قراءةٌ وتحليل
الشيخ عمّار عبد الأمير الفهداوي(*)
1ـ نسبة الرسالة إلى المفيد
لا بأس ـ بدايةً ـ من الإشارة إلى بعض الأقوال في المقام:
1ـ قال علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الجبعيّ العامليّ(1103هـ): واعلم أنّه وقع في يدي كتاب فيه عدّة رسائل للشيخ المفيد، وبعضها للسيّد المرتضى، رضي الله عنهما. ومن الجملة رسالتان: إحداهما: في الردّ على الصدوق في قوله: إنّ شهر رمضان لا ينقص. وهذه للمفيد من غير شبهةٍ؛ لأنّها مشحونة بقرائن تدل على أنّها له؛ والثانية: محتملة لأن تكون له وللسيّد، وهي تتضمَّن الردّ عليه في القول بسهوّ النبيّ×، ولكنْ من حيث زيادة التشنيع فيها يبعد كونها له؛ من حيث كونه يروي عنه، اللهمّ إلاّ أن يكون كلام الصدوق اقتضى المقام مقابلته بمثل ذلك.
وبالجملة هي لأحدهما. ومَنْ تتبَّع رسائل المفيد ومصنَّفاته رأى فيها كثرة الفصول، كما هنا، مع قرينة كونه من مشايخ السائل في الجملة.
وأنا مودع الرسالتين هذا الكتاب؛ لقلّة وجودهما. الأولى في هذا المقام، والثانية في ما بعد هذه المسألة. وقد ذكر الشيخ محمد بن شهرآشوب& في رجاله، في ترجمة المفيد وفهرست مصنَّفاته، «الردّ على ابن بابويه»([1]).
2ـ وقال آغا بزرگ الطهرانيّ، وهو يعرّف بهذه الرسالة: «جواب أهل الحجاز في نفي سهو النبيّ|، أيضاً للشيخ المفيد، أو للسيد المرتضى. ويقال له: «الرسالة السهوية» أيضاً. أورده بتمامه العلامة المجلسيّ من البحار… وذكر الاحتمالين في مؤلِّفه، ثمّ قال: إن نسبته إلى الشيخ المفيد أنسب.
أقول: لعلّ وجه كونه أنسب بنظره أنّه حكى العلاّمة المجلسيّ في المجلد المذكور عن كتاب تنزيه الأنبياء، للسيّد المرتضى، كلاماً يظهر منه تجويزه السهو في الجملة، بحيث ينافي ما منعه في الجواب. ولذا قال المجلسيّ بعد نقل كلام السيّد: إنّه يظهر منه عدم انعقاد الإجماع من الشيعة على نفي مطلق السهو عن الأنبياء.
نعم يمكن العدول بأن يكون السيّد المرتضى عدل عن كلامه في تنزيه الأنبياء إلى ما في هذا الجواب، كما يمكن أن يكون بالعكس.
وقد أدرجه أيضاً الشيخ علي في «الدرّ المنثور»، وذكر الاحتمالين في المؤلِّف، ورجَّح كونه للمفيد؛ باشتمال الكتاب على كثرة الفصول، كما هو ديدن المفيد في تصانيفه. ثمّ استبعد كونه للشيخ المفيد؛ لما فيه من التعريضات على الشيخ الصدوق بعد نقل عين عبارته الموجودة في الفقيه، بما يبعد صدور مثلها عن المفيد بالنسبة إلى واحدٍ من الأصحاب، فضلاً عن مثل أستاذه وشيخه الصدوق.
والحقّ أن الاستبعاد في محلِّه، ولا سيَّما مع عدم ذكر النجاشي لهذا الجواب في فهرسته، لا في تصانيف شيخه المفيد، ولا شيخه الشريف المرتضى، مع اطّلاعه على جميع تصانيفهما، وذكره عامّتها في ترجمتَيْهما، وخصوصاً كتب المفيد، فإنّه لم يذكر في أوّلها كلمة (منها)، فيظهر أنّه ليس لها بقيّةٌ.
وبذلك كله يؤيّد احتمال كون المؤلِّف غير المفيد والمرتضى، حيث إنّه لم يدلّ دليلٌ على الدَّوَران بينهما فقط([2]).
ولا بأس بالإشارة هنا إلى كلام المجلسي، حيث قال: ولنختم هذا الباب بإيراد رسالةٍ وصلت إلينا، تنسب إلى الشيخ السديد المفيد، أو السيّد النقيب الجليل المرتضى، قدس الله روحهما. وإلى المفيد أنسب. وهذه صورة الرسالة بعينها، كما وجدتُها([3]).
ولم يبيِّن لنا الوجه في كون هذه الرسالة إلى المفيد أنسب! سوى الوجه الذي ساقه الطهرانيّ فيما سبق.
3ـ وقال المفهرس الباحث الشيخ عبد الحسين الحائريّ: ونسبتها ـ أي الرسالة ـ إلى المفيد بعيدةٌ جدّاً عن الحقيقة؛ لأنّ المؤلف عرَّض مكرّراً بالصدوق ولأكثر من مرّة. وهذا خلاف منهج المفيد في حقّ الصدوق.
ولكنْ ذَكَر النجاشيّ، في ضمن تأليفات أبي يعلى محمد بن حسن بن حمزة، صهر الشيخ المفيد، رسالةً باسم «جواب المسائل الواردة من الحائر». ولعلّ هذه الرسالة هي نفسها الرسالة السَّهْوية، وخاصّة أنّه كتب في نهاية النسخة المذكورة: تمّ جواب أهل الحائر([4]).
4ـ احتمل الوحيد البهبهانيّ أن تكون الرسالة لـ «السيّد محمد بن محمد بن يحيى، أبو عليّ العلوي، سيجيء في الكنى بعنوان (أبو عليّ العلوي)»([5]).
ويمكن تلخيص الأقوال المتقدّمة:
ـ القول الأوّل: وهو ما ذهب إليه علي بن محمد الجبعيّ العامليّ من أنّ الرسالة للمفيد، وتبعه على ذلك المجلسيّ. ولم يبيِّن الثاني وجهه وسببه، ذاكراً لذلك مؤيِّدين:
الأوّل: يمكن اعتباره دليلاً داخليّاً، حيث قاس فيه كثرة الفصول التي اعتاد المفيد على ذكرها في مصنَّفاته على الفصول الكثيرة بالطريقة نفسها في هذه الرسالة.
وهذا لا يصلح لوحده ـ إنْ صحّ ـ على تثبيت صحّة النسبة، بل لا بُدَّ من ضمّ غيره إليه.
الثاني: ما يدخل تحت الدليل الخارجيّ، ويتمثّل ذلك في ما ذكره عن ابن شهرآشوب في نسبة رسالةٍ بعنوان «الردّ على ابن بابويه».
وهذه الأخرى كما تصلح في الانطباق على هذه الرسالة التي بين أيدينا تصلح كذلك للانطباق على غيرها، ولا معيِّن لواحدةٍ من الطرفين يقطع الشَّرِكة، فلا يصلح هذا أيضاً.
الثالث: أمّا المانع الذي دفعه إلى القول بأنّ الرسالة ليست من تأليف الشيخ المفيد، وهو قوله: ولكنْ من حيث زيادة التشنيع فيها يبعد كونها له، من حيث كونه يروي عنه، فهذا السبب قد يجد له ما يؤيِّده أخلاقياً في الواقع، ولكنّه ليس سبباً مانعاً عن تصوُّر نسبة الرسالة إلى الشيخ المفيد، وإلاّ فلو منع شيءٌ من ذلك لما صحّت عندنا بعض الكتب المعلوم انتسابُها إلى الشيخ المفيد، وخاصّة تلك الكتب التي اشتملت على بعض العبائر التي تقرب من صنف العبائر التي توفَّرت عليها الرسالة السهوية.
وتقريباً للصورة نقول: كتاب «تصحيح الاعتقاد» هو من جملة الكتب التي صحَّتْ نسبتُها إلى المفيد، ومع ذلك حمل بين ثناياه شيئاً من تلك العبائر. وإليك بعضها:
ـ قال الشيخ المفيد: الذي ذكره الشيخ أبو جعفر& في هذا الباب لا يتحصَّل، ومعانيه تختلف وتتناقض؛ والسبب في ذلك أنّه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة، ولم يكن ممَّنْ يرى النظر، فيميِّز بين الحقّ منها والباطل، ويعمل على ما يوجب الحجّة. ومَنْ عوّل في مذهبه على الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه([6]).
ـ وقال أيضاً: عوَّل أبو جعفر& في هذا الباب على أحاديث شواذّ، لها وجوه يعرفها العلماء متى صحّت وثبت إسنادها، ولم يقُلْ فيه قَوْلاً محصَّلاً. وقد كان ينبغي له لمّا لم يكن يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه([7]).
ـ وقال: كلام أبي جعفر في النفس والرّوح على مذهب الحدس، دون التحقيق. ولو اقتصر على الأخبار، ولم يتعاطَ ذكر معانيها، كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه([8]).
إلى غيرها من العبارات الأخرى التي جاءت في هذا السياق. ومع ذلك لم يلتزم باحثٌ بأنّ اشتماله على هذا النوع من النقد اللاذع والتخطئة الصريحة يسوِّغ لنا أن لا نعتقد بصحّة نسبة ذلك الكتاب إلى المفيد.
وعليه فقد لا يصحّ هذا السبب هو الآخر؛ فقد رأينا أنه قد اجتمع في آنٍ واحد كتابٌ معلوم النسب إلى المفيد ومشتملٌ على التشنيع.
ـ القول الثاني: من المحتمل أن تكون الرسالة المذكورة للسيّد الشريف المرتضى، كما ذكره كاحتمال كلٌّ من: علي بن محمد الجبعيّ العامليّ والمجلسيّ والطهرانيّ. كلّ ذلك من دون الإشارة إلى الباعث الذي دفع بهم إلى ذلك.
ولكن آغا بزرگ الطهراني ذكر وجهاً في كون الرسالة السَّهْوية هي أنسب إلى المفيد، وهو أنّ للسيد المرتضى قولاً ذكره يظهر منه أنّه يذهب فيه إلى عدم العصمة المطلقة للإمام في كتابه «تنزيه الأنبياء»، ومن ثمّ بنظر المجلسي الذي ذكر له الطهرانيّ وجهاً في أنسبيّة أن تكون الرسالة للمفيد، لا المرتضى، لا يمكن أن نصنِّف هذه الرسالة في عداد مؤلَّفات السيّد المرتضى.
ولكنْ يبقى الاحتمال مفتوحاً أيضاً في أن تكون الرسالة للمرتضى، وعدل فيها من القول بعدم العصمة المطلقة إلى العصمة المطلقة، وبالعكس أيضاً.
ـ القول الثالث: احتمال أن يكون المؤلِّف هو المتكلِّم الفقيه محمد بن الحسن بن حمزة، أبو يعلى، الجعفريّ، خليفة الشيخ أبي عبد الله بن النعمان. ذكر له أبو العبّاس النجاشيّ رسالة بعنوان «جواب المسائل الواردة من الحائر»([9]). وإذا ضممنا إلى ذلك أنّ نهاية النسخة المعتمدة في التحقيق تنتهي بالقول: تمّ جواب أهل الحائر. فيمكن الخروج بالنتيجة التالية: إنّ الرسالة السَّهْوية التي بين أيدينا يُحْتَمَل أن تكون هي عين تلك الرسالة. ولو أبقينا باب الاحتمالات مفتوحاً فمن غير البعيد أن تكون الرسالة السهوية جزءاً من تلك الأجوبة التي صدرت من أبي يعلى الجعفريّ. ولكنْ تنشأ المفارقة هنا أنّ الرسالة السَّهْوية قد صدَّرها مؤلِّفها بسؤال ذلك الأخ عن خصوص كلام الصدوق، وأجاب هو عن خصوص تلك المسألة الواحدة المتعلِّقة بسهو النبيّ|، وليس عندنا مجموعةٌ من الأسئلة، كما يظهر من اسم تلك الرسالة التي ذكرها له النجاشيّ. ثمّ إنّ المتعارف أن يجيب المسؤول عن مجموع تلك الأسئلة الواردة عن جهةٍ معينة (أهل الحائر) بمصنَّفٍ واحد أو رسالة واحدة، لا أن يوزِّع كلّ واحدةٍ من تلك المسائل ويخصّها بجوابٍ، وإنْ أمكن ذلك في الواقع، ولكنْ مع قياسها بأمثالها في ذلك الوقت فالمتعيِّن ذلك الذي ذكرناه.
هذا كلُّه لو فُرض أن أهل الحائر هم الجهة التي صدرت عنها تلك الأسئلة، بينما في بعض النسخ أن تلك الجهة أهل الحجاز، حتّى جاء العنوان هكذا «جواب أهل الحجاز في نفي سهو النبيّ». فلا يمكن أن نسحب هذا على ذاك.
وعليه فليس هناك شيءٌ يمكن الاتّكاء عليه ليعيِّن لنا ولو جزءاً من الصورة، وخاصّة أنه لا يتوفّر عندنا شيءٌ من مؤلَّفات أبي يعلى الجعفريّ، حتّى يمكن التعرُّف على أسلوب ومنهجيّة أبي يعلى في التأليف.
ـ القول الرابع: ما ذكره البهبانيّ من أنّ الرسالة لمحمد بن محمد بن يحيى، أبو علي العلويّ.
ذكره الطوسي في «الرجال» في باب مَنْ لم يَرْوِ عن واحدٍ من الأئمّة شيئاً، قائلاً: أبو علي العلوي، وأخوه أبو الحسين، اسمه محمد بن محمد بن يحيى، من بني زبارة، معروفان جليلان، من أهل نيسابور([10]).
فالذي يظهر من الترجمة أنّ أبا علي العلويّ اكتفى الطوسيّ بكنيته، ولم يعرِّف باسمه، بينما ساق اسم أخيه أبي الحسين، وهو محمد بن محمد بن يحيى. ومن ثمّ حصل خلط في كلام البهبهاني بجمعه بين كنية أبي علي من جهةٍ واسم أخيه من جهةٍ أخرى.
والذي يظهر من كلامه أن مقصوده هو خصوص (أبو علي العلويّ) لا غير.
ولم يوضِّح البهبهانيّ لنا الدليل الذي جعله يؤمن بأن الرسالة السَّهْوية هي للعلوي على التحديد، وخاصّة أنّ العلوي لم يذكر له مترجموه شيئاً من تصانيفه، فتكون عهدة هذه الدعوى على مدَّعيها.
وعلى أيّ حال لم يتبيَّن لنا وجهٌ في انتساب هذه الرسالة إلى واحدٍ من المتقدِّمين الأربعة، يمكِّننا من الجزم باختياره على أنه مؤلِّف الرسالة، وإنْ كان خروج بعض الأطراف من دائرة احتمال كونه أحد المؤلِّفين لها واضحاً، وهو أبو علي العلوي. ولكننا إذا فقدنا الأمل في الكشف عن المؤلِّف فليس هذا هو آخر المطاف في هذا المجال، وتبقى حدود البحث مفتوحة ومتاحة للباحثين، لعلَّهم يحدِّدون هويته في فرصةٍ لاحقة، وليس ذلك بعزيزٍ. ومع كل ذلك لا تفقد الرسالة محتواها العلمي ومضمونها الفكري الذي كُتبت من أجله.
2ـ أسماء الرسالة
نذكر هنا بعض الأسماء التي عُرفت بها هذه الرسالة:
1ـ عدم سهو النبيّ؛ 2ـ الرسالة السهوية؛ 3ـ جواب أهل الحجاز في نفي سهو النبيّ؛ 4ـ جواب أهل الحائر في نفي سهو النبيّ؛ 5ـ رسالة ردّ سهو النبيّ؛ 6ـ الردّ على مَنْ زعم أن النبيّ يسهو؛ 7ـ الردّ على مَنْ جوَّز السهو على النبيّ؛ 8ـ سهو النبيّ؛ 9ـ السَّهْوية؛ 10 ـ رسالة في الردّ على مَنْ يزعم أن النبيّ يسهو في الصلاة والنوم عنها.
ولاحظ معي خصوص التسميتين رقم (3) و(4)، فقد وقع فيهما خلطٌ أو تصحيف أو شيءٌ من هذا القبيل.
3ـ النسخ الخطّية للرسالة
ذكرت لهذه الرسالة نسخ خطية كثيرة:
1ـ (المشهد الرضوي ش: 18853)، قرن 12، 5 أوراق [ف: 26، 297].
2ـ (قم ـ المرعشي ش: 3، 78)، نسخ، قرن 13، 6 أوراق (59 ب ـ 65ر) [ف: 1 ـ 90].
3ـ (قم ـ المرعشي ش: 3، 12691، نسخ، ربيع الأول 1205، 7 أوراق (38 ـ 44)، [ف: 32 ـ 272].
4ـ (قم ـ مؤسّسة آية الله البروجردي ش: 3، 499)، نصر الله قزويني، نسخ، رجب 1279، 7 أوراق (54 ر ـ 61 ب) [2 ـ 318].
5ـ (قم ـ المرعشي ش: 4، 3414)، محمد باقر بن محمد حسن البيرجندي القائيني، نستعليق، 1300، ورقتان (101 رـ 103ر)، [9 ـ 189].
6ـ (طهران ـ مجلس ش: 8، 14505)، نسخ، قرن 13 و14، 4 صفحات (130 ـ 134) [مختصر ف: 876].
7ـ (طهران ـ الجامعة ش: 2، 2375 ـ ف)، آقا بزرگ الطهراني (محمد حسن بن علي) الأحد 6 ذي الحجة 1319 [الأفلام ف: 1 ـ 676].
8ـ (قم ـ المعصومية ش: 3 ـ 6278)، مهدي بن علي الرضائي القمي، نستعليق، 1320، [آستانه قم ـ 227].
9ـ (قم ـ مركز إحياء التراث ش: 2275)، محمد رضا كاشف الغطاء، نسخ، 7 رمضان 1323، 14 صفحة، [مصورة ف: 6 ـ 317].
10ـ (قم ـ المرعشي ش: 1، 8967)، عبد الله بن محمد حسن الهشترودي التبريزي، نستعليق، رجب 1336، 8 أوراق (1 ب ـ 9 ر)، [23 ـ 136].
11ـ (قم ـ مفتي الشيعة ش: 4، 2)، السيد أبو القاسم المحرر النجفي الأصفهاني، نسخ، 1339، ورقتان، (111 ر ـ 113 ب) [مفتي الشيعة ف ـ 10].
12ـ (يزد ـ الوزيري ش: 1، 1929)، جمال الدين بن محمد حسن النجفي النائيني، نسخ، 1349، [ف: 3 ـ 1097].
13ـ (قم ـ الكلبايكاني ش: 15، 1310 ـ 20، 8)، نستعليق، من دون تاريخ، ورقتان، [ف: 4 ـ 2323].
14ـ (قم ـ الطبسي ش: 4، 314)، نسخ، من دون تاريخ، 6 أوراق، [مخ ف: 1 ـ 329].
15ـ (قم ـ المرعشي ش: 3، 243)، نسخ، من دون تاريخ، 4 أوراق (57 ب ـ 62 ب)، [ف: 1 ـ 267].
16ـ (طهران ـ الجامعة ش: 11، 2091، نستعليق، من دون تاريخ، [ف: 8 ـ 716].
17ـ (طهران ـ الجامعة ش: 5، 3343 ـ ف)، من دون تاريخ، [الأفلام ف: 2، 127].
18ـ (طهران ـ الجامعة ش: 14، 10031)، محمد صالح، من دون تاريخ، [ف: 17، 529].
19ـ (قم ـ مركز إحياء التراث ش: 13، 2611)، عزيز الله بن عبد العالي الفراهاني، نسخ، من دون تاريخ، [المصور ف: 7، 205].
20ـ (مشهد ـ الرضوي ش: 21958)، نسخ، قرن 12، 9 أوراق، [: 26 ـ 297]([11]).
4ـ سبب تأليف الرسالة
يبين المؤلِّف أنّ السبب الذي استدعى منه تأليف هذه الرسالة هو سؤال مَنْ كنَّى عنه وأبهم اسمه، وأشار إليه بـ (الأخ)، دون أن يعرِّف بشخصه. ولو كان قد كشف لنا عن شيءٍ يتّضح معه بعض هويّته لكان ذلك رقماً مهمّاً في المسيرة العلمية للرسالة. ولكنّ الملاحظ من خلال المتابعة أن من عادة العلماء القدماء أنهم لا يكادون في الغالب يوضِّحون عن الشخص الذي يرغب إليهم في بيان أمرٍ ما.
وأوضح أن ذلك الأخ كان من جملة مشايخه الشيخ المحدِّث الصدوق، وذلك بمعونة قوله: «لبعض مشايخك» .
ولم يعلم على التحديد مقصوده بقوله: «مشايخك»، هل هي المشيخة الناشئة عن الأخذ والتلقّي المباشرين، أم أن مراده ما يعمّ ذلك؟ والذي يظهر من العبارة هو الأوّل.
ومن هذه الكلمة يمكن استظهار أنّ الرسالة ليست من تأليف الشيخ المفيد.
أما أن مقصوده هو الشيخ الصدوق فذلك ما يعلم من خلال النصّ الذي يسوقه السائل، والنصّ منقولٌ بتفاوتٍ يسير في اللفظ عن كتاب «مَنْ لا يحضره الفقيه».
ويحدِّد الهدف الذي تقدَّم ذلك الأخ من أجله بقوله: «أن أثبت لك ما عندي في ما حكيته عن هذا الرجل، وأبيِّن عن الحقّ في معناه، وأنا مجيبك إلى ذلك».
5ـ الأحاديث التي جاءت الرسالة ردّاً عليها
جاءت الرسالة السهوية لتبحث وتنتقد حادثتين، اشتركتا في عنصرٍ محدَّد، وهو السهو في الصلاة، وهما:
الأولى: ما رواه أبو جعفر الصدوق، عن الحسن بن محبوب، عن الرباطيّ، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد’، في ما يُضاف إلى النبيّ| من السهو في الصلاة، والنوم عنها حتّى خرج وقتها.
الثانية: أنّ النبيّ| سها في صلاته، فسلَّم في ركعتين ناسياً، فلمّا نُبِّه على غلطه في ما صنع أضاف إليها ركعتين، ثمّ سجد سجدتي السهو.
ويجدر بنا هنا عرض بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: كان من المناسب علمياً ومنطقياً بالمؤلِّف البَدْء مع الرواية التي ساقها الصدوق في «الفقيه»، وخاصّة أنها الرواية التي سأل عنها ذلك الأخ المستشكل، مضافاً إلى أنها من جملة الأحاديث التي وردت في مدوّنتنا الحديثية، فتكون على هذا أَوْلى بالردّ من غيرها.
الملاحظة الثانية: لا ينكر أن المؤلِّف كان على دراية واطّلاع بحجم الروايات التي وردت في مدوَّناتنا الحديثية، والتي لها علاقة ببحث سهوّ النبيّ|، كما يمكن أن يستظهر ذلك من خلال قوله: «الحديث الذي روَتْه الناصبة والمقلِّدة من الشيعة»، وقوله: «ومَنْ تعلّق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق».
فنرى أنّه قد اختزل البحث جدّاً، ولم يُشِرْ إلى تلك الروايات الأخرى، ولو على نحو الإجمال الواردة في طرقنا؛ حتّى تتكامل الصورة ومعالم البحث، وأنّ الصدوق وشيخه ليسا أوّل مَنْ تفوَّها علانيةً بهذا، وإنَّما سبقهما إلى ذلك القول جمع من الرواة ممَّنْ عاصر الأئمّة^.
6ـ منهج المؤلف في الرسالة وآليّاته
أـ المنهج النقليّ
كان حضور المنهج النقليّ في ثنايا البحث وطيّاته بارزاً واضحاً، وذلك من خلال اعتماد بعض المفاهيم الخاصّة التي تدور في الثقافة الإسلاميّة في العادة، سواء ما تعارف منها في أبحاث المصطلح الحديثيّ أو غيرها من مجالات المعرفة الدينية. ويمكن استحضار بعضها هنا:
1ـ خبر الواحد. فيرى المؤلِّف، كما يرى غيره من العلماء، أن خبر الواحد الذي لا تعضده القرائن، ولا تدعمه الأدلة العلمية العامّة، من جملة الأخبار التي لا تثمر علماً، ولا توجب عملاً. وبالتالي فهو يرى أنّ أخبار السهو من تطبيقات أحاديث الآحاد.
ومن فروع أخبار الآحاد: أن الأصوليين قد ذكروا أن الأمور الخطيرة لا يمكن أن يُكتَفَى فيها بالخبر الواحد. وكتطبيقٍ لذلك قال المؤلِّف: ولو كان معروفاً ـ يعني ذو اليدين ـ كمعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأمثالهم، لكان ما تفرَّد به غير معمول عليه.
2ـ الظنّ. وهذا المفهوم هو الآخر من جملة المفاهيم التي كثر استعمالها ودورانها في ميادين عديدة من العلوم الإسلامية. فوظَّفه أيضاً المؤلِّف في خدمة البحث؛ ليصل إلى النتيجة المرجوّة، والتي تناسب المقدِّمات التي ساقها لها. فيعتقد أنّ العقيدة المتلقّاة لا بُدَّ أن تبتني على خصوص نمطٍ خاصّ ومعين من أنواع الكشف العلمي، وذلك النوع يتمثّل في ما يرى في اليقين، ولا يمكن الاعتماد أصلاً على الكشف الظنّي أو الوَهْمي ممّا لا يبلغ درجة اليقين والقطع.
3ـ اضطراب الحديث. وهو من جملة الأدوات المعرفية التي عمل على إنتاجها العقل في قطاع المعرفة الخاصّ بتقنين القواعد والضوابط في مجال علم المصطلح؛ من أجل تسيهل سير تلك العملية بنحوٍ صحيح.
والاضطراب قسمان؛ فمنه ما يرجع إلى السند؛ ومنه ما يرجع إلى المتن. وكلامنا في الثاني، ويُعنى به اختلاف الرواية؛ فمرّة تُرْوَى على وجهٍ؛ وأخرى على وجهٍ آخر.
قال بهذا الصدد: واختلافهم في الصلاة ووقتها دليلٌ على وَهْن الحديث، وحجة في سقوطه، ووجوب ترك العمل به واطّراحه.
وقال أخرى: وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في هذا الحديث أدلّ دليل على بطلانه، وأوضح حجّة في وضعه واختلاقه.
4ـ الحكم بالوضع والاختلاق من خلال فقرات الحديث نفسه. فيقول في هذا الصدد: «على أنّ في الخبر نفسه ما يدلّ على اختلاقه…»، مستفيداً من جواب النبيّ|: «كلّ ذلك لم يكُنْ» عن سؤال مَنْ سأله: «أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟».
5ـ وظّف فتيا الفقهاء في ردّ الحديث الذي ساقه في الرسالة، حيث إننا أمام حقيقتين:
أولاهما: إنّ أهل العراق ومَنْ تعلّق بهذا الحديث من الشيعة يذهبون إلى أنه أعاد الصلاة؛ لأنه تكلم فيها، والكلام في الصلاة يوجب الإعادة.
ثانهيما: إنّ النبيّ في الواقع بنى على ما مضى ولم يُعِدْ، كما هو مضمون الحديث.
حيث استفاد من تضارب مفاد الحقيقتين في إسقاط خبر الواحد السهوي، بالطبع بعد بنائه على مذهب أهل العراق، وليس أهل الحجاز الذين بنَوْا على أنه يكمل الصلاة من حيث قطع.
6ـ استفاد من الإجماع أو الشهرة وما شاكل ذلك في الردّ على ما خالف ذلك، بقوله: مع أنه يتضمّن خلاف ما عليه عصابة الحقّ.
7ـ استفاد من علم التاريخ في ثنايا البحث العلميّ، فقال، وهو يتحدّث عن ذي اليدين، وأنه غير معروف: ودعواه أنه قد روى الناس عنه دعوى لا برهان عليها، وما وجدنا في أصول الفقهاء ولا الرواة حديثاً عن هذا الرجل، ولا ذاكراً له.
8ـ إن الجهالة من جملة الأسباب التي يردّ بها الخبر، قال: وكيف وقد بيَّنّا أن الرجل مجهول غير معروف.
ب ـ المنهج العقليّ
وهو الآخر كان له حضور في ثنايا البحث، وإنْ كان حضوره ـ إذا ما قيس بالمنهج المتقدِّم ـ أقلّ. ويتمثَّل هذا المنهج بـ:
1ـ الإلزام. فحين ساق في الأثناء بعض الروايات التي تدور بين التشبيه والتجوير، وبعض الروايات التي تتطاول على مقام الأنبياء، فترميهم بالتعشُّق والزنا، والتي عدَّها المؤلِّف أشهر من روايات السهو، قال: فيجب على الشيخ أن يدين الله بكلّ ما تضمَّنته هذه الروايات؛ ليخرج بذلك عن الغلوّ على ما ادّعاه. فإنْ دان بها خرج عن التوحيد والشَّرْع؛ وإنْ ردها ناقض في اعتلاله.
2ـ السهو نقصٌ وعيب. قال: وليس كذلك السهو؛ لأنه نقصٌ عن الكمال في الإنسان، وهو عيبٌ يختصّ به مَنْ اعتراه.
3ـ دليل القدوة. قال: لو جاز أن يسهو النبيّ× في صلاته، وهو قدوةٌ فيها، حتّى يسلِّم قبل تمامها، وينصرف عنها قبل كمالها، ويشهد الناس ذلك فيه، ويحيطوا به علماً من جهته، لجاز أن يسهو في الصيام…
7ـ أسلوب المؤلِّف في الرسالة
من الملفت للنظر في هذه الرسالة هو أنّ المؤلِّف استخدم بعض العبارات الجارحة بحقّ واحدٍ من أعاظم محدِّثي الشيعة في وقته، ولم يتحاشَ في سبيل ذلك، أو يحاول التخفيف من حدّة ذلك اللون من التهجُّمات الصارخة، التي لا مدخلية لها في التوصُّل إلى النتيجة التي يتوخّى المؤلِّف الكشف عنها، فهي لا تؤثِّر من قريبٍ أو بعيد في تقريب وجه الحقيقة التي رام وضعها أمام ناظر السائل. فحتّى الاحتمال الذي أبداه الجبعيّ العامليّ، بقوله: «اللهمّ إلاّ أن يكون كلام الصدوق اقتضى المقام مقابلته بمثل ذلك»، هو الآخر لا يلقى التأييد الكافي في هذا المجال. ويبقى السبيل الوحيد للتعرّف على المعرفة هو المعرفة نفسها، لا شيء غيرها. ومهما أثقلنا بحوثنا العلمية بالتعدّي على الآخرين فلا نجني من ورائها ثمرةً تذكر. فالعلم له حسابه، والتعدّي على الآخرين له حسابه هو الآخر، ولا يمتّ كلٌّ منهما إلى الآخر بصلةٍ.
وجاءت هذه العبارات على هذا النحو:
1ـ قوله: إن الذي حكيت عنه ما حكيت، ممّا قد أثبتناه، قد تكلّف ما ليس من شأنه، فأبدى بذلك عن نقصه في العلم وعجزه، ولو كان ممَّنْ وُفِّق لرشده لما تعرَّض لما لا يحسنه، ولا هو من صناعته، ولا يتهدّى إلى معرفة طريقه، لكنّ الهوى مودٍ بصاحبه.
2ـ قوله: الحديث الذي روَتْه الناصبة والمقلِّدة من الشيعة.
3ـ قوله: فيجب على الشيخ ـ الذي حكيت أيّها الأخ ـ أن يدين الله بكل ما تضمَّنته هذه الروايات؛ ليخرج بذلك عن الغلوّ على ما ادّعاه، فإنْ دان بها خرج عن التوحيد والشرع، وإنْ ردها ناقض في اعتلاله، وإنْ كان ممَّنْ لا يحسن المناقضة؛ لضعف بصيرته.
4ـ قوله: وهو لازمٌ لمَنْ حكيت عنه ما حكيت في ما أفتى به من سهو النبيّ×، واعتلّ به، ودالّ على ضعف عقله، وسوء اختياره، وفساد تخيُّله.
5ـ قوله: وينبغي أن يكون كلّ مَنْ منع السهو على النبيّ× في جميع ما عددناه من الشرع غالياً، كما زعم المتهوِّر في مقاله أن النافي عن النبيّ× السهو غالٍ، خارج عن حدّ الاقتصاد. وكفى بمَنْ صار إلى هذا خِزْياً.
6ـ قوله: ثمّ العَجَب حكمه… في ما ادّعاه… اللَّهُمّ إلاّ أن يدّعي الوحي في ذلك، ويبين به ضعف عقله لكافّة الألبّاء.
7ـ قوله: ومَنْ لم يتيقّظ لجهله في هذا الباب كان في عداد الأموات.
8 ـ قوله: وإنّ شيعياً يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبيّ× بالغلط والنقص وارتفاع العصمة عنه… لناقص العقل، ضعيف الرأي، قريبٌ إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف.
9ـ وفي هذا القَدَر كفاية في إبطال مذهب مَنْ حكم على النبيّ× بالسهو في صلاته، وبيان غلطه في ما تعلَّق من الشبهات في ضلالته.
10ـ قوله: فقد ثبت كذب مَنْ أضاف إليه السهو، ووضح بطلان دعواه في ذلك بلا ارتياب.
الهوامش
(*) باحثٌ في مجال الحديث الشريف. من العراق.
([1]) الدرّ المنثور من المأثور وغير المأثور 1: 110.
([2]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5: 175، وانظر كذلك ما ذكره الطهراني (12: 200) تحت عنوان «الرسالة السَّهْوية».
([4]) فهرست كتابخانه مجلس شورى 7: 140.
([11]) ويمكن الرجوع إلى: فهرستواره دست نوشت هاي إيران (دنا) 6: 263 ـ 264، ومعجم التراث الكلامي 4: 222.