أحدث المقالات

العمل في الإسلام

1 ـ قيمة العمل في الإسلام

العمل في النظام القيمي الإسلامي هو سرّ الخلق وحكمة الوجود، فالإنسان يبدي جوهره الوجودي بالسعي والجهد، ويعين قيمته الحقيقية بالعمل.

لقد خلق الله سبحانه الإنسان وأودع فيه الروح التي نسبها لنفسه([1])، كما سخر له كل ما من شأنه أن ييسّر له سبل الوصول للكمالات المعنويّة والتسامي الروحي والمادي([2])، وامتدحه بصفة الكرامة والفضيلة، وفضّله على الكثير من المخلوقات الأخرى([3])، حتى يتمكن ـ بالجهد والعمل ـ من عمارة الأرض([4])، وليدرك بالأعمال اللائقة حكمة وجوده وينال كرامته النفسية.

إن عزة أية أمّة وكرامتها رهينتان بسعيها وهمتها، كما أن الضعة والجمود والعجز إنما هي نتاج التقاعس والدعة والبطالة.

2 ـ العلاقة بين العمل ومعرفة الوجود

تترافق نظرة الانسان للعمل وتطّرد مع نظرته إلى الوجود، فالإنسان الذي يحصر الموجودات بالإطار المادي، ولا يعترف بغير الحس والتجربة طريقاً معرفياً، يرى العمل مؤطّراً بحدود الإنتاج والاستهلاك الماديين، أما ذاك الإنسان الذي خَبُر الثقافة القرآنية فإنه يعرف أنّ القرآن قد قسم الوجود إلى غيب وشهادة، كما تنقسم المعرفة بدورها إلى هذين القسمين أيضاً، وكذلك العمل؛ وعلى هذا الأساس فإن الانسان الذي يرى الوجود متخطّياً حدودَ المادة يمتلك نظرة أوسع للعمل، وبتقديسه له يوسّع من مجالات الفعالية والحركة.

3 ـ سعة مجال العمل

إن حركة الإنتاج والكسب والعمل أو التسلّط على الطبيعة واستخدامها هما الوظيفة اليومية المستمرّة، يقول سبحانه: (وجعلنا النهار معاشاً)([5])، أي جعلناه للتكسب وتحصيل الرزق، و (إن لك في النهار سبحاً طويلاً)([6])، أي فرصة كافية لتحصيل الرزق.

لا يحدّ مجال العمل بدائرة خاصة، بل يمتد من أعماق البحار حتى أعالي السماوات، وفي الأطراف الشاسعة والصحاري الجافة القاحلة، كل ذلك ميدان للعمل والسعي، (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)([7])، (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)([8]).

كما لا يضيق العمل أيضاً في دوائر النشاط البدني، بل إن العالم الذي يسعى لحلّ مشكلة علمية بعلمه وتحقيقه، والطبيب الذي يداوي المرضى، والمهندس الذي يقدّم تصميماً وطرحاً ما، والباحث الذي يتحمّل المتاعب والصعاب في سبيل تحصيل العلم و…. كلّ واحد من هذه الجهود العلمية والأبحاث التحقيقية مصداق بارز من مصاديق العمل، مع فارقِ عدم تساوي القيمة فيما بينها.

4 ـ العمل ونيل العزة

العزة والافتخار ثمرتان من ثمرات الإيمان بالله تعالى؛ فالمؤمن عزيز، وعليه دائماً أن يعمل للمحافظة على عزته وعلوها، والعمل واحد من طرق كسب العزة والوصول للاستقلال المادي، ومن هنا وصف أئمتنا الكبار العمل بالعزة.

يقول الإمام الصادق % لأحد أصحابه: "اغد إلى عزك"([9]) أي بكّر.

ويقول عبد الأعلى أحد أصحاب الإمام الصادق %: "استقبلت أبا عبد الله % في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر، فقلت: جعلت فداك حالك عند الله عز وجل وقرابتك من رسول الله 3 وأنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال: يا عبد الأعلى، خرجت في طلب الرزق لاستغني عن مثلك"([10]).

هذا، ومن جهة أخرى واجه الإسلام وبشدّة الضعة والانهيار الناجمين عن الكسل والبطالة، وعمل على اجتثاثهما من الجذور، إنّه يقول: "إياك والكسل" و "آفة النجاح الكسل" و "إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر"([11])، ويقول علي %: "من وجد ماءً وتراباً ثم افتقر أبعده الله"([12]).

إن هذه النصوص تدعو الجميع للإنتاج وتجنّب البطالة.

جاء رجل إلى الإمام الصادق % فقال: إني لا أحسن أن أعمل عملاً بيدي، ولا أحسن أن أتجر وأنا محارف محتاج، فقال %: "اعمل فاحمل على رأسك واستغن عن الناس…"([13])، فالإمام % يحثه هنا على العمل، ويمنحه الثقة بنفسه حتى يعيش بهذه الطريقة دون أن يعتمد على غيره، إذ الاحتياج للغير لا ينسجم والعزّة والشرف.

ويقول الإمام الصادق %: "طلب الحوائج إلى الناس استلاب للعز ومذهبة للحياء"([14]).

5 ـ إسناد العمل لله سبحانه

يمكن استنباط أهمية العمل وقيمته من إسناده لله تعالى؛ ففي القرآن الكريم تمّ إسناد الكثير من الأعمال لله سبحانه، بل جاء في بعض الآيات وبلسان جامع وشمولي: "كل يوم هو في شأن"، فالله سبحانه في كل يوم، بل في كل
ظهور وتجّلي هو في عمل جديد، وطبعاً ليست أعماله متشابهة وتكرارية، لأنه دائماً في حال إيجاد، والظواهر كلّها تقدم حاجاتها أمامه، "يسأله من في
السماوات والأرض"
([15])، وهو المبدأ الوحيد الذي يلبي الاحتياجات كافّة، وحل كافة العُقد إنما هو بيده وإرادته، فالله سبحانه هو الذي "آتاكم من كل ما سألتموه"([16]).

مبادئ العمل وضوابطه في التصوّر الإسلامي

ترتهن التغذية السليمة للذوق الفني والتأمين الصحيح للنشاط الروحي والحاجات العاطفية في أي مجتمع من المجتمعات بتقديم الفنّانين لأعمالهم الفنية.

والاستقلال والتنمية الاقتصادية لأي مجتمع هما أيضاً مرتبطان بطبيعة تعاطي ذلك المجتمع مع العمل، وقد ركّز الإسلام ـ وبهدف إيجاد التنظيم السليم وخلق التنمية الاقتصادية وتحقيق السموّ المجتمعي ـ على مجموعة أصول وضوابط متعلقة بالعمل، تتأمن على ضوء مراعاتها الحاجات المادية والمعنوية للأمة.

1 ـ الخبروية والالتـزام

يؤثّر هذان الأصلان في النموّ الكمي والكيفي للعمل، ذلك أن الإنسان الملتـزم والخبير يتمتع ـ في عمله ـ بالانضباط والضمير المهني، ومثل هذا الإنسان يحبه الله تعالى([17])، كما يتنفر من ذاك الذي يتصدّى لعمل معين دون امتلاك جناحي الخبروية والالتـزام. يقول الرسول 3: "فمن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة"([18]).

إن المجتمع الذي لا يفوّض العمل إلى أهله وخبرائه، هو مجتمع يسير دائماً في حركة نـزولية، يقول الرسول 3: "ما ولّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا"([19]).

وهذا الالتـزام وتلك الأمانة يستدعيان الإنسان ليلاحظ بعين الاعتبار ـ لدى اختياره عملاً ما ـ احتياجات المجتمع والاقتصاد العمومي، وأن يبتعد عن الأعمال الزائفة التي تضاعف من إيراداته وتدرّ عليه إنتاجاً شخصياً وفيراً، بيد أنها تورد أضرار وتلحق خسارات بالجسم الاقتصادي للمجتمع.

2 ـ الإتقان في العمل

إن القيام بأيّ عمل دون الأخذ بعين الاعتبار ضوابطه وجوانبه ومعطياته إنما هو جهد بلا حاصل وكدّ بلا نتيجة، فإذا كان الهدف من العمل رفع الحاجات العامّة وتحكيم الأسس الاقتصادية للمجتمع ـ لا التكاثر والجمع ـ فإن الإنسان يكون حينئذ ملزماً ـ بمقتضى الوجدان ـ بإنجاز أي عمل يقدر على إنجازه بإتقان، وإتمامه بدقة متناهية.

يقول النبي 3 بعدما أنهى بناءه لبناءِ محكم وبكامل الدقة: إنني أعلم أنه سينهار ولو بعد حين، "… لكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"([20]).

لقد ذمّ الإسلام ـ وبشدة ـ التقليل في العمل، والخيانة والتـزوير فيه، والمكر وإخفاء الحقيقة. فالقرآن الكريم ينهى عن ذلك بصيغة عامة وشاملة ويقول: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم"([21]) أي لا تنقصوهم شيئاً وأتمّوا الميزان.

3 ـ الثبات في العمل

ويدعو الله سبحانه النبي 3 والمسلمين إلى الاستقامة والثبات فيقول: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك"([22]). إن الاستقامة في العمل تؤدي إلى غض الطرف عن المصاعب الطارئة وحالات الحرمان المؤقتة، وتخلق عند الإنسان سعياً شاملاً ودؤوباً للوصول إلى الهدف.

ويستفاد من آيات القرآن الكريم أن الاستقامة توجب قوّة القلب وطمأنينته([23])، وكذلك سعة الرزق([24]).

ولا يجوز في أيّ وقت من الأوقات اعتبار طريق الحل والعلاج مسدوداً، أو الاعتقاد بعدم وجود وسيلةٍ أو مخلص، ذلك أن البحث المتواصل والسعي الدؤوب سيؤديان في النتيجة إلى الوصول للغرض، وفي هذا يقول علي %: "من طلب شيئاً ناله أو بعضه"([25]).

4 ـ الإخلاص في العمل

ومن مستلزمات العمل تقوية البنية الاقتصادية وقطع يد الأجانب والوصول إلى الاستقلال، إلاّ أن التعاليم الدينية أوصت الإنسان بالاهتمام بإطاعة الله تعالى فقط لدى قيامه بأي عمل، وهذا الإخلاص يقوّي البعد العبادي للعمل ويكسوه بصبغة القداسة، ليكون كالحُلي والزينة بالنسبة له.

يقول علي %: "أخلصوا إذا عملتم"([26]).

5 ـ اختيار العمل المناسب

للعمل والمهنة التي يزاولها الإنسان أثر مباشر في أخلاقه وسلوكه، فالذي ـ وعلى أثر الطمع في الاكتناز ـ لا يدقق في اختياره لعمله أو لشغله إنما يضرّ نفسه قبل أي إنسان آخر، كما يقوم بتحطيم شخصيته الإنسانية بذلك.

وأساساً، لا يمكن الحصول على روحية نجيبة ومتميزة مع عمل غير مشروع، كما لا يمكن حلّ أية معضلة به. إن العمل الجيد الذي يحفظ كرامة الإنسان يحلّ عقدة من عقد المجتمع، كما أن له أثراً في التسامي الروحي والأخلاقي للإنسان نفسه.

يقول الصادق %: "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها"([27]).

ومن هنا يعتبر الإسلام بعض الأعمال واجبةً، فيما البعض الآخر حراماً، وهناك قسم مستحب أيضاً، وقسمٌ آخر مكروه، مؤكّداً أن واحداً من حقوق الإبن على أبيه انتقاء العمل المناسب له([28]).

6 ـ الخطوات الواعية والدقيقة قبل الشروع في العمل

من الممكن أن يقبل الإنسان الخبير حرفةً ما، إلا أنه في بعض الأعمال يغفل عن دائرة تخصّصه، فمن الضروري لدى الإقدام على عمل معين تحديد مساره وخارطته، وكذلك معياره ونموذجه ومقداره حتى يحُول ميزان الاختصاص دون الوقوع في إضافات في غير محلها أو نواقص في غير موردها، وفي هذا الإطار يقول علي بن أبي طالب %: "قدّر ثم اقطع، وفكّر ثم انطق، وتبيّن ثم اعمل"([29]).

وفي ضوء ذلك، يتضح السبب في إصرار القرآن الكريم على جامعية أيّ عامل سواء من ناحية الرؤية العلمية والتخصصية لديه أو من ناحية الالتـزام والتوجه للعمل عنده.

وفي قولـه في قصة وزارة النبي يوسف الصديق % لتصدي الشؤون الاقتصادية لمنطقة واسعة في مصر في زمن الجفاف والتضخّم الاقتصادي: "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"([30])، أي أن التصدي للعمل، وحفظ أسس الاقتصاد مرهونان بالالتـزام العملي للعامل حتى لا يضيع شيء، ومدينان لتخصّصه العلمي حتى لا تذهب الميزانية هدراً نتيجة الجهل وعدم المعرفة.

هذا، وتجدر الإشارة هنا إلى عنصرين أساسيين:

الأول: السعي في الانتاج، وبذل الجهد في عرض السلع التي يحتاجها المجتمع.

الثاني: القناعة في الاستهلاك، أما القناعة في الإنتاج فليست بممدوحة، كما أن الجهد في الاستهلاك ليس مقبولاً.

7 ـ الإبداع في العمل

جوهر العمل أو العمل الجوهري هو الانسجام الكامل بين التقليد والصناعة، والتناغم بين الطبيعة والفن. لقد هيئ الله سبحانه المواد الخام كلها وتلك اللازمة لأيّ نوع من الابتكارات على مائدة السنة الإلهية، وأودع أرضية الصناعة البديعة والفن الخلاق في ذات البشر، حتى يتجاوز العمل السطح الساذج ويصل إلى العمق المعقد، ويحصل بالتالي الاجتناب عن التكرار والحركة نحو الإبداع.

إن الأصل الحاكم على العمل هو تـزيين المواد الخام بطبائع الصناعة المقبولة والجذابة، والتي أمّن الله تعالى واحدة منها بيد الطبيعة خارج الذهن، فيما تنبثق الأخرى عن اليد الصناعية للإنسان في إطار الفكر البشري حتى تتحوّل الرغبات الإنسانية كافّة من "العلم إلى العين ومن السمع إلى القلب"، وهذا العمل الجوهري هو ما يعبرون عنه بالكيمياء.

إن السر في قول الإمام الصادق %: "الكيمياء الأكبر الزراعة"([31])، هو أنه ـ بواسطة هذه الصناعة ـ تمنح الحياة النباتية لتلك المواد الطبيعية الجامدة، وروعة هذا الفن الخاص إنما هي تأمين شرائط القفز من مرحلة الجمادية والموت إلى منطقة الحياة والنباتية.

إذن فأصل العمل لابد أن يكون بمنـزلة نفخ الروح الفنية في المادة الطبيعية التي لا روح فيها، حتى تكون صنايع البشر تبلوراً للحياة الفنية وتجلّياً للحياة والإحياء.

8 ـ العمل القلبي المعنوي والقالبي المادي

يمنع تناغم العمل الحسن مع العمل الروحي من صيرورة العمل مادياً وجسمانياً، وانسجام العمل الجسماني والروحي ينتج عنه العمل الحسن.

إن رمز هذا الترسيم وسرّه يكمنان في أن الروح الملكوتية تشكّل أصل كل شيء وأساسه، وبناء عليه، فحتى يكون عمل أي عامل أو موظف ذا صبغة ملكوتية لا بد أن يكون الإقبال القلبي والملائمة الطبعية بارزين فيه، وهو ما يتحقق عندما تكون:

1 ـ قيمة العمل معادلة لمدى المشقّة فيه.

2 ـ فائدته ليس فقط لا تنحصر في وطن العامل، بل حتى داخل وطنه لابد أن لا يجري تداولها بيد فئة خاصة وطبقة مترفة مسرفة.

3 ـ فن الصناعة والابتكار غير منحصر في نطاق ضيق.

9 ـ العمل الهادف

يتبلور العمل بصورة الفن الحديث عندما يتحرّر من بدعة الاستهانة والكسل والخمول والضعف وعدم الجاذبية ويتحّول بنفسه إلى سنّة جديدة وهادفة.

وحيث إن دوام حياة العامل المسؤول واستمرارها مرتهن بالعمل البديع والمقنّن، وكل إنسان يسعى للخروج من الخمول إلى مرحلة الشهرة فلابد:

1 ـ أن لا يكون العمل لأجل نفس العمل وإنما لهدف أسمى.

2 ـ أن يكون هدفه مقبولاً ومعقولاً لدى المجتمع الإلهي والإنساني.

3 ـ أن تكون الأعمال المتنوّعة مكملة لبعضها البعض كالأعضاء والجوارح والجوانح للبدن الواحد.

4 ـ أن تكون جاذبية ثقافة العمل الدينية والمدنية متبلورة في تفسير الأعمال المتنوعة بالنسبة إلى بعضها البعض، حتى تكون الأعمال شارحة ومكملة لبعضها، وتحقق بالتالي الحاجات الحقيقية للمجتمع البشري كافّة لتصل به إلى أفضل وضعية ممكنة.

ومن هنا يقال: إن العمل إنما هو لهدف أسمى لا للعمل نفسه.

منـزلة العامل في الإسلام

مظاهر الخلق الإلهي

العالم وما فيه من ظواهر مظهرٌ من مظاهر فعل الله سبحانه. إنه تعالى مبدء كل عمل في هذا العالم، ولا تحقّق لأي حركة من دون إرادته، إنه يعمل أيضاً ويكسي بلباس الوجود جسد الظاهرة تلو الظاهرة، مغدقاً فيضه الدائم على كل ما سواه، وتدبيره له مستمر دونما انقطاع.

والعمّال أيضاً من مظاهر هذا الإبداع وتلك الخلاقية الإلهية، وهم طاقات مفيدة في حياة المجتمع وسعادته. إن تدوير عجلة الاقتصاد العظيمة في المجتمعات إنما هو نتيجة اليد الفاعلة والمحركة للعامل، وحياة الأمم والشعوب مرهونة هي الأخرى بالعمل والعمّال.

مبدأ الاستخدام المتقابل

إن وجود الاستعدادات المتفاوتة والهمم المختلفة والسلائق المتعددة الموجبة لظهور أنواع العمل المتنوعة إنما يقوم على أساس الحكمة الإلهية ولوازم الخلقة وضرورات ديمومة الحياة البشرية. ومن هنا يتحدّث القرآن الكريم فيقول: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخرياً)([32]).

ووفقاً لذلك أودعت يد الخلقة في وجود كلّ شخص طاقةً مخصوصةً واستعداداً معيناً لأجل تحريك هذا النظام؛ بحيث لا يمكن للشخص الواحد سدّ تمام تمام حاجاته ولوازمه بنفسه بل هو مجبور على استخدام غيره، وتوظيف الطاقات المختلفة لأجل تـأمين هذا الغرض. ومن هنا كان مبدأ الاستخدام والتسخير أمراً طبيعياً، إلا أن نمطه وكيفيته لابد أن يكونا في إطار الضوابط الشرعية والأخلاقية.

إن الإسلام ـ ولأجل رعاية حقوق العامل وحفظ كرامته وكرامة ربّ العمل أيضاً ـ لديه تعاليم حقوقية ظريفة وقوانين أخلاقية سامية سوف نتطرق إليها عقب الحديث عن قيمة العامل ومقامه.

منـزلة العامل في الإسلام

لا يمكن مقايسة المكانة المتميزة التي منحها الإسلام للعامل بأية قيمة مادية، وذلك لأن نبي الإسلام 3 ـ وهو الإنسان الكامل وسيد الأنبياء كلّهم ومعلّم الملائكة ـ كان ـ وبكلّ تواضع ـ يقبّل اليد العاملة!

جاء أنه لما رجع رسول الله 3 من تبوك استقبله سعد بن معاذ الأنصاري فقال: ما هذا الذي أرى بيدك؟ قال: من أثر المر والمسحاة، اضرب وأنفق على عيالي، فقبّل رسول الله 3 يده وقال: "هذه يد لا تمسّها النار"([33]).

هذه العبارات، وهذا السلوك الرائع هما أقصى درجات الاحترام والأدب الذي أظهره الإسلام للعامل وأعلاهما.

وجاء في الأثر أيضاً أنه "مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين % ما هذا؟ قالوا يا أمير المؤمنين نصراني، قال: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال"([34]).

العامل في عداد المجاهدين

يوفّر المجاهدون في سبيل الله ـ وبتضحياتهم ـ الأمن السياسي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي، فيما يقدّم العمّال ـ بجهودهم ـ الأمن والاستقلال الاقتصاديين، وكذلك الرفاهية المعيشية، ولعله لأجل ذلك صنّف الإسلام العامل في عداد المجاهدين في سبيل الله وقال: "الكادّ لعياله كالمجاهد في سبيل الله"([35]).

يقول الإمام الصادق %: "إذا كان الرجل معسراً فيعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله ولا يطلب حراماً فهو كالمجاهد في سبيل الله"([36]).

ويعتبر الإمام الرضا % أن "الذي يطلب من فضل الله عز وجل ما يكفّ به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عز وجل"([37]).

وفي بعض الروايات، أنيط قوام الطبقات المختلفة للمجتمع
ـ أعم من العسكرية والأمنية والسلطة القضائية و… ـ بالحرفيين وأرباب العمل، كما أوصي حاكم المسلمين بمتابعة شؤونهم
([38]).

هذه الكلمات الجميلة توضح مكانة العامل وقيمته في الإسلام، وتمنحه بالتالي روحيةً مليئةً بالنشاط والملكوتية، حتى لا يتأسّف على أي سعي يبذلـه في سبيل الإنتاج وكسب الاستقلال الاقتصادي وتأمين موارد احتياجاته وأبناء جنسه.

ومع اتضاح مدى القيمة التي يراها الإسلام للعامل، نبين الآن ـ وباختصار ـ بعضاً من حقوق هذا العامل على ربّ العمل.

حقوق العامل

الف: التوافق المسبق

لابد أن يتمّ استخدام اليد العاملة في جوّ سليم مترافق مع توافق مسبق، ومن هنا، يتنافى الاستخفاف باليد العاملة وتحقير العمل وعدم المساواة بين العمل والأجرة مع القيم الإنسانية والأخلاقية، كما أنها تترك آثاراً سلبية على المردود الكمي والكيفي للعمل نفسه. وعلى هذا الأساس ذكر فقهاء الإسلام الرضا والرغبة لدى العامل بوصفها واحداً من شرائط الصحة والمشروعية في عملية الاستخدام والتوظيف لليد العاملة([39]).

ب: تعيين الأجرة

حينما يحصل توافق بين العامل وربّ العمل من النواحي المختلفة، فعلى الطرفين الالتـزام بما قيل أو كتب. ويؤكّد الإسلام هنا على أن من يريد استخدام عاملٍ ما لابدّ له ـ من البداية ـ من تحديد ما سيدفعه له، حتى يُقدم هذا العامل على العمل عن رغبة فيه وشوق إليه.

لقد "نهى رسول الله 3 أن يستعمل أجيراً حتى يعلم ما أجرته"([40]).

ويقول سليمان الجعفري: "كنت مع الرضا % في بعض الحاجة فأردت أن أنصرف إلى منـزلي فقال لي: انصرف معي فبت عندي الليلة، فانطلقت معه فدخل داره مع المغيب، فنظر إلى غلمانه يعملون في الطين أواري الدواب وغير ذلك، وإذا معهم أسود ليس منهم، فقال ما هذا الرجل معكم؟ قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئاً، قال: قاطعتموه على أجرته، قالوا: لا، هو يرضى منا بما نعطيه… وغضب لذلك غضباً شديداً، فقلت: جعلت فداك لم تدخل على نفسك؟ فقال: إني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد حتى يقاطعوه على أجرته…."([41]).

ج: الإسراع في تأدية الأجرة

ومن القوانين الأخلاقية الإسلامية الموجّهة إلى ربّ العمل، المبادرة إلى تأدية الأجرة للعامل قبل مطالبته بها. فالإسلام يقول: أعطوا العامل حقه قبل أن يجفّ عرقه. وطبعاً فإن تأخير حقّ العامل في صورة مطالبته به أمر غير جائز، إذ هو ـ فضلاً عما فيه من النقص الأخلاقي ـ يشتمل على نقض حقوقي أيضاً.

يقول الإمام الصادق % فيما يتعلّق بالجمّال والعامل: "لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أجرته"([42]).

إن المبادرة إلى تأدية الأجرة تـزيل التعب الروحي والجسمي عن العامل، كما تمنحه الحيوية والنشاط الزائدين، وفي المقابل فإن الإبطاء في الدفع له آثار سلبية، ومن هنا ذمّ الإسلام ـ وبلهجة قاسية ـ عدم إعطاء العامل أجرته، واعتبر ذلك ذنباً غير مغتفر وموجباً للحرمان من الرحمة الإلهية واستشمام ريح الجنة([43]).

قال رسول الله 3: "من منع أجيراً فعليه لعنة الله"([44]).

وقال أيضاً: "إن الله غافر كل ذنب إلا من أحدث ديناً، أو اغتصب أجيراً أجره، أو رجل باع حراً"([45]).

وظائف العامل وواجباته

لقد بيّن الإسلام مجموعةً من القوانين للعامل هدف من خلالها إلى رفع قيمة العمل وتعلية شأن العامل أيضاً، وهو بذلك يطرق العناصر المحورية لمهنة العمل الشريفة، والتي نتناول بعضاً منها كالآتي:

1ـ امتلاك الدافع الإلهي

على العامل أن يسعى ليكون عمله مطابقاً للشريعة وطريق الأنبياء، لأن العمل نفسه عبارة عن طاعةٍ لله تعالى وعبودية، وطاعته لابد أن تكون بهدف القرب منه تعالى، وإذا كانت نتيجة عمله إنسانياً ويعمل لأجل رفع حاجات المجتمع فإن عليه أن يقرن هدفه هذا بالقرب من الله تعالى، كما قال علي %: "وأخلص لله عملك"([46]).

2ـ النشاط في الإنتاج والقناعة في الاستهلاك

ترتهن عزة أية أمة وكرامتها بالهمم العالية التي لديها، يقول علي %: "الشرف بالهمم العالية"([47])، ويقول أيضاً: "الفعل الجميل ينبىء عن علوّ الهمّة"([48])، و "قدر الرجل على قدر همّته"([49]).

إذن، على العامل أن يصرف همّته في الإنتاج بحيث لا ينجرّ به ذلك إلى الطمع في الاستهلاك.

يقول النبي 3: "من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس"([50]).

إن القناعة في الاستهلاك هي أيضاً ـ كالهمّة في الإنتاج ـ موجبة للعزة والافتخار كما يقول علي %: "بالقناعة يكون العز"([51])، فلا يجوز الاتكاء على القناعة في المصرف غصباً مكان السعي إلى الإنتاج، أو جعل السعي إلى الإنتاج جهلاً مكان القناعة؛ إذ ينتج عن هذا التبديل غير المناسب كلّ من الكسل والإسراف، ولا ينجم عن ترافقهما سوى الانهيار والتفكّك والتلاشي.

3ـ عدم التنصّل من العمل

لا ينبغي للعامل الامتناع عن مزاولة أي عمل مفيد أو اعتبار نفسه أرفع من ذلك، كما هي سمات الأنبياء والأولياء %، فالنبي إدريس % كان يخيط الثياب، ونوح % كان نجاراً، وإبراهيم الخليل وموسى الكليم % كانا راعيين، ورسول
الله
3 كان راعياً فترة من الزمن كما قضى فترة أخرى في التجارة، وأما علي % فكان يشقّ القنوات ويزرع بساتين النخيل.

يقول علي % في حديثه عن النبي 3: إنه كان "يخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه"([52])، ويقول أيضاً عن داوود %: "أوحى الله عز وجل إلى داوود أنك نِعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داوود % أربعين صباحاً، فأوحى الله عز وجل إلى الحديد أن لِنْ لعبدي داوود؛ فَأَلاَنَ الله عز وجل له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعاً فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعاً فباعها بثلاثمائة وستين ألفاً واستغنى عن بيت المال"([53]).

4ـ النهوض إلى العمل بداية النهار

ومن جملة آداب العمل ووظائف العامل السعي للعمل من الصباح الباكر، إذ يكون في هذا الوقت أكثر نشاطاً وأكثر تفرّغاً لعمله، وكنتيجة طبيعية لذلك بلوغه قُلَلَ النجاح الباهر، وفي هذا يقول رسول الله 3: " اللهم بارك لأمتي في بكورها"([54]). ويقول الإمام الصادق %: إن الله ليحب أن يبكر العبد في طلب رزقه([55]).

5ـ الوسطية والاعتدال في العمل

الإفراط والتفريط في الأمور كلّها أمران مرفوضان، فقد أوصى الإسلام بالاعتدال والوسطية على الصعد كلّها، إن الأمة الإسلامية هي الأخرى أمّة معتدلة، حيث جاء في القرآن الكريم: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس"([56])، فالمسلمون هم الأمة الوسطى بين الفئات التي تقوّي الجانب الروحي فقط وتدعو إلى الرهبانية وترك الكمالات الجسمانية، وتلك التي تأخذ جانب الجسد ولا تطلب شيئاً غير الحياة الدنيا وزخارفها، حتى يكونوا بذلك شاهداً على الناس. (من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن للآية المتقدمة معاني أخرى مطروحة أيضاً).

فعلى العامل أن يعمل هو الآخر ضمن حدّ الاعتدال أيضاً، فيبتعد عن الكسل والبطالة، وكذلك عن السعي المفرط وغير المجدي، فإن الحرص والعمل المتواصل اللذين يمنعان الإنسان عن الراحة والعبادة أمران غير مقبولان بل ومضرّان أيضاً.

ولابد هنا من الانتباه إلى أن الكسب اليومي ليس مرهوناً بالعمل والسعي الزائد، بل للإرادة الإلهية والحكم الحكيم والعادل لله تعالى دور أيضاً؛ حيث يؤمّنان ـ وبالمقدار المحدد ـ كسب الناس وأرزاقها.

يقول رسول الله 3: "أيها الناس إن الرزق مقسوم، لن يعدو امرء ما قسم له فأجملوا الطلب"([57]).

6ـ تجنّب الكسب الحرام

تقدّم أن نفس العمل طاعة وعبودية لله سبحانه، ومعه فلا يجوز أن تصبح العبادة القادرة على تقريب الإنسان لربه والموجبة لنموّ الكمالات الروحية مشوبةً بالحرام. ومن جهة أخرى وحينما يكون الرزق مقدراً فلماذا يطلبه الإنسان من الطريق الحرام؟!

يقول القرآن الكريم: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"([58]) أي لا تتصرّفوا بها. ويقول رسول الله 3: "من طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء"([59]). ويقول الإمام الصادق % (بما مضمونه): إن الله خلق الناس وجعل رزقهم من الحلال، فالذي يصرف من الطريق الحرام ينقص من رزقه الحلال بنفس ذاك المقدار الذي أخذه.

إن هذا العامل الذي يبذل جهده وينجز عمله ـ متحمّلاً المتاعب والمشقّات تحت خطر الحوادث ـ ويفتخر بأن أفضل نبي إلهي وأعلى إنسان كامل قد قبّل يده، هذا العامل ما هو الأفضل لمثله من عدم التخطي عن النطاق الشرعي ـ  الثابت عقلاً ونقلاً ـ وتحصيل القيم المادية والمعنوية كافّة لنفسه بالاستفادة من التعاليم الإلهية، والضمير المهني، والتجنبّ عن الحرام، ورعاية الأمانة؟‍

7ـ الكسب الحرام والتأثير السلبي على الذرية

بالرغم من تجرّد الروح الإنسانية الا أنه وعلى أثر الارتباط المتين مع البدن والآثار المادية، فإن تأثير الأشياء أو الأعمال المحرمة في الروح أمر غير قابل للإنكار، وذلك لأن الغذاء الحلال أو الحرام مثلاً يتحولان في المستقبل القريب إلى رؤية علمية أو ميل عملي، ويصيران سبباً للجزم أو العزم الصحيحين أو السقيمين، كما ويظهران عن هذا الطريق في الولد الحامل للموروثات البدنية والروحية التي كان يحملها الأب والأم.

ولعلّ هذا أحد جوانب الآية الكريمة: (وشاركهم في الأموال والأولاد)([60])، ولهذا يقول الإمام الصادق %: "كسب الحرام يبين في الذرية"([61]).

إن آثار مفاسد المال الحرام هي من الحجم بحيث تلوّث الجيل اللاحق، وإصلاح هذا الجيل وإن كان ممكناً إلا أنه ليس أمراً سهلاً ولا يسيراً.

8ـ تجنّب العمالة

يتمظهر العامل بالعمل ويتبلور به، فإذا كان العمل للآخر فهو يجسّد روح العامل المرتهنة لرئيس العمل، ويكون مصير هذا العامل وفق إرادة صاحب العمل هذا. هذا النمط ـ أي العمالة ـ هو العامل الأساس في الحدّ من حرية العامل وتهديد استقلاله، فلهذا لا يجوز الاشتباه والخلط بين العمل في الإسلام ـ الذي يمثل تلك الفضيلة السامية ـ وبين العمالة المذمومة، كما أنه لابد من التمييز بين العامل الشريف والمحبوب لله تعالى وبين ذاك العميل الذي يفوّض قسماً من حرّيته واستقلاله لربّ العمل.

فبالرغم من أن الإجارة من العقود المشروعة واللازمة، والأجير منتفع من هذا العمل المقدّس إلا أن الإسلام ـ الذي يحثّ دائماً على روح التسامي ويحذر من النفسية الساقطة والذليلة ـ لم يكن مروّجاً للعمالة، كما لم يعتبرها كمالاً.

يقول الإمام الصادق %: "من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق، كيف لا يحظره وما أصاب فيه فهو لربه الذي أجره"([62]). (إذ هو فقط يأخذ منه الأجرة).

فكما يجب أن يكون لدى العمّال الموقرين الهمّة العالية كذلك يجب أن تؤمّن الوسائل اللازمة لاستقلالهم الاقتصادي من طرف المسؤولين المحترمين في النظام الإسلامي، حتى تتجاوز الحركة التكاملية للعمل مرحلة العمالة ولتصل ـ من ثمّ ـ إلى مرحلة أعلى وأسمى، وهي مرحلة ملكية العامل للعمل واتحاد المباشر والآمر، وبالتالي وحدة العامل والرئيس.

إن تربية المدراء الفاعلين، ودعم الإنتاج المطلوب في المهن والحرف، هما من الشروط المهمّة التي لا يجوز الغفلة عنها.

9ـ تجلّي الكرامة الإنسانية في العمل

يقول الأئمة الإلهيون: إن من الجدير أن لا تكون عبادة الله والعبودية له نفعية أو نابعة من خوف؛ فلا يكون منشؤها الخوف من النار أو الطمع في الجنة، وإنما المطلوب أن يكون مبدؤها المحبة والمعرفة، أي أن يرجع السبب في العبادة إلى شوق لقاء الله والارتباط به.

وهذا الأساس المعرفي والركن الاعتقادي إنما وضع لصيانة كرامة الإنسان نفسه، حتى يواجه البشر وظيفتهم الأصلية ـ والتي هي العبادة أمام المحضر الإلهي ـ بشكل كريم لا خوفاً ولا ذلةً ولا طمعاً و…

10ـ العناية بالصبغة العبادية للعمل

إن رعاية عباديّة العمل باعث من بواعث تحريك العامل وشوقه لعمله، فهو حين قيامه بوظيفته مشغول بالعبادة، لأن العمل في الإسلام له جنبة عبادية وقدسية، بل هو أرفع أنواع العبادات.

يقول رسول الله 3: "العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال"([63]).

ومن هنا أوصي العامل ـ لأجل المزيد من النجاح والتوفيق ـ بالشروع بهذا العمل العبادي على وضوء وطهارة باطنية، يقول الإمام الصادق %: "من ذهب في حاجة على غير وضوء فلم تقض حاجته، فلا يلومن إلا نفسه"([64]).

لقد كان الأئمة المعصومون يبدون رغبتهم بالعمل على الدوام ويبغضون البطالة على غرار ما كانوا فيه من شوق للعبادة والمناجاة([65]).

جاء عن بعضهم أنه دخلنا على أبي عبد الله % في حائط له فقلنا: "جعلنا فداك، دعنا نعمله أو تعمله الغلمان قال: لا، دعوني فإني أشتهي أن يراني الله عز وجل أعمل بيدي وأطلب الحلال في أذى نفسي"([66]).

 

*     *     *

الهوامش

 ___________________________________________

فيلسوف معاصر واُستاذ في تفسير القرآن، من إيران.

 

([1]) الحجر: 29، نهج البلاغة، الخطبة 215.

 
([2]) لقمان: 20.
([3]) الإسراء: 70.

([4]) (هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها)، هود: 61.

([5]) النبأ: 11.
([6]) المزمل: 7.
([7]) الملك: 15.
([8]) النحل: 16.

([9]) وسائل الشيعة، ج 17، ص 10.

([10]) الكافي، ج 5، ص 74.

([11]) الكافـي، ج 5 ص 85، شرح غرر الحكم، ص 112، بحار الأنوار، ج 3، ص 175، ح 5.

([12]) بحار الأنوار، ج 100، ص 65.

([13]) الكافي، ج 5، ص 76.
([14]) م، ن، ج 2، ص 148.
([15]) الرحمان: 29.
([16]) إبراهيم: 34.

([17]) "إن الله عز وجل يحبّ المحترف الأمين"، الكافي، ج 5، ص 113.

([18]) بحار الأنوار، ج 2، ص 110.

([19]) م، ن، ج 10، ص 143.
([20]) م، ن، ج 6، ص 220.

([21]) الأعراف: 85، هود: 85، الشعراء: 183.

([22]) هود: 112.
([23]) فصلت: 30.
([24]) ـ الجن: 16.

([25]) نهج البلاغة، الحكمة 386.

([26]) شرح غرر الحكم، ج 2، ص 239.

([27]) وسائل الشيعة، ج 17، ص 73.

([28]) م، ن، ج 21، ص 390.

([29]) شرح غرر الحكم، ج 4، ص 506.

([30]) يوسف: 55.

([31]) وسائل الشيعة، ج 19، ص 34، ح 8.

([32]) الزخرف: 32.

([33]) أسد الغابة،ج 2، 420، تاريخ بغداد، ج 7، ص 343.

([34]) التهذيب، ج 6، ص 297، وسائل الشيعة، ج 15، ص 66.

([35]) الكافي، ج 5، ص 88.
([36]) م، ن.
([37]) م، ن.

([38]) نهج البلاغة، الرسائل 53.

([39]) تحرير الوسيلة، ج 1، ص 571.

([40]) وسائل الشيعة، ج 19، ص 105.

([41]) م، ن، ص 104.
([42]) م، ن، ص 106.
([43]) م، ن، ص 107.
([44]) م، ن، ص 108.
([45]) م، ن.

([46]) شرح غرر الحكم، ج 2، ص 209.

([47]) م، ن، ص 106.
([48]) م، ن، ج 1، ص 365.
([49]) م، ن، ج 4، ص 500.

([50]) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 358.

([51]) شرح غرر الحكم، ج 3، ص 324.

([52]) نهج البلاغة، الخطبة 160.

([53]) الكافي، ج 5، ص 74.

([54]) من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 425.

([55]) وسائل الشيعة، ج 7، ص 52.

([56]) البقرة: 143.

([57]) بحار الأنوار، ج 74، ص 181.

([58]) البقرة: 188.

([59]) المحجّة البيضاء، ج 3، ص 203.

([60]) الإسراء: 64.

([61]) ـ وسائل الشيعة، ج 17، ص 82.

([62]) م، ن، ص 238.

([63]) م، ن، ص21.

([64]) م، ن، ص79.

([65]) م، ن، ص58.

([66]) م، ن، ص40.


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً