامع في شكٍّ ممّا أنزلنا على لسان نبيّنا إليك فاسأل، فـ ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ على هذا نظير قوله سبحانه: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾»([51]).
وقال محمّد رشيد رضا(1354هـ): «﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ أي فإنْ كنتَ أيّها الرسول في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك، في هذه الشواهد، من قصّة موسى ونوحٍ وغيرهما، على سبيل الفرض والتقدير، الذي ذُكر على عادة العرب في تقدير الشكّ في الشيء ليبني عليه ما ينفي احتمال وقوعه أو ثبوته، أمراً أو نهياً أو خبراً، كقول أحدهم لابنه: إنْ كنت ابني فكن شجاعاً، أو فلا تكن بخيلاً، أو فإنّك ستكون أو ستفعل كذا. بل يفرضون سؤال الديار والأطلال أيضاً. ومنه قول المسيح في جواب سؤال الله تعالى إيّاه: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، قال: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ (المائدة: 116). وهذه الجملةُ الشرطيّة محلُّ الشاهد، فهو يعلم أنّه لم يقُلْ ذلك ولكنّه يفرضه ليستدلّ عليه بأنّه لو قاله لعلمه الله منه. ويجب في مثل هذا أنْ يكون فعل الشرط بـ «إنْ»، التي وضعت للدلالة على عدم وقوعه أو تنزيله منزلة ما لا يقع، دون «إذا» الدالّة على أنّ الأصل في فعل شرطها الوقوع.
…﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾: هذه الشهادة المؤكَّدة بالقسم من ربّه تجتثّ احتمال إرادة الشكّ والسؤال بالفعل من أصله. ويزيدها تأكيداً قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾، أي من فريق الشاكّين، الذين يحتاجون إلى السؤال. وهذا النهيُ والذي بعده يدلاّن على أنّ فرضَ وقوع الشكّ والسؤال في ما قبلهما عنه تعريضٌ بالشاكّين والممترين والمكذّبين له– من قومه»([52]).
روايات العامّة المفسِّرة للآية
في تفسير الطبري: عن سعيد بن جبير، وعن الحسن، في قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾، فقال: لم يشكّ النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، ولم يسأل([53]).
وفيه أيضاً: وعن قتادة: قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، ذُكر لنا أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) قال: لا أشكّ، ولا أسأل([54]).
وفي الدرّ المنثور، وفتح القدير: أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والضياء في «المختارة»، عن ابن عباس3: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، قال: لم يشكّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، ولم يسأل([55]).
وفي الدرّ المنثور أيضاً: وأخرج أبو داوود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن سمّاك الحنفيّ، قال: قلتُ لابن عباس3: إنّي أجد في نفسي ما لا أستطيع أن أتكلَّم به، فقال: شكٌّ؟ قلتُ: نعم، قال: ما نجا من هذا أحدٌ، حتّى نزلت على النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم): ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ…الآية﴾، فإذا أحسستَ أو وجدتَ من ذلك شيئاً فقُل: هو الأوّل والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ([56]).
وفيه أيضاً: وأخرج ابن الأنباريّ في المصاحف عن الحسن,، قال: خمسةُ أحرفٍ في القرآن:
1ـ ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾، معناه: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال.
2ـ ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾، معناه: ما كنّا فاعلين.
3ـ ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ﴾، معناه: ما كان للرحمن ولدٌ.
4ـ ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾، معناه: في الذي ما مكّناكم فيه.
5ـ ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾، معناه: فما كنتَ في شكٍّ ([57]).
لقد تعدّدت الآراء والأقوال في معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ…﴾، حتّى يمكننا ـ بعد التأمّل العميق والمتابعة الدقيقة ـ أن نحصي اثني عشر قولاً، وهي:
1ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، والمرادُ به أمّتُه.
وذهب إليه كلٌّ من الطوسيّ، وفضل الله، والهرويّ، والفخر الرازيّ، والقرطبيّ، والشوكانيّ.
2ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، وهو شاملٌ للخلق.
وذهب إليه الطبرسيّ، ونسبه الفخر الرازيّ إلى الزجّاج.
3ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، على سبيل الإفهام والتقرير، والفرض والتقدير، كما في خطاب الوالد لولده: إنْ كنت ابني فبُرَّني.
4ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، والمرادُ غيرُه من الشاكّين.
وذهب إليه ناصر مكارم الشيرازيّ. وذكره الطبريّ، واعتبره قولاً غيرَ مدفوعةٍ صحّتُه.
5ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، على فرض حصول الشكّ له، وهو لا يحصل له.
وذهب إليه الطباطبائيّ، والزمخشريّ، وابن كثير، والألوسيّ، ومحمّد رشيد رضا. واعتبره الأخير تعريضاً بالمشكّكين.
6ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، على فرض حصول الشكّ له، وهو جائزٌ في حقّه. ويكون الهدفُ من هذا الخطاب تعيينَ الواجب في حال الشكّ، وهو مراجعةُ أهل الكتاب.
وقد نقله الفخر الرازي ضمن الوجوه التي ذكرها للقول بأنّ الخطاب هو للنبيّ–.
7ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، والهدفُ منه أن يصرِّح– بالاكتفاء بما أنزل الله إليه، وقد فعل، كما جاء في الروايات.
وقد نقله الفخر الرازي ضمن الوجوه التي ذكرها للقول بأنّ الخطاب هو للنبيّ–.
8ـ إنّ الخطاب للنبيّ–؛ لاستمالة قلوب الكفّار، عبر إفهامهم بأنّ من حقّهم أن يطلبوا الدليل بعد الدليل.
وقد نقله الفخر الرازي ضمن الوجوه التي ذكرها للقول بأنّ الخطاب هو للنبيّ–.
ولعلّ ما ذكرناه من الرواية الطويلة، الواردة في تفسير العيّاشيّ، التي تذكر أنّ هذا كان متابعةً لهم لئلاّ ينصرفوا، يؤيّد هذا القول.
9ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، والمرادُ به السامع.
وقد ذكره الألوسيّ، ونسبه إلى «قيل».
10ـ إنّ الخطاب للنبيّ–، و«إنْ» بمعنى «ما النافية».
وقد نقلوه عن الزجّاج.
11ـ إنّ الخطاب للسامِع، ممَّنْ يجوز عليه الشكّ.
وقد ذكره الطوسيّ، والطبرسيّ، والزمخشريّ.
12ـ إنّ الخطاب للشاكّ فقط.
ذكره ابن قتيبة، والرازيّ، والقتيبيّ ـ على ما نقل عنه في تفسير القرطبيّ (الجامع لأحكام القرآن)، وفتح القدير.
13ـ إنّ الخطاب له– إذا حصل له شكّ في ما فضّله الله وشرّفه به، فليسأل عن صفاته في كتب أعدائه من اليهود والنصارى، ولكنّه– لم يشكّ ولم يسأل.
وقد نقله محمّد بن الحسين السلمي عن ابن عطاء.
14ـ إنّ الخطاب له–، وقد شكّ فعلاً. إلاّ أنّ الشكّ هنا بمعنى الخشية من عدم تطبيق الرسالة. وعليه في مثل هذه الحالة أن يسأل من قرأ التاريخ واستخلص منه العبر ليزيلوا عنه كلّ خوف؛ إذ إنّ من السنن الإلهيّة أنّه تعالى ينصر رسله في ساعة العسرة.
وهو ما ذهب إليه محمّد تقي المدرّسي.
15ـ إنّ الخطاب له–، وقد شكّ فعلاً. إلاّ أنّ الشكّ هنا بمعنى ما يعتريه من الضيق والشدّة جرّاء عناد قومه وأذاهم له، ويكون سؤال من قرأ التاريخ مسلّياً له–؛ حيث إنّ جميع الانبياء قبله قد صبروا على أذى قومهم.
وهو ما ذهب إليه محمّد بن حبيب الله السبزواريّ.
16ـ إنّ الخطاب له–، وقد شكّ فعلاً ـ ليلة المعراج ـ في ما أوحي إليه في أمير المؤمنين عليّ% وفضائله العظيمة ومكانته السامية، فأُمر بسؤال الأنبياء الذين التقاهم في رحلته السماويّة، ليؤكِّدوا له أنّ هذه الفضائل ثابتةٌ لعليّ%، وقد عرفها جميع الأنبياء السابقين.
وهو ما ذهب إليه محمد بن مرتضى الكاشاني. وورد أيضاً في بعض الروايات.
17ـ إنّ الخطاب له–، وقد شكّ فعلاً. إلاّ أنّ الشكّ هنا بمعنى التعجُّب، لا بمعنى الترديد. ويكون المعنى: لو كنتَ متعجِّباً ممّا أنزلنا إليك في بني إسرائيل، من تفضيل الله إيّاهم، وكفرانهم، وتمرّدهم، وعصيانهم، فاسأل…..
وهذا ما ذكره بعض أساتذتنا.
وهذا الكلام وجيهٌ؛ لإبعاد الآية عن التصادم مع المسلَّمات العقائديّة.
ولكنْ: ما هو الدليل على أنّ الشكّ يُستعمل بمعنى التعجُّب؟
هذا ما ينبغي إثباتُه؛ فإنْ ثبت فنِعْمَ القول؛ وإنْ لم يثبت لجأنا إلى غيره. وفي غيره الكفاية.
وهكذا يتّضح أنّ الأقوال 1…15، و7…13 تنفي وقوع الشكّ منه–.
وهذا ما تؤيّده الروايات من طرق الفريقين، سوى ما جاء في الدرّ المنثور عن سمّاك الحنفيّ.
وأمّا الأقوال 6، و14…17 فإنّها تجيز عليه الشكّ؛ بمعناه اللغويّ تارةً؛ وبمعنى آخر أخرى.
ويؤيَّد ذلك بما جاء في الدرّ المنثور عن سمّاك الحنفيّ، فإنّه يُثبت وقوع الشكّ له–.
وما يُطمأنّ له، بل يُقطع به، بعد الاطّلاع على الروايات المتضافِرة، التي تنزّهه– عن الشكّ والريب، أنّه لم يشكّ ولم يسأل. وما الخطابُ له– إلاّ واسطةٌ لخطاب المسلمين، فإنّ الله ـ في بعض الأحيان، ولحكمةٍ يراها ـ لا يخاطِب المسلمين مباشرةً، بل يجعل ذلك عن طريق النبيّ، سواءً عبر أمره– بأن يقول لهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ…﴾، أو عبر توجيه الخطاب له– في الظاهر، وهو في الحقيقة يريد خطابهم، وذلك من أبلغ الخطاب، وأشدّه وقعاً في النفوس.
([*]) باحث وأستاذ في الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة. حائز على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللبنانيّة، وماجستير في علوم القرآن والحديث من كليّة أصول الدين ـ قم. مدير تحرير مجلّتَيْ: «نصوص معاصرة» و«الاجتهاد والتجديد».
ومثله في «النهاية في غريب الحديث والأثر»، لابن الأثير 2: 495.
([6]) عيّاض اليحصبيّ، المعروف بـ «القاضي عيّاض»: الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2: 120.
([7]) محمود الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 11: 251.
([10]) جعفر السبحاني، الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل 3: 128 ـ 129.
([17]) أحمد بن محمّد الفيّوميّ، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ 1: 320.
وذكر مثله الطريحيّ في مجمع البحرين 2: 536.
([18]) يراجع في ذلك ما جاء من الروايات حول القصص القرآنيّة المختلفة، ومنها قصّة يوسف%، وقصّة أهل الكهف، وغيرهما.
([19]) الطريحيّ: مجمع البحرين 2: 537، حيث يقول: وكلّ شيءٍ ضممتَه فقد شككتَه.
محمّد بن عليّ الشوكانيّ، فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير 2: 473، حيث يقول: الشكّ في أصل اللغة ضمّ الشيء بعضه إلى بعضٍ، ومنه: شكّ الجوهر في العقد، والشاكّ كأنّه يضمّ إلى ما يتوهّمه شيئاً آخر خلافه، فيتردّد ويتحيّر.
ويُفهم ذلك أيضاً من كلام القرطبيّ في الجامع لأحكام القرآن 8: 382، وسيأتي ذكر كلامه في الهامش التالي.
([20]) الفضل بن الحسن الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن 5: 227، منسوباً إلى «قيل»، حيث يقول: وقيل أيضاً: إنّ المراد بالشكّ الضيق والشدّة بما يعانيه من نعتهم وأذاهم.
محمّد بن أحمد القرطبيّ، الجامع لأحكام القرآن 8: 382، حيث يقول: والشكّ ـ في اللغة ـ أصلُه الضيق، يُقال: شكّ الثوب، أي ضمّه بخلالٍ حتّى يصير كالوعاء، وكذلك السفرة تُمدّ [أو تُشكّ] علائقُها حتّى تنقبض، فالشكّ يقبض الصدر، ويضمّه، حتّى يضيق، وذكره أيضاً منسوباً إلى «قيل».
محمّد بن عليّ الشوكانيّ، فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير 2: 473، منسوباً إلى «قيل»، حيث يقول: وقيل: الشكُّ هو ضيقُ الصدر.
([22]) محمّد بن أحمد القرطبيّ، الجامع لأحكام القرآن 8: 382؛ محمّد بن عليّ الشوكانيّ، فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير 2: 473.
([23]) محمود الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 11: 251.
([25]) الفضل بن الحسن الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن 5: 226 ـ 227.
([30]) تفسير أبي الفتوح الرازيّ 6: 227، ذيل الآية، نقلاً عن «الأمثل في تفسير كتاب الله المُنزَل»، لناصر مكارم الشيرازيّ.
([31]) ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المُنزَل 6: 431 ـ 432 ـ 433.
وذكر مثله الصدوق في علل الشرائع 1: 129، باب 107، الحديث 1.
وذكر الطريحيّ مثله عن الصادق% في مجمع البحرين 2: 536.
([40]) هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 3: 53، نقلاً عن ابن شهرآشوب.
([43]) محمّد بن جرير الطبريّ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 11: 217 ـ 218 ـ 219.
([45]) محمود بن عمر الزمخشري، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 2: 351 ـ 352.
([46]) محمّد بن عمر الفخر الرازيّ، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب (المجلد 6) 17: 300 ـ 301.
([50]) محمّد بن عليّ الشوكانيّ، فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير 2: 473 ـ 474.
([51]) محمود الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 11: 251.
([52]) محمّد رشيد رضا، تفسير المنار أو تفسير القرآن العظيم (دروس محمّد عبده) 11: 404 ـ 405.
([53]) محمّد بن جرير الطبريّ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 11: 217 ـ 218.
وفي الدرّ المنثور 3: 317، وفتح القدير 2: 475: وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة…. مثله.
([55]) عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيّ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3: 317؛ محمّد بن عليّ الشوكانيّ، فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير 2: 475.
([56]) عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيّ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3: 317.
([57]) عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيّ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3: 317.
وقال الطبريّ في جامع البيان عن تأويل آي القرآن 13: 324: قال هارون: وحدّثني عمرو بن أسباط، عن الحسن…مثله.