الشيخ جواد القائمي (البصري)(*)
تمهيد ــــــ
وقع بيدي كتابٌ صدر حديثاً حول الشعائر، لأحد المراجع الراحلين([1]) وهو الشيخ جواد التبريزي (رضوان الله تعالى عليه)، فاقتنيتُ نسخةً منه، وبدأت أتصفَّحه. وعرفت أنّ أصل الكتاب باللغة الفارسية، فاشتريتُ النسخة الفارسية أيضاً([2])، وطابقتها مع الترجمة العربية، فرأيت أن الترجمة جيّدة ولا بأس بها.
وممّا عرفته أيضاً أنّ المرجع المشار إليه لم يكتب الكتاب بقلمه، وإنّما جُمع الكتاب بعد وفاته، من محاضراته وفتاواه ومواقفه حول موضوع الشعائر. وقد صدر الكتاب من مؤسّسة تابعة لمرجعيّته، وبالتالي فهذا الكتاب يعبِّر رسميّاً عن رأي هذا المرجع، كما هو المفروض.
منهج الكتاب ــــــ
أوّل ما لاحظتُه على الكتاب هو الفوضى الطاغية على الأبحاث وترتيبها. فلم يتَّبع مؤلِّفه منهجاً علمياً في ترتيب فصول الكتاب. ولذا نجد هذه الفصول كالجزر في البحر، لا يربط بينها رابطٌ، ولا يجمعها جامعٌ، أفقيّ أو عموديّ.
فمثلاً: لم يبتدئ مؤلِّفه بتوضيح معنى الشعائر في اللغة والاصطلاح، ولا تعرَّض لتطوُّر هذا المفهوم الشرعيّ، ولا نقل ما ذكرته المراجع الإسلامية في شرحه، بل إنّه لم يقِفْ وقفةً كافية مع قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، الآية التي أسَّست لهذا المصطلح، وأُخذ عنها هذا المفهوم. وكذلك غاب البحث حول تاريخ هذه الشعائر والممارسات.
الكتابُ بكلمةٍ مختصرة هو مجموعة من الروايات والأخبار، ومجموعة من المواقف والقصص، حول هذا المرجع ودوره في دعم هكذا ممارسات.
بين يدَيْ المقالة ــــــ
ونحن هنا في هذه المقالة سنستدرك بعض ما فاته، ممّا نعتقد أنّه ضروري في مناقشة هذا الموضوع الحسّاس والمهمّ.
كما أنّنا سنقف وقفة تحليلية مع بعض القضايا التي وردت في الكتاب، من أدلّةٍ لا يمكن الاعتماد عليها، ومن تشويهٍ لمفهوم الشعائر، الذي هو مفهومٌ أصيل في المنظومة الإسلامية.
كما أن قارئ الكتاب سيلاحظ مشكلةً من أخطر المشاكل التي تواجه منظومة المعارف الشيعية المعاصرة في جميع مجالاتها، من عقائد وتفسير وفقه و… وهذه المشكلة هي عدم تمكُّن بعض المعاصرين من اللغة العربية عند معالجتهم للأخبار الروائيّة، ممّا أدّى ـ بطبيعة الحال ـ إلى فهمٍ سقيم ومشوَّه للنصوص الدينية، وأنتج ذلك فتاوى غريبة، واستنتاجات عجيبة، كما سترى عند مطالعة هذا الكتاب وأمثاله.
سوف لن نقف عند جميع ما ذُكر في الكتاب، فذلك ممّا لا تسعه هذه المقالة.
ثم إنّ كثيراً ممّا ذُكر في الكتاب لا يستحقّ الردّ والوقوف عنده طويلاً.
ولذا فإنّنا سنركِّز على المهمّ ـ أو ما نعتقد أهمّيته على الأقلّ ـ، وسنحيل الباقي إلى مقالاتٍ لاحقة إنْ شاء الله.
الشعائر بين اللغة والاصطلاح ــــــ
لا بدّ من أن نفهم معنى الشعائر في اللغة؛ فإنّ ذلك سينفعنا كثيراً في فهم معناها الشرعي ـ الاصطلاحي.
ذكر اللغويّون أنّ الشعائر جمع (شعيرة)، والشعيرة هي العلامة الدالّة على الشيء. وقد استعمل هذا اللفظ في علامات الحجّ. فالسعي مثلاً، والطواف، والذبائح، وغيرها من علامات الحجّ، أُطلق عليها اسم (شعائر الحجّ)([3])؛ لأنّها علامات دالّة على الحجّ، إذا رآها الرائي عرف أنّ موسم الحجّ قد بدأ.
ورد لفظ الشعائر القرآن الكريم في أربعة مواضع:
1ـ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾ (البقرة: 158).
2ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ﴾ (المائدة: 2).
3ـ ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾ (الحجّ: 36).
4ـ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحجّ: 32).
وجميع هذه الآيات تتحدَّث عن شعائر الحجّ فقط، حتّى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب﴾؛ فإنّها واقعةٌ في سياق الحديث عن شعائر الحجّ.
تاريخ الشعائر الحسينيّة بشكلها الحالي ــــــ
لم يتعرَّض الكتاب لتاريخ الشعائر الحسينية بصورةٍ علمية، تعتمد المناهج المعتبرة في هكذا أبحاث، بل اكتفى في البداية بالاستدلال على صحّة زيارة القبور، وأشار إلى بعض الروايات الواردة في ذلك([4]). ثم ردّ على ابن تيميّة، المعروف بتشدُّده في موضوع زيارة القبور([5]). وسرد بعد ذلك مجموعة من الروايات الغريبة، التي تشير إلى أنّ آدم أبا البشريّة مرَّ بكربلاء، ولعن يزيد قاتل الحسين، وكذلك نبيّ الله نوح، حيث مرَّت سفينته بكربلاء، والأنبياء إبراهيم وإسماعيل وموسى ويوشع. وذكر بأنّ ريح موسى مرَّت من هناك أيضاً، وعيسى والنبيّ محمد والإمام عليّ، وذكر بأنّهم كلّهم بكوا على الحسين، ولعنوا قاتليه، قبل آلاف السنين من ولادة الحسين×!
وهذه المقالة لا تتكفَّل بمناقشة هكذا مواضيع؛ إذ لا مجال هنا للاستخفاف بعقول القرّاء الكرام. كما أنّ هذه المواضيع لا بدّ أن تُناقَش في مجالاتٍ أخرى، غير ما نحن فيه.
نحن سنحاول إذاً أنْ نؤرِّخ للشعائر الحسينية بصيغتها الحالية.
وصاحب الكتاب يريد أن يثبت أنّ هذه الشعائر كانت في زمن النبيّ|، ويستدلّ على ذلك ببعض الروايات التي تشير إلى أنّ النبيّ وأهل البيت^ بكَوْا على الحسين قبل ولادته([6])، بل رأيتُ أنّه يرى بأنّها منذ زمن آدم×.
والحقيقة أنّ غاية ما تثبته الروايات والأخبار، التي أوردها صاحب الكتاب، أمران:
1ـ مشروعيّة زيارة القبور، ومنها بالطبع قبر الإمام الحسين×.
2ـ مشروعيّة البكاء على الإمام الحسين×.
ولكنّ البكاء وزيارة القبور شيءٌ، والممارسات التي يسمّيها شعائر هي شيء آخر. ولذا لا يلزم من صحّة البكاء صحّة ضرب الجسم بالزناجيل الحديديّة المدبَّبة، وإدماء الجسد، وضرب الجلد حتّى الاحمرار، وغير ذلك من الممارسات العنيفة. وهذا أمرٌ ينبغي أن يكون واضحاً.
هل جميع ما يفعله النبيّ وأهل البيت^ واجبٌ على أتباعهم؟ ــــــ
ثم إنّ هناك أبحاثاً حول حدود حجّية فعل النبيّ والأئمّة في أمثال هذه الحالات. فليس كلّ فعلٍ يمارسه النبيّ| والأئمّة^ يُستفاد منه الاستحباب أو الوجوب؛ إذ إنّ غاية ما يمكننا فهمه هو مشروعيّة الفعل؛ باعتبار أنّهم^ لا يفعلون الحرام، أمّا الاستحباب أو الوجوب فهو يحتاج إلى دليلٍ آخر، بمعنى أنّنا لو وجدنا في روايةٍ أنّ النبي كان ينام مبكِّراً، أو كان يحب الطعام الفلاني، أو ما شابه ذلك، فلا يمكن أن نستفيد منها الاستحباب، إذا لم يدلّ عليه دليلٌ آخر.
وهنا قد يُقال: إنّ أهل البيت بكَوْا على الإمام الحسين×، وتردَّدوا إلى كربلاء لزيارة قبره؛ لأنّهم كانوا أصحاب العزاء، فكيف يمكن الاستدلال بهذا على استحباب الفعل أو وجوبه؟
هذا موضوعٌ مهمّ، لم يتعرَّض له صاحبُ الكتاب، ولا غيرُه، في حدود علمي.
الروايات معارَضة بروايات أخرى ــــــ
على أنّ هذه الروايات التي ذكرها ضعيفة السند من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى فهي مُعارَضة برواياتٍ أخرى تشير إلى عكس ذلك تماماً، وتنصّ على أنّ أهل البيت منعوا ذويهم (وهم أصحاب العزاء الأصليّين) من ممارسة أفعالٍ خارجة عن المألوف، كشقّ الجَيْب والعويل ونحو ذلك. وهذه بعض الروايات الواردة في هذا السياق:
ففي الكافي قال: سمعتُ أبا جعفر× يقول: تدرون ما قوله تعالى: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ (الممتحنة: 12)؟ قلتُ: لا، قال: إنّ رسول الله| قال لفاطمة÷: إذا أنا مِتُّ فلا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تنشري عليَّ شعراً، ولا تنادي بالوَيْل، ولا تقيمي عليَّ نائحةً. قال: ثمّ قال: هذا هو المعروف، الذي قال الله عزَّ وجلَّ([7]).
وورد في نهج البلاغة أنّ الإمام عليّاً× سمع بكاء النساء على قتلى صفين، وخرج إليه حرب بن شرحبيل الشامي ،وكان من وجوه قومه، فقال له الإمام: تغلبكم نساؤكم على ما أسمع؟! ألا تنهونَهُنَّ عن هذا الرنين!([8]).
كما روى الشيخ المفيد في الإرشاد بأنّ الإمام الحسين (نفسه) أوصى أخته العقيلة زينب÷ ليلة الوداع قائلاً لها: يا أختاه، اتَّقي الله، وتعزَّيْ بعزاء الله، واعلَمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأنّ كل شيء هالكٌ إلاّ وجه الله… إنّي أقسمتُ عليكِ فأَبِرّي قسمي، لا تشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور، إذا أنا هلكتُ([9]).
ولم يقتصر الأمر على الإمام الحسين، بل إن الذي يبدو من الروايات أنّ سيرة جميع الأئمة^ كانت على هذا: فقد أوصى الإمام الصادق× عند احتضاره فقال: «لا يُلطمنَّ عليَّ خدٌّ، ولا يُشقَّنَّ عليَّ جيبٌ، فما من امرأةٍ تشقّ جيبها إلاّ صدع لها في جهنم صدعٌ، كلّما زادت زيدت»([10]).
والروايات في هذا المجال بالعشرات، بل المئات، وكلُّها تتّفق على نهي أهل البيت^ عن الممارسات غير المألوفة في العزاء، كشقّ الجيب أو العويل أو نحو ذلك. كلّ ذلك النهي كان لأصحاب العزاء الأصليّين في زمن وقوع الشهادة أو الوفاة، فما بالك بغيرهم؟ وكلّ ذلك النهي عن ممارسات العويل ونحوه، فما بالك بضرب السلاسل وجرح الرؤوس، ممّا هو مستحدَثٌ لم يألفه أحدٌ في زمنٍ من الأزمان؟!
إذاً فإثبات مشروعيّة البكاء على الحسين، أو زيارة قبره، لا يعني بالضرورة صحّة ومشروعيّة جميع الممارسات التي يمارسها البعض في أزماننا المتأخِّرة، مثل: ضرب الرؤوس بالآلات الحادّة، ولبس السواد، و…
فهذه الممارسات لا يشملها الدليل. كما أنّ توثيق بداية البكاء على الإمام الحسين لا يصحّ تاريخاً لبداية هذه الممارسات التي تُسمَّى (الشعائر).
التاريخ الحقيقي لهذه الممارسات ــــــ
لا يمكن لهذه المقالة أن تستوعب هذا البحث بكلّ تفاصيله، وإنّما سأكتفي بنقل بعض النصوص؛ لتكون حافزاً للقارئ الكريم على مواصلة البحث والتحقيق حول تاريخ هذه الممارسات، التي يسمّيها صاحب الكتاب بـ (الشعائر الحسينيّة). ويمكن الرجوع إلى المصادر التي نقلت عنها للاستزادة حول هذه المواضيع.
التطبير ــــــ
«كلّ ما يُعرف عن التطبير في النجف هو الشائع على ألسنة معمِّري البلدة، وهو أنّ الشيعة القفقاسيّين عندما يأتون إلى زيارة الأئمّة في كربلاء والنجف كانوا يستخدمون ظهور الحيوانات في سفرهم، أسلحتهم السيوف. وتستغرق مدّة السير من ثلاثة إلى أربعة أشهر، حتّى يصلوا إلى العتبات المقدّسة وكلّهم لهفة لرؤية قبور الأئمّة، ونفوسهم مفعمة بالحبّ لآل البيت. فصادف أنْ دخلتْ إحدى قوافل الزائرين القفقاسيّين إلى كربلاء يوم العاشر من المحرَّم، وكانت المدينة صورةً صادقة للحزن، لقد سوِّدت المساجد والجوامع، وواجهات المحالّ، والبكاء واللطم على أتمِّه، ومقتل الحسين يُقرأ في الشوارع أو في الصحن الحسيني الشريف.
واتَّفق أن يكون أحد القفقاسيّين جاهلاً بهذه الأمور، فشرح له أحد العارفين باللغة التركيّة معركة الطفّ. وأظهر له بشكلٍ لا يطيقه قلب محبّ الصور المؤلمة التي مرَّت على الحسين ومَنْ معه. فأثَّر ذلك في نفسه، وأفقده صوابه، فسَلَّ سيفه، وضرب رأسه ضربةً منكَرةً مات على أثرها. وتحوَّلت مواكب العزاء إلى تشييع ذلك الرجل الزائر. استحسن أحد رؤساء مواكب العزاء (وكان تركيّاً) هذه العمليّة، فنظَّم في السنة التي تلت الحادثة عزاءً مكوَّناً من مجموعة صغيرة من الأفراد، يلبسون الأكفان، ويحملون السيوف. ذهب بهم إلى المكان المعروف اليوم بالمخيم (خيمگه)، وجاء بحلاّقٍ، فحلق شعر رؤوسهم، وجرح كلّ فردٍ منهم جُرْحاً بسيطاً في رأسه، وخرجوا بهذه الهيئة متَّجهين إلى مرقد الحسين، وهم يندبون (يا حسين)، حتّى وصلوا إلى الصحن الشريف، وبعد عويلٍ وبكاءٍ تفرَّقوا…»([11]).
ويلوح هذا من كلام الشيخ مرتضى المطهري أيضاً، في بعض كتبه، حيث يقول: «إنّ التطبير والطبول جاءت دخيلةً على الإسلام والمسلمين، ومذهبنا خاصّة، من أرثوذكس القفقاس، وسرت في مجتمعاتنا كالنار في الهشيم»([12]).
وتقول الدكتورة سلوى العمد أستاذة الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا: «أمّا الشكل الشائع لعاشوراء على النحو المعروف لنا في الوقت الحاضر (أي رواية سيرة الحسين في محافل شعبيّة) فتعود جذوره ـ على الأرجح ـ إلى القرن العاشر للهجرة/السادس عشر للميلاد، عندما اعتلى الصفويّون سدّة الحكم في إيران، واتّخذوا من التشيع عقيدة رسمية لدولتهم… وكان لهم دورٌ في انتقالها إلى الهند وأذربايجان التركيّة، والأناضول، وبعض مناطق سيبيريا… ومع الوقت تطوَّرت هذه الشعائر بنوعَيْها المعروفين لنا في الوقت الحاضر، أي رواية سيرة الشهيد (ممسرحة في تجمعات شعبيّة حافلة)، تليها المواكب. وكانت حصيلة الدمج بين هذين النمطين في إيران إبّان القرن الثامن عشر ولادة ما يعرف في هذا البلد بمسرح التعزية»([13]).
وقد بحث هذه المسألة الكثير من الباحثين، كالدكتور علي الوردي في كتابه القيِّم (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق المعاصر)؛ والدكتور علي شريعتي في كتاب (التشيُّع العلوي والتشيُّع الصفوي)؛ وكذلك كامل مصطفى الشبيبي في كتابه (الفكر الشيعي والنزعات الصوفيّة)؛ وإسحاق النقّاش في كتابه (شيعة العراق)؛ وغيرهم من الأكاديميين وأصحاب القلم، فلتُراجع كتبهم، ففيها المزيد حول الموضوع.
المسألة من زاوية فقهية ــــــ
يلاحظ قارئ الكتاب من خلال تصفُّحه للأسئلة الواردة في الكتاب أنّ كثيراً منها يستفسر عن الممارسات الجديدة، ويطرح إشكاليّة عدم وجودها في زمن الأئمّة^، وبالتالي فمن أين نشأت مشروعيّتها؟
والمؤلِّف يستدلّ دائماً بالتقية، ففي ص 125 سُئل عن العزاء بشكله الحالي؛ إذ إنّه لم يكن متعارفاً في عهد أهل البيت^، فأجاب بأنّ الشيعة «كانت تعيش تحت ظروف التقيّة»، وبالتالي لم تتمكَّن من إقامتها، ولو أنّها تمكَّنت في ذلك الزمان لأقامتها([14])، وهذا هو أوّل الكلام([15]).
وفي ص 242 سألوه عن زيارة عاشوراء، وعن سبب غيابها في الكتب الحديثية الكبرى للشيعة، فأجاب بأنّ ظروف التقيّة هي التي منعت المحدِّثين من إدراجها مع بقيّة الأحاديث في كتبهم([16]). ثمّ بدأ المجيب بعد ذلك بسرد كلامٍ عاطفي أكثر منه علميّ، وذكر أنّ الشيعة تعرَّضت للاضطهاد على طول الخطّ، وأن الحكّام فعلوا بهم كذا وكذا، إلى غير ذلك ممّا لا يهمّنا كثيراً التعرُّض له هنا.
وأعاد الكرّة في ص 259، فأجاب بما مضمونه: إنّ زيارة عاشوراء إنّما حُذفت بعضُ مقاطعها بسبب الظروف الصعبة التي كان يمرّ بها محدِّثو الشيعة، وبالتالي عملوا بالتقيّة، فلم يثبتوا فقرات زيارة عاشوراء بشكلها الحالي([17]).
والواقع أنّ فتح باب التقيّة، والاستدلال بها على صحّة كلّ ما استجدّ بعد عصر الأئمّة^، هو أمرٌ خطير؛ إذ لا يمكن فتح هذا الباب في عملية الاستنباط الشرعي، حيث لا بدّ أن يدلّ الدليل على أنّ الإمام كان في حالة تقيّة، ولذا لم يمارس هذا الفعل أو لم يتَّخذ ذاك الموقف. وهذا الاستدلال موجَّه إلى بسطاء الناس، وإلى القرّاء السذّج، وإلاّ فبإمكان أيّ شخصٍ اليوم أن يُدخِل في التشيُّع أنواعاً من البدع والخرافات، ويكفيه أن يجعلها مخالفةً لأهل السنّة (أو العامّة، كما يسمّيهم المؤلِّف([18]))، ومن ثم يحقّ له أن يقول عن هذه البِدَع والخرافات: إنّها مشروعة ومستحبّة، ولم يمارسها أهل البيت؛ لأنّهم كانوا في حالة مكثَّفة من التقية. أفهل يمكن الالتزام بهذا؟
ثم إنّ من المقرَّر فقهيّاً أنّ الفرق بين البِدْعة والشعيرة هو أنّ الأولى لم يرِدْ فيها نصٌّ، بعكس الثانية؛ لأنّ الشعائر هي أمورٌ توقيفيّة بنصّ الشارع. وهذه الممارسات التي يمارسها العوامّ، ويؤيِّدها صاحب الكتاب، هي ممّا لم يرِدْ فيه نصٌّ أصلاً([19]). ولذا أفتى فقيه العصر وأستاذ المجتهدين السيد الخوئي& بأنّ التطبير ليس من الشعائر، وأنه إذا استلزم توهين المذهب فهو حرامٌ([20]).
ولا شكَّ بأنّ هذه الممارسات أوجبَتْ هتكَ المذهب الشيعي عالميّاً. ونظرةٌ عابرة على مواقع الإنترنت أو القنوات الفضائيّة تُرينا حجم المأساة، وفداحة الضرر الذي ألحقته هذه الممارسات بالمذهب الشيعي.
أضرار هذه الممارسات على التشيُّع ــــــ
1ـ ضياع كثير من الجهود والأموال هدراً([21])، بلا فائدة تذكر للدين أو المذهب أو الصالح العامّ.
وحتّى الدماء التي تسيل في هذه الممارسات اقترح بعضُ العلماء الواعين بأن يتمّ التبرُّع بها للمحتاجين إليها.
ولكنّ هذا الاقتراح جُوبه بالرفض، وقال صاحب كتاب (الشعائر الحسينيّة) عن هذا العالم بأنّه ضالٌّ ومضِلّ([22])!
2ـ سبَّبت تعطيلاً لكثيرٍ من مرافق الحياة وأعمال الناس؛ بسبب الازدحام، وكونها عطلة في بعض الدول. وساهمت ولا زالت تساهم هذه الممارسات مساهمة جادة في عرقلة الوضع بشكلٍ عام.
3 ـ أصبحت هذه الممارسات مصيدة عامّة، يقتل بها هؤلاء الناس البسطاء من قبل المتطرِّفين والمتشدِّدين. ولعلّ مجازر الهند والباكستان، وما حدث ويحدث في العراق من تفجيرات لهذه المواكب والتجمُّعات، وآلة القتل التي طالت المئات والعشرات، خير شاهد على ما نقول([23]).
4ـ إنّ كثيراً منها تسبِّب ضرراً للنفس، كالإدماء([24])، واحمرار الجلد، وغير ذلك. وقد ذهب جملةٌ من أكابر الفقهاء إلى حرمة الإضرار بالنفس([25]).
5ـ جعلت هذه الممارسات من الشيعة أضحوكةً للتندُّر والاستهزاء. فالعالم المتحضِّر اليوم ينظر إلى ممارسات عوامّ الشيعة في شهرَيْ محرَّم وصفر وغيرهما كما ينظرون إلى ممارسات الهندوس في مناسباتهم الخاصّة، من الضرب الوحشيّ المبرِّح، والمشي على النار، ونحو ذلك من الطقوس العنيفة والغريبة. فإذا عرفنا أنّ ممارسات الهندوس غير حضارية، ولا تتماشى مع هذا العصر، فكذلك نعرف أنّ هذه الممارسات التي يقوم بها بعض الشيعة هي أيضاً غير حضاريّة ومتخلِّفة.
6ـ بُثَّتْ من خلالها الكثير من الأكاذيب والأخبار المختلقة على أهل البيت، والتي صدَّقها البسطاء بمرور الزمن، ومنها، على سبيل المثال: زواج القاسم؛ وخروج النساء إلى جسد الحسين وهنَّ ناشرات الشعور؛ وأنّ هذا الإمام قتل سبعين ألفاً؛ وذاك قتل مئة ألف، وأنّ أمّ وهب قتلَتْ برأس ابنها مئتي رجلٍ؛ إلى غير ذلك من السخافات التي لا يقبلها العقل السليم.
7ـ يرى العقلاء والمحلِّلون النفسيّون أنّ هذه الممارسات تشجِّع على العنف بشكلٍ واضح، وخصوصاً لدى الأطفال والمراهقين، الذين يشاهدون مشاهد الدم والضرب حتّى احمرار الجلد…إلخ، فإنّ هذا سيجعل منهم مشاريع مستقبليّة متطرِّفة وعنيفة، وربما إرهابيّة.
8ـ وهو الأخطر من بين هذه الأضرار، وهو أنّ هذه الشعائر تساهم في إفراغ ثورة الحسين من محتواها الحقيقي، وتحوّل القضية الحسينيّة إلى ممارساتٍ وطقوس، وبالتالي تصرف الأنظار عن الأهداف السامية التي أرادها الحسين بثورته، حين سُئل عن أهداف ثورته فأجاب: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»([26]). لقد أراد الحسين× أن يعطي درساً للأمّة بأنْ لا تستسلم للأمر الواقع الذي يفرضه عليها الطغاة، بل لا بدّ أن تمتلك الشجاعة لتغيير الواقع الفاسد، وأن تطالب بحقّها المسلوب، وتسترجعه ولو بأغلى الأثمان، حتّى لو كلَّفها ذلك حياتها وحياة أعزّائها وفلذات كبدها، بل حتّى لو كلَّفها ذلك أطفالها الرُضَّع:
وتركتَ للأجيال حين يلزّها *** عَنَتُ السُّرى ويضيق فيها المهربُ
جثثَ الضحايا من بنيكَ تُريهِمُ *** أنّ الحقوقَ بمثل ذلك تُطلَبُ
مولايَ أنتَ لكلِّ جيلٍ صاعدٍ *** قَبَسٌ يُنير له السُّرى ويحببُ([27]).
لم يكن هدف الحسين× أن تتجمَّع الحشود لتبكي عليه، أو تضرب رؤوسها بالسيوف، وتصيح (حيدر حيدر)، ولكنّنا نشاهد تشويهاً غير مبرَّر لهذه الثورة الجبارة التي أحدثت هزّة في العالم الإسلامي، وأحيت الدين الإسلامي من جديد. يقول المستشرق الألماني ماربين: «قدَّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء، من خلال التضحية بأعزّ الناس لديه، ومن خلال إثبات مظلوميّته وأحقّيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ، ورفع صيتهما . ولقد أثبت هذا الجنديّ الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له، وأنّ صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر، إلاّ أنه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلاّ كريشةٍ في مهبّ الريح»([28]).
ولعلّ أجمل وأروع ما قرأتُ حول هذا الموضوع هو الصفحات التي سطَّرها قلم الباحث الكبير الأستاذ حيدر حبّ الله، في كتابه (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر)، بعنوان: (الحركة الحسينيّة والتأصيل الفقهي لشرعيّة الثورة..، قراءاتٌ ومتابعات)([29])، في ما يقارب ستين صفحة، حيث أجاد فيها، وأفاد بما لا مزيد عليه.
غياب ثقافة الحوار ــــــ
من الأمور التي يلاحظها قارئُ الكتاب أيضاً هو الطريقة البدائيّة في التعامل مع المختلفين في الرأي. فمَنْ يتساءل أو يحاول أن يُعَقْلِن مسألة الشعائر الحسينيّة يتعرَّض لأنواعٍ من الهجوم اللفظي الجارح في هذا الكتاب؛ فتارةً يُتَّهم بالجهل؛ وأخرى بقلّة الوعي، وكأنّ أهل البيت أعطَوْا وكالةً مطلقة لصاحب الكتاب فقط، وأنه هو وحده مَنْ يمتلك الحقيقة المطلقة، ولذا نراه يعبِّر عن كلّ رأيٍ يخالفه بأنّه (شبهة)، ويتهجَّم على صاحبه.
ففي معرض حديثه عن زيارة عاشوراء، وأنها ثابتةٌ بالقطع، واستدلّ على ذلك بدليلٍ لا يوجب الظنّ، حيث قال: إنّ لها آثاراً عجيبة، رآها المداومون على الزيارة، ثم قال بعد ذلك: «فلا تستمعوا إلى كلام الجاهلين والمنحرفين، الذين أبعدهم الله تعالى عن رحمته»([30])! ويصف هؤلاء العلماء والباحثين بأنّهم «محرومون من لذّة العبادة»، وهذا هو الذي دعاهم إلى التشكيك في زيارة عاشوراء([31]) .
وأما مَنْ يدرس الأدعية والزيارات، ويمحِّصها؛ ليعرف مدى صحّتها ـ وبالتالي فقد يشكِّك في بعضها إذا أوصله البحث العلميّ إلى ذلك ـ، فهو ناقص الفهم، وجاهلٌ غيرُ مطَّلع، بنظر صاحب الكتاب. اسمَعْه يقول: «وإنْ كان البعض يشكِّك في صحّة بعض الأدعية فما ذلك إلاّ لفهمهم الناقص، الناشئ من جهلهم، وعدم اطّلاعهم»([32]).
وأمّا المثقَّفون من طلبة العلوم الدينية، والذين لا يحبّون أن يقبلوا كلّ كلام يسمعونه بدون أن يتحقَّقوا منه، ومن صدوره من الأئمّة، ويبحثون ذلك مع غيرهم؛ لينشأ حراكٌ ثقافيّ له ثمراته المحمودة، فقد وُصفوا في الكتاب بأنّهم «يبثّون السموم»، لا لشيءٍ إلاّ لأنّهم قالوا: هذا لم يثبت سنده، وذاك لا نعلم صحّته([33]). وفي صفحة 273 عبَّر أيضاً عمَّنْ يخالفه في الرأي بأنّه «يسعى لتضليل العوامّ»، وأنّه من «الجهّال»([34]).
وهذه مجرَّد نماذج، أردتُ للقارئ الكريم أن يطَّلع عليها، وإلاّ فالكتاب مملوءٌ بنظائرها.
والحقيقة أنّ هذا الأسلوب بعيدٌ كلَّ البُعد عن أسلوب أهل البيت، ومنهجهم المتميِّز في الحوار، وكيف أنّهم كانوا يلجؤون إلى أرقى الأساليب وأكثرها أدباً في حوارهم مع مخالفيهم، بل مع الملحدين، كما نرى ذلك واضحاً في مناظرات الإمام الصادق×، فما بالك ونحن أبناء مدرسةٍ واحدة؟! فهل يصحّ أن نصف بعضنا بعضاً بالجهل وقلّة العلم؛ لمجرد أنّ البحث العلمي أوصله إلى التشكيك في زيارةٍ أو ممارسة معيَّنة؟! وليت شعري مَنْ الذي يجب أن يوصف بالجهل؟ هل هو مَنْ يحقِّق ويتفحَّص الأسانيد؛ ليصل إلى النتيجة، أم مَنْ يجدها في كتب الحديث، فيسلِّم بها؛ لأن الجميع يقبلها؟
خاتمة المطاف ــــــ
كانت هذه مجرّد خواطر وتحليلات؛ ربما يكون فيها الصواب؛ وربما يجاوزها. ولكنّ المهمّ هو أن تتحرَّك العقول، وتفكِّر في ما تفعل، وفي ما تقرأ. ينبغي أن لا ننظر إلى كلّ شيء بعين القداسة، فهناك الكثير من الأمور التي أخذت طابع القداسة؛ بسبب مرور الوقت، ورسوخها في الوعي الجماهيري. ولو لاحظها الباحثُ لوجد أن أصلها ممارساتٌ فرديّة ما أنزل الله بها من سلطان. وهناك الكثير من الفتاوى التي تجانب النصّ الديني، وتبقى مجرّد فهمٍ شخصيّ لهذا الفقيه أو ذاك. وهناك الكثير ممَّنْ يكتبون أو يصعدون المنابر وليس لهم من العلم إلاّ مجموعة من الأخبار الموضوعة، وليس لهم نصيبٌ إلاّ الجهل والمساهمة في تخلُّف الأمّة وتأخُّرها.
ويطيب لي أن أختم مقالتي بكلمة للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، ففيها خلاصة ما أردناه في مقالتنا. يقول&: «إنّي أحمِّل المسؤولية التامّة لكل خطباء المنابر الحسينيّة في عاشوراء إزاء مشكلة التوجيهات المسيئة والسيّئة للإسلام، وتوجيه الناس لارتكاب ممارسات وعادات دخيلة علينا، من ضرب بالسيوف والسلاسل، وتطبير؛ لحرمة ذلكم الأشياء؛ نتيجةً للضرر الناتج عنها… وأمّا قصة الشعائر الحسينية فليس لك أن تصنع أنتَ شعيرةً، وأصنع أنا واحدةً؛ حيث لا بُدّ أن يأتي بها نصٌّ من النبيّ أو الإمام، حتّى يصحّ القول بأنّها من الشعائر الواجب اتّباعها…»([35]).
ونسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى ما فيه الخير والصلاح.
الهوامش
(*) باحثٌ في الحوزة العلمية، ومن المهتمّين بالبحث التاريخي واللغة العربية.
([1]) الشيخ جواد التبريزي، الشعائر الحسينية، دار الصديقة الشهيدة، الطبعة الأولى، 2010م.
([2]) حيث إنّني أجيد اللغة الفارسية، وقد درستُها كلغةٍ ثانية في الجامعة.
([3]) الخليل الفراهيدي، العين 1: 251، (ش.ع.ر).
([11]) راجع: الأستاذ طالب علي الشرقي، الشعائر الحسينية بين الوعي والخرافة: 84 ـ 85.
([12]) الجذب والدفع في شخصية الإمام عليّ: 165.
([13]) د. سلوى العمد، الإمام الشهيد في التاريخ والأيديولوجيا.. شهيد الشيعة مقابل بطل السنّة: 156.
([14]) جواد التبريزي، الشعائر الحسينية: 125.
([15]) ص 125، 242، 259، وغيرها من الموارد التي لا تخفى على المتتبِّع.
([19]) وقد افتخر صاحب الكتاب بأنّ الشيخ التبريزي هو أوّل مَنْ أسَّس مراسم الأيّام الفاطميّة، وحوَّلها إلى عاشوراء ثانية؛ ليكون ذلك مفخرةً تُضاف إلى سجل أعماله الخالدة! (الشعائر الحسينية: 374).
([20]) المسائل الشرعية 2: 337.
([21]) وقد جاء في الكتاب أنّ بعض أصحاب المجالس سأل الشيخ التبريزي عن طبخ الطعام الزائد عن الحدّ في المجالس الحسينية؟ فأجابه الشيخ: لا مانع من الطبخ الزائد في مجالس العزاء…؛ إذ لا إسراف في مجالس أهل البيت^…، فاطبخوا الطعام لعزاء سيِّد الشهداء×، حتّى لو كان أكثر من الحدّ اللازم. (الشعائر الحسينية: 335 ـ 336).
([22]) راجع فتاوى صاحب الكتاب، ومَنْ هم في خطّه، حول المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله في كتاب (الحوزة العلميّة تدين الانحراف)، الذي طبعته جهاتٌ غير معروفة!
([23]) ومن عجيب ما ورد في الكتاب أنّ مجموعة من المؤمنين طلبوا من المرجع التبريزي أن يفتي بعدم جواز السفر إلى العراق في تلك الفترة؛ حفاظاً على سلامتهم؛ نظراً لخطورة الأوضاع، واستهداف الزوّار في تلك الفترة، لكنّه امتنع عن ذلك، وقال: كيف أمنعهم من هذا الفيض العظيم! حتّى لو سبب ذلك تعريض أنفسهم للموت، فإنّ مَنْ مات وهو في طريقه إلى زيارة الإمام الحسين× مات شهيداً. (الشعائر الحسينية: 316 ـ 317).
([24]) أي إخراج الدم، والدم نجسٌ حسب ما يرى الفقهاء. وبالتالي فالقوم يتقرَّبون إلى الله بتنجيس أجسامهم! وشرُّ البلية ما يُضحك.
وقد ورد في الكتاب أنّ شاباً من أهالي مدينة كاشان جاء إلى مكتب الشيخ التبريزي ـ وقد بدت الجروح على طرفي وجهه، وقد تجمَّد الدم على تلك الجروح ـ، مستفسراً عن صحّة عمله، فلما رآه الشيخ وضع يده على جرحه، وقال: ولدي، هذا هو الجزع بعينه، حفظكم الله أيّها الشباب، وجعلكم من أنصار الحجّة#. (الشعائر الحسينية: 356).
فنلاحظ أنّ الهاجس الذي يسكن المؤلِّف هو تقديس ما يسمّيه الشعائر الحسينية، واحترامها، حتى لو كان ذلك على حساب النصوص!
([25]) كما ذهب إلى ذلك الشيخ الأنصاري، والسيد فضل الله، وغيرهم.
([26]) الخوارزمي، مقتل الحسين 1: 188.
([27]) من قصيدة (الحسين أبو الشهداء)، للشاعر العراقي الكبير مصطفى جمال الدين.
([28]) راجع: كتابه القيم (السياسة الإسلامية)، الذي أفاض فيه الحديث عن ثورة الإمام الحسين، وعن تحليله لهذه الثورة، ودورها الرئيسي في بعث الإسلام من جديد.
([29]) حيدر حب الله، دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 3: 303 ـ 363.