د. السيد محسن ميري(*)
ترجمة: علي آل دهر الجزائري
مقدمة ــــــ
يعتبر هنري كوربان (1903 ـ 1979م) من أبرز الشارحين الغربيين للحكمة المعنوية والفلسفة الإسلامية الإيرانية. وقد اطلع لأول مرة على الفلسفة الإسلامية، وبالذات على ترجمة كتاب النفس لابن سينا، في العامين 1923 ـ 1924م، من خلال دروس آتين جيلستون، الفيلسوف الفرنسي (التومائي الجديد)([1]). وكانت آراء ابن سينا حول صدور العالم، وارتباط العالم بالملائكة، قد أثارت إعجابه كثيراً، بحيث إنه لم يترك البحث عن الملائكة وارتباطها بالعالم الإنساني والعالم المادي حتى آخر لحظات حياته([2]). وتعرَّف في السنين التالية على لويس ماسينون، وبالرغم من عدم توافقه معه في أسلوب البحث ونوع التقييم وغيرها من الأمور إلا أنه تأثَّر بتوجهه المعنوي إلى الإسلام الإيراني والتشيع. وقد مكَّنته الاستفادة من المفكّرين الألمان، أمثال: هامان، لوثر، وبعض اللاهوتيين البروتستانت، وأخيراً هايدجر، من دخول آفاق جديدة في تأويل الكتاب المقدس، والتوصل إلى منهج في التأويل والظاهراتية، وأدت إلى استعماله لهذا الأساس فيما بعد في تأويل الحكمة الإسلامية الإيرانية، وإحيائها. وأدى أيضاً تعرُّفه على أفلاطونيي كمبردج إلى القول بمفهوم سمّاه فيما بعد ـ تبعاً للحكمة الإسلامية ـ بـ (عالم المثال). ذلك العالم أثر في الحياة المعنوية والفكرية ـ البحثية لكوربان كثيراً.
وكانت ثمرة دراسته في إسطنبول لمدة ست سنوات (1939 ـ 1945م) حول الحكمة الإشراقية أن بدلته إلى فيلسوف غربي إشراقي بتمام معنى الكلمة، ثم تركزت أبحاثه حول الحكمة المعنوية الإسلامية. وكان لجميع آثاره منذ ذلك التاريخ فما بعد هكذا عنوان ونكهة. فالموضوع الأكثر أهمية في هذه الفلسفة ـ من وجهة نظر كوربان ـ هو عالم المثال، وهو ما نحاول تسليط الضوء عليه في هذه المقالة.
هواجس كوربان ــــــ
لا شك أن اهتمام كوربان بالفلسفة، وبالتحديد الفلسفة الإسلامية الإيرانية، كان منبعثاً من هواجس جديدة، ناشئة من الأزمات الراهنة لإنسان هذا العصر. فلم يكن كوربان فيلسوفاً منقطعاً عن المسائل المحيطة به، يعيش التأمل الخالص في عالم المجرَّدات، بل إنّ فلسفته وأفكاره تبدأ في الأصل بالسؤال عن أوضاع الإنسان وأزماته، ثم تبحث عن الحلول مع المعرفة العميقة بتلك الأزمات. وبالتأكيد فالبحث عن الحلول أيضاً في المباني الأساسية والأصلية في الفلسفة والحكمة. فأهم الأزمات التي يعاني منها الإنسان المعاصر، ولا سيما الإنسان الغربي ـ من وجهة نظره، والتي لابدّ من البحث عن حلٍّ لها، عبارة عن النظرة الثنوية، فصل الإلهيات عن الفلسفة، عرفية الإلهيات، وتدنّي الفلسفة إلى علم الاجتماع، وانفصالها عن الحكمة الحقيقية، وعدم اعتماد الأديان على الأسس الوجودية، وتضادّ الأديان؛ بسبب افتقارها إلى التأويل، وعرفية الدين (الدين المسيحي بصفة خاصة)، والتوجه التاريخي، وتاريخية الإنسان والمعرفة، وغلبة المنهج التجريبي، وزوال قداسة الفن، وعدم الاهتمام ببحث المعاد والولادة المعنوية للإنسان، وفكرة المدينة الفاضلة، وزوال التشخُّص والفردية الحقيقية للإنسان، وظهور العبثية السلبية([3]).
وكان قد استنتج منذ البداية ـ بنحو إجمالي ـ أن السبب الحقيقي لأزمة الإنسان الغربي هو فقدان عالم المثال. والحل الأساسي لها يكمن في الاعتقاد بعالم المثال. ولكن أبعاد ذلك العالم المثالي لم تكن واضحة له في بداية الطريق. وكان تعرفه على أفلاطونيي كمبردج، ثم الأفكار شبه الأسطورية لـ (كاسير)، وكذلك آراء كارل غوستاف يونغ التي كان في ضمنها نظريته حول (الأجسام اللطيفة)، والتي أرشدته إلى أبعاد من ذاك العالم، وكأن تلك الآراء لم يكن شيء منها متطابقاً مع عالم المثال، وكان كوربان واقفاً على ذلك الاختلاف. وإلى جانب كل ذلك فقد كانت أفكار ومنهج فهم الكتاب المقدس [الإنجيل]، وفكّ أسرار كلام الملائكة، من الممهّدات الأخرى التي ساقته صوب عالم المثل.
وكان سعي كوربان لحلّ تلك الأزمات عبر الاستفادة من التراث المعنوي والفلسفي ونظام ما بعد الطبيعة، واستخدام ذلك الميراث للإنسان الراهن، وفتح آفاق جديدة له من خلال اتباع منهج ملائم. وقد رجع في حد استطاعته وإمكاناته ـ والتي لم تكن قليلة ـ إلى كل نهج وميراث يتوقع أن فيه حركة معنوية وحكمية، وبحثها. ومن ذلك: الميراث المعنوي القديم للغرب، الفلسفات الشرقية، كالفلسفة الهندية والاتجاهات المعنوية في المسيحية واليهودية، وكذلك التوجهات الجديدة التي كانت تبحث من خلال فهم عميق ـ كما يبحث هو ـ عن حلول لتلك الأزمات.
وفي البين يمكن الإشارة إلى الاتجاهات الموجودة، من قبيل: التوماوية الجديدة، الاتجاه التقليدي، وبعض التيارات المنطوية في البروتستانتية. لكن بالرغم من الاطلاع على كل ذلك فإنه لم يجد فيها الحل النهائي، وإنما وجد ضالته في الحكمة النبوية، والتي تبلورت في الحكمة الإسلامية ـ الإيرانية، وأدرك أنه بإحياء هذه الحكمة يمكن الأمل بالعثور على حلول مناسبة. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن مفتاح الحل لكل الأزمات المذكورة هو عالم المثال، بالنحو الذي عرضته الحكمة الإسلامية الإيرانية. فهو يعتقد أن أهمية عالم المثال إلى حدٍّ يؤثر حتّى في كيفية المنهج الفلسفي.
ونظراً إلى الأهمية التي يعتقدها كوربان لعالم المثال فقد تعرض لبحثه في أكثر مؤلَّفاته، وحاول أن يستفيد من كل الإمكانات اللغوية والمفردات المناسبة لعالم المثال، من قبيل: عالم الخيال، وعالم الملكوت، وأرض الملكوت، والإقليم الثامن (في مقابل الأقاليم السبعة)، ومدينة جابلقا الغيبية، وجابرسا، وهورقليا، و(نا كجا آباد)، التي تدل بنحوٍ ما على عالم المثال في الحكمة الإسلامية.
أضِفْ إلى ذلك أنه سعى لإيجاد تعامل مناسب بين المنهجين المعنويين للشرق والغرب في هذا العالم، واستعمل لفظة يونانية مناسبة؛ لكي ينأى عن سوء الفهم قدر الإمكان. وطبعاً لم يكن ذلك عملاً سهلاً؛ لأنه ـ وكما سيأتي لاحقاً ـ فإن عالم المثال، إضافةً إلى دلالته على مرتبة من مراتب وجود الإنسان، والتي تحظى بلقاء باطني مطابق للواقع، وله قيمتها المعرفية، هو مرتبة من مراتب عالم الوجود، أعلى من الإنسان، ويمثل الحدّ الوسط بين عالم العقول والعالم المادي، ووجوده ضروري للوجود([4]). وعلى هذا الأساس فالكلمة اللاتينية لابدّ أن يكون اختيارها بحيث لا تؤدي إلى سوء الفهم في إطار الفهم الغربي، ولا سيما أن التوجه نحو هكذا أمور قد اضمحل في الفلسفة الغربية بعد ديكارت، حتى أنّه لم يوجد لها معادل معروف. وما كان يفهم من علم الخيال وأمثاله ما يرادف العالم التخيلي (imaginary) واليوتوبي غير الواقعي، الذي لا يملك من الحقيقة الوجودية سوى ما كان في خيال الأشخاص وأذهانهم. والأسوأ من ذلك أن بعض تيارات علم النفس الغربية؛ وبسبب فقدانها للإطار الميتافيزيقي الضروري لفهم هذا العالم والتصديق بوجوده، عدّته ضرباً من التوهّم والجنون.
ومن جانب آخر فمن المهم أن يختار معادلاً للفظة (عالم المثال)، بحيث لا تلتبس مع المثل الأفلاطونية (mundus Archetypus)([5])، والتي تختلف عن عالم المثال. وأخيراً ارتضى لفظة (mundus imagiualis) كمعادل لعالم المثال، معتقداً أن هذه اللفظة تعكس إلى حدٍّ ما القيمة المعرفية والدينية لعالم المثال.
وسنعرض أولاً، ضمن دراسة إجمالية تاريخية، خصائص عالم المثال في الحكمة الإيرانية الإسلامية، ثم تسخيرها من قبل كوربان لحل الأزمات المعاصرة. وفي الختام سنقوم بنقد ومناقشة هذه النظرية.
عالم المثال في فلسفة إيران الإسلامية ـــــــ
بالرغم أن التشكيل الثلاثي للوجود، الذي يشمل عالم العقل وعالم النفس وعالم المادة، يمكن اعتباره من أفكار الأفلاطونية الجديدة ـ ويرجعه الملاّ صدرا في الأغلب إلى كتاب (أثولوجيا)، الذي هو في الحقيقة لأفلوطين ـ، فإن هنري كوربان يؤكد على الخصوصية الإيرانية لعالم المثال([6]). ووجود هذا العالم، الذي يسمّيه الحكماء المسلمون (عالم الملكوت)، ضروريٌّ، ويمثل واسطة بين عالم الجبروت (أو عالم العقول) وعالم الملك (أو عالم الطبيعة)([7]). وهذا العالم هو مركز العوالم، والإقليم الثامن من أقاليم الوجود([8]).
وليس في عالم المثال أثر للمادّيات والمحسوسات([9]). ويشير هذا العالم من جهة إلى الصور النوعية الأزلية للأشياء؛ إذ إن الصور النوعية بالنسبة إلى العالم المحسوس مقدرة وموجودة، ولها تقرر وثبوت([10])، ومن جهة أخرى فإنها كبرزخ تحلّ فيها الأرواح بعد تواجدها المؤقت في العالم الأرضي، العالم الذي تتقرر فيه صور أفكارنا ورغباتنا وما قمنا به في هذه الدنيا. فعالم المثال مركب من كافة تلك المظاهر والتجليات([11]). أضِفْ إلى ذلك فإن العالم المثالي ـ من وجهة نظر معرفية ـ خارج عن عالم الحواس والأدوات التجريبية، ويمكن إدراك خواصّه عن طريق الإدراك الخيالي أو الحواس الباطنية([12]). ولهذا السبب تنظر إليه العلوم التجريبية بعين الشك والارتياب([13]). ولا يعني ذلك ـ طبعاً ـ أن الإدراك المثالي إدراك تخيلي أو موهوم وغير حقيقي، بل إنها معرفة ترفع الحجاب عن حقيقة خافية، وتكشف تلك الحقيقة. وإنما يتم هذا بمنهج تأويلي أو هرمونطيقي([14]).
وقد اهتم كوربان بعرض نماذج متعدِّدة للإشارة إلى عالم المثال في الحكمة الإيرانية الإسلامية، نلمح إلى بعض منها؛ تجنباً للإطالة.
1ـ عالم المثال في الفلسفة الإيرانية القديمة ــــــ
يرى كوربان ـ على ضوء اعتقاده باتصال الفلسفة الإيرانية قبل الإسلام وبعده ـ أنه يمكن العثور على جذور عالم المثال في الفلسفة الإسلامية الإيرانية، وفي الأفكار الفلسفية لإيران القديمة([15]). وليس موضع عالم المثال في عالم المحسوسات، وهذه الكرة الأرضية، بل إنه يتعلق بعالم نوراني آخر([16]). وهذا العالم في المشرق، لكن ليس المشرق المكاني، بل في الشرق الرمزي السماوي، الذي سمي فيما بعد بعالم الهورقيليا([17]). ولفظة إيريانم فيجا (airyanem vaejah) الأفستائية، التي هي كما يبدو اسمٌ لأرض إيران، أيضاً إشارة إلى ذلك العالم؛ لأنه لا يوجد في الخرائط الجغرافية أثر لتلك الأرض([18]).
يعتقد كوربان أنه للعثور على تلك الأرض ربما لزم دراسة الحوادث التي وقعت في تلك الأرض. ففيها كان أورمزد نفسه، يقيم عليها مراسمه الدينية، ويحضر فيها الأبطال السماويون، ذلك المكان الذي تلجأ إليه أشباح تتمتع بالجمال والبهاء من خلال خلاصها من مخالب القوى الشيطانية التي خلفت شتاءً مدمراً؛ لكي تنعم هناك بالأمان، وفي عصر آخر يمكنها أن تحظى بحياة إنسانية جديدة برجوعها مرة أخرى إلى العال، تلك الأرض التي، بالإضافة إلى تنورها الفعلي، تحتضن في داخلها أنواراً لم تظهر بعد، تلك المنطقة التي تكون السنة لساكنيها بمنزلة يوم، تلك الأرض تصبح في الأرض سماوية، وفيها تقع مدينتا «جابلقا» و«جابلسا» المليئتان بالأسرار، ويوجد فيها (نامرايان) المقدس، والسباعيات الخيرة لـ (أورمزد) وملائكة (مهين)، ذلك المكان الذي ينزع فيه الأنبياء الإلهيون أجسادهم؛ امتثالاً لأمر الملك الكبير و(هومنه) (بهمن)([19])، ليصبحوا ذوي أبدان لطيفة؛ لأنه بهذه الأبدان اللطيفة فقط يمكنهم إدراك حوادث ذلك العالم([20])، المدينة التي ليس فيها شيء من الماديات والمحسوسات([21])، المدينة التي تسمى فيما بعد بـ (هورقليا) أو الشرق الأوسط، والتي يذكر السهروردي بوابتها بوصف (شرق الإشراق)، ومنبع الأنوار.
وفي تلك الأرض المثالية يتمّ لقاء الإنسان الحكيم مع الملائكة والعوالم العليا أيضاً، وتظهر عليه التجليات الخالدة([22])؛ لأن الملائكة يحضرون في ذلك العالم، بل إنّ هذه الأرض عين وجود الملائكة، وذلك العالم هو الواسطة بين الإنسان والعوالم العليا. إن شرط وصول الإنسان إلى هذا الإقليم، وحلوله فيه، التعالي على البدن الجسماني، وترك الحواس المادية؛ لأن المادة والحس تمنع من القرب إلى هذا العالم. ولهذا السبب لا سبيل للعلوم التجريبية والمادية إلى حريم جغرافيا الخيال، وإدراك أسرار أرض الملكوت([23]).
2ـ عالم المثال من وجهة نظر ابن سينا ـــــ
يعدّ ابن سينا في الفلسفة الإسلامية ـ كما يرى كوربان ـ نقطة تحول كبيرة في ما يخص تبيين عالم المثال. فيرى أن الحكمة المشرقية لابن سينا توازي مصطلح (ثيوسوفيا) اليوناني([24]). والملاحظ للنظم الفلسفي للعالم يعرف أن فيه ثلاث مراتب مترابطة مع بعضها، وهي: المرتبة العقلية؛ والمرتبة المثالية؛ والمرتبة المادية. ويختص كتابه المستقل بعنوان (التمثيل العرفاني لابن سينا) إلى حدٍّ كبير بهذا الموضوع. ويركِّز كوربان اهتمامه بالقصة الرمزية (حي بن يقظان)، التي استفاد فيها ابن سينا من اللغة التشبيهية (لغة عالم المثال). والترابط الذي يقيمه كوربان بين تلك القصة وقصة الغربة الغربية، للسهروردي، يبين هاجسه الدائم في هذا المجال، والذي لم يهدأ حتى آخر لحظات حياته.
يرتبط فهم عالم المثال في فلسفة ابن سينا بنظرياته حول صدور العالم. فهو يعتقد أن نظام صدور العالم أو نظام الفيض له ثلاث مراتب وجودية: عالم العقل؛ وعالم المثال؛ وعالم المادة. وأول موجود صدر عن الله تعالى هو العقل الأول، ومن هذا الموجود صدر ثلاثة موجودات: العقل الثاني؛ وجرم الفلك الأعلى؛ ونفس الفلك الأعلى، ومن العقل الثاني يصدر أيضاً عقل ثالث، إلى أن يصل إلى العقل العاشر، وهو العقل الفعّال، وبعده تبدأ الكثرة الواسعة في العالم. وهذه العقول العشرة في نظر ابن سينا موجودات خارج القوة العاقلة للإنسان. وهذا ما لفت انتباه كوربان في نظرية ابن سينا حول عالم المثال، والذي شغل فكره لسنين طويلة، والنفس الفلكية أيضاً، ومرتبة العقل الفعّال بصفته منشأً وملهماً للنفوس الإنسانية، ونقطة التقاء العقل الإنساني والوحي الإلهي.
وبناءً على ذلك فإن سلسة المراتب الوجودية التي يرسمها ابن سينا للعالم تبدأ من العقل الأول، وتستمر إلى العقل العاشر (العقل الفعال). ويناظر هذا العالم النفوس الفلكية التسعة، أو ملائكة عالم المثال، التي لها هكذا سلسلة وجودية، وكلٌّ منها يحرِّك جرمه الفلكي الخاصّ به. وهذه النفوس الفلكية وإن كانت لا تتمتع بقوى حسّية؛ لأنها غير مادية، ولكن بواسطة قواها اللامتناهية تتمكن من إيجاد السماوات، والتأثير في حركة الأفلاك بنحو مستمر ودائم. ومنشأ تلك القوى اللامتناهية هي العقول الكروبية، التي هي علة إيجاد الملائكة المثاليين أيضاً. وسبب إفاضة هذه القوة من العقول هو العشق اللامتناهي من قبل النفوس لتلك العقول. ولهذا فإن السماوات المختلفة، التي تتكون في العالم بواسطة تلك النفوس، تتمتع ـ بالإضافة إلى بُعدها المادي ـ بنور ومعنى شبه ملائكي، يأخذ منها هويتها الواقعية.
وبالرغم من قبول ابن سينا بنظريات المنجّمين المعاصرين له إلى حدٍّ ما، إلا أنه ـ وخلافاً لرأيهم ـ يرى أن حركة السماوات معلولة للملائكة والنفوس الفلكية. فهو يزعم أن هؤلاء المنجّمين ابتدعوا علماً (مغربياً) لا غير. وما يطمح إليه هو (نظرة نجومية مشرقية)، أي (الحكمة المشرقية)([25]). فوجهة نظره في الحقيقة أن النفوس الفلكية لها تعلق بسماوات معنوية، ولا يمكن التوصل إليها بالأدوات المادية النجومية وأمثالها([26]). وبعبارة أخرى: في علم النجوم السينوي يقسم الوجود إلى: مشرق؛ ومغرب. وليس المراد من الشرق والغرب هنا الموقع الجغرافي لتلك الأماكن. فعالم المثال هو في الحقيقة الشرق الأوسط، الذي يقع بين المشرق الصغير، وهو روح الإنسان، والمشرق الأقصى المعنوي، الذي يمثل عقول الكروبيين. فالمغرب يمثل العالم المادي المحسوس، والذي يتّصف بخصلتين: إقليم مادة التراب تحت القمر، الذي هو إقليم الأرض المادية وفي معرض الكون والفساد؛ وإقيلم المادة الفلكية المتكون من الجوهر الأثيري وغير القابل للفساد. ويبدأ المشرق بإقليم النفس، ثم الملائكة الفلكيين، وأخيراً العقول المجرّدة([27]).
وفي فكر ابن سينا حول الملائكة أنه لكي ترتقي النفس بعد الموت خطوة خطوة إلى العقل المجرد لابدّ أن تتلبس بأجسام لطيفة فلكية، ذلك الجسم الذي يعدّ لها بواسطة النفوس الفلكية الصور والمثل والرؤى([28]).
3ـ عالم المثال عند السهروردي ـــــ
يعتبر شهاب الدين السهروردي، الذي كان لعالم المثال أهمية كبيرة في مؤلفاته، بمثابة فيلسوف مؤسّس عند تنظيره لهذا العالم في مباحث الوجود. فقد ابتكر نظرية المعرفة الشهودية، من خلال طرحه لعالم المثال من منظار رؤيته للوجود. وبهذا فقد أكّد كثيراً على وجود عالم المثال([29]).
يعتقد كوربان أن شيخ الإشراق تابع حكماء إيران القديمة (قبل الإسلام) في بحثه عن عالم المثال، وقد بسط نظريتهم في المعرفة التمثيلية، وأعاد صياغة عالم البرزخ والنفس والمعاد بشكل خاصّ على ضوء النموذج الإيراني القديم، ليظهر بشكله الإسلامي الجديد([30]). ومن خلال إحيائه لفلسفة الإشراق، والرؤية الإيرانية القديمة للملائكة، قدّم تصوراً إجمالياً للعالم، من حيث الصور المثالية، وعالم البرزخ([31]).
فعالم المثال من وجهة نظر السهروردي، الذي يسميه أيضاً عالم المثل المعلقة، يجب أن لا يؤخذ بنفس معنى المثل الأفلاطونية. وقد وضع مصطلح (نا كجا آباد) لعالم المثال، الذي يمكن اعتباره معادلاً لليوتوبيا الغربية. إن ما يتحدث عنه بوصفه موضعاً خلف جبل قاف بالنسبة له، ولكافة الإشراقيين من بعده، هو ما تشير إليه المدن الرمزية، أمثال: جابلقا، وجابلسا، وهورقليا([32]).
وذلك العالم يسمّى أيضاً بعالم البرزخ، بمعنى الفاصل بين المعقول والمحسوس. وعالم البرزخ هذا هو العالم الذي تتبدّل الأرواح فيه إلى وجودات جسمانية، وتتدانى الأجسام إلى مرتبة روحانية([33]). وهكذا فإنّ بعث الأجسام يأخذ صورة عينية في ذاك العالم. وكما أن الجسم الدنيوي للإنسان مخلوق من التراب المادي فالنفس الباقية والهيكل الإنساني يخلق أيضاً من تلك الأرض السماوية يوم البعث([34]).
وبحسب البيان السهروردي فإن لعالم الوجود أربع مراتب: عالم العقول أو عالم الجبروت؛ عالم النفوس الفلكية والأنفس البشرية أو عالم الملكوت؛ البرازخ المزدوجة المؤلّفة من الكواكب السماوية ومن عناصر ما دون فلك القمر أو عالم الملك؛ وهناك عالم المثال، الذي يشكل عتبة لدخول عالم الملكوت، وفيه تقع المدن التمثيلية: جابلقا؛ وجابلسا؛ وهورقليا([35]). ويرى السهروردي ـ خلافاً لابن سينا ـ من حيث فهم المعاد أن البرزخ عالم وسطي، ومن حيث موقعه في العالم فهو في عالم المثال، وبمعنى الجسم الفاصل الذي اشتمل في ذاته على الكدورة والظلمة([36]).
ويرى السهروردي، الذي يريد أن يتجه صوب الإشراق والملكوت، أن الوقائع التي تحدث لأبطال، أمثال: هرمس، وكيخسرو ـ وهي تمثيلاته العرفانية ـ في هذا العالم، من قبيل: خروج من الظلمة، وظهور وجريان عين ماء الروح على البرزخ، والمشي على الماء، وصعود جبل قاف، وغيرها، كلّها حوادث تقع في الشرق الأوسط. وبعبارة أخرى: ليس ظرف وقوع الحوادث النفسانية وتحققها في العالم المحسوس، ولا في العالم المعقول، بل في عالم المثال، الذي يعدّ محل كل التمثيلات العرفانية.
«ليس الملكوت في الماضي، ولا في المستقبل. لم يتمّ، وليس باقياً، بل إنه بذاته حاضر وموجود دائماً، ويتمتع بحضور مطلق، وإلى جنب كل الظروف التي تمرّ علينا في الماضي والمستقبل»([37]).
وربما يطرح الإشكال القائل: إن طرح العوالم الأربعة ـ بحسب نظر شيخ الإشراق، وعلى أساس الفلكيات القديمة ـ قد نسخ، وليس له استعمال في الفترة المعاصرة([38]). يعتقد هنري كوربان أن تصوير العالم عند شيخ الإشراق وغيره من الفلاسفة المتقدمين لا علاقة له باكتشافات العلوم الجديدة حول العالم المادي؛ لأن هذه العلوم ـ بتعبير شيخ الإشراق ـ مقيدة بالوجود المادي في هذا الجانب من جبل قاف، بينما علم الوجود عند الحكماء الإلهيين يرتبط بما بعد جبل قاف، أي بما وراء الوجود المادي، وإنما يستطيع إدراكه مَنْ وصلوا إليه([39]). فالنفوس الفلكية هي الوجه الباطن للظواهر النجومية، ولذا فإن العلوم الظاهرية والحسية لا يمكنها إعلان رأي بشأنها([40]). وبتعبير آخر: ليس في حكمة الإشراق أهمية؛ لكون الظواهر السماوية بمركزية الأرض أو مركزية الشمس؛ لأن هذه الحوادث لا تحصل في هذا العالم المحسوس، وإنما محلها عالم المثال، ولا يمكن إدراك هذا العالم بالأدوات الحسية، بل إن الروح وحدها تستطيع إدراك هذا العالم؛ بتعلُّقها به، ويسمي كوربان ذلك بـ (كشف المحجوب)([41]).
4ـ عالم المثال عند الملا صدرا ــــــ
إن الاعتقاد بعالم المثال وضرورة وجوده في تكوين العوالم من مميزات فلسفة الملا صدرا. وهذا الأمر مرتبط بنظريته في أصالة الوجود. وإن كان ابن عربي قد طرح نظرية (التخيل الخلاق)، والتي انتهت في فلسفة الملا صدرا إلى التكوين الثلاثي للوجود، أي الطبيعة، والنفس، والعقل، لكنّ صدر المتألهين يعتبر الإدراك المثالي الخلاق قوة معنوية مستقلة عن البدن الطبيعي، وإلى حدٍّ ما جسماً لطيفاً([42]). ودليل الملا صدرا على معنوية قوة التخيل الفعّال تجرد تلك القوة في الإنسان.
يجعل صدر المتألهين عالم المثال في الملكوت. وعليه تصبح العوالم ذات مراتب ثلاث([43]). وعلى أية حال فإن عالم المثال هو عالم تكون موجوداته أجساماً روحانية، وحشرية، والنفوس البرزخية، التي تقع وسطاً بين عالم المادة وعالم العقول الكروبية([44]).
ويرى الملا صدرا أن النفس جسمانية الحدوث، وتنفصل عن المادة كنتيجة لحركتها الجوهرية، وتصل إلى مرحلة التجرد. وتحصل تلك التحوّلات من خلال الارتباط بالصور المجردة، وهي إما صور برزخية؛ أو أن عالم المثال جزء منها([45]). وتقتضي المراتب الثلاث لوجود الإنسان، وهي: الجسم، والنفس، والعقل، أن يتمتع الإنسان على الأقل بالولادة والحياة ثلاث مرات. المرة الأولى عندما يضع قدمه في عالم المادة، والمرة الثانية عند مواجهة الموت والخروج من العالم المادي، حيث تحيا النفس في عالم البرزخ بالجسم اللطيف النفساني؛ لأن هذا الجسم ـ والذي يسميه بالجسم المكتسب أيضاً ـ له تعلُّق تام بوجود وأفعال وميول النفس، ويتبع النفس في عالم البرزخ. وتسمى تلك المرحلة في لسان الشرع بالقيامة الصغرى. والمرحلة الثالثة أيضاً القيامة الكبرى، وفيها تصل النفس إلى مقام الإنسان الكامل المعنوي([46]).
ولعالم المثال قيمة معرفية (إدراكية) خاصة([47]). وأداة هذا الإدراك هي القوة الخيالية للإنسان([48]). وهي الواسطة بين القوة الإدراكية الحسية والعقلانية، كما أن النفس واسطة بين الجسم والروح([49]). وتلك القوة ليست بالمادية الخالصة، ولا العقلية الخالصة، بل إنها حالة وسطية بين الاثنين، لها القابلية على تحويل الحالات النفسية إلى أشكال مثالية. وتلك القوة الخلاقة بحكم الجسم الأثيري للروح؛ أولاً: إنها من حيث الإدراك مستقلّة عن البدن المادي والطبيعي، ولهذا السبب فإن هذا الإدراك أرقى من الإدراك الحسي؛ وثانياً: لما لم يكن جسمانياً فإنه يتمكن من الاستمرار بحياته بعد موت البدن. أضِفْ إلى ذلك أنه بعد الموت؛ وبسبب عدم بعثرة وتفرق الإدراك التخيلي في الحواس الخمس، تتركَّز كافة قوى الروح في قوة التخيل الفعّال، وتستطيع الروح الاستفادة من قوة الخيال بصورة كاملة([50]).
5ـ عالم المثال من وجهة نظر الفلسفة الغربية ــــــ
في الفلسفة الغربية لا تعتقد الأكثرية الغالبة من الفلاسفة بعالم المثال، ومنهم: ديكارت، وإمرسون، ومالبرانش، ولايب نيتز، وكريستين، وولف. ويرى كوربان أن الدور المؤثِّر في ذلك الإنكار في الغرب هو نظرية ابن رشد في نفي عالم المثال، وشرح الرشديين اللاتينيين لكلامه.
يعتقد كوربان أن الزوال والانحطاط إنما بدأ حين أنكرت مدرسة ابن رشد التصور السينوي للعالم مع سلسلة مراتب الملائكة المتوسطة المركبة من النفوس الفلكية، وسخرت منه، ونفت ـ خلافاً لابن سينا ـ الارتباط بين العقل الفعّال والملك (روح القدس). وبهكذا إنكار، ضمن أن النفوس ركنت جانباً، فقد زال الاعتبار المعرفي لإدراكات قوة الخيال أيضاً([51]). وبذلك فقد استبدل العالم السينوي المكوّن من ثلاث مراتب بعالم ثنائي: عالم الحس؛ وعالم العقل. ففي مثل هكذا نظرية في الوجود لا يبقى محلٌّ لعالم المثال الذي يمثّل الواسطة بين المعقول والمحسوس، ويقوم بدور الربط بين هذين العالمين. ومن جهة فإن حقيقة الإنسان المكوّن من المراتب الثلاث، والمترابطة مع بعضها، يعني: الجسم؛ والروح؛ والعقل، تبدلت بإنكار عالم النفس إلى وجود ثنائي، انفصل أحد جزأيه عن الآخر([52]). وبهذا النحو فقد طرأت تغييرات أساسية في مفهوم وفاعلية العقل الفعّال، بلحاظ معرفي، وبلحاظ فهم الوجود الإنساني. إن إنكار الملائكة ـ بحسب التصور السينوي في فهم الوجود عند ابن رشد ـ الذي أدى إلى اعتبار الخيال أمراً غير واقعي، وإنكار عالم المثال، واحدٌ من أكبر أخطاء الفكر الغربي من عصر التنوير وحتى الآن ـ كما يرى كوربان ـ، وكانت له عواقب وخيمة([53]).
لكن هناك في البين مفكّرين ومتصوِّفة، أمثال: سودنبورغ، ياكوب بوهمه، وأفلاطونيي كمبردج، وغيرهم، كانوا يعتقدون بوجود هذا العالم([54]). وقد طرح سودنبورغ من بين المتألهين الغربيين أدق الأبحاث في هذا المجال. وهناك تطابق جدير بالاهتمام بين آرائه ونظريات السهروردي وابن عربي في هذا المجال. فهذا العالم من وجهة نظر سودنبورغ له حيز ومكان روحاني يختلف عن الحيز الجسماني لعالم الطبيعة، وعلى هذا الأساس فإن هناك عالماً وراء عالمنا المحسوس، تكون الأرض والسماء والبحار والنباتات والإنسان وكل الحقائق فيه روحانية([55]).
ويجعل ياكوب بوهمه أيضاً ذلك العالم واسطة وبرزخاً بين العالم المحسوس والمعقول، ويراه عالماً قدسياً، وفيه الأبدان الروحانية الحاضرة في عالمنا. وهذا المأوى، والمكان المثالي والروحاني للحكمة، يتقدّم وجوده ذاتاً على التاريخ والمكان المتعارف والمشهود.
والآن نبحث باختصار الأزمات التي يرى كوربان أنها تعالج بالاعتقاد بالقول بعالم المثال.
دور عالم المثال في معالجة أزمات الإنسان المعاصر ـــــــ
يرى كوربان أنه بالاعتقاد بعالم المثال يمكن حلّ كثير من القضايا. بل يمكن الإشارة إلى هذه النظرية بوصفها شاخصاً للفلسفة الإيرانية الإسلامية، ويمكن من خلال قراءات جديدة العمل على إحياء تلك الحكمة([56]). ويؤكد على إمكانية تصحيح التصور العقلي الغربي في خصوص الخيال فقط، عن طريق نظرية وجود تشبه نظرية الوجود الإشراقية([57]). والحل القطعي لهذه الأزمات الاعتقاد بعينية عالم المثال([58]).
ونعرض الآن ـ باختصار ـ بعض هواجس كوربان، التي تعدّ من تحديات الإنسان المعاصر، والجواب الذي استفاده من الفلسفة الإسلامية.
1ـ التصور الثنائي ــــــ
إن من أهم نتائج إنكار عالم المثال بروز النظرة الثنائية في الفلسفة الغربية. وبسبب نفي عالم المثال، الذي يمثّل الواسطة بين العالم المعقول والعالم الحسي، أولاً: أصبح العالم، بلحاظ وجودي، ثنائياً. وثانياً: نظراً لإلغاء هذا العالم، الذي يمثّل محلّ الملائكة، تبدلت الوحدة بين العقل والوحي، التي كانت متحقّقة بسبب عالم المثال، إلى كثرة وتفرّق. وكانت هذه الثنائية بدورها عاملاً لإيجاد الأزمات والتحديات الكثيرة في الغرب. وكان من نتائج هذه الثنائية العلمانية، بمعنى الفصل بين الإلهيات والفلسفة، والعقل والوحي.
وبإنكار هكذا عالم تمهدت الأرضية لحضور نظريات أشخاص مثل: ديكارت. فبحسب نظرية ديكارت يتكون الإنسان من جوهرين متمايزين عن بعضهما، وغير مرتبطين بالتمام، وهما: الجسم؛ والنفس. وخاصية النفس هي الفكر، وخاصية الجسم الامتداد. لقد أنتجت هذه الثنوية الديكارتية مشاكل كثيرة، وقد حاول الغربيون حلّها من خلال التوسل بعالم خيالي لا واقع له بعنوان (عالم الخيال)، وسَعَوْا ـ بواسطته ـ لرفع حاجات النفس الإنسانية التي لابدّ أن ترفع في عالم المثال الحقيقي. تلك الثنائية بين الروح والبدن، التي تجعل الرابطة بينهما غير ممكنة، أدت إلى أن يصبح بعضهم مادياً، والبعض الآخر يقبل الحقائق الروحانية لا غير، إلا أن مذهب أصالة الروح (Spiritualist) لم يكن قادراً أيضاً على إدراك كل الأمور المعنوية، ولم يستطع تفسير جميع الحقائق الدينية؛ لأن هناك حقائق لا يمكن فهمها إلا من خلال عالم المثال.
لكنّ تلك النظرة الثنائية لم تقتصر على العلاقة بين الروح والبدن، وإنما سرت تلك المعضلة إلى جميع عالم الوجود، وعالم المعرفة؛ لأن عالم الوجود من جهة انحصر، بلحاظ وجوديّ، بالعالم المحسوس والمعقول، ومن جهة أخرى وقع الفصل بين عالم العقل والوحي، بوصفهما مصدرين للمعرفة، وكانت النتيجة أزمة التعارض بين العقل والوحي، أو العلم والدين. ومن الطبيعي أن يقبل أرباب الكنيسة، المعتقدون بتلك الثنائية، حجية واعتبار الوحي، ويعتبروه المصدر الوحيد للمعرفة، بينما كان الحكماء، أمثال: ابن سينا، يعتقدون بوحدة العقل الفعّال وملك الوحي، الذي يعدّ مصدر المعارف العقلية والوحيانية (المنزلة)، وأن أي فرد يمكنه الاتصال بالعقل الفعّال، وبلوغ المعرفة، وبدون الرجوع إلى مؤسّسة، كالكنيسة.
وعلى أية حال فإن كوربان يرى أن مفتاح الحل لمعضل الثنائية المؤدية إلى أزمة في الغرب يكمن في الفلسفة الإسلامية ـ الإيرانية، وتوصل إلى أنه بالاعتقاد بعالم المثال يمكن الخلاص من ثنوية الروح والبدن، أو الفكر والامتداد، أو المعقول والمحسوس، الذي أوصد الباب أمام الفلسفة([59]).
2ـ العلمنة (فصل اللاهوت عن الفلسفة) ـــــ
ومن نتائج نفي عالم المثال الفصل بين الإلهيات والفلسفة، من خلال القول بأنه ليس هناك من منطقة التقاء بين الفيلسوف والنبي في مرتبة ذلك العالم، ولا يوجد بينهما أية وحدة، وإنما يقع التقابل بين عالم العقول وعالم المحسوسات. ومن هنا يرى كوربان أنه لا يمكن الإتيان بأدلة لإثبات الاعتقادات الدينية. وعندها إما أن يلجأ المتدينون في الدفاع عن عقائدهم إلى الجمود والتمسك بالظواهر، أو يضطروا إلى الاستعارة والأسطورة، ويظنوا أن الحقائق الدينية عارية عن الحقيقة، وسوف لن يجدوا موضعاً في عالم الحقيقة للرؤيا النبوية، والمكاشفات الشهودية، يصلح مصدراً موثوقاً للمعرفة. وبهذا تصبح الحقائق العقلية وحقائق الوحي، والفلسفة والإلهيات، في مواجهة بعضها([60]). بينما يؤمن صدق الرؤيا النبوية والمشاهدات العرفانية بالاعتقاد بعالم المثال والاعتراف بقوته الإدراكية الخاصة. وأهمية الإدراك الخيالي لقوة الخيال تكمن في أنها الأداة المدركة لعالم المثال([61]).
إن المعراج النبوي هو نموذج بارز لمعراج النفس الإنسانية الطاهرة، والذي يرومه أهل الحكمة والمعرفة. ويمكن نيل المعرفة الشهودية بالاتصال بالعقل الفعّال، وهو جبرئيل. وتعتبر وساطة العقل الفعّال، بوصفه ملك المعرفة أو واهب الصور، بمعنى نوع إلهام ومعرفة فردية تفاض عليها الصور الأزلية، أو مثل الموجودات([62]). وعلى هذه الأساس فعالم المثال عالم يحلّ فيه النزاع بين الإلهيات والفلسفة، الإيمان والعلم، الرمز والتاريخ.
3ـ إلغاء فكرة المعاد ــــــ
ومن نتائج إنكار عالم المثال زوال تشخص الإنسان. ومعنى القيامة والمعاد أيضاً زوال الولادة الدائمة للنفس. وإنما يمكن التصديق بأن النفس بسيرها المعنوي والتجرُّدي إلى عالم أعلى تنقطع عن المادة والتعلقات المادية، ويظهر لها عالمٌ أكثر عظمة ومعنوية، وبقلة القيود والمحدوديات تصل إلى عالم أكثر نورانية؛ وتقوم قيامته الصغرى، وبذلك تكتسب الحياة بعد الموت معناها. وإلى أية مرتبة وصل الإنسان من الكمال فإنه يتولد من جديد بذلك المقدار، وبتلك الولادة المتكررة تتقرّر هويته وشخصيته، التي كانت مختفية ومضمرة من قبل، ثم ظهرت وبرزت بالتدريج، وهو في الواقع يرجع إلى حقيقته الأصلية التي جاءت من هناك قبل ذلك، تلك الحقيقة الأصلية التي كانت على ارتباط وثيق مع الملك الذي أخرجها من القوة إلى الفعل، وجاء بها إلى هذا العالم، وجعل منها موجوداً لا يموت. فلو لم يكن عالم المثال هذا موجوداً لم يكن هناك خبر عن التشخص المعنوي للإنسان، ولا عن أبديته وعدم موته، ولا عن ولاداته المتكررة، ولا عن قيامته. أضِفْ إلى ذلك يعتقد كوربان أنه إذا لم تكن نظرية عالم المثال والجسم اللطيف فستبقى مسألة المعاد الجسماني عصيّةً على الحل أيضاً. ويرى أن الملا صدرا وبعض علماء الشيخية عندما طرحوا فكرة هذا العالم سَعَوْا لحلّ معضلة المعاد الجسماني، وقدموا فكراً صحيحاً عن الجسم الحشري.
4ـ تهاوي قداسة الفن ــــــ
والتحدي الآخر هو عدم قدسية الفن في الثقافة الغربية، خلافاً للمنهج الإسلامي؛ إذ فصلوا التخيُّل والفنّ، وهو وليد التخيُّل، عن عالم المعنى والقداسة، وربطوه بمباني أخرى. وبإنكار عالم المثال فقد سلب من حوادث ذلك العالم فعلها الرمزي والواقعي، وغدت التمثيلات العرفانية مهملة، ولا حقيقة لها. ولهذا السبب لا يمكن أن تتحقّق الصور الخيالية للحكايات الإشراقية. وفي البين لجأ علم النفس الجديد؛ لملء هذا الفراغ، إلى عالم يوتوبي ليس له جذر في عالم الواقع، ولا طريق إلى العوالم العليا، أما في الحكمة الإسلامية؛ ونظراً إلى الاعتقاد بعالم المثال، فقد اتّصف الفنّ بالقداسة؛ لتعلقه بالعالم المعنوي.
5ـ التوجه الأحادي الجانب للدين، وعدم وجود أسس أصيلة لتقارب الأديان ــــــ
لما كان عالم المثال يفتح عالماً أكثر سعة ومعنوية من عالم المادة أمام أهل ديانة، ويقدم لهم نظرة شاملة وعميقة، فإنه يتعالى إدراكهم ونظرتهم الدينية، ويبتعدون عن النظرة الظاهرية والأحادية الجانب؛ لأنهم سيعتقدون أن ظاهر الدين مظهر لتلك الحقائق العليا، وسوف لن يكون فهمهم للدين أحادي الجانب. وهذا المبنى الأساسي سيؤدي إلى تقارب الأديان من بعضها، رغم التفاوت فيما بينها.
نقدٌ وتحليل ــــــ
إن البحث عن حلٍّ للمشكلات والأزمات المعاصرة من خلال دراسة الجذور الحكمية والمعنوية، وأن عالم المثال بمنزلة كنز عظيم في الحكمة الإسلامية ـ الإيرانية، بحيث يستفاد منها بشكل مناسب في حلّ تلك المشكلات، من المنجزات القيمة والمبتكرة التي اكتشفها هنري كوربان، أو وضّحها بعمق، وأكسبته مكانة مرموقة في الفلسفة الإسلامية. وإلى جانب ذلك هناك بعض النقاط النقدية، ربما يكون للالتفات إليها تأثير في إتمام المشروع الكبير الذي تصدّى للقيام به. نشير إلى بعضها في ما يلي:
1ـ لقد حصر كوربان أسباب ظهور الأزمات في المجتمع الغربي بمسائل وجودية، ومعرفية فلسفية، وغفل عن سائر العوامل غير المعرفية المؤثِّرة، بينما تمثِّل مسألة صحة وعدم صحة المعرفة، وتأثيرها في إيجاد أو حل الأزمات، جزءاً من القضية. وهناك عناصر أخرى، من قبيل: الاقتصاد، والسلطة السياسية، ووسائل الإعلام، وغيرها، لها تأثيرها في كيفية تعيين معرفة الفرد والمجتمع. وبشكل قاطع فإن هذه العوامل إذا لم يكن تأثيرها أكثر من محتوى المعرفة فلن يكون أقل. ولما كان لهذه المسألة دورها الأساسي في تقييمات كوربان فلا بدّ أن تعاد تلك التقييمات على ضوء هذه الملاحظة.
2ـ يلخِّص كوربان الهوية الدينية للإسلام، بالإضافة إلى الفلسفات السينوية والإشراقية والصدرائية أيضاً، بعالم المثال والبعد المعنوي، وينسى كافة الأبعاد الأخرى للإسلام. بينما لا يمكن أن نقبل قصر الإسلام والتشيع بالعالم المثالي، وما وراء الزمان والمكان، ويظن أن الأمور الزمانية والمكانية قليلة الأهمية، أو مهملة، وتذهب بالتوجهات الاجتماعية للإسلام، والتي صرّح بها القرآن والروايات منذ صدر الإسلام والى زمان الغيبة الكبرى، والمعمول بها من قبل الزعماء الدينيين. وفيما يذكر كوربان تجربة المسيحية المرّة بتجسد المسيح، ثم الكنيسة، فإنه اعتبر اجتماعية الإسلام بمعنى موته، وهذا مما يتنافى مع بديهياتنا الدينية والتاريخية.
3ـ المشكلة الأخرى التي تواجه كوربان هي عدم اهتمامه بالبعد العقلي والبرهاني للموضوعات التي بحثها. ومن الواضح أن النظام الفلسفي للإسلام، وكذلك الحكمة السينوية والإشراقية والصدرائية، تتمتع ببعد عقلي، بالإضافة إلى أبعادها الشهودية والمعنوية، ويعدّ إهمالها إهمالاً للهوية الذاتية لتلك الأنظمة. وكمثال على ذلك: لم يكن مهماً بالنسبة إليه إلى أيّ حد يرجح نظام الصدور لابن سينا، والعالم المثالي الذي يطرح من قبله، على ما طرحه ابن رشد، بل إن المهم بالنسبة إليه فقط المكانة الوجودية لعالم المثال، وثمراته الوجودية في حلّ الأزمات. وهذا الإشكال مهم طبعاً؛ لأنه على هذا الأساس ستكون النظم الفكرية التي لا تتمتع بقوة مبانيها واستدلالاتها العقلية، لكنها تعتقد بعالم المثال، مثل: النظام الفكري للشيخية وغيرها، بنفس مقبولية الفلسفة السينوية والإشراقية والحكمة المتعالية، وهذا ما لا يمكن قبوله. وبعبارة أخرى: إن الملاك الذي يقدمه كوربان لمقبولية نظام فكري ما ليس له تلك القدرة على تقييم النظم الفلسفية، وترجيح بعضها على الآخر.
4ـ وقريبٌ من ذلك المعنى يصدق على عدم اهتمامه بالتاريخ، والسير التاريخي أيضاً. ولذا فإنه لا يولي العناية المطلوبة عند دراسة الظواهر التي كانت موجودة في الامتداد التاريخي، ولا يهتم بالوثائق والشواهد التاريخية، وإن كانت كثيرة. وما يحظى بالأهمية عنده هو تلك الفرضيات غير التاريخية، التي يستعملها في تحليلاته. وواضحٌ أن هذا الأسلوب غير موفق؛ فإنه لا يمكن بسهولة التغاضي عن عشرات، بل مئات، الشواهد التاريخية الناقضة لنظريةٍ ما، ومع ذلك التأكيد على الفروض المسبقة التي انتقضت.
5ـ لكن التوجه التأويلي لكوربان، إضافةً إلى قصر نظره على البعد المعنوي، وعدم الاهتمام بسائر الأبعاد المبحوث عنها، يعاني من مشكلة أخرى، وهي عبارة عن التوسُّع بلا دليل، بمعنى أنّه بمجرّد الاستناد إلى بعض الشواهد القليلة يقدّم نظريّات لا يمكن القبول بها بسهولة. وكنموذج على ذلك: إذا ورد ذكر أمكنة في نصّ تاريخيّ قبل الإسلام، ليس لها ذكر في جغرافية العالم، فيجب أن لا يؤدي ذلك إلى أن نرجع تلك الأمكنة ببساطة إلى عالم المثال، ونبحث لها عن تفسير معنوي عميق، ونغضّ الطرف عن الدراسة التاريخية لهذه النصوص، وانسجام عباراتها مع بقية النصوص والوثائق التاريخية، وكثير من الأبحاث التاريخية أيضاً، وإلا فإن استعمال هكذا منهج يمكنه تبرير كلّ مسألة غير موثقة، ولا مقبولة. وهذا يعنى فقدان المعيار والملاك في التفسير، وهو ما لا يرضى به ـ يقيناً ـ كوربان نفسه. وأصلاً فإن كوربان يقوم على أمثال: (ميرجا الياذه)؛ بسبب تأكيده على تأطير التفسير، وعدم الاعتماد على الإلهامات الشهودية، والظاهريات المجرَّدة غير المبررة.
الهوامش:
(*) باحث وأستاذ في الحوزة والجامعة، متخصص في المجال الفلسفي، ورئيس كلية الإسلام والغرب في جامعة المصطفى العالمية، له دراسات عدّة.
([1]) لقد استفاد كوربان أموراً كثيرة من جيلسون، الذي أحيا الفلسفة في الفترة المعاصرة، والذي يعتقد ـ خلافاً لإميل بريهه ـ بوجود فلسفة مسيحية. ومما تعلمه كوربان كيفية التعامل مع الفلسفة الدينية، والاعتقاد بأن الكتب المقدسة تصلح أرضية لنمو واتساع الفكر والبحث المسيحي. وهذا مما استعان به كوربان في فهم وتفسير وإحياء الحكمة الإسلامية الإيرانية.
([2]) وهذا، بالإضافة إلى اطلاعه على أفكار شيخ الاشراق، أدى به إلى تعلم اللغة العربية، ثم الفارسية بعد ذلك.
([3]) هنري كوربان، أز هايدجر تا سهروردي: 46 ـ 47، ترجمة: حامد فولادوند، طهران، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1383هـ.ش.
([4]) هنري كوربان، فلسفه هاي إيراني وفلسفه هاي تطبيقي: 119، ترجمة: جواد طباطبائي، طهران، منشورات توس، 1369هـ.ش.
([5]) محمد أمين شاهجوئي، مجموعه مقالات هنري كربن: 249، طهران، منشورات حقيقت، 1384.
([6]) هنري كوربان، فلسفه هاي إيراني وفلسفه هاي تطبيقي: 101 ـ 102.
([7]) المصدر السابق: 122 ـ 123؛ مجموعه مقالات هنري كربن: 259.
([8]) هانري كربن، أرض ملكوت وكالبد إنسان در روز رستاخيز أز إيران مزدائي تا إيران شيعي: 17 ـ 18، 27، 101، ترجمة: ضياء الدين دهشيري، طهران، المركز الإيراني لدراسة الثقافات، 1358؛ فلسفه هاي إيراني وفلسفه هاي تطبيقي: 118.
([9]) هانري كربن، بن مايه هاي آيين زرتشت در أنديشه سهروردي: 113، ترجمة: محمود بهفروزي، طهران، منشورات جامي، 1384هـ.ش.
([10]) على ضوء ما بعد الطبيعة عند شيخ الإشراق من القول بأصالة الماهية (هانري كربن، تاريخ فلسفة إسلامي: 299، ترجمة: جواد طباطبائي، طهران، منشورات كوير، 1380هـ.ش).
([11]) مجموعه مقالات هانري كربن: 257 ـ 258.
([12]) أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 16 ـ 18؛ فلسفه هاي إيراني وفلسفه هاي تطبيقي: 118؛ مجموعه مقالات هانري كربن: 259، 268 ـ 272، 267 ـ 270.
([13]) مجموعه مقلات هانري كربن: 267.
([14]) أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 57.
([15]) وقد طرح بالتفصيل خصائص عالم المثال من منظار تلك الحكمة في ثلاثة من كتبه: أرض ملكوت؛ إنسان نوراني در تصوف إيراني، وبن مايه هاي آيين زرتشت در أنديشه سهروردي.
([16]) هانري كوربن، إنسان نوراني در تصوف إيراني: 29، ترجمة: فرامرز جواهري نيا، طهران، منشورات كلبان، 1383.
([19]) العقل الأول الذي يسميه السهروردي بالاسم الزرداشتي (بهمن) و(هومنه) أول الإشماسبتد في الدين المزدكي.
([20]) إنسان نوراني در تصوف إيراني: 67 ـ 69.
([21]) بن مايه هاي آيين زرتشت…: 113.
([23]) أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 62، 71، 48 ـ 49، 150 ـ 152؛ إنسان نوراني در تصوف إيراني: 70 ـ 72.
([24]) بن مايه هاي آيين زرتشت در أنديشه سهروردي: 63.
([25]) هانري كوربن، ابن سينا وتمثيلات عرفاني: 306 ـ 307، ترجمة: إنشاء الله رحمتي، طهران، منشورات جامي، 1387هـ.ش.
([26]) هانري كوربن، فلسفه هاي إيراني وفلسفه هاي تطبيقي: 122 ـ 124.
([27]) أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 152 ـ 154.
([28]) ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 188 ـ 189، 433.
([29]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه هاي تطبيقي: 93، تاريخ فلسفه إسلامي: 300.
([30]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 101 ـ 102.
([32]) يقول كوربان في مقال آخر: ربما كان مصطلح (نا كجا آباد) معادل (أوتوبي)، والذي يبدو أنه بدوره لم يرد في أيّ من المعاجم اللغوية التقليدية اليونانية. وقد وضعه توماس مور، الكاتب والسياسي الإنجليزي (1478 ـ 1535م)، بصفته مفهوماً انتزاعياً دالاًّ على عدم أي موضع معين في المحيط الذي تستطيع حواسنا كشفه والسيطرة عليه (مجموعه مقالات: 252 ـ 255).
([33]) تاريخ فلسفة إسلامي: 288 ـ 300.
([34]) بن مايه هاي آيين زرتشت در أنديشه سهروردي: 95، أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 58؛ ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 304.
([35]) ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 304.
([36]) تاريخ فلسفه إسلامي: 298. وللمزيد حول فهم السهروردي للملائكة لاحظ: مجموعه مقالات: 33 ـ 35.
([37]) بن مايه هاي آيين زرتشت در أنديشه سهروردي: 95؛ أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 58؛ ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 304.
([38]) ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 451
([39]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 256.
([40]) يرى كوربان أن التأويل غير ممكن بدون الاعتقاد بعالم المثال. ومن وجهة نظره فإن رسالة الفلسفة الإيرانية هي التأكيد من جديد على عالم المثال، ودوره، وأهميته (فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 124 ـ 128).
([41]) بن مايه هاي آيين زرتشت در أنديشه سهروردي: 64؛ ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 304.
([42]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 101 ـ 102، 118.
([43]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 199 ـ 200، 263 ـ 266، 82.
([45]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 101.
([46]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 84.
([47]) المصدر السابق: 199 ـ 200، 263 ـ 266، 82.
([48]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 118.
([49]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 82.
([50]) تاريخ فلسفه إسلامي: 301؛ مجموعه مقالات هانري كوربن: 362 ـ 365.
([51]) مجموعه مقالات هانري كوربان: 266؛ فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 118، 124، 125 ـ 128.
([52]) هانري كوربن، أز هايدجر تا سهروردي: 94؛ أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 26؛ فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 121 ـ 122، 126 ـ 128.
([53]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 82 ـ 83، إنسان نوراني در تصوف إيراني: 51 ـ 53، فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 93.
([54]) أرض ملكوت وكالبد إنسان…: 26 ـ 27؛ أز هايدجر تا سهروردي: 94 ـ 95.
([55]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 262.
([56]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 119 ـ 120.
([57]) مجموعه مقالات هانري كوربن: 269.
([58]) المصدر السابق: 270 ـ 272.
([59]) ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 449؛ تاريخ فلسفه إسلامي: 85 ـ 86؛ مجموعه مقالات هانري كوربن: 82.
([60]) فلسفه هاي إيراني وفلسفه تطبيقي: 124 ـ 125.
([61]) تاريخ فلسفه إسلامي: 85 ـ 86.
([62]) ابن سينا وتمثيل هاي عرفاني: 118 ـ 119، 189، 454، 433 ـ 455.