بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ الأستاذ حيدر حب الله يحفظهم الله ويرعاكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطلعت على ما خطته يدكم المباركة في كتابكم/ رسالتكم القيمة والمهمة (رسالة سلام مذهبي)، فهذا الكتاب تنبع أهميته من قيمة الشخصية العلمية التي كتبته والتي عُرفت بتوازنها واعتدالها، وكذلك من طبيعة الظروف المتردية التي تعيشها الأمة الإسلامية في الوقت الراهن، وليس فقط من القيمة الذاتية لما احتواه من رؤى وأفكار، فهو بحق رسالة سلام وصوت اعتدال في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للسلام والاعتدال.
الكتاب كما وجدته ليس فقط رسالة للآخر المذهبي، بل هو رسالة للآخر أياً كان هذا الآخر، بمن فيهم الآخر المختلف داخل المذهب نفسه، فهو عبارة عن جولة مختصرة في فكر ومواقف سماحتكم حول بعض القضايا والمسائل المرتبطة بهذا الشأن، فلقد شعرت وأنا أُبحر فيه وأُقلب صفحاته بأني في سياحة فكرية ومعرفية سريعة تلخص فكركم وآرائكم وتوجهاتكم حول العديد من القضايا والمسائل العقدية والعملية (الفقهية والأخلاقية)، فما رأيته في هذا الكتاب/ الرسالة ليس مجرد مواقف آنية تنتهجونها كإجراء تكتيكي وكردة فعل عاجلة قد تقتضيها ظروف معينة أو مواقف طارئة كما يفعل البعض، وإنما هي مواقف استراتيجية نتيجة توجه فكري والتزام اخلاقي يمثل الواقع الحقيقي لقناعاتكم الفعلية، وخير شاهد على ما أقول أن ما ذكرتموه في هذ الرسالة ينسجم تماماً مع ما كنتم تؤكدون عليه من قبل في كتبكم ومقالاتكم المنشورة، والتي لاقت وما زالت تلقى القبول والترحيب الواسع لدى قطاع عريض من النخب الفكرية والجماهير الواعية.
شيخنا العزيز.. لا أخفيكم بأني كنت أبحث عن كتاب يُلخص ما أتبناه من وجهات نظر إزاء العديد من المسائل والقضايا التي كثيراً ما أُسأل عنها بسبب احتكاكي بأبناء المذاهب الأخرى، فلم أجد ضالتي إلا في هذا الكتاب، وذلك لأني كنت أبحث عن كتاب مختصر يُبين للآخر ما يراه أتباع مدرسة أهل البيت (ع) بكل صراحة ووضوح، ومن دون أن يكون الهدف منه الدعوة المذهبية أو اثبات التفوق والانتصار، خصوصاً فيما يتعلق ببعض القضايا المهمة والحساسة بالنسبة إليهم، وعليه فإنني الآن وبعد اطلاعي على ما جاء في هذا الكتاب استطيع أن أُرشد إليه كل من سيسألني عن ما أتبناه من آراء ومواقف حيال هذه القضايا والمسائل، فجزاكم الله عنا وعن الإسلام وأهله خير جزاء المحسنين.
ربما يتساءل سماحتكم عن أبرز الأمور التي أعجبتني في هذا الكتاب/الرسالة، ولذا اسمحوا لي ببيان ذلك من خلال النقاط التالية:
- أعجبني أنكم ومنذ المقدمة التي تحدثتم فيها عن الواقع المرير للأمة الإسلامية جراء ما تعانيه من الفرقة والتشظي بسبب الطائفية البغيضة أشرتم بأنكم لا تهدفون من وراء هذه الرسالة إلى تحميل المسؤولية لأحد بقدر ما تهدفون إلى الخروج من هذا الحال، الذي انتج سفك المسلمين لدماء بعضهم البعض باسم الدفاع عن الدين والمذهب والطائفة. وما أجمل عبارتكم في تشخيص الحال عندما قلتم: “لقد تصارع الشيعي الموالي لعلي مع السني الموالي لأبي بكر بما لم يقع مثله بين علي وأبي بكر نفسيهما”.
- أعجبني أنكم استعرضتم أهم معالم الاعتقاد والشريعة في المذهب الإمامي بعبارات واضحة وبسيطة وباختزال غير مخل، كما أعجبني لفتكم لنظر القارئ إلى أن كثير من نقاط الاختلاف بين الإمامية وسائر المذاهب الإسلامية هي مما وقع فيه جدل ونقاش بين المذاهب الأخرى نفسها، كما أعجبتني أيضاً لفتتكم إلى وجود بعض الاختلافات بين المنتسبين لنفس مذهب الإمامية حول بعض المسائل، كما في مسألة علم الإمام بالغيب والولاية التكوينية.
- أعجبني كثيراً إشارتكم إلى أن الأخطر في قضية الخلاف بين الشيعة والسنة ليس في مسألة وجود الاختلاف الفكري بين المذهبين، بل في الحواجز النفسية التي تقف سداً منيعاً أمام التواصل.
- أعجبني كثيراً تناولكم للهواجس المتبادلة ولبعض القضايا العالقة بين الشيعة والسنة -كما عبرتم- بكل جرأة وشفافية، كمسألة تكفير بعض المسلمين للشيعة الإمامية، وقضايا الشرك والتوسل وعدم الاعتراف بالآخر المذهبي، وكمسألة لعن الصحابة، والتعرض بالإهانة لأمهات المؤمنين، والتقية، وتحريف القرآن الكريم وإنكار السنة النبوية، وعاشوراء ومظاهر الطقوس والشعائر، وزواج المتعة، والمواطنة والمد الشيعي، وقمع الحريات المذهبية، حيث أعجبني كيفية تناولكم لها وكذلك تأكيدكم أن هذه الأمور يجب تفكيكها وإعطاء موقف منها للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقة.
- أعجبني اقتراحكم ودعوتكم لإقامة مجاميع حديثية إسلامية وليست مذهبية تستوعب سائر فرق المسلمين، وكذلك إنشاء موسوعات للرجال والجرح والتعديل على جميع المذاهب، وذلك لما لهذا الأمر من بالغ الأهمية في تحقيق التقارب المعرفي بين المذاهب الإسلامية كما أكدتم، كما أعجبني اقتراحكم لتأسيس “مجمع فقهي إسلامي مقارن يضم فقهاء من السنة والشيعة بمذاهبهم والإباضية و.. يسعى لتباحث القضايا الفقهية الخلافية وغيرها، لا سيما فقه المستحدثان أو فقه النوازع، للخروج بنتائج فقهية متقاربة أكثر، والتعرف على بعضنا البعض عن قرب في منهجيات الاجتهاد الفقهي، ليكون ذلك مقدمةً أخرى للتقارب العلمي”.
- أعجبني كثيراً كلامكم حول مسألة القلق مما يُسمى بالمد الشيعي، وبالخصوص قولكم بعد بيان موقفكم من هذه القضية: “والأغرب من هذا كله أننا نحظر الدعوة للمذهب السني في بلاد الشيعة أو الشيعي في بلاد السنة مثلاً، لكننا لا نحظر الدعوة للفكر الغربي حتى في قضاياه التي نتفق جميعاً على خلاف الدين وشرع الله تعالى، ونفضل هناك استخدام أسلوب المواجهة الفكرية، وليس التحريض والاعتقال والمراقبة!” رغم أن هذه الثقافة “تجتاح نسبة عالية من شبابنا المسلم في مختلف ديار المسلمين السنية والإمامية والإباضية والزيدية و.. دون أن تتحرك دولنا المسلمة بخطوات بحجم تلك التي رأيناها مع الموضوع المذهبي والأمن العقائدي”.
- أعجبني كلامكم في مسألة المبادئ والسبل والآليات لإدارة الاختلافات بين المسلمين بما يوفر حقوقهم جميعاً في تنوع الرأي مع بقاء تماسكهم، وبالخصوص في تأكيدكم على أمرين: أولاً: مسألة شرعية الاجتهاد والاعتراف بالآخر حيث دعوتم من خلال ذلك إلى ضرورة أن يطال فتح باب الاجتهاد ليس علوم الفقه فحسب، وإنما العقائد وتفسير القرآن وفهم التاريخ والرؤية الكونية عموماً. وثانياً: مسألة ضرورة الفصل بين المذهبي والسياسي حيث قلتم: “رسالتنا هي أن لا نظلم سنياً لأننا على خلاف مع هذه الدولة السنية أو تلك، ولا نجحف بحق شيعي لأننا على خلاف مع هذه الدولة الشيعية أو تلك، ولنحرر الدين والمذاهب من السياسيين”.
- أعجبتني اقتراحاتكم في الخطوات العملية للخروج من هذه الأزمة وبالخصوص تأكيدكم على ضرورة إعادة نظر المسلمين في مذاهبهم برؤية نقدية جديدة (تنقية التراث المذهبي)، وكذلك ضرورة إعادة نظرهم في قراءتهم للآخر المذهبي وغيرها من الأمور الأخرى.
باختصار شديد: أعجبني في الكتاب/الرسالة أنكم أردتم وضع حد لحالة الجدل المذهبي العقيم المستمر بين السنة والشيعة منذ مئات السنين.. أعجبني أنكم في الوقت الذي تنقدون فيه الآخر تبتعدون عن شيطنته مع تأكيدكم على ضرورة ممارسة النقد الذاتي.. أعجبني أنكم أردتم أن توجهوا البوصلة في الاتجاه الصحيح، وذلك بمحاولة إعادة رسم سلم الأولويات، فبدلاً من الاستمرار في إثارة قضايا الجدل المذهبي ينبغي أن يكون على سلم أولوياتنا الاشتغال على الهموم الفكرية والاجتماعية والاخلاقية التي تمثل هماً مشتركاً بالنسبة للجميع.
ختاماً أقول: لا يسعني في نهاية رسالتي هذه إلا أن أقول بأني أضع يدي في يدكم وأضم صوتي إلى صوتكم وأقول كما قلتم في مقدمة كتابكم/رسالتكم:” إننا -بوصفنا شريحة كبيرة في مذهب أهل البيت- نعلن اليوم وبصراحة عن رسالتنا المفتوحة للعالم، ولإخوتنا المسلمين من أبناء المذاهب الأخرى. رسالةٌ تدعو إلى اللقاء والتواصل والأمن والسلام وعيش المواطنة، ومنح بعضنا بعضاً الحقوق والمزايا والاحترام والتقدير وحسن الظن، لنبني جميعاً أوطاننا بناءً محصّناً من الداخل، لا تهزّه الرياح، ولا تطيح به عواصف الشرّ والموت والفتنة”.
وتقبلوا وافر تحياتي
سلمان عبد الأعلى
المملكة العربية السعودية-الأحساء
20/6/1437هـ