الشيخ أحمد أبو زيد العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين
بعد نشر مقالي (الملحمة الحسينيّة فوق الشبهات) على الشبكة العنكبوتيّة تقدّمت به إلى مهرجان الشيخ الطوسي السنوي في مدينة قم المشرّفة المخصّص لأبحاث طلاب العلوم الدينيّة الأجانب، فأجريتُ عليه بعض التعديلات وأضفت إليه إشكالات لم ترد في نسخته الأولى. وقد حاز البحث ـ بحمد الله ـ على الرتبة الثانية ضمن أفضل ما كتب لهذا العام حول موضوع عاشوراء.
وقد اطّلعت مؤخّراً على نقد موقّع باسم السيّد حسين الأشقر ـ وهو أحد الإخوة اللبنانيّين في مدينة قم ـ تحت عنوان (الملحمة الحسينيّة والتحقيق).
ويبدو أنّ هناك شخصاً آزر أخانا الكريم في تحرير هذا الردّ؛ لأنّ مصادر قريبة جداً منه أكّدت أنّه لا يتقن الفارسيّة، في الوقت الذي استشهد في هذا المقال بمتون فارسيّة. ولستُ أعرف الشخص الذي استعان به، ولكنّه ورّطه في أخطاء فادحة؛ لأنّه لم يقف على المراد من المتون الفارسيّة كما يجب، بل فسّرها بطريقة معكوسة.
بدايةً لم أشأ تحرير ردٍّ في التعليق على ردّ أخينا الأشقر؛ لأنّني أعتقد أنّه لم يقدّم إجابات شافية عن إشكالات مقالي الرئيسيّة، بل حام حول جزئيّات يُمكن المناورة حولها دون نهاية. ولكن حيث إنّني استأتُ من حَرَدِهِ الشديد عليّ إلى الحدّ الذي جعله في عيون من قرأ ردّه متحاملاً ومتهجّماً ومتهكّماً، وحتّى لا يعتبر أصحاب هذا المنهج ــ الذي ألقى بتبعاته السلبيّة على حالتنا الإسلاميّة كلّها ــ أنّ يَدَهم مبسوطةً في كيل التهم والشتام دون رقيب، اقتنعتُ بتحريرٍ ردٍّ يظهر هفوات أدلّته من ناحية، ويسلّط الضوء على أسلوبه الهجومي غير اللائق من ناحية أخرى، وأسميتُ ردّي: (الملحمة الحسينيّة والتحقيق) نقدٌ يليق أم ردٌّ مليق، والمليق: ما لا شعر عليه.
وقبل أن أنتقل إلى معالجة ما سجّله أؤكّد على أمرين:
الأمر الأوّل: أنّني وجدت صعوبةً في فهم مراده من بعض عباراته؛ لأنّ أسلوبها كان مجافياً لما نأنسه في الكتابات العربيّة الحديثة والقديمة على حدٍّ سواء، وأنصحه في هذا المجال بتعزيز قراءاته الأدبيّة مقدّمةً لتحسين صياغته العربيّة.
الأمر الثاني: أنّني لن أستغرق في تسجيل ملاحظاتي، بل أكتفي بتسجيلها بنحو مختصر، خاصّة أنّني مهما كرّرت الفكرة فـ(مكانك راوح).
ومن هنا فإنّني لم أعلّق على كلّ كلمة أمكنني التعليق عليها؛ لأنّني لا أملك الوقت للدخول معه في القيل والقال، ووجدت أنّ من الأنسب أن أورد نصّ كلامه ثمّ أعلّق عليه لمماً على سبيل التهميش، وقد قمتُ في نهاية المطاف بإلحاق الطبعة المحسّنة من (الملحمة الحسينيّة فوق الشبهات) الذي فاز بجائزة مهرجان الشيخ الطوسي.
الملحمة الحسينية والتحقيق
رد على مقال الشيخ أحمد أبو زيد بعنوان: الملحمة الحسينية فوق الشبهات
بقلم: السيد حسين الأشقر الحسيني العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين…
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾(الفرقان: 72).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
كنت أود أن أمرّ بما كتبه الاخ الشيخ أحمد أبو زيد وبعض الآخرين مرور الكرام، فإن الانسان إذا أراد أن يتوقف عند كل ما يقال لذهب العمر بما لا طائلة منه، خصوصاً إذا كان ممن يدّعي شيئاً ويفعل خلافه كالموضوعية والعلمية التي ادعاها شيخنا العزيز ثم خالفها في عدة مواضع فيما كتبه بتعليقاته على كتاب «كربلاء فوق الشبهات» للمحقق سماحة السيد جعفر مرتضى الحسيني العاملي (حفظه الله)، وذلك بمقالة تحت عنوان: (الملحمة الحسينية فوق الشبهات وقفة مع استنتاجات السيّد جعفر مرتضى العاملي).
ولقد وقفت مع هذه الوقفة ليس دفاعاً عن السيد العاملي شخصاً أو منهجاً فهو لا يحتاج إلى مثلي مدافعاً لأنه إذا استطال الشيء قام بنفسه… بل؛ كي لا تسري الشبهات المنهجية ويصبح النقد والنقاش وسيلة للتطاول لا للوصول إلى الحقيقة المنشودة عند كل منصف…
أبو زيد: إذا كنت أيّها الأخ الكريم تعتبر ما جاء منّي تطاولاً وكنتَ تدين التطاول فتطاولك أوضح، وإن كنتُ لا زلتُ أعتبر أنّني لم أتطاول على سماحته البتّة، وخاطبته بكلّ لياقة، وما ورد في بعض النقاشات ليس إلاّ مقابلةً بالدليل، وهو غير ضارٍّ على الإطلاق.
أمّا إذا كنتَ تعتبر أنّ ما يلحق بسماحته لا يلحق بي فأنت مشتبه؛ لأنّني وإيّاه نحقّق موضوع هذا الحكم على حدٍّ واحد، ومقام الشخص الاجتماعي غير مأخوذ فيه (في موضوع الحكم) كما أنت خبيرٌ لكي يحقّ لك التمييز بيني وبينه.
فالملحمة الحسينية إن كان للشهيد مطهري فيدان مع فكره الخاطئ في هذا الكتاب لأنه ليس فوق الخطأ
أبو زيد: وكذلك المحقّق السيّد جعفر مرتضى الذي كدتَ تحرّم علينا مناقشته؛ فإنّه ليس فوق الخطأ، وليس مقامه ـ علميّاً ومعرفيّاً واجتماعيّاً ـ أعظم من مقام شهيدنا المطهّري مع احترامنا الشديد له لكي يحقّ لك إدانة (وأضع علامة استفهام حول تعبير بالإدانة) الشهيد مطهّري ولا يحقّ لي مناقشة السيّد المحقّق العاملي دون أن تصل النوبة إلى إدانته، فقد كنتُ بصدد مناقشة ما طرحه لا إدانته، ولكن لا أدري لماذا عبّرت بإدانة شهيدنا المطهّري مع فكره الذي اعتبرته ـ على نحو القضيّة القبليّة ـ خاطئاً، ولم تعبّر ـ مثلاً ـ بمناقشة فكره، وهي ـ أي المناقشة ـ حقٌّ مشروع لك ولا يحرّمها عليك أحد.
لماذا الإصرار على إدانة الشخص؟
وإن لم يكن له فحرام علينا أن نظلمه في محاولة تثبيتنا أن هذا الكتاب له، وتحميله الأفكار الخاطئة الموجودة فيه
أبو زيد: لا أعيد ما جاء في مقالي.
وما قام به السيد جعفر مرتضى (حفظه الله) هو محاولة لتنزيه ساحة الشهيد مطهري عن أفكار الكتاب السيء الصيت عند كل منصف في الحوزة العلمية باستثناء الحدثويين والتغيريين وأتباع من في قلبه مرض.
أبو زيد: (مضمون الرسالة يظهر من عنوانها) كما يقولون، وأشكرك على موضوعيّتك الناضحة وتحاملك الصريح الذي يكفيني وضوحُه مؤونة الاستدلال عليه، فعندما يكون موقفك من كتاب (الملحمة) بهذه القسوة ويكون سيءُ صيته من مسلّماتك وبديهيّاتك فماذا أقول لك؟
أمّا في ما يرتبط بالشقّ الأخير، فلا شكّ عندي في أنّ رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) كانوا أعظم التغييريّين والحداثويّين؛ فقد غيّروا مجتمعاتهم وحدّثوا مفاهيمها وأخلاقيّاتها، فهل يكفي كون المرء تغييريّاً أو حداثويّاً ليصبح هدفاً سهلاً لأوصافك التي جدت بها، أم أنّ هناك قيوداً كان من الواجب عليك التقييد بها؟ إذا كنتَ تعتقد بأنّ ما يغيّره التغييريّون سليمٌ لا يصحّ تغييره فهذا شأنك الخاص، ولكنّك حكمت عليهم بما ذكرتَ واعتبرتهم طيفاً واحداً ولم تميّز بين أطيافهم الكثيرة، وإلاّ فإنّ الإمام الخميني إمام التغييريّين في القرن العشرين، فما هو حكمه في ميزانك؟
يقول عظيمٌ من عظماء التغييريّين في القرن العشرين الإمام محمّد باقر الصدر: (أصعب ما يمكن أن يقاسيه زعيم أو قائد صاحب منهج وحياة أن يعيش في جماعة لا تتفاعل معه فكرياً، ولا تعيش مع أهدافه، ولا تعيش مع خطّه، مع إنسان يبذل كلّ ما لديه في سبيلهم، ثمّ هم لا يحسّون بأنّ هذا كلّه في سبيلهم، وإنّما يشكّون فيه، يشكّون في نيّته، يشكّون في دوافعه)، وإذا رأيت مصيبة غيرك هانت عليك مصيبتك..
وهنا، ندخل في صلب الموضوع في الملاحظات على ملاحظات الشيخ ابو زيد:
قوله: (وبعد سنوات من السيادة التي عاشها الكتاب، توجّهت الأنظار في السنوات الأخيرة إلى دراسة شكّكت في نسبته إلى شهيدنا المطهّري، الأمر الذي اقترب من تبديد غمامة الإحراج التي خيّمت على شريحة كبيرة من خطباء المنبر الحسيني المعاصر؛ باعتبار أنّ المطهّري أحرج في كتابه المذكور سياسة المنبر الحسيني السائدة؛ لما يحتلّه من موقع مرموق في عقول المسلمين ونفوسهم).
أقــــــــــول: الدراسة لم تشكك بل حسمت رأيها بنفي النسبة، وللآخر حرية القبول أو الرفض، ولكن المطلوب هو مقارعة الحجة بالحجة لا جمع الكلام بما لا دخل له بالموضوع إلاّ لمماً كما فعل شيخنا المذكور في عدة موارد، وما توهمه رداً على السيد سيراه هباء منثوراً بعد قليل.
أبو زيد: اعذرني لأنّني لا زلتُ أراه قائماً ولم أره كما ذكرت.
وكتاب الشهيد مطهري لم يحرج خطباء المنبرالحسيني الأصيلين الذي يثقون أين يضعون أقدامهم، إنما أراح المشككين الذين يتحرجون من أي فضيلة لأهل البيت عليهم السلام أو كرامة. وكذلك أحرج الذي يترقى المنبر ويستقي معلوماته من غير اهلها لعدم اطلاعه الكافي في الرد على شبهات مطهري وغيره.
أبو زيد: عدم التعليق أجدى.
قوله: (عندما اطّلعت على كتاب «كربلاء فوق الشبهات» للعلامة المحقق السيّد جعفر مرتضى العاملي صاحب المصنّفات المعروفة والذي خصّص فصله الثالث لحشد شواهد كثيرة خلص من خلالها أو كاد إلى نفي نسبة كتاب «الملحمة الحسينيّة» إلى الشهيد المطهّري، منعني اعتمادي على سماحته من التحقّق من أدلّته واستشهاداته، دون أن أبني في الوقت نفسه على صحّة استنتاجاته، يحدوني إلى ذلك استبعادُ أن يكون الكتاب متبنّى من قبل المؤسّسة الرسميّة التي تعنى بتراث الشهيد المطهّري، والتي تشرف عليها الدولة الإسلاميّة في إيران برعاية أنجاله وورثته، ومع ذلك لا يكون له!).
أقــــــــــول: إن الذي منعه من الاعتماد على سماحته وهو المبرز الخريت في هذه الصناعة، هو الذي منعني ويمنع الآخرين من الاعتماد على قول من يناقش إذا وجد فسحة من الوقت
أبو زيد: إنّ كتابتي للبحث في فسحة من الوقت لا تعني أنّه غير دقيق أو مستعجل. كما إنّ الخرّيتين لو استغرقوا في كتابة أبحاثهم مدداً طويلة فهذا لا يعني بالضرورة أنّها دقيقة، ولستُ أقصد شخصاً بعينه.
لأنه من الظاهر انشغاله بشيء أهم من العلم وتلقيه لأنه من الواجب أن يكون الشغل الشاغل لطلبة العلم هو هذا وأمثاله لا تسلية لوقت الفراغ من شغل آخر كما لا ينكر شيخنا الكريم وعليه بمراجعة كتاب منية المريد للشهيد الذي بذل روحه الشريفة فداء للمذهب والحقيقة لا وقته فقط.
أبو زيد: الحقيقة أنّه قد ساءني إدخال الأخ الكريم الأمور الشخصيّة في ردّه هذا، خاصّة أنّه أحالني إلى كتاب (منية المريد) الذي صنّفه شهيدنا الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، والذي لا أظنّ أنّ الأخ الكريم قد طالع فصوله بدقّة، أو أن يكون قد وقف على عنوانه دون مُعَنْوَنِه!
وللأسف الشديد فإنّ أخانا الكريم لم يُحِلني إلى بابٍ بعينه من الكتاب، فلم أدرِ: هل قصد الباب الثالث الذي يتحدّث فيه الشهيد عن شروط المناظرة وآدابها؟ والذي سأترك أمرَ تطبيقه للقارئ الكريم، خاصّة الآفة التاسعة من آفات المناظرة وما يتولّد منها (منية المريد، ص 182)؟
وإذا كان الواجب (أن يكون الشغل الشاغل لطلبة العلم هو هذا وأمثاله)، فلماذا لا يعمل هو بهذه النصيحة؟ ولا أريد الدخول في تفاصيل حياته الشخصيّة.
لكنّ الذي يستوقفني حقّاً أنّه لماذا تكون مناقشتي لسماحة السيّد العاملي (تسلية لوقت الفراغ) وتكون كتابة سماحته حول الموضوع فتحاً عظيماً ونصراً مبيناً؟!
ومعظمنا هنا يعلم بأنّ سماحته قد عقد النيّة منذ سنوات ـ ولا زال ـ على تأسيس مركز للتحقيق في مدينة قم لتنمية قدرات الطلبة التحقيقيّة والتأليفيّة، فلماذا يكون التحقيق والكتابة منكم منقبة ومنّا مثلبة! ولو كان التحقيق انشغالاً عن طلب العلم وتلقّيه لكان سماحته أكثر انشغالاً، ولكان مشجّعاً عليه من خلال مشروعه متقدّم الذكر.
أما بالنسبة لمعلوماته حول المؤسسة التي تُعنى بنشر تراث الشهيد مطهري فأظنها مغلوطة وليست دقيقة فالمؤسسة ليست تحت اشراف الجمهورية الاسلامية (صانها الله ورعاها) بل فقط تحت اشراف ورثة الشهيد مطهري بترخيص من الدولة كأي مؤسسة أخرى ومع ذلك، هذا لا يعصمها من الخطأ والاشتباه، فتدبر.
أبو زيد: ما سجّله هنا سليم، وهو المسألة الوحيدة السليمة في مقاله هذا؛ فمؤسّسة صدرا التي تُعنى بنشر تراث الشهيد مطهّري ليست تحت إشراف الدولة، وإنّما تحت إشراف ورثة الشهيد مطهّري فقط. والذي جعلني أعتقد بأنّها تحت إشراف الدولة هو أنّني على اطّلاع شخصيّاً بأنّ نجل الشهيد مطهّري يرأس مؤسّسة تعنى بفكر الشهيد مطهّري هي تحت إشراف الدولة، وحيث إنّ نجل الشهيد عضو في مؤسّسة صدرا، فقد كنت أظنّ أنّ منشورات صدرا تابعة لتلك المؤسّسة. ولكن بعد الاستفسار تبيّن لي أنّ منشورات صدرا مستقلّة عن الدولة وتابعة لورثة الشهيد فقط، والمؤسّسة الثانية التي يديرها نجل الشهيد تابعة للدولة.
ومهما يكن من أمر، فهذا لا يؤثّر على أصل الاستشهاد؛ إذ كونها تحت إشراف ورثة الشهيد كافٍ لتعزيز الشاهد الذي سُقتُه. إضافةً إلى أنّ صدور آثار الشهيد مطهّري بترخيص من الدولة مع كونه واجهة الدولة الفكريّة وليس شخصاً عاديّاً يقرّب الموضوع إلى ما ذكرت، ولكنّني على كلّ حال أعترف بوجاهة ما صحّحه لي الناقد، فأكون بذلك عاملاً بالعلامة السادسة من علامات المناظرة التي أوردها الشهيد الثاني في (منية المريد، ص169)، أليس كذلك أيّها الأخ الكريم!
وسنرد الملاحظات واحدة فواحدة فيما لا نقبله منها: ـ
أبو زيد: وماذا تفعل في ما تقبله؟ وما لم تتعرّض له في نقدك هذا هو أساس مقالي ومحوره.
1ـ قولـــــه: (افتتح سماحة السيد العاملي الطبعة الثانية من كتاب كربلاء فوق الشبهات بالتذكير بأنّ الإمام الخميني حينما وجّه الأنظار إلى مؤلّفات الشهيد مطهري فإنّما كان يعني بكلامه تلك المؤلفات التي ظهرت وطبعت ونشرت قبل استشهاده، باعتبارها المؤلّفات التي اطلع عليها، ولا يشمل ذلك ما لم يكن قد نشر من محاضراته، باعتبار أنّه لا يستطيع الحكم عليها، وأنّ حسن الظنّ لا يجدي في تأييد ما لم يتمّ الوقوف على مضامينه ولم تحصل المعرفة به).
أقــــــــــول: لنا أن نعلق على الكلام المذكور بلسان السيد العاملي بأن المراد من المعرفة هو المعرفة المباشرة أو بالواسطة، وهو لم يقل أن السيد الخميني قرأ جميع كتب الشهيد مطهري إنما قال حرفياً: «… فإن تلك المؤلفات كان رحمه الله قد اطلع عليها » (ص 7) وبين الاطلاع والقراءة بون شاسع كما تعلم. والمعرفة المقصودة مما لا شك فيه المعرفة الاجمالية المبنية على المعرفة الدقيقة للخطوط الاساسية للمنهجية المعرفية عند الشهيد مطهري
أبو زيد: أراك تتحدّث هنا كالحداثويّين الذين لا يروقون لك، والذين لا يروق لي الكثيرون منهم إن كنتَ تظنّني ذائباً فيهم!
والسيد الخميني كما ذكر كان أستاذاً ومربياً لمطهري ويعرفه معرفة تامة، وهذا لا ينفي أن يوجه الملاحظات أو يعني التبني التام والمطلق لكل ما يقوله الشهيد من قبل السيد الخميني،
وعلى ذلك فالوصية عامة ولكنها ليست مطلقة.
أبو زيد: طالما علينا أن نتعامل بدقّة كما ستقول لاحقاً، فأحتمل أنّك تدرك الفارق بين العام وبين المطلق، فالإطلاق الاصطلاحي عامٌ لغويّاً؛ لأنّ العموم اللغوي تارةً يستفاد من اللفظ في مرحلة المدلول التصوري فيسمّى عموماً بحسب الاصطلاح، وأخرى يستفاد من مقدّمات الحكمة في مرحلة المدلول التصديقي فيسمّى مطلقاً بحسب الاصطلاح.
ومن هنا لم أعرف ماذا قصدتَ من قولك إنّ الوصيّة عامّة وليست مطلقة، فإنّ عمومها كافٍ لترتيب الأثر على كلّ ما يتوقّف على كونها مطلقة.
وخصوصاً ـ كما قال السيد العاملي ـ لشيء نشر بعد شهادة المطهري وأكثر خصوصية أنها محاضرات وقصاصات ورق لم يقم الشهيد بمراجعتها الدقية كما تتطلب الحالة العلمية المعروفة عند الشهيد،
وبهذا تظهر صحة كلام السيد العاملي بأن هذا التبني اجمالي لا تفصيلي
أبو زيد: وأنا لم أقل بأنّ الإمام الخميني تبنّى آثار الشهيد مطهّري تفصيليّاً.
وزيادة على ما قلنا فالسيد الخميني لا يعلم الغيب وما ستؤول إليه الامور من الافكار والتصرفات
أبو زيد: ومن قال إنّ ذلك بالنسبة إلى الإمام الخميني غيبٌ؟ فأفكار (الملحمة الحسينيّة) سواءٌ حال صدورها من الشهيد مطهّري أم حال طباعتها في حياة الإمام الخميني وسكوته عنها تنتمي ـ بالنسبة إلى الإمام ـ إلى عالم الشهادة.
أمّا حديثك عمّا ستؤول إليه التصرّفات، فهذا كلّه راجعٌ إلى العناوين الثانويّة التي لسنا بصدد الحديث عنها أصلاً كما هو واضحٌ لمن وقف على تحرير محلّ النزاع.
فالالتفات حقيقة في كلام السيد الخميني هو للموجود خارجاً وهو المتيقن.
أبو زيد: نعم، كلام الإمام الخميني ناظرٌ إلى الخارج، وحيث إنّ أفكار محاضرات (الملحمة الحسينيّة) ألقيت في حياة الإمام، فإنّ مدح الإمام لآثار الشهيد مطهري (القلميّة) و(اللسانيّة) يشمل كتاب (الملحمة)، ولهذا فهذا الكلام لا ينفعك.
والشيخ منتظري عنكم ليس ببعيد..
أبو زيد: موضوع الشيخ منتظري قريبٌ منّا ومنكم على حدٍّ سواء، ولكنّ الاستشهاد به أجنبي عن محلّ الكلام وهو قياسٌ مع الفارق؛ لأنّ موضوع الشيخ منتظري يرجع إلى مدح الإمام الخميني إيّاه في أكثر سنين حياته، ثمّ رجوعه عن ذلك بعد أن تبيّن له ما تبيّن. فهنا يصحّ القول بأنّ الإمام الخميني لم يكن يعلم ما سيؤول إليه وضعه.
أمّا الشهيد مطهّري فقضيّته معاكسة؛ لأنّ مدح الإمام الخميني آثار الشهيد مطهّري القلميّة واللسانيّة جاء بعد شهادة الأخير، فليس هناك أصلاً مجالٌ لتغيّر الموضوع كما هو واضحٌ لك أيّها الأخ الكريم.
ثم أننا لا نستطيع أخذ كلام السيد الخميني (رحمه الله) ككلام المعصوم، فلا أحد يقول بعصمته، وربما سكت عن بعض شطحات الشهيد مطهري لوجود المصلحة الاكبر في مطالعة عموم كتبه لا سيما للشباب… ولعل… ولعل…
أوّلاً: حتّى طريقة المعصوم (ع) في بيان حال الأشخاص مطابقٌ لما وقع من الإمام الخميني وإن كان الإمام الخميني لا يعلم الغيب، فراجع كتاب (اختيار معرفة الرجال) الذي اختاره الشيخ الطوسي من كتاب الشيخ الكشّي لتقف على أنّ الأئمّة (ع) كانوا يقيّمون الأشخاص بلحاظ حالهم القائم لا الاستقبالي، فلاحظ.
ثانياً: يستسهل الناقد إطلاق عبارته الجارحة في حقّ شهيدنا المطهّري، فتارةً يصف كتابه بسيّء الصيت وأخرى يصف مطالبه بالشطحات.. ومع ذلك فهذا ممّا لا إشكال فيه عنده؛ لأنّ شهيدنا المطهّري (حيطه واطٍ) وكرامته مشاعة، ولكنّنا إذا استقربنا ـ لاحقاً ـ أنّ سيّدنا العاملي يورد ملاحظاته لمجرّد مراكمة الإشكالات تقوم قيامة أخينا الناقد ولا تقعد وكأنّ صروح الإسلام قد هدمت!!
ثالثاً: نكمل عبارة الناقد المرتبطة باحتمالاته حول موقف الإمام الخميني فنقول: ولعلّ الإمام الخميني لم يرَ بأساً في انتشار ما طرحه الشهيد مطهّري.. ولعلّ… ولعلّ… خاصّةً أنّ كتاب (الملحمة) طبع في حياة الإمام، فلو كان يرفضه لأمر بسحبه، خاصّة أنّ الشهيد مطهّري واجهة الدولة الفكريّة منذ أيّام الإمام الخميني كما هو معروفٌ لدى المطّلعين.
قولــــه: (وعلى هذا الأساس، نجد أنّ تعامل سماحته مع كلام الإمام الخميني يكاد يكون تعاملاً رياضيّاً مفرطاً، خاصّة عند القول بأنّ الإمام الخميني قد امتدح مؤلّفاته، وكتاب «الملحمة الحسينيّة» ليس مؤلّفاً، فلا يكون مشمولاً. ولو أردنا التعامل بالروح الحَرْفيّة نفسها، فإنّ النصوص التي امتدح فيها الإمام الخميني آثار الشهيد مطهري متعدّدة وطرق تعبيرها متفاوتة؛ ففي بعضها أوصى الطلاب الجامعيين والمثقفين الملتزمين بأن لا يَدَعوا دسائس الاستكبار تنسيهم قراءة كتب الشهيد مطهري. وإذا كان هذا النصُّ مفيداً باعتباره تحدّث عن «كتب» الشهيد مطهري، والقدر المتيقن من ذلك الكتب الصادرة في حياته، فماذا نفعل بالنص الذي يمتدح فيه الإمام فكر الشهيد مطهري فيتحدّث عن آثار قلمه وآثار لسانه، ومن الواضح أنّه لا فرق بين آثار لسانه إذا سمعناها قبل استشهاده وبين ما لو سمعناها بعده، فلا يصحّ القول بأنّ كلام الإمام الخميني لا يشمل محاضرات الشهيد مطهّري باعتبار أنّه لم يستمع إليها جميعها ولم يتحدّث عنها، وهل تتصوّرون أساساً أنّ الإمام قد اطلّع على كتب الشهيد مطهّري جميعاً وبجميع جزئيّاتها؟!
أقــــــــــول: من المطلوب في المحاكمة العلمية التعامل بدقة متناهية، وهذا ما تعلمناه في الحوزة العلمية والجامعة الاكاديمية حيث التعامل مع كلام العلماء يكون بالحرفية، ويأتي التبرير بعد ذلك لأي شيء… وهذا أيضاً ما ركز عليه علماؤنا بتعليم المنطق الصوري في الحوزة وبعض المنطق الرياضي ليتم التعامل مع الافكار بدقة وموضوعية بغض النظر عن القائل وجلالة شأنه… وهذ ما فعله سيدنا المحقق لا أكثر…
وهنا، حيث الكلام عن عَلم كالسيد الخميني لا بد من أخذ كلامه بالقدر المتيقن وهو المطبوع أو المنجز في حياة صاحبه أما بعد ذلك فلا أظن…
أما بالنسبة لما ذكره من وصيته المختلفة بصيغها، فهي معلومات قيمة نشكره عليها ولكن لا تفيد في المقام، لأن مدح آثار القلم واللسان هو مدح للمنهجية والعلمية التي كان يتصف بها الشهيد مطهري، وكذلك أنا معه فالآثار الشفوية كالخطية وما نسمعه من فم الشهيد مطهري ننسبه إليه قولاً لا تبنياً لأنه أوصى بذلك كما علمت، أما أن ينقله شخص ما فالتورع يمنعنا أن ننسبه إليه إلاّ على نحو الحكاية
ولا يجدي في المقام وجود مؤسسة لأن عوامل النشر ودواعيه كثيرة ـ بعد الاطلاع على عالم النشر ـ لا نود الخوض فيها.
وبالنسبة للإطلاع على كل آثار الشهيد من قبل السيد الخميني، فنقول لما لا؟ إن الذي يجد وقتاً لإدارة شؤون الامة بكاملها يستطيع وهو المنظم بشكل كبير أن يجد وقتاً يطالع فيه ما نصح الشباب بأن يقرؤوه، ونحن لا ننسب السيد الخميني لخديعة الشباب بل ينسب إليه ذلك من يتهمه بأنه يوصي بشيء لا يعرفه تمام المعرفة. ولا أظنه يلتزم بهذه الملازمة…
أبو زيد: لا أظنّك قد وقفت في نقدك هذا أيّها الأخ الكريم على ما نتعلّمه في الحوزة والجامعة؛ لأنّ أهل العلم يعرفون أن التعامل بالدقّة أو بالتسامح رهينٌ بطبيعة الخطاب محلّ البحث، فالمكلّم تارةً يكون في مقام التحديد الدقّي، كما هو الحال مثلاً في بيان المقادير والقياسات والأوزان وغيرها، وأخرى في مقام البيان العرفي.
ولعلّك مررت في أبحاث الفقه وأصوله بقضايا من قبيل (مناسبات الحكم والموضوع) أو (الأخذ على نحو الطريقة أو الموضوعيّة)، أو (الأخذ بالمفهوم التسامحي والتدقيق في التطبيق المصداقي)، ولا أحسبني مطالباً بالاستدلال على بطلان ما ادّعاه أخونا الكريم؛ لوضوح هذا الأمر عند أهل العلم، ولو صحّ ما قاله لما بقي في الفقه حجر على آخر.
ولهذا يقول الشهيد الصدر: (الشارع وإن كان دقيقاً، الاّ أنّه في مقام المحاورة والتشريع يتبع نفس الطريقة العرفية التي يتعامل فيها مع قيد قصد القربة كما يتعامل مع سائر القيود في مقام المحاورة) (بحوث في علم الأصول 2: 69).
وأكتفي بذكر مثال كنت في رحابه منذ يومين، وهو ما ورد في بحث الترجيح بمخالفة العامّة في رواية الراوندي المعروفة في كتاب التعارض؛ حيث قال الشهيد الصدر: (الثاني: المخالفة والموافقة مع العامة، فيرجّح ما خالف أخبارهم على ما وافقها. وقد يقال باختصاص هذا الترجيح بما إذا كانت المخالفة والموافقة مع أخبارهم؛ لأنه الّذي نصّ عليه الحديث، إلاّ أنّ الصحيح التعدي إلى الموافقة والمخالفة مع فتاواهم وآرائهم أيضاً وإن كانت على أساس غير الأخبار من أدلّة الاستنباط عندهم؛ فإنه لا فرق بينه وبين الموافقة مع أخبارهم في الترجيح القائم على أساس نكتة طريقيّة لا تعبديّة) (بحوث في علم الأصول، ج7، ص 358).
فعندما تكون النكتة طريقيّة غير تعبّدية، فلا إشكال في عدم حمل الكلام على حرفيّته الرياضيّة، وهل من المقبول أن نقول: إنّ الإمام الخميني مدح كتب الشهيد مطهّري، فلا يشمل مدحه الكتيّبات؟ إنّ من الواضح هنا هو أنّ (الكتاب) مأخوذٌ على نحو الطريقيّة إلى ما يعبّر عن فكر الرجل، سواءٌ كان كتاباً أم كتيّباً أم مقالاً أم محاضرةً، وأجدني أتكلّف توضيح ذلك؛ فإنّه من الواضحات لديّ.
ـ2ـ قولــــه: (ذكر السيّد العاملي في مقام الاستدلال على عدم صحّة نشر أثرٍ للشهيد مطهّري بعد وفاته ودون موافقته أنّ كتباً أخرى للشهيد جمعت بعد وفاته ومن أوراقه، كالكتاب الذي تناول فيه «الاقتصاد الإسلامي»، وحينما ظهر أنّ الكتاب يشتمل على أمور غير مقبولة أمر الإمام الخميني بجمعه ومنع من نشره. ولكنّ القصّة ـ كما ذكرتها لنا شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري ـ هي أنّ منشورات «حكمت» عمدت إلى مدوّنات للشهيد مطهري حول الاقتصاد الإسلامي فنشرتها في حياة الإمام الخميني مع تعليقات للناشر فاقت متن الشهيد، وقد أثار الكتاب حفيظة جمع من رجالات الحوزة الذين قابلوا الإمام الخميني واعترضوا أمامه على الكتاب، فطلب سحبه درءاً للفتنة. ولكنّ مؤسّسة «صدرا» المولجة مهمّة نشر آثار الشهيد مطهري قامت بطبعه في حياة الإمام الخميني بعنوان «نظرى به نظام اقتصادى اسلام» دون أن يثير ذلك حفيظة أحد؛ لأنّ «الأمور غير المقبولة» التي استدعت سحب الكتاب من الأسواق نجمت عن تعليقة الناشر لا عن كلام الشهيد.
أقــــــــــول: هذا ادعاء نحتاج فيه إلى توثيق كلام كاتب المقال، ونحن سنوثق ما لم يوثقه واحالنا على مجهول ، وهو وإن ذكر احد الاسباب لحجب الكتاب وسحبه من الاسواق ولكنه تغافل عن الاسباب الباقية التي ربما هي الاهم والتي دعت السيد الخميني لسحب الكتاب.
أبو زيد: من اعتبرته أنت مجهولاً هو ـ كما ذكرتُ أناـ : (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري)، وهي الجهة التي كتبت مقدّمة (الملحمة الحسينيّة) ومقدّمة كتاب (الاقتصاد الإسلامي) على حدّ سواء، فكيف يكون كلامها معتبراً في الثانية ـ فتستشهد به أنت ـ دون الأولى ـ فتشكّك في دقّتها في طيّات مقالك ـ فهل تقول بالتبعيض في الحجيّة؟
وعلى كلّ حال، فأنا لم أتغافل عن الأسباب الذي ستذكرها الآن، وليست الأسباب التي ستوردها هي الأسباب الأهمّ في سحب الإمام الخميني الكتاب من الأسواق، وذلك بحسب تصريح (الهيئة) لي كما أثبتّه في مقالي، وهي الهيئة نفسها التي ستورد أنت نصّها الآن. ومن الطبيعي أن لا تأخذ بكلامي، ولهذا سأحيلك على ما كنتُ قد أضفته في النسخة المزيدة من مقالي الأساسي؛ حيث حصلت على النسخة التي تمّ سحبها من الأسواق ودرستُ الأسباب وبيّنتها.
وإليك أخي القارئ النص الحرفي باللغة الفارسية لمقدمة كتاب الاقتصاد الاسلامي الذي تذكر فيه الهيئة الاسباب وبلغت أربعاً لسحب الكتاب من السوق ، ولربما كان هناك من الاسباب التي لم تذكر جعلت السيد الخميني يطلب ما طلبه في خصوص هذا الامر:
پيشگفتار كتاب حاضر، يكی از آثار قلمی متفكر شهيد استاد مرتضی مطهری است كه پس از شهادت ايشان به چاپ میرسد و مشتمل بر يك مقدمه و هشت بخش است. مقدمه خود از دو قسمت تشكيل شده، مقالهای تحت عنوان (نظری به اقتصاد اسلامی) و بخشی درباره (اقتصاد سالم).
بخش اول اين كتاب در تعريف اقتصاد و مفاهيم اقتصادی است. در بخش دوم درباره (مالكيت از نظر فلسفی) سخن رفته. بخشهای سوم و چهارم را بحث درباره (ارزش) و (ارزش اضافی) تشكيل میدهد. در بخش پنجم سرمايه داری و سوسياليسم از ديدگاه اسلام مورد بررسی قرار گرفتهاند بخش ششم را (رسالههای اقتصادی) تشكيل میدهد كه مشتمل بر سه رساله است: (مالكيت زمين از نظر اسلام انفال)، مسأله ارث، سوسياليسم بخش هفتم نوشتههايی است پيرامون (اسلام و اقتصاد). (يادداشت نظری به نظام اقتصادی اسلام) كه خلاصه و كلاسه فشردهای است از مطالب كتاب، بخش هشتم و آخرين بخش اين كتاب را تشكيل میدهد.
استاد شهيد در حاشيه نسخه دستنويس خود، عناوين و خلاصههايی از مطالب متن را نگاشتهاند. اين عناوين و خلاصهها را فهرست مشروح كتاب قرار داديم. چنانكه از نسخه دستنويس بر میآيد، آن متفكر گرانقدر دوبار متن نوشته شده را مورد مطالعه و تأمل قرار دادهاند، زيرا متن با قلم خودنويس نگارش يافته و در حاشيه آن دو نوع اضافات يكی با قلم خودنويس و ديگری با خودكار آبی مشاهده میشود، و اين دومی نشان میدهد كه استاد شهيد در اواخر حيات مبارك خود نيز آن را مورد مطالعه قرار دادهاند چرا كه تنها در سالهای آخر حيات بود كه ايشان با خودكار مینوشتند و قبل از آن فقط با قلم خودنويس مینگاشتند.
به هر حال اين اضافات كه همه در تأييد و تكميل نظرات قبلی بوده است به تناسب و همان طور كه خود ايشان مشخص كردهاند در متن يا پاورقی ذكر گرديدند قبلا كتابی تحت عنوان (بررسی اجمالی مبانی اقتصاد اسلامی) به نام استاد شهيد به چاپ رسيده است كه به دلائلی انتشار آن متوقف گرديد كتاب مذكور اشكالاتی از نظر نحوه تنظيم به شرح ذيل داشت
1 ـ بر برخی مطالب استاد پاورقيهای نسبتا مشروح زده شده و يا اضافاتی در متن به عمل آمده بود در داخل كروشه و به طور مشخص كه صرف نظر از لزوم يا عدم لزوم آن پاورقيها و اضافات، اين روش مورد تأييد (شورای نظارت بر نشر آثار استاد شهيد) نيست و شورا در تنظيم آثار استاد چنين حقی برای خود قائل نيست و معتقد است اين روش اصالت آثار استاد را مخدوش میسازد
2 ـ در برخی موارد كه استاد اشارهای به مبانی فلسفی مسائل اقتصادی داشتند و بحث صرفا جنبه فلسفی داشت نه جنبه اقتصادی، آن بحث به مثابه يك بحث اصلی تلقی شده و اضافاتی در متن يا پاورقی اعمال گرديده بود، مانند بحث (در حقيقت اعتبار) در بخش (مالكيت از نظر فلسفی) همچنين در برخی موارد كه استاد اشارهای به مبانی حقوقی مسائل اقتصادی داشتند و بحث صرفا جنبه حقوقی و يا حقوقی و فلسفی داشت دستنويسهای ديگر استاد نيز نقل شده بود ( مانند نقل رساله حق و حكم) در حالی كه همان مقدار كه استاد به بحث پرداخته بودند كافی به نظر میرسيد. اين امر باعث گرديده بود كه كتاب مذكور انسجام مطلوب را نداشته و گاه از موضوع اصلی خود خارج شده باشد
3 ـ در مواردی ميان دستنويسها تلفيق صورت گرفته بود كه اين روش نيز مورد تأييد (شورای نظارت) نيست، زيرا در تلفيق، احتمال تحريف سهوی وجود دارد و ما در عدم حضور استاد چنين حقی نداريم. البته در تلفيقهای مذكور تحريفی رخ نداده بود
4 ـ در مواردی دستخط استاد اشتباه خوانده شده بود كه البته اين اشتباهات، مغير معنی نبوده است.
همين طور است وضع رساله (سوسياليسم) كه در كتاب حاضر در بخش (رسالههای اقتصادی) آمده است و البته صرفا جنبه اقتصادی ندارد، جنبه جامعه شناسی و فلسفه تاريخ نيز دارد. همچنين در آن كتاب در بخش (رسالههای اقتصادی) بحثی تحت عنوان (بيمه) آمده بود كه مشتمل بر دو سخنرانی آن متفكر شهيد در انجمن اسلامی پزشكان بود. متن كامل و تصحيح شده آن بحث قبلا در كتاب (مسأله ربا، به ضميمه بيمه) كه توسط (شورای نظارت) به چاپ رسيده منتشر شده است گذشته از يادداشتهای كوتاهی كه در حد فيش برداری است و چند يادداشت كه جنبه اقتصادی آنها ناچيز بود و نقل آنها به (سلسله يادداشتهای استاد) موكول شد و نيز بحث بيمه كه شرح آن گذشت، در اين كتاب نه تنها هيچ مطلبی نسبت به كتاب مذكور حذف نشده است بلكه – چنانكه گفته شد – مطالبی از استاد كه در آن كتاب ذكر آنها لازم ديده نشده بود آورده شده است ذكر اين نكته ضروری است كه استاد در ضمن نقل برخی اقوال از كتابهای مختلف، و در داخل پرانتز مطالبی به نقل افزودهاند. اين اضافات، به تناسب در داخل نقل قول و يا پاورقی ذكر گرديده است بديهی است كه اگر استاد شهيد حضور میداشتند كتابی به مراتب كاملتر از كتاب حاضر ارائه میدادند، ولی افسوس كه منافقان تحمل وجود او را نداشتند و به تعبير امام عزيز " همگان را از ثمرات ارجمند او محروم نمودند ". باشد كه همين مختصر، كارمايه ای باشد برای محققين اسلامی تا " نظام اقتصادی اسلام " را به طور كامل تبيين و تدوين نمايند يازدهم ارديبهشت 1368 برابر با دهمين سالگرد شهادت استاد شورای نظارت بر نشر آثار استاد شهيد مطهری. انتهى.
ونحن لن نترجم هذه المقدمة برمتها بل سنكتفي بترجمة السبب الثالث الذي يظهر خوف القيمين من التحريف حتى السهوي منه في كلام الشهيد مطهري: (3 ـ در مواردی ميان دستنويسها تلفيق صورت گرفته بود كه اين روش نيز مورد تأييد (شورای نظارت) نيست، زيرا در تلفيق، احتمال تحريف سهوی وجود دارد و ما در عدم حضور استاد چنين حقی نداريم. البته در تلفيقهای مذكور تحريفی رخ نداده بود حيث إن هناك موارداً قد أضيفت بصورة تلفيقية داخل المتن مما كتبه بخطه على هامش نسخته الأساس ، وهذا الأسلوب لم يؤيده مجلس الرقابة، لأن في التلفيق احتمال التحريف السهوي، ونحن في عدم حضور الأستاد ليس لدينا مثل هذا الحق، نعم لم يحصل في التلفيقات المذكورة تحريف.)
أبو زيد: وهنا سأسجّل لك ما ذكرته في نسختي الثانية من مقال (الملحمة الحسينيّة فوق الشبهات) تحت عنوان: الاستدلال بسحب كتاب (الاقتصاد الإسلامي) من الأسواق سيف ذو حدّين:
ذكر السيّد العاملي في مقام الاستدلال أو الاستشهاد على عدم صحّة نشر أثر للشهيد مطهّري بعد وفاته ودون موافقته أنّ كتباً أخرى للشهيد جمعت بعد وفاته ومن أوراقه، كالكتاب الذي تناول فيه (الاقتصاد الإسلامي)، وحينما ظهر أنّ الكتاب يشتمل على أمور غير مقبولة أمر الإمام الخميني بجمعه ومنع من نشره (كربلاء فوق الشبهات: 9).
والحقيقة: أنّ الاستدلال بحال كتاب (الاقتصاد الإسلامي) يذكّرنا بما وقع بين الفقهاء في مقام الاستدلال على طهارة الكتابي؛ إذ بعد أن استدلّ فريقٌ منهم على النجاسة ببعض الروايات، أتى آخرون واستدلّوا بالروايات نفسها على الطهارة؛ مستندين في ذلك إلى ما تكشف عنه هذه الروايات من ارتكاز متشرّعي على الطهارة.
قال الشهيد الصدر!: «كما إنّ الشيخ قد تمسّك ببعض روايات الطهارة لإثبات النجاسة؛ فقد استدلّ على النجاسة برواية عليّ بن جعفر في ماء الحمّام، مع ذيلها الذي عرفت منّا أنّه يدلّ على الطهارة» (بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 354)
وكذلك ما نحن فيه؛ فإنّ استحضار كتاب (الاقتصاد الإسلامي) لتسييل الإشكال على (الملحمة):
تارة: يقوم على نكتة الاشتمال على مطالب غير مقبولة، فهنا نقول: من الذي يحدّد مقبوليّة المضامين وعدمها؟
إذا كان الإمام الخميني، فإنّ أجزاء (الملحمة) الثلاثة صدرت على التوالي سنة 1361 و1363 و1366ش، أي: إنّها صدرت كلّها في حياة الإمام (ت1368ش)، وهذا ـ بحسب منهج استدلال سماحته ـ يكشف عن أنّ مضامين (الملحمة) مقبولة لديه، وإلاّ لمنع نشرها على وزان ما فعل مع كتاب (الاقتصاد الإسلامي)، خاصّة أنّ أجزاء (الملحمة) صدرت متفرّقة ولم تصدر في زمان واحد حتّى يقال مثلاً: إنّها صدرت فجأة ولم تسمح الظروف للإمام بالأمر بسحبها من التداول؛ فإنّه لو كان يرى بأساً بعد صدور الجزء الأوّل لمنع صدور الثاني والثالث، ولكنّه لم يفعل.
وأخرى: يقوم على نكتة عدم صحّة نشر ما لم يقم الشهيد نفسه بنشره. وهنا نقول: إنّ الإمام الخميني إن كان قد أمر بسحب كتاب (الاقتصاد الإسلامي) من التداول، فهذا بحدّ نفسه دليل على عدم شمول الإشكال لكتاب (الملحمة)؛ لأنّه سكت عن نشر أكثر من عشرين كتاباً صدرت للشهيد بعد استشهاده سنة 1358هـ وقبل رحيل الإمام سنة 1368هـ ، وبما فيها (الملحمة)، وهي بالترتيب كالتالي: كليّات العلوم الإسلاميّة (ج1،2،3) (1359)؛ المجتمع والتاريخ (1359)؛ إحياء الفكر الإسلامي (1360)؛ حول الثورة الإسلاميّة (1360)؛ معركة الحقّ والباطل (1360)؛ الحريّة المعنويّة (1361)؛ الملحمة الحسينية ج1 (1361)؛ شرح المنظومة (1362)؛ الملحمة الحسينية ج2 (1363)؛ نقد على الماركسيّة (1363)؛ الإمامة والقيادة (1364)؛ التعرّف على القرآن (1364 ـ 1366)؛ جولة في السيرة النبويّة (1364)؛ التعليم والتربية في الإسلام (1365)؛ فلسفة الأخلاق (1365)؛ مسألة المعرفة (1365)؛ الإسلام ومتطلّبات العصر (1366)؛ الإنسان الكامل (1366)؛ حول الجمهوريّة الإسلاميّة (1366)؛ مسألة الربا (1366)؛ الملحمة الحسينية ج3 (1366)؛ أجوبة الأستاذ على ما لوحظ على كتاب مسألة الحجاب (1367)؛ الخاتميّة (1367)؛ جولة في سيرة الأئمّة الأطهار(ع) (1368)؛ الفطرة (1368)؛ نظرة إلى نظام الإسلام الاقتصادي (1368).
واستمرّ صدور كتب الشهيد على هذا المنوال بعد رحيل الإمام، وأغلبها عبارة عن محاضرات تمّ تدوينها، ولا يتجاوز عدد الكتب التي صنّفها الشهيد وأعدّها للنشر في حياته ولكنّها نشرت بعد استشهاده عدد أصابع اليد بحسب ما ذكرته لنا شورى الإشراف على نشر تراث الشهيد.
أمّا كتاب (الاقتصاد الإسلامي) فحكايته ـ على ما علمناه من شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري ـ أنّ منشورات (حكمت) عمدت إلى كتابات ومدوّنات للشهيد مطهري حول الاقتصاد الإسلامي فنشرتها في حياة الإمام الخميني تحت عنوان (بررسى اجمالى مبانى اقتصاد اسلامى) مع تعليقات للناشر، وقد أثار الكتاب حفيظة جمع من رجالات الحوزة العلميّة الذين التقوا بالإمام وأبلغوه اعتراضهم على جملة من مضامين الكتاب، فطلب الإمام سحبه من الأسواق درءاً للفتنة. وبعد ذلك قامت مؤسّسة (صدرا) المولجة مهمّة نشر آثار الشهيد مطهري بطبع الكتاب نفسه بعنوان (نظرى به نظام اقتصادى اسلام) مع حذف الهوامش التي لا ترجع إلى شيخنا الشهيد، ومع الحفاظ على سبك الكتاب كما خلّفه الشهيد، ولم يثر الكتاب حفيظة أحد؛ لأنّ (الأمور غير المقبولة) التي استدعت سحب الكتاب من الأسواق كانت بسبب تعليقة الناشر لا كلام الشهيد.
وبعد الاطّلاع على طبعة منشورات (حكمت) العائدة إلى سنة 1403هـ والمطبوعة بكميّة 100.000 نسخة، تبيّن لنا أنّ الناشر قد أضاف إلى الكتاب نوعين من المطالب، وقام بتمييزها جميعاً عن مطالب الشهيد الأساسيّة بوضعها بين عضادتين:
النوع الأوّل: عبارة عن أفكار للشهيد مطهّري نفسه استدعاها الناشر من سائر محاضراته ومصنّفاته ودمجها في المتن واضعاً إيّاها بين عضادتين (ص: 46، 47، 48، 54، 55، 77، 78، 85، 93، 95..)، أو وضعها في الهامش بين عضادتين كذلك.
النوع الثاني: أفكار للناشر نفسه أضافها إلى كلام الشهيد في المتن تارةً، وفي الهامش أخرى (ص 74، 88، 89..)، وهي أفكار مطوّلة في بعض الأحيان، وصلت في بعض الموارد في المتن إلى سبع صفحات ونصف الصفحة (ص135 ـ 142)، وفي الهامش إلى تسع صفحات (ص: 97 ـ 106).
وعندما أعدنا الاستفسار عن طبيعة الإشكالات التي أثارها رجال الحوزة المعترضون ذكرت لنا (الشورى) أنّ كلام الناشر حمل بنظر المستشكلين الروح الماركسيّة في الاقتصاد. وقد قامت مؤسّسة صدرا بعد ذلك بإعادة نشر الكتاب بدون هذه الإضافات ونشر سنة 1368ش سنة رحيل الإمام.
وإذا أغمضنا النظر عن ذلك، فإنّ الدمج بين مطالب الشهيد بهذه الطريقة كافٍ لوحده لإثارة البلبلة على الكتاب.
والغريب أنّ سيّدنا العاملي يستند في الجزء الخامس من كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص)) ـ بطبعته الحديثة الصادرة بعد كتابه (كربلاء فوق الشبهات) ـ إلى كلامٍ لشيخنا الشهيد نشرته صحيفة (جمهوري إسلامي) الفارسية رقم261 الصادرة بتاريخ10 جمادى الثانية سنة 1400هـ ، وهو بدوره عبارة عن مطلب ورد في كتاب (نظرى به نظام اقتصادى اسلام)([1])، وهو الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه، والذي يشتمل على مدوّنات للشهيد مطهّري على غرار مدوّنات (الملحمة الحسينيّة) في جزئها الثاني!!
وإذا كان سيّدنا قد اعتمد على هذا المطلب لعدم علمه بأنّه ضمن آثار الشهيد مطهّري التي لم يراجعها، فلا يخفى أنّه ـ بعد أن أثار إشكالاته على كتاب (الملحمة) ـ يعلم جيّداً أنّ آثار الشهيد مطهّري قسمان: الأوّل يصحّ الاستناد إليه، وهو ما نشره في حياته، والآخر بخلافه، وهو ما نشر بعد استشهاده. ولذلك لا يصحّ لسيّدنا التمسّك بأيّ كلام منسوب للشهيد إلاّ بعد التأكّد من دخوله تحت القسم الأوّل، وإلاّ كان الاستناد إليه على أمل أن يكون من القسم الثاني من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وهو ممنوع.
قولــــه: (والأقرب أن يكون هذا النقض من سماحته مجرّد نقض جدلي لمراكمة الإشكالات، وإلاّ فماذا يفعل بالجزء الأكبر من تراث علمائنا الذي نشر بعد وفاتهم ودون مراجعتهم؟! وعلى أي أساس نقوم بنشر المخطوطات التي لم ترَ النور في حياة مؤلّفيها؟ وكيف يبرّر سماحته نشر كتب والده التي لم يُطبع قسمٌ منها في حياته؟!)
أقــــــــــول: هل أصبح كاتب المقال عالماً بنوايا الناس حتى يرجم بالغيب ويتهم أحد المؤمنين بإنه يراكم الاشكالات! في محاولة سافرة لهدم المصداقية العلمية وأن مجموعة من الغرائز تتحكم بالسيد العاملي عندما كتب كتابه، فهل هذا مقبول شرعاً وعرفاً؟ فهو لم يضع فكرة التراكم احتمالاً إنما جعلها الاقرب وهذا المصطلح له مدلوله الفقهي والعلمي يعرفه الكاتب أكثر من غيره مما يعني اتهاماً صريحاً لسيدنا العاملي في دينه وأمانته، فهل هذا هو دين كاتب المقال؟! سؤال برسم الاجابة…
أبو زيد: لم أستغرب صدور مثل هذا الكلام منك، والأمر بحسب المثل الذي راج كثيراً: (شنشنة نعرفها من أخزم)!
أوّلاً: أنا استقربت الأمر ولم أجزم به أو أحلف به على كتاب الله.
ثانياً: عندما أقول مستقرباً بأنّ سماحته راكم الإشكالات ـ ولا زلت أعتقد بذلك ـ أكون متّهماً له في دينه! بيّن لي المقدّمات المنطقيّة حتّى أسلّم لك بالنتيجة…
ولكن عندما يكون من لا يعتبر كتاب (الملحمة) سيّءَ الصيت من أتباع من في قلبه مرض فهذا ليس اتهاماً في الدين، مع أنّه يكاد اتّهاماً لفظيّاً لا تحليليّاً.
أما ماذا يفعل بتراث علمائنا (رحمهم الله ) فهو قد يجيبه لو قدر له الكلام معه بهذا الخصوص بأن نشر كتبهم التي ألفوها واعتمدوها أو قرأوها على تلامذتهم وناولوهم إياها لا إشكال فيه،
أبو زيد: الصياغة العربيّة مشوّشة.
ولكن نشر خطبهم الارتجالية وادعاء أنها من تأليفهم على اطلاقه فيه من التأمل والنظر الشيء الكثير، خصوصاً مع اضافة قيد رغبتهم في عدم نشرها للتمحيص والتدقيق والنضج كما في حالة شيخنا الشهيد.
أبو زيد: لا أكرّر بيان ما ذكرته في المقال.
أما مؤلفات السيد مصطفى (رحمه الله ) فإنها مخطوطة بيده الشريفة وقد أعدها (رحمه الله) للطبع والنشر، وكان قد راجعها مرات وكرات، ساهمت ظروف الحرمان والفقر من عدم نشرها في حياته، وهي عند ذويه يتم نقلها بأمانة من خط يده لا من قصاصات ومحاضرات لم يسمعها سوى كاتبها كما هو موجود في كتاب الملحمة الحسينية المنسوب للشهيد مطهري!
أبو زيد: لماذا أصدّقك أو أصدّق متولّي العمل عليها (وأنا أصدّق) ولا تصدّق ورثة الشهيد مطهّري الذي تصدر أعماله كلّها تحت إشرافهم؛ إذ لستم عندي أصدق أو أدقّ؟!
قــــوله: (ويحضرنا هنا كلامٌ للسيّد البروجردي حول رجال الشيخ يقول فيه: «لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً على جميع الرواة؛ لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسودّة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً لنظمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة على ذكر مجرّد اسمه واسم أبيه من دون تعرّض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها. وكذا ذكر بعض الرواة مكرّراً كما يتّفق فيه كثيراً على ما تتبّعنا؛ فهذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلى حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة الكتاب، وذلك كان مستنداً إلى كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة من الفقه والأصول وجمع الأحاديث والتفسير والكلام، وغير ذلك من العلوم، بحيث لو قسّمت مدّة حياته على تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلّا ساعات معيّنة محدودة ». فلو صحّ الظنّ الغالب للسيّد البروجردي، فهل يعني ذلك إسقاط رجال الشيخ عن الاعتبار بناءً على مبنى سماحته؟!)
أقــــــــــول: إن كتاب رجال الشيخ كتبه الشيخ وليس خطاباً القاه في محفل عام واوراق متفرقة يعدها كاتبها لتساعده في تذكر النقاط التي يريد الحديث عنها وقد يرد المضمون وقد يرضاه في حكمه النهائي وتبنيه الفكري.
وأيضاً فاته أنه قياس مع فارق وهو أن كتاب الشيخ ليس بوارد نقاش مسألة ككربلاء وما جرى فيها حتى نحاكمه بدقة رياضية، إنما هو في علم الرجال الذي فية من الأخذ والرد بين الاعلام ما لا يخفى. أما مسألة كربلاء والحسين فإنها تمس الوجدان الشيعي بشكل مباشر فيجب التعامل معها بحذر لا بخفة كالتي يتعاطها البعض في تناول شؤون الامة العقائدية والمفاهيمية، فتأمل.
أبو زيد: هذا لم يفتني كما افترضت، ولكنّني لا أجد فارقاً في البين، فإذا امتَنَعَتْ نسبةُ الكتاب غير المُعَدِّ للطبع إلى مؤلّفه، فلا فرق في ذلك بين أن يكون الكتاب في الفقه أو الرجال أو حول عاشوراء.
بل قد يكون الامتناع عن نشر كتاب في الفقه وأصوله أولى؛ لأنّه يحتاج بطبيعته إلى الكثير من التدقيق والمراجعة، بخلاف الأفكار العامّة التي أوردها الشهيد مطهّري في كتابه، وإن كنّا سلّمنا أنّه ربما أعاد النظر في بعض أفكاره الجزئيّة لو أتيحت له مراجعته.
ـ3ـ قولــــه: نقل السيّد العاملي عن الشهيد مطهري أنّ محاضراته غير صالحة للطبع ما لم تمسّها يد التغيير، وهو صحيح، وقد ورد في مقدّمة الطبعة الفارسيّة من «العدل الإلهي». ولكنّ هذا الإشكال لا يُثبت المدّعى بالدائرة التي التزم بها سماحته؛ إذ من الطبيعي أنّ المحاضِر عادةً ما يرفض نشر كلامه في المحاضرة بنفس صورته اللفظيّة ويرغب في صياغة فكرته صياغة أكثر رقيّاً، ولكنّ ذلك لا يمسّ عادةً أصل الفكرة، فهل هناك محاضِر يتبنّى في محاضرته فكرةً ما، ثمّ عندما يريد أن يصيغها صياغة مناسبة يتبنّى موقفاً مختلفاً عن الموقف الذي عرضه في محاضرته؟! فلنفرض أنّ شيخنا الشهيد أعاد النظر في محاضرات «الملحمة الحسينيّة»، فقد يتخلّى عن بعض الأفكار الجزئيّة أو المناقشات «غير المطبوخة» أو الدعاوى غير المبرهن عليها، أو قد يضيف إليها مقدار الخُمس على حدّ ما حدث معه في كتاب «العدل الإلهي»، أو قد تشهد بعض الأفكار التي تطرح في المحاضرة تعديلاً أو تطويراً أو تغييراً قد يكون جذريّاً في بعض الأحيان، ولكن هل من المتوقّع أن يخلَّ ذلك بالهيكليّة العامّة لأطروحة هذه المحاضرات والروحة الكليّة الحاكمة عليها؟! والشاهد على أنّ هذا النقاش من سماحة السيّد العاملي مجرّد كلام جدلي لمراكمة الإشكالات هو الارتكاز الذي نعيشه جميعاً في الحوزات العلميّة في ما يرتبط بما يُعرف بـ «التقريرات»؛…
أقــــــــــول: ما اورده الكاتب هنا تغريد خارج السرب، ولكن هنا عدة ملاحظات وهي: أننا لا نتعامل مع اقوال العلماء كما نتعامل مع اقوال المعصومين عليهم السلام من سعة لدائرة أو ضيقها، فلكلام مطهري منطوق عقلائي نستطيع أن نخصص أو نعمم إذا جاءنا منه صراحة ما يفيد ذلك ليس إلاّ.
أوّلاً: أكرّر بأنّ أسلوبك الأدبي صعبٌ جدّاً، رجاءً أعد صياغة كلامك بأسلوب عربي مبين.
ثانياً: عليك بمراجعة كتب أصول الفقه التي يبيّن فيها الأصوليّون الأسس العقلائيّة للتعامل مع كلام المعصومين(ع) (وقد سبق أن ذكرت لك نصّاً للشهيد الصدر)؛ حيث بيّنوا أنّهم يعتمدون على أساليب العقلاء، بل الشارع عموماً كذلك، غاية الأمر أنّهم افترضوا في بعض الخصوصيّات جريانهم على طرق خاصّة بهم، من قبيل ما يرتبط بتخصيص العمومات مع اختلاف الأزمنة؛ حيث اعتبروا أنّ وحدتهم المعنويّة تميّزهم عن سائر العقلاء، وهذا بحث مختلف لا علاقة له بالمقام.
ولا داعي للفروض الخيالية أو التقريبية التي لا تغني في مجال الاستدلال ولا تسمن من جوع، فليس من مانع ان يغير طرحه تماما فكم من عاقل نقل مواقفه وآراءه من حيز إلى آخر بلا ملامة من أحد، وإذا تأملت منصفاً لوجدت هذا ليس بعزيز خصوصاً مع اعتقادك بعدم عصمة هذا الرجل أو ذاك.. هذا على سبيل التنزل الجدلي.
أبو زيد: رجاءً دع فهم مذاق الشهيد مطهّري لمن هم أقرب إليه فكراً ومذاقاً، وإن كان إبداؤك لرأيك من حقوقك الأكيدة والمحفوظة، وأنا لم أقل بأنّ ذلك مستحيل عقلاً أو من مدركات العقل الأوّل أو الثاني البرهاني، وإنّما استبعدتُ ذلك ولا زلت.
وإلاّ انت تعلم ان السيد العاملي ينفي نسبة الكتاب لمطهري ثم تعود وتقول أنه لا يعقل أن يغير اطروحته بعد المراجعة؟!…
أبو زيد: هل تعتقد بأنّني لو كنتُ أقبل هذه الدعوى من سماحة السيّد العاملي والتي تحتجّ عليّ بها كنتُ سأكبّد نفسي أساساً عناء كتابة المقال؟
ودخولنا في مجال بحث التقريرات تفصيلا في غير محله لأن المثل يضرب ولا يقاس والنقاش في الامثال ليس من دأب المحصلين.
أبو زيد: (النقاش في الامثال ليس من دأب المحصلين)، هذه الكبرى، ولكن أين الصغرى التي يتمّ بها القياس لتُعفى من مهمّة الدخول في هذا التفصيل؟
يا سبحان الله! عندما تصل النوبة إلى الدليل الذي يحتاج إلى نقد حقيقي ترمي بقنابلك الدخانيّة وتختفي موحياً للقارئ أنّه تفصيل جزئي غير مهم، مع أنّ مسألة التقريرات من أهمّ ما يرد على سيّدنا العاملي.
مع تكراره في هذا الفصل ممارسة هواية التنجيم وقراءة الضمائر، فتنبه!.
أبو زيد: كلامك هذا بدون تقديم الدليل أكبر دليل على أنّك أحقّ منّي بهذه التهمة، مع أنّ هذا لا يعني أنّني حقيقٌ بها وأنت أحقّ كما لا يخفى عليك!
ـ 4ـ قولــــــــه: افترض السيّد العاملي في كتابه وجود شخصٍ غير الشهيد مطهري نسب إليه الكتاب، وأطلق عليه اسم «المؤلّف»، وذكر: أنّنا حتّى لو كنّا نطمئن إلى أنّ هذا المؤلف قد أخذ مطالب الكتاب من الشهيد، إلاّ أنّنا لا نستطيع الجزم بأنّ المكتوب فيه يمثّل رأي الشهيد النهائي بكلّ دقائقه وتفاصيله. ويُفترض أن يكون المقصود: الرأي النهائي إلى حين طباعة الكتاب لا الرأي النهائي للشخص حول هذه المسألة مطلقاً، وإلا فدلّوني على كتاب يبقى ممثّلاً لرأي صاحبه النهائي؛ فإن كلّ كتاب يمثّل الرأي النهائي لصاحبه حال صدوره، وليس مطلوباً أن يبقى كاشفاً عن رأي المؤلّف النهائي إلى آخر رمق من حياته، وإلاّ لتوجّب إنكار نسبة بعض الكتب إلى شيخ الطائفة الطوسي مثلاً، باعتبار أنّنا نعلم أنّه قد ألّف بعض مؤلّفاته في سن مبكرة، ثمّ ترقّى إلى آراء أخرى في الكتب التي ألّفها لاحقاً، ولكنّنا مع ذلك لا ننفي نسبة الكتاب إليه، بل نقول بأنّ رأيه قد ترقّى من «أ» إلى «ب».
أقــــــــــول: لا يخالفني أخي الكاتب أن معنى الكلام الذي ذكره السيد العاملي هو ما أراده الشهيد مطهري حين طلب عدم نشر الخطابات والمحاضرات إلاّ بعد التمحيص والتدقيق لا ما ضربه مثلاً في محاولة شبه صريحة بتركيب شبهة في ذهن القارئ لا داعي لها.
أبو زيد: عدم التعليق أجدى.
ـ 5 ـ قولــــه: أمّا الملاحظة الثانية فغريبة؛ لأنّ ملاك التشكيك إذا كان عدم اطلاع الناشر على المحاضرات الصوتيّة، فهذا يسري بطريق أولى إلى أسلوب التقرير المعمول به في الحوزات العلميّة؛…. وعلى هذا الأساس، فإنّ ملاك التشكيك هو الاطمئنان إلى دقّة الشخص الذي دوّن ما في الكاسيت أو عدم ذلك، لا الاطلاع على ما في الكاسيت، فلاحظ.
أقــــــــــول: ما نستغربه هو استغراب الكاتب العزيز من الملاحظة الثانية، فإن السيد العاملي حفظه المولى قال فيها حرفياً: «إن قسماً مما نشره في هذا الكتاب مأخوذ من اشرطة مسجلة لم يطلع مؤلف الكتاب عليها، وإنما اطلع على متون مستخرجة منها فقط »(كربلاء فوق الشبهات ص 54). وهذا لم ينكره مؤلف الكتاب (لجنة كان ام فرداً) حين نقل هو شخصياً عنه بعد أسطر أن كاتب الملحمة تصرف بالفصل السابع بقوله: (بل غاية ما ذكرته «شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري» التي عبّر عنها سماحته بـ «المؤلّف» أنّ بعض عبارات الفصل السابع لم تكن ناضجة، ولكنّ عدم وجود الأشرطة حال دون إمكانيّة الاحتكام إليها، وأكّدت بأنّه متى ما يتمّ العثور على الأشرطة فسيتمّ العمل المجدّد على تنظيم هذا الفصل). ترى ما الفرق بين كلام السيد العاملي وكلام شورى الأشراف؟!. وهذا أيضاً ينطبق على الملاحظة الرابعة… فتأمل تسلم.
أبو زيد: يبدو انّك لم تَسْلَم لأنّك لم تتأمّل:
قلتُ: (بل غاية ما ذكرته «شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري» التي عبّر عنها سماحته بـ «المؤلّف» أنّ بعض عبارات الفصل السابع لم تكن ناضجة، ولكنّ عدم وجود الأشرطة حال دون إمكانيّة الاحتكام إليها، وأكّدت بأنّه متى ما يتمّ العثور على الأشرطة فسيتمّ العمل المجدّد على تنظيم هذا الفصل).
فقلتَ: (وهذا لم ينكره مؤلف الكتاب ـ لجنة كان ام فرداً ـ حين نقل هو [أي: أنا] شخصياً عنه بعد أسطر أن كاتب الملحمة تصرف بالفصل السابع)
عجيب! قال السيّد العاملي بأنّ مؤلّف (الملحمة) (المفترض من قبله) صرّح بأنّه تصرّف في الفصل السابع، فأوردت له نصّ (اللجنة) التي أكّدت فيه بأنّها التزمت بحرفيّة ما ورد في ما دوّن عن أشرطة الكاسيت، وأنّها لم تصرّح بالتصرّف، بل صرّحت بالأمانة والدقّة.
ثمّ بعد هذا يأتي الناقد إلى نصّي نفسه وينسب إليّ أنّني قلتُ بأنّ كاتب الملحمة تصرّف بالفصل السابع.
هذا نصّي أمامكم، أين قلتُ هذا يا ناس؟
ـ 6 ـ قـــوله: ونحن إذ نؤكّد على صحّة ما نقله سماحة السيّد من الطبعة العربيّة المترجمة، لكنّنا كنّا نأمل أن يقوم سماحته بمراجعة الطبعة الفارسيّة التي ذكر أنّها بحوزته، وهو ما يُفترض أن يقوم به في مقام استخلاص النتائج طالما أنّ في البين أصلاً فارسيّاً وآخر عربياً؛ إذ من بديهيّات العمل العلمي أن نحتمل تسرّب الخطأ من النص العربي المترجم.
أقــــــــــول: يقرأ المرء ويعجب وكأني بالسيد العاملي ابتسم عندما قرأ للشيخ هذا الكلام ولسان حاله يقول أنه عندما يريد يجعل لجنة الاشراف على تراث الشهيد مطهري أمينة ولا تتهاون وطوراً يطلب المراجعة من ورائها اذا كان التغاضي عن ترجمة هيئة الاشراف يفيده بالقول، أوليس هذا هو الكيل بمكيالين..؟! وهو يحتمل تسرب الخطأ الى الترجمة العربية ولا يحتمله في نقل المدونات والملاحظات، فعلى الاقل فليسلم معنا الشيخ أن الترجمة العربية لا يصح نسبتها إلى مطهري..وفي هذا القدر كفاية لمن له ادنى التفات….
أبو زيد: لماذا تقرأ النصوص يا أخي بسرعة ولا تُرجع الضمائر بشكل صحيح؟
أنا ألقيت باللائمة في بعض الموارد على الترجمة العربيّة للسيّد محمّد صادق الحسيني؛ حيث أضاف بعض العبارات التي استشهد بها سماحة السيّد العاملي على دعواه، والحال أنّ الأصل الفارسي الذي راعت فيه اللجنة الدقّة الشديدة لا يشتمل على هذه العبارات، فهنا قلتُ: كان حريّاً بسماحته مراجعة الطبعة الفارسيّة الخالية من هذه الشواهد، فكيف أكون بذلك: تارةً أنسب إلى المؤلّف (اللجنة) الدقّة وأخرى عدم الدقّة؟
لقد حسبتَ يا أخي أنّ (الهيئة) نفسها هي التي قامت بترجمة الكتاب، فالتبس عليك الأمر، والحال أنّ الذي أعدّ الكتاب هو (اللجنة)، والذي قام بترجمته هو السيّد محمّد صادق الحسيني، وما الإشكال في افتراض أنّ اللجنة راعت الدقّة وأنّ المترجم أضاف بعض العبارات؟
قولــــه: (ولعلّ سماحته اكتفى بقراءة مقدّمة الجزء الأوّل من الطبعة الفارسيّة المخصّصة لبيان خصائص الجزء الأوّل المخصّص للمحاضرات، ولم يقرأ مقدّمة الجزء الثاني التي خصّصت لبيان خصائص الجزء الثاني المخصّص للمدوّنات «الملاحظات»؛ إذ لو كان قد قرأ المقدّمة الثانية لاحتمل نشوء الخلل من الترجمة. وعلى أيّة حال، فبينما جاءت عبارة المتن العربي: «خلاصة خطاب للمؤلف الشهيد بعنوان الحماسة الحسينيّة»، جاءت العبارة الفارسية على النحو التالي: «خلاصه اى از سخنرانى شب 13 محرم 88 در حسينيه ارشاد [تحت عنوان «حماسه حسينى]»: أي: «خلاصة محاضرة ليلة 13 محرّم 88 في حسينيّة الإرشاد [تحت عنوان: الملحمة الحسينيّة]»، فعبارة «خلاصة محاضرة ليلة 13 محرّم 88 في حسينيّة الإرشاد» هي من ملاحظات ومدوّنات الشهيد مطهّري، وعبارة «تحت عنوان: الملحمة الحسينيّة» هي من إضافة المؤسّسة الناشرة، وقد وضعتها بين عضادتين حرصاً منها على التمييز بين كلمات الشهيد مطهري والكلمات التي أضافتها هي، وهذا دليل الأمانة والدقّة. إذاً، فالعبارة التي استدلّ بها السيّد العاملي هي من عبارات الشهيد مطهري على ما تمّ توضيحه في مقدّمة الجزء الثاني من الكتاب، ولم يرد فيها عبارة «للمؤلّف الشهيد»، وهي من وضع المترجم.
أقــــــــــول: ولعل سماحته قرأ مقدمة الجزء الثاني ونشأ عنده اليقين المعاكس لما ذهب إليه الكاتب، فهذا اختلاف في فهم واستظهار النص.
أبو زيد: عجيبٌ هذا القول! إنّ أصل نقدي على سماحة السيّد العاملي يقوم على أساس أنّ مقدّمة الطبعة الفارسيّة في نفسها تدفع إشكالاته، فتأتي وتدّعي أنّ المسألة مسألة استظهار، وأنّه ربما استظهر منها اليقين المعاكس؟!
أما ما استدل به الشيخ فيحتمل الوجهين ولا ترجيح إلا بما ذكرته هيئة الاشراف بأنها تصرفت وزادت بعض العبارات… وما كان احتمالاً لا يصلح للإستدلال. وما تابع به الكاتب استدلاله أعم من المدعى لأن التكامل لا يعني أنها من تأليف مطهري أو أنه أعدها للطبع…
ـ 7 ـ قولـــه: (والحقيقة أنّنا لم نفهم ما هو وجه الاستدلال بهذه الفقرة لنفي نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهري، وتوضيح الأمر هو أنّ للشهيد مطهّري عدداً كبيراً من الملاحظات والمدوّنات، وتشكّل مدوّناته حول الملحمة الحسينيّة جزءاً منها، وفي المدوّنة الحالية حول تحريفات عاشوراء تحدّث الشهيد مطهّري حول كلمة «التحريف»، وحيث إنّه كان قد تعرّض لبحث التحريف في مدوّناته الأخرى التي لا ترتبط بالملحمة الحسينيّة، قامت مؤسّسة الشهيد مطهّري بالإشارة في الهامش إلى أنّ مجموعة المدوّنات ستطبع لاحقاً، علماً بأنّها قد طبعتها فعلاً تحت عنوان «يادداشتها»، وعلماً بأنّها وضعت الهامش التي ذكرت فيه ذلك بين عضادتين، وذلك حرصاً منها على تمييز كلماتها عن كلمات الشهيد مطهري. فأين الشاهد على المدّعى؟!
أقــــــــــول: هل من المطلوب أن تكون كل مفردة تستعمل كدليل مستقل؟ فإن السيد العاملي جمع الشواهد والقرائن للخلوص بنتيجة البحث وهو عدم صحة نسبة كل ما في الملحمة الحسينية للشهيد مطهري.
أبو زيد: أنا لا أترقّب من كلّ مفردة أن تكون دليلاً مستقلاً، ولذلك لدينا دليل ولدينا شاهد. ولكن بما أنّ الناقد أستاذ مادة الرياضيّات، فهو يدرك أنّ احتمال التأييد إن كان في مفردةٍ ما صفراً، فإنّ القيمة التراكميّة ـ في صورة تراكم مفردات احتماليّة مماثلة ـ سيبقى صفراً؛ لأنّ تراكم الاحتمالات يجري بلحاظ جانب (عدم الدلالة) في الخطوط العرضيّة للاحتمالات، لا بلحاظ جانب الدلالة كما هو الحال في الخطوط الطوليّة: ففي المفردة التي ليس فيها دلالة أو تأييد يكون احتمال عدم الدلالة 100%، فإذا حصلنا على مفردة أخرى كذلك يكون احتمال عدم الدلالة 100% × 100%، فيبقى 100%.
وأنت خبير أن ما ذكره في كلامه يشكل شاهدا قوياً على أن بعض الكتاب متصرف فيه من قبل هيئة الاشراف.
أبو زيد: الذي أنا خبيرٌ به هو أنّه ليس في هذا أيّة دلالة، ومن يعمل في مجال تحقيق النصوص المنسيّة يدرك ذلك.
وبعضه كما صرح الكاتب مأخوذ من محاضرات ومدونات أخرى لمطهري، وبعضها كما اشار متصرف في عبارته
أبو زيد: أنا لم أشر إلى ذلك البتّة، بل أكّدت خطأ السيّد العاملي في نسبة ذلك إلى اللجنة، فلاحظ.
هذا وإن اشير لبعضه في الهوامش والمعقوفين، ولكن لا يمنع التصرف في بقية الكتاب كما يضفي شيئاً من الشك على كل الكتاب وصحة نسبته.
أبو زيد: لا يكفي وجود احتمال عقلي كما تعرف، وإلاّ فالإشكال يسيل على غيره!
ـ 8 ـ قولـــه: يكمل سماحة السيّد العاملي في حشد الشواهد على عدم صحّة نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهّري بقوله: «ويقول أيضاً: عن القسم العاشر من الكتاب: إن هذا القسم عبارة عن حواش نقدية حول كتاب الشهيد الخالد». وقد ورد هذا الكلام في الطبعة الفارسيّة، ولكنّنا لا ندري وجه دلالته على المراد؛ فقد صرّح الناشر في مقدّمة الكتاب أنّه قام بتجميع كل ما يرتبط بالملحمة الحسينيّة من تراث الشهيد مطهّري، وكان من ضمن هذا التراث ملاحظات كتبها الشهيد في هامش كتاب «الشهيد الخالد»، فلمّا أراد إدراجها في الكتاب وضع لها عنواناً، فما وجهُ الاستدلال بذلك؟
أقــــــــــول: من غير المقبول طبع أوراق متفرقة كتبت عليها نصوص أو ملاحظات ربما تكون لمجرد تذكير كاتبها بإشكال يريد معالجته، أو بنص يريد تحليله أواثباته أو ابطاله أو ينتظر الفرصة للتثبت منه… لذلك من غير المقبول أن تجمع تلك الاوراق وتطبع على أنها كتاب يتبناه كاتب تلك الاوراق ويؤمن بكل ما ورد فيها ويرتضيه بحيث يعتبره احد مؤلفاته، وهو القائل بأنها غير معدة للطبع فهذا على الاقل خيانة للإمانة العلمية، ثم ملاحظة ما سجله رحمه الله على كتاب الشهيد الخالد تدلنا كثيراً منها لا يصلح للنشر ويوضح ما قلناه انه في كتاب الملحمة الحسينية الطبعة الثالثة أورد عناوين عديدة، ثم قال في الهامش «في النسخة المخطوطة بقلم الاستاذ الشهيد وردت هذه العناوين كرؤوس اقلام لمواضيع اراد الكتابة عنها لكنه لم يتمكن من ذلك كما يبدو ولأسباب غير معروفة… » فكيف يجوز لغيره أن يجمع هذا وامثاله وينشر بإسمه كذلك؟!… أما بالنسبة للتجميع فهو عين ما نريد قوله لا اكثر بأن الكتاب لا يشكل رأياً للشهيد مطهري….
أبو زيد: أنا بنفسي أكّدت على أنّ الشهيد مطهّري لو صنّف الكتاب لحسنّة وطوّره، وربما تخلّى عن بعض مفرداته، ولكنّني أكّدت ولا زلت على أنّ نصّ الملحمة صادرٌ منه قطعاً، سواء محاضراته أم ملاحظاته، فإذا ضممنا إلى ذلك ما نطمئنّ إليه تماماً من أنّ خطّ الأطروحة لن يتبدّل في حال راجع الشهيد مطهّري الكتاب، فهذا يعني أنّ الروح النقديّة لأسلوب المنبر الحسيني ستبقى محفوظة، وهذا هو الأمر الذي أثار القوم، وإلاّ فإنّ أكثر من عشرين كتاباً صدرت للشهيد مطهّري بعد استشهاده وتحت أعين الإمام الخميني، والباقي صدر بعد وفاة الإمام وفي زمن السيّد القائد حفظه الله، وأشرنا إلى أنّ الكتب التي صنّفها الشهيد وأعدّها للنشر في حياته ولكنّها نشرت بعد استشهاده لا يتجاوز عددها أصابع اليد بحسب ما ذكرته لنا شورى الإشراف على نشر تراث الشهيد، ولديّ قائمة تفصيليّة تحدّد تاريخ نشر كلّ أثر من آثار الشهيد مطهّري للمرّة الأولى.
ـ 9 ـ 10 ـ 11 ـ 12 ـ 13ـ 14ـ 15ـ 16ـ17 وحيث إن الكاتب اسهب في رده المزعوم، ومن باب تسجيل النصر بجحفل من الكلمات اطال كثيراً وكرر واعاد ما ذكره سابقاً، فمن رقم 9 حتى آخر المقال تكررت الافكار بشكل ممل، إلاّ القليل مما حداني أن أجمع الملاحظات حول هذه الفصول في سرد واحد حتى لا نقع فريسة المغالطات… والملاحظات السريعة هي:
ـ أن الكاتب ما زال يتجاهل كلام مطهري أنه لا يجيز نشر ما يكون في مدوناته.. ـ
أبو زيد: لا أعيد ما جاء في المقال.
أن المترجم قد لا يكون ترجم عن نص بل عن كاسيت مفقود مما يضعف الثقة بالنسبة.. ـ
أبو زيد: المترجم ترجم عن الأصل الفارسي كما ذكرتُ لك.
أنه لا يمكننا أن نميز بين النص المكتوب والمراجع من قبل مطهري شخصياً والنقل عن الكاسيت الذي نص هو انه يحتاج الى اصلاح…
ـ نلاحظ اجترار الأفكار التي سبق واوردها كاتب المقال دون أن يأتي بشيء جديد.
أبو زيد:
أوّلاً: عندما يكون العنوان (خلاصة البحث) أو (نتيحة البحث) فمن الطبيعي أن يشتمل على نفس ما جاء في المقال ولكن مختصراً، وهل تترقّب منّي أن أذكر في الخلاصة شيئاً لم أذكره في أصل البحث؟
ثانياً: لن أقف عند تعبيرك بالاجترار إن كنتَ واقعاً تقصد مدلوله اللغوي، ولكنّني أتساءل كيف كان موقفك ليكون لو كنتُ قد استخدمتُ هذا التعبير في حقّك أو في حقّ سيّدنا العاملي؟!
ـ عدم القدرة على تفنيد ملاحظات السيد العاملي مما جعله يحيل ويشير إلى انه فندها سابقاً وفي هذا الاسلوب ما يعرفه دارسو فن المغالطة وتوهيم القارئ على ان كاتب المقال قد انتهى من نقاش الافكار. ـ الرد هو الرد من حيث عدم نضوح افكار كاتب المقال حول الملحمة الحسينية حيث همه اثبات نسبة الكتاب لمطهري وان كان هناك تصريح من هيئةالاشراف انها تصرفت وزادت وصاغت ونقلت عن مدونات وملاحظات للشيخ الشهيد.
أبو زيد: أوردنا لك متن مقدّمة اللجنة التي نصّت فيها على عدم التصرّف، وكرّرنا لك ذلك مراراً، فكرّرت مراراً بأنّها صرّحت بأنّها تلاعبت وتصرّفت؟!
أيّها الأخ الكريم، أنت لا تتقن الفارسيّة، فإذا كنت تعتمد على أحدهم في الترجمة فاعتمد على شخص آخر يمكنه فهم العبارة الفارسيّة بشكل صحيح. وإذا كنتُ تركن إلى ما فهمه السيّد العاملي فحسب، فقد بيّنتُ لك كيف أنّ ما جاء في الفارسيّة معاكسٌ تماماً لما فهمه.
ـ نؤيد كاتب المقال انه يجب الاستفادة من تراث مطهري المتناثر، ولكن ليس بهذا الاسلوب بل هناك اساليب علمية اكثر دقة تجعلنا نستطيع نسبة الافكار لصاحبها ولو على سبيل التقريرات المعهودة في الحوزات.
أبو زيد: الحقيقة أنّني عاجز عن الجواب، إذ كيف تكون التقريرات أدقّ من المحاضرات المدوّنة حرفيّاً ومن الملاحظات المدوّنة بخطّ الشهيد مطهّري؟!
تسجيلنا عليه ما سجله على السيد العاملي أنّه استشهد بمقال لمطهري بعد شهادته، وفات هذا الخبير النحرير انه هو الذي وقع في فخ حفره لأخية فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه: (من حفر حفراً لاخيه وقع فيه). فإن كاتب المقال لم يدر بدقة يوم شهادة مطهري ومع ذلك تبنى الخطأ وهاجم بضراوة لا يستلزمها النقاش العلمي الهادئ. فقد اشتبه الشيخ الكاتب في تاريخ شهادة مطهري، فإن تاريخ 10 جمادى كان قبل شهادة مطهري بستة ايام، لأنه استشهد في الاول من أيار عام 1980م الموافق للسادس عشر من جمادى فتأمل وانتبه.
أبو زيد:
قلتُ (كالمورد الذي نقله في مطلع فصل (الجهاد في الإسلام)، وهو الفصل الثالث من الجزء الخامس من (الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص)) في طبعته الحديثة نقلاً عمّا نشرته صحيفة: (جمهوري إسلامي) الفارسية بتاريخ10 جمادى الثانية سنة1400 رقم261، وهو بدوره عبارة عن مطلب ورد في الكتاب الذي نشر لاحقاً تحت عنوان (نظرى به نظام اقتصادى اسلام) ، وهو عبارة عن مدوّنات للشهيد مطهّري على غرار مدوّنات الملحمة الحسينيّة في جزئها الثاني، واللطيف أنّه نفسه الكتاب الذي أمر الإمام الخميني بسحبه من الأسواق في الحادثة التي تمسّك بها السيّد العاملي لنفي صحّة نسبة ما لم يراجعه الشهيد مطهّري إليه)
وأشكل عليّ الناقد مستهزئاً من خلال وصفه إيّاي تهكّماً بـ(الخبير النحرير) مدّعياً أنّ الشهيد مطهّري استشهد بتاريخ الاوّل من أيار 1980م.
ولا أدري هل أردّ عليه بالأسلوب نفسه!
عندما قرأتُ هذه الملاحظة التهكميّة أدركتُ بسرعة ـ وقبل المراجعة ـ أنّ أخانا الكريم وقع في خطأ كبير، وأنّه جعل من نفسه لقمةً سائغةً لو أنّني أرغب في مقابلة أسلوبه الساخر بالمثل. وكنتُ أتوقّع منه وهو في مقام السخريّة الشديدة وفتل العضلات أن يكون قد تأكّد جيّداً من معلوماته، وقد خفت أن يكون قد زوّده بها من ورّطه.
ولكنّني لا أريد افتراسه كما حاول أن يفعل وفشل، بل سأتركه يقوم على رجليه ويلوذ بالأراكات علّها تستر عليه سوءة ما اقترف.
بمجرّد أن قرأتُ ما ادّعاه من أنّ الشهيد مطهّري استشهد بتاريخ 1/5/1980م أدركت أنّه مخطئ؛ لأنّ من المعروف جداً أنّ الشهيد لم يعمّر بعد انتصار الثورة الإسلامية التي انتصرت في شباط/1979م سوى شهرين ونيّف، فلا بدّ أن تكون شهادته سنة 1979م.
ثمّ إنّني لا زلت أذكر جيّداً أنّ الشهيد الصدر الذي استشهد بتاريخ 8 أو 9 نيسان/1980م كان قد أقام مجلس فاتحةٍ عن روح الشهيد مطهّري فور استشهاده وأبرق إلى الإمام الخميني معزّياً، وكان ذلك قبل أن يُضرب عليه الحصار الذي دام حوالي 10 أشهر.
فتأكّدت من بُطلان دعواه، ومن أنّه أحرى بالسخرية التي ساقها عليّ، وبأنّ حديث أمير المؤمنين(ع) ينطبق عليه لا عليّ، ولكنّني في مقام التوثيق أحيله إلى ترجمة حياة الشهيد مطهّري التي جاء فيها أنّه قد استشهد عند الساعة العاشرة والدقيقة العشرين من يوم الثلاثاء 11/فروردين/1358 المطابق 1 من أيّار من سنة 1979م، فراجع: الجزء الأوّل من موسوعة الشهيد مطهّري، المقدّمة المخصّصة لترجمة حياته، الصفحة 12.
وراجع إن شئت بيان الإمام الخميني في تأبين الشهيد مطهّري بتاريخ 11 ارديبهشت 1358ش، المصادف 4 جمادى الثانى 1399هـ (صحيفه امام، ج7، ص178)
إذاً، فالشهيد مطهّري استشهد في 1/5/1979م لا 1/5/1980م، فيكون السيّد العاملي قد استشهد بنصٍّ للشهيد مطهّري نشر بعد شهادته، قيبقى إشكالي قائماً في محلّه.
أيّها الأخ الكريم! نصيحة أقدّمها لك بالمجّان: عندما تُشكل بطريقة عادية قد لا يعير الطرف الآخر ذلك اهتماماً خاصّاً وقد لا يجيبك حتّى لو كان على يقينٍ من أنّك غير مصيب، ولكن عندما تنوي أن تهجم على الآخرين بتحامل وتجريح فقم أوّلاً بتحصين خطّ تحرّكاتك ولا تسلكنّ أوديّةً تجعلك في مرمى النيران؛ لأنّك إن ابتليتَ الآن بأخٍ لك لا يريد أن يجعل منك أضحوكةً، فقد تبتلي يوماً ما بعدوٍّ لا يتردّد في التمثيل بك ورميك لطيور كاسرة لا ترحم!
أما بالنسبة لخلاصة البحث فقد اجبنا بشكل موضوعي على اشتباهات الكاتب وردوده غير الدقيقة، مما يجعلنا نطمئن على أن كتاب الملحمة الحسينة بجله ليس لمطهري كرأي نهائي مع اعترافه الضمني على أن هيئة الاشراف هي المؤلف الذي ذكره سيدنا العاملي.
أبو زيد: أنا لم أعترف بذلك، لا ضمنيّاً ولا مطابقيّاً ولا التزاميّاً، بل أكّدت ولا زلت على الموضوعيّة والدقّة التي اعتمدتها اللجنة، وكونها جمعت الكتاب ونظّمته لا يجعل منها مؤلّفاً.
وإذا كان الأمر كذلك فسأكون قريباً بإذن الله تعالى مؤلّفَ كتاب (أئمّة اهل البيت (ع) ودورهم في تحصين الرسالة الإسلاميّة) المعروف سابقاً بـ(أهل البيت (ع) تنوّع أدوار ووحدة هدف) المنسوب ـ بحسب منطق الناقد ـ إلى الشهيد الصدر!!
وأن التقريرات في الحوزة واسلوبها بينه وبين ما يجري وجرى في مُؤلَّف الشيخ الشهيد بون شاسع
أبو زيد: لماذا تجنّبت بيان وجه الفارق مع كونه من أهمّ إشكالات مقالي، ثمّ اعتبرت ذلك مسلّماً.
وان السيد العاملي لم ينقل عن مقال لمطهري بعد استشهاده انما قبل ،… وكثير من الافكار المطروحة.
أبو زيد: غير صحيح كما بيّنتُ سابقاً؛ لأنّ الشهيد مطهّري استشهد سنة 1979م لا 1980م
والغريب ان الملحق الاول يؤيد بشكل أو آخر ما قاله السيد العاملي وطالب به من عدم طبع المحاضرات والملاحظات.
أبو زيد: الغريب حقاّ أنّك ادّعيت أنّه يؤيّد كلام السيّد العاملي دون أن تبيّن كيف.
وفي الملحق الثاني فمع مراجعة النسخة الفارسية لا ترتفع الاشكالات لأن شورى الاشراف فعلت ما لا يرضاه ولم يرتضه الشيخ الشهيد كما تعلم من عدم اباحته لطبع المحاضرات والملاحظات والمدونات دون ان يراجعها حيث قال في مقدمةالعدل الالهي ص 17 ما نصه: «لا تكون صالحة ما لم تمسها يد التغيير…» وإن صحت نسبتها إليه لأنه قالها وكتبها ولكنها في كل الاحوال لا تمثل الرأي النهائي لانه لم يتبناها رسمياً اذا جاز التعبير.
أبو زيد: لا أجد مبرّراً للتعليق بأكثر ممّا ذكرته في أصل المقال.
واما بالنسبة لبيت الشعر: نذراً علي لإن عادوا وإن رجعوا لأزرعن طريق الطف ريحانا بأنهم غيروا ( الطف ) إلى (التفت) مما يؤكد نظرية السيد العاملي باللعب بتراث الشهيد بشكل أو بآخر. وهذا البيت ورد في ج1 ص 26 و 27 من حماسة حسيني: نذرا على لئن عادوا وان رجعوا لأزرعـن طـريق الـتفت ريحانا وعلّق تحته الشهيد مطهري برفضه، ونقاشه بأنه لمجنون ليلى… وقد ذكر الشيخ الكاتب هذا الكلام لكن بإسلوب ملتوٍ غير علمي حيث قال في مقاله: وكم تعجّبت عندما رجعت إلى الطبعة الفارسيّة ذات المجلّدين فلم أجد أثراً لحديث الشهيد مطهّري عن «التفت»، بل كلّ ما قاله أنّه عندما سمع هذا البيت من قارئ التعزية قام بالمراجعة ووجد أنّ المراد من الطفّ في هذا البيت هو المكان الذي كانت تسكن فيه ليلى معشوقة مجنون ليلى، وأنّ بيت الشعر هذا قاله فيها، فنسبه الخطيب إلى ليلى أم علي الأكبر. فاحتملتُ أن يكون هناك فرقٌ بين الطبعة الفارسيّة ذات الأجزاء الثلاثة وبين الطبعة الجديدة، فراجعنا الطبعة القديمة، فوجدنا أنّ كلمة «التفت» موجودة، ولكن لم يرد فيها ما ورد في الترجمة العربية من أنّ كلمة «التفت» حرّفت إلى الطف، بل نفس ما ورد في الطبعة الفارسيّة الجديدة مع تغيير «الطف» إلى التفت، أي إنّ «التفت» مكان سكن ليلى معشوقة مجنون ليلى.فهل الصحيح هو الطبعة الفارسيّة القديمة أم الجديدة؟!…
فأقول: بطبيعة الحال نشكره على هذا التصريح بالتزوير والاختلاف بين طبعتين فارسيتين، ناشرهما هيئة الإشراف، ونتمنى عليه أن لا يكون ملكياً أكثر من الملك…
أبو زيد: عندما يكون الأمر مرتبطاً بالمبدأ ويتخلّى عنه الملك فسأكون ملكيّاً أكثر منه. ولا داعي لشكري؛ لأنّني لا أخفي الحقيقة كما رأيتُك فعلت في مقالك، وأكبر دليل على أنّني حاولت ـ على أقلّ تقدير ـ ملازمة الموضوعيّة أنّني لم أكن مضطراً لتحقيق هذا الخلل وإثباته لو كنتُ أروم المناورة لا البحث العلمي، ولكنّني فعلت، فهل تفسّر ذلك بغير الموضوعيّة العلميّة وطلب الحقيقة؟!
وعلى كلّ حال يبدو أنّ الناقد بعيد عن أجواء تحقيق النصوص وتصحيحها، ولكنّ زملاءه ليسوا كذلك، فَلَيْتَهُم لفتوا نظره إلى أنّه ليس من المعقول أنّه إذا وقع خطأ أو مجموعة أخطاء لفظيّة في أحد الكتب أن نعتبر ذلك تزويراً، في مقدّمةٍ منّا لإسقاط الكتاب عن الاعتبار.
على هذا، لا اعتبار لكتاب (الكافي) وبقيّة الكتب الحديثيّة؛ لأنّه لا يخلو واحدٌ منها من سقطٍ في المتن والسند أو من تصحيف وغيره، وما عليك سوى مراجعة كتاب السيّد البروجردي في ترتيب أسانيد هذه الكتب الحديثيّة؛ حيث سجّل الكثير من الملاحظات المرتبطة بالسقط والتصحيف.
أبو زيد: اللهم أجرنا من اسْتِعار البال إذا كان فتوره يولّد تحاملاً وتجريحاً من قبيل ما لمسناه في هذا المقال من أخينا الكريم، الذي نتمنّى عليه في مستقبل أيّامه أن يخفّف من حدّته وتحامله، ونتمنّى له دوام التوفيق والتسديد.
، مع التأكيد أنه اذا دققنا نستطيع ان نرد بأضعاف مضاعفة فما لم نرد عليه أكثر مما فعلنا.
أبو زيد: تفضّل يا أخي، وإن كنتُ أظنُّ من نفسي أنّني سأقفل هذا الملف.
وله الحمد أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
السيد حسين الأشقر الحسيني العاملي.
وهنا النسخة المطوّرة من المقال الذي حاز الرتبة الثانية في مهرجان الشيخ الطوسي حول أبحاث عاشوراء:
يعتبر كتاب (الملحمة الحسينيّة) للمفكّر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري من أكثر الكتب إثارة للجدل في بابه، وربما يعتبر من أكثر آثاره رواجاً وانتشاراً، حتّى طبع في محرّم 1431هـ الطبعة الرابعة والستّين، وكان قد طبع في بيروت عن الدار الإسلاميّة بتعريب السيّد محمّد صادق الحسيني، الذي لم يصرّح باسمه في الكتاب.
ولم يعد خافياً أنّ الأفكار التي حملها كتاب (الملحمة) أثارت منذ صدوره أمواجاً من ردود الفعل تراوحت بين مؤيّدين تسلّحوا بصاحبها ومكانته ليطلقوا أفكاراً حبستها غربتها حيناً من الدهر، وآخرين معارضين حملتهم الظروف على تجميد ملاحظاتهم ريثما يستنفد الكتاب أبّهته، وتصبح الظروف مؤاتية للنقاش العلمي.
وبعد سنوات من السيادة التي عاشها كتاب (الملحمة)، توجّهت الأنظار في الفترة الأخيرة إلى دراسةٍ شكّكت في نسبته إلى شهيدنا المطهّري، الأمر الذي اقترب من تبديد غمامة الإحراج التي خيّمت على شريحة كبيرة من خطباء المنبر الحسيني المعاصر، غمامة ساهمت في تشكيلها إلى حدّ كبير مكانة المطهّري العلميّة، وشُحنت بدماء نحره الخضيب.
عندما اطّلعتُ على كتاب (كربلاء فوق الشبهات) للعلاّمة المحقّق السيّد جعفر مرتضى العاملي صاحب المصنّفات المعروفة، والذي خصّص فصله الثالث([2]) لحشد شواهد كثيرة خلص من خلالها ـ أو كاد ـ إلى نفي نسبة كتاب (الملحمة الحسينيّة) إلى الشهيد المطهّري، منعني اعتمادي على سماحته من التحقّق من أدلّته واستشهاداته، دون أن أبني في الوقت نفسه على صحّة استنتاجاته، يحدوني إلى ذلك استبعادُ أن يكون الكتاب متبنّىً من قبل المؤسّسة الرسميّة التي تُعنى بتراث الشهيد المطهّري، والتي تشرف عليها الدولة الإسلاميّة في إيران برعاية أنجاله وورثته، ومع ذلك لا يكون له! ولماذا لم يلتفت إلى هذه الثغرة المحقّقون الإيرانيّون المعروفون، مع كونها مسألة تعنيهم وتهمّهم بشكل مباشر!
ولمّا وجدتُ فسحةً ضيّقة من الوقت رجعتُ إلى أدلّة محقّقنا العاملي، فقرأتها ودقّقت فيها، وتحرّيت عن مصادره وإرجاعاته، فخرجت بملاحظات، سجّلتها في نقاط.
ولكنّني أجد من الضروري في بداية هذا البحث أن أحدّد اتّجاه بوصلته؛ فهو يستهدف على وجه التحديد النظر في أدلّة علاّمتنا العاملي وشواهده على عدم صحّة نسبة كتاب (الملحمة) إلى شهيدنا المطهّري، ولا يتخطّى هذه الدائرة. وبالتالي فالبحث ليس مسوقاً للانتصار لمقولات (الملحمة)، خاصّة التاريخيّة منها؛ لأنّ قبول أيّ منها أو ردَّه موقوفٌ على إعمال معول البحث والتنقيب في كلّ مورد على حدة، والبناء على ما يفضي إليه التحقيق بتجرّد وموضوعيّة.
الملحمة الحسينيّة ومظلّة الإمام الخميني!:
افتتح السيّد المحقّق الطبعة الثانية من كتاب (كربلاء فوق الشبهات) بالتذكير بأنّ الإمام الخميني حينما وجّه الأنظار إلى مؤلّفات الشهيد مطهري فإنّما كان يعني بكلامه تلك المؤلّفات التي ظهرت وطبعت ونشرت قبل استشهاده؛ باعتبارها المؤلّفات التي اطّلع عليها، ولا يشمل ذلك ما لم يكن قد نشر من محاضراته؛ باعتبار أنّه لا يستطيع الحكم عليها، وأنّ حسن الظنّ لا يجدي في تأييد ما لم يتمّ الوقوف على مضامينه ولم تحصل المعرفة به([3]).
وتوجّهنا هذه المداخلة إلى بُعد سيكولوجي ربما رام سيّدنا من خلاله أن ينأى بمظلّة الإمام الخميني عن ملاحظات الملحمة ومؤشّرها النقدي، وذلك في وسطٍ من الجماهير تدين بالولاء للإمام الخميني وتربطها به عروة وثقى يصعب فصمها. والحال أنّنا لو كنّا مع الدليل العلمي وما يقتضيه، فلن يؤثّر موقفُ الإمام ومديات غطائه بنتائج البحث إيجاباً أو سلباً.
ومهما يكن من أمر، ففي الوقت الذي لا نشكّ فيه في اطّلاع الإمام الخميني على مجمل فكر الشهيد مطهّري ومؤشّره العام، سواء من خلال ما نشره الأخير أم من خلال قربه من الإمام وتتلمذه لديه، فإنّنا ـ وقبل أن نصل إلى الحديث عمّا نشر للشهيد مطهّري بعد استشهاده ـ لا نتصوّر اطّلاع الإمام على كلّ كلمة نشرها الشيخ الشهيد في حياته، لنتحدّث ـ بالتالي ـ عن مديات مظلّة الإمام والدائرة المطهّريّة المشمولة بها!
وكما أنّ تأييد كتاب ما لا يعني المصادقة على مضامينه كلّها كما ذكر سيّدنا العاملي([4])، فكذلك الإرجاع إلى شخص أو الإشادة به لا يعنيان بالضرورة الاطلاعَ على كلّ ما نشره في حياته، بل يكفي الاطّلاع على المؤشّرات العامّة لفكره.
ومن الملاحظ أنّ تعامل سيّدنا العاملي مع كلام الإمام الخميني يكاد يكون تعاملا رياضيّاً، خاصّة عند القول بأنّه قد امتدح مؤلّفات الشهيد، وكتاب (الملحمة الحسينيّة) ليس مؤلّفاً، فلا يكون مشمولاً بمدح الإمام([5]).
وبغضّ النظر عن موقفنا من هذا التعامل شبه الرياضي، فإنّه على كلّ حال لا يجدي نفعاً؛ لأنّنا إذا وقفنا أمام نصٍّ للإمام يوصي فيه الجامعيّين والمثقّفين الملتزمين بأن لا يدعوا دسائس الاستكبار تنسيهم قراءة كتب الشهيد مطهري([6])، والقدر المتيقّن من كتبه هو تلك الكتب الصادرة في حياته، وبالتالي فلا يشمل المدح غير كتبه من ناحية، وكتبَه الصادرةَ بعد استشهاده من ناحية أخرى.. فماذا نفعل بالنصّ الذي يمتدح فيه الإمام فكر الشهيد مطهّري بمنبعيه القلمي واللساني؛ حيث يقول: «آثار قلم وزبان او بى استثنا آموزنده وروانبخش است»([7])، أي: «إنّ آثار قلمه ولسانه كانت بدون استثناء معلّمة وباعثة للنفس على الراحة»؟! وهو نصّ لا سبيل إلى التنكّر له بعد أن كان ـ كسابقه ـ من نداءات الإمام المكتوبة والمنشورة في حياته، وليس من خطاباته الشفهيّة المدوّنة والمنشورة بعد رحيله لكي يكون مشمولاً بالإشكال الذي نحن بصدد معالجته!
وعليه، فلا يصحّ ذهاب سيّدنا المحقّق إلى أنّ كلام الإمام الخميني لا يشمل محاضرات الشهيد مطهّري باعتبار أنّه لم يستمع إليها جميعها ولم يتحدّث عنها([8])؛ لأنّ الإمام قد تحدّث عنها بالفعل في النصّ المتقدّم.
وبمقاربةٍ أصوليّة نقول: إنّ العموم المستفاد من كلام الإمام يكاد يكون بالوضع لا بقرينة الحكمة؛ لقوله في النصّ المتقدّم: «بدون استثناء».
وإذا لم يكن الإمام الخميني قد استمع إلى هذه المحاضرات جميعاً، فهل نحرز أساساً اطّلاعه على كتب الشهيد جميعاً وبكافّة جزئيّاتها ليصحّ الاحتجاج بكلامه في الكتب دون المحاضرات؟!
الاستدلال بسحب كتاب (الاقتصاد الإسلامي) من الأسواق سيف ذو حدّين:
ذكر السيّد العاملي في مقام الاستدلال أو الاستشهاد على عدم صحّة نشر أثر للشهيد مطهّري بعد وفاته ودون موافقته أنّ كتباً أخرى للشهيد جمعت بعد وفاته ومن أوراقه، كالكتاب الذي تناول فيه (الاقتصاد الإسلامي)، وحينما ظهر أنّ الكتاب يشتمل على أمور غير مقبولة أمر الإمام الخميني بجمعه ومنع من نشره([9]).
والحقيقة: أنّ الاستدلال بحال كتاب (الاقتصاد الإسلامي) يذكّرنا بما وقع بين الفقهاء في مقام الاستدلال على طهارة الكتابي؛ إذ بعد أن استدلّ فريقٌ منهم على النجاسة ببعض الروايات، أتى آخرون واستدلّوا بالروايات نفسها على الطهارة؛ مستندين في ذلك إلى ما تكشف عنه هذه الروايات من ارتكاز متشرّعي على الطهارة.
قال الشهيد الصدر!: «كما إنّ الشيخ قد تمسّك ببعض روايات الطهارة لإثبات النجاسة؛ فقد استدلّ على النجاسة برواية عليّ بن جعفر في ماء الحمّام، مع ذيلها الذي عرفت منّا أنّه يدلّ على الطهارة»([10]).
وكذلك ما نحن فيه؛ فإنّ استحضار كتاب (الاقتصاد الإسلامي) لتسييل الإشكال على (الملحمة):
تارة: يقوم على نكتة الاشتمال على مطالب غير مقبولة، فهنا نقول: من الذي يحدّد مقبوليّة المضامين وعدمها؟
إذا كان الإمام الخميني، فإنّ أجزاء (الملحمة) الثلاثة صدرت على التوالي سنة 1361 و1363 و1366ش، أي: إنّها صدرت كلّها في حياة الإمام (ت1368ش)، وهذا ـ بحسب منهج استدلال سماحته ـ يكشف عن أنّ مضامين (الملحمة) مقبولة لديه، وإلاّ لمنع نشرها على وزان ما فعل مع كتاب (الاقتصاد الإسلامي)، خاصّة أنّ أجزاء (الملحمة) صدرت متفرّقة ولم تصدر في زمان واحد حتّى يقال مثلاً: إنّها صدرت فجأة ولم تسمح الظروف للإمام بالأمر بسحبها من التداول؛ فإنّه لو كان يرى بأساً بعد صدور الجزء الأوّل لمنع صدور الثاني والثالث، ولكنّه لم يفعل.
وأخرى: يقوم على نكتة عدم صحّة نشر ما لم يقم الشهيد نفسه بنشره. وهنا نقول: إنّ الإمام الخميني إن كان قد أمر بسحب كتاب (الاقتصاد الإسلامي) من التداول، فهذا بحدّ نفسه دليل على عدم شمول الإشكال لكتاب (الملحمة)؛ لأنّه سكت عن نشر أكثر من عشرين كتاباً صدرت للشهيد بعد استشهاده سنة 1358هـ وقبل رحيل الإمام سنة 1368هـ ، وبما فيها (الملحمة)، وهي بالترتيب كالتالي: كليّات العلوم الإسلاميّة (ج1،2،3) (1359)؛ المجتمع والتاريخ (1359)؛ إحياء الفكر الإسلامي (1360)؛ حول الثورة الإسلاميّة (1360)؛ معركة الحقّ والباطل (1360)؛ الحريّة المعنويّة (1361)؛ الملحمة الحسينية ج1 (1361)؛ شرح المنظومة (1362)؛ الملحمة الحسينية ج2 (1363)؛ نقد على الماركسيّة (1363)؛ الإمامة والقيادة (1364)؛ التعرّف على القرآن (1364 ـ 1366)؛ جولة في السيرة النبويّة (1364)؛ التعليم والتربية في الإسلام (1365)؛ فلسفة الأخلاق (1365)؛ مسألة المعرفة (1365)؛ الإسلام ومتطلّبات العصر (1366)؛ الإنسان الكامل (1366)؛ حول الجمهوريّة الإسلاميّة (1366)؛ مسألة الربا (1366)؛ الملحمة الحسينية ج3 (1366)؛ أجوبة الأستاذ على ما لوحظ على كتاب مسألة الحجاب (1367)؛ الخاتميّة (1367)؛ جولة في سيرة الأئمّة الأطهار(ع) (1368)؛ الفطرة (1368)؛ نظرة إلى نظام الإسلام الاقتصادي (1368).
واستمرّ صدور كتب الشهيد على هذا المنوال بعد رحيل الإمام، وأغلبها عبارة عن محاضرات تمّ تدوينها، ولا يتجاوز عدد الكتب التي صنّفها الشهيد وأعدّها للنشر في حياته ولكنّها نشرت بعد استشهاده عدد أصابع اليد بحسب ما ذكرته لنا شورى الإشراف على نشر تراث الشهيد.
أمّا كتاب (الاقتصاد الإسلامي) فحكايته ـ على ما علمناه من شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري ـ أنّ منشورات (حكمت) عمدت إلى كتابات ومدوّنات للشهيد مطهري حول الاقتصاد الإسلامي فنشرتها في حياة الإمام الخميني تحت عنوان (بررسى اجمالى مبانى اقتصاد اسلامى) مع تعليقات للناشر، وقد أثار الكتاب حفيظة جمع من رجالات الحوزة العلميّة الذين التقوا بالإمام وأبلغوه اعتراضهم على جملة من مضامين الكتاب، فطلب الإمام سحبه من الأسواق درءاً للفتنة. وبعد ذلك قامت مؤسّسة (صدرا) المولجة مهمّة نشر آثار الشهيد مطهري بطبع الكتاب نفسه بعنوان (نظرى به نظام اقتصادى اسلام) مع حذف الهوامش التي لا ترجع إلى شيخنا الشهيد، ومع الحفاظ على سبك الكتاب كما خلّفه الشهيد، ولم يثر الكتاب حفيظة أحد؛ لأنّ (الأمور غير المقبولة) التي استدعت سحب الكتاب من الأسواق كانت بسبب تعليقة الناشر لا كلام الشهيد.
وبعد الاطّلاع على طبعة منشورات (حكمت) العائدة إلى سنة 1403هـ والمطبوعة بكميّة 100.000 نسخة، تبيّن لنا أنّ الناشر قد أضاف إلى الكتاب نوعين من المطالب، وقام بتمييزها جميعاً عن مطالب الشهيد الأساسيّة بوضعها بين عضادتين:
النوع الأوّل: عبارة عن أفكار للشهيد مطهّري نفسه استدعاها الناشر من سائر محاضراته ومصنّفاته ودمجها في المتن واضعاً إيّاها بين عضادتين (ص: 46، 47، 48، 54، 55، 77، 78، 85، 93، 95..)، أو وضعها في الهامش بين عضادتين كذلك.
النوع الثاني: أفكار للناشر نفسه أضافها إلى كلام الشهيد في المتن تارةً، وفي الهامش أخرى (ص 74، 88، 89..)، وهي أفكار مطوّلة في بعض الأحيان، وصلت في بعض الموارد في المتن إلى سبع صفحات ونصف الصفحة (ص135 ـ 142)، وفي الهامش إلى تسع صفحات (ص: 97 ـ 106).
وعندما أعدنا الاستفسار عن طبيعة الإشكالات التي أثارها رجال الحوزة المعترضون ذكرت لنا (الشورى) أنّ كلام الناشر حمل بنظر المستشكلين الروح الماركسيّة في الاقتصاد. وقد قامت مؤسّسة صدرا بعد ذلك بإعادة نشر الكتاب بدون هذه الإضافات ونشر سنة 1368ش سنة رحيل الإمام.
وإذا أغمضنا النظر عن ذلك، فإنّ الدمج بين مطالب الشهيد بهذه الطريقة كافٍ لوحده لإثارة البلبلة على الكتاب.
والغريب أنّ سيّدنا العاملي يستند في الجزء الخامس من كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص)) ـ بطبعته الحديثة الصادرة بعد كتابه (كربلاء فوق الشبهات) ـ إلى كلامٍ لشيخنا الشهيد نشرته صحيفة (جمهوري إسلامي) الفارسية رقم261 الصادرة بتاريخ10 جمادى الثانية سنة 1400هـ ، وهو بدوره عبارة عن مطلب ورد في كتاب (نظرى به نظام اقتصادى اسلام)([11])، وهو الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه، والذي يشتمل على مدوّنات للشهيد مطهّري على غرار مدوّنات (الملحمة الحسينيّة) في جزئها الثاني!!
وإذا كان سيّدنا قد اعتمد على هذا المطلب لعدم علمه بأنّه ضمن آثار الشهيد مطهّري التي لم يراجعها، فلا يخفى أنّه ـ بعد أن أثار إشكالاته على كتاب (الملحمة) ـ يعلم جيّداً أنّ آثار الشهيد مطهّري قسمان: الأوّل يصحّ الاستناد إليه، وهو ما نشره في حياته، والآخر بخلافه، وهو ما نشر بعد استشهاده. ولذلك لا يصحّ لسيّدنا التمسّك بأيّ كلام منسوب للشهيد إلاّ بعد التأكّد من دخوله تحت القسم الأوّل، وإلاّ كان الاستناد إليه على أمل أن يكون من القسم الثاني من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وهو ممنوع.
ماذا لو نشر الكتاب بعد وفاة صاحبه؟!
ثمّ إنّنا لو التزمنا بعدم صحّة نشر الأثر إن كان بعد وفاة صاحبه ولم يحظ بمراجعته، فماذا نفعل بجزء معتدّ به من تراث علمائنا ممّا نشر بعد وفاتهم ودون مراجعتهم؟! وعلى أيّ أساس نقوم بنشر المخطوطات التي لم ترَ النور في حياة مؤلّفيها؟ خاصّة تلك التي نعرف أنّها مسودّات غير مكتملة لم يفرغ أصحابها من تدوينها وإعدادها للاستنساخ أو النشر!
ولسنا هنا بصدد حشد الأمثلة والنماذج على ما سقناه، بل نكتفي بنقل كلام للمحقّق الخبير والرجالي الكبير السيّد البروجردي حول رجال الشيخ الطوسي يقول فيه:
«لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً على جميع الرواة؛ لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسودّة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً لنظمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة على ذكر مجرّد اسمه واسم أبيه من دون تعرّض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها. وكذا ذكر بعض الرواة مكرّراً كما يتّفق فيه كثيراً على ما تتبّعنا؛ فهذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلى حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة الكتاب، وذلك كان مستنداً إلى كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة من الفقه والأصول وجمع الأحاديث والتفسير والكلام، وغير ذلك من العلوم، بحيث لو قسّمت مدّة حياته على تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلّا ساعات معيّنة محدودة»([12]).
فلو صحّ الظنّ الغالب للسيّد البروجردي، فهل يعني ذلك إسقاط رجال الشيخ عن الاعتبار بناء على هذا المبنى؟! خاصّة أن حاله تكاد تطابق حال كتاب (الملحمة)!
اللهمّ إلاّ أن يكون كلام السيّد البروجردي مشمولاً بالإشكال نفسه؛ لوروده في الجزء الثالث من تقرير الشيخ اللنكراني لدرسه، وهو الجزء الذي لا نحرز مراجعة السيّد البرورجردي له كما حصل مع الجزءين الأوّل والثاني([13])!
تصريح الشهيد بعدم صلاحيّة محاضراته للنشر:
نقل السيّد العاملي عن الشهيد مطهري أنّ محاضراته غير صالحة للطبع ما لم تمسّها يد التغيير([14]).
وقد ورد كلام الشهيد في مقدّمة الطبعة الفارسيّة من كتاب (العدل الإلهي)؛ حيث كتب ما ترجمته: «وكما ذكرت في مقدّمة الطبعة الأولى، فإنّ هذا الكتاب [يعني: كتاب العدل الإلهي] عبارة عن تدوين وتفصيل لمجموعة من المحاضرات التي ألقيت في مؤسّسة حسينيّة الإرشاد الإسلاميّة. طبعاً، ما يلقى بصورة محاضرة ـ على الأقلّ محاضراتي أنا ـ لا يصلح للطبع ما لم يتمّ العمل عليه من جديد. علاوة على ذلك، فإنّه إذا تقرّر أن يطبع فلا يمكن القناعة بما ألقي بصورة محاضرة. ومن هنا فإنّني في الطبعة الأولى ـ وكذلك في الثانية ـ أعدت قراءة البحث وأضفت إليه مطالب جمّة. في الطبعة الثانية أضيف إلى مطالب الطبعة مقدار الخمس، إضافة إلى إصلاحات لفظيّة وتغييرات في النظم وترتيب المطالب. ومن هنا فإنّ الكتاب ينشر في طبعته هذه بحلّة شهدت تغييراً»([15]).
لكن قبل أن ندقّق في ما يستفاد من عبارة الشهيد المتقدّمة دعونا نقرّ بأنّ ما من محاضر ـ بشكل عام ـ يقبل نشر نصّ محاضراته دون إعادة صياغتها وترتيبها وتنظيمها؛ لأنّ قلّة من الناس فقط تتمتّع بقدرة الإلقاء بمستوى يتاخم مستوى النصّ المكتوب.
لكن، هل يفهم من نصّ الشهيد المتقدّم أنّه بصدد إبداء معارضته لطباعة محاضراته حتّى في مثل حالتنا؟ أعني: عندما يرحل المحاضر عن الدنيا ويذرنا أمام تراث لا ندري ماذا نفعل به؟!
وبالرجوع إلى عبارة الشهيد، يمكننا أن نستفيد الأمور التالية:
1 ـ أنّه فصّل في النصّ المكتوب ما كان قد ألقاه في المحاضرات.
2 ـ أنّه عندما يريد أن ينشر ما ألقاه في محاضراته يعمل عليه من جديد، وبحسب تعبيره الفارسي يجري عليه «دستكارى»، أي: ترميماً و(رتوشاً).
3 ـ أنّه لا يصحّ القناعة بما يلقى في المحاضرات، ومراده من القناعة (قناعت) هنا: الاكتفاء، لا الاقتناع بمعنى القبول.
4 ـ أنّ ما قام به في الطبعة الجديدة اشتمل على إضافات وإصلاحات لفظيّة وتغيير في النظم والترتيب.
ومن مجموع هذه الأمور يستفاد: أنّ النصّ المكتوب ـ لا أقلّ نصّ الشهيد مطهّري ـ يمتاز عن المحاضرة الملقاة ـ ولو بشكل عام ـ بتفصيل المجملات، وبأنّه نصّ مرمّم و(مروتش) وأسلم لفظيّاً، وبأنّه أمتن من ناحية النظم والترتيب، وبأنّه أكثر إشباعاً من المحاضرة؛ إذ بقرينة تفريعه بالحديث عن إضافة مطالب جمّة نفهم أنّ النصّ المكتوب يمتاز عن المحاضرة بالإشباع أكثر، ولذلك لا يصحّ الاكتفاء أو القناعة بما يُلقى في المحاضرات.
وعلى هذا الأساس، لو قدّر للشهيد مطهّري مراجعة (الملحمة) وجرت الأمور على ما جرت عليه مع كتاب (العدل الإلهي) فإنّه لم يكن ليغيّر المؤشّر العام لأطروحته، بل ربما كان سيسجّل 120 إشكالاً ـ 100 + 20% ـ بدل المائة!! وهذا يصبّ في صالح تعميق إشكالات الشهيد لا التراجع عنها.
وبشكل عام، عندما يدوّن صاحب الفكرة محاضرته، فهل يتبنّى عادةً رأياً مبايناً لما طرحه في المحاضرة، أو مغايراً مغايرة فاحشة على أقلّ تقدير؟! أم أنّه يعمّق استدلاله ويزيد من شواهده وفق المؤشّر العام الذي تسير وفقه المحاضرة؟
فلنفرض أنّ شيخنا الشهيد أعاد النظر في محاضرات (الملحمة)، فقد يعيد صياغة عباراته وترتيب مطالبه، وقد يتخلّى عن بعض الأفكار الجزئيّة أو الإثارات التاريخيّة، ولكن من المظنون بشدّة أنّه كان سيعمّق أفكاره ويزيد من حجمها وفي الاتجاه الذي يوجّه إليه المؤشّر العام للكتاب وليس بعكسه!! هذا المؤشّر الذي نطمئنّ إلى ثباته، كيف لا وقد صدر في مرحلة النضج الفكري لشيخنا الشهيد؟!
إنّ محاضرات التفسير الموضوعي للقرآن الكريم التي ألقاها الشهيد الصدر قبل فترة وجيزة من اعتقاله الأخير لم تخضع للصياغة والتحرير، ولم تحظ بمراجعة الشهيد قبل صدورها على شكل محاضرات مدوّنة.. لكن لنفرض أنّه راجعها ونشرها، فهل كانت الأطروحة المودعة فيها ستتغيّر وتنقلب أم كانت ستتعمّق؟!
ومن باب المبالغة وبهدف تحرير محلّ النزاع نقول: إذا كان الطابع الحاكم فيها هو حكومة المجتمع الإيماني، فهل كانت الفكرة ستتبدّل إلى حكومة المجتمع العلماني مثلاً لو قدّر أن أعاد صياغتها وحرّرها بقلمه؟!
إنّ زحزحة المؤشّر الفكري لأطروحات مفكّرين كبار مثل هؤلاء ليست بالأمر الهيّن بحيث تتحقّق بمجرّد مراجعة نصّ المحاضرة وصياغته أو إعادة ترتيب أفكاره، وهذا هو المهمّ، وهذا هو ما يجري على شيخنا الشهيد في ما يرتبط بموقفه من التحريف العارض على واقعة كربلاء.
وعلى كلّ حال، فإذا تقرّر أن تحلّ كلّ محاضرة لم يراجعها صاحبها ويصغها صياغة النصّ المكتوب حيّز العدم فلا بأس بذلك، لكن لا بدّ من إعمال هذه القاعدة في كلّ مصاديقها المتوفّرة في تراثنا العلمي الضخم، وما أكثرها!
كيف لم يسرِ الإشكال إلى التقريرات العلميّة؟
نعيش في الحوزات العلميّة ارتكازاً قريباً ممّا نحن فيه يتّصل بما يعرف بـ(التقريرات)؛ فالتقرير عبارة عن مدوّنة يكتبها التلميذ لدرس أستاذه، وغالباً ما يعتمد التلميذ على فهمه لمطلب الأستاذ دون أن يتقيّد بعباراته، بل ربما يوجد جوّ من المفاخرة بين المقرّرين، بحيث كلّما قلّت استفادة المقرّر من ألفاظ أستاذه بعينها كان ذلك كاشفاً عن مدى عمقه العلمي، ومع ذلك فالارتكاز الحوزوي قائمٌ على نسبة الفكرة إلى المقرّر له، وإن لم تنسب إليه الألفاظ بعينها، حتّى لو صدر التقرير بعد رحيل المقرّر له! بل أكثر من ذلك، قد يحدث اختلاف بين عدّة تقريرات للدرس الواحد، ومع ذلك لا يشكّك في نسبة الكتاب كلّه إلى الأستاذ، بل يتعامل مع التهافت بطريقة مورديّة.
أضرب مثالاً على ذلك من أبحاث السيّد الخوئي رحمة الله تعالى عليه؛ فكتاب (محاضرات في أصول الفقه) للشيخ فيّاض و(دراسات في علم الأصول) للسيّد علي الهاشمي و(مصباح الأصول) للسيّد البهسودي و(مباني الاستنباط) للسيّد الكوكبي هي أربعة تقريرات للدورة الأصوليّة نفسها (مع عدم اشتراك الأوّل والأخير، باعتبار الأوّل في مباحث الألفاظ والأخير في الاستصحاب، بينما الثاني كامل والثالث اكتمل مؤخّراً)، ومع ذلك فبعضها يختلف في بعض الموارد مع البعض الآخر، وفي الوقت نفسه تحمل تقريظاً من السيّد الخوئي رحمة الله تعالى عليه، ولم يشكّك أحد في نسبة ما في هذه الكتب إلى السيّد الخوئي بشكل مطلق، غاية ما هنالك هو أنّنا عندما نقف على تعارض بين التقريرات نقوم بترجيح أحدها اعتماداً على أحد المرجّحات المقرّرة في محلّها.
وإذا قيل: إنّ هذه الكتب صدرت في حياة السيّد الخوئي رحمه الله، فلا يمكن النقض بها، فلدينا الكثير من التقريرات التي هي ـ من ناحية ـ تقرير، ومن ناحية أخرى صدرت بعد وفاة المقرّر له. ولسنا بعيدين عن كتاب (مباحث الأصول) للسيّد الحائري الذي لا زال يصدر إلى يومنا هذا، وهو في أغلبه تقرير لدروس الشهيد الصدر الأصوليّة التي ألقاها في دورته الأصوليّة الأولى، ومع أنّ الشهيد الصدر عدّل بعض آرائه في الدورة الأصوليّة الثانية، ومع أنّ هذا الكتاب لا زال يصدر بعد مرور 30 عاماً على رحيل المقرّر له، إلاّ أنّه لا يشكّك أحدٌ في نسبة الفكرة إلى صاحبها، حتّى التي نعلم أنّه عدل عنها في دورته الأصوليّة الثانية؛ لأنّنا عندما نذكر أنّ هذا الكتاب عبارة عن تقريرات الدورة الأصوليّة الأولى فإنّنا لا نتعهّد بأكثر من أنّ هذه الأفكار مطابقة لما طرحه الشهيد الصدر في دورته الأولى، ولسنا ندّعي أنّ هذه الفكرة هي آخر ما اعتقد به إلى حين ارتفعت روحه إلى السماء، فما بالك في كتاب قد تمّ تدوين مادته العظمى اعتماداً على الأشرطة الصوتيّة كما هو الحال في كتاب (الملحمة الحسينيّة)؟!
ولكن يبدو أنّ سماحة السيّد لا يوافق على وجود ارتكاز من هذا القبيل؛ فقد ذكر([16]) أنّ علماءنا الأبرار عوّدونا على عدم نسبة الأفكار إلى أصحاب التقريرات بنحو القطع والحسم، ومثّل بـ(أجود التقريرات) للمحقّق النائيني، وبأنّهم يقولون (حكي عن الشيخ النائيني) أو (نسب إليه).
إنّ ما هو الصحيح هنا هو أنّ الفكرة المطروحة في التقرير لا يمكن نسبتها إلى المقرّر له على حدّ نسبة الفكرة المودعة في كتاب مدوّن، لكن مع ذلك نسجلّ الملاحظتين التاليتين:
الأولى: إنّ قياس ما نحن فيه على التقريرات قياس مع الفارق؛ لأنّ السبب في عدم نسبتنا الفكرة إلى المحقّق النائيني ـ مثلاً ـ على نحو القطع والجزم هو عدم إحرازنا ـ بنحو القطع والجزم ـ أصل صدور هذا الكلام منه، وإن كنّا نثق بالمقرّر؛ لاستبطان التقرير نحواً من تدخّل المقرّر، إلى جانب دخالة مدى فهمه للمطلب في عمليّة تدوين الفكرة، وليس السبب في ذلك هو عدم مراجعة صاحب الفكرة لفكرته بعد أن كنّا نحرز صدورها بنحو القطع.
وما نحن فيه من القبيل الثاني لا الأوّل؛ فإنّنا نقطع بصدور هذه الأفكار عن الشهيد مطهّري؛ لتوفّر المحاضرات الصوتيّة في أغلب الأفكار، وحتّى الفصل الذي لا تتوفّر فيه المحاضرات الصوتيّة تتوفّر لدينا نسخة منزلّة من الأشرطة الصوتيّة تعود إلى زمان الإلقاء، غاية الأمر أنّنا نشكّ ـ افتراضاً ـ في أنّه هل كان سيحتفظ بها كما هي فيما لو راجعها أم لا! لا أنّنا نشكّ في أنّ هذه الفكرة صدرت عنه أم لا!
الثانية: إنّنا قد لا نسلّم بأصل ما ذكره سماحته بهذا الإطلاق؛ لأنّنا إذا دقّقنا النظر في طريقة تعامل علمائنا مع الأفكار الواردة في التقريرات فإنّنا لا نجدهم ينسبون الفكرة إلى صاحبها على نحو الحكاية أو الاحتمال بشكل مطلق على ما يفهم من سماحته، لأنّهم ـ وبكلّ وضوح ـ يقولون مثلاً: (مسلك جعل العلميّة للمحقّق النائيني) و(مسلك حقّ الطاعة للشهيد الصدر) ومئات الأمثلة الأخرى، مع أنّها كلّها واردة في تقريرات تلامذتهم، ولا يقولون (مسلك جعل العلميّة المنسوب إلى المحقّق النائيني). وحتّى لو لم يرد في كتاب (الحلقات) ـ المصنَّف ـ حديثٌ عن (حقّ الطاعة)، فإنّنا ننسبها إلى الشهيد الصدر اعتماداً على ما جاء في التقرير.
نعم، نجدهم عندما يلمسون ضعف فكرة ما ويستبعدون صدورها عمّن نسبت إليه، أو يجدون تضارباً بين مختلف التقريرات، فإنّهم يلجأون إلى استخدام تعبيرات تشكيكيّة بهدف الحفاظ على مقام المقرّر له، فيشكّكون في النسبة أو في فهم المقرّر للفكرة. أمّا أنّهم يعمدون ـ بشكل مطلق ـ إلى نسبة الأفكار الواردة في التقريرات إلى أصحابها على نحو الحكاية أو النقل، فهذا ما لم نتوفّر على شياعه بالنحو الذي يصوّره سماحته، ولو صحّت هذه الدعوى لما بقي حجر على حجر، والحال أنّ الأبنية قائمة وغير مهدّمة.
هل يجب أن يعبّر الأثر عن رأيه صاحبه النهائي؟
افترض السيّد العاملي في كتابه وجود شخص غير الشهيد مطهري نسب إليه الكتاب، وأطلق عليه اسم (المؤلّف)، وذكر: أنّنا حتّى لو كنّا نطمئن إلى أنّ هذا (المؤلّف) قد أخذ مطالب الكتاب من الشهيد، إلاّ أنّنا لا نستطيع الجزم بأنّ المكتوب فيه يمثّل رأي الشهيد النهائي بكلّ دقائقه وتفاصيله([17]).
ويفترض أن يكون المقصود: الرأي النهائي إلى حين طباعة الكتاب لا الرأي النهائي للشخص حول هذه المسألة مطلقاً، وإلا فدلّوني على كتاب يبقى ممثّلاً لرأي صاحبه النهائي؛ فإن كلّ كتاب يمثّل الرأي النهائي لصاحبه حال صدوره، وليس مطلوباً أن يبقى كاشفاً عن رأي المؤلّف النهائي إلى آخر رمق من حياته، وإلاّ لتوجّب إنكار نسبة بعض الكتب إلى شيخ الطائفة الطوسي مثلاً، باعتبار أنّنا نعلم أنّه قد ألّف بعض مؤلّفاته في مرحلة ما، ثمّ ترقّى إلى آراء أخرى في الكتب التي ألّفها لاحقاً، وكذلك ما حصل مع الشهيد الصدر بين كتابَيه (فلسفتنا) و(الأسس المنطقيّة للاستقراء)، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة، ولكنّنا مع ذلك لا ننفي نسبة الكتاب إلى صاحبه، بل نقول: إنّ رأيه قد ترقّى من (أ) إلى (ب).
وعلى أيّة حال، فقد سبق أن أشرنا إلى أنّنا نطمئنّ إلى أنّ المؤشّر العام لأطروحة (الملحمة) لم يكن ليتغيّر لو قدّر لشيخنا الشهيد أن يعيد النظر في الكتاب؛ لصدور أفكاره في مرحلة نضوجه الفكري.
أمّا لو قيل بأنّنا نقطع بأنّ الشهيد مطهّري لو أعاد النظر في كتابه واطّلع على الإشكالات الواردة عليه لغيّر من آرائه فهذا على حدّ قطعنا بأنّ سماحة السيّد لو اطّلع على الإشكالات الواردة على إشكالاته لتخلّى عن بعضها على الأقلّ، وهذا حالُ جميع من صنّف وألّف، ولهذا كتب القاضي عبد الرحيم البياني إلى العماد الإصفهاني معتذراً عن كلام استدركه عليه: «إنّه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا! وها أنا أخبرك به، وذلك أنّي رأيت أنّه لا يكتب إنسانٌ كتابه في يومه إلاّ قال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر»([18]). ولهذا قال تاي تنج: «لو كنت لأنتظر الكمال لما فرغت من كتابي إلى الأبد»([19]).
إشكالات حول كيفيّة تنظيم فصول الكتاب وتعميةُ الجهة الناشرة:
ذكر السيّد المحقّق أنّ لديه نسخة فارسيّة مكوّنة من جزءين بمقدّمتين([20])، وهي عبارة عن الطبعة الجديدة من الملحمة الحسينيّة بعد أن كانت الطبعات القديمة قد طبعت في ثلاثة أجزاء؛ حيث تمّ في الطبعات الجديدة دمج الجزءين الأوّل والثاني في مجلّد واحد، مع الاحتفاظ بالثالث في مجلّد مستقل.
افترض سماحته في بداية كلامه وجود (مؤلّف) ـ هكذا أسماه ـ قام بجمع مواد الكتاب([21])، وقدّم أربع نقاط اعتبرها (شواهد من المقدّمة) على عدم نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهري:
1 ـ أنّ مؤلّفنا ـ المفترض ـ استخرج محاضرات من الأشرطة الصوتيّة.
2 ـ أنّ قسماً من الكتاب مأخوذ من محاضرات صوتيّة لم يطّلع عليها.
3 ـ أنّ بعض مطالب الكتاب هي أنصاف محاضرات ألقاها الشهيد استطراداً.
4 ـ أنّ المؤلّف أتمّ الجمل الناقصة وأصلح منها ما يحتاج إلى إصلاح.
وستتّضح حقيقة الأمر حول مجمل هذه النقاط في ما سننقله لاحقاً من المقدّمة الفارسيّة نفسها، ولكنّنا نكتفي بالتعليق على الملاحظة الثانية ثمّ الرابعة:
أمّا الملاحظة الثانية فغريبة؛ لأنّ ملاك التشكيك إذا كان عدم اطلاع الناشر على المحاضرات الصوتيّة، فهذا يسري بطريق أولى إلى أسلوب التقرير المعمول به في الحوزات العلميّة؛ فبعض تقريرات السيّد الخوئي (رحمه الله) مثلاً كانت تدوّن من الكاسيت على ما يعرفه بعض المقرّبين، ولكنّنا اليوم نعتمد عليها، مع أنّنا لم نطّلع على الأشرطة الصوتيّة. بل إنّنا نعتمد على تقريرات الشيخ الأنصاري (رحمه الله) التي لم تكن تدوّن من شريط الكاسيت بل تدوّن حين إلقاء الشيخ على أفضل تقدير، أو اعتماداً على ذاكرة التلميذ بعد انتهاء الدرس على تقدير آخر، والحال أنّنا لم نسمع الشيخ الأنصاري أثناء إلقائه الدرس.
ولذا فالصحيح أن يكون ملاك التشكيك هو مدى الاطمئنان إلى دقّة الشخص الذي دوّن ما في شريط الكاسيت، لا الاطلاع عليه، فلاحظ.
أمّا الملاحظة الرابعة فأغرب، حيث ادّعى السيّد العاملي أنّ (المؤلّف) أتمّ الجمل الناقصة وأصلح منها ما يحتاج إلى إصلاح، وهو ما يدعونا إلى تسجيل الملاحظتين التاليتين:
الأولى: طالما أنّ سماحته يملك ـ بحسب تصريحه ـ نسخة من الطبعة الفارسيّة، فلماذا لم يشر إلى أنّ (المؤلّف) الذي يدّعيه ليس سوى (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري)، بل إنّه لم ينفكّ يعبّر عنها بـ(المؤلّف)، إلى درجة تجعل القارئ يصدّق ـ وقبل دخول مضمار البحث ـ أنّه فعلاً يوجد مؤلّف قام بتصنيف الكتاب، بحيث يُثار فضول القارئ لمعرفة اسمه أو شيء يرتبط به. وما قام به سماحته هنا مدعاة للتساؤل فعلاً، ولو صرّح من البداية بصدور الكتاب عن (الشورى) لكان أنفع للبحث العلمي الموضوعي؛ لأنّ صدور الكتاب عن مؤسّسة مختصّة وصاحبة خبرة في مجال تراث شيخنا الشهيد يبعث غالباً في نفس القارئ الاطمئنان إلى الجهد المبذول على إخراج الكتاب والدقّة المتوخّاة.
الثانية: لم يذكر (المؤلّف) ـ المفترض ـ في مقدّمة الطبعة الفارسيّة أنّه قام بإتمام الجمل الناقصة وإصلاح إلى ما يحتاج إلى إصلاح كما ادّعاه السيّد العاملي([22])، بل ما ذكرته (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري) حول الفصل السابع من الكتاب (عنصر التبليغ في النهضة الحسينيّة) هو التالي: «نوارهاى اين سخنرانيها در دست نيست، لهذا در تدوين آن فقط از متن پياده شدهء سخنرانيها كه در همان زمان از نوار استخراج شده استفاده گرديده است، وچنانچه در موارد اندكى احساس نارسايى مى شده است امكان مراجعه به نوار وجود نداشته است. بديهى است چنانچه نوارهاى اين فصل به دست ما برسد، از نو تنظيم خواهد شد»([23])، وترجمته شبه الحرفيّة: «إنّ أشرطة هذا الفصل ليست بمتناول الأيدي، لهذا فقد تمّ تدوين هذا الفصل فقط على أساس المتن الذي كان قد استخرج من الكاسيت في حينه. وإذا أحسّ في بعض الموارد القليلة بالقصور (= عدم النضوج، عدم البلاغة)، فإنّ الاحتكام إلى الأشرطة الصوتيّة غير ممكن. ومن البديهي أنّه إذا توفّرت لدينا أشرطة هذا الفصل، فسنعمل على إعادة تنظيمه»، فأين هذا ممّا نقله سماحته؟!
نعم، أضافت (الشورى) بعض الكلمات اللازمة أحياناً، ولكنّها وضعتها بين عضادتين [] دقّة منها في التنظيم، وحرصا منها على سلامة العمل، وهذا ما يسجّل لصالحها لا ضدّها.
وهذا العمل لا مفرّ منها في الحقيقة، أقولها من وحي تجربتي الخاصّة أثناء تحقيقي كتاب (أئمّة أهل البيت (ع) ودورهم في تحصين الرسالة الإسلاميّة) للشهيد الصدر، الذي يصدر قريباً بإذن الله، والذي يماثل (الملحمة) في كثيرٍ من حيثيّاته، وهو كتاب نملك نسخة صوتيّة عن بعض محاضراته، وتدويناً لبعض محاضراته الأخرى بقلم جملة من تلامذته يرجع تاريخه إلى وقت إلقائها، وهو كتابٌ نقطع أيضاً بأنّ الشهيد لو كان حيّاً لغيّر من صياغته مع الاحتفاظ بأطروحته. وأثناء التحقيق لم أجد مفرّاً من تصحيح بعض الكلمات ووضعها بين عضادتين، ممّا يرجع إلى تصحيح التذكير والتأنيث والتثنية والجمع ورجوع المتعلّق وغير ذلك من الأمور.. فهل يعني هذا التشكيك في نسبة المحاضرات إلى الشهيد الصدر؟!
شواهد قاصرة تدفعها مقدّمة الطبعة الفارسيّة:
سجّل سماحة السيّد جملة من الشواهد الأخرى من الكتاب نفسه([24])، نناقشها في ما يلي:
أنّه في حين يقول المؤلّف ـ المفترض ـ إنّه لم يتصرّف في كلام الشهيد إلاّ في موارد يسيرة تمّم فيها عبارة ناقصة، او أصلح خطأ ما، فإّنه يصرّح في بعض الموارد في الكتاب بأنّه قد لخّص خطبة بأكملها، فهو يقول: (خلاصة خطاب للمؤلّف الشهيد بعنوان الحماسة الدينيّة)([25]).
أوّلا: الوارد في الترجمة العربيّة: (الحماسة الحسينيّة) وفقاً للأصل الفارسي لا (الملحمة الدينيّة) كما جاء في نصّ السيّد العاملي نقلاً عن الترجمة العربيّة، ولكنّ هذا ليس بشيء؛ فإنّه من الأخطاء المغتفرة التي تقع، وإنّما اقتضى التنبيه لا أكثر.
ثانياً: نحن إذ نؤكّد على صحّة ما نقله سماحة السيّد من الطبعة العربيّة المترجمة، لكنّنا كنّا نأمل أن يقوم بمراجعة الطبعة الفارسيّة التي ذكر أنّها بحوزته([26])، وهو ما يفترض أن يقوم به في مقام استخلاص النتائج طالما أنّ في البين أصلاً فارسيّاً وآخر عربيّاً؛ إذ من بديهيّات العمل العلمي التحقيقي ـ خاصّة النقدي منه ـ أن نحتمل تسرّب الخطأ من النصّ العربي المترجم.
ولعلّ سماحته اكتفى بقراءة مقدّمة الجزء الأوّل من الطبعة الفارسيّة المخصّصة لبيان خصائص الجزء الأوّل المخصّص للمحاضرات، ولم يطّلع على مقدّمة الجزء الثاني التي خصّصت لبيان خصائص الجزء الثاني المخصّص للمدوّنات (الملاحظات)([27])؛ إذ لو كان قد اطّلع عليها لاحتمل نشوء الخلل من الترجمة.
وعلى أيّة حال، فبينما جاءت عبارة المتن العربي: «خلاصة خطاب للمؤلّف الشهيد بعنوان الحماسة الحسينيّة»، جاءت العبارة الفارسيّة على النحو التالي: «خلاصهاى از سخنرانى شب 13 محرم 88 در حسينيه ارشاد [تحت عنوان «حماسه حسينى»]:)([28])، أي: (خلاصة محاضرة ليلة 13 محرّم 88 في حسينيّة الإرشاد [تحت عنوان: الملحمة الحسينيّة])، فعبارة (خلاصة محاضرة ليلة 13 محرّم 88 في حسينيّة الإرشاد) هي من ملاحظات ومدوّنات الشهيد مطهّري، وعبارة (تحت عنوان: الملحمة الحسينيّة) هي من إضافة المؤسّسة الناشرة، وقد وضعتها بين عضادتين حرصاً منها على التمييز بين كلمات الشهيد مطهري وبين الكلمات التي أضافتها هي، وهذا دليل الأمانة والدقّة.
إذا، فالعبارة التي استدلّ بها السيّد العاملي هي فعلاً من عبارات الشهيد مطهري على ما تمّ توضيحه في مقدّمة الجزء الثاني من الكتاب، ولم يرد فيها عبارة (للمؤلّف الشهيد)، وهي من وضع المترجم.
وعلى هذا الأساس، لا أساس للقول بأنّ «التلخيص يستبطن درجة عالية من التصرّف المباشر، الذي يحتاج الى درجة أعلى من الاستعداد العقلي، من حيث اعتماده على مستوى من الإدراك للمطالب، وعلى القدرة على جمع شتات الأفكار، وتحقيق قدر من التلاحم والانسجام في ما بين متفرقاتها في نطاق الصياغة والأداء»([29])؛ لأنّ التلخيص هو من الشهيد مطهّري، حيث كان يسجّل هذه الأمور في ملاحظاته، وهو ما تمّ توضيحه من قبل (شورى الإشراف على تراثه الشهيد مطهري) في مقدّمة الجزء الثاني؛ حيث أوضحت أنّ ملاحظات الجزء الثاني تتكامل مع محاضرات الجزء الأوّل؛ لأنّ بعض الملاحظات تتعرّض لنفس فكرة المحاضرات، وربما لو راجع سماحته المقدّمتين الفارسيّتين بشكل أفضل لما ذكر هذا الإشكال.
قال سماحته: «ثمّ هو يقول ويصرّح في بعض الموارد بأنّه ينقل عن أوراق كانت للشهيد، قال في بعض الهوامش: (سيتمّ نشر موضوع هذه الأوراق في سلسلة مذكّرات الشهيد)»([30]).
والاستدلال بهذه الفقرة غير وارد؛ فإنّ للشهيد مطهّري عدداً كبيراً من الملاحظات والمدوّنات، وتشكّل مدوّناته حول الملحمة الحسينيّة جزءاً منها. وفي المدوّنة الحاليّة حول تحريفات عاشوراء، تحدّث الشهيد مطهّري حول كلمة (التحريف)، وحيث إنّه كان قد تعرّض لبحث التحريف في مدوّناته الأخرى التي لا ترتبط بالملحمة الحسينيّة، قامت مؤسّسة الشهيد مطهّري بالإشارة في الهامش إلى أنّ مجموعة المدوّنات ستطبع لاحقاً، علما بأنّها قد طبعتها فعلاً في عدّة أجزاء تحت عنوان (يادداشتها)، وعلماً بأنّها وضعت الهامش التي ذكرت فيه ذلك بين عضادتين، وذلك حرصاً منها على تمييز كلماتها عن كلمات الشهيد مطهري.
فأين الشاهد على المدّعى؟! ولماذا لم يوضح سماحته ما أوضحته اللجنة في مقدّمة الكتاب الذي يملك نسخة منه وقرأ مقدّمته كما صرّح هو؟!
3 ـ الشاهد الثالث:
يكمل سماحته حشد الشوهد على عدم صحّة نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهّري بقوله: «ويقول أيضاً عن القسم العاشر من الكتاب: إنّ هذا القسم عبارة عن (حواشٍ نقديّة حول كتاب الشهيد الخالد)»([31]).
وقد ورد هذا الكلام في الطبعة الفارسيّة([32])، ولكنّنا لا ندري وجه دلالته على المراد؛ فقد صرّحت (الشورى) في مقدّمة الكتاب بأنّه قام بتجميع كلّ ما يرتبط بالملحمة الحسينيّة من تراث الشهيد مطهّري([33])، وكان من ضمن هذا التراث ملاحظات كتبها الشهيد في هامش كتاب (الشهيد الخالد)، فلمّا أرادت إدراجها في الكتاب وضعت لها عنواناً، فما وجه الاستدلال بذلك؟ ولماذا إغفال ما جاء في مقدّمة الطبعة الفارسيّة التي تدفع بنفسها هذه الملاحظات كافّة؟!
يكمل سماحته قائلاً: «ويقول في بعض الهوامش: (هكذا ورد في النسخة الخطيّة للأستاذ الشهيد)»([34]).
وقد وردت العبارة في الطبعة الفارسيّة([35]) في الهامش الذي وضعته (الشورى)، وقد وضعت عبارة الهامش بين عضادتين [].
أمّا سبب وضع هذا الهامش من قبلها فلأنّ مدوّنة الشهيد مطهّري مبتورة ومذيّلة بنقاط، فأشارت إلى أنّ العبارة وردت في المخطوط بهذه الهيئة، فهل هذا مدعاة للطعن أم للاعتراف بالدقّة التي اتّبعتها (الشورى)؟!
ثمّ أليس هذا هو الأسلوب المعمول به في تحقيق كتب التراث؟! هل ينكر سماحته أنّ الكتب المحقّقة مليئة بعبارات من قبيل (كذا في الأصل)، (كذا في النسخة الفلانيّة)، (ما بين عضادتين ساقطٌ من النسخة الفلانيّة وأثبتناه من النسخة الفلانيّة)، (ساقطٌ بمقدار جملة)، إلى غير ذلك من العبارات.. فهل يحقّ لنا إذا طالعنا في كتاب محقّق عبارةً لمحقّق الكتاب فيها: (كذا في الأصل)، أو: (كذا وردت العبارة) أن نتّجه إلى التشكيك في دقّة المحقّق أو نفي نسبة الكتاب إلى صاحبه؟!
نعم، نحن نوافق سماحته على إلقاء اللائمة على تصرّف المترجم، ولكن كان متوقّعاً أن يتمّ التحرّي عمّا ورد في الطبعة الفارسيّة قبل الاتجاه إلى اعتبار هذه الموارد معزّزات للتشكيك في نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهّري؟!
ومن جملة ما يذكره سماحته قوله: «ويقول: ( وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل (ملاحظات حول النهضة الحسينيّة) مزيداً من الأدلّة بهذا الاتّجاه. أرجو مراجعة الملاحظتين (10 ـ 11) بهذا الخصوص»([36]).
ولكنّ الترجمة غير موفّقة؛ فالترجمة الدقيقة للمتن الفارسي([37]): (في مدوّنات (النهضة الحسينيّة) رقم 10 نقلنا عن مقتل الخوارزمي أنّ الإمام….)، والمتن الفارسي هو نصّ كلام الشهيد مطهّري في مدوّناته، وليس فيه عبارة (هذا الكتاب)، بل هي من المترجم، فلاحظ!
يكمل سماحته بالقول: «ويقول: (ونحن بدورنا نشير إلى تلك الاستعدادات في أوراقنا، التي سيأتي ذكرها في فصل (ملاحظات حول النهضة الحسينيّة) تحت الرقم 38) (نفس المصدر ج 3ص286)([38])، فأين كلّ هذه النصوص من تصريح مؤلّف الكتاب في جزءيه الأوّلين بأنّهما عبارة عن محاضرات استخرجت من أشرطة التسجيل، وتصريحه في بعض موارد الجزء الثالث: أنّه قد لخّص بعض خطاباته رحمه الله»([39]).
أمّا ما يرتبط بتلخيص خطابات الشهيد مطهّري، فقد تقدّم التعليق عليه، ولكنّ الترجمة الدقيقة لما ورد في الطبعة الفارسيّة([40]): «وسنبيّن هذه المقدّمات في أوراق مدوّنات حول النهضة الحسينيّة، رقم 38» جرياً على ديدنه في مدوّنات الجزء الثاني.
يخلص السيّد العاملي في ختام هذه الملاحظات ـ مسترجعاً ثلاث ملاحظات قمنا بتفنيدها ـ إلى القول: «فإنّ كلّ ذلك يشير إلى أنّ الأوراق هي لهذا الذي جمع الكتاب، وإلى أنّه هو الذي يفصّل الفصول، وهو الذي يضع الأرقام للفقرات. ولكنّ تصريحاته السالفة التي ذكرناها تشير إلى أنّه ملتزمٌ بدقّة النقل عن نسخة الشهيد الخطيّة!! فكيف نوفّق بين الأمرين!؟ … وانظر أيضاً إلى قوله: (نشير إلى تلك الاستعدادات)؛ فإنّ سياق الكلام يدلّ على أنّ الذي يورد المطلب هو نفسه الذي يقوم بجمع مادة الكتاب ويؤلّف بين متفرّقاته، ويجعل له فصولاً وأرقام فقرات … وأوضح من ذلك قوله في رقم 5 الآنف الذكر: (وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل ملاحظات حول النهضة الحسينيّة مزيداً من الأدلّة)، فهذا يدلّ على أنّ المؤلّف هو الذي يأتي بالأدلّة، وهو الذي يوردها في هذا الفصل، أو في ذاك. وهذا المؤلّف نفسه ملتزم بدقّة النقل عن النسخة الخطيّة!! وهو نفسه يلخّص هذا الخطاب، أو ذاك!! فتبارك الله أحسن الخالقين!!»([41]).
وقد تقدّمت مناقشاتنا لهذه الموارد مورداً بعد آخر، ولكنّنا لا نملك ـ في مقام استخلاص النتائج ـ سوى تسجيل تعجّبنا، والملاحظة الأخيرة لسماحته تعزّز ما احتملناه سابقاً من أنّه قد قرأ مقدّمة الجزء الأوّل بطبعته الفارسيّة دون مقدّمة الجزء الثاني، والتي ذكر فيها الناشر ـ بنحو لا يبقى معه لبس ـ بأنّ ما ورد في الجزء الثاني عبارة عن مدوّنات الشهيد مطهّري، ولذلك فهناك عبارة واضحة جدّاً على غلاف الجزء الأوّل من الطبعة الفارسيّة: (سخنرانيها = المحاضرات)، وعلى غلاف الجزء الثاني: (يادداشتها = المدوّنات = الملاحظات).
وعلى هذا الأساس لا يبقى مكان لهذه الملاحظات؛ لأنّ الناشر ميّز بوضوح بين محاضرات الشهيد مطهّري وبين مدوّناته، فما ورد من عبارات التلخيص وغيرها كلّها للشهيد مطهّري فعلاً، وليست للمؤلّف الذي افترضه سماحته من أوّل البحث؛ لأنّ بعض مساحات الجزء الثاني عبارة عن مدوّنات وملاحظات كان يسجّلها الشهيد حول ما ألقاه؛ حيث يقوم هو بتلخيص بعض المطالب، ويكتب بخطّه: تلخيص المطلب الفلاني…
وعلى هذا الأساس يرتفع ما يبعث على التعجّب الذي سجّله سماحته من خلال استشهاده بقوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾.
أمّا مجموع الملاحظات التي أوردها سماحته([42])، والتي ترجع في محصّلها إلى اضطراب الكتاب، ومراوحته بين التطويل والاختصار، وبين التفصيل والإجمال… فلا تنسحب على أصل نسبة الأفكار إلى صاحبها؛ لأنّ هذا مقتضى جمع الكتاب من المحاضرات والمدوّنات.
ثمّ إنّ من ألقى نظرة عابرة على مختلف آثار الشهيد مطهّري يدرك جيّداً أنّها تحمل الطابع الموجود في (الملحمة الحسينيّة)، وليس هذا الكتاب ببدع عنها، بل إنّ اللجنة العلميّة القائمة على نشر آثار الشهيد اعتبرت ـ في مقدّمة الطبعة الفارسيّة ـ كتاب (الملحمة) من أفضل أعمال الشهيد (از شاهكارها) من حيث «نوع الموضوعات وقوّة التحليل»([43]).
لا بأس في أن نتعرّض هنا إلى ما ذكره سماحته([44]) من أنّ اختصار بعض الأفكار تارةً وعدم إشباعها بالبحث تارةً أخرى يمنعاننا من نسبة الكتاب إلى الشهيد الذي ـ وبحسب تعبير سماحته ـ لا يرضى بنسبة الكتاب إليه.
وهذا الكلام صحيحٌ من جهة واحدة، وهي أنّنا نطمئنّ إلى أنّ الشهيد مطهّري لو كان حيّاً لما نشر الكتاب على الحال التي هي عليه؛ لأنّ في الكتاب ـ خاصّة في قسم المدوّنات ـ الكثير من المدوّنات التي هي عبارة عن رؤوس أقلام أراد بحثها والتوسّع فيها، فكان من الطبيعي أن يزداد حجم الكتاب على نحو ما حدث في كتاب (العدل الإلهي) الذي أضاف إليه الشيخ الشهيد مقدار الخمس عندما أخرجه من صورة المحاضرة إلى صورة الكتاب المدوّن([45])…
هذا كلّه صحيح، لكن ما هو العمل اليوم ونحن نقف أمام هذا التراث المتناثر الذي وصلنا من الشهيد مطهّري، هل نضعه جانباً بكلّ بساطة؟ وهل كنّا لنفعل الشيء نفسه مع محاضرة وصلتنا مثلاً عن الشيخ المفيد أو الطوسي أو ..؟! أم أنّ تناول محاضرات الشهيد مطهّري لموضوع تحريف واقعة عاشوراء بالنحو الذي طرحه جعل لها خصوصيّة دفعت إلى تبرير إغماض النظر عنها؟! وكيف نبرّر نشرنا لتراث كبار علمائنا الذي لم يعدّه أصحابه للنشر؟!
أم أنّ الصحيح هو أن ننشرها مع التأكيد على حالها وخصائصها وأنّها لم تلق بهدف النشر؟! خاصّة إذا لم تكن ملاحظات ومدوّنات بدائيّة وممسوخة للغاية؛ فإنّ (الملحمة الحسينيّة) ليست عبارة عن كلمات مبعثرة عاجزة عن إيصال فكرة ما كما هو واضح لمن يقرؤها!
أعتقد أنّ الخيار الثاني هو الصحيح، وهو المتعارف والمتداول، بل هو الذي يحكم به ارتكاز سماحة السيّد، وإلاّ كيف أحال هو إلى مقالاتٍ للشهيد مطهّري نشرت في الصحف الإيرانيّة بعد رحيله كما أشرنا سابقاً؟! أو كيف يُشرف هو على نشر تراث والده الذي نتساءل ـ مجرّد تساؤل ـ إن كان قد أعدّه كلّه للنشر قبل رحيله؟!
وإذا دلّ هذا على شيء، فهو يدلّ على أنّ الوجدان ـ ومع قطع النظر عن مسألة الملكيّة الفكريّة والموقف الشرعي منها ـ لا يأبى من نسبة شيء إلى صاحبه إذا صدر عنه ولو لم يراجعه، غاية الأمر أنّ الواجب يحتّم عليه الإشارة إلى حيثيّات صدور النص، كأن يذكر أنّ هذه الفكرة ذكرها في محاضرة لم يراجعها مثلاً، وهو ما وقع في مقدّمتي الطبعة الفارسيّة من (الملحمة الحسينيّة).
نعم، نحن نتّفق مع سماحته في الإشكال على الترجمة العربيّة التي أغفلت ذكر خصائص الكتاب وتلفيقه بين المحاضرات والمدوّنات بالتفصيل المشروح في مقدّمتَي الطبعة الفارسيّة التي اطّلع عليها سماحته.
استعراض ما جاء في مقدّمة الطبعة الفارسيّة:
لكي تتّضح الصورة بشكل كامل للقارئ الكريم، سنورد ملخّصاً لما جاء في مقدّمة الجزء الأوّل ثمّ الثاني من الطبعة الفارسيّة؛ فقد أشارت مؤسّسة حفظ ونشر آثار الشهيد مطهري ـ التي عبّر عنها سماحته بـ(المؤلّف) ـ في مقدّمة الطبعة الثلاثين إلى أنّ الكتاب كان قد طبع في ثلاثة أجزاء من حجم (الرقعة)، جزءان منها اشتملا على محاضرات الشهيد مطهري، بينما اشتمل الجزء الثالث على الملاحظات (المدوّنات)، ولمّا كانت الأجزاء الثلاثة غير متناسبة من ناحية الإخراج الفني، فقد عمدت المؤسّسة إلى إعادة إخراجها في جزءين ضمن إخراج فنّي واحد ومتناسق.
وقد أشير في المقدّمة إلى أنّ الكتاب قد خضع لتحسينات عديدة في طبعته الثلاثين، من قبيل تشكيل الكلمات في الموارد اللازمة (الحركات الإعرابيّة)، وإضافة العناوين والفهارس التفصيليّة، والمهم هو ما ورد في المقدّمة من أنّه أعيد العمل على فصل (التحريفات في واقعة كربلاء التاريخيّة)، حيث أعيد تنزيلها من شريط الكاسيت والمبالغة في التدقيق فيها.
الجزء الأوّل: المحاضرات:
أمّا فصول الكتاب، فقد جاء الحديث عنها كما يلي:
الفصل الأوّل: تحت عنوان (الملحمة الحسينية)، وهو مجموعة محاضرات الشهيد مطهري التي ألقاها تحت هذا العنوان حوالي سنة 1347هـ.ش في حسينيّة الإرشاد، وعلى أساسها تمّت تسمية الكتاب.
الفصل الثاني: (التحريفات في واقعة كربلاء التاريخيّة)، وهو مجموعة المحاضرات التي ألقاها الشهيد في محرّم 1389هـ.ق في حسينيّة الإرشاد.
الفصل الثالث: (ماهيّة الثورة الحسينيّة)، وتوضيح ذلك أنّ الشهيد مطهّري ألقى سنة 1356هـ.ش محاضرات في معهد التوحيد في طهران تحت عنوان (مسألة المعرفة)، وحيث تقارن ذلك مع عشرة محرّم الأولى، فقد خصّص ثلاث جلسات في ليلتي التاسع والعاشر، وبمقدار نصف الجلسة للحديث عن حادثة كربلاء، فتشكّل هذا الفصل من ثلاثة أنصاف جلسات.
الفصل الرابع: (تحليل واقعة عاشوراء)، وهو عبارة عن محاضرة ألقاها الشهيد مطهّري سنة 1356هـ.ش ضمن جلسة من الجلسات الأسبوعيّة التي كانت تعقد في أحد المنازل، والتي كانت تعرف بـ(جلسة اليزديّين)، أي أهالي يزد.
الفصل الخامس: (شعارات عاشوراء)، وهو مؤلّف من محاضرة ألقاها الشهيد مطهّري يوم العاشر من محرّم حدود سنة 1352ش في مسجد (نارمك) في طهران.
الفصل السادس: وهو مؤلّف من سبع محاضرات ألقاها الشهيد تحت عنوان (عنصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة) في محرّم سنة 1390هـ.ق في حسينيّة الإرشاد.
الفصل السابع: وهو مؤلّف من سبع محاضرات ألقاها الشهيد تحت عنوان (عنصر التبليغ في النهضة الحسينيّة) في محرّم من عام 1350هـ.ش في مسجد (جاويد) في طهران.
وأشارت المقدّمة ـ على ما ذكرناه سابقاً ـ إلى أنّ محاضرات الفصل السابع مفقودة وغير موجودة بين أيدينا، فكان الاعتماد على المتن المنزّل من أشرطة الكاسيت في ذلك الوقت، وفي بعض الموارد المعدودة كان هناك شيء من القصور أو عدم النضج، ولكن أشرطة الكاسيت مفقودة، ولا شكّ في أنّه سيعاد العمل على هذا الفصل متى تمّ العثور على المحاضرات الصوتيّة.
وأخيراً، فقد اعتبرت المقدّمة أنّ كتاب (الملحمة الحسينيّة) من أفضل آثار الشهيد مطهري من حيث نوع الموضوعات وقوّة التحليل.
12 بهمن 1377
شورى الإشراف على آثار الأستاذ الشهيد مطهري
الجزء الثاني: المدوّنات، مقدّمة الطبعة 25:
يحتوي هذا المجلّد على المطالب التي كان الشهيد قد دوّنها بهدف مراجعتها لاحقاً أو بهدف الاستعداد والتهيّؤ للمحاضرة. وتتفاوت هذه المطالب من حيث الإجمال والتفصيل، فبعضها على شكل مقالة وبعضها الآخر لم يزد على عدّة أسطر، وفي بعض الحالات النادرة تمّ التعرّض للمطلب على نحو الإشارة.
يشتمل هذا المجلّد على ثمانية فصول، يتناول بعضها نفس موضوع المحاضرات، والقسمان يكمّلان بعضهما البعض.
يشار إلى أنّ عنوان (الجذور التاريخيّة لحادثة كربلاء) من وضع شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهري.
22 بهمن 1377
شورى الإشراف على آثار الأستاذ الشهيد مطهري
تبيّن لنا في ثنايا بعض الملاحظات أنّ إشكالات السيّد المحقّق ترتفع من خلال مراجعة الطبعة الفارسيّة لكتاب (الملحمة الحسينيّة)، وقد سلّمنا في ثنايا البحث بعدم دقّة الترجمة العربيّة في بعض الموارد، علما بأنّنا عندما بدأنا كتابة البحث كان بين أيدينا الطبعة الفارسيّة ذات المجلّدين، وهي الطبعة الجديدة، بينما اعتمد مترجم الطبعة العربيّة على النسخة الفارسيّة القديمة ذات المجلّدات الثلاثة.
ومن الموارد المهمّة الواردة والمتداولة في كتاب (الملحمة الحسينيّة) ما ورد في الترجمة العربيًة من أنّ بيت الشعر القائل:
نذر عليّ لئن عادوا وإن رجعوا * لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا
قد نظم على لسان مجنون ليلى، وأنّ أصل البيت كان (طريق التفت) ثمّ حرّفت (التفت) إلى (الطف) ونسب البيت إلى أم علي الأكبر([46]).
وعلى هذا الأساس عقد سماحته الفصل السادس وقام بتخصيصه للحديث عن هذا البيت([47]).
ونحن لسنا بصدد الحديث عن الحادثة في بعدها التاريخي، بل نسجّل تعجّبنا من مسألة، وهي أنّنا عندما رجعنا إلى الطبعة الفارسيّة ذات المجلّدين لم نجد أثراً لحديث الشهيد مطهّري عن (التفت)، بل ما قاله الشهيد هو أنّه عندما سمع هذا البيت من قارئ التعزية قام بالمراجعة ووجد أنّ المراد من الطفّ في هذا البيت هو المكان الذي كانت تسكن فيه ليلى معشوقة مجنون ليلى، وأنّ بيت الشعر هذا قاله فيها، فنسبه الخطيب إلى ليلى أم علي الأكبر([48])، فيكون التصرّف والتحريف في المصداق.
فاحتملنا أن يكون هناك فرق بين الطبعة الفارسيّة ذات الأجزاء الثلاثة وبين الطبعة الجديدة، فراجعنا الطبعة القديمة، فوجدنا أنّ كلمة (التفت) موجودة، ولكن لم يرد فيها ما ورد في الترجمة العربية من أنّ كلمة (التفت) حرّفت إلى (الطف)، بل نفس ما ورد في الطبعة الفارسيّة الجديدة مع تغيير (الطف) إلى (التفت)، أي إنّ (التفت) مكان سكن ليلى معشوقة مجنون ليلى([49])، فيكون التعبير بتحريف (التفت) إلى (الطف) من إضافة المترجم إلى العربيّة.
فهل الصحيح هو الطبعة الفارسيّة القديمة أم الجديدة؟!
هنا لم يعد لنا سوى الرجوع إلى المحاضرات الصوتيّة للشهيد مطهّري، وتحديداً المحاضرة ذات الرمز (194) عند الدقيقة (43) والثانية (40)؛ حيث وجدنا أنّ الطبعة الفارسيّة الجديدة أكثر دقّة من الطبعة القديمة، وأنّ التصرّف فيها ـ على صعيد هذا المطلب الذي راجعناه على الأقلّ ـ لم يزد عن حذف كلمة تكراريّة تقتضيها الخطابة بخلاف النصّ المكتوب (وهو أمرٌ طبيعيٌّ جدّاً)، وهنا تأكّدنا من صحّة ما ورد في الطبعة الفارسيّة الجديدة، وأنّ عبارة تحريف (التفت) إلى (الطف) ليست موجودة على الإطلاق، ولهذا إذا رجعنا إلى الترجمة العربيّة الجديدة للكتاب والتي صدرت مؤخّراً بترجمة لجنة من المترجمين (معلومات شخصيّة) وبتحقيق ومراجعة الشيخ عبد الكريم الزهيري([50]) نجد أنْ لا حديث عن تحريف (التفت) إلى (الطف)، وإنّما تحريف (طف بني عامر) إلى (طفّ كربلاء)!
فما هو منشأ هذا الاشتباه إذاً؟!
الأمر بسيط، فبعد أن أعدنا الاستماع إلى كلام الشهيد مطهري بصوته، التفتنا إلى أنّ منشأ الخطأ في الطبعة الفارسيّة القديمة هو أنّ (طف) تلفظ في اللغة الفارسيّة (تف)؛ حيث تخفّف الطاء إلى التاء، كما في (طهران) التي تخفّف إلى (تهران).
أمّا التاء في آخر الكلمة فربما ترجع إلى عدم نقاوة الشريط الصوتي؛ بأنْ يكون الشخص الذي قام بتدوين الأشرطة قد بنى على أنّ الشهيد تلفّظ بتاء مسكّنة، ويبدو أنّ الطبعة القديمة لم تعن بالتدقيق الكافي، فلم يلتفت أحدٌ إلى هذا الإشكال.
قد يقال هنا: إنّ هذا مجرّد احتمال لا يحدث عادةً، ولكنّي سأذكر قصّة مشابهة حدثت معي شخصيّاً في ما يتعلّق بتراث الشهيد الصدر؛ فلو راجعنا كافّة طبعات كتاب (المدرسة القرآنيّة) التي لقيت التحقيق والتدقيق من قبل طلاّبه الموثوقين والمدقّقين، نجده يقول ـ بحسب أفضل طبعة صادرة عن أدقّ جهة تحقيقيّة تعنى بتراث الشهيد الصدر ـ : إنّ التفسير التجزيئي يستهدف (فهم مدلول الله)([51])، فتساءلت: وهل لله تعالى مدلول لكي يستهدف التفسير التجزيئي فهمه؟!
رجعت إلى الطبعة المحقّقة من قبل تلميذه الشيخ محمّد جعفر شمس الدين فوجدت الأمر نفسه([52])، فرجعت إلى طبعة الشيخ جلال الدين علي الصغير المحقّقة، فوجدت الأمر نفسه أيضاً([53])، مع إضافته كلمة (كلمة) قبل كلمة (الله)، فجاءت عبارته: «يستهدف فهم مدلول كلمة الله مثلاً»، فرجعت إلى الوراء أكثر إلى طبعات دار التعارف الأولى، ومنها طبعة طبعت في حياة الشهيد الصدر ـ حيث جاء التعبير فيها بـ(دام ظلّه)، وإن كان لم يراجعها؛ باعتباره في حجز لسلطة البعثيّة ـ فكان الأمر نفسه([54])، وهو ما وجدته في طبعات دار التعارف اللاحقة التي طبعت بالأوفسيت على ما يبدو([55]).
فلم يكن أمامي سوى الرجوع إلى الأشرطة الصوتيّة، فتبيّن أنّه يقول: «يستهدف فهم مدلول اللفظ»، وهذا يبرّر تعبيره لاحقاً بـ«المدلول اللفظي»، وهو ما يناسب البحث. ولكن باعتبار أنّ الشهيد الصدر شدّد على اللامات وسكّن الظاء ولم يظهرها كثيراً، حسب كلُّ من طبع الكتاب أنّه قال (الله). فقمت بتنبيه الهيئة العلميّة في مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر إلى هذا الخطأ فقاموا بإصلاحه ابتداءً من طبعتهم الثالثة. وبعد فترة وقعت بين يديّ الطبعة الأولى لدار التوجيه الإسلامي ـ الكويت، والتي طبعت في حياة الشهيد الصدر تحت عنوان : (مقدّمات في التفسير الموضوعي للقرآن)، حيث جاء فيها التعبير الصحيح: «مدلول اللفظ»([56]).
وكلّ من ولج عالم تحقيق التراث يدرك جيّداً أنّ هذه الأخطاء تحدث، ولكنّ حدوثها لا يعني عدم صحّة نسبة الفكرة أو المتن إلى صاحبه؛ فكلّ شيء يقدّر بقدره.
1 ـ حدّد هذا البحث بوصلة هدفه؛ حيث يستهدف التحرّي عن مدى صحّة نسبة كتاب (الملحمة الحسينيّة) إلى الشهيد مطهّري، لا الدفاع عن الأفكار المطروحة في كتاب (الملحمة) أو وجهات النظر التاريخيّة المودعة فيه.
2 ـ نشرت مؤسّسة حفظ ونشر آثار الشهيد مطهّري كلّ ما أثر عن الشهيد مطهّري حول الملحمة الحسينيّة، وقد ذكرت في مقدّمة الجزء الأوّل المخصّص للمحاضرات والثاني المخصّص للمدوّنات خصائص كلّ جزء.
3 ـ احتملنا ـ بعد تتبّع الكثير من الإشكالات ثمّ تفنيدها ـ أنّ سماحة السيّد العاملي لم يطالع مقدّمة الجزء الثاني من الطبعة الفارسيّة، وإلاّ لارتفعت أكثر إشكالاته تلقائيّاً.
4 ـ لم يعمد سماحة السيّد العاملي إلى مقابلة الأخطاء التي وجدها في الطبعة العربيّة بالطبعة الفارسيّة التي صرّح بأنّها بين يديه، وهذا ما أدّى به إلى استنتاج أمور غير صحيحة.
5 ـ افترض سماحته وجود مؤلّف وراء جمع المحاضرات وتلخيصها وتصحيحها وإضافة ما يقوّمها، وعبّر عنه بـ(المؤلّف)، ولم نجده أشار إلى أنّ هذا المؤلّف ليس إلاّ (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري) المولجة بهذه المهمّة من قبل الدولة الإيرانيّة وورثة الشهيد مطهّري، والتي لا يشكّ أحد ـ من خلال تصفّح الكتاب ـ في أنّها اعتمدت الدقّة والتأنّي، وحرصت على تمييز كلّ ما تضيفه هي بين عضادتين، تمييزاً له عن كلمات الشهيد مطهّري.
6 ـ في ما يرتبط بالإشكال بأنّ الكتاب لم ينشر في حياة الشهيد ولم يراجعه، وبالتالي فهو لا يعبّر عن رأيه النهائي، فقد ناقشنا المسألة، وخلصنا إلى أنّ البناء على هذا الإشكال لا يبقي في التراث حجراً على حجر، علماً بأنّ أكثر آثار الشهيد مطهّري عبارة عن محاضرات نشرت بعد رحيله ودون مراجعته! ثمّ كيف أحال سماحته إلى مقالات للشهيد مطهّري نشرت في الصحف الإيرانيّة بعد رحيل الأخير؟!
وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين.
* * *
المصادر
1 ـ بحوث في شرح العروة الوثقى، السيّد محمّد باقر الصدر، مركز الأبحاث والدراسات التحصّصيّة للشهيد الصدر ـ قم، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
2 ـ بررسى اجمالى مبانى اقتصاد اسلامى، شهيد مرتضى مطهرى، انتشارات حكمت ـ تهران، 1403 هـ.
3 ـ التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعيّة في المدرسة القرآنيّة، محاضرات السيّد محمّد باقر الصدر، تقديم وتنقيح وتعليق: جلال الدين علي الصغير، الدار العالميّة ـ بيروت، الطبعة الاولى، 1989م.
4 ـ حماسه حسينى (چاپ قديم)، شهيد مرتضى مطهرى، انتشارات صدرا ـ تهران، 1363 ش.
5 ـ حماسه حسينى (چاپ جديد)، شهيد مرتضى مطهرى، انتشارات صدرا ـ تهران، 1388 ش.
6 ـ السنن التاريخيّة في القرآن، محاضرات السيّد محمّد باقر الصدر، أعاد صياغة عباراته وترتيب أفكاره: الشيخ محمّد جعفر شمس الدين، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت، 1989م.
7 ـ صحيفه امام، مجموعه آثار امام خمينى، تدوين وتنظيم مؤسسه تنظيم ونشر آثار امام خمينى، چاپ دوم، 1379 ش.
8 ـ عدل الهى، مجموعة آثار شهيد مطهرى، انتشارات صدرا، 1377 ش.
9 ـ قصّة الحضارة، ول ديورانت، دار الجيل، الطبعة الخامسة، سنوات مختلفة.
10 ـ كربلاء فوق الشبهات، السيّد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات ـ بيروت، الطبعة الثانية، طبعة مزيدة ومنقّحة، 2003م.
11 ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبدالله المشهور بحاجي خليفه، دار إحيار التراث العربي ـ بيروت، بدون تاريخ.
12 ـ المدرسة القرآنيّة، محاضرات السيّد محمّد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت، 1981م.
13 ـ المدرسة القرآنيّة، محاضرات السيّد محمّد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات ـ بدون تاريخ.
14 ـ المدرسة القرآنيّة، محاضرات السيّد محمّد باقر الصدر، دار التوجيه ـ الكويت.
15 ـ المدرسة القرآنيّة، مركز الأبحاث والدراسات التحصّصيّة للشهيد الصدر ـ قم، الطبعة الأولى، 1421هـ.
16 ـ الملحمة الحسينية، الشهيد مرتضى المطهّري، [ترجمة السيّد محمّد صادق الحسيني]، الدار الإسلاميّة ـ بيروت، الطبعة الثانية، 1992م.
17 ـ الملحمة الحسينيّة، الشهيد مرتضى مطهري، ترجمة جماعة من المترجمين، مراجعة الشيخ عبد الكريم الزهيري، قم ـ 2009م.
18 ـ نظرى به نظام اقتصادى اسلام، شهيد مرتضى مطهرى، انتشارات صدرا، چاپ اول، 1381ش.
19 ـ نهاية التقرير، تقريراً لأبحاث السيّد حسين البروجردي، تقرير الشيخ محمّد فاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار( ـ قم.
([1]) نظرى به نظام اقتصادى اسلام، مجموعة الآثار 16: 181 ـ 183.
([2]) كربلاء فوق الشبهات: 53 ـ 64.
([3]) كربلاء فوق الشبهات: 7.
([4]) كربلاء فوق الشبهات: 8.
([5]) كربلاء فوق الشبهات: 8.
([6]) صحيفه امام 12: 188.
([7]) صحيفه امام 14: 325.
([8]) كربلاء فوق الشبهات: 16.
([9]) كربلاء فوق الشبهات: 9.
([10]) بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 354.
([11]) نظرى به نظام اقتصادى اسلام، مجموعة الآثار 16: 181 ـ 183.
([12]) نهاية التقرير 3: 231.
([13]) راجع: نهاية التقرير 1: 31.
([14]) كربلاء فوق الشبهات: 10
([15]) عدل الهى، مجموعة الآثار (فارسي) 1: 40.
([16]) كربلاء فوق الشبهات: 62.
([17]) كربلاء فوق الشبهات: 54.
([18]) كشف الظنون 1: 18.
([19]) قصّة الحضارة 1: ك.
([20]) كربلاء فوق الشبهات: 54.
([21]) كربلاء فوق الشبهات: 54 ـ 55.
([22]) كربلاء فوق الشبهات: 55، 60.
([23]) حماسه حسينى 1: .10.
([24]) كربلاء فوق الشبهات: 55.
([25]) الملحمة الحسينية 3: 293.
([26]) كربلاء فوق الشبهات: 54.
([27]) وإن كان قد صرّح ص: 54 بأنّ للطبعة التي بين يديه مقدّمتين.
([28]) حماسه حسينى 2: 209.
([29]) كربلاء فوق الشبهات: 55.
([30]) الملحمة الحسينية 3: 235.
([31]) كربلاء فوق الشبهات: 56.
([32]) حماسه حسينى 2: 258.
([33]) حماسه حسينى 2: 3.
([34]) كربلاء فوق الشبهات: 56.
([35]) حماسه حسينى 2: 162.
([36]) كربلاء فوق الشبهات: 56.
([37]) حماسه حسينى 2: 117.
([38]) نشير إلى أنّ هذا المتن ورد في الترجمة العربيّة ص: 186 لا: 286.
([39]) كربلاء فوق الشبهات: 56.
([40]) حماسه حسينى 2: 125.
([41]) كربلاء فوق الشبهات: 56 ـ 57.
([42]) كربلاء فوق الشبهات: 57 ـ 60.
([43]) حماسه حسينى 1: 10.
([44]) كربلاء فوق الشبهات: 61 ـ 64.
([45]) عدل الهى، مجموعة الآثار 1: 40.
([46]) الملحمة الحسينية 1: 19.
([47]) كربلاء فوق الشبهات: 85 ـ 86.
([48]) حماسه حسينى (ط.ج) 1: 66.
([49]) حماسه حسينى (ط.ق) 1: 27.
([50]) الملحمة الحسينيّة (مراجعة الزهيري) 1: 28.
([51]) المدرسة القرآنيّة، المؤتمر: 21، 22.
([52]) السنن التاريخيّة في القرآن، شمس الدين، التعارف: 29.
([53]) التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعيّة في المدرسة القرآنيّة، جلال الدين علي الصغير: 17.
([54]) المدرسة القرآنيّة، التعارف، بدون تاريخ: 10.
([55]) المدرسة القرآنيّة، التعارف، 1981م، ص: 10.
([56]) المدرسة القرآنيّة، دار التوجيه ـ الكويت: 11.