رصدٌ وتصنيف
الشيخ مهدي مهريزي(*)
لمحة ــــــ
في ما يقارب من قرن تحولت قضية التقريب بين المذاهب إلى أحد محاور النقاش بين الإصلاحيين والمفكِّرين، وحتى المتعصّبين أيضاً من كلا الفريقين: الموافق؛ والمخالف. والكثير من المفكِّرين والمصلحين المسلمين يعلنون شعار التقريب من باب التعاطف والحكمة. وبطبيعة الحال هناك مجموعةٌ أيضاً يعلنون نفس الشعار من باب المصالح السياسية. ومن ناحية أخرى فإن مخالفة المخالفين لتقريب المذاهب ناتجة أيضاً عن اعتقاد وهيجان دينيّ، على الرغم من أن مجموعة صغيرة أيضاً؛ من أجل المصالح السياسية، تضرب على طبول التفرقة.
ويمكن تصنيف هذه الأفكار والآثار المنظِّرة للتقريب إلى عدّة تيارات أكثر عمومية.
وهذا العمل بإمكانه أن يساعدنا في معرفة الاتجاهات التي تجعل التقريب خالداً وثابتاً.
وهذه المقالة، بعد التقرير الموجز لما تمت كتابته حول التقريب وتصنيفها، تتناول التيار الفكري للتقريب. ولهذا الغرض فقد تمّ الحديث أولاً عن ملاك أحد التيارات التقريبية، وعندئذٍ عرفت خمسة تيارات على الترتيب التالي: 1ـ مخالفو التقريب، 2ـ الوحدة السياسية والاجتماعية، 3ـ التأكيد على القواسم المشتركة والتغاضي عن الآخرين في النقاط الخلافية، 4ـ التفسير الخاصّ لمسألة الإمامة، 5ـ التأكيد على القواسم المشتركة، وتنقيح نقاط الاختلاف. وقد تمّ تعريف أهمّ المقالات التي كتبت ومؤلِّفيها من الشيعة والسنّة في كلّ تيار.
مقدّمة ــــــ
كانت مسألة تقريب المذاهب لما يقارب القرن من الزمان محوراً للنقاش بين المصلحين، والمفكّرين، وكذلك المتعصّبين من المذاهب المختلفة، بحيث وصلت إلى حدّ من النمو والكمال الذي تستحق أن ينظر إليها وتحلَّل من الخارج. والمناهج، وما كتب، والتقارير التي أخذت بهذه الصورة، سيتمّ بحثها؛ كي يتّضح الموضوع ومحل النزاع، ويصبح أكثر شفافية. إن التقريب بين المذاهب تتابعه أطياف واسعة من المفكرين والمصلحين، من باب التعاطف والحكمة، وكذلك قد اتبعت مجموعةٌ صغيرة المصالح السياسية. ويتبع المخالفون للتقريب كذلك الاعتقاد ونزعتهم الدينية، رغم وجود عدّة صغيرة يضربون على طبل المصالح السياسية، ويذكون شعلة النزاع، ويبقونها مشتعلة. يبذل الجهد في هذه المقالة كي تثار الاتجاهات المختلفة التي لدى الطيفين: المخالف للتقريب؛ والموافق له.
قبل تناول موضوع التيار الفكري، وتقارير الاتجاهات، نلفت النظر إلى عدة نقاط مهمة:
أـ لقد طبع إلى اليوم الكثيرة من المصادر في باب التقريب. وبإلقاء نظرة على هذه المصادر بالإمكان اعتبارها مقدّمة للتيار الفكري.
ويقسّم ما ألَّفه الدكتور أحمد الزقاقي حول الوحدة ـ إلى اليوم ـ إلى ستّ فئات:
1ـ بذل الكتّاب جهداً في بحوثهم للحدّ من صعوبة تحقّق الوحدة، وكسر الموانع الداخلية بين علماء الفريقين. ويُعدّ نموذجاً لهذه المؤلّفات المقالات التي نشرت في مجلة رسالة الإسلام في القاهرة من قبل جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية (دار التقريب).
2ـ تمّ جمع المقالات المنتشرة في مجلة رسالة الإسلام، والتي يمكن رؤية نموذج لها في كتاب قصة التقريب، تجميع: محمد المدني، رئيس تحرير رسالة الإسلام. وأيضا في الوحدة الإسلامية أو التقريب بين المذاهب السبعة، تأليف: عبد الكريم بي آزار شيرازي.
3ـ دراسات تحليلية ونقدية في أحد الموضوعات المعينة، كالفقه، والكلام، والتاريخ، والأصول، و…، والتي يمكن الرجوع إليها كمثال في مجلة رسالة التقريب المتعلقة بالمجمع العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية، أو المقالات التي قدّمت في مؤتمرات الوحدة الإسلامية السنوية، وندوات مجمع التقريب، ومؤسسة الدعوة الإسلامية (و جميعها في إيران)، مثل: مقالة «عمليات الخطأ والانحراف والتصحيح والالتقاء في الفكر السياسي الإسلامي»، للدكتور كليم صديقي؛ والمقالة «خطوات من أجل التقريب الحقيقي»، للكاتب صائب عبد الحميد.
4ـ البحوث العلمية التطبيقية التي سعى كتّابها من أجل تعزيز مذهبهم بنظرة تقريبية. وبعبارة أخرى: ظاهره التقريب، وباطنه الدعوة إلى مذهب الكاتب، والدفاع عنه، وذلك من قبيل: معالم المدرستين، للعلامة العسكري؛ الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية، لأحمد حسين يعقوب؛ والصياغة المنطقية للفكر السياسي الإسلامي، للدكتور حسن عباس حسن؛ والمراجعات، للعلامة عبد الحسين شرف الدين.
5ـ البحوث الفلسفية ـ الكلامية التي تناول كتّابها بحوث بعض الأسس الكلامية، والفلسفية، أو سياسة أحد المذهبين. وعلى سبيل المثال: المجلد الثاني لكتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، للدكتور علي سامي نشار؛ نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، للدكتور محمود صبحي؛ والصلة بين التصوّف والتشيع، للدكتور مصطفى شبيبي.
6ـ كتابات ترويجية وتبليغية قد صدرت عن كتّاب تحوّلوا من مذهب إلى مذهب آخر، كمقالة إدريس الحسيني المغربي، بعنوان الاختيار الصعب في المذهب والمعتقد، والتي يوضِّح فيها مجالات وأسباب اختياره للتشيُّع([1]).
ويبدو أنّ هذا التصنيف ليس جامعاً للكتب المنتشرة، في حين أنه لا يتبع منطقاً واضحاً. وإذا أردنا أن لا ندقّق في المشكلة الفنية للتقسيم المنطقي فعلى الأقل يجب أن نضيف مجموعتين لهذه الأصناف الستّة:
1ـ الكتب التي تتناول سيرة التقريب، أو شرح حال قادة التقريب، مثل: قصة التقريب، للأستاذ السيد هادي خسروشاهي؛ وسلسلة الكتب التي تمّ طبعها من قبل الجمعية العالمية لتقريب المذاهب الإسلامية في إيران، بعنوان: روّاد التقريب، طلائع التقريب والمنادين بالوحدة، وتمّ إلى اليوم طباعة ما يقارب من عشرين عنواناً من هذه السلسلة.
2ـ كتب في نقد التقريب، أو قد قدّمت بعض طرق الحلّ من أجل التقريب، والتي كتبت بنظرة خاصة، مثل: كتاب الدكتور الزقاقي نفسه. وسوف نشير إلى أمثلة من هذه المؤلَّفات في بقية المقالة.
ب ـ ذكر الشيخ محمد واعظ زاده خراساني صوراً خماسية للتقريب. ويقول: إنها لا تلقى قبولاً لدى أنصار التقريب، وهذه الحالات عبارة عن:
1ـ إلغاء كل المذاهب الإسلامية، واتّباع السلف الصالح.
2ـ قبول أصول المذاهب المشتركة، واستبعاد المسائل الخلافية.
3ـ إدغام المذاهب في بعضها.
4ـ تأسيس مذهب جديد.
5ـ اختيار أحد المذاهب الموجودة([2]).
النقطة التي يجب أن يشار إليها في هذا المجال هي أن هذه الحالات التي قد ذكرت بهذه الكيفية إنّما هي صور ذهنية ليس لها أنصار في الخارج، أي إن الذي تحدث عن التقريب لم تكن أحاديثه على مبنى هذه الصور. وبالتالي إذا كان هناك مَنْ ادّعى بعض هذه الحالات، وتطرّق إليها في مؤلّفاته، فهذا لا يعني أن هناك نهجاً ونظرة تقريبية بين الشيعة وأهل السنة. ونشير هنا إلى حالتين لتوضيح الموضوع:
من أجل مواكبة الفقه للتطوّرات الحياتية اقترح الشيخ محمد عبده أن يتمّ تداول المذاهب المختلفة.
وأوضح حميد عنايت وجهة نظره على النحو التالي: إنّ الأصل الثاني هو «التلفيق»، وإن الذي يقصده عبده هو دمج وتوافق أحكام المذاهب الأربعة السنّية في حلّ القضايا الاجتماعية. وقد وافق فقهاء المذاهب السنية قبل عبده أيضاً على أن القاضي بإمكانه في تفسير القواعد الفقهية أن يتبع في حالات معينة أيّ واحد من المذاهب الأربعة، وإن كان ذلك المذهب غير مذهبه. وقد عمّم عبده هذا الأصل وقال: بمقتضى الأوضاع والأحوال بإمكان أيٍّ من المذاهب الأربعة الاقتباس من بعضها([3]).
وكذلك قَبِل أحمد محمد شاكر، في كتابه نظام الطلاق في الإسلام، بعض الآراء الشيعية، وذلك من قبيل: بطلان الطلقات الثلاث في مجلسٍ واحد، ووجوب الإشهاد في الطلاق([4]). وعلى الرغم من أن هذان الشخصان قد تكلّما عن الإسلام بطريقة خالية من المذاهب، وقد أثارا هذا الأمر خلال آراءهما الفكرية، لكنهما لم يبذلا أيّ مجهود علمي على أساس عملي تقريبي، ومن أجل تحقيق التقريب بين الشيعة والسنّة.
ج ـ في تعريف أيّ تيار ينبغي تعريف أهمّ المؤلفات المكتوبة، وأيضاً ملخص الآراء والتاريخ الذي قد تشكّل.
الآن وبعد أن تمّ توضيح هذه المقدّمات، التي تناولت التقريب بتقرير إجمالي، ندرس التيارات والتوافقات من خلال خمسة عناوين، كالتالي:
الأول: المخالفين للتقريب ــــــ
المقصود من المخالفين للتقريب الشيعة والسنة الذين يعتبرون التقريب منحرفاً عملياً، وصعباً. ونتناول هنا أربعة أشخاص ممَّنْ لهم تأليف مكتوب في هذا المجال:
1ـ ناصر القفاري ــــــ
الدكتور ناصر بن عبد الله بن عليّ القفاري هو أحد مخالفي التقريب. ويمكن القول: إنّ كتاباته من أقدم الكتابات، وأكثرها تفصيلاً.
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، لناصر بن عبد الله بن عليّ القفاري، الرياض، دار طيبة، 1412هـ، مجلّدان، 396 و435 صفحة.
هذا الكتاب ـ كما قد جاء في مقدمته ـ كان أطروحته في الليسانس، والتي ناقشها سنة 1398هـ، ومن ثم قدمت للطبع. وقد نشر الكتاب في مجلدين، ونظم على قسمين. القسم الأول يحتوي على آراء وعقائد أهل السنة والشيعة. وقد كان المجلد الأول يختص بهذا الموضوع، ومن الطبيعي كان أساس ما كتب في هذا المجلد بيان عقائد الشيعة. والقسم الثاني، والذي يتكوّن من المجلد الثاني، يثير قضية التقريب، ويتناول من خلال البحث الدعاة له من الشيعة والسنة. وينظر الكاتب إلى الموضوع بتعصّب شديد، يصاحبه نقل بعيد عن الصواب، وفهم منحرف، وأحكام غير صحيحة.
ويعتبر التقريب في شكله الحالي «بدعة كبرى»: «فكانت دعوة التقريب هي (البدعة الكبرى) التي أرادت أن تعطي الكفر والضلال والإلحاد صفة الشرعية واسم الإسلام»([5]) . ويمكن أن نضع أيدينا على دليلين من خلال ما قد كتب مفصلاً، هما:
1ـ إن الشيعة لا تعد من فرق الحقّ، حتى يمكن التقريب معها. وبتعبير آخر: إن التقريب يكون في الوقت الذي تكون الفرق قد شكلت على الحقّ فيما بين المسلمين، ولكنّ الشيعة من حيث عقائدهم الخاصّة والمميزة هم على باطل، لا على الحق، ولهذا لا يمكن التقريب معهم. لذا فهو يوصي في صفحات من كتابه بالتعامل المسهب مع أهل الكتاب، ولكنّه لا يوصي بشيءٍ من هذا بالنسبة إلى الشيعة.
بعد أن يذكر آيات من القرآن الكريم في باب الوحدة كتب يقول: لكن هذا المنهج خاص بالمسلمين الذين يهتدون بهدي الله، أما مَنْ يتسمّى بالإسلام وهو ضدّ الإسلام فإنّه يجب كشفه؛ لتعرف الأمة عداوته، ولا يجدي معه سلوك هذا السبيل([6]).
فمع مَنْ نتَّحد ـ معشر أهل السنة ـ؟ مع مَنْ يطعن في قرآننا، ويفسِّره على غير تأويله، ويحرف الكلم عن مواضعه، ويزعم تنزيل كتب إلهية على الأئمّة… ويكفّر الصدّيق والفاروق وأمّ المؤمنين وأحبّ نسائه إليه عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير وغيرهم من أجلّة الصحابة رضوان الله عليهم، ويرى الشرك توحيداً، والإمامة نبوّة، والأئمة رسلاً أو آلهة، ويخادع المسلمين باسم التقيّة([7]).
2ـ إن توجيه التقريب من الماضي. والشيعة كل همّهم النفوذ بين أهل السنة متدرعين بالتقية، متخذين التقية ذريعة لترويج أفكارهم وآرائهم وكتبهم. وقد لاقى أهل السنة خسارات من جراء هذا التقريب، وقد سببت دعوة التقريب خسارة كبرى لأهل السنة، وضرراً كبيراً لا يتصوّره إلا مَنْ وقف على عدد القبائل التي ترفَّضت بجملتها، فضلاً عن الأفراد، حتى تحوّلت العراق ـ مثلاً ـ؛ بسبب هذه الدعوة من أكثرية سنية إلى أكثرية شيعية. وشيوخ الروافض يخطّطون لنشر الرفض بكل وسيلة تحت شعار التقريب. وبعد العراق بدأوا بمصر وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، واشتروا الأقلام، وغيَّروا ضعاف النفوس والأيمان، وخدعوا أصحاب الغفلة والجهل، وجعلوا منهم أبواق دعاية للرفض والروافض. وبسبب دعوة التقريب سكت أهل السنة أو جلّهم عن بيان باطل الروافض، وإيضاح الحق. وباسم هذه الدعوة وجدت كتب الرافضة ونشراتهم ورسائلهم مكاناً لها في بلاد السنة، وأصبح رجال الرفض يتحركون وسط بلاد السنة بيسرٍ وسهولة، وينشرون كتبهم، ويقيمون ندواتهم، ويفتحون مراكز لهم([8]).
2ـ عبد المنعم النمر ــــــ
له كتابٌ طبع في سنة 1988 في القاهرة، بوساطة مكتبة التراث الإسلامي، يحمل عنوان: المؤامرة على الكعبة، من القرامطة إلى الخميني. ويعتبر الكاتب أن التقريب محاولة من علماء الشيعة لتحويل أهل السنّة إلى شيعة. ويقول فيه: هذا التقريب الذي أعلنه علماء الشيعة عندنا (محمد تقي القمّي)، وظلوا يردّدونه عشرات السنين، لم يتقدّم خطوةً، ولم ترَ منه إلاّ محاولات لتشييع علماء السنّة، وجرّهم إلى مذهبه، وكسبه تنازلات منهم، باسم التقريب([9]).
3ـ مير سيد أحمد روضاتي ــــــ
هو واحدٌ آخر من مخالفي التقريب، وله كتاب شرحه كالتالي: مناقشة أحد علماء الشيعة مع أحد علماء السنة، ترجمة: مير سيد أحمد روضاتي، طهران، المترجم، 1387هـ / 1346هـ.ش، 194 صفحة، فارسي، وزيري.
هذا الكتاب عبارة عن ترجمة رسالة مناظرة مع بعض العامة، تأليف: حسين بن عبد الصمد العاملي(984هـ)، وكان حجمها صغيراً جداً، ونقاش دار بين الكاتب وعالم سني من أهل حلب في سنة 951هـ. ترجم المترجم هذه الرسالة في 139 إلى 185 صفحة، ولكنْ ثلثا كل صفحة كانت تحوي تعليقات وتوضيحات المترجم. من بداية الكتاب إلى الصفحة 138 يحتوي مقدّمتين للمترجم في الطبعة الأولى والثانية. وقد تناول من خلال المقدمة عدة مرات مسألة التقريب، وقام بنقدها. وقال في مكانٍ منها: إن فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية انبثقت من أفكار علماء السنة؛ وذلك فقط للوقوف أمام الدعوات للمذهب الشيعي. وأول مَنْ خطى هذه الخطوة الشافعي الإمام السني([10]) .
ويقول في مكان آخر: أما علماء المذهب السني فمنذ القدم قد عملوا على تقليل الخلافات، وعلى الخصوص بذلوا الجهد من أجل منع انتشار مذهب الشيعة وترويجه، وذلك بفكرة التقريب بين المذاهب. وقد هيّأوا ذلك من زوايا وطرق مختلفة([11]).
4ـ يعسوب الدين رستكار جويباري ــــــ
له كتاب بعنوان: حقيقة الوحدة في الدين وحكمة عيد الزهراء÷، 1424هـ، قم، المؤلف، 192 صفحة، جيب (نشر بدون إذن)، حيث قام به بمعارضة التقريب والوحدة.
وقد نظم الكاتب هذا الكتاب في فصلين؛ ففي الفصل الأول بحث مسألة الوحدة، وجاء بالمطلوب في 27 فقرة، مثل: الكشكول؛ وفي الفصل الثاني استعرض موضوع حكمة عيد الزهراء ضمن 26 فقرة أخرى، بنفس الأسلوب.
هذا الكتاب لا يفتقر إلى المنهجية فحَسْب، وغير علمي أيضاً، بل إنّه ليستحق الإبعاد من النشر والانتشار؛ وذلك بسبب اللحن وأدب الكتابة والتحقير والتكفير والتفسيق الفاحش. ويمكن أن تستشفّ عقيدة الكاتب في باب الوحدة من العبارة التالية: إن شعار أسبوع الوحدة بين الشيعة والسنة السخيف، وتقريب الأديان والمذاهب و…، الذي ينادى به في مملكة صاحب الزمان×، وعامّة الناس غافلين عن حقيقة هذا الأمر، إنما هذه خطّة شيطانية؛ من أجل الخلط بين الحق والباطل، وتضعيف الحق، وتقوية الباطل، مما يؤدي في النهاية إلى تدمير الحق.
الثاني: الوحدة السياسية ـ الاجتماعية ــــــ
لعل أوّل موقف من الوحدة والتقريب هو التأكيد على التعايش السلمي والوحدة السياسية والاجتماعية في قبال العدوّ المشترك. هذا الموقف من التقريب له وجهتان:
الأولى: ضمن الطقوس الدينية، حيث يمتنع المسلمون عن النزاع والقتال مع بعضهم، ويدعون إلى التعايش السلمي، ويتّخذون ذكرى النزاعات التاريخية والحرب والقتل وهتك الحرمات و… عبرة من أجل هذا الغرض والهدف.
الثانية: خارج الطقوس الدينية، أي إن المسلمين عبارة عن أسرة كبيرة دائماً، وعلى طول التاريخ هم عرضة للخطر والهجوم من قبل العدوّ الخارجي، وذلك من الحروب الصليبية إلى الحملات الصهيونية. ولهذا يجب أن تُنسى الخلافات الداخلية مقابل العدوّ المشترك([12]).
في السنة الأولى من سلطنة الشاه نادر أفشار جمع علماء جميع الفرق الإسلامية، وأقنعهم أن وحدتهم الإسلامية تضمن بقاء الإسلام، ويأس الكفار، ودوام سلطنة إيران، وأخذ منهم تعهداً خطياً أن يمتنعوا عن العصبيات الطائفية والسبّ واللعن والتكفير، وأن لا يفتي كل واحد منهم ضد الآخر، وأن لا يسيئوا التصرف([13]).
وجواب شيخ الشريعة الأصفهاني(1329هـ) لأحد قادة المذهب الجعفري في بخارى في سنة 1328 يشير أيضاً إلى وجهة النظر هذه: إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي يجب على المسلمين أن يوقفوا فيه النزاع الداخلي، وأن يواجهوا ذلك بالتعاون والتعاضد لبعضهم البعض، ضد الذين يعملون على محو الإسلام والإيمان، وهدم البناء الأساس للقرآن الكريم، ويبدلون صوت الأذان بصوت الناقوس، ومحو اسم نبي آخر الزمان عليه وآله أفضل صلوت الملك المنّان…، وأكثر من هذا أن لا تعززوا القوات الأجنبية وذلك بإهانة وتقويض قواكم، وإشاعة الأخبار الموحشة لتؤكد صدق القول: وقع بأسهم بينهم، فإلى متى يبقى المسلمون في نوم وغرور، والأجانب واعين ويقظين؟!([14]).
الثالث: التأكيد على المشتركات ومعرفة عذر بعضهم البعض في الحالات الخلافية ــــــ
إن أحد تيارات التقريب، التي لها كثير من الدعاة العالمين والمدركين، الذين يثيرون ويتابعون تقريبهم، يؤكدون على المشتركات، والتماس العذر لبعضهم البعض في الحالات الخلافية والبحث العلمي، أو السكوت عن هذه الخلافات. وهم يؤمنون بهذه العقيدة، وهي أن المشتركات بين المذاهب الإسلامية تمثل 85 إلى 90 في المائة([15]).
1ـ الشيخ محمد آصف محسني ــــــ
نشر له كتاب بعنوان: تقريب المذاهب، من النظرية إلى العمل، قم، نشر أديان، 1386. ويتضمن عدة مقابلات تناولت مواضيع الوحدة المختلفة. ويقول في إحدى مقابلاته: التقريب يعني التعاون والتنسيق في إشاعة وحفظ المشتركات الدينية الكثيرة، وعذر كلّ واحد الآخر في الحالات الخلافية. ويحمل ذلك على أصل: للمصيب أجران، وللمخطئ أجر واحد. وأخوّة ومحبّة؛ على أنّهم مسلمين، وذلك على أصل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10)، في الحياة الأخلاقية، والاجتماعية والسياسية. وآخر الأمر الحالة الرابعة عدم إهانة الأئمة والأصول المذهبيّة لجميع أهل المذاهب الإسلامية([16]).
2ـ الشيخ محمد واعظ زاده خراساني ــــــ
نشر له كتابان في هذا المجال. أحدهما بعنوان: رسائل الوحدة. وهو يحتوي على مقابلاته في مجال الوحدة. وفي كتاب نداء الوحدة جمع خطبه في مجال الوحدة.
ويقول في كتاب رسائل الوحدة: وبناء على هذا إن ما نقبل به نحن والعلماء السابقون، وقد اتفقوا على صحته، هو أنّه على الرغم من أن جميع المذاهب الإسلامية لها أسس خاصة، وأصول مميزة خاصة بها، ومع جميع العناصر المشتركة الكثيرة التي بينها نجد نحن بدقّة نظر أنّ ما يقارب خمساً وثمانين في المائة، بل تسعين في المائة، عناصر اعتقادية وفقهية وأخلاقية مشتركة بين جميع المذاهب الإسلامية. ونحن يجب أن نؤكد على هذه الأصول المشتركة، التي تؤدي إلى وحدة المسلمين؛ لأن فلسفة حركتنا هي الوصول إلى الوحدة الإسلامية. ويبقى باب الاجتهاد مفتوحاً في بقية المسائل، التي هي محل اختلاف علماء المذاهب، ويكونون متقاربين بالبحث وتبادل وجهات النظر العلمية في المسائل الفقهية والكلامية والأخلاقية، والحصول على وجهات نظرهم([17]).
3ـ العلامة السمناني(1391هـ) ــــــ
بالإمكان القول: إن العلامة الحائري السمناني([18]) أيضاً، في مقالة «إلى إخواننا المسلمين»، والتي نشرت في سنة 1370هـ / 1951م، في مجلة رسالة الإسلام، له نفس وجهة النظر. فهو بالإضافة إلى اعتباره ضرورة رجوع مجتهدي الشيعة وأهل السنة إلى كتب الحديث الأربعة عشر (يعني الصحاح الستة، والكتب الأربعة، والوافي، وبحار الأنوار، ووسائل الشيعة، ومستدرك الوسائل)، ومن أجل تحقيق وفحص طريق المصالحة بين الشيعة والسنة في موضوع الإمامة والخلافة، وضَّح الأمر بهذا الشكل: فإن ملاك التسنُّن الخالص عن الزوائد التعصبية إنما هو صحة الخلافة الملّية، لا إنكار الإمامة السماوية المنصوصة، ولا الإعراض عن علوم أهل بيت الرسالة ورواياتهم وفتاواهم. كما أن ملاك التشيع الكامل اعتقاد الإمامة المنصوصة لعليّ والأئمة الأحد عشر من ولده، وافتراض طاعتهم في العلوم الدينية، لا إبطال خلافة مَنْ قام بمصالح الأمّة مع العدل والزهد والأمانة على بيت المال؛ لإمكان رضا الإمام المنصوص بها؛ ولو لصالح الوقت وخشية الفتنة. وقد كان الأمر في الصدر الأول على هذا المنوال([19]).
4ـ العلاّمة السيد مرتضى العسكري(1332ـ 1428هـ) ــــــ
كان اتّجاه العلاّمة العسكري في كتبه الوحدة بين المسلمين. ورغم أن الدكتور الزقاقي لا يرى في مؤلفات العلامة ذلك التقريب([20])، فالحقيقة أن سياسته ومنهجه كانتا تقريبيتين، بل لا يمكن وضعه في المجموعة الثانية من التيارات التي تدعو فقط إلى التعايش السلمي، وإنّما يرى من خلال كتاباته بأن سنّة النبيّ| منتشرة بين الفرق الإسلامية، ولا بُدَّ من الاعتراف بأنّها ليست حكراً على فرقة واحدة
قال&: أشير هنا أيضاً إلى أنني في مقالاتي وخطبي في أيّ بلد أذهب إليه، وحتى في حشد السلفيين والوهابيّين، أثير هذه النقطة، وهي أنّه ما دامت كلّ فرقة من الفرق تعتبر أن سنّة النبي| منحصرة بالروايات التي بين يديها، وتنفي وتُنكر السنة التي لدى الفرق الأخرى، فسوف نصبح كلّ يوم أكثر بعداً عن الوحدة الإسلامية، والحكومة الإسلامية العالمية([21]).
5ـ نعمة الله صالحي نجف آبادي(1302ـ 1385هـ.ش) ــــــ
أثار نفس وجهة النظر في المقالة التي كتبها في سنة 1404هـ ـ 1363هـ.ش، بعنوان: «الوحدة الإسلامية»: أصبح ملخص البحث وما تحصَّل من خمسة أدلة التالي: لو لم يقصر أهل السنة في الاجتهاد والتقليد، وحسب تفسير حديث الإمام محمد الباقر×: إذا كان محسنٌ (غيرُ ظالم) فإنّ أعماله مُجْزية. كما أنّ شلتوت في إحدى فتاواه أعلن أن العمل بفقه الإمامية مجزٍ. ونحن نفتي أن العمل بفقه أهل السنة لأهل السنة مجزٍ، وهم مأجورون عند الله تبارك وتعالى. وإذا كان هناك من مجتهد شيعي يكتشف أن هناك حالات في فقه أهل السنة أكثر صحّة من الفقه الشيعي يجب عليه أن يعمل بهذه الحالات التي في فقه أهل السنّة. فالعالم الحرّ والشجاع الشيخ شلتوت اتّخذ أول خطوة ثابتة من أجل الوحدة الإسلامية، وهذه القَدَم الثانية التي نتّخذها نحن بعد الشيخ شلتوت في المسألة المبحوثة في طريق الوحدة الإسلامية، والفضل للمتقدِّم([22]).
6ـ الشيخ محمود شلتوت ــــــ
أصدر الشيخ محمود شلتوت بعد أنشطة اجتماع التقريب في مصر، وتأثيره على كبار علماء الأزهر، في سنة 1378هـ، فتوى اعتبر فيها المذهب الشيعي مذهباً من المذاهب الإسلامية، وعمل أنصار هذا المذهب مجزياً.
وقد نشر متن هذه الفتوى في مجلة رسالة الإسلام([23]):
قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم؛ لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح، أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه، فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشريّة مثلاً؟
فأجاب فضيلته:
1ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه مذهباً معيناً، بل نقول: إن لكل مسلم الحقّ في أن يقلد بادئ ذي بدء أيّ مذهب من المذاهب المنقولة صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة. ولمَنْ قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره، أيّ مذهب كان، ولا حرج في شيء من ذلك.
2ـ إن مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً، كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحقّ لمذاهب معينة؛ فما كان دين الله وما كانت شريعته متابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، ويجوز لمَنْ ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقرّونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
الرابع: التفسير الخاصّ حول مسألة الإمامة ــــــ
حاول مجموعة من الشيعة أن يهيئوا الطرق لتحقق التقريب، من خلال تفسير خاص للإمامة في عقائد الشيعة. ويمكن أن نأتي بأسماء هؤلاء في هذا المجال:
حيدر علي قلمداران، السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، السيد أبو الفضل برقعي، السيد أحمد القبانجي، أحمد الكاتب. ونتناول الآن عرض وشرح وجهات نظرهم:
1ـ حيدر علي قلمداران ــــــ
له كتاب بعنوان: الطريق الرئيسي للاتحاد. وقد وزع بعد تصويره. ويتكون الكتاب من 289 صفحة، وكتب مقدمته السيد أبو الفضل برقعي. ويعتقد الكاتب، من خلال تأكيده على أفضلية وأحقية وأولوية أمير المؤمنين× بخلافة رسول الله|، وإمامته العلمية والمعنوية، بالتشكيك ونقد النصوص التي تحدَّثت عن الخلافة، ومسألة السقيفة بهذا المعنى: إن المادة الأصلية لاختلاف الأمة الإسلامية أتت من خلال ما تحصَّل([24]). وبتعبير آخر: بالإمكان التعبير عمّا كتب «بفصل مقام الإمام العلميّ عن الخلافة».
2ـ السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي ــــــ
نشر له كتاب اتّسم بوصف تحليلي يحمل وجهة نظره كالتالي: حلّ الاختلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة، ترجمه إلى العربية: سعد رستم، دمشق، الأوائل، 2002م. ويتكون من 80 صفحة، جيبي.
وهذا الكتاب عبارة عن ترجمة للقسم الخامس من كتاب الطريق باتجاه الوحدة الإسلامية، الذي تمّ نشره في سنة 1400هـ.
يعتقد الكاتب في هذا الكتاب أنّ مسألة التقريب بشكلها المتعارف عليه والدائر بين الناس لا يمكن أن تتحقّق بالنتيجة المرجوّة. فتأكيد علماء الشيعة على نصوص الإمامة، وتأكيد أهل السنة على أفضليّة الخلفاء، لا تثمر، ولا تجني أيّ فائدة، غير تأجيج النار أكثر. ويجب أن ينظر إلى التقريب بمنظور آخر. وجاء بأربعة مواضيع تتناول كبحثٍ واستكشاف علمي:
1ـ هل أن الإمامة منفصلة عن الإمارة والحكومة أم لا؟
2ـ كيف كان تصرف أئمّة أهل البيت مع حكام وولاة عصرهم؟
3ـ كيف كان سلوك أئمة أهل البيت مع فقهاء وأئمة مذاهب أهل السنّة؟
4ـ هل أن الخطأ في مسألة الإمامة يسبِّب خسراناً كبيراً في الآخرة، ويؤدي بالشخص إلى جهنم؟
يستنتج الكاتب في المسألة الأولى، مستنداً إلى آيات من القرآن الكريم، أن الإمامة أمر معنوي وروحي، وتشير إلى أنّ الإمام يصل إلى هذه المقامات المعنوية الروحية. وهذا المنصب لا يتلازم مع الحكومة والإدارة والزعامة الاجتماعية. وفي هذا المجال يشير إلى قصة طالوت والنبي في سورة البقرة: 246 ـ 247.
وفي المسألة الثانية يعتقد، مستنداً إلى رسالة أمير المؤمنين في الغارات، أن الإمام علي× كان موافقاً على حكومة الخليفة الأول والثاني، وقد أعطاهم البيعة. ومن الطبيعي أن مبايعته للخليفة الأول تمت بعد ستة أشهر، وبعد وفاة فاطمة الزهراء÷. بعد ذلك ينقل نماذج من خطب أمير المؤمنين× تتحدّث عن الرضا عن سيرة الشيخين، والتشاور معهما. ومن ثم أورد نماذج من خطب زيد حول الشيخين، وخطبة للإمام السجّاد× في هذا المجال، وأيضاً إحدى خطب الإمام الحسين× في أهل البصرة يذكر فيها الخلفاء بالقول الحَسَن.
وفي المسألة الثالثة يعتقد أنّ الأئمة^ يتصرّفون مع فقهاء وعامة أهل السنّة بكرمٍ ومحبة. وأورد نماذج من أحاديث الشيعة كشاهدٍ على هذا الأمر.
ثم بعد ذلك يصل إلى المسألة الرابعة، ويعتبرها أهمّ المسائل، ويقول: إذا كان هناك مَنْ ينكر خطأً الإمامة والخلافة فلا يعتبر هذا دليلاً على الخسران المعنوي يوم القيامة. وجاء بنماذج من روايات الشيعة على ذلك. وبعد ذلك جاء بروايات من كتب أهل السنّة، والتي تنطبق وفقها شروط النجاة والإيمان على الشيعة.
3ـ أحمد الكاتب ــــــ
كانت لهذا الكاتب في العشرة الأخيرة كتابات حساسة في مسائل الشيعة العقائدية. وإحدى هذه الكتابات بعنوان: السنّة والشيعة، وحدة الدين، وخلاف السياسة والتاريخ، لندن، دار الشورى؛ بيروت، الدار العربية للعلوم، 1428هـ ـ 2007م، 216 صفحة، وزيري.
وقد نظم هذا الكتاب في ثلاثة أبواب: الباب الأول: وحدة الدين؛ الباب الثاني: الاختلافات السياسيّة والتاريخية؛ الباب الثالث: طريق الوحدة.
تناول في الباب الأول، ضمن ثلاثة فصول، أهم المشتركات والاختلافات التي بين الشيعة وأهل السنّة في ثلاث ميادين من الاعتقادات، والمصادر الأصلية للدين (القرآن، السنة، الإجماع، العقل).
وفي الباب الثاني أيضاً، خلال ثلاثة فصول، انتقد وبحث موقف ومكانة الصحابة لدى الشيعة وأهل السنة، وأظهر عنايةً واهتماماً بالأدعية والزيارات التي في كتب الشيعة، والاختلافات السياسية بين الفريقين.
وكان في الباب الثالث، الذي يعتبر آخر الأبواب، ملخص الحكم والقرار الختامي لنظرية الكاتب.
إنّ موقفه ورأيه في باب التقريب تلخّصهما هذه العبارة: ولعل موضوع الإمامة الإلهية لأهل البيت والعصمة والنص وموضوع (الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر الغائب) من أبرز المواضيع التي تحتاج إلى مزيدٍ من النقد والتمحيص؛ وذلك لأن هذه المواضيع تشكِّل أساس المذهب الإمامي الاثني عشري، ومادّة الخلاف الرئيسة مع بقية المسلمين([25]).
الخامس: التأكيد على المشتركات، والتنقيح، مع قراءة النقاط الخلافية ــــــ
على ما يبدو أن هذه الآراء تكوّن في المستقبل تغييرات منطقية وحكيمة في مسألة التقريب. وأحد الذين أعربوا عن وجهة نظرهم هذه الدكتور أحمد الزقاقي. وقد وضح هذه النظرية على النحو التالي: «التصحيح: وهو ضرب من النقد الذاتي يقوم به علماء كلّ مذهب؛ لمواجهة الانحرافات التاريخية التي أنتجت الفرقة»([26]). كتب الدكتور أحمد الزقاقي كتابين حول التقريب:
1ـ التقريب بين الشيعة وأهل السنة، وتحديات الاختلاف والتصحيح، الأردن، عالم الكتب الحديث وجدار الكتاب العالمي، 1429هـ ـ 2008م.
بعد مقدمة تحليلية في أهمية تناول التقريب، وتقرير تحليلي عمّا كتب في هذا المجال، ينظِّم الزقاقي الكتاب في أربعة أقسام. في القسم الأول يتحدّث باختصار عن تشكيل الشيعة وأهل السنة. في القسم الثاني يعدِّد نقاط الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة في ثلاثة ميادين: السياسة والحكومة؛ العقائد؛ والفقه. ويتناول في ميدان السياسة مسألة الإمامة وشؤون ومسائل أخرى، مثل: النص أو الاختيار، وعدد الأئمة. وفي ميدان العقائد يضع تقريراً حول أراء الشيعة في مجال الإمامة، والعصمة، والتقية، والبداء، والرجعة. وفي ميدان الفقه يتناول خمس مسائل: غسل الأرجل في الوضوء، المسح على الخفّ، الجمع بين الصلاتين، الزواج المؤقَّت، الخمس وإرث البنت.
وجاء الباب الثالث تحت عنوان: التصحيح في سياق التاريخ والعقل والعواطف، ويلفت الانتباه إلى ضرورة تنقيح الشيعة وأهل السنة لآرائهم الخاصة، وإصلاحها، في ضوء التاريخ، والعقل، والعواطف، والإحساسات. ويعتبر أنّ إصلاح بعض الخرافات التاريخية التي لدى الشيعة وأهل السنة، ونقد الأخباريين والسلفيّين، وكذلك انحراف أهل السنة عن أهل البيت، وبِدَع عاشوراء، من المصاديق البارزة لهذه التنقيحات.
وآخر قسمٍ من الكتاب خصّّه بالتقريب، ومن مفهومه تشعّب إلى عدة مفاهيم في مجال التقريب، وتحدث أيضاً عن طريق التقريب.
وهذا القسم من الكتاب متّصل به مرفقات ستّة، شرحها كالتالي:
البيان النهائي لملتقى التقريب الأوّل، الذي أقيم في الرباط، في سنة 1412هـ ـ 1991م.
البيان النهائي لملتقى التقريب الثاني، الذي أقيم في الرباط، في سنة 1417هـ ـ 1996م.
البيان النهائي لمؤتمر الوحدة الدولي الخامس، الذي أقيم في طهران 1413هـ.
البيان النهائي لمؤتمر الوحدة الدولي الثامن، الذي أقيم في طهران 1416هـ.
إن جواب أحمد الكاتب للقزويني في مجال الإمامة يعتبر مثالاً عن التنقيح من داخل الشيعة.
ومقالة عبد السلام ياسين حول الانحراف بعد أنْ قتل عثمان في التاريخ الإسلامي تعتبر مثالاً عن التنقيح ضمن أهل السنة.
2ـ الأساس التشريعي للوحدة بين الشيعة وأهل السنة، الأردن، عالم الكتب الحديث، 1429هـ ـ 2008م.
يعتبر هذا الكتاب الثاني للكاتب في مجال التقريب. وهو يعتقد في الكتاب الأوّل أنّ الخطوات الأولية والنظرية التي قد تمّ الحصول عليها للتقريب عبارة عن:
1ـ معرفة كلٌّ من الشيعة وأهل السنة لبعضهم البعض.
2ـ معرفة نقاط الاختلاف.
3ـ الاعتقاد بالإصلاح والتنقيح.
4ـ التقرير التاريخي عن الأنشطة التقريبية لدى الشيعة وأهل السنة.
وبناء على هذا فإن الأسس والركائز الدينية لمسألة التقريب في هذا الكتاب تتابع. وقد نظم الكتاب في قسمين:
في القسم الأول يعول على نظريات التقريب والوحدة بين المسلمين في الدورتين الأخيرتين. ويذكر في هذا المجال أربع نظريات: تجربة المجتمع الإسلامي، تجربة المجتمع العربي، نظرية مالك بن نبي، والنظرية المعنونة بنظرية أهل البيت في الوحدة الإسلامية. ويوضح النقاط الموجبة والسالبة لهذه النظريات في هذا القسم.
وفي القسم الثاني يعتبر أن الأساس التشريعي للوحدة المصالحة في مصادر الاستنباط. في هذا المجال يشير أولاً إلى المجالات الثقافية لهذا الأمر، وعندئذٍ يجعل محورين هما: القرآن والسنة؛ ثم الإجماع، على أنّهما مصدرا استنباط خاضعان للتدقيق.
التصنيف ــــــ
يمكن القول في تحليلٍ مختصر:
1ـ من خلال هذه الاتجاهات الخمسة تعتبر وجهة النظر الأولى والرابعة وجهتي نظر شاذّتين، حيث يتبناها إمّا المتطرفين أو المتّهمين بالانحراف، وليس لها حظٌّ عند أكثر المجتمعات الإسلامية وعلمائها.
2ـ وجهة النظر الثانية أمر قد عجن بالفطرة والسجايا الإنسانية. والفطرة الأولية لبني آدم هي التعايش السلمي مع جميع أبناء البشر، المبنيّ على الحبّ وتقبُّل الجميع، ويُعتَبر اللاختلاف والنزاع في الحياة طرداً عن الفطرة والسجية الإنسانية. وبالتالي إذا لم تفرض على المجتمع الإسلامي حالة من الداخل أو الخارج فمن المسلَّم أن المسلمين سوف يتصرفون مع بعضهم بهذا الشكل، ولا يحتاجون إلى دعوة وتشجيع.
3ـ من خلال وجهة النظر الثالثة والخامسة، فإنّ ما كان قد لاقى قبولاً أكثر لدى مفكِّري التقريب، ويُروِّجون له، وجهة النظر الثالثة. ولكنْ حسب اعتقادنا فإن ما يمكن أن يكون دائماً وثابتاً هو وجهة النظر الخامسة. يجب على علماء المذاهب بعد أن يقطعوا هذه المراحل ويتقبّلوا الصعوبات، حيث يُرجعون أحياناً بعض الحالات الخلافية إلى الأصول الإسلامية المشتركة، وأحياناً إلى نفس أصولهم المذهبية. وفي ضوء هذا الإرجاع تُزاح الأشياء غير الصحيحة، ويقطع الطريق على المنازعات.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعد في الجامعة الإسلامية الحرّة، قسم العلوم والتحقيقات، طهران.
([1]) أحمد الزقاقي، التقريب بين الشيعة والسنة وتحديات الاختلاف والتصحيح: 5ـ 7؛ الأساس التشريعي للوحدة بين الشيعة وأهل السنة: 3.
([2]) محمد واعظ زاده خراساني، رسالة الوحدة: 132ـ 133، 150.
([3]) الحائري السمناني، إلى أخواننا المسلمين، رسالة الإسلام، العدد 4: 140ـ 141، السنة 12.
([4]) أحمد محمد شاكر، نظام الطلاق في الإسلام: 67، 59، 80 ـ 81، 152ـ 154.
([5]) ناصر عبد الله بن علي القفاري، مسألة التقريب بين أهل السنة و الشيعة 2: 278.
([8]) المصدر السابق: 2: 278ـ 279.
([9]) المؤامرة على الكعبة من القرامطة إلى الخميني: 45، منقول عن الزقاقي، التقريب بين الشيعة والسنة وتحديات الاختلاف والتصحيح: 270.
([10]) مناظرة بين أحد العلماء الشيعة مع عالم سنّة أصفهان: 27.
([12]) للحصول على مثال لهذا التحليل راجع: مقالة «تأليف أهل القبلة»، مجلة الحوزة، العدد 12: 105 ـ 122، 1364هـ.ش ـ 1406هـ.
([13]) برسي سايكس، تاريخ إيران 2: 366؛ لارنس، نادر شاه: 131.
([14]) محمد حسين أردشير، نظرات على الوحدة الإسلامية منذ القدم إلى اليوم الحاضر مع الاعتماد على الحزب الإسلامي: 546.
([15]) راجع: محمد واعظ زاده خراساني، رسالة الوحدة: 151.
([16]) محمد آصف محسني، تقريب المذاهب من النظرية إلى العمل: 107.
([17]) محمد واعظ زاده خراساني، رسالة الوحدة: 151، 133.
([18]) الحائري السمناني، إلى أخواننا المسلمين، رسالة الإسلام، السنة 12، العدد 4.
([20]) أحمد الزقاقي، التقريب بين الشيعة والسنة وتحديات الاختلاف والتصحيح: 16.
([21]) لقاء مع آية الله السيد مرتضى العسكري، مجلّة علوم الحديث، العدد 20: 90، الصيف.
([22]) نعمة الله صالح نجف آبادي، مجموعة مقالات: 189.
([23]) مجلّة رسالة الإسلام، العدد 3: 1، السنة 11، 1379هـ ـ 1959م.
([25]) أحمد الكاتب، السنة والشيعة، وحدة الدين، خلاف السياسة والتاريخ: 61.
([26]) أحمد الزقاقي، التقريب بين الشيعة والسنة وتحديات الاختلاف والتصحيح: 5.