«محمّد»، «عليّ»، «الحسن»، «الحسين»، و«فاطمة». إنّها خمسة أسماء يدّعون أنّها إلهيّة المنشأ، فهل هي كذلك؟
يركِّز بعض مَنْ يرتقون المنبر الحسينيّ، وهم ـ للأسف الشديد ـ من المبرَّزين والمشهورين والمعروفين في الأوساط الشعبيّة، ويخاطبون الجمهور المؤمن المحتشد تحت منابرهم؛ بدافع الولاء والحبّ للنبيّ– وأهل بيته(، باسم الدين والمذهب، يركِّز هؤلاء على أنّ «فاطمة» هو اسم إلهيّ المنشأ، وأنّه يتميَّز عن الأسماء الأربعة الأولى بأنّه مشتقٌّ من اسم الذات الإلهيّة «فاطر السماوات والأرض».
وللأسف الشديد أيضاً فإنّه يحضر تحت منابر هؤلاء الكثير من الطلبة والعلماء والفضلاء، في صمتٍ مريبٍ.
الأسماء الأربعة الأولى عند عرب الجاهليّة، وفي اللغة
غير أنّه بعد التتبُّع في تاريخ العرب ما قبل الإسلام وجدنا أن الأسماء الأربعة الأولى لم يكن لها أيّ ذكر على الإطلاق آنذاك، ولم تكن معروفة عند عرب الجاهليّة، ولا مَنْ قبلهم. فلم يرِدْ في أيِّ نصٍّ جاهليٍّ ـ حسب تتبُّعنا ـ ذكرٌ لـ «محمد» أو «عليّ» أو «الحسن» أو «الحسين»، الأمر الذي يمكن أن يكون مؤيِّداً وشاهداً على أنّ هذه الأسماء الأربعة إلهيّة المنشأ.
كما يمكن تصحيح دعوى أنّها مشتقّة من أسماء للذات المقدَّسة للباري تعالى، حيث إنّها تشترك مع أسمائه المطروحة هناك في الجذر الثلاثيّ للكلمة، وهو يمثِّل عادةً قاسماً مشتركاً بين الكلمات المشتقّة منه.
فالله هو «المحمود» وهذا «محمّد»، ومن الواضح ما في هاتين الكلمتين من معنىً لغويّ مشترك، وهو الـ«حَمْد».
والله هو «العليّ» أو «الأعلى»، وهذا عليّ، ومن الواضح ما في هاتين الكلمتين من معنىً لغويّ مشترك، وهو الـ«عُلُوّ».
والله هو «المحسن» وهذا الحسن، ومن الواضح ما في هاتين الكلمتين من معنىً لغويّ مشترك، وهو الـ«حُسْن».
والله هو «قديم الإحسان» وهذا الحسين، ومن الواضح ما في هاتين الكلمتين من معنىً لغويّ مشترك، وهو الـ«حُسْن» أيضاً.
اسم «فاطمة» عند عرب الجاهليّة، وفي اللغة
أمّا أنّ الله هو «فاطر السماوات والأرض» وهذه فاطمة فأيُّ معنىً لغويّ مشترك بين جذر «فَطَرَ» وجذر «فَطَمَ»؟!
كما أنّه بالمراجعة التاريخيّة تبيَّن لنا أنّ اسم فاطمة كان شائعاً في عصر الجاهليّة. فهو اسم جاهليّ. وقد استُخدم كثيراً، فهذه فاطمة بنت أسد (أمّ أمير المؤمنين)، وهذه فاطمة بنت حزام (أمّ البنين)، بل إنّ اسم الكثيرات من معشوقات الشعراء هو «فاطمة»، والمشهورة منهنّ معشوقة امرئ القيس، حيث يقول:
أفاطمُ مهـلاً بعـض هـذا التـدلُّـلِ وإنِ كنتِ قد أزمعتِ صرمي فَأَجْمِلي
وقال محمد بن سعد(230هـ) في «الطبقات الكبرى»: «ذكر الفواطم والعواتك اللاتي ولدن رسول الله0…، وأم عمرو بن عتوارة بن عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر عاتكة بنت عمرو بن سعد بن عوف بن قسي، وأمها فاطمة بنت بلال بن عمرو بن ثمالة من الأزد…، وأم ضباب بن حجير بن عبد بن معيص فاطمة بنت عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة…، وأم عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهي أقرب الفواطم إلى رسول الله0…، وأم عبد الله بن وائلة بن ظرب فاطمة بنت عامر بن ظرب بن عياذة…، وأم هلال بن فالج بن ذكوان فاطمة بنت بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة، وأم كلاب بن ربيعة مجد بنت تيم الأدرم بن غالب، وأمها فاطمة بنت معاوية بن بكر بن هوازن…، وأم عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فاطمة بنت ربيعة بن عبد العزى بن وزام بن جحوش بن معاوية بن بكر بن هوازن…، وأم قصي بن كلاب فاطمة بنت سعد بن سيل من الجدرة من الأزد، وأم عبد مناف بن قصيّ حبى بنت حليل بن حبشية الخزاعي، وأمها فاطمة بنت نصر بن عوف بن عمرو بن لحي من خزاعة…، وأمها فاطمة بنت عبد الله بن حرب بن وائلة…، والفواطم وهنّ عشر.
ذكر أمهات آباء رسول الله0: قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، قال: أم عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم…، وأم قصيّ بن كلاب فاطمة بنت سعد بن سيل…»([2]).
وفي الطبقات الكبرى، لابن سعد(230هـ) أيضاً: «..وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي الفياض الخثعمي، قال: مر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم، يقال لها فاطمة بنت مر، وكانت من أجمل الناس وأشبّه وأعفّه، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شباب قريش يتحدَّثون إليها، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله، فقالت: يا فتى من أنت؟ فأخبرها، قالت: هل لك أن تقع عليّ، وأعطيك مائة من الإبل، فنظر إليها، وقال:
وقال اليعقوبي(284هـ) في «تاريخه»: «نسبة رسول الله وأمهاته إلى إبراهيم، والعواتك والفواطم اللاتي ولدنه:…وأم عبد الله بن عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم…، وأم قصيّ، واسمه زيد بن كلاب، فاطمة بنت سعد بن سيل بن عامر الجادر.
تسمية من ولدنه من الفواطم قال: وأخبرني غير واحد من أهل العلم أنه كان يكثر يوم حنين ويقول: أنا ابن الفواطم، فأخبرني النسّابون أنه ولده من الفواطم أربع فواطم: قرشية، وقيسيتان، وأزدية، فأما القرشية، فوالدته من قبل أبيه عبد الله بن عبد المطلب، فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، والقيسيتان: أم عمرو بن عائذ بن عمران، وهي فاطمة بنت ربيعة بن عبد العزى بن رزام بن بكر بن هوازن، وأمها فاطمة بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور، والأزدية أم قصيّ بن كلاب، وهي فاطمة بنت سعد بن سيل»([4]).
وجاء في «تاريخ مدينة دمشق»، لابن عساكر(571هـ): «روي عن النبي– أنه قال يوم أحد: أنا ابن الفواطم؛ فأولاهنّ فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم…؛ والثانية فاطمة بنت عبد الله بن رزام بن جحوش…؛ والثالثة: فاطمة بنت عبد الله بن الحارث بن وائلة بن عمرو بن عائذ بن يشكر بن عبد القيس بن عدوان…؛ الرابعة: فاطمة بنت عوف بن عدي بن حارثة البارقي…؛ والخامسة: فاطمة بنت سعد بن سيل…؛ والسادسة: فاطمة بنت عامر بن نصر بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثة الخزاعي…. قال أحمد: والذي ثبت لنا خمسٌ من الفواطم»([5]).
وجاء في السيرة الحلبيّة، للحلبيّ(1044هـ): «وعن بعض الطالبين أن رسول الله0 قال في يوم أحد: أنا ابن الفواطم…. قال [الحافظ ابن عساكر]: وعن سعد أن الفواطم من جداته عشرة. أقول: وقيل: خمس، وقيل: ستّ، وقيل: ثمان. ولم أقف على من اسمه فاطمة من جدّاته من جهة أبيه إلاّ على اثنين: فاطمة أمّ عبد الله؛ وفاطمة أمّ قصي، إلا أن يكون0 لم يرد الأمّهات التي في عمود نسبه0، بل أراد الأعمّ، حتّى يشمل فاطمة أم أسد بن هاشم، وفاطمة بنت أسد، التي هي أم علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وفاطمة أمّها، وهؤلاء الفواطم غير الثلاث الفواطم اللاتي قال0 فيهنّ لعليٍّ، وقد دفع إليه ثوباً حريراً، وقال له: اقسم هذا بين الفواطم الثلاث، فإن هؤلاء فاطمة بنت رسول الله0، وفاطمة بنت حمزة، وفاطمة بنت أسد. ثم رأيت بعضهم عدّ فيهنّ أم عمرو بن عائذ، وفاطمة بنت عبد الله بن رزام، وأمها فاطمة بنت الحارث، وفاطمة بنت نصر بن عوف أم أمّ عبد مناف، والله أعلم»([6]).
لماذا سمّى رسول الله– ابنته «فاطمة»؟
نعم، قد يُقال: إنّ رسول الله–، ونظراً لما رآه في هذا الاسم من الانطباق على حال ابنته وحبيبته وسيّدتنا ومولاتنا&، حيث إنّ الله قد أذهب عنها الرجس وطهّرها تطهيراً، وكانت المعصومة باختيارها، فلا تُقدِم على معصيةٍ، ولا تترك طاعةً، فكانت ـ بحقٍّ ـ الفاطمةَ لنفسها من اتّباع الشهوات، والانغماس في الدنس والخطيئات، فترك اسم أمّه «آمنة»، واسم زوجته «خديجة»، واسم عمّته «صفيّة»، واسم مرضعته «حليمة»، وغيرها من الأسماء الشائعة في عصره، كـ «ليلى» و«سلمى»، و«عاتكة» و..، جانباً، واختار لها اسم «فاطمة»؛ ليكون ـ كما يقولون ـ اسماً على مسمّى.
وهنا أرى من واجبي الشرعيّ أن أدعو كافّة الإخوة المؤمنين والأخوات المؤمنات، العقلاء والواعين والحريصين على المذهب والدين، أن يبادروا للاعتراض على ما يُذكر في بعض مجالس العزاء من هذا القبيل، مع احترامنا وتقديرنا للكثير من خطباء المنبر الحسيني المستنيرين والواعين، وذلك برفع عقيرة أصواتهم عالياً في وجه هؤلاء الخطباء وأمثالهم، أو بأن يمتنعوا عن الحضور في تلك المجالس المليئة بالخرافة والجهل، غير مكترثين لما يخوِّفهم به البعض من أنّهم بذلك يقفون في قبال الحسين وفاطمة وأهل البيت(، وبالتالي في قبال رسول الله–، بل في قبال اللهq، فإنّ تلك هي حرفة العاجز الفاشل الجاهل الذي يريد استعباد الناس باسم الله ورسوله، واللهُ ورسولُه وأولياؤه منه براءٌ.
فكفى كفى للسماح لهؤلاء الجهلة المتنسِّكين، والمدلِّسين أنفسهم في زيّ أهل العلم، أن يعبثوا بعقولنا كيف شاؤوا، بعيداً عن مفاهيم الإسلام الحقّة وتعاليمه النيِّرة. وقد قال أمير المؤمنين%: «قصم ظهري رجلان: عالمٌ متهتِّك وجاهلٌ متنسِّك، هذا يضلّ الناس عن علمه بتهتُّكه، ويدعوهم إلى جهله بتنسُّكه»([7]).
﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).
([1]) باحث وأستاذ في الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة. حائز على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللبنانيّة، وماجستير في علوم القرآن والحديث من كليّة أصول الدين ـ قم. مدير تحرير مجلّتَيْ: «نصوص معاصرة» و«الاجتهاد والتجديد».