د. بكر قوزودشلي أوغلو(*)
ترجمة: سامي خليفة
مقدّمة
منذ القرن التاسع عشر اتّسعت دائرة الحوار في شأن صحّة الأحاديث النبويّة في العالم الإسلامي، لتصل إلى الباحثين الغربيّين، الذين لم يجدوا أساليب نقد الحديث التي وضعها المسلمون مقنعةً بشكلٍ كافٍ، ممّا نتج عنه مناقشات عن سبل تقييم الأحاديث وأصولها. بعض هؤلاء الباحثين الغربيين حاول اقتراح بعض المناهج لتقييم الأحاديث. ومن الأمثلة على هذه المناهج هو منهج حجّة الصمت أو غياب الدليل، الذي ربما تجد بعض الإشارات إليه في كتب الباحثين المسلمين الكلاسيكيّة([1]).
ورغم شعبية هذا المنهج، التي ترجع إلى استخدام الباحثين الغربيين له بكثرةٍ في أبحاثهم، إلاّ أنّنا هنا لسنا في صدد البحث عمّا إذا كان منهج حجة الصمت قد نبع من المصادر الإسلامية الكلاسيكية أم لا، وإنّما يهدف هذا المقال إلى تقييم استخدام هذا المنهج، كما قدَّمه الباحث الألماني جوزف شاخت، والمستشرق الهولندي جوني پول، في نقد الأحاديث.
ولتوضيح حجّتي سأستفيد من حديث «مَنْ كذب عليَّ…» كمثال.
يعدّ جوزف شاخت أحد أبرز مستخدمي مبادئ منهج حجّة الصمت في أبحاثه، ويشرحه كالتالي: إنّ أفضل وسيلة لإثبات أنّ تقليداً أو حديثاً لم يكن موجوداً في زمان معين هو أن تثبت أنّه لم يستخدم كحجّة قانونية في مناقشة تضمَّنت حتميّة الإشارة إليه إذا كان موجوداً([2]).
ووفقاً لهذا الرأي فإنّه إذا لم يتمّ استعمال الحديث الذي له صلةٌ بالموضوع في المناظرة فإنّ ذلك دليل واضح على أنّ هذا الحديث قد تمّ تعميمه بعد فترة من الوقت من تلك المناظرة.
ويدّعي شاخت أنّ استعمال هذه النظرية التي تقول: إنّ الاحاديث التي تتعلَّق بالأحكام ليست صحيحة، وأنّها ظهرت في القرون السابقة، قد أثارت نقاشاً حول استخدام هذه النظرية([3]).
ومنذ أن اقترح شاخت هذا المنهج تمّ إخضاع العديد من أحكام الأحاديث إلى البحث في إطاره، حيث أصدر الهولندي جوني پول، الذي اتَّبع منهج شاخت، أكثر الأعمال شموليّة في هذا المجال. وربما أهمها هو ما يتعلَّق بحديث «مَنْ كذب عليَّ…»، الذي أجمع علماء المسلمين المتخصِّصون على أنّه حديثٌ متواتر.
ومن أجل إثبات أنّ الروايات المذكورة في كتب الأحاديث الكلاسيكية لم ترِدْ عن الرسول|، وإنّما وردت في القرون اللاحقة للرسول، اعتمد جوني پول أسلوب الحجّة من الصمت (أسلوب يعتمد غياب الأدلة لإثبات الشيء) في تحديد أوّل تاريخ لانتشار الحديث موضوع البحث([4]).
لقد اعتمد جوني پول في دراسة حديث «مَنْ كذب عليَّ…» لإثبات صحّة استعماله نظرية الحجّة من الصمت لتحديد تاريخ الحديث. وقد اعتمد فرضية أنّ جامعي الأحاديث المسلمين قد أدخلوا جميع الروايات والموادّ التي جمعوها من أسلافهم خلال عملية جمع الأحاديث، لهذا تعتبر هذه النصوص كسجلاّت كاملة للروايات المتوفِّرة في خصوص حدثٍ معيَّن في وقتٍ معين([5]).
ورغم ما تقدَّم من أنّ عالمين اثنين فقط قد استعملا نظريّة الحجّة من الصمت في كتبهم وأعمالهم، فإنّ هناك العديد ممَّنْ اعتمدوا على هذا المبدأ.
فعلى سبيل المثال: ذكر نورمان كالْدِر في ما يتعلَّق بحديث نظافة الماء، الذي شربت منه الهرّة، أنّ هذا الحديث لم يكن معروفاً في زمن المالكي، ولم يظهر في مدوّنته. وهو استنتاجٌ مبنيّ على هذه النظريّة([6]). لقد وجد كالْدِر أن هذا الحديث موجود فقط في كتاب الموطّأ. وحسب ما يدعي إذا كان مالك قد عرف هذا الحديث كان يجب عليه أن يكون موجوداً في الكتابين: الموطّأ؛ والمدوَّنة، وليس فقط في الموطّأ.
وكانت العديد من الأعمال، في الماضي والحاضر([7]) على حدٍّ سواء، قد قامت أيضاً بالتحقُّق من حديث «مَنْ كذب عليَّ…». في حين قام علماء المسلمين بشكلٍ عامّ باختبار طرق هذا الحديث، حيث شكَّك بعض العلماء المعاصرين في صحّته([8]). إلاّ أنّ هذا المَقال سوف يركِّز بشكلٍ خاص على منهجية جوني پول؛ للتحقُّق من مدى إمكانيّة استخدام طريقته في علوم رواية الحديث، أي إنّ هذا المقال سوف يقوم بإغفال آراء العلماء الآخرين حول حديث «مَنْ كذب عليَّ…».
مزاعم جوني پول إزاء أصول حديث «مَنْ كذب عليَّ…»
يمكننا إيجاز مزاعم جوني پول إزاء أصول هذا الحديث كما يلي:
1ـ في منطقة الحجاز ومصر لم يظهر حديث «مَنْ كذب عليَّ…» ضمن كتابات ما قبل عام 180هـ، حيث لم يتمّ تدوين هذا الحديث في الكتاب الجامع لعبد الله بن عبد الوهّاب(197هـ /813م)، فضلاً عن موطّأ مالك بن أنس(179هـ / 795م).
عند النظر إلى كتب علماء آخرين حول الحجاز يتبيَّن ظهور الحديث لأوّل مرّة من خلال كتب الشافعي(204هـ /820م)، والحميدي(219هـ / 834م). وإنّ عبدَ العزيز بن محمد الدراوردي(187هـ / 803م)، الذي كان قد ظهر في بعض أحاديث الشافعي، وأساتذتَه الذين ذكروا في أسانيد الدراوردي، كانوا أيضاً من مصادر مالك بن أنس، الأمر الذى يُشير إلى الشخص الذي جلب الحديث سالف الذكر للتداول في الحجاز. ووفقاً لجوني پول فإنْ كان مالك قد سمع بهذا الحديث من مُحدِّثيه لكان قد أورده في كتابه ـ إنْ كان حقّاً قد سمع به ـ([9]).
وفي نفس الوقت يصرِّح جوني پول أنّ مالك روى بعض الأحاديث الرافضة للكذب والوضع، أحدها يرجع إلى حديث لعمر بن الخطّاب، مستخدماً لفظة (تقوَّل)([10]). ووفقاً لجوني پول يُعَدّ هؤلاء الروّاد للعديد من أحاديث «مَنْ كذب عليَّ…» في الكتابات العراقيّة([11]).
ولقد ذكر الحميدي (جامع أحاديث آخر من الحجاز) حديث «مَنْ كذب عليَّ…» مرّة واحدة في مسنده.
ووفقاً لجوني پول فقد روى الحميدي هذا الحديث (بضعفٍ فيه)، ولكنْ بإسنادٍ قوي: الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن مَنْ لا أحصي، عن أبي هريرة، عن النبيّ|.
وعندما نأخذ في الحسبان حقيقة أنه قام أربعة اشخاص فقط بنقل هذا الحديث عن أبي هريرة، وحتّى إذا كانوا في زمن البخاري، تبدو كلمة «مَنْ لا أحصي» من ابن عيينة كاجتهادٍ منه؛ لإخفاء إسناده الضعيف. وعلاوةً على ذلك فمن الممكن فهم أنّ ابن عيينة لم يستطع تقوية الحديث بإسنادٍ أقوى([12]).
وبملاحظة منطقة مصر، وعلى الرغم من العادات الكثيرة التي تأمر بالنهي عن الكذب، ففي كتاب الجامع لابن وهبة (أقدم تجميع أحاديث في هذه المنطقة) فشل في ذكر «مَنْ كذب عليَّ…».
ويجـد المؤلِّف أيـضاً أنّه مـن الغريـب أن لا يظهـر الحديث في سنن النسائي(303هـ / 915م)، الذي قضى قسطاً كبيراً من حياته في مصر، فقد عُرف حديث «مَنْ كذب عليَّ…» في مصر في الفترة التي عاش فيها، ولحوالي قرنٍ كامل.
وفي الأسانيد التي وجدناها في المصادر الأخرى يُفهم أن معلِّمي النسائي هم رواة حديث «مَنْ كذب عليَّ…». لذا هذا الموقف نتج من الحقيقة التالية: إمّا أنّ النسائي لم يتسلَّم هذا الحديث أبداً من مُعَلِّمه (مثال: قتيبة بن سعيد)؛ لأنه أُسنِد بالخطأ إلى الأخير، بعد أن ترك المُسند إليه السابق مصر، أو نبذه النسائي؛ لعدم الثقة به([13]).
وفي الأساس لم يبدأ هذا الحديث في الانتشار في مصر قبل نهاية القرن الثاني، وفي الأغلب أنّه لم ينتشر فيها قبل نهاية القرن الثالث([14]).
2ـ وبذكر لمحةٍ عن العراق المجاور لوحظ أنّ هذا الحديث وُجِد في مسند الطيالسي(204هـ / 819م)، وهو واحدٌ من أقدم التجميعات السندية في المنطقة. ووفقاً لجوني پول فالزعم بظهور هذا الحديث في مسند أبي هريرة(150هـ / 767م) غير مقبول؛ لأن مصادر السيرة الخاصّة بأبي حنيفة تظهر عدم مبالاته بالأحاديث، فقد روُي أنّه استهزأ بأحاديث نبويّة، والذي تحول فيما بعد إلى حقائق قانونية عامّة أو شعارات. يرجع السبب غالباً إلى الصدام بين أهل الرأي وأهل الحديث، فربما قام أتباع المذهب الحنفي المتأخِّرين بإسناد الحديث ذي الصلة إلى أبي حنيفة([15]).
ويؤكِّد المستشرق جوني پول أنه باستمرار دراسة الكتب العراقية لم يجد أثراً لهذا الحديث في جامع عرابي بن حبيب أيضاً([16]).
وبالنظر إلى مسند الطيالسي يظهر أنّ الحديث الذي نحن في صدده تمّت روايته بأسانيد مختلفة. وتبدأ خمسة من الأسانيد السبع المشار إليها في هذا الكتاب بالطيالسي، وشعيبة. واستناداً إلى كلمة (تقوّل) الموجودة في الموطّأ يؤكِّد جوني پول على أن الأحاديث البادئة بـ (مَنْ قال عليَّ…)، التي تمّت روايتها في الطيالسي أقدم من أحاديث «مَنْ كذب عليَّ…» ([17]).
من هذا التحقيق استنتج جوني پول التالي:
بادئ ذي بدء كلّما كانت تفاصيل الحديث كثيرة كلّما زاد تداولها. وهذا ينطبق أيضاً على الأسانيد.
ثانياً: لا بدّ أنّ القول المأثور «مَنْ كذب عليَّ…» كان حديث الساعة في العراق في الفترة الزمنية التي تخلَّلت بين وفاة عرابي بن حبيب والطيالسي. وهذا يعني أنّ هذا كان في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة.
ثالثاً: تطوّرت الصياغة الحقيقية للقول المأثور من (قال، تقول) إلى (كذب)، وحتّى (افترى)([18]).
في الخطوة التالية قام جوني پول بمقارنة أسانيد «مَنْ كذب عليَّ…»، التي تمّت روايتها في مقدّمة ابن الجوزي(597هـ / 1201م) لكتاب الموطّأ، مع تسعة كتب تقوم عليها جوانب الاتّفاق. وقد تمخّض هذا عن النتائج التالية: باستثناء ثلاثة من هذه الأسانيد([19])، تتوافر جميع أسانيد الكتب التسعة في كتاب الموطّأ. ومن ثم يبدو أنّ تلك الأسانيد البالغ عددها واحداً وثلاثين إسناداً، الموجودة في الكتب التسعة، والمذكورة في كتاب الموطأ، تمّ افتراؤها في الفترة التالية للقرن الرابع من الهجرة([20]).
حديث «مَنْ كذب عليَّ…» في أوائل الكتابات وغياب الأدلة
كما ذكر جوني پول بوضوحٍ فقد توصَّل إلى استنتاجاته من خلال غياب الأدلة. وفي ما يلي سوف نناقش إلى أيّ مدى من المصداقية والثقة قد وصل هذا الأسلوب، الذي تمّ استخدامه من قبل جوني پول، عندما تمّ تطبيقه على علوم رواية الحديث.
مراجعة الحديث من مصادره الأولى ـ المتقدّمة يضفي غشاءً من الشكّ على النتيجة التي توصَّل إليها جوني پول؛ وذلك لعدم جدارة أبحاثه. وعلى سبيل المثال: زعم جوني پول أنّ الحديث الذي يُثار حوله التساؤل لم يظهر في جامع الربيع بن الحبيب([21]).
وبالتالي فإنّ هذا الحديث لم يكن متداولاً في ذلك الوقت. ولكنْ عن طريق الفحص الدقيق لهذه المجموعة يكشف عن وجود هذه الرواية الواردة في هذا التساؤل.
وعلاوة على ذلك هناك فصلٌ خاصّ تمّ افتتاحه من قبل الربيع تحت عنوان (خطيئة رجل يدّعي باسم النبيّ). وفي هذا الفصل يروي الربيع حديثين بإسنادين:
1ـ عن أبي عبيدة، عن جابر بن زياد، عن ابن عبّاس، أنّ النبيّ| قال: «مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأْ مقعدَه من النار».
2ـ عن يحيي بن كثير، عن عتاب السايب، عن عبد الله بن الحارث،….
أما الإسناد الأخير فيبدو وكأنّه أكثر تفصيلاً، وهو يتضمَّن روايةً عن عبد الله بن الحارث، الذي قد سُئل عن سبب رواية النبيّ| للحديث الشريف «مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأْ مقعدَه من النار»، فذهب إلى إلقاء الضوء حول دافع قول الحديث الشريف (سبب الورود)([22]).
روى معمَر بن راشد(95 ـ 153هـ / 713 ـ 770م) ([23]) هذا الحديث قبل الربيع بن حبيب بفترةٍ طويلة. ولكنّ المستشرق «جوتيه جوني پول» غضّ نظره عن هذه المجموعة.
وفي باب «الكذب على النبيّ|» أخبر معمَر بن راشد ثلاثة أحاديث، وهي:
1ـ أخبرنا عبد الرزّاق، عن معمَر، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله|: «مَنْ كذب عليَّ فليتبوّأْ بيتاً في النار».
2ـ أخبرنا عبد الرزّاق، عن معمَر، عن الحسن، عن النبيّ| أنّه قال: «حدِّثوا عنّي ولا حَرَج، ولكنْ مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأْ مقعدَه من النار».
3ـ أخبرنا عبد الرزّاق، عن معمَر، عن رجلٍ، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجلٌ إلى قرية من قرى الأنصار فقال: إنّ رسول الله| أرسلني إليكم، وأمركم أن تزوِّجوني فلانة، فقال رجلٌ من أهلها: جاءنا هذا بشيءٍ ما نعرفه من رسول الله|، أنزلوا الرجل وأكرموه حتّى آتيكم بخبر ذلك، فأتى النبيّ|، فذكر ذلك له، فأرسل النبيّ| عليّاً والزبير، فقال: اذهبا فإنْ أدركتُماه فاقتلاه، ولا أراكما تدركاه، قال: فذهبا فوجداه قد لدغته حيّةٌ فقتلته، فرجعا إلى النبيّ| فأخبراه، فقال النبيّ|: مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً فليبتوَّأْ مقعدَه من النار. وبالشكل المتعارف عليه يذكر وجه اختيار اللفظ بشكلٍ مفصَّل ومستفاض([24]).
وذُكر في المصنَّف، لعبد الرزّاق(211 ـ 126هـ / 744 ـ 827م)، الحديث قيد النقاش، الذي لم يتطرَّق له جوني پول قطّ.
وفي «باب مسألة أهل الكتاب» أورد التالي: أنبأنا الأوزاعي: حدّثنا حسان بن عطية: حدّثني أبو كبشة السلولي أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص حدَّثه أنّه سمع رسول الله|([25]) يقول: «بلِّغوا عنّي ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج، ومَنْ كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأْ مقعدَه من النار».
وعن عبد الرزّاق، عن جعفر بن سليمان، قال: أخبرني عمرو بن دينار الأنصاري أنّه قال: حدَّثني بعض ولد صهيب، عن أبيهم، قال: سألوه بنوه، فقالوا: ما لك لا تحدِّثنا كما يحدِّث أصحاب محمد|؟ قال: أما إنّي سمعتُ كما سمعوا، ولكنّي سمعتُ رسول الله| يقول: مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً كُلِّف أن يعقد شعيرة وإلاّ عُذِّب»([26]).
وعلاوة على ذلك فالجدير بالذكر في باب تغليظ مَنْ كذب على النبيّ| أنّ عبد الرزّاق أخبرنا في الحديث الذي نقله عن معمَر بن راشد، عن رجلٍ، عن سعيد بن جبير، أنّ النبيّ| قال: «كذب أحدهم عن النبّي|، فقال الرسول لعليّ والزبير: «إذا وجدتموه تمكَّنوا منه واقتلوه»([27]).
ومن ناحية أخرى فقد سجَّل هذا الحديث أبو الحسن بن موسى الشيّاب(209 / 825م)، وهو شخصٌ أقام في بغداد والموصل وطبرستان والريّ، في كتابه الجزء، حيث ذكر هذا الحديث بعبارة: «مَنْ كذب عليّ ما لم أقُلْ فليتبوَّأْ بيتاً من جهنّم»، عن ابن لهيعة، عن أبي عشّان المعافيري، عن عقبى بن أمير، عن النبيّ([28]).
وإضافةً إلى العيوب التي نشأت من البحث غير الدقيق يبدو أنّ هناك تأثيراً للفهم المقرب لمنهج علماء بارزين في الحديث، وفي تاريخ الفقه والحديث، في استخدام الحجّة الناجمة عن الصمت. وفي هذا السياق يعتبر خلاف جوني پول مع أبي حنيفة مثالاً بارزاً.
وبعيداً عن جداله في خصوص منهج أبي حنيفة للحديث فقد ادّعى جوني پول أن الإسناد والمتن لا يمكن تأليفهما في النصف الأول من القرن الثاني. ويبدو أنّ هذا الخلاف قد شكّل مدخله إلى مسند أبي حنيفة. وهكذا يبدو أن استخدام كتب أبي يوسف(182هـ / 798م) ومحمد الشيباني(189هـ / 805م)، وهما تلميذا أبي حنيفة، وعلى علاقة مقربة بأهل الحديث، أكثر منطقيّة من مناقشة مفهوم أبي حنيفة للحديث بصورة مباشرة؛ حيث إنّ كلاًّ من أبي يوسف والشيباني ـ اللذين دوَّنا موطّأ مالك بن أنس ـ نقلا حديث «مَنْ كذب عليَّ…» من أستاذهم أبي حنيفة. في حين أنّ أبا يوسف سجّل الحديث المعنيّ بهيئته المتعارفة عن أبي زعبي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ([29]). كما روى الحديث محمد بن الحسن الشيباني بالصيغة ذاتها عن أبي حنيفة، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ([30]). وكلا الإسنادين موجودٌ في مسند أبي حنيفة([31]). وتندر المعلومات عن الراوي أبي رؤية الموجود في إسناد أبي حنيفة([32])، والذي أشار إليه أبو يوسف بأبي ضبا. وقد تحقّق جوني پول من الالتباس في هذا الاسم في كتاب الآثار، لأبي يوسف، وبمساعدة محرِّر الكتاب المذكور، وصرّح جوني پول بأنّ الاسم قد يكون في الواقع أبا رواق([33]). ومن المثير للاهتمام بصورةٍ كبيرة، عند تدوين جوني پول للإسناد المعنيّ بدقّة، ذاكراً الصفحة والرقم من كتاب الآثار، أنّه أهمل حديث «مَنْ كذب عليَّ…» الموجود في الإسناد الآخر، مؤكِّداً أنْ «لا وجود لحديث «مَنْ كذب…» هناك»([34]). ونتيجةً لذلك يفهم من شهادتي تلميذَيْ أبي حنيفة المعروفين بقربهما من أهل الحديث أنّ أبا حنيفة قد نقل فعلاً حديث «مَنْ كذب عليَّ…».
وفي الوقت ذاته يميل جوني پول إلى عدم قبول هذا الحديث في بعض المجموعات؛ وذلك لشكِّه في مصداقيتها.
وبنفس الطريقة صرَّح جوني پول بأنّ الحديث بدأ في الانتشار في مصر في وقتٍ لا يتجاوز القرن الثالث؛ بحجة عدم وجود حديث «مَنْ كذب عليَّ…» في جامع ابن وهب (بالرغم من أنّ الحديث لم يكن موجوداً في سنن النسائي). ومع ذلك فإنّ جزءاً آخر، متعلّقاً بصورةٍ خاصّة بالأحكام من الكتاب الجامع لابن وهب، قد تمّ اكتشافه ونشره. وقد سُجِّل الحديث المعني في هذا الكتاب بإسناد ابن لهيعة، عن ابن حُبيرا، عن شيخٍ، عن أبي تميم الجيشاني، عن قيس بن سعيد بن عبادة، عن النبيّ، وذلك في الجزء التمهيدي لحديثٍ يختصّ بتحريم الخمر([35]).
كما درس جوني پول النصّ كمخطوطة إشارة لمصدر م. ج. كستر.
وبالرغم من أن جوني پول لم يجِدْ النصّ معقولاً في مسند أحمد بن حنبل فإنّ الحديث المعني قد رُوي عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة…، بدلاً عن: (ابن وهب، عن ابن لهيعة…)، حيث تضمَّن نفس المتن (يظهر حديث «مَنْ كذب عليَّ…» متبوعاً بجُمَل تحرِّم الخمر).
ووفقاً لجوني پول ففي أحسن الاحوال يعود تأريخ المصنّف المجهول لهذه المجموعات إلى وسط القرن الثالث.
ومن النقاط الملاحظة التي تعزِّز إدانة جوني پول هي عدم ورود ذكر أيّ راوي في جامع ابن وهب الآخر، ما عدا ابن لهيعة، المذكور في أسانيد المخطوطة.
وخلاصة القول: بعيداً عن الاعتراض على مزاعم جوني پول([36]) عندما نأخذ في الاعتبار الإسناد المذكور آنفاً فمن المؤكَّد أنّه لا ينتمي إلى القرن الثالث، بجانب تأييده لعملية تطوير الإسناد التي تكرَّر ذكرها.
في كتاب «الرجال» قيل: إنّ ابن هبيرة كان طالباً من طلاب أبي تميم الجيشاني([37])، وهو شيخٌ مغمور، ممّا يجعل الإسناد عنه يعتبر ضعيفاً، وغير ضروريّ.
وكما في كتب الحديث التي جمعت في القرن الثالث رُوِيَت العديد من الأحاديث مسندةً إلى ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني([38]).
وعلاوةً على ذلك، وفي العديد من المجالات، ومنذ ابن لهيعة، تمّ تأكيد حديث «مَنْ كذب عليَّ…» بنفس الإسناد، ولكنْ من مصادر أخرى.
وعلى سبيل المثال; في كتاب فتوح مصر: ابن عبد الحكم(257هـ / 871م)، عن أبيه عبد الله بن عبد الحكم، وصولاً إلى ابن لهيعة([39]).
في كتاب تاريخ الفسوي(277هـ /890م): عن نادر بن عبد الجبّار أثبت أنّ إسناد ابن لهيعه متين وقويّ([40]).
وبجانب هذه الكتب أبو يعلى(307هـ / 919م)، وبعده في كتاب الطبراني(360هـ / 971م)، وابن الجوزي (مستخدماً طريق ابن حنبل والفساوي)، جميعهم أيَّدوا هذا الإسناد([41]).
أمّا مجمع الزوائد، الذي جمعه البوصيلي(840هـ / 1436م) وابن هاجر(852هـ /1449م)، فإنّه تمّ تأييد هذا الحديث من أحمد بن منيع(244هـ / 858م)، مع سند الحسن بن موسى إلى ابن لهيعة، كما كان الحال في مسند ابن حنبل، ولكنّ اسم أبي تميم الجيشاني لم يظهر في أيٍّ من أسانيد أحمد بن منيع([42]).
والحقيقة أنّ أبا تميم كان راوي أحاديثٍ موثوقاً به، إلاّ أنّ الأحاديث التي يعتقد أنها ضعيفة تمّ إغفالها. وأيّاً كان الإسناد الذي يؤخذ في الاعتبار فإنّ الإسناد محلّ التشكيك لا نستطيع أن نجزم بقوّته. وقد ظلَّت هذه المسألة معلَّقةً حتّى جاء ابن الجوزي. ولو كانت نظريّة جوني پول عن أصول هذا الإسناد مقبولة لكان تمّ تعديل هذا الإسناد أيضاً.
وكنتيجةٍ لذلك من المتعارَف عليه أنّ الجيل القادم من العلماء قد أكَّدوا الإسناد أيضاً. وهكذا تمّ نقل نفس الإسناد لابن وهب دون أدنى مشكلة. ويعتقد المستشرق جوني پول أنّ القضية المتعلِّقة بالحديث لم تذكر في كتاب «الجامع» لابن وهب، مقيِّماً انتشار حديث «مَنْ كذب عليَّ…» من خلال الإشارة إلى ابن وهب على أنّه حدثٌ مثيرٌ للاهتمام([43]).
والإسناد الذي يقصده هو إسناد أحمد بن حنبل، عن هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن هشام بن أبي رقية([44])، عن مسلمة بن مخلد، عن عقبة بن عامر الجهني، عن النبيّ.
وكما ذكر المستشرق جوني پول فإنّ هذا الإسناد تمّ تناقله من قبل ابن الجوزي من خلال ابن وهب بنفس الأسلوب. فعلى سبيل المثال: إسناد ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن أبو أوشانة، عن عقبة بن الأمير، لم يُذكر في كتاب «الجامع» لابن وهب. ووفقًا للمستشرق جوني پول تثار شكوكٌ حول هذه الاستشهادات. ولذلك من المحتمل أنّ هذا الإسناد تمّ انتشاره من خلال الإمام أحمد بن حنبل. وعلى سبيل المثال: هارون بن معروف، و/أو بحر بن ناصر، أو واحد أو أكثر من الأشخاص الذين يستخدمون أسماءهم([45]).
ولكنّ إسناد بن وهب عن عمرو بن الحارث، عن هشام (عن مسلمة)، عن عقبة بن الأمير، والذي ذكره المستشرق جوني پول، لم يتمّ تناقله من قبل ابن حنبل فحَسْب؛ ولكنّ الفسوي قام أيضاً بروايته مع إسناد عبد العزيز بن عمران وزيد بن بشر، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث…([46]).
وذكر أبو يعلى الحديث نفسه من خلال حسن بن معروف، عن ابن وهب…([47]).
وأيضًا «الصحيح» لابن حِبّان، من خلال عبد الله بن محمد بن سالم، عن حرملة بن يحيى، عن عبدالله بن وهب…([48]).
في حين أنّ الطبراني ذكر في أحد كتبه إسناد أبي اليزيد يوسف بن اليزيد، عن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، وقام في كتاب آخر بنقل إسناد الخير بن العرفة المصري، عن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب…([49]).
وفي الوقت نفسه ورد إسناد عقبة بن عامر عن أبي أوشانة، عن عمرو بن الحارث، عن ابن وهب، الذي ذكره جوني پول في المصادر التي تسبق ابن الجوزي.
وحسب إسناده السابق روى ابن حنبل هذا الحديث مرّة أخرى عن هارون بن معروف، عن ابن وهب([50]).
وأورده الرياني بإسنادٍ عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب([51]).
وورد هذا الحديث عند الطبراني عن أحمد بن رشدين، عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب([52]).
وفي صحيح ابن حِبّان ورد مرّة أخرى عن عبد الله بن محمد بن سالم، عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب([53]).
والحقيقة أنّه في كلا الإسنادين (عمرو بن الحارث، عن أبي أوشانة، عن عمرو بن الحارث، عن هشام بن أبي رقية) اللذين من طريق ابن وهب يظهر اسم راوٍ آخر؛ بسبب ورود عمرو بن الحارث بدلاً من ابن وهب، ولا يوجد سببٌ يقول: إنّ أحمد بن حنبل، أو أستاذه هارون بن موسى، أو الراوي الذي ذكره ابن حِبّان في إسناد عبد الله بن محمد بن سالم عن حرملة بن يحيى، يذكرون هشام بن أبي رقية بدلاً من أبي أوشانة، أو العكس. وفي الختام كلا الراويين من مصر، وثقة([54]).
وفي نفس الوقت نسب علماء آخرون، غير ابن وهب، هذا الحديث إلى الراويين:
رواية عقبة بن عامر نُقلت عن الصاحب(209هـ)، عن ابن لهيعة، عن أبي أوشانة، عن عقبة([55]).
وروي عن أحمد بن حنبل، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي أوشانة…([56])؛ وعن ابن عبد الحكم، عن عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن أبي أوشانة…([57]).
ومن ناحية أخرى روى الفسوي في مكان آخر بإسناد عمرو بن الربيع بن طارق، عن يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي رقيّة([58]). وفي موضعٍ آخر عن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيّوب، عن الحسن بن ثوبان، عن عمرو بن الحارث، عن أبي رقيّة…([59]).
وبالإضافة إلى ذلك يجب أيضاً ذكر إسناد ابن عبد الحكم، عن عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي رقيّة، عن عقبة بن مالك([60]).
وقد نتج عن ذلك أنّ الأسانيد لا تقتصر على التي وُجدت عن طريق ابن وهب، ولكنْ هناك أسانيد أخرى عبر رواةٍ مصريّين، ويُفهم من ذلك أنّ هذا الحديث كان مشهوراً في مصر في هذا الوقت، مع أنّ ابن وهب ظهر في مصادر متأخِّرة كراوٍ لحديث «مَنْ كذب عليَّ…». وحقيقةً فإنّ الحديث موضوع التحقيق لم يوجد في كتابه الجامع، ممّا يعني أنّ العلماء قد انتفعوا من كتبه الأخرى، أو أنّ هذه المخطوطة التي بين أيدينا ليست كاملة.
لقد أضحى من المفهوم أنّ ابن وهب أحد رواة هذا الحديث. والحقيقة أنّ علماء آخرين، مثل: الأشيب، روَوْا حديثاً مماثلاً، وفوق ذلك فإنّ المصري ابن عبد الحكم دوَّنه في كتابٍ آخر هو فتوح مصر، والذي أثَّر بالسلب على تأريخ جوني پول.
هناك دراسةٌ ركَّزت على النتيجة المستنبطة من غياب الأدلّة، وتطبيقها على حديث «مَنْ كذب عليَّ…»، توصَّلت إلى النتائج التالية:
بناءً على عدم كفاية التحقيق الذي قام به جوني پول فإنّ الاستنتاج بأنّ الحديث موضوع التحقيق انتشر في النصف الثاني من القرن الثاني لم يعُدْ مقبولاً. وإنّ الحديث ذُكر في كتاب الجامع، لمعمر بن راشد، في نسخته المشهورة، ومع سبب الورود يبيِّن أنّ هذا الحديث تمّ تدوينه ـ على الأقلّ ـ في مصنَّفاتٍ في النصف الأوّل من القرن الثاني.
ومن ناحية أخرى فإنّ وجود هذه الكلمات في كتب الربيع وابن يوسف ومحمد الشيباني أبطلت استنتاجه، الذي يخلص إلى أنّ صيغة الكلمات الفعلية في القول المأثور نشأت من «قال، قول، وتقوّل» إلى «كذب»، وحتّى «افترى».
وفي ذات الوقت فإنّ المتن، وحتّى الرواية الطويلة للحديث، تمّت روايتها في رواية معمر بن راشد وربيع. كما أنّ الكتب اللاحقة تنافي بالكامل القول الذي يرى أنّ المتون زادت مع الوقت.
وزيادة على ذلك، وكما ذكرنا سابقاً، فإنّ تلميذه عبد الرزّاق روى المتن الذي روي من قبل معمر بطريقةٍ مختزلة.
ومن منظورٍ آخر، وبما أنّ التحقيق بدأ حتماً من المعدوم، بدلاً عن الموجود، فإنّ هذا المنهج يحتاج إلى التحليل، واحداً تلو الآخر، لكلّ مصنَّف كُتِب منذ الفترات الأولى. وبغضّ النظر عن صعوبتها العملية فإنّ وجود كتب لم تصِلْ إلى وقتنا هذا، واحتمالية المعرفة عنهم، دفعتنا إلى التصرُّف بحكمةٍ، كما هو واضحٌ في مثال ابن وهب، مع أنّ هناك حديثاً واحداً فقط لم يذكر في كتابه. وإذا ذكر في مصنّفات لاحقة فذلك يعني في غالب الظنّ أنّ الكتاب الذي دُوِّن فيه الحديث لم يصِلْ إلينا، أو ينقصه بعض التفاصيل، وليس حديثاً موضوعاً.
حديث «مَنْ كذب عليَّ…» وغياب الأدلة في مؤلَّفات لاحقة
كما ذُكر سابقاً فقد قارن جوني پول بين إسناد ابن الجوزي وإسناد الكتب التسعة ورسالة الشافعي مدَّعياً أنّه تمّ ابتداع 31 إسناداً إضافياً في كتاب ابن الجوزي بعد القرن الرابع. وإلى جانب الاعتقاد المضلّل لجوني پول فإنّ الكتب التسعة ورسالة الشافعي تتناول القرون الأربعة الأولى فقط، علماً أنّه قارنها مع ابن الجوزي. وتبرز هنا أيضاً مشكلة منهجية من أسلوب «الحجّة الناجمة عن الصمت»؛ نظراً لأنّ الصمت (غياب الأدلّة) يعتمد على مبدأ أنّ الباحث يذكر كافّة الطرق المستخدمة في زمنه والأزمنة السابقة. وبالتالي ينبغي التحقيق في الإجابة عن الأسئلة النظرية التالية:
ـ هل جمع مؤلِّفٌ واحد كلّ الأسانيد المنقولة سابقاً؟
ـ وإذا فعل ذلك هل قرَّر بلوغ تلك الأسانيد كافةً؟
أضِفْ إلى ذلك أنّ إحدى المسائل التي أُضيفت ناتجةٌ عن استخدامات جوني پول، وهي: هل تنحصر مصنَّفات مؤلِّفي الكتب التسعة فقط في أولئك المتوافقين منهم؟
وفي هذا الصدد سنحقِّق أولاً في الإجابة عن السؤال الأخير، الذي ينبع من عدم كفاية تطبيقات جوني پول، ومن ثمّ ننتقل إلى أسئلة أخرى.
ويُعدّ كتاب النسائي مثالاً ممتازاً على حقيقة أنّ مصنَّفات مؤلِّفي الكتب التسعة لا تتضمّن فقط تلك المتوافقة.
وكما ذكرنا فإنّ جوني پول استند إلى غياب هذا الحديث في كتاب سنن النسائي، مدَّعياً أنّه بدأ تداوله في مصر في وقتٍ لا يسبق نهاية القرن الثاني، ومن المحتمل أنْ لا يكون «قبل نهاية القرن الثالث».
فلنعُدْ إلى السؤال المتقدِّم: هل هناك كتبٌ أخرى من مؤلَّفات النسائي، غير كتاب السنن، التي لم تصل إلينا؟ وفي كتابه «كتاب السنن الكبير» تمّ نقل الأسانيد الواردة عن عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام وأبي هريرة وأنس بن مالك وصحابيّ آخر لم يُذكر اسمه([61]).
وفي تلك الحالة يبقى احتمالٌ واحد، وهو أنّ عدم ظهور الحديث في كتاب السنن الصغرى، المعروف بالمجتبى، هو على الأرجح نقصٌ في الإسناد أو المتن، أو نتيجة أحد الأسباب الخاصّة بفكر المؤلِّف.
فعلى سبيل المثال: إنّ غياب كتاب العلم أو المقدّمة في كتاب سنن النسائي (أو ما يُفهم على أنّه كتاب السنّة) ـ حيث نقل مؤلِّف الكتب الستّة ذاك الحديث المعنيّ في هذا القسم ـ قد يُعدّ سبباً لعدم ذكره([62]).
وبغضّ النظر عن كلّ هذه الاحتمالات، من المؤكَّد أنّ تدوين جوني پول لتاريخ مصر ليس صحيحاً؛ نظراً لأنّ ابن عبد الحكم المصري الجنسيّة كان قد روى الحديث نفسه قبل النسائي.
والأمر نفسه ينطبق على البخاري(256هـ /870م)، والترمذي(279هـ /892م)، ومؤلّفين آخرين.
فعلى سبيل المثال: نقل البخاري إسناداً واحداً عن عمّار بن ياسر في كتابه التاريخ الكبير([63])، إلاّ أنّه لم يظهر في كتابه الصحيح. وعلى نحوٍ مماثل روى الترمذي إسناداً واحداً عن أبي بكر في كتابه الإيلاء، على الرغم من عدم شموله في كتابه الجامع([64]).
وبالنتيجة من الواضح أنّ أسلوب «الحجّة الناجمة عن الصمت» يتطلَّب التدقيق في كلّ المصنّفات المتوفِّرة التي تنتمي إلى مؤلِّف واحد.
والجدير ذكره أنّ جميع الباحثين المهتمّين بالأحاديث يفترضون أنّّ المؤلِّفين ـ ولا سيّما مؤلِّفي كتابي الصحيح والسنن ـ لم يدوِّنوا كلّ الأسانيد، بغضّ النظر عن معرفتهم بها أو لا([65]).
وعند اكتشاف الفوارق التي تؤثِّر على وسائل الحديث، أو عندما تهدف إلى إظهار جانب محدَّد من الإسناد، فإنّ المؤلِّفين يوردون طرقاً أخرى. وبعد تدوين الأحاديث التي تتعلّق بمواضيعهم فإنّ حقيقة ذكر مؤلِّفي السنن بشكلٍ متواتر لعبارة «أحاديث عن فلان وفلان موجودة في هذا القسم» يدلّ على أنّهم يعرفون المزيد من الأسانيد، ولديهم المزيد من المعلومات حول تدويناتهم الفعليّة. وهكذا فإنّ إجراء مقارنة بين أحد أجزاء كتب الطبراني، حيث ترِد فيه طرق «مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً»، وبين سوابقه ومعاصريه وبين ابن الجوزي قد يساعد هذا الأمر في الإجابة عن السؤال المتقدِّم، مع الإشارة إلى أنّ تسمية كتاب الطبراني تعني أنّه يهدف إلى ذكر كلّ طرق أحاديث «مَنْ كذب».
وفي هذا الشأن نقل الطبراني 175 إسناداً عن 63 من الصحابة، أمّا مقارنة كتابه ـ الذي ذكر جوني پول أنّه لم يصِلْ إليه([66]) ـ مع مؤلَّفات سابقة فستظهر مدى فائدة «غياب الأدلّة» في علوم الرواية. وعلى الرغم من أنّنا قارنّا كلّ الأحاديث الواردة في كتاب الطبراني مع مؤلَّفات أخرى، إلاّ أنّ عرض كلّ النتائج لن يكون محتمَلاً. وبالتالي ستتمّ دراسة الأسانيد الواردة عن أبي هريرة كأمثلةٍ على المسائل التالية.
دوَّن الطبراني في كتبه 13 طريقاً عن أبي هريرة، وهي:
الإسناد الأول: أبو هريرة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمر، عن عبد العزيز بن محمد، عن القعنبي (عبد الله بن مسلمة)، عن عليّ بن عبد العزيز، عن الطبراني([67]).
الإسناد الثاني: أبو هريرة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمر، عن أنس بن إياد، عن أحمد بن صالح، عن عبيد بن رجال، عن الطبراني([68]).
عندما يُراد البحث في مجموعة النصوص والوثائق المفسِّرة لأحاديث الرسول| في أوّل ثلاثة قرون نجد أنّ هناك أربعة كتب ونصوص مختلفة وردت في هذا الصدد، مثل: مقدّمة أبي هريرة، أبي سلامة، محمد بن عمرو. وطبقاً لهذه النصوص المفسِّرة تمّت رواية الإسناد بواسطة محمد بن بشر([69])، ويزيد([70])، وعابدة بن سليمان([71])، وابن أبي عادي([72]). هذا غير تفسير عبد العزيز بن محمد، وأنس بن عياد، وعابد بن سليمان، والذي وجد في إسناد حمّاد([73])، والذي تمّ تسجيله بعد ذلك بواسطة ابن حبان([74]). وقد روى الشافعيّ هذا الحديث في أوّل أربع روايات، والموجودة في أوّل إسناد الطبراني([75]). وفي كتاب ابن الجوزي تبعه طارق مع محمد بن سليمان بعد محمد بن عمرو([76]).
الإسناد الثالث: أبو هريرة، عن أبي صالح، عن أبي حسين، عن شعيب، عن عمرو بن مرزوق، عن يوسف بن يعقوب القاضي، عن الطبراني([77]).
وعندما نقوم بالبحث في كتب الطبراني يبدو أنّ هذا الإسناد يستمرّ بعد أبي هريرة، أبو صالح، أبو حسن، شعبة، مع الطيالسي([78])، والذي ذكر شعبة وأبو عوانة. واستعمل أيضاً أنس هذا الطريق، كما في كتاب السنن الكبير([79]). محمد بن جعفر([80]) وسليمان بن داوود([81]) وقد روي في كتاب الطارق، عن عمرو بن مرزوق، عن أبي بكر القاتي(358هـ / 979م)، المعاصر للطبراني([82]).
وقد سجَّل ابن الجوزي من خلال محمد بن جعفر وأحمد بن حنبل([83]).
الإسناد الرابع: أبو هريرة، عن أبي صالح، عن أبي حسن، عن أبي عوانة، عن خلف بن هشام، عن عليّ بن عبد العزيز، في كتاب الطبراني([84]).
في الطبراني يؤكِّد أنّ إسناد محمد بن أبيد ابن حساب، عن محمد بن عبد الله الحضرمي، قد روي بتغيير بداية من رواية أبي عوانة.
وفي النصوص الموجودة قبل الطبراني جاء هذا الحديث، بعد أبي هريرة، عن أبي صالح، عن أبي حسن، عن أبي عوانة، والذي نقل عن موسى بن إسماعيل([85]).
ومثل ما ذكر في كتاب الطبراني ومسلم وأبي يعلى تمّت روايته من خلال الطارق من محمد بن أبيد في كتابهم([86]).
ابن الجوزي سجَّل نفس الرواية عن الطارق من أبي عوانة، عن حلف بن هشام، كما في الإسناد الأوّل من كتاب الطبراني([87]).
الإسناد الخامس: عن أبي هريرة، عن سعيد بن المسيّب، عن الزُّهري، عن عبد الرزّاق بن عمر، عن أبي صالح الحرّاني، عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن مقدام بن داوود، في الطبراني([88]). في ما رواه عن الهيثمي؛ أنّ رواية البزّار كانت قد سبقت رواية الطبراني([89]). وقد تطابقت كلتا الروايتين للبزّار والطبراني مع ما نُقل عن المحدِّثين الأربعة الأوائل.
وفي كتاب البزّار ينتهي الإسناد مع يحيى بن حسن، بدلاً عن أبي صالح.
وفي نفس الوقت قد روى ابن العاضي، وهو مُعاصِرٌ للطبراني، بسند أبي هريرة، عن سعيد بن المسيّب، عن الزُّهري، عن نُعمان بن رشيد…([90]).
وقد رواه ابن الجوزي بسند ابن العاضي([91]).
الإسناد السادس: عن أبي هريرة، عن ابن سيرين، عن مُقاتل (بن سليمان)، عن عبد الله بن عِصْمة النصيبي، عن موسى بن أيّوب النصيبي، عن محمد بن إبراهيم سارية، وحسين بن صميدي الأنطاكي، في الطبراني([92]).
وعلى قدر ما توصَّلنا إليه من أبحاث فإنّ هذا الإسناد لا يقع في مجموعة النصوص السابقة للطبراني.
وقد نقل ابن العاضي، وهو المُعاصِر للطبراني، هذا الحديث بالإسناد ذاته، إلاّ أنه ذكر اسم مُعلِّمه محمد بن أحمد([93]). وقد رواه ابن الجوزي بسند ابن العاضي([94]).
الإسناد السابع: عن أبي هريرة، عن حِبّان بن جازع، عن زينب بنت طعلِق، عن أبي عاصم، عن أبي مسلم الكاشي، عن الطبراني([95]).
ولم يتمّ العثور على هذا الإسناد في كتب المعاصرين للطبراني، ولا في مجموعة النصوص الواردة في الكتب السابقة له. وكذلك لم يقُمْ ابنُ الجوزي بروايته.
الإسناد الثامن: عن أبي هريرة، عن كثير بن عبيد، عن ابن ولده عنبساء بن سعيد، عن أبي وليد التيالسي، عن عبّاس بن فضل الأسفاطي، في الطبراني([96]).
وعلى قدر ما توصلنا إليه من أبحاث لم يتمّ العثور على هذا الإسناد في كتب المعاصرين للطبراني، ولا في مجموعة النصوص الواردة في الكتب السابقة له. وكذلك لم يقُمْ ابن الجوزي بروايته.
الإسناد التاسع: عن أبي هريرة، عن عطاء بن السائب، عن زيد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن زيد بن سلمة، عن إسماعيل بن زكريا، عن عبدان بن أحمد، في الطبراني([97]).
وقد نقل هذا الإسناد، والذي يبدو مُشوِّقاً للغاية، في رواية أبي هريرة عن أعتاب بن يسار، عن طريق أحمد بن حنبل، قبل روايته في الطبراني([98]).
ولم يروِه ابن الجوزي. وسيتمّ تقييم الإسناد في ما يلي.
الإسناد العاشر: عن أبي هريرة، عن أعراج، عن أبو أزيناد، عن أبو أُميمة بن يعلاء، عن سليمان بن داوود الشاذاكوني، عن محمد بن نصير الأصفهاني، في الطبراني([99]).
وعلى قدر ما توصّلنا إليه من أبحاث لم يتمّ العثور على هذا الإسناد في مجموعة النصوص السابقة للطبراني. وكذلك لم يقُمْ ابن الجوزي بروايته.
الإسناد الحادي عشر: عن أبي هريرة، عن كَيْسان بن سعيد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن ابن أبي زئيب، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن خالد، عن أحمد بن عليّ الأبّار، في الطبراني([100]).
وعلى قدر ما توصَّلنا إليه من أبحاث لم يتمّ العثور على هذا الإسناد في كتب المعاصرين للطبراني، ولا في مجموعة النصوص الواردة في الكتب السابقة له.
وكذلك لم يقُمْ ابن الجوزي بروايته.
الإسنادان الثاني عشر والثالث عشر: أبو هريرة، عن أبي عثمان الطنبذي، عن ابن أبي نعيمة المعافري، عن بكر بن عمرو، عن يحيى بن أيوب، عن سعيد بن أبي مريم، عن أبي يزيد القراطيسي، في الطبراني([101]).
وفي الإسناد الثالث عشر للطبراني، الذي رواه عن مسند أبي هريرة: أبو عثمان مسلم بن يسار، عن بكر بن عمرو، عن سعيد بن أبي أيّوب، عن أبي عبد الرحمن المقرئ، عن بشر بن موسى، دون ذكر اسم ابن أبي نعيمة بين أبو عثمان وبكر بن عمرو([102]).
وحيث تضمَّن كتاب أحمد بن حنبل([103]) الحديث في الأوّل (بما في ذلك ابن أبي نعيمة) فنحن نرى أنّ الإسناد الثاني (باستثناء ابن أبي نعيمة) كانت تتمّ روايته على نطاقٍ أوسع. حيث رواه ابن أبي شيبة(235هـ / 849م) وإسحاق بن راهويه(238هـ / 853م)، بدلاً من رواية أبي عبد الرحمن المقرئ التي تظهر في مسند الطبراني([104]).
ورواه البخاري من خلال راوٍ آخر، أي من خلال عبد الله بن يزيد، بدلاً من أبي عبد الرحمن المقرئ([105]). ولقد اقتبس ابن الجوزي هذا الحديث من البخاري([106]).
وعندما نراجع أسانيد الطبراني نجد أن أسانيده الثلاثة عشر احتوت على ثمانٍ من مرويّات القرن الثالث الهجري، وخاصة في كتاب المسند لابن حنبل. فمن الطرق الخمس التي ذُكرت من قبل في كتب الطبراني، روى إسناداً واحداً من قبل ابن عدي، أما الأسانيد الأربعة الأخرى، وبقدر ما أمكننا التحقُّق، فلا يمكن أن يكون جمعها في مجموعات الحديث الأساسية قد تمّ بالصدفة. فقد روى ابن الجوزي سبع أسانيد فقط عن أبي هريرة. وقد وردت هذه الأسانيد في المجموعات الأساسية. وعلاوةً على ذلك فقد روى خمسةً منها من خلال المؤلِّفين (الكتاب) المتاحة كتبهم في الوقت الحاضر. وكان ابن الجوزي قد روى الإسناد الوحيد الذي لم يظهر في الطبراني، وهو: أبو هريرة، أبو صالح، الأعمش، أبو معاوية…([107]). وحسب وجهة نظر جوني پول ينبغي لهذا الإسناد أن يكون الأكثر انتشاراً ورواجاً بعد الطبراني، ولكنّ ذات الإسناد والحديث الوارد في كتاب الطبراني، وهو ابن عديّ([108])، قد أشار مرّة أخرى إلى خطأ وجهة نظره.
ومن الجدير بالذكر على الجانب الآخر أنّ ابن الجوزي لم يورِدْ الأسانيد الستّة التي ذكرها الطبري في كتابه.
وكما يقول جوني پول: إنّه بعقد مقارنة بين الكتابين على أساس عدد الأسانيد سنصل إلى نتيجة واحدة، ألا وهي أنّ تلك الأسانيد لم يتزايد عددها عند ابن الجوزي عنها عند الطبراني، بل على العكس.
وينطبق هذا أيضاً على مؤلَّفات أخرى. فعلى سبيل المثال: قام الطبراني بنقل ثمانية أسانيد عن أبي سعيد الخدري([109])، بينما نجد أنّ عدد ما أورده ابن الجوزي عنه في كتابه من أسانيد هو أربعة فقط([110]). وبالنسبة إلى هذا الحديث الذي نحن في صدد دراسته نجد أن الطبراني أخرجه عن عبد الله أبي عمرو بستّة أسانيد، بينما أورده ابن الجوزي بثلاثة أسانيد فقط في كتابه([111])، مسنداً عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وهذا يوضِّح ـ كما ذكرنا من قبل ـ صحة أمثاله المتعارضة أيضاً.
وفي ما يتعلَّق بالحجّة الناجمة عن الصمت هنالك نقطة يجب أخذها بعين الاعتبار، ألا وهي مقدار نجاح الطبراني في محاولته أن يورد كلّ الأسانيد، الصحيحة منها والضعيفة، فنجد أنّه أفرد كتاباً كاملاً لهذا الغرض.
ولكنْ بفحص الأسانيد الأخرى لحديث «مَنْ كذب عليَّ…» عن أبي هريرة نجد أنّ الطبراني لم يستطع، حتّى في كتبه، أن يجمع كلّ الأسانيد في تصنيفه للقرون الثلاثة الأولى. فعلى سبيل المثال: تمّت رواية هذا الحديث في مسند أحمد بن حنبل بسندٍ عن عفّان، عن عبد الواحد بن زياد، عن عاصم بن كليب، عن كليب، عن أبي هريرة…([112]).
ورواه أيضاً إسحاق بن راهويه بنفس السند، باستثناء الراوي الأخير، أي عفّان…([113]).
وعلاوةً على ذلك ورد هذا الحديث في مسند الدارمي(255هـ / 868م) بسندٍ عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم، عن صالح بن عمر، عن عاصم بن كليب، عن كليب، عن أبي هريرة…([114])، وذلك على الرغم من أنّ الطبراني لم يورِد هذا السند في كتابه (طُرُق مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً)، وأيضا لم يكن موجوداً في مؤلَّفاته الأخرى.
وأسانيد الطبراني التي وردت في مؤلَّفات أخرى، غير (طُرق مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً)، هي:
1ـ عن جعفر، عن نعيم بن حمّاد، عن نوح بن أبي مريم، عن السدي الكبير ـ عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي ـ…([115]).
2ـ عن محمد بن يوسف العصفري، عن عمر بن حطب السجستاني، عن محمد باكثير، عن ابن شوذب، عن عبد الله بن قاسم، عن أبي هريرة…([116]).
3ـ وهناك أيضاً إسناداً آخر رواه الحميدي، لكنه لم يرِدْ لا في (طُرُق مَنْ كذب عليَّ)، للطبراني، ولا في مؤلَّفاته الأخرى([117]).
ولكنّ هذا الإسناد، والذي يعتبر هامّاً، يتطلَّب المزيد من الفحص. وقد طرح جوني پول هذا الإسناد كالتالي: بسندٍ عن أبي هريرة، عن مَنْ لا أحصي / عدد كبير من الرواة، عن سفيان، عن الحميدي.
وكما أشار جوني پول فإنه عند الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الحديث تمّ نقله عن أبي هريرة عن طريق أربعة رواة فقط في زمن البخاري، فإنّه لا بدّ من تفسير مقولة سفيان (مَنْ لا أحصي…) على النحو التالي: «لم يكن ابن عيينة حتّى هذا الوقت قادراً على تفسير الأحاديث الموردة بسندٍ ضعيف»([118]).
وكما ذكر جوني پول فإن أسانيد الحُمَيْدي شديدة الأهمّية. غير أنّه حين يفحص أحدهم مسنده سيجد أنّ إسناده هذا «…الحميدي قال: حدّثنا سفيان: وحدّثني مَنْ لا أُحصي، عن أبي هريرة…» قال الحميدي: أخبرنا سفيان عن العديد من الرواة الذين لا يسعني إحصاؤهم قد نقلوه إليَّ([119]).
وفَهْمُ جوني پول لهذا الإسناد مختلفٌ بشكلٍ جوهريٍّ عن ذلك، حيث يسجِّل الحُميْدي أنّه سمعه من العديد من الرواة، إضافةً إلى معلِّمه ابن عوينة.
وتشير هذه القضية إلى خطأ جوني پول؛ حيث قارن هذا التعبير مع تلامذة أبي هريرة بدلاً من المعاصرين لسفيان.
وعلى الجانب الآخر حين يضع المرء في ذهنه أنّ الحُمَيْدي هو أحد تلامذة الشافعي، والذي نقل ذلك الحديث بعدّة أسانيد([120])، يبدو الأرجح وكأنّ الأول قد سمع هذا الحديث من مصادر أخرى.
وباعتبار ذلك فالمهم هنا أنّ الحميدي لم يسعَ لنقل حديث معلِّمه كإسناد مرفوع. وتشير تلك القضية إلى ميل العلماء المسلمين إلى الأمانة في ما يتعلَّق بمصادرهم.
وعلاوة على ذلك ـ وبقدر ما استطعنا البحث ـ فإنّ حقيقة أنّ الإسناد المشكوك فيه لم يظهر في التجميعات الأحدث يؤثِّر سلبياً في نظريّة أنّ الأسانيد «تزداد صحّتها مع مرور الزمن»، كما يشير لذلك جوني پول في مكانٍ آخر.
وفي هذه القضية فإنّ تعبير الحميدي، أعني «عن العديد من الرواة الذين لا يسعني إحصاؤهم»، ينبغي النظر إليه باعتباره علامةً على انتشار روايته في ذلك الوقت.
وكذلك فحقيقة أنّ قاسم بن سلام(224هـ / 839م) المعاصِر له لم يدوِّن أيّ إسناد، قد ذكر «ألا تعلم أنّ النبيّ قال: «مَنْ كذب عليَّ…»، مؤيِّدًا ذلك الرأي([121]).
وحقيقة أنّ الطبرانيّ لم يجمع كلّ الأسانيد في كتبه، وأنّ الكتب المجمّعة سابقاً لم يتمّ تقييدها بالأسانيد المنتهية عند أبي هريرة فحَسْب.
فمثلاً: بينما روى البزّار([122]) إسنادَ سعيد بن زيد حتّى قيس بن أبي علقمة، فإنّه غير مذكور في طرق الطبراني. وبقدر ما استطعنا البحثَ فإن الإسناد المتساءل عنه لم يظهر في بقية مجموعاته.
ذكر الطبراني في كتابه الطُّرُق إسنادين لأبي بكر:
الأوّل: عن جابر بن عبد الله، عن أبي بكر.
والثاني: عن عبد الخير بن يزيد، عن أبي بكر([123]).
ولكنْ في كتب الحديث المتقدِّمة نقلت نفس الرواية بإسناد أبي كبشة الأنماري، عن أبي بكر…، عن طريق الترمذي([124])، والبزّار([125]) وأبي بكر المروزي([126]). وبالرغم من أنّ الطبراني ذكر هذا الإسناد في المعجم الوسيط([127])، إلاّ أنّه لم يذكره في كتابه الطُّرُق.
أمّا في ما يتعلَّق بأسانيد زيد بن الأرقم فبالرغم من أنّ الإسناد الوحيد الذي ذكره الطبراني عنه هو عن يزيد بن حيّان، عن زيد بن الأرقم…([128])، فقد دوَّن نفس الحديث بإسناد أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن الأرقم، في المعجم الكبير([129]). في حين أنّ المؤلِّف ذكر إسناد هنيدة، عن المغيرة بن شعبة، في المعجم الكبير([130])، إلاّ أنّه لم يذكره في كتابه الطُّرُق.
وهنا لا بدّ من طرح سؤالٍ، ألا وهو: هل كان بإمكان الطبراني الوصول إلى هذه الأسانيد بعد مؤلَّفه الطُّرُق؟ بالرغم من إمكانية حدوث هذا الأمر نظريّاً، إلاّ أنّه أمرٌ غير منطقي؛ لأنّ الأسانيد المعنيّة والموجودة في كتاب الطُّرُق وُجدت في العديد من كتبه الأخرى.
وبملاحظة محاولات الطبراني، والذي قصد تجميع المجموعة الكاملة من الأسانيد لـحديث «مَنْ كذب عليَّ…»، اتَّضح أنّها باءت بالفشل، سواءٌ في ما يتعلَّق بأسانيد كتبه أو بغيرها من المؤلَّفات السابقة له، ولهذا لا يصحّ تطبيق مبدأ النقاش الصامت على الكتب الأخرى، والتي لم تتعمّد جمع كافّة الأسانيد لهذا الحديث.
إنّ الوضع القائم بين الطبراني وبين المؤلَّفات السابقة له أشبه ما يكون بالوضع القائم بينه وبين ابن الجوزي. وبمعنى آخر: في حين أنّ بعض الأسانيد التي لم تذكر عند الطبراني وجدت عند ابن الجوزي ففي المقابل لم يستوعب ابن الجوزي كلّ الأسانيد المذكورة عند الطبراني.
وعند النظر بعين فاحصة إلى الرواية المنقولة عن أبي هريرة من منطلق الإسناد والمتن، والتي دوَّنها الطبراني في كتابه الطُّرُق، نجد أنّ متن الإسناد الأوّل دُوِّن بهذه الطريقة الموضَّحة هنا: «…مَنْ قال عليَّ ما لم أقُلْ فليتبوَّأْ مقعدّه من النار…».
أمّا الأخبار المنقولة عن هناد، وابن ماجـه، وأبي يعلى، فقد تمّ تدوينها كالتالي: «…مَنْ تقوَّل…».
وأمّا تلك المنقولة عن ابن حِبّان فقد دُوِّنت كالتالي: «…مَنْ قال…».
ومن ناحيه أخرى رواها ابن حنبل كالتالي: «…مَنْ يقول عليَّ…».
ويتضح من خلال كلّ هذه المنقولات اتّفاق الرواة الثلاثة الأُوَل (على سبيل المثال: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة). مع العلم بأنّه لا توجد شبهة بأنّ هذا المتن تغيَّر من (قال) إلى (كذب).
ولقد دوَّن ابن الجوزي هذا الاسناد بمتن «…مَنْ كذب عليَّ…». ومع ذلك لم ينقله فقط في نهاية إسناد أبي سلمة، عن أبي هريرة، ولكنْ أيضاً في إسنادين آخرين ذُكرا في المتن المحوّل. ومن هنا يتّضح لنا أنّه ليس بالإمكان أن نصل إلى نتيجة دامغة؛ نظراً لعدم وجود شرح وافٍ لكلّ متنٍ وإسناده.
الإسناد الثاني في متن الطبراني هو مَنْ كذب عليَّ. وعلى الرغم من أنّ أوّل ثلاثة رواة يقدِّمون الإسناد بنفس الطريقة، إلاّ أنّه يحفظه بشكلٍ منفصل، ربما يرجع ذلك إلى الاختلاف في المتن.
لكنّ عبيد بن رجال المصري راوٍ في الإسناد، وبقدر ما أمكننا البحث لم نتمكَّن من العثور عليه في كتب الرجال. وقد أشار إليه فيه بالمجهول، ويبدو أنّ هذا التغيير كان بسببه.
ويكمل الإسناد طريق أبي هريرة، عن أبي صالح، عن أبي حسن، عن شُعبة (الإسناد الثالث)، وهو الشكل المتعارف عليه في الحديث «مَنْ كذب عليَّ…».
وقد وردت رواية «مَنْ كذب عليَّ…» من دون أيّ تغيير في كتب الطلامسي، وابن حنبل، والنسائي، وابن الجوزي.
وبنفس الطريقة والإسناد، عن أبي هريرة، عن أبي صالح، عن أبي حسن، عن عوانة، ذكر بالتسلسل في البخاري، ومسلم، وأبي يعلى، والطبراني: «مَنْ كذب عليَّ…» من دون أيّ تغيير. وهذا ما ينطبق أيضاً على متن ابن الجوزي.
ومن الجدير بالذكر أن اسم أبي صالح السمّان(101هـ / 720م) لم يسجَّل بين أبي هريرة وأبي حسن في كتاب ابن الجوزي.
وعلى الرغم من أنّه في أول وهلة تشير هذه القضية إلى سلامة الإسناد، كما ادَّعى جوني پول، إلاّ أنّ العكس هو الصحيح. وبقدر ما يمكننا التحقُّق فإنّ أبا حسن عثمان بن عاصم بن حسين(127هـ / 745م) لا يظهر بين تلامذة أبي هريرة. لذا فإن عدم وجود أبي صالح السمّان حوَّل الإسناد إلى منقطعٍ، قد يكون عن طريق الخطأ، ومن الأفضل قبوله على أنّه خطأ بسيط من الراوي.
أمّا متن الإسناد الخامس، الذي رواه أبو هريرة، عن سعيد بن المسيّب، عن الزهري، فيختلف للغاية (ثلاثةٌ لا يرون ريح الجنّة: رجلٌ ادّعى إلى غير أبيه، ورجل كذب عليَّ، ورجل كذب على عينيه)([131]).
وفي زوائد البزّار(292هـ / 905م) وابن الجوزي نجد هذا المتن، وإنْ كانت هناك تغييرات صغيرة (كذب على نبيّه، بدلاً من: كذب عليَّ).
وإذا كانت النظريّة القائلة بأنّ المتون كانت تتطوَّر في مجرى الزمن، كقاعدة عامّة، كما ادَّعى جوني پول، ينبغي لنا أن نتوقَّع أنْ نجد أنّ نفس الميزة انعكست على هذا المتن، وتمّ تسجيله بشكلٍ «مَنْ كذب عليَّ…»؛ لأنّه ظهر في الكتب في عصر لاحقٍ.
وحادثة أخرى تظهر هنا، فالإسناد محلّ التساؤل نقل من «كشف الأستار على زوائد البزّار والكتب الستّة»، كتاب الهيثمي(807هـ / 1405م)، وليس من مسند البزّار المتاح في الوقت الحالي. وهذا يعني أنّه يمكن العثور على الحديث محلّ التساؤل في المخطوطات القديمة، والتي لم نصل إليها في الوقت الحاضر، أو لم تتمكّن من البقاء إلى الوقت الحالي([132]).
ولذلك ليس صحيحاً اعتبار الأسانيد التي ذكرها ابن الجوزي، والتي لم نجدها في الكتابات المبكرة والمتاحة حالياً، ليس صحيحاً أنّها نُشرت بعد القرن الرابع. وعلى سبيل المثال: استعان ابن الجوزي بإسناد إبراهيم بن إسحاق الحربي(285هـ / 898م) في الطرق التي تقارب العشرين. ومن المعروف أن إبراهيم بن إسحاق حاول جمع أسانيد «مَنْ كذب عليَّ…» قبل الطبراني([133]).
وينطبق الأمر نفسه على ابن سعيد(318هـ / 930م)، الذي استشهد به ابن الجوزي في أكثر من خمس عشرة مناسبة؛ لأن يحيى بن محمد بن سعيد قد حاول هو الآخر جمع الأسانيد المتعلِّقة بالحديث محلّ الدراسة قبل الطبراني([134]).
ومن المفهوم أنّ مؤلَّفات الحديث تلك، والتي لم تصل إلينا، هي من ضمن المصادر التي اعتمد عليها ابن الجوزي.
وكلّ ذلك يؤدّي إلى الاعتقاد بعدم موثوقية الافتراض القائل بأنّ الأسانيد ـ التي لم يتمّ العثور عليها في المؤلَّفات المتاحة حالياً، والتي ترجع إلى ما قبل القرن الثالث، والتي استند إليها ابن الجوزي من خلال إبراهيم بن إسحاق وابن سعيد ـ أنّ تلك الأسانيد تعود إلى قرون تالية.
إنّ المتن المذكور في إسناد مقاتل، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة…، هو أيضاً مختلف: «…مَنْ أحدث حدثاً، وآوى محدثاً، فعليه لعنة الله وملائكته أجمعين، لا يكتب منه صرف، ولا عدل، وعلى مَنْ كذب عليَّ… »([135]).
وفي أسانيد ابن عادي وابن الجوزي احتفظ الحديث بنفس الصيغة، ما عدا عبارة: «لا يكتب منه صرف ولا عدل»، والتي حذفها كلاهما.
وبينما نجد أنّ المتن في الإسناد السابع هو: «مَنْ قال عليَّ ما لم أقُلْ فليتبوَّأْ مقعده من النار…»، فإنّ المتون في الإسناد الثامن والتاسع والحادي عشر تأتي على الشكل المعروف لـ «مَنْ كذب عليَّ…». وبما أنّنا لم نستطع العثور على هذا الإسناد في الكتب الأخرى يبدو أنّه من المستحيل تقريباً الوصول إلى نتيجة تُثبت ما إذا كان المتن قد خضع لتحسين أم لا.
ويبدو أنّ الإسناد التاسع، والذي يستهل بإسناد زيد بن إسلام، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، مثيرٌ للاهتمام بشكلٍ كبير؛ لأنّ هذا الإسناد رُوي عن أحمد بن حنبل في مسند أبي سعيد الخدري، (وليس في مسند أبي هريرة).
وتقول تلك الرواية أنّ الرسول قد أقرَّ حديث «مَنْ كذب عليَّ…» بعد أنْ أكَّد على أنّه لا ينبغي للصحابة تدوين أشياء أخرى غير القرآن، وأنّه يمكنهم النقل عن «بني إسرائيل».
ولكنّ هذا الحديث رُوي عن أبي سعيد الخدري، وليس عن أبي هريرة. ولذلك فإن أحمد بن حنبل ومسلم نقلا نفس الحديث بسند زيد بن إسلام([136])، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد… ويتّضح من ذلك أنّ أحمد بن حنبل ـ مدركاً أن الحديث مغلوط ـ ذكره بنفس الإسناد الذي رُوي عن معلِّمه. ولكنْ يبدو أنّه نوى الإشارة إلى ذلك الخطأ عن طريق نقل الحديث في مسند أبي سعيد الخدري.
أما بالنسبة إلى كتاب الطبراني فإنّ الاسم المذكور فيه هو عطاء بن الصعيب، بدلاً من عطاء بن يسار. ويبدو أنّ ذلك كان خطأً من الكاتب، أكثر من كونه تغييراً متعمّداً؛ وذلك لأنّ عطاء بن الصعيب(136هـ / 754م) كان صغيراً جدّاً، ولا يمكن أن يكون قد روى إلاّ عن والده من الصحابة([137]) في منتصف العمر. وبذلك لا يبدو أنّ التغيير محلّ الدراسة هو تعديلٌ مقصود؛ لأنه لا يرتقي بالإسناد إلى طريق أقوى.
وفي الإسنادين الثاني عشر والثالث عشر، اللذين وردا في متن ابن أبي شيبة والبخاري: «مَنْ تقوَّل…»، في الكتب الأخرى: «مَنْ قال عليَّ…». وقام ابن الجوزي بتسجيلها عن طريق البخاري.
ومرّة أخرى يشير هذا الإسناد إلى الخطأ الذي وقع فيه جوني پول بمقارنة كتاب ابن الجوزي مع كتاب الرسالة، للإمام الشافعي؛ وذلك لأنّ الإسناد الذي نقله ابن الجوزي من البخاري ورد في كتابه الأدب المفرد([138])، وليس في الجامع الصحيح. فجوني پول الذي بخس من قدر هذه المسألة كان قد قبل بها كمنتج ظهر في القرن الرابع.
وبالتحقيق في أسانيد أبي هريرة مع المتن يمكن فهم أنّ التغيّر في المتون ينشأ عن تغيُّر في راوٍ أو راويين (أو ثلاثة) (مثلاً: «كذب» بدلاً من: «قال»)، ولكنْ لا يوجد تغيُّرات في القرون المتتابعة، باستثناء المشاكل الناشئة عن الناقلين الضعفاء للأحاديث. بينما تتناسب هذه المسألة مع العمليات قبل النظامية والنظامية لرواية الحديث، ويبدو هذا متناقضاً مع حقيقة أنّ الحديث موضع البحث ورد ذكره على أنّه متواتر لفظيّ([139]).
ونتيجة بحثنا في ادّعاء أنّ «القول الحقيقيّ للقول الفصل تطوَّر من (قال) و(قول) و(تقوّل)» يمكن إيجازه كما يلي:
بدلاً من القيام بتحليل الحديث على مستوى أفقي لمجموعات الحديث، دون الأخذ في الاعتبار الصحابة الذين قاموا برواية الحديث ـ النظريّة التي أضعفها حديث «مَنْ كذب عليَّ…»، الذي قام بروايته معمر ـ، يبدو أنّ الأصح أن تأخذ رواية كلّ صحابي شكل الطريقة العمودية.
فعلى سبيل المثال: الأسانيد الثلاثون من الوسيلة تبدو بأشكال «إنّ أفرى الفرى…» أو «إنّ من أعظم الفِرى…»([140]). وهذا المتن هو نفسه في كتب الشافعي، والتي قام هو بروايتها في البداية بنفسه؛ وفي كتب الطبراني؛ وكذلك في كتب الكتّاب الذين عاشوا في الزمن الواقع بين الشافعي والطبراني([141]).
وإذا كانت عملية الادّعاء التي قام بها جوني پول صحيحةً في تاريخ الحديث، لكنّا وجدنا هذا الحديث فقط: «مَنْ كذب عليَّ…» في المصنَّفات اللاحقة.
التقييم والنتيجة
يبدو أنّ النتيجة التي توصل إليها جوني پول، باستخدام النتيجة المستنبطة من غياب الأدلّة كدليلٍ على تأريخ حديث «مَنْ كذب عليَّ…»، معيبةٌ؛ ويرجع ذلك إلى البحث غير الكافي، والطريقة التي اعتمد عليها؛ لأنّ الدليل من الصمت يبدأ من المفقود، وليس الموجود، فهذا يتطلَّب بحثاً شاملاً في كلّ مؤلَّف من المحتمل أن يتّضح فيه أيّ حديث مفصّل.
فالمدى الزمني المطلوب في الفحص يشمل على الأقلّ قرنين أو ثلاثة قرون، ويتّسع المكان الواجب فحصه لجغرافية ممتدة من مصر إلى اليمن، وإلى بخارى.
إن تلك الجوانب المتعلّقة باتّباع طريقة الصمت تجعل التطبيق العملي لها صعباً، وتثير الشكوك حول النتائج المرجوّة منها.
وهناك أيضاً حقيقتان توضِّحان أوجه القصور ذات الصلة بالطريقة الصامتة:
أولاً: لم تصل إلينا معظم الكتب المؤلَّفة في هذا العصر.
وثانياً: لا يزال جزءٌ هامّ من الكتب مجرّد مخطوطات في المكتبات.
ومع وجود هذه العيوب في طريقة الصمت يبدو الوصول إلى نتيجة محفوفاً بالمخاطر، ومسعى مبالغاً فيه، إذا كانت مبنيّة على الكتب المتاحة حالياً عن الأحاديث الضعيفة والصحيحة، وتحديداً إذا لم تصلنا.
وإضافة إلى تلك العيوب المتقدِّمة يجب أن نضيف أن عالماً واحداً لا يستطيع أن يعرف كلّ أسانيد عصره وجغرافيته. وحتى إذا افترضنا أنه فعل ذلك فربما لم يدوِّنها. وعلى سبيل المثال: بحجّة أن الحديث لم يكن معروفاً في منطقة الحجاز في القرن الثاني الهجري؛ نظراً لأنّه لم يكن موجوداً في موطّأ مالك، ما يعني مساواة معرفة مالك إلى أحاديث الموطأ فقط، ومساواة معرفة منطقة الحجاز إلى الإمام مالك والموطّأ.
ويجب إضافة أخطاء جوني پول في تطبيق الدليل من الصمت إلى العقبات النظرية لهذه الطريقة المذكورة. وهذا يتطلَّب إعادة فحص نتائجه عن حديث «مَنْ كذب عليَّ…».
ويتمثَّل أحد أخطائه في أنّه قارن بين أسانيد ابن الجوزي وأسانيد الشافعي في «الرسالة»، متجاهلاً المؤلَّفات الأخرى.
وأيضاً تشبُّثه بادّعاء أن واحداً وثلاثين إسناداً إضافياً من الأسانيد الواردة في أسانيد أحاديث ابن الجوزي قد فُبْركت بعد القرن الرابع.
وعلاوة على ذلك ربما يكون حديث «مَنْ كذب عليَّ…» قد ذكر في كتب التفسير والتاريخ، بالإضافة إلى مصادر الحديث.
ومن جهة أخرى إن الأحاديث التي يدوِّنها المؤلِّف في كتابه تخضع لتصرُّفه بالدرجة الأولى. وبناءً على ذلك قد يبدأ المصنِّف (المؤلِّف) القسم (الكتاب في اصطلاح المحدِّثين) بمسمّى خطيئة الكذب، ويروي أحاديث كثيرة هنالك، ولكنّه قد لا ينقل حديث «مَنْ كذب عليَّ…»؛ بسبب اختياره وتفضيله.
فعلى سبيل المثال: مع أنّ هذا الحديث لم يوجَد ضمن المرويّات المحرّمة للكذب في كتاب الزهد لوكيع بن الجرّاح([142])، فقد ذكر على نطاقٍ واسع في كتاب الزهد لهناد بن السري ([143]).
لكنّ الحديث محلّ البحث لا يظهر بصورته المشهورة في الأجزاء المطبوعة من كتاب ذمّ الكذب لابن أبي الدنيا، الذي كان تلميذاً لابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم من العلماء المتأخِّرين. ولكونه تلميذاً لهم كان من المتوقَّع أن يعرفه([144]).
وعلاوة على ذلك فبالرغم من أنّ الخرائطي، الذي عاش في مرحلة متأخِّرة نسبيّاً خصَّص فصلاً للأحاديث المحرّمة للكذب في كتابه([145])، فإنّه لم يضمِّن هذا الحديث كتابه([146]). لذا فإنّنا قد لا نصل إلى استنتاجٍ مقنع لو توقَّعنا أنّ حديث «مَنْ كذب عليَّ…» يجب أن يوجد في كلّ قسمٍ يذكر فيه الأحاديث المحرّمة للكذب.
وكنتيجة فإنّ زعم جوني پول بأنّ الحديث محلّ البحث بدأ يستفيض في النصف الثاني من القرن الثاني بعد الهجرة، واستنتاجاته الأخرى، تبدو غير مقبولة؛ لأنّ مصادر مثل معمر بن راشد وحبيب بن الربيع نقلوا الحديث ذاته.
ولكنّ هذا لا يعني أنّه؛ وبسبب الانتقادات المنهجية التي طرحت (النتائج المستنبطة من غياب الأدلّة)، فإنّ حجج سيلينتو لا نفع منها بالنسبة إلى علوم الرواية، حجج السيلينتو من الممكن أن تستخدم كدعمٍ إضافيّ، مع عدم إغفال أوجه قصورها، جنباً إلى جنب مع توظيف وسائل أخرى.
ملخَّص
هدف هذه المقالة هو تحقيق مبدأ السيلينتو (النتيجة المستنبطة من غياب الأدلة)، الذي استعمل في الغرب، وما إذا كان فيه توافق مع قواعد رواية الحديث في القرون الثلاثة الأولى.
وبالإضافة إلى كيفيّة دعمها بالمعلومات المتوافرة حالياً فإنّ تجربة تأريخ حديث «مَنْ كذب عليَّ…» باستخدام هذا المبدأ بواسطة جوني پول يعطينا فكرةً عن فائدته.
ومن ثم ففي هذه المقالة قد تم تحقيق حديث «مَنْ كذب عليَّ…» في سياق كتب الطبراني «طرق حديث «مَنْ كذب عليَّ…»»، بالإضافة إلى مصادر أساسية أخرى للحديث، ومكتشفات جوني پول حول الحديث قيد الاختبار.
وهذا البحث يقدِّم أيضاً فرصاً لتحديد كيف كان يعالج الإسناد والمتن في القرون الأولى.
الهوامش:
(*) باحثٌ وأستاذ في علوم الحديث الشريف، من تركيا.
([1]) انظر على سبيل المثال: أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي، أصول السرخسي 1: 340، تحرير: أبو وفا الأفغاني، دار المعرفة، 1973.
([2]) جوزيف شاخت، أصول الفقه المحمّدي: 140، أكسفورد، مطبعة كلاريندون، 1975.
([3]) السيد مصطفى العزامي، في أصول الفقه المحمّدي لجوزيف شاخت: 118، الرياض، جامعة الملك سعود 1985؛ ظافر إسحاق الأنصاري، «أصالة التقاليد: نقد حجة جوزيف شاخت الواهية»: 51 ـ 61، هامادارد الإسلامية، 1984؛ هارالد موتسكي، أصول الفقه الإسلامي، فقه المكيّة قبل المدارس الكلاسيكية: 21 ـ 22، ليدن، أبريل 2002.
([4]) ج. هـ. أ. جوني پول، دراسات في أصول التراث المسلم: 108 ـ 133. هذا المقال لا يذكر في أيّ المناطق روي هذا الحديث بانتشارٍ واسع، والتقييم في هذا الأمر، لذلك توزيع الحديث وفقاً للمناطق هو موضوع مقال آخر.
([5]) جوني پول (أ. ج. إي. 98، موتسكي)، «تأريخ التراث المسلم: دراسة»: 217، العربية، 52 / 2، 2005.
ويرى أن جوني پول استخدم الحجّة من الصمت كمقال نفي. انظر: موتسكي «دراسة دقيقة للوضع الراهن والبحث الحديث؛ ج. هـ. س جوني پول: نفي المولى من ابن عمر، ومكانته في أدب الحديث الإسلامي «دير الإسلام»: 58 ـ 59، 1996.
([6]) نورمان كالْدِر، دراسات في فقه المسلمين الأوائل: 26، أوكسفورد، طبعة كلارندون برس، 1993؛ المتزكي، الرسول والقطّة: في تأريخ مالك الموطأ والأعراف القانونية: 24، دار جيه إس إيه آي للنشر، ط22، (1988).
([7]) انظر على سبيل المثال إلى كتاب جزء فيه الطرق حديث مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً، لأبي القاسم أحمد الطبراني(360هـ)، تحرير: أستاذ محمد حسن الغماري، بيروت، دار البشائر الإسلامية (1417هـ ـ 1997م. وسنشير إلى ذلك الكتاب فيما بعد باسم (الطرق)؛ أبو عبد الله محمد أبي الفايز الكتاني، نظم المتناثر من الحديث المتواتر، بيروت، دار الكتب العالمية (1407هـ ـ 1987م، ط37؛ مصطفى كاراتاس، رواة الحديث من حيث التقنية: 69 ـ 73، إسطنبول، دار الإشارات والسنة للنشر، 2006.
([8]) انظر على سبيل المثال إلى كتاب: فضل الرحمن، الإسلام، ط59؛ وإلى كتاب: دانيال براون، إعادة التفكير في الحديث في الفكر الإسلاميّ الحديث: 159، طبعة جامعة كامبريدج، 1996.
([9]) جوني پول، تراث المسلم: 112 ـ 113.
([10]) لم يُشِرْ جوني پول إلى كلمة لعمر تمّ اقتباسها من الموطّأ.
([11]) جوني پول، تراث المسلم: 112.
([13]) المصدر السابق: 109 ـ 110.
([15]) المصدر السابق: 121 ـ 124
([17]) المصدر السابق: 125 ـ 129.
([18]) المصدر السابق: 128 ـ 129.
([19]) ذكر جوني پول أن إسناداً في مسند الشافعي قد أضيف لها (المصدر السابق: 130).
([22]) ربيع ب. حبيب، الجامع الصحيح: 283، تحرير: محمد إدريس، بيروت ـ عمّان، دار الحكمة مكتبة الاستقامة، 1415هـ ـ 1995م.
([23]) تأريخ تراث المسلم: 218.
([24]) معمر ب. راشد، جامع، أ. د. حبيب الرحمن الأعظمي، مع مصنَّف عبد الرزّاق 11: 261، المكتبة الإسلامية، الطبعة الثانية 1403هـ ـ 1983م.
([25]) عبد الرزّاق، المصنَّف 6: 111. ويكرّر الإسناد مع كلمات مماثلة في المصنف 5: 312؛ تفسير القرآن: 205، تحرير: مصطفى مسلم محمد رياض، مكتبة آل رشد 1410هـ ـ 1990م، الطبعة الثانية.
([26]) عبد الرزّاق، المصنّف 6: 186.
([29]) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، كتاب الآثار: 207، (المحرِّر: أبو الفافا الأفغاني)، متبعة الاستقامة، 1355هـ ـ 1937.
([30]) محمد بن الحسن الشيباني، كتاب الآثار: 80، كراتشي، إدارة القرآن في العلوم الإسلامية 1407هـ ـ 1987م.
([31]) أبو حنيفة، المسند: 27، المحرِّر: صفوة السقّا.
([32]) سُجِّل في بعض المصادر كأبو رُبا أو أوبو رؤبا. (انظر: علي العقاري، في شرح مسند أبي حنيفة: 294، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405هـ ـ 1983؛ وابن حجر، تعجيل المنفعة في زوائد رجال الأئمّة الأربعة: 174، (المحرّر: أكرم الله أمداد الحقّ)، بيروت، دار الكتاب العربي.
([33]) أبو الوفاء الأفغاني، محرّر كتاب الآثار، يفسِّر أنّ هذا الشخص قد يكون عطيّة بن الحارث الهمداني الكوفي (أبو يوسف، كتاب الآثار: 207، ملاحظة المحرّر). ولكنْ في إسناد أبي حنيفة تدوين اسم أبو رُبا باسم شدّاد بن عبد الرحمن يبيِّن أن تفسير المحرِّر كان خاطئاً. وفي ذات الوقت فقد ذكر ابن حجر ابن رُبا شداد بن عبد الرحمن قد نقل الحديث المعني، وقد صنّفه ابن حِبّان كأحد الرواة الثقات. (ابن حجر، تعجيل المنفعة: 174. وانظر كذلك: ابن حبان، ذكاة 4: 354، المحرِّر: سيد شريف الدين أحمد، بيروت، دار الفكر، 1395هـ ـ 1975م). ويفهم من ذلك أنّ قول جوني پول بعدم تدوين اسم أبو رُبي في أيٍّ من كتب السير الذاتية هو ادّعاء باطل. (جوني پول، تراث المسلم: 123).
([34]) جوني پول، تراث المسلم: 123 (رقم 130).
([35]) ابن وهب، الجامع في الأحكام: 60، القاهرة، دار الوفي، 1425هـ ـ 2005م.
([36]) في الواقع فإنّ بعض الأسس التي استند إليها جوني پول غير صحيحة. على سبيل المثال: وافق جوني پول على ما أورده ابن وهب الجامع من أنّ (عبد الله) بن هبيرة كان معلماً، وذكره كثيراً بوصفه معلماً لابن لهيعة (عبد الله بن وهب مسلم القرشي، الجامع في الحديث: 57، 321، 323، 643، 741، تحرير: مصطفى الحسن الحسين، المملكة السعودية، دار ابن الجوزية، 1416هـ ـ 1996م.
([37]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: 56، بيروت، دار الفكر، 1404هـ ـ 1987م.
([38]) انظر على سبيل المثال إلى: ابن أبي شيبة، المصنّف: 44؛ أحمد بن حنبل، المسند: 52، 320، 531، 145، إلخ.
([39]) ابن عبد الحكم، فتوح مصر في المغرب: 303، تحرير: علي محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية، 1415هـ ـ 1995م.
([40]) أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، المعرفة في التاريخ: 132، تحرير: هليل منصور، بيروت، دار الكتب العالمية، 1419هـ ـ 1999م.
([41]) أبو يعلى أحمد بن عليّ المثنى التميمي، المسند: 36، تحرير: حسين سليم أحمد، دار المأمون للتراث، 1404هـ ـ 1984م؛ الطبراني، الطرق: 343؛ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي جوزيه، كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات: 106، تحرير: نور الدين بن سوكرو بن علي بوياسيلار، إضافة السلف، 1418هـ ـ 1997م.
([42]) أحمد بن أبي بكر البصيري، إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 280، تحرير: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد وأبي أسامة سيد بن محمود، الرياض، مكتبة الرشد، 1419هـ ـ 1998م؛ ابن حجر، المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 34، تحرير: قاسم بن صالح بن قاسم، الرياض، دار العصيم ودار غايس، 1420هـ ـ 2000م.
([43]) جوني پول، تراث المسلم: 116 ـ 117.
([44]) على الرغم من أنّ جوني پول اكتشف أن هشام بن أبي رقية كان تلميذ مسلمة بن مخلد؛ باستخدام المعلومات التي سجَّلها ابن حجر، فقد ذكر هشام كمجهول، مدّعياً أنّ هذا الرجل لم يذكر في مكان آخر، ولكنّ وهذا الافتراض هو أيضاً غير صحيح، فقد سجّل البخاري اسم هشام بن أبي رقية في كتب الرجال (التاريخ الكبير 8: 192)، و(تاريخ الثقات 2: 328). وشدَّد على أنّه كان مصرياً في كتب الحديث ابن أبي شيبة في المصنّف 6: 47؛ 7: 233؛ والحاكم في المستدرك 1: 684، ونقلت الأسانيد من خلال اسمه.
([45]) جوني پول، تراث المسلم: 117.
([47]) أبو يعلى، المسند 3: 289.
([48]) ابن حبان، الصحيح 12: 252، تحرير: شعيب آل أرناؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1412هـ ـ 1991م.
([49]) الطبراني، الطرق: 323؛ شرح المعجم الكبير 17: 305، تحرير: حمدي عبد المجيد السيلافي، القاهرة، مكتبة ابن تيمية.
([50]) أحمد بن حنبل، المسند 4: 159.
([51]) أبو بكر محمد بن هارون الروياني، المسند 1: 181، تحرير: أيمن علي أبو يماني، الرياض، مؤسسة قرطبة، مكتبة دار الراية، 1417هـ ـ 1995م.
([52]) الطبراني، المعجم الكبير 17: 301.
([53]) ابن حبان، الصحيح 3: 329.
([54]) ابن حجر، التهذيب 3: 63. وهناك معلومات عن هشام بن أبي رقية وردت سابقاً. (انظر أيضاً: ابن حجر، تعجيل المنفعة: 432).
([55]) أبو علي الحسن بن موسى الأشيب البغدادي، الجزء: 43، تحرير: خالد بن قاسم، دار العلوم الحديث، 1410هـ ـ 1990م.
([56]) ابن حنبل، المسند 4: 159.
([57]) ابن عبد الحكم، الفتوح: 322.
([58]) الفسوي، المعرفة 2: 293.
([60]) ابن عبد الحكم، الفتوح: 326
([61]) انظر: عليّ، الزبير، أنس، كتاب السنن الكبير للنسائي 3: 457 ـ 458، المحرّر: عبد الغفّار سليمان وسيد كسرواني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411هـ ـ 1991م. انظر: الصحابي الذي لم يُذكر اسمه (2: 444).
([62]) روى كلٌّ من البخاري والترمذي وأبو داوود هذا الحديث في كتاب العلم، ومسلم وابن ماجه نقلوا الحديث في «المقدّمة»، إلاّ أنّ هذا الوضع يعني أنّ هناك فصولاً أخرى لم تتضمّن الحديث.
([63]) البخاري في كتاب التاريخ الكبير 4: 292، تحرير: سيد هاشم الندفي، دار الفكر.
([64]) الترمذي، علل الترمذي الكبير (أبو طالب القاضي): 340، تحرير: صبحي السامرائي، أبو المعاطي النوري، محمود محمد السعيدي، عالم الكتب، 1409هـ ـ 1989م.
([65]) الأعظمي، حول أصول «شاخت»: 118. والأمر نفسه ينطبق على أنواع أخرى من الكتب. انظر مثلاً: جوزيف هورويتز، نموّ أسطورة محمد «حياة محمد»: 273، تحرير: يوري روبان، الولايات المتحدة الأميركية، أشغايت، 1998م.
([66]) جوني پول، تراث المسلم: 108.
([69]) سنن ابن ماجه: 34 (مقدّمة).
([71]) حمّاد بن سريع، الزهد 2: 638، تحرير: عبد الرحمن بن عبد الجبّار الفريفاي، الكويت، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1406هـ ـ 1986م.
([76]) ابن الجوزي، الموضوعات: 84.
([80]) مسند ابن حنبل 2: 410، 469.
([82]) أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، الطارق، الجزء الألف: 463، تحرير: بدر بن عبد الله، الكويت، دار النفائس، 1993.
([83]) ابن الجوزي، الموضوعات 1: 84.
([86]) صحيح مسلم: 2 (مقدّمة)؛ أبو يعلى، معجم الشيوخ: 57، تحرير: حسين سليم أسد، بيروت، دار المأمون للتراث، 1410هـ ـ 1989م.
([91]) ابن الجوزي، الموضوعات 1: 86.
([94]) ابن الجوزي، الموضوعات 1: 86.
([103]) مسند ابن حنبل 2: 365. راجع الإسناد الذى استمدّه من معلم آخر (2: 321).
([104]) ابن أبي شيبة، المصنف 5: 296؛ ابن راهويه، المسند 1: 341، تحرير: عبد الغفور بن عبد الحقّ البلوشي، مكتبة الإيمان، 1412هـ ـ 1991م.
([105]) البخاري، الأدب المفرد: 100، المحرّر: فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1409هـ ـ 1989م 100.
([106]) ابن الجوزي، الموضوعات 1: 85.
([109]) الطبراني، الطُّرُق: 213 ـ 227.
([110]) ابن الجوزي، الموضوعات 1: 95 ـ 96.
([111]) الطبراني، الطُّرُق: 169؛ ابن الجوزي، الموضوعات 1: 81.
([113]) مسند ابن راهويه 1: 290.
([114]) مسند الدارمي: 50، المقدمة.
([115]) الطبراني، المعجم الأوسط 3: 338، تحرير: طارق الحسيني، القاهرة، دار الحرمين، 1410هـ ـ 1990م.
([116]) الطبراني، مسند الشاميين 2: 247، المحرِّر: حمدي عبد المجيد السيلافي، 1405هـ ـ 1984م.
([117]) أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، المسند 2: 492، تحرير: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت القاهرة، دار الكتب العلمية، مكتبة المتنبي.
([118]) جوني پول، تراث المسلم: 114.
([119]) الحميدي، المسند 2: 492.
([121]) أبو عبيد القاسم بن سلام، غريب الحديث 3: 32، تحرير: محمد عبد المعيد خان، دار الكتب العربي، بيروت، 1396هـ ـ 1976م. والتعبير المتقدِّم لا ينبغي فهمه بأنّه يعلم أي إسناد للحديث، بل على العكس من ذلك، فقد نقل الحديث من كتاب فضائل القرآن (قاسم بن سلام، كتاب فضائل القرآن: 67 ـ 68، تحرير: مروان عطية، محسن حربا، وفا تقي الدين، دمشق ـ بيروت، دار ابن كثير، 1415هـ ـ 1995م).
([124]) الترمذي، العلل 1: 340.
([125]) مسند البزّار 1: 166 ـ 167.
([130]) المصدر السابق 20: 444.
([132]) الأعظمي، أصول شاخت: 118؛ أصول موتزكي: 22.
([133]) الكتاني، النظم المتناثرة: 37.
([136]) ابن حنبل، المسند 3: 39، 56؛ مسلم، الزهد والرقائق: 72.
([137]) ابن هاسر، التهذيب 7: 183.
([139]) سيتمّ التحقيق في هذا الموضوع في مقالٍ آخر.
([140]) انظر: أحمد بن حنبل، المسند 3: 490 ـ 491، 4: 106 ـ 107؛ البخاري، المناقب: 4؛ ابن حِبّان، الصحيح 1: 215.
([141]) الشافعي، المسند: 239؛ الطبراني، الطُّرُق: 358، إلخ.
([142]) وكيع بن الجراح، كتاب الزهد 3: 695 ـ 702، تحرير: عبد الرحمن عبد الجبار فريفاي، المدينة المنورة، مكتبة الدار، 1404هـ ـ 1984م.
([143]) انظر: حمّاد، الزهد 2: 638 ـ 640.
([144]) عبد الله بن محمد القرشي ابن أبي الدنيا، ذمّ الكذب وأهله، تحرير: محمد غسان نصوح أوزغو، دمشق ـ بيروت، دار السنابل، 1993م.
([145]) أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الشامري الخرائطي، مصافي الأخلاق ومضمونها: 31 ـ 61، تحرير: مصطفى بن أبي النصر الشلبي، مكتبة الصفدي للتوزيع، جدّة، 1412هـ ـ 1992م.
([146]) تضمَّنت كتب ابن أبي الدنيا (ذمّ الكذب: 40) والخرائطي (مصافي الاخلاق: 80) حديث (مَنْ حدَّث بحديثٍ يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكذّابين). ولكنّ هذا الحديث قد وجد في هذا الشكل في جامع ابن وهب. وقد وصفه جوني پول بأنّه انتشر قبل حديث (مَنْ كذب عليَّ). (جوني پول، تراث المسلم: 115 ـ 116).